فصل: الفصل السادس: في بيان أجزاء العلوم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم (نسخة منقحة)



.التقسيم السابع:

لصاحب مدينة العلوم ويأتي في أول القسم الثاني من هذا الكتاب وما أوفقه بهذا التقسيم كأنه هو.
قف: ولا يخفى عليك أن التعقب على الكتب سيما الطويلة سهل بالنسبة إلى تأليفها ووضعها وترصيفها كما يشاهد في الأبنية العظيمة والهياكل القديمة حيث يعترض على بانيها من عري في فنه عن القوى والقدر بحيث لا يقدر على وضع حجر على حجر.
هذا جوابي عما يرد على كتابي أيضا. وقد كتب أستاذ العلماء البلغاء القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني إلى العماد الأصفهاني معتذرا عن كلام استدركه عليه إنه قد وقع لي شيء وما أدري أوقع لك أم لا وها أنا أخبرك به وذلك أني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر انتهى.
هذا اعتذار قليل المقدار عن جميع الإيرادات والأنظار إجمالا وأما التفصيل فسيأتي في موضع كل علم مع توجيهه بإنصاف وحلم وربما زيد على ما ذكره من العلوم على طريق الاستدراك بتمكين مانح القريحة والذهن الدراك.

.الفصل السادس: في بيان أجزاء العلوم:

قالوا: كل علم من العلوم المدونة لا بد فيه من أمور ثلاثة: الموضوع والمسائل والمبادئ. وهذا القول مبني على المسامحة فإن حقيقة كل علم مسائله وعد الموضوع والمبادئ من الأجزاء إنما هو لشدة اتصالهما بالمسائل التي هي المقصودة في العلم.
أما الموضوع فقالوا: موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية وتوضحيه: إن كمال الإنسان بمعرفته أعيان الموجودات من تصوراتها والتصديق بأحوالها على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية.
ولما كانت معرفتها بخصوصها متعذرة مع عدم إفادتها كمالا معتدا به لتغيرها وتبدلها أخذوا المفهومات الكلية الصادقة عليها ذاتية كانت أو عرضية وبحثوا عن أحوالها من حيث انطباقها عليها ليفيد علمها بوجه كلي علما باقيا أبد الدهر.
ولما كان أحوالها متكثرة وضبطها منتشرة مختلطة متعسرا اعتبروا الأحوال الذاتية لمفهوم مفهوم وجعلوها علما منفردا بالتدوين وسموا ذلك المفهوم موضوعا لذلك العلم لأن موضوعات مسائله راجعة إليه فصارت كل طائفة من الأحوال المتشاركة في موضوع علما منفردا ممتازا في نفسه عن طائفة أخرى متشاركة في موضوع آخر فجاءت علومهم متمايزة في أنفسها بموضوعاتها، وهذا أمر استحساني إذ لا مانع عقلا من أن يعد كل مسألة علما برأسه ويفرد بالتعليم ولا من أن تعد مسائل كثيرة غير متشاركة في موضوع واحد علما واحدا ويفرد بالتدوين.
فالامتياز الحاصل للطالب بالموضوع إنما هو للمعلومات بالأصالة وللعلوم بالتبع والحاصل بالتعريف. على عكس ذلك إن كان تعريفا للعلم وإن كان تعريفا للمعلوم فالفرق أنه قد لا يلاحظ الموضوع.
ثم إنهم عمموا الأحوال الذاتية وفسروها بما يكون محمولا على ذلك المفهوم إما لذاته أو لجزئه الأعم أو المساوي فإن له اختصاصا بالشيء من حيث كونه من أحوال مقومه أو للخارج المساوي له سواء كان شاملا لجميع أفراد ذلك المفهوم على الإطلاق أو مع مقابله مقابلة التضاد أو العدم والملكة دون مقابلة السلب والإيجاب إذ المتقابلان تقابل السلب والإيجاب لا اختصاص لهما بمفهوم دون مفهوم ضبطا للانتشار بقدر الإمكان، فأثبتوا الأحوال الشاملة على الإطلاق لنفس الموضوع والشاملة مع مقابلتها لأنواعه واللاحقة للخارج المساوي لعرضه الذاتي. ثم إن تلك الأعراض الذاتية لها عوارض ذاتية شاملة لها على الإطلاق أو على التقابل فأثبتوا العوارض الشاملة على الإطلاق لنفس الأعراض الذاتية والشاملة على التقابل لأنواع تلك الأعراض وكذلك عوارض تلك العوارض، وهذه العوارض في الحقيقة قيود للأعراض المثبتة للموضوع ولأنواعه إلا أنها لكثرة مباحثها جعلت محمولات على الأعراض. وهذا تفصيل ما قالوا: معنى البحث عن الأعراض الذاتية أن تثبت تلك الأعراض لنفس الموضوع أو لأنواعه أو لأعراضه الذاتية أو لأنواعها أو لأغراض أنواعها.
وبهذا يندفع ما قيل: إنه ما من علم إلا ويبحث فيه عن الأحوال المختصة بالمعادن والنباتات والحيوانات وذلك لأن المبحوث عنه في العلم الطبيعي أن الجسم ما ذو طبيعة أو ذو نفس آلي أو غير آلي وهي من عوارضه الذاتية والبحث عن الأحوال المختصة بالعناصر وبالمركبات التامة وغير التامة كلها تفصيل لهذه العوارض وقيود لها. ولاستصعاب هذا الإشكال قيل: المراد بالبحث عن الأعراض الذاتية حملها على موضوع العلم كقول صاحب علم أصول الفقه: الكتاب يثبت الحكم قطعا.
أو على أنواعه كقوله: الأمر يفيد الوجوب. أو على أعراضه الذاتية كقوله: يفيد القطع. أو على أنواع أعراضه الذاتية كقوله: العام الذي خص منه يفيد الظن.
وقيل: معنى قولهم يبحث فيه عن عوارضه الذاتية أنه يرجع البحث فيه إليها بأن يثبت أعراضه الذاتية له أو يثبت لنوعه ما هو عرض ذاتي لذلك النوع أو لعرضه الذاتي ما هو عرض ذاتي لذلك العرض أو يثبت لنوع العرضي الذاتي ما هو عرض ذاتي لذلك النوع. ولا يخفى عليك أنه يلزم دخول العلم الجزئي في العلم الكلي كعلم الكرة المتحركة في علم الكرة وعلم الكرة في العلم الطبيعي لأنه يبحث فيها عن العوارض الذاتية لنوع الكرة أو الجسم الطبيعي أو لعرضه الذاتي أو لنوع عرضه الذاتي.
ثم اعلم أن هذا الذي ذكر من تفسير الأحوال الذاتية إنما هو على رأي المتأخرين الذاهبين إلى أن اللاحق للشيء بواسطة جزئه الأعم من أعراضه الذاتية المبحوث عنها في العلم فإنهم ذكروا أن العرض هو المحمول على الشيء الخارج عنه وأن العرض الذاتي هو الخارج المحمول الذي يلحق الشيء لذاته بأن يكون منتهاه الذات كلحوق إدراك الأمور الغريبة للإنسان بالقوة أو يلحقه بواسطة جزئه الأعم كلحوق التحيز له لكونه جسما أو المساوي كلحوق التكلم له لكونه ناطقا أو يلحقه بواسطة أمر خارج مساو كلحوق التعجب له لإدراكه الأمور المستغربة.
وأما ما يلحق الشيء بواسطة أمر خارج أخص أو أعم مطلقا أو من وجه أو بواسطة أمر مبائن فلا يسمى عرضا ذاتيا بل عرضا غريبا.
والتفصيل أن العوارض ستة لأن ما يعرض الشيء إما أن يكون عروضه لذاته أو لجزئه أو لأمر خارج عنه سواء كان مساويا له أو أعم منه أو أخص أو مبائنا فالثلاثة الأول تسمى أعراضا ذاتية لاستنادها إلى ذات المعروض أي لنسبتها إلى الذات نسبة قوية وهي كونها لاحقة بلا واسطة أو بواسطة لها خصوصية بالتقديم أو بالمساواة.
والبواقي تسمى أعراضا غريبة لعدم انتسابها إلى الذات نسبة قوية. وأما المتقدمون فقد ذهبوا إلى أن اللاحق بواسطة الجزء الأعم من الأعراض الغريبة التي لا يبحث عنها في ذلك العلم وعرفوا العرض الذاتي بالخارج المحمول الذي يلحق الشيء لذاته أو لما يساويه سواء كان جزءا لها أو خارجا عنها.
قيل: هذا هو الأولى إذ الأعراض اللاحقة بواسطة الجزء الأعم تعم الموضوع وغيره فلا تكون آثارا مطلوبة له لأنها هي الأعراض المعينة المخصوصة التي تعرضه بسبب استعداده المختص ثم في عد العارض بواسطة المباين مطلقا من الأعراض الغريبة نظرا إذ قد يبحث في العام الذي موضوعه الجسم الطبيعي عن الألوان مع كونها عارضة له بواسطة مبانيه وهو السطح.
وتحقيقه أن المقصود في كل علم مدون بيان أحوال موضوعه أعني أحواله التي توجد فيه ولا توجد في غيره ولا يكون وجودها فيه بتوسط نوع مندرج تحته فإن ما يوجد في غيره لا يكون من أحواله حقيقة بل هو من أحوال ما هو أعم منه.
والذي يوجد فيه فقط لكنه لا يستعد لعروضه ما لم يصر نوعا مخصوصا من أنواعه كان من أحوال ذلك النوع حقيقة. فحق هاتين الحالين أن يبحث عنهما في علمين موضوعهما ذلك الأعم والأخص وهذا أمر استحساني كما لا يخفى.
ثم الأحوال الثابتة للموضوع على الوجه المذكور على قسمين:
أحدهما: ما هو عارض له وليس عارضا لغيره إلا بتوسطه وهو العرض الأولي.
وثانيهما: ما هو عارض لشيء آخر وله تعلق بذلك الموضوع بحيث يقتضي عروضه له بتوسط ذلك الآخر الذي يجب أن لا يوجد في غير الموضوع سواء كان داخلا فيه أو خارجا عنه إما مساويا له في الصدق أو مباينا له فيه ومساويا في الوجود.
فالصواب أن يكتفي في الخارج بمطلق المساواة سواء كانت في الصدق أو في الوجود فإن المباين إذا قام بالموضوع مساويا له في الوجود ووجد له عارض قد عرض له حقيقة لكنه يوصف به الموضوع كان ذلك العارض من الأحوال المطلوبة في ذلك العلم لكونها ثابتة للموضوع على الوجه المذكور.
واعلم أيضا أن المطلوب في العلم بيان إنية تلك الأحوال أي: ثبوتها للموضوع سواء علم لميتها أي علة ثبوتها له أو لا.
واعلم أيضا أن المعتبر في العرض الأولي هو انتفاع الواسطة في العروض دون الواسطة في الثبوت التي هي أعم. يشهد بذلك أنهم صرحوا بأن السطح من الأعراض الأولية للجسم التعليمي مع أن ثبوته بواسطة انتهائه وانقطاعه وكذلك الخط للسطح والنقطة للخط.
وصرحوا بأن الألوان ثابتة للسطوح أولا وبالذات مع أن هذه الأعراض قد فاضت على محالها من المبدأ الفياض. وعلى هذا فالمعتبر فيما يقابل العرض الأولي أعني سائر الأقسام ثبوت الواسطة في العروض.
وإن شئت الزيادة على ما ذكرنا فارجع إلى شرح المطالع وحواشيه وغيرها من كتب المنطق.
فائدة قالوا: يجوز أن تكون الأشياء الكثيرة موضوعا لعلم واحد لكن لا مطلقا بل بشرط تناسبها بأن تكون مشتركة في ذاتي كالخط والسطح والجسم التعليمي للهندسة فإنها تشارك في جنسها وهو المقدار أو في عرضي كبدن الإنسان وأجزائه والأغذية والأدوية والأركان والأمزجة وغير ذلك إذا جعلت موضوعات للطب فإنها تتشارك في كونها منسوبة إلى الصحة التي هي الغاية القصوى في ذلك العلم.
فائدة: قالوا: الشيء الواحد لا يكون موضوعا للعلمين. وقال صدر الشريعة: هذا غير ممتنع فإن الشيء الواحد له أعراض متنوعة ففي كل علم يبحث عن بعض. منها ألا ترى أنهم جعلوا أجسام العالم وهي البسائط موضوع علم الهيئة من حيث الشكل وموضوع علم السماء والعالم من حيث الطبيعة وفيه نظر.
أما أولا: فلأنهم لما حاولوا معرفة أحوال أعيان الموجودات وضعوا الحقائق أنواعا وأجناسا وبحثوا عما أحاطوا به من أعراضها الذاتية فحصلت لهم مسائل كثيرة متحدة في كونها بحثا عن أحوال ذلك الموضوع. وإن اختلفت محمولاتها فجعلوها بهذا الاعتبار علما واحدا يفرد بالتدوين والتسمية. وجوزوا لكل أحد أن يضيف إليه ما يطلع عليه من أحوال ذلك الموضوع. فإن المعتبر في العلم هو البحث عن جميع ما تحيط به الطاقة الإنسانية من الأعراض الذاتية للموضوع. فلا معنى للعلم الواحد إلا أن يوضع بشيء أو أشياء متناسبة فيبحث عن جميع عوارضه ولا معنى لتمايز العلوم. إلا أن هذا ينظر في أحوال شيء وذلك في أحوال شيء آخر مغاير له بالذات أو بالاعتبار بأن يؤخذ في أحد العلمين مطلقا وفي الآخر مقيدا أو يؤخذ في كل منهما مقيدا بقيد آخر. وتلك الأحوال مجهولة مطلوبة والموضوع معلوم بين الموجود وهو الصالح سببا للتمايز.
وأما ثانيا: فلأنه ما من علم إلا ويشتمل موضوعه على أعراض ذاتية متنوعة فلكل أحد أن يجعله علوما متعددة بهذا الاعتبار مثلا يجعل البحث عن فعل المكلف من حيث الوجوب علما ومن حيث الحرمة علما آخر إلى غير ذلك. فيكون الفقه علوما متعددة موضوعها فعل المكلف فلا ينضبط الاتحاد والاختلاف.
فائدة: قال صدر الشريعة: قد تذكر الحيثية في الموضوع. وله معنيان.
أحدهما: أن الشيء مع تلك الحيثية موضوع كما يقال: الموجود من حيث إنه موجود أي: من هذه الجهة. وبهذا الاعتبار موضوع العلم الإلهي فيبحث فيه عن الأحوال التي تلحقه من حيث إنه موجود كالوحدة والكثرة ونحوهما. ولا يبحث فيه عن تلك الحيثية أي حيثية الوجود لأن الموضوع ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية لا ما يبحث عنه وعن أجزائه.
وثانيهما: أن الحيثية تكون بيانا للأعراض الذاتية المبحوث عنها فإنه يمكن أن يكون للشيء عوارض ذاتية متنوعة وإنما يبحث في علم من نوع منها.
فالحيثية بيان لذلك النوع فيجوز أن يبحث عنها فقولهم: موضوع الطب بدن الإنسان من حيث إنه يصح ويمرض. وموضوع الهيئة أجسام العالم من حيث إن لها شكلا يراد به المعنى. الثاني لا الأول إذ في الطب يبحث عن الصحة والمرض وفي الهيئة عن الشكل فلو كان المراد الأول لم يبحث عنها.
قيل: ولقائل أن يقول: لا نسلم أنها في الأول جزء من الموضوع بل قيد لموضوعيته بمعنى أن البحث يكون عن الأعراض التي تلحقه من تلك الحيثية. وبذلك الاعتبار وعلى هذا لو جعلنا في القسم الثاني أيضا قيدا للموضوع لا بيانا للأعراض الذاتية على ما هو ظاهر كلام القوم لم يكن البحث عنها في العلم بحثا عن أجزاء الموضوع ولم يلزم للقوم ما لزم لصدر الشريعة- رحمه الله- من تشارك العلمين في موضوع واحد بالذات والاعتبار.
وأما الإشكال بلزوم عدم كون الحيثية من الأعراض المبحوث عنها في العلم ضرورة أنها ليست مما يعرض للموضوع من جهة نفسها وإلا لزم تقدم الشيء على نفسه مثلا: ليست الصحة والمرض مما يعرض لبدن الإنسان من حيث يصح ويمرض فالمشهور في جوابه: أن المراد من حيث إمكان الصحة والمرض وهذا ليس من الأعراض المبحوث عنها.
والتحقيق أن الموضوع لما كان عبارة عن المبحوث عنه في العلم عن أعراضه الذاتية قيد بالحيثية على معنى أن البحث عن العوارض إنما يكون باعتبار الحيثية وبالنظر إليها أي: يلاحظ في جميع المباحث هذا المعنى الكلي لا على معنى أن جميع العوارض المبحوث عنها يكون لحقوها للموضوع بواسطة هذه الحيثية البتة. وتحقيق هذه المباحث يطلب من التوضيح والتلويح.
وأما المسائل فهي القضايا التي يطلب بيانها في العلوم وهي في الأغلب نظريات وقد تكون ضرورية فتورد في العلم إما لاحتياجها إلى تنبيه يزيل عنها خفاءها أو لبيان لميتها لأن القضية قد تكون بديهية دون لميتها ككون النار محرقة فإنه معلوم الإنية أي: الوجود مجهول اللمية كذا في شرح المواقف وبعض حواشي تهذيب المنطق وقال المحقق التفتازاني- رحمه الله-: المسألة لا تكون إلا نظرية وهذا مما لا اختلاف فيه لأحد وما قيل من احتمال كونها غير كسبية فهو ظاهر.
ثم للمسائل موضوعات ومحمولات أما موضوعها فقد يكون موضوع العلم كقولنا: كل مقدار إما مشارك للآخر أو مبائن والمقدار موضوع علم الهيئة وقد يكون موضوع العلم مع عرض ذاتي كقولنا: كل مقدار وسط في النسبة فهو ضلع ما يحيط به الطرفان فقد أخذ في المسألة المقدار مع كونه وسطا في النسبة وهو عرض ذاتي. وقد يكون نوع موضوع العلم كقولنا: كل خط يمكن تصنيفه فإن الخط نوع من المقدار.
وقد يكون نوعا مع عرض ذاتي كقولنا: كل خط قام على خط فإن زاويتي جنبتيه قائمتان أو مساويتان لهما فالخط نوع من المقدار وقد أخذ في المسألة مع قيامه على خط وهو عرض ذاتي. وقد يكون عرضا ذاتيا كقولنا: كل مثلث فإن زواياه مثل القائمتين فالمثلث عرض ذاتي للمقدار وقد يكون نوع عرض ذاتي كقولنا: كل مثلث متساوي الساقين فإن زاويتي قاعدته متساويتان.
وبالجملة: فموضوعات المسائل هي موضوعات العلم أو أجزاؤها أو أعراضها الذاتية أو جزئياتها. وأما محمولاتها فالأعراض الذاتية لموضوع العلم فلا بد أن تكون خارجة عن موضوعاتها لامتناع أن يكون جزء الشيء مطلوبا بالبرهان لأن الأجزاء بينه الثبوت للشيء. كذا في شرح الشمسية.
اعلم: أن من عادة المصنفين أن يذكروا عقيب الأبواب ما شذ منها من المسائل فتصير مسائل من أبواب متفرقة فترجم تارة بمسائل منشورة وتارة بمسائل شتى كذا في فتح القدير وأكثر ما يوجد ذلك في كتب الفقه.
وأما المبادئ فهي التي تتوقف عليها مسائل العلم أي تتوقف على نوعها مسائل العلم أي التصديق بها إذ لا توقف للمسألة على دليل مخصوص. وهي إما تصورات أو تصديقات.
أما التصورات: فهي حدود الموضوعات أي: ما يصدق عليه موضوع العلم لا مفهوم الموضوع كالجسم الطبيعي وحدود أجزائها كالهيولي والصورة وحدود جزئياتها كالجسم البسيط وحدود أعراضها الذاتية كالحركة للجسم الطبيعي. وخلاصته تصور الأطراف على وجه هو مناط للحكم.
وأما التصديقات: فهي مقدمات إما بينة بنفسها وتسمى علوما متعارفة كقولنا في علم الهندسة: المقادير المتساوية لشيء واحد متساوية. وإما غير بينة بنفسها سواء كانت مبينة هناك أو في محل آخر أو في علم آخر يتوقف عليها الأدلة المستعملة في ذلك العلم سواء كانت قياسات أو غيرها من الاستقراء والتمثيل وحصرها في المبينة فيه والمبينة في علم آخر وفي أجزاء القياسات كما توهم محل نظر.
ثم الغير البينة بنفسها إما مسلمة فيه أي في ذلك العلم على سبيل حسن الظن وتسمى أصولا موضوعة كقولنا في علم الهندسة: لنا أن نصل بين كل نقطتين بخط مستقيم أو مسلمة في الوقت أي: وقت الاستدلال مع استنكار وتشكك إلى أن تستبين في موضعها وتسمى مصادرات لأنه تصدر بها المسائل التي تتوقف عليها كقولنا فيه: لنا أن نرسم على كل نقطة وبكل بعد دائرة. ونوقش في المثال بأنه لا فرق بينه وبين قولنا: لنا أن نصل الخ في قبول المتعلم بهما بحسن الظن.
وأورد مثال المصادرة قول إقليدس: إذا وقع خط على خطين وكانت الزاويتان الداخلتان أقل من قائمتين فإن الخطين إذا أخرجا بتلك الجهة التقيا. لكن لا استبعاد في ذلك إذ المقدمة الواحدة قد تكون أصلا موضوعا عند شخص مصادرة عند شخص آخر.
ثم الحدود والأصول الموضوعة والمصادرات يجب أن يصدر بها العلم وأما العلوم المتعارفة فعن تصدير العلم بها غنية لظهورها وربما تخصص العلوم المتعارفة بالصناعة إن كانت عامة وتصدر بها في جملة المقدمات كما فعل إقليدس في كتابه.
واعلم أن التصدير قد يكون بالنسبة إلى العلم نفسه بأن يقدم عليه جميع ما يحتاج إليه وقد يكون بالنسبة إلى جزئه المحتاج لكن الأول أولى.
هذا وقد تطلق المبادئ عندهم على المعنى الأعم وهو ما يبدأ به قبل الشروع في مقاصد العلم.
كما يذكر في أوائل الكتب قبل الشروع في العلم لارتباطه به في الجملة سواء كان خارجا من العلم بأن يكون من المقدمات وهي ما يكون خارجا يتوقف عليه الشروع فيه ولو على وجه البصيرة أو على وجه كمال البصيرة ووفور الرغبة في تحصيله بحيث لا يكون عبثا عرفا أو في نظره كمعرفة العلم برسمه المفيد لزيادة البصيرة ومعرفة غايته أو لم يكن خارجا عنه بل داخلا فيه بان يكون من المبادئ أعم من المقدمات أيضا فإن المقدمات خارجة عن العلم لا محالة بخلاف المبادئ والمبادئ بهذا المعنى قد تعد أيضا من أجزاء العلم تغليبا. وإن شئت تحقيق هذا فارجع إلى شرح مختصر الأصول وحواشيه.
ومنهم من فسر المقدمة بما يعين في تحصيل الفن فتكون المقدمات أعم كذا قيل: يعني: تكون المقدمات بهذا المعنى أعم من المبادي بالمعنى الأول لا من المبادي بالمعنى الثاني وإن اقتضاه ظاهر العبارة إذ بينها وبين المبادئ بالمعنى الثاني هو المساواة إذ ما يستعان به في تحصيل الفن يصدق عليه أنه مما يتوقف عليه الفن إما مطلقا أو على وجه البصيرة أو على وجه كمال البصيرة.
وبالجملة: فالمعتبر في المبادئ التوقف مطلقا قال السيد السند: مبادئ العلم ما يتوقف عليه ذات للمقصود فيه أعني: التصورات التي يبتنى عليها إثبات مسائله وهي قد تعد جزءا منه. وأما إذا أطلقت على ما يتوقف عليه المقصود ذاتا أو تصورا أو شروعا فليست بتمامها من أجزائه فإن تصور الشيء ومعرفة غايته خارجان عنه ولا من جزئيات ما يتضمنه حقيقة لدخوله في العلم قطعا انتهى.

.الفصل السابع: في بيان الرؤوس الثمانية:

قالوا: الواجب على من شرع في شرح كتاب ما أن يتعرض في صدره لأشياء قبل الشروع في المقصود يسميها قدماء الحكماء: الرؤوس الثمانية.
أحدها: الغرض من تدوين العلم أو تحصيله.
أي: الفائدة المترتبة عليه لئلا يكون تحصيله عبثا في نظره.
وثانيها: المنفعة.
وهي ما يتشوقه الكل طبعا وهي الفائدة المعتدة بها ليتحمل المشقة في تحصيله ولا يعرض له فتور في طلبه فيكون عبثا عرفا. هكذا في تكلمة الحاشية الجلالية. وفي شرح التهذيب وشرح إشراق الحكمة: إن المراد بالغرض هو العلة الغائية فإن ما يترتب على فعل يسمى فائدة ومنفعة وغاية فإن كان باعثا للفاعل على صدور ذلك الفعل منه يسمى غرضا وعلة غائية وذكرا لمنفعة إنما يجب إن وجدت لهذا العلم منفعة ومصلحة سوى الغرض الباعث وإلا فلا. وبالجملة فالمنفعة قد تكون بعينها الغرض الباعث.
وثالثها: السمة.
وهي: عنوان الكتاب ليكون عند الناظر إجمال ما يفصله الغرض. كذا في شرح إشراق الحكمة وفي تكملة الحاشية الجلالية: السمة هي عنوان العلم وكأن المراد منه تعريف العلم برسمه أو بيان خاصة من خواصه ليحصل للطالب علم إجمالي بمسائله ويكون له بصيرة في طلبه. وفي شرح التهذيب: السمة العلامة وكأن المقصود الإشارة إلى وجه تسمية العلم وفي ذكر وجه التسمية إشارة إجمالية إلى ما يفصل العلم من المقاصد.
ورابعها: المؤلف.
وهو: مصنف الكتاب ليركن قلب المتعلم إليه في قبول كلامه والاعتماد عليه لاختلاف ذلك باختلاف المصنفين. وأما المحققون فيعرفون الرجال بالحق لا الحق بالرجال ولنعم ما قيل: لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال. ومن شرط المصنفين أن يحترزوا عن الزيادة على ما يجب والنقصان عما يجب وعن استعمال الألفاظ الغريبة المشتركة وعن رداءة الوضع وهي تقديم ما يجب تأخيره وتأخير ما يجب تقديمه.
وخامسها: أنه من أي علم هو؟
أي من اليقينيات أو الظنيات من النظريات أو العمليات من الشرعيات أو غيرها ليطلب المتعلم ما تليق به المسائل المطلوبة.
وسادسها: أنه أية مرتبة هو؟
أي بيان مرتبته فيما بين العلوم إما باعتبار عموم موضوعه أو خصوصه أو باعتبار توقفه على علم آخر أو عدم توقفه عليه أو باعتبار الأهمية أو الشرف ليقدم تحصيله على ما يجب أو يستحسن تقديمه عليه ويؤخر تحصيله عما يجب أو يستحسن تأخيره عنه.
وسابعها: القسمة.
وهي بيان أجزاء العلم وأبوابه ليطلب المتعلم في كل باب منها ما يتعلق به ولا يضيع وقته في تحصيل مطالب لا تتعلق به كما يقال: أبواب المنطق تسعة كذا وكذا. وهذا قسمة العلم وقسمة الكتاب كما يقال: كتابنا هذا مرتب على مقدمة بابين وخاتمة. وهذا الثاني كثير شائع لا يخلو عنه كتاب.
وثامنها: الأنحاء التعليمية.
وهي: أنحاء مستحسنة في طرق التعليم.
أحدها: التقسيم.
وهو: التكثير من فوق إلى أسفل أي من أعم إلى ما هو أخص كتقسيم الجنس إلى الأنواع والنوع إلى الأصناف والصنف إلى الأشخاص.
وثانيها: التحليل.
وهو: عكسه أي التكثير من أسفل إلى فوق أي من أخص إلى ما هو أعم كتحليل زيد إلى الإنسان والحيوان وتحليل الإنسان إلى الحيوان والجسم. هكذا في تكملة الحاشية الجلالية وشرح إشراق الحكمة وفي شرح التهذيب كان المراد من التقسيم ما يسمى بتركيب القياس وذلك بأن يقال: إذا أردت تحصيل مطلب من المطالب التصديقية فضع طرفي المطلوب واطلب جميع موضوعات كل واحد منهما وجميع محمولات كل واحد منهما سواء كان حمل الطرفين عليها أو حملها على الطرفين بواسطة أو بغير واسطة. وكذلك اطلب جميع ما سلب عنه الطرفان أو سلب هو عن الطرفين.
ثم انظر إلى نسبة الطرفين إلى الموضوعات والمحمولات فإن وجدت من محمولات موضوع المطلوب ما هو موضوع المحمول فقد حصل المطلوب من الشكل الأول أو ما هو محمول على محموله فمن الشكل الثاني أو من موضوعات موضوعه ما هو موضوع لمحموله فمن الشكل الثالث أو محمول لمحموله فمن الرابع. كل ذلك بحسب تعدد اعتبار الشرائط بحسب الكيفية والكمية والجهة. كذا في شرح المطالع.
فمعنى قولهم: وهو التكثير من فوق أي من النتيجة لأنها المقصود الأقصى بالنسبة إلى الدليل. وأما التحليل فقد قيل في شرح المطالع كثيرا ما تورد في العلوم قياسات منتجة للمطالب لا على الهيئات المنطقية اعتمادا على الفطن العارف بالقواعد. فإن أردت أن تعرف أنه على أي شكل من الأشكال فعليك بالتحليل وهو عكس التركيب فحصل المطلوب. فانظر إلى القياس المنتج له فإن كان فيه مقدمة يشاركها المطلوب بكلا جزئيه فالقياس استثنائي. وإن كانت مشاركة للمطلوب بأحد جزئيه فالقياس اقتراني.
ثم انظر إلى طرفي المطلوب فتتميز عندك الصغرى عن الكبرى فإن ذلك الجزء إن كان محكوما عليه في النتيجة فهي الصغرى أو محكوما به فهي الكبرى. ثم ضم الجزء الآخر من المطلوب إلى الجزء الآخر من تلك المقدمة فإن تألفا على أحد التأليفات الأربع فما انضم إلى جزئي المطلوب هو الحد الأوسط وتتميز لك المقدمات والأشكال وإن لم يتألفا كان القياس مركبا فاعمل بكل واحد منهما العمل المذكور أي ضع الجزء الآخر من المطلوب والجزء الآخر من المقدمة كما وضعت طرفي المطلوب أولا أي في التقسيم فلا بد أن يكون لكل منهما نسبة إلى شيء ما في القياس وإلا لم يكن القياس منتجا للمطلوب.
فإن وجدت حدا مشتركا بينهما فقد تم القياس وإلا فكذا تفعل مرة بعد أخرى إلى أن ينتهي إلى القياس المنتج للمطلوب بالذات وتتبين لك المقدمات والشكل والنتيجة. فقولهم: التكثير من أسفل إلى فوق أي إلى النتيجة. انتهى.
وثالثها: التحديد.
أي فعل الحد أي إيراد حد الشيء وهو ما يدل على الشيء دلالة مفصلة بما به قوامه بخلاف الرسم فإنه يدل عليه دلالة مجملة.
كذا في شرح إشراق الحكمة وفي شرح التهذيب كان المراد بالحد المعرف مطلقا وذلك بأن يقال: إذا أردت تعريف شيء فلا بد أن تضع ذلك الشيء وتطلب جميع ما هو أعم منه وتحمل عليه بواسطة أو بغيرها وتميز الذاتيات عن العرضيات بأن تعد ما هو بين الثبوت أو ما يلزم من مجرد ارتفاعه ارتفاع نفس الماهية ذاتيا وما ليس كذلك عرضيا. وتطلب جميع ما هو مساو له فيتميز عندك الجنس من العرض العام والفصل من الخاصة. ثم تركب أي قسم شئت من أقسام المعرف بعد اعتبار الشرائط المذكورة في باب المعرف.
ورابعها: البرهان.
أي الطريق إلى الوقوف على الحق أي اليقين إن كان المطلوب نظريا وإلى الوقوف عليه والعمل به إن كان عمليا كأن يقال: إذا أردت الوصول إلى اليقين فلا بد أن تستعمل في الدليل بعد محافظة شرائط صحة الصورة. أما الضروريات الست أو ما يحصل منها بصورة صحيحة وهيئة منتجة وتبالغ في التفحص عن ذلك حتى لا يشتبه بالمشهورات والمسلمات والمشبهات وغيرها بعضها ببعض وعد الأنحاء التعليمية بالمقاصد أشبه فينبغي أن تذكر في المقاصد. ولذ ترى المتأخرين كصاحب المطالع يعدون ما سوى التحديد من مباحث الحجة ولو أحق القياس. وأما التحديد فشأنه أن يذكر في مباحث المعرف. كذا في شرح التهذيب.
واعلم أنهم إنما اقتصروا على هذه الثمانية لعدم وجدانهم شيئا آخر يعين في تحصيل الفن ومن وجد لك فليضمه إليها. وهذا أمر استحساني لا يلزم من تركه فساد على مالا يخفى هكذا في تكملة الحاشية الجلالية.
واعلم أنهم قد يذكرون وجه الحاجة إلى العلم ولا شك أنه ههنا بعينه بيان الغرض منه. وقد يذكرون وجه شرف العلم ويقولون: شرف الصناعة إما بشرف موضوعها مثل الصياغة فإنها أشرف من الدباغة. فإن موضوع الصياغة الذهب والفضة وهما أشرف من موضوع الدباغة التي هي الجلد. وإما بشرف غرضها مثل صناعة الطب فإنها أشرف من صناعة الكناسة لأن غرض الطب إفادة الصحة وغرض الكناسة تنظيف المستراح. وإما بشدة الحاجة إليها كالفقه فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب إذ ما من واقعة في الكون إلا وهي مفتقرة إلى الفقه إذ به انتظام صلاح الدنيا والدين. بخلاف الطب فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات. والمراد بذلك بيان مرتبة العلم على ما يفهم مما سبق ويؤيده ما قال السيد السند في شرح المواقف.
وأما مرتبة علم الكلام أي شرفه فقد عرفت أن موضوعه أعم الأمور وأعلاها... الخ.