فصل: فوائد: (في طلاق السكران)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***


كِتَابُ‏:‏ الطَّلَاقِ

فائدة‏:‏

قَوْلُهُ وهو حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ‏.‏

وَكَذَا قال غَيْرُهُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ أو بَعْضِهِ بِوُقُوعِ ما يَمْلِكُهُ من عَدَدِ الطَّلَقَاتِ أو بَعْضِهَا‏.‏

وَقِيلَ هو تَحْرِيمٌ بَعْدَ تَحْلِيلٍ كَالنِّكَاحِ تَحْلِيلٌ بَعْدَ تَحْرِيمٍ‏.‏

قَوْلُهُ وَيُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَيُكْرَهُ من غَيْرِ حَاجَةٍ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَيُسْتَحَبُّ إذَا كان في بَقَاءِ النِّكَاحِ ضررا ‏[‏ضرر‏]‏‏.‏

اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَنْقَسِمُ إلَى أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ الْإِبَاحَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ‏.‏

فَالْمُبَاحُ يَكُونُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِسُوءِ خُلُقِ الْمَرْأَةِ أو لِسُوءِ عِشْرَتِهَا وَكَذَا لِلتَّضَرُّرِ منها من غَيْرِ حُصُولِ الْغَرَضِ بها فَيُبَاحُ الطَّلَاقُ في هذه الْحَالَةِ من غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ‏.‏

وَالْمَكْرُوهُ إذَا كان لِغَيْرِ حَاجَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَعَنْهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ‏.‏

وَعَنْهُ يُبَاحُ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ‏.‏

وَالْمُسْتَحَبُّ وهو عِنْدَ تَفْرِيطِ الْمَرْأَةِ في حُقُوقِ اللَّهِ الْوَاجِبَةِ عليها مِثْلَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَكَوْنِهَا غير عَفِيفَةٍ وَلَا يُمْكِنُ إجْبَارُهَا على فِعْلِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذِهِ يُسْتَحَبُّ طَلَاقُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَعَنْهُ يَجِبُ لِكَوْنِهَا غير عَفِيفَةٍ وَلِتَفْرِيطِهَا في حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

قُلْت وهو الصَّوَابُ‏.‏

وَذَكَرَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ هو فِيمَا إذَا كانت مُفَرِّطَةً في حَقِّ زَوْجِهَا وَلَا تَقُومُ بِحُقُوقِهِ‏.‏

قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ‏.‏

فائدتان‏:‏

إحْدَاهُمَا زِنَى الْمَرْأَةِ لَا يَفْسَخُ النِّكَاحَ نَصَّ عليه‏.‏

وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ يُسْكِرُ زَوْجَ أُخْتِهِ يُحَوِّلُهَا إلَيْهِ‏.‏

وَعَنْهُ أَيْضًا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا قال اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ‏.‏

الثَّانِيَةُ إذَا تَرَكَ الزَّوْجُ حَقَّ اللَّهِ فَالْمَرْأَةُ في ذلك كَالزَّوْجِ فَتَتَخَلَّصُ منه بِالْخُلْعِ وَنَحْوِهِ‏.‏

وَالْمُحَرَّمُ وهو طَلَاقُ الْحَائِضِ أو في طُهْرٍ أَصَابَهَا فيه على ما يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في بَابِ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ‏.‏

وَالْوَاجِبُ وهو طَلَاقُ المولى بَعْدَ التَّرَبُّصِ إذَا أَبَى الْفَيْئَةَ وَطَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ إذا رَأَيَا ذلك قَالَهُ الْأَصْحَابُ‏.‏

ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ هُنَا وَالرَّابِعُ ذَكَرَهُ في بَابِ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ وَالْخَامِسُ ذَكَرَهُ في بَابِ الْإِيلَاءِ‏.‏

فائدة‏:‏

لَا يَجِبُ الطَّلَاقُ في غَيْرِ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ‏.‏

وَعَنْهُ يَجِبُ الطَّلَاقُ إذَا أَمَرَهُ أَبُوهُ بِهِ وَقَالَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ‏.‏

وَعَنْهُ يَجِبُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ عَدْلًا‏.‏

وَأَمَّا إذَا أَمَرَتْهُ أُمُّهُ فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُعْجِبُنِي طَلَاقُهُ وَمَنَعَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ منه وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في بَيْعِ السُّرِّيَّةِ إنْ خِفْت على نَفْسِك فَلَيْسَ لها ذلك وَكَذَا نَصَّ فِيمَا إذَا مَنَعَاهُ من التَّزْوِيجِ‏.‏

قَوْلُهُ وَمِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُمَيِّزِ الْعَاقِلِ‏.‏

على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْأَصْحَابُ على وُقُوعِ طَلَاقِهِ وهو الْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ منهم عبد اللَّهِ وَصَالِحٌ وابن مَنْصُورٍ وَالْحَسَنُ بن ثَوَابٍ وَالْأَثْرَمُ وَإِسْحَاقُ بن هَانِئٍ وَالْفَضْل ابن زِيَادٍ وَحَرْبٌ وَالْمَيْمُونِيُّ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ هذا اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وابن حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ كَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ وابن عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

قال في الْمُذْهَبِ يَقَعُ طَلَاقُ الْمُمَيِّزِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ منه حتى يَبْلُغَ وَجَزَمَ بِهِ الآدمي وَالْبَغْدَادِيُّ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَاخْتَارَه ابن أبي مُوسَى وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ قال في الْعُمْدَةِ وَلَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ إلَّا من زَوْجٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ وَأَطْلَقَهُمَا في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ‏.‏

وَعَنْهُ يَصِحُّ من ابن عشْرِ سِنِينَ‏.‏

نَقَلَ صَالِحٌ إذَا بَلَغَ عَشْرًا يَتَزَوَّجُ وَيُزَوِّجُ وَيُطَلِّقُ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ‏.‏

وفي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ في طَلَاقِ مُمَيِّزٍ رِوَايَتَانِ‏.‏

وَعَنْهُ يَصِحُّ من بن اثنتي ‏[‏اثنتا‏]‏ عَشْرَةَ سَنَةً‏.‏

قال الشَّارِحُ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ تَحْدِيدُ من يَقَعُ طَلَاقُهُ من الصِّبْيَانِ بِكَوْنِهِ يَعْقِلُ وهو اخْتِيَارُ الْقَاضِي‏.‏

وَرَوَى أبو الْحَارِثِ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا عَقَلَ الطَّلَاقَ جَازَ طَلَاقُهُ ما بين عَشْرٍ إلَى ثِنْتَيْ عَشَرَةَ‏.‏

وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَقَعُ مِمَّنْ له دُونَ الْعَشْرِ وهو اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ‏.‏

وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ من ذلك في أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ‏.‏

وَتَقَدَّمَ في أَوَائِلِ الْخُلْعِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هل يَصِحُّ طَلَاقُ الْأَبِ لِزَوْجَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ‏.‏

قَوْلُهُ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فيه كَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عليه وَالْمُبَرْسَمِ لم يَقَعْ طَلَاقُهُ‏.‏

هذا صَحِيحٌ لَكِنْ لو ذَكَرَ الْمُغْمَى عليه وَالْمَجْنُونَ بَعْدَ أَنْ أَفَاقَا أَنَّهُمَا طَلَّقَا وَقَعَ الطَّلَاقُ نَصَّ عليه‏.‏

قال الْمُصَنِّفُ هذا فِيمَنْ جُنُونُهُ بِذَهَابِ مَعْرِفَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ‏.‏

فَأَمَّا الْمُبَرْسَمُ وَمَنْ بِهِ نِشَافٌ فَلَا يَقَعُ‏.‏

وقال في الرَّوْضَةِ الْمُبَرْسَمُ والمسوس ‏[‏والممسوس‏]‏ إنْ عَقَلَا الطَّلَاقَ لَزِمَهُمَا‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَيَدْخُلُ في كَلَامِهِمْ من غَضِبَ حتى أغمى عليه أو غشى عليه‏.‏

قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَدْخُلُ ذلك في كَلَامِهِمْ بِلَا رَيْبٍ‏.‏

وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا إنْ غَيَّرَهُ الْغَضَبُ ولم يُزِلْ عَقْلَهُ لم يَقَعْ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ وَحَمَلَهُ عليه فَأَوْقَعَهُ وهو يَكْرَهُهُ لِيَسْتَرِيحَ منه فلم يَبْقَ له قَصْدٌ‏.‏

صَحِيحٌ فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ وَلِهَذَا لَا يُجَابُ دُعَاؤُهُ على نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ نَذْرُ الطَّاعَةِ فيه‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ زَالَ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فيه كَالسَّكْرَانِ فَفِي صِحَّةِ طَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا الْخِرَقِيُّ وَالْحَلْوَانِيُّ في كِتَابٍ الْوَجْهَيْنِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالزُّبْدَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابن منجا وَتَذْكِرَةِ ابن عبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

إحْدَاهُمَا يَقَعُ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ الْخَلَّالُ وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ وَالشِّيرَازِيُّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَنِهَايَةِ ابن رزين‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ ابن رزين‏.‏

قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ هذا الْمَشْهُورُ من الْمَذْهَبِ‏.‏

قال ابن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ تُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ في الْأَشْهَرِ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَقَدَّمَهُ‏.‏

وقال الطُّوفِيُّ في شَرْحِ مُخْتَصَرِهِ هذا الْمَشْهُورُ بين الْأَصْحَابِ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَقَعُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ في الشَّافِي وَزَادِ الْمُسَافِرِ وابن عَقِيلٍ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ‏.‏

وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ وهو منها وَجَزَمَ بِهِ في التَّسْهِيلِ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَدِلَّةَ هذه الرِّوَايَةِ أَظْهَرُ‏.‏

نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ كُنْت أَقُولُ يَقَعُ حتى تَبَيَّنْته فَغَلَبَ على أَنَّهُ لَا يَقَعُ‏.‏

وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ الذي لَا يَأْمُرُ بِالطَّلَاقِ إنَّمَا أتى خَصْلَةً وَاحِدَةً وَاَلَّذِي يَأْمُرُ بِهِ أتى بِاثْنَتَيْنِ حَرَّمَهَا عليه وَأَبَاحَهَا لِغَيْرِهِ‏.‏

وَلِهَذَا قِيلَ إنَّهَا آخِرُ الرِّوَايَاتِ‏.‏

قال الطُّوفِيُّ في شَرْحِ الْأُصُولِ هذا أَشْبَهُ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ وفي التَّحْقِيقِ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ هذه الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ تَوَقَّفَ فَلِلْأَصْحَابِ قَوْلَانِ وقد نَصَّ على الْقَوْلَيْنِ وَاسْتَغْنَى عن ذِكْرِ الرِّوَايَةِ‏.‏

قُلْت ليس الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ تَوَقُّفُهُ لِقُوَّةِ الْأَدِلَّةِ من الْجَانِبَيْنِ فلم يَقْطَعْ فيها بِشَيْءٍ‏.‏

وَحَيْثُ قال بِقَوْلٍ فَقَدْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ دَلِيلُهُ على غَيْرِهِ فَقَطَعَ بِهِ‏.‏

قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ تُخَرَّجُ في قَتْلِهِ وَقَذْفِهِ وَسَرِقَتِهِ وَزِنَاهُ وَظِهَارِهِ وَإِيلَائِهِ‏.‏

وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَكَذَا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَرِدَّتُهُ وَإِقْرَارُهُ وَنَذْرُهُ وَغَيْرُهَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ‏.‏

اعْلَمْ أَنَّ في أَقْوَالِ السَّكْرَانِ وَأَفْعَالِهِ رِوَايَاتٌ صَرِيحَاتٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

إحْدَاهُنَّ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بها فَهُوَ كَالصَّاحِي فيها وهو الْمَذْهَبُ‏.‏

جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ السَّكْرَانُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ عَمْدًا فَهُوَ كَالصَّاحِي في أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ فِيمَا عليه في الْمَشْهُورِ من الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ من سَكِرَ بِبَنْجٍ وَنَحْوِهِ انْتَهَى‏.‏

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ بن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ ليس بِمُؤَاخَذٍ بها فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ في أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ‏.‏

وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في إقْرَارِهِ في كِتَابِ الْإِقْرَارِ‏.‏

وَكَذَا قَدَّمَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ في الْإِقْرَارِ على ما يَأْتِي‏.‏

قال ابن عَقِيلٍ هو غَيْرُ مُكَلَّفٍ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّهُ كَالصَّاحِي في أَفْعَالِهِ وَكَالْمَجْنُونِ في أَقْوَالِهِ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ أَنَّهُ في الْحُدُودِ كَالصَّاحِي وفي غَيْرِهَا كَالْمَجْنُونِ‏.‏

قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ تَلْزَمُهُ الْحُدُودُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْحُقُوقُ وَهَذَا اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ فِيمَا حَكَاهُ عنه الْقَاضِي نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الْخَامِسَةُ أَنَّهُ فِيمَا يَسْتَقِلُّ بِهِ مِثْلَ قَتْلِهِ وَعِتْقِهِ وَغَيْرِهِمَا كَالصَّاحِي وَفِيمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ كَبَيْعِهِ وَنِكَاحِهِ وَمُعَاوَضَاتِهِ كَالْمَجْنُونِ حَكَاهَا ابن حامد‏.‏

قال الْقَاضِي وقد أَوْمَأَ إلَيْهَا في رِوَايَةِ الْبَرْزَاطِيِّ فقال لَا أَقُولُ في طَلَاقِهِ شيئا قِيلَ له فَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فقال أَمَّا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ‏.‏

وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

وقال الزَّرْكَشِيُّ قُلْت وَنَقَلَ عنه إِسْحَاقُ بن هَانِئٍ ما يَحْتَمِلُ عَكْسَ الرِّوَايَةِ الْخَامِسَةِ فقال لَا أَقُولُ في طَلَاقِ السَّكْرَانِ وَعِتْقِهِ شيئا وَلَكِنْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ‏.‏

وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ فَقَطْ حَكَاهَا بن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ‏.‏

وَيَأْتِي الْخِلَافُ في قَتْلِهِ في بَابِ شُرُوطِ الْقِصَاصِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ‏.‏

فوائد‏:‏ ‏[‏في طلاق السكران‏]‏

الْأُولَى‏:‏ حَدُّ السَّكْرَانِ الذي تَتَرَتَّبُ عليه هذه الْأَحْكَامُ هو الذي يَخْلِطُ في كَلَامِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَيَسْقُطُ تَمْيِيزُهُ بين الْأَعْيَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ فيه أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ‏.‏

لَا يُمَيِّزُ بين السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَا بين الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فقال السَّكْرَانُ الذي إذَا وَضَعَ ثِيَابَهُ في ثِيَابِ غَيْرِهِ فلم يَعْرِفْهَا أو وَضَعَ نَعْلَهُ في نِعَالِهِمْ فلم يَعْرِفْهُ وإذا هذي في أَكْثَرِ كَلَامِهِ وكان مَعْرُوفًا بِغَيْرِ ذلك‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى‏.‏

وَقِيلَ يَكْفِي تَخْلِيطُ كَلَامِهِ ذَكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ في بَابِ حَدِّ السُّكْرِ‏.‏

وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ فقال هو الذي يَخْتَلُّ في كَلَامِهِ الْمَنْظُومِ وَيُبِيحُ بِسِرِّهِ الْمَكْتُومِ‏.‏

وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَزَعَمَ طَائِفَةٌ من أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رحمهم الله أَنَّ النِّزَاعَ في وُقُوعِ طَلَاقِهِ إنَّمَا هو في النَّشْوَانِ فَأَمَّا الذي تَمَّ سُكْرُهُ بِحَيْثُ لَا يَفْهَمُ ما يقول فإنه لَا يَقَعُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا‏.‏

قال وَالْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ جَعَلُوا النِّزَاعَ في الْجَمِيعِ‏.‏

الثَّانِيَةُ قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ لَا تَصِحُّ عِبَادَةُ السَّكْرَانِ‏.‏

قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حتى يَتُوبَ لِلْخَبَرِ وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

الثَّالِثَةُ مَحَلُّ الْخِلَافِ في السَّكْرَانِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ إذَا كان آثِمًا في سُكْرِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فإن قَوْلَهُ فَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فيه يَدُلُّ عليه‏.‏

فَأَمَّا إنْ أُكْرِهَ على السُّكْرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ‏.‏

قال ابن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ وَالْمَعْذُورُ بِالسُّكْرِ كَالْمُغْمَى عليه‏.‏

وقال الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ في كِتَابِ الطَّلَاقِ فَأَمَّا إنْ أُكْرِهَ على شُرْبِهَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُخْتَارِ لَمَا فيه من اللَّذَّةِ وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُخْتَارِ لِسُقُوطِ الْمَأْثَمِ عنه وَالْحَدِّ‏.‏

قال وَإِنَّمَا يُخَرَّجُ هذا على الرِّوَايَةِ التي تَقُولُ إنَّ الْإِكْرَاهَ يُؤَثِّرُ في شُرْبِهَا‏.‏

فَأَمَّا إنْ قُلْنَا لَا يُؤَثِّرُ الْإِكْرَاهُ في شُرْبِهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُخْتَارِ انْتَهَى‏.‏

قَوْلُهُ وَمَنْ شَرِبَ ما يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَفِي صِحَّةِ طَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ‏.‏

اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا من الْأَصْحَابِ أَلْحَقُوا بِالسَّكْرَانِ من شَرِبَ أو أَكَلَ ما يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَالْمُزِيلَاتِ لِلْعَقْلِ غَيْرِ الْخَمْرِ من الْمُحَرَّمَاتِ وَالْبَنْجِ وَنَحْوِهِ فَجَعَلُوا فيه الْخِلَافَ الذي في السَّكْرَانِ منهم ابن حامد وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذهب ‏[‏المذهب‏]‏ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وفي الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُمْ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالزُّبْدَةِ‏.‏

وَمَنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ في السَّكْرَانِ أَطْلَقَهُ هُنَا إلَّا صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ فإنه جَزَمَ بِالْوُقُوعِ من السَّكْرَانِ‏.‏

وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَا وَصَحَّحَ في التَّصْحِيحِ الْوُقُوعَ فِيهِمَا‏.‏

وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَالسَّكْرَانِ‏.‏

قال لِأَنَّهُ قَصَدَ إزَالَةَ الْعَقْلِ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ‏.‏

وقال في الْوَاضِحِ إنْ تَدَاوَى بِبَنْجٍ فَسَكِرَ لم يَقَعْ‏.‏

وَصَحَّحَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ‏.‏

قال في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ نَظَرْت فَإِنْ تَدَاوَى بِهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فيه كَالْمَجْنُونِ‏.‏

وَإِنْ تَنَاوَلَ ما يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كان حُكْمُهُ كَالسَّكْرَانِ وَالتَّدَاوِي حَاجَةٌ انْتَهَى‏.‏

قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا تَنَاوَلَهُ لِحَاجَةٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ‏.‏

وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ‏.‏

وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّ تَنَاوُلَ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إذَا زَالَ الْعَقْلُ بِهِ كَالْمَجْنُونِ لَا يَقَعُ طَلَاقُ من تَنَاوَلَهُ نَصَّ عليه لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ فيه‏.‏

وَفَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّكْرَانِ فَأَلْحَقَهُ بِالْمَجْنُونِ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَمَالَ إلَيْهِ‏.‏

قال في الْمُنَوِّرِ لَا يَقَعُ من زَائِلِ الْعَقْلِ إلَّا بِمُسْكِرٍ مُحَرَّمٍ‏.‏

وهو الظَّاهِرُ من كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فإنه قال وَطَلَاقُ الزَّائِلِ الْعَقْلِ بِلَا سُكْرٍ لَا يَقَعُ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ قد يَدْخُلُ ذلك في كَلَامِ الْخِرَقِيِّ‏.‏

وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِنْ أَثِمَ بِسُكْرٍ وَنَحْوِهِ فَرِوَايَتَانِ ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ‏.‏

فائدتان‏:‏

إحْدَاهُمَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَمِمَّا يُلْحَقُ بِالْبَنْجِ الْحَشِيشَةُ الْخَبِيثَةُ‏.‏

وأبو الْعَبَّاسِ يَرَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ حتى في إيجَابِ الْحَدِّ‏.‏

وهو الصَّحِيحُ إنْ أَسْكَرَتْ أو كَثِيرُهَا وَإِلَّا حُرِّمَتْ وَعُزِّرَ فَقَطْ فيها في الْأَظْهَرِ وَلَوْ طَهُرَتْ‏.‏

وَفَرَّقَ أبو الْعَبَّاسِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَنْجِ بِأَنَّهَا تشتهي وَتُطْلَبُ فَهِيَ كَالْخَمْرِ بِخِلَافِ الْبَنْجِ‏.‏

فَالْحُكْمُ عِنْدَهُ مَنُوطٌ بِاشْتِهَاءِ النَّفْسِ لها وَطَلَبِهَا‏.‏

الثَّانِيَةُ قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ لو ضَرَبَ بِرَأْسِهِ فَجُنَّ لم يَقَعْ طَلَاقُهُ على الْمَنْصُوصِ وَعَلَّلَهُ‏.‏

قَوْلُهُ وَمَنْ أُكْرِهَ على الطَّلَاقِ بِغَيْرِ حَقٍّ لم يَقَعْ طَلَاقُهُ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ‏.‏

وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ في الْوُقُوعِ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ ذَا سُلْطَانٍ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ أو أَخْذِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ قَادِرٌ يَغْلِبُ على ظَنِّهِ وُقُوعُ ما هَدَّدَهُ بِهِ فَهُوَ إكْرَاهٌ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَاخْتَارَه ابن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمَا‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ‏.‏

قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ‏.‏

وَعَنْهُ لَا يَكُونُ مُكْرَهًا حتى يَنَالَ بِشَيْءٍ من الْعَذَابِ كَالضَّرْبِ وَالْخَنْقِ وَعَصْرِ السَّاقِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ‏.‏

وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ منهم الشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ في تَهْدِيدِهِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ‏.‏

وَقَطَعَ في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إذَا هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ أو الْقَطْعِ‏.‏

وَقَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَقَعُ إذَا هَدَّدَ بِهِمَا‏.‏

وَعَنْهُ إنْ هَدَّدَهُ بِقَتْلٍ أو قَطْعِ عُضْوٍ فَإِكْرَاهٌ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

قال الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ التَّهْدِيدُ بِالْقَتْلِ إكْرَاهٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً‏.‏

وَتَبِعَهُ الْمَجْدُ في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وزاد وَقَطْعِ طَرَفٍ كما تَقَدَّمَ عنهما‏.‏

فوائد‏:‏

الْأُولَى يُشْتَرَطُ لِلْإِكْرَاهِ شُرُوطٌ‏.‏

أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ قَادِرًا بِسُلْطَانٍ أو تَغَلُّبٍ كَاللِّصِّ وَنَحْوِهِ‏.‏

الثَّانِي أَنْ يَغْلِبَ على ظَنِّهِ نُزُولُ الْوَعِيدِ بِهِ إنْ لم يُجِبْهُ إلَى ما طَلَبَهُ مع عَجْزِهِ عن دَفْعِهِ وَهَرَبِهِ وَاخْتِفَائِهِ‏.‏

الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ما يَسْتَضِرُّ بِهِ ضَرَرًا كَثِيرًا كَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ الطَّوِيلَيْنِ وَأَخْذِ الْمَالِ الْكَثِيرِ‏.‏

زَادَ في الْكَافِي وَالْإِخْرَاجَ من الدِّيَارِ‏.‏

وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ الْحَبْسَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى‏.‏

وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَأَمَّا الضَّرْبُ الْيَسِيرُ فَإِنْ كان في حَقِّ من لَا يُبَالِي بِهِ فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ وَإِنْ كان في ذَوِي الْمُرُوءَاتِ على وَجْهٍ يَكُونُ إخْرَاقًا بِصَاحِبِهِ وَغَضًّا له وَشُهْرَةً له في حَقِّهِ فَهُوَ كَالضَّرْبِ الْكَثِيرِ في حَقِّ غَيْرِهِ انْتَهَيَا‏.‏

فَأَمَّا السَّبُّ وَالشَّتْمُ وَالْإِخْرَاقُ فَلَا يَكُونُ إكْرَاهًا رِوَايَةً وَاحِدَةً‏.‏

قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ‏.‏

وَقِيلَ إخْرَاقُ من يُؤْلِمُهُ ذلك إكْرَاهٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَاضِحِ‏.‏

قال الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ الْإِكْرَاهُ يَخْتَلِفُ فَلَا يَكُونُ إكْرَاهًا رِوَايَةً وَاحِدَةً في حَقِّ كل أَحَدٍ مِمَّنْ يَتَأَلَّمُ بِالشَّتْمِ أو لَا يَتَأَلَّمُ‏.‏

قال ابن عَقِيلٍ وهو قَوْلٌ حَسَنٌ‏.‏

وقال ابن رَزِينٍ في مُخْتَصَرِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ من مُكْرَهٍ لَا بِشَتْمٍ وَتَوَعُّدٍ لِسُوقَةٍ‏.‏

الثَّانِيَةُ ضَرْبُ وَلَدِهِ وَحَبْسُهُ وَنَحْوُهُمَا إكْرَاهٌ لِوَالِدِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا فَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الْوَالِدِ‏.‏

وَقِيلَ ليس بِإِكْرَاهٍ له‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ ضَرْبَ وَالِدِهِ وَنَحْوَهُ وَحَبْسَهُ كَضَرْبِ وَلَدِهِ‏.‏

قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَيَتَوَجَّهُ تَعْدِيَتُهُ إلَى كل من يَشُقُّ عليه تَعْدِيَتُهُ مَشَقَّةً عَظِيمَةً من وَالِدٍ وَزَوْجَةٍ وَصَدِيقٍ‏.‏

الثَّالِثَةُ لو سُحِرَ لِيُطَلِّقَ كان إكْرَاهًا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

قُلْت بَلْ هو منه أَعْظَمُ الْإِكْرَاهَاتِ‏.‏

ذَكَرَه ابن الْقَيِّمِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وابن نَصْرِ اللَّهِ وَغَيْرُهُمْ وهو وَاضِحٌ وهو الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ‏.‏

الرَّابِعَةُ يَنْبَغِي لِلْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ إذَا أُكْرِهَ على الطَّلَاقِ وَطَلَّقَ أَنْ يَتَأَوَّلَ فَإِنْ تَرَكَ التَّأْوِيلَ بِلَا عُذْرٍ لم يَقَعْ الطَّلَاقُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ‏.‏

جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ‏.‏

قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ‏.‏

وَقِيلَ تَطْلُقُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ‏.‏

قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ إنْ نَوَى الْمُكْرَهُ ظُلْمًا غير الظَّاهِرِ نَفَعَهُ‏.‏

تَأْوِيلُهُ وَإِنْ تَرَكَ ذلك جَهْلًا أو دَهْشَةً لم يَضُرَّهُ وَإِنْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ انْتَهَى‏.‏

وقال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا نِزَاعَ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّهُ إذَا لم يَنْوِ الطَّلَاقَ ولم يَتَأَوَّلْ بِلَا عُذْرٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ‏.‏

وَلِابْنِ حَمْدَانَ احْتِمَالٌ بِالْوُقُوعِ وَالْحَالَةُ هذه انْتَهَى‏.‏

وَكَذَا الْحُكْمُ لو أُكْرِهَ على طَلَاقِ مُبْهَمَةٍ فَطَلَّقَ مُعَيَّنَةً‏.‏

وقال في الِانْتِصَارِ هل يَقَعُ لَغْوًا أو يَقَعُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ فيه رِوَايَتَانِ‏.‏

يَعْنِي أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ هل هو لَغْوٌ لَا حُكْمَ له أو هو بِمَنْزِلَةِ الْكِنَايَةِ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

وَفِيهِ الْخِلَافُ كما سَيَأْتِي ذلك في الْفائدة السَّادِسَةِ وَالْخَمْسِينَ صَرِيحًا فِيهِمَا‏.‏

الْخَامِسَةُ لو قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ دُونَ دَفْعِ الْإِكْرَاهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ من الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏

وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعَ وَهُمَا احْتِمَالَانِ في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ لو أُكْرِهَ فَطَلَّقَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَقِيلَ لَا يَقَعُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ‏.‏

وَقِيلَ إنْ نَوَى وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا كَالْكِنَايَةِ حَكَاهُمَا في الِانْتِصَارِ‏.‏

وَحَكَى شَيْخُهُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ما يَدُلُّ على رِوَايَتَيْنِ وَجَعَلَ الْأَشْبَهَ الْوُقُوعَ أَوْرَدَهُ أبو مُحَمَّدٍ مَذْهَبًا‏.‏

السَّادِسَةُ الْإِكْرَاهُ على الْعِتْقِ وَالْيَمِينِ وَنَحْوِهِمَا كَالْإِكْرَاهِ على الطَّلَاقِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ‏.‏

وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ غَيْرُهَا مِثْلَهَا‏.‏

قَوْلُهُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ في النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فيه كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا‏.‏

قُلْت وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وهو الْمَذْهَبُ‏.‏

وَاخْتَارَ أبو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حتى يَعْتَقِدَ صِحَّتَهُ‏.‏

وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

قال في الْمُذْهَبِ وهو الصَّحِيحُ عِنْدِي وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ‏.‏

قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ حَمَلَهُ أَصْحَابُنَا على أَنَّ طَلَاقَهُ يَقَعُ وإن ‏[‏ولمن‏]‏ اعْتَقَدَ فَسَادَ النِّكَاحِ‏.‏

وقال أبو الْخَطَّابِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَحْمُولٌ على من اعْتَقَدَ صِحَّةَ النِّكَاحِ إمَّا بِاجْتِهَادٍ أو تَقْلِيدٍ‏.‏

فَأَمَّا من اعْتَقَدَ بُطْلَانَهُ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ انْتَهَى‏.‏

فائدتان‏:‏

إحْدَاهُمَا حَيْثُ قُلْنَا بِالْوُقُوعِ فيه فإنه يَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا‏.‏

قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

قُلْت فيعايي بها‏.‏

الثَّانِيَةُ يَجُوزُ الطَّلَاقُ في النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فيه في الْحَيْضِ وَلَا يُسَمَّى طَلَاقَ بِدْعَةٍ‏.‏

قُلْت فيعايي بها‏.‏

تنبيه‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ في نِكَاحٍ مُجْمَعٍ على بُطْلَانِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم‏.‏

وَعَنْهُ يَقَعُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ‏.‏

فائدة‏:‏

الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ في نِكَاحِ فُضُولِيٍّ قبل إجَازَتِهِ وَإِنْ بَعُدَ بها وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ بِالْوُقُوعِ‏.‏

ذَكَرَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى من عِنْدِهِ‏.‏

وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ طَلَاقَ الْفُضُولِيِّ كَبَيْعِهِ‏.‏

ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ‏.‏

قَوْلُهُ وإذا وَكَّلَ في الطَّلَاقِ من يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ صَحَّ طَلَاقُهُ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ صَحَّ طَلَاقُ مُمَيِّزٍ صَحَّ تَوْكِيلُهُ‏.‏

وَذَكَرَ ابن عقِيلٍ رِوَايَةً اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ يَعْنِي وَلَوْ صَحَّ طَلَاقُهُ لم يَصِحَّ تَوْكِيلُهُ نَصَّ عَلَيْهِمَا‏.‏

ذَكَرَهُ في باب صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ إلَّا أَنْ يَحُدَّ له الزَّوْجُ حَدًّا‏.‏

أو يَفْسَخَ أو يَطَأَ‏.‏

الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَطْءَ عَزْلٌ لِلْوَكِيلِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ‏.‏

وَقِيلَ لَا يَنْعَزِلُ بِهِ وهو رِوَايَةٌ في الْفُرُوعِ‏.‏

ذَكَرَهُ في بَابِ الْوَكَالَةِ وقال في بُطْلَانِهَا بِقُبْلَةٍ خِلَافٌ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا يُطَلِّقُ أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ إلَيْهِ‏.‏

جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا وَالْوَجِيزِ‏.‏

وَقِيلَ له أَنْ يُطَلِّقَ أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ إنْ لم يَحُدَّ له حَدًّا‏.‏

قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ وما شَاءَ إلَّا أَنْ يَحُدَّ في ذلك حَدًّا‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في النَّظْمِ‏.‏

فائدة‏:‏

لو وَكَّلَهُ في ثَلَاثٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً أو وَكَّلَهُ في وَاحِدَةٍ فَطَلَّقَ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ وَنَصَّ عليه‏.‏

وَإِنْ خَيَّرَهُ من ثَلَاثٍ مَلَكَ اثْنَتَيْنِ فَأَقَلَّ وَلَا يَمْلِكُ بِالْإِطْلَاقِ تَعْلِيقًا‏.‏

ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ‏.‏

وَيَأْتِي في آخِرِهِ أَيْضًا هل يَقَعُ من الْوَكِيلِ بِالْكِنَايَةِ إذَا وَكَّلَهُ بِالصَّرِيحِ أَمْ لَا‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فيه فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ‏.‏

وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ‏.‏

قَوْلُهُ فَإِنْ وَكَّلَهُمَا في ثَلَاثٍ فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ من الْآخَرِ وَقَعَ ما اجْتَمَعَا عليه‏.‏

فَلَوْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً وَالْآخَرُ أَكْثَرَ فَوَاحِدَةٌ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ‏.‏

وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَفِيهِ نَظَرٌ‏.‏

فائدتان‏:‏

إحْدَاهُمَا ليس لِلْوَكِيلِ الْمُطَلِّقِ الطَّلَاقُ وَقْتَ بِدْعَةٍ فَإِنْ فَعَلَ حَرُمَ ولم يَقَعْ صَحَّحَهُ النَّاظِمُ‏.‏

وَقِيلَ يَحْرُمُ وَيَقَعُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قال وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ‏.‏

وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ كما تَقَدَّمَ قَرِيبًا‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ‏.‏

الثَّانِيَةُ تُقْبَلُ دَعْوَى الزَّوْجِ أَنَّهُ رَجَعَ عن الْوَكَالَةِ قبل إيقَاعِ الْوَكِيلِ الطَّلَاقَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

وَذَكَرَ في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ في تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ في رِوَايَةِ أبي الْحَارِثِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في التَّرْغِيبِ وَالْأَزَجِيُّ في عَزْلِ الْمُوَكِّلِ‏.‏

وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

قال وَكَذَا دَعْوَى عِتْقِهِ وَرَهْنِهِ وَنَحْوِهِ‏.‏

وَعَادَةُ كَثِيرٍ من الْمُصَنِّفِينَ ذِكْرُ الْوَكَالَةِ في الطَّلَاقِ في آخِرِ بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك وَنَحْوِهِ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ قال لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا ذلك كَالْوَكِيلِ‏.‏

إذَا قال لها طَلِّقِي نَفْسَك صَحَّ ذلك كَتَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ فيه بِلَا نِزَاعٍ‏.‏

فَإِنْ نَوَى عَدَدًا فَهُوَ على ما نَوَى وَإِنْ أَطْلَقَ من غَيْرِ نِيَّةٍ لم تَمْلِكْ إلَّا وَاحِدَةً على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ‏.‏

وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ لو قال لها طَلِّقِي نَفْسَك فقالت اخْتَرْت نَفْسِي‏.‏

وَيَأْتِي هُنَاكَ ما تَمْلِكُ بِقَوْلِهِ لها طَلَاقُك بِيَدِك أو وَكَّلْتُك في الطَّلَاقِ وَصِفَةُ طَلَاقِهَا وَفُرُوعٌ أُخَرُ مُسْتَوْفَاةٌ مُحَرَّرَةٌ‏.‏

تنبيه‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لها أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا في مَجْلِسِ الْوَكَالَةِ وَبَعْدَهُ ما لم يَبْطُلْ حُكْمُ الْوَكَالَةِ كَالْوَكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ وك أَمْرُك بِيَدِك وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ ما في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَرَجَّحَهُ في الْكَافِي‏.‏

قال في الرِّعَايَتَيْنِ وهو أَوْلَى وَجَزَمَ بِه ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ‏.‏

وقال الْقَاضِي إذَا قال لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ‏.‏

وَاخْتَارَه ابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ‏.‏

وَيَأْتِي في آخِرِ بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا قال لها أَمْرُك بِيَدِك أو اخْتَارِي نَفْسَك هل يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ أو لَا‏.‏

وَتَأْتِي أَيْضًا هذه الْمَسْأَلَةُ هُنَاكَ‏.‏

بَابُ‏:‏ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ

قَوْلُهُ السُّنَّةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً في طُهْرٍ لم يُصِبْهَا فيه ثُمَّ يَدَعَهَا حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ‏.‏

وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا في ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كان حُكْمُ ذلك حُكْمَ جَمْعِ الثَّلَاثِ في طُهْرٍ وَاحِدٍ‏.‏

قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ طَلَاقُ السُّنَّةِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يَتْرُكُهَا حتى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بها في حَيْضَتِهَا أو طُهْرٍ أَصَابَهَا فيه فَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ مُحَرَّمٌ وَيَقَعُ‏.‏

الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ طَلَاقَهَا في حَيْضِهَا أو طُهْرٍ أَصَابَهَا فيه مُحَرَّمٌ وَيَقَعُ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ‏.‏

وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتِلْمِيذُه ابن الْقَيِّمِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِمَا‏.‏

قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اخْتَارَ طَائِفَةٌ من أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَدَمَ الْوُقُوعِ في الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ‏.‏

وقال أَيْضًا ظَاهِرُ كَلَامِ ابن أبي موسى أَنَّ طَلَاقَ الْمُجَامَعَةِ مَكْرُوهٌ وَطَلَاقَ الْحَائِضِ مُحَرَّمٌ‏.‏

تنبيه‏:‏

مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ أو طُهْرٍ أَصَابَهَا فيه إذَا لم يَسْتَبِنْ حَمْلُهَا فَإِنْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا فَلَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا‏.‏

وَالْعِلَّةُ في ذلك احْتِمَالُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيَحْصُلُ النَّدَمُ فَإِنْ كان الْحَمْلُ مُسْتَبِينًا فَقَدْ طَلَّقَ وهو على بَصِيرَةٍ فَلَا يَخَافُ أَمْرًا يَتَجَدَّدُ معه النَّدَمُ‏.‏

فوائد‏:‏

الْأُولَى قال في الْمُحَرَّرِ وكذا الْحُكْمُ لو طَلَّقَهَا في آخِرِ طُهْرٍ لم يُصِبْهَا فيه‏.‏

يَعْنِي أَنَّهُ طَلَاقُ بِدْعَةٍ وَمُحَرَّمٌ وَيَقَعُ‏.‏

وَتَبِعَهُ شَارِحُهُ على ذلك وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

وَسَبَقَهُمْ إلَيْهِ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ‏.‏

وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ على أَنَّهُ مُبَاحٌ وَالْحَالَةُ هذه إلَّا على رِوَايَةِ أَنَّ الْقُرُوءَ الْأَطْهَارُ‏.‏

وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا‏.‏

الثَّانِيَةُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ على أَنَّ الْعِلَّةَ في مَنْعِ الطَّلَاقِ من الْحَيْضِ هِيَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ‏.‏

وَخَالَفَهُمْ أبو الْخَطَّابِ فقال لِكَوْنِهِ في زَمَنِ رَغْبَتِهِ عنها‏.‏

وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وقد يُقَالُ إنَّ الْأَصْلَ في الطَّلَاقِ النَّهْيُ عنه فَلَا يُبَاحُ إلَّا وَقْتَ الْحَاجَةِ وهو الطَّلَاقُ الذي تَتَعَقَّبُهُ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ‏.‏

الثَّالِثَةُ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في الطَّلَاقِ في الْحَيْضِ هل هو مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ فَلَا يُبَاحُ وَإِنْ سَأَلَتْهُ إيَّاهُ أو لِحَقِّهَا فَيُبَاحُ بِسُؤَالِهَا فيه وَجْهَانِ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ‏.‏

قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ‏.‏

لَكِنَّ الذي جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ خُلْعَ الْحَائِضِ زَادَ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَطَلَاقَهَا بِسُؤَالِهَا غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَلَا بِدْعَةٌ ذَكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ في كِتَابِ الْخُلْعِ‏.‏

وقال ابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَلَا سُنَّةَ لِخُلْعٍ وَلَا بِدْعَةَ بَلْ لِطَلَاقٍ بِعِوَضٍ‏.‏

وَتَقَدَّمَ ذلك أَيْضًا في بَابِ الْحَيْضِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَمْنَعُ سُنَّةَ الطَّلَاقِ‏.‏

الرَّابِعَةُ الْعِلَّةُ في تَحْرِيمِ جَمْعِ الثَّلَاثِ سَدُّ الْبَابِ على نَفْسِهِ وَعَدَمُ الْمَخْرَجِ‏.‏

وقال بَعْضُهُمْ هل الْعِلَّةُ في النَّهْيِ عن جَمْعِ الثَّلَاثِ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَفَادُ منها أو تَضْيِيعُ الطَّلَاقِ لَا‏.‏

فائدة‏:‏

له وَيَنْبَنِي على ذلك تَحْرِيمُ جَمْعِ الطَّلْقَتَيْنِ‏.‏

الْخَامِسَةُ قال في التَّرْغِيبِ تَحَمُّلُ الْمَرْأَةِ بِمَاءِ الرَّجُلِ في مَعْنَى الْوَطْءِ قال وَكَذَا وَطْؤُهَا في غَيْرِ الْقُبُلِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ‏.‏

قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ‏.‏

قَوْلُهُ وَتُسْتَحَبُّ رَجْعَتُهَا‏.‏

هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَعَنْهُ أنها وَاجِبَةٌ ذَكَرَهَا في الْمُوجِزِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالتَّرْغِيبِ وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وطىء في طُهْرٍ طَلَّقَهَا فيه‏.‏

وَعَنْهُ أنها وَاجِبَةٌ في الْحَيْضِ اخْتَارَهَا في الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ‏.‏

فائدتان‏:‏

إحْدَاهُمَا لو عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِقِيَامِهَا فَقَامَتْ حَائِضًا فقال في الِانْتِصَارِ هو طَلَاقٌ مُبَاحٌ‏.‏

وقال في التَّرْغِيبِ هو طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ‏.‏

وقال في الرِّعَايَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ‏.‏

وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِقُدُومِ زَيْدٍ فَقَدِمَ في حَيْضِهَا فَبِدْعَةٌ وَلَا إثْمَ‏.‏

قُلْت مُقْتَضَى كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ أَنَّهُ مُبَاحٌ بَلْ أَوْلَى بِالْإِبَاحَةِ وهو أَوْلَى‏.‏

وَجَزَمَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى بِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ ما كان عَلَّقَهُ وَهِيَ حَائِضٌ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَيَقَعُ‏.‏

الثَّانِيَةُ طَلَاقُهَا في الطُّهْرِ الْمُتَعَقِّبِ لِلرَّجْعَةِ بِدْعَةٌ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

قُلْت فيعايي بها‏.‏

وَعَنْهُ يَجُوزُ زَادَ في التَّرْغِيبِ وَيَلْزَمُهُ وَطْؤُهَا‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا في طُهْرٍ لم يُصِبْهَا فيه كُرِهَ وفي تَحْرِيمِهِ رِوَايَتَانِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي‏.‏

إحْدَاهُمَا يَحْرُمُ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن هَانِئٍ وَأَبِي دَاوُد وَالْمَرُّوذِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ بن صَدَقَةَ وَأَبِي الْحَارِثِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي الْبَغْدَادِيِّ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ‏.‏

قُلْت منهم أبو بَكْرٍ وأبو حَفْصٍ وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ‏.‏

قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَحْرُمُ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ليس بِحَرَامٍ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَقَدَّمَهَا في الرَّوْضَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ‏.‏

قال الطُّوفِيُّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ ليس بِبِدْعَةٍ قُلْت ليس كما قال‏.‏

وَعَنْهُ الْجَمْعُ في الطُّهْرِ بِدْعَةٌ وَالتَّفْرِيقُ في الْأَطْهَارِ من غَيْرِ مُرَاجَعَةٍ سُنَّةٌ‏.‏

فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ الطَّلَاقُ على هذه الصِّفَةِ مَكْرُوهًا‏.‏

ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ هُنَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ هو طَلَاقُ السُّنَّةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ‏.‏

وَعَلَى الْمَذْهَبِ ليس له أَنْ يُطَلِّقَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً قبل الرَّجْعَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ‏.‏

قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَأَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ قال وهو أَصَحُّ‏.‏

وَعَنْهُ له ذلك قبل الرَّجْعَةِ‏.‏

فائدة‏:‏

لو طَلَّقَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً في طُهْرٍ وَاحِدٍ بَعْدَ رَجْعَةٍ أو عَقْدٍ لم يَكُنْ بِدْعَةً بِحَالٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

وَقَدَّمَ في الِانْتِصَارِ رِوَايَةَ تَحْرِيمِهِ حتى تَفْرُغَ الْعِدَّةُ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الرَّوْضَةِ فيما ‏[‏فما‏]‏ إذَا رَجَعَ‏.‏

قال لِأَنَّهُ طُولُ الْعِدَّةِ وَأَنَّهُ مَعْنَى نَهْيِهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ ‏{‏وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا‏}‏‏.‏

تنبيه‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ طَلَاقَهَا اثْنَتَيْنِ ليس كَطَلَاقِهَا ثَلَاثًا وهو صَحِيحٌ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَتَذْكِرَةِ ابن عبْدُوسٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ‏.‏

وقال وقد يَحْسُنُ بِنَاءُ رِوَايَتَيْ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ من غَيْرِ حَاجَةٍ على أَصْلٍ قَالَهُ أبو يعلي في تَعْلِيقِهِ الصَّغِيرِ وأبو الْفَتْحِ بن الْمُنَى وهو أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ وَإِنْ كان ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ فيه سُنَّةً انْتَهَى‏.‏

وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ مَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الْعِلَّةَ في النَّهْيِ عن جَمْعِ الثَّلَاثِ هل هِيَ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَفَادُ منها أو تَضْيِيعُ الطَّلَاقِ لَا فائدة له فَيَنْبَنِي على ذلك جَمْعُ الطَّلْقَتَيْنِ‏.‏

فائدة‏:‏

إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً بَعْدَ أَنْ رَاجَعَهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِلَا نِزَاعٍ في الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ منهم الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً قبل رَجْعَةٍ وَاحِدَةٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ لم يَنْوِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه مِرَارًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ بَلْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ رحمهم الله وَأَصْحَابُهُمْ في الْجُمْلَةِ‏.‏

وَأَوْقَعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ من ثَلَاثٍ مَجْمُوعَةٍ أو مُتَفَرِّقَةٍ قبل رَجْعَةٍ طَلْقَةً وَاحِدَةً وقال لَا نَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ بين الصُّورَتَيْنِ‏.‏

وَحَكَى عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً بَلْ وَاحِدَةً في الْمَجْمُوعَةِ أو الْمُتَفَرِّقَةِ عن جَدِّهِ الْمَجْدِ وَأَنَّهُ كان يُفْتِي بِهِ أَحْيَانًا سِرًّا‏.‏

ذَكَرَهُ عنه في الطَّبَقَاتِ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عليه إذَنْ فَلَا يَصِحُّ كَالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

وَظَاهِرُهُ وَلَوْ وَجَبَ عليه فِرَاقُهَا لِإِمْكَانِ حُصُولِهِ بِخُلْعٍ بِعِوَضٍ يُعَارِضُ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَنِيَّتَهُ فَضْلًا عن حُصُولِهِ بِنَفْسِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ أو طَلَقَاتٍ‏.‏

وقال عن قَوْلِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه في إيقَاعِ الثَّلَاثِ إنَّمَا جَعَلَهُ‏.‏

لِإِكْثَارِهِمْ منه فَعَاقَبَهُمْ على الْإِكْثَارِ منه لَمَّا عَصَوْا بِجَمْعِ الثَّلَاثِ فَيَكُونُ عُقُوبَةَ من لم يَتَّقِ اللَّهَ من التَّعْزِيرِ الذي يَرْجِعُ فيه إلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ كَالزِّيَادَةِ على الْأَرْبَعِينَ في حَدِّ الْخَمْرِ لَمَّا أَكْثَرَ الناس منها وَأَظْهَرُوهُ سَاغَتْ الزِّيَادَةُ عُقُوبَةً انْتَهَى‏.‏

وَاخْتَارَهُ الْحِلِّيُّ وَغَيْرُهُ من الْمَالِكِيَّةِ لِحَدِيثٍ صَحِيحٍ في مُسْلِمٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّلَاثِ في ذلك ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ‏.‏

فَعَلَيْهِ لو أَرَادَ بِهِ الْإِقْرَارَ لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ اتِّفَاقًا إنْ امْتَنَعَ صِدْقُهُ وَإِلَّا فَظَاهِرًا فَقَطْ‏.‏

وَاخْتَارَهُ أَيْضًا ابن القيم وَغَيْرُهُ في الْهُدَى وَغَيْرِهِ وَكَثِيرٌ من أَتْبَاعِهِ‏.‏

قال ابن الْمُنْذِرِ هو مَذْهَبُ أَصْحَابِ ابن عبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما كَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعَمْرِو بن دِينَارٍ رحمهم الله نَقَلَهُ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بن حَجَرٍ في فَتْحِ الْبَارِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ‏.‏

وَحَكَى الْمُصَنِّفُ عن عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَسَعِيدِ بن جُبَيْرٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَعَمْرِو بن دِينَارٍ أنهم ‏[‏أنهما‏]‏ كَانُوا يَقُولُونَ من طَلَّقَ الْبِكْرَ ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ‏.‏

وقال الْقُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِهِ على قَوْله تَعَالَى ‏{‏الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ‏}‏ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى على لُزُومِ إيقَاعِ الثَّلَاثِ وهو قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَشَذَّ طَاوُسٌ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقَعُ وَاحِدَةً وَيُرْوَى هذا عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ وَالْحَجَّاجِ بن أرطأة‏.‏

وقال بَعْدَ ذلك وَلَا فَرْقَ بين أَنْ يُوقِعَ ثَلَاثًا مُجْتَمِعَةً في كَلِمَةٍ أو مُتَفَرِّقَةً في كَلِمَاتٍ ثَلَاثٍ‏.‏

وقال بَعْدَ ذلك ذَكَرَ محمد بن أَحْمَدَ بن مُغِيثٍ في وَثَائِقِهِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَنْقَسِمُ إلَى طَلَاقِ سُنَّةٍ وَطَلَاقِ بِدْعَةٍ فَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا في حَيْضٍ أو ثَلَاثًا في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ على أَنَّهُ مُطْلَقٌ كَمْ يَلْزَمُهُ من الطَّلَاقِ فقال عَلِيٌّ وابن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنهما يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَه ابن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما وقال قَوْلُهُ ثَلَاثًا لَا مَعْنَى له لِأَنَّهُ لم يُطَلِّقْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ‏.‏

وَقَالَهُ الزُّبَيْرُ بن الْعَوَّامِ وَعَبْدُ الرحمن ابن عوْفٍ رضي اللَّهُ عنهما وَرَوَيْنَاهُ عن بن وَضَّاحٍ‏.‏

وقال بِهِ من شُيُوخِ قُرْطُبَةَ بن زِنْبَاعٍ وَمُحَمَّدُ بن بَقِيٍّ بن مَخْلَدٍ وَمُحَمَّدُ ابن عبد السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ فَقِيهُ عَصْرِهِ وَأَصْبَغُ بن الْحُبَابِ وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ‏.‏

وقد يَخْرُجُ بِقِيَاسٍ من غَيْرِ ما مَسْأَلَةٍ من الْمُدَوَّنَةِ ما يَدُلُّ على ذلك وَذَكَرَهُ وَعَلَّلَ ذلك بِتَعَالِيلَ جَيِّدَةٍ انْتَهَى‏.‏

فَوُقُوعُ الْوَاحِدَةِ في الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الذي ذَكَرْنَاهُ هُنَا لِكَوْنِهِ طَلَاقَ بِدْعَةٍ لَا لِكَوْنِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أو آيِسَةً أو غير مَدْخُولٍ بها أو حَامِلًا قد اسْتَبَانَ حَمْلُهَا فَلَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ إلَّا في الْعَدَدِ‏.‏

هذا إحْدَى الرِّوَايَاتِ‏.‏

قال الشَّارِحُ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُنَّ ليس لِطَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ من جِهَةِ الْوَقْتِ في قَوْلِ أَصْحَابِنَا انْتَهَى وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ‏.‏

وَعَنْهُ لَا سُنَّةَ لَهُنَّ وَلَا بِدْعَةَ لَا في الْعَدَدِ وَلَا في غَيْرِهِ وهو الْمَذْهَبُ‏.‏

جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ‏.‏

وَعَنْهُ سُنَّةُ الْوَقْتِ تَثْبُتُ لِلْحَامِلِ وهو قَوْلُ الْخِرَقِيِّ‏.‏

فَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ طَلُقَتْ بِالْوَضْعِ لِأَنَّ النِّفَاسَ زَمَنُ بِدْعَةٍ كَالْحَيْضِ‏.‏

وَنَقَل ابن مَنْصُورٍ وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُطَلِّقَ حَائِضًا لم يَدْخُلْ بها‏.‏

فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ لو قال لِمَنْ اتَّصَفَتْ بِبَعْضِ هذه الصِّفَاتِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ طَلْقَةً وَلِلْبِدْعَةِ طَلْقَةً وَقَعَ طَلْقَتَانِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ في غَيْرِ الْآيِسَةِ إذَا صَارَتْ من أَهْلِ ذلك الْوَصْفِ فَيُدَيَّنُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ‏.‏

وَذَكَرَ في الْوَاضِحِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَدِينُ‏.‏

وَهَلْ يُقْبَلُ في الْحُكْمِ يُخَرَّجُ على وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُنَوِّرِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ في الْحُكْمِ‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقْبَلُ‏.‏

قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ‏.‏

فائدة‏:‏

لو قال لِمَنْ لها سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لِلسُّنَّةِ وَطَلْقَةً لِلْبِدْعَةِ طَلُقَتْ طَلْقَةً في الْحَالِ وَطَلْقَةً في ضِدِّ حَالِهَا الرَّاهِنَةِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ قال لِمَنْ لها سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ في طُهْرٍ لم يُصِبْهَا فيه طَلُقَتْ في الْحَالِ بِلَا نِزَاعٍ‏.‏

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ كانت حَائِضًا طَلُقَتْ إذَا طَهُرَتْ‏.‏

سَوَاءٌ اغْتَسَلَتْ أولا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ‏.‏

قال في الْبُلْغَةِ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ‏.‏

وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ حتى تَغْتَسِلَ اخْتَارَه ابن أبي مُوسَى‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّ مَبْنَى الْقَوْلَيْنِ على أَنَّ الْعِلَّةَ في الْمَنْعِ من طَلَاقِ الْحَائِضِ‏.‏

إنْ قِيلَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وهو الْمَشْهُورُ أُبِيحَ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الطُّهْرِ‏.‏

وَإِنْ قِيلَ الرَّغْبَةُ عنها لم تُبِحْ رَجْعَتُهَا حتى تَغْتَسِلَ لِمَنْعِهَا منها قبل الِاغْتِسَالِ انْتَهَى‏.‏

وَيَأْتِي في بَابِ الرَّجْعَةِ ما يَقْرُبُ من ذلك وهو ما إذَا طَهُرَتْ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ولم تَغْتَسِلْ هل له رَجْعَتُهَا أَمْ لَا‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَهِيَ حَائِضٌ أو في طُهْرٍ أَصَابَهَا فيه طَلُقَتْ في الْحَالِ وَإِنْ كانت في طُهْرٍ لم يُصِبْهَا فيه طَلُقَتْ إذَا أَصَابَهَا أو حَاضَتْ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ‏.‏

لَكِنْ يَنْزِعُ في الْحَالِ بَعْدَ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ لِوُقُوعِ طَلَاقٍ ثَلَاثٍ عَقِيبَ ذلك‏.‏

فَإِنْ اسْتَدَامَ ذلك حُدَّ الْعَالِمُ وَعُذِرَ الْجَاهِلُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ‏.‏

وقال في الْمُحَرَّرِ وَعِنْدِي أنها تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ في الْحَالِ إذَا كان زَمَنَ السُّنَّةِ وَقُلْنَا الْجَمْعُ بِدْعَةٌ بِنَاءً على اخْتِيَارِهِ من أَنَّ جَمْعَ طَلْقَتَيْنِ بِدْعَةٌ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا في طُهْرٍ لم يُصِبْهَا فيه في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ‏.‏

قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا الْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ‏.‏

وفي الْأُخْرَى تَطْلُقُ في الْحَالِ وَاحِدَةً وَتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ في طُهْرَيْنِ في نِكَاحَيْنِ إنْ أَمْكَنَ‏.‏

وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ‏.‏

وَعَنْهُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا في ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لم يُصِبْهَا فِيهِنَّ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

تنبيه‏:‏

قال الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وابن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَب وَالسَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمْ وُقُوعُ الثَّلَاثِ في طُهْرٍ لم يُصِبْهَا فيه مبنى على الرِّوَايَةِ التي قال فيها إنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ يَكُونُ سُنَّةً‏.‏

فَأَمَّا على الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فإذا طَهُرَتْ طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ في نِكَاحَيْنِ آخَرَيْنِ أو بَعْدَ رَجْعَتَيْنِ‏.‏

وقد أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ هذا الْقَوْلَ فقال في رِوَايَةِ مُهَنَّا إذَا قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ قد اخْتَلَفُوا فيه‏.‏

فَمِنْهُمْ من يقول يَقَعُ عليها السَّاعَةَ وَاحِدَةٌ فَلَوْ رَاجَعَهَا تَقَعُ عليها تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى وَتَكُونُ عِنْدَهُ على أُخْرَى وما يُعْجِبُنِي قَوْلُهُمْ هذا‏.‏

قال الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ لِأَنَّ ذلك عِنْدَهُ سُنَّةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَوْقَعَهَا لِوَصْفِهِ الثَّلَاثَ بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ فَأَلْغَى الصِّفَةَ وَأَوْقَعَ الثَّلَاثَ كما لو قال لِحَائِضٍ أَنْتِ طَالِقٌ في الْحَالِ لِلسُّنَّةِ‏.‏

وقال في رِوَايَةِ أبي الْحَارِثِ ما يَدُلُّ على هذا‏.‏

فإنه قال يَقَعُ عليها الثَّلَاثُ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ‏.‏

قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وفي هذا الِاحْتِمَالِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لو أَلْغَى قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ‏.‏

وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ في الْحَالِ حَائِضًا كانت أو طَاهِرًا مُجَامَعَةً أو غير مُجَامَعَةٍ لِأَنَّهُ إذَا أَلْغَى قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ بَقِيَ أَنْتِ طَالِقٌ وهو مُوجِبٌ لِمَا ذَكَرَهُ‏.‏

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ على غَيْرِ ذلك وهو أَنَّهُ لَمَّا كانت الْبِدْعَةُ على ضَرْبَيْنِ أَحَدِهِمَا من جِهَةِ الْعَدَدِ وَالْأُخْرَى من جِهَةِ الْوَقْتِ فَحَيْثُ جَمَعَ الزَّوْجُ بين الثَّلَاثِ وَبَيْنَ السُّنَّةِ كان ذلك قَرِينَةً في إرَادَتِهِ السُّنَّةَ من حَيْثُ الْوَقْتُ لَا من حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا تُلْحَظُ في الثَّلَاثِ السُّنَّةُ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ له وَيَصِيرُ كما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيُلْحَظُ السُّنَّةُ في الْوَقْتِ لِإِرَادَتِهِ له فَلَا تَطْلُقُ إلَّا في طُهْرٍ لم يُصِبْهَا فيه انْتَهَى‏.‏

فائدة‏:‏

لو قال لِمَنْ لها سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا نِصْفُهَا لِلسُّنَّةِ وَنِصْفُهَا لِلْبِدْعَةِ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ في الْحَالِ وَطَلُقَتْ الثَّالِثَةَ في ضِدِّ حَالِهَا الرَّاهِنَةِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي‏.‏

قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَصَحُّ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ‏.‏

وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

وقال ابن أبي مُوسَى تَطْلُقُ الثَّلَاثَ في الْحَالِ لِتَبْعِيضِ كل طَلْقَةٍ انْتَهَى‏.‏

وَكَذَا لو قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَأَطْلَقَ‏.‏

وَلَوْ قال طَلْقَتَانِ لِلسُّنَّةِ وَوَاحِدَةٌ لِلْبِدْعَةِ أو عَكَسَهُ فَهُوَ على ما قال‏.‏

فَإِنْ أَطْلَقَ ثُمَّ قال نَوَيْت ذلك إنْ فَسَّرَ نِيَّتَهُ بِمَا يَقَعُ في الْحَالِ طَلُقَتْ وَقُبِلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فيه‏.‏

وَإِنْ فَسَّرَهَا بِمَا يُوقِعُ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيُؤَخِّرُ اثْنَتَيْنِ دُيِّنَ وَيُقْبَلُ في الْحَكَمِ على الصَّحِيحِ‏.‏

قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا أَظْهَرُ‏.‏

وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ في الْحُكْمِ لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِأَخَفَّ مِمَّا يَلْزَمُهُ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ‏.‏

وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ طَلُقَتْ في الْحَالِ طَلْقَتَيْنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ‏.‏

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ طَلْقَةٌ وَيَتَأَخَّرَ اثْنَتَانِ إلَى الْحَالِ الْأُخْرَى‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ في كل قُرْءٍ وَهِيَ من اللَّائِي لم يَحِضْنَ لم تَطْلُقْ حتى تَحِيضَ فَتَطْلُقَ في كل حَيْضَةٍ طَلْقَةً‏.‏

بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ تُسْتَثْنَى الْحَائِضُ التي لم يَدْخُلْ بها‏.‏

وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقُرْءَ هو الْحَيْضُ على ما يَأْتِي في بَابِ الْعِدَّةِ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ قُلْنَا الْقُرْءُ الْأَطْهَارُ‏.‏

وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَهَلْ تَطْلُقُ في الحال ‏[‏الحل‏]‏ طَلْقَةً‏.‏

أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه وَجْهَيْنِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ‏.‏

إحْدَاهُمَا تَطْلُقُ في الْحَالِ طَلْقَةً وهو الْمَذْهَبُ‏.‏

جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَطْلُقُ إلَّا في طُهْرٍ بَعْدَ حَيْضٍ مُتَجَدِّدٍ‏.‏

فوائد‏:‏

إحْدَاهَا حُكْمُ الْحَامِلِ كَحُكْمِ اللَّائِي لم يَحِضْنَ على ما تَقَدَّمَ‏.‏

وَأَمَّا الْآيِسَةُ فَتَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً على كل حَالٍ قَالَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عليه الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا‏.‏

الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَإِنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ وَأَجْمَلَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ‏.‏

وَكَذَا قَوْلُهُ أَقْرَبَ الطَّلَاقِ وَأَعْدَلَهُ وَأَكْمَلَهُ وَأَفْضَلَهُ وَأَتَمَّهُ وَأَسَنَّهُ وَنَحْوَهُ‏.‏

وَكَذَا قَوْلُهُ طَلْقَةً جَلِيلَةً أو سُنِّيَّةً وَنَحْوَهُ‏.‏

وَإِنْ قال أَقْبَحَ الطَّلَاقِ واسمجه وَكَذَا أَفْحَشَ الطَّلَاقِ وَأَرْدَأَهُ أو أَنْتَنَهُ وَنَحْوَهُ‏.‏

فَهُوَ كَقَوْلِهِ لِلْبِدْعَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَحْسَنَ أَحْوَالِك أو أَقْبَحَهَا أَنْ تَكُونِي مُطَلَّقَةً فَيَقَعُ في الْحَالِ بِلَا نِزَاعٍ‏.‏

لَكِنْ لو نَوَى بِأَحْسَنِهِ زَمَنَ الْبِدْعَةِ لِشَبَهِهِ بِخُلُقِهَا الْقَبِيحِ أو بِأَقْبَحِهِ زَمَنَ السُّنَّةِ لِقُبْحِ عِشْرَتِهَا وَنَحْوِهِ فَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ‏.‏

قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ إنْ قال في أَحْسَنِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ أَرَدْتُ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وفي أَقْبَحِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ أَرَدْتُ طَلَاقَ السُّنَّةِ قُبِلَ قَوْلُهُ في الْأَغْلَظِ عليه وَدُيِّنَ في الْأَخَفِّ‏.‏

وَهَلْ يُقْبَلُ حُكْمًا خَرَجَ فيه وَجْهَانِ انْتَهَى‏.‏

الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ وَإِنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً طَلُقَتْ في الْحَالِ‏.‏

وَكَذَلِكَ لو قال أَنْتِ طَالِقٌ في الْحَالِ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ حَائِضٌ أو قال أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ في الْحَالِ وَهِيَ في طُهْرٍ لم يُصِبْهَا فيه بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا‏.‏