فصل: كتاب الِاعْتِكَاف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي عشر:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لعبد الله بن عَمْرو: «لَا صَامَ من صَامَ الدَّهْر، صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر صَوْم الدَّهْر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ «لَا صَامَ من صَامَ الْأَبَد ثَلَاثًا» وَفِي آخر «صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام...» إِلَى آخِره.
كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَسَقَطت الْوَاو فِي بعض نسخ الْكتاب، وَهُوَ من النساخ، وَهُوَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.

.الحديث الثَّالِث عشر:

«أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نهَى عَن صِيَام الدَّهْر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بِلَفْظ: «لَا صَامَ من صَامَ الْأَبَد» كَمَا سلف، وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث أبي قَتَادَة «أَن عمر قَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ بِمن يَصُوم الدَّهْر؟ قَالَ: لَا صَامَ وَلَا أفطر- أَو لم يصم وَلم يفْطر». وَفِي مُسْند أَحْمد وصَحِيح ابْن حبَان من حَدِيث عبد الله بن الشخير رَفعه: «من صَامَ الْأَبَد فَلَا صَامَ وَلَا أفطر». وَمن حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن «أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قيل لَهُ: إِن فلَانا لَا يفْطر نَهَار الدَّهْر إِلَّا لَيْلًا. فَقَالَ لله: لَا صَامَ وَلَا أفطر». وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «من صَامَ الدَّهْر ضيقت عَلَيْهِ جَهَنَّم هَكَذَا. وَعقد تسعين» وَرَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَى أبي مُوسَى أَيْضا. وَهَذَا الحَدِيث احْتج بِهِ الْبَيْهَقِيّ عَلَى أَنه لَا كَرَاهَة فِي صَوْم الدَّهْر، وَمَعْنى ضيقت.
عَلَيْهِ؛ أَي: عَنهُ فَلم يدخلهَا. أَو ضيقت عَلَيْهِ أَي لَا يكون لَهُ فِيهَا مَوضِع. وَلما رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ قَالَ فِي آخِره: قَالَ أَبُو الْوَلِيد يَعْنِي: أَن يدخلهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَأَشَارَ غَيره إِلَى الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى كَرَاهَته.
وأوردهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه فِي بَاب من كره صَوْم الدَّهْر.
وَاسْتدلَّ بِهِ أَيْضا كَذَلِك ابْن حزم، وَقَالَ: إِنَّمَا أوردهُ رُوَاته كلهم عَلَى التَّشْدِيد وَالنَّهْي عَن صَوْمه. وَلما رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه حمله عَلَى من صَامَ الدَّهْر الَّذِي فِيهِ أَيَّام التَّشْرِيق وَالْعِيدَيْنِ.

.كتاب الِاعْتِكَاف:

كتاب الِاعْتِكَاف:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ اثْنَي عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «من اعْتكف فوَاق نَاقَة فَكَأَنَّمَا أعتق نسمَة».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعرفهُ بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ، ورأيته بِلَفْظ: «من رابط» بدل «من اعْتكف» وَذكره الْجَوْهَرِي فِي صحاحه بِلَفْظ: «العيادة قدر فوَاق نَاقَة». قَالَ: والفواق- بِالضَّمِّ وَالْكَسْر-: مَا بَين الحلبتين من الْوَقْت؛ لِأَنَّهَا تحلب ثمَّ تتْرك سويعة يرضعها الفصيل لتدر، ثمَّ تحلب فَيُقَال: مَا أَقَامَ عِنْده إِلَّا فواقاً. ثمَّ قَالَ: وَفِي الحَدِيث...
فَذكره كَمَا أوردناه. وَفِي ضعفاء الْعقيلِيّ من حَدِيث أنس بن عبد الحميد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «من رابط فوَاق نَاقَة حرمه الله عَلَى النَّار» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَقد رَأَيْت لأنس هَذَا غير حَدِيث من هَذَا النَّحْو. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر عَنْهَا مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يعرف إِلَّا بِسُلَيْمَان وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ وَكَانَ سُلَيْمَان مُنكر الحَدِيث. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ من هَذَا الْوَجْه فِي علله ووهاه أَيْضا. وَورد فِي فضل الِاعْتِكَاف حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَرْفُوع: «الْمُعْتَكف هُوَ يعكف الذُّنُوب، ويجرى لَهُ من الْحَسَنَات كعامل الْحَسَنَات كلهَا». رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث فرقد السبخي، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، بعد أَن ترْجم عَلَيْهِ بَاب فِي ثَوَاب الِاعْتِكَاف. وفرقد هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَضَعفه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَحَدِيث الْحُسَيْن مَرْفُوعا: «اعْتِكَاف عشر فِي رَمَضَان كحجتين وعمرتين» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بِإِسْنَاد ضَعِيف، بِسَبَب الْهياج بن بسطَام الْمَتْرُوك، وَغَيره. وَأثر عبد الله بن عمر أَنه قَالَ: «حق عَلَى الله- عَزَّ وَجَلَّ- من عكف نَفسه فِي الْمَسْجِد بعد الْمغرب إِلَى الْعشَاء لَا يتَكَلَّم إِلَّا بقرآن أَو دُعَاء، أَو صَلَاة أَن يُبْنَى لَهُ قصران فِي الْجنَّة عرض كل قصر مِنْهُمَا مائَة عَام». رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي كناه.
فَائِدَة: فوَاق- بِضَم الْفَاء وَفتحهَا- مَا بَين الحلبتين من الْوَقْت؛
لِأَنَّهَا تحلب ثمَّ تتْرك سويعة ثمَّ يرضعها الفصيل لتدر ثمَّ تحلب.
وَقيل: مَا بَين الشخبتين.

.الحديث الثَّانِي:

«أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان حَتَّى قَبضه الله».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عَائِشَة «أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان حَتَّى توفاه الله، ثمَّ اعْتكف أَزوَاجه من بعده» وَقد تقدم فِي أثْنَاء كتاب الصّيام أَيْضا.

.الحديث الثَّالِث:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «تحروا لَيْلَة الْقدر فِي الْوتر من الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا كَذَلِك، وَلم يذكر مُسلم لَفْظَة «فِي الْوتر».

.الحديث الرَّابِع:

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يعْتَكف الْعشْر الْأَوْسَط من رَمَضَان، فاعتكف عَاما فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين وَهِي اللَّيْلَة الَّتِي يخرج فِي صبيحتها من اعْتِكَافه قَالَ: من كَانَ اعْتكف معي فليعتكف فِي الْعشْر الْأَوَاخِر. قَالَ: فَأريت هَذِه اللَّيْلَة ثمَّ أنسيتها، وَرَأَيْت أَنِّي أَسجد فِي صبيحتها فِي مَاء وطين، فالتمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر، والتمسوها فِي كل وتر. فأمطرت السَّمَاء تِلْكَ اللَّيْلَة وَكَانَ الْمَسْجِد عَلَى عَرِيش، فوكف الْمَسْجِد. قَالَ أَبُو سعيد: فَأَبْصَرت عَيْنَايَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ انْصَرف وَعَلَى جَبهته وَأَنْفه أثر المَاء والطين من صَبِيحَة إِحْدَى وَعشْرين».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من هَذَا الْوَجْه من طرق بِأَلْفَاظ.

.الحديث الخَامِس:

عَن عبد الله بن أنيس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَالَ لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِنِّي أكون بباديتي وَإِنِّي أُصَلِّي بهم فمرني بليلة فِي هَذَا الشَّهْر أنزلهَا فِي الْمَسْجِد فأصلي فِيهِ، فَقَالَ: أنزل فِي لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ.
والسياق الْمَذْكُور لأبي دَاوُد من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن عبد الله بن أنيس عَن أَبِيه أَنه قَالَ: قلت: «يَا رَسُول الله، إِن لي بادية أكون فِيهَا وَأَنا أُصَلِّي فِيهَا بِحَمْد الله، فمرني بليلة أنزلهَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِد فَقَالَ: انْزِلْ لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين» ثمَّ ذكر فِيهِ قصَّة.
وسياقة مُسلم عَن عبد الله بن أنيس أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «أريت لَيْلَة الْقدر ثمَّ أنسيتها، وَأرَانِي صبحتها أَسجد فِي مَاء وطين. فمطرنا لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين فَصَلى بِنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَانْصَرف وَإِن أثر المَاء والطين عَلَى جَبهته وَأَنْفه. قَالَ: وَكَانَ عبد الله بن أنيس يَقُول: ثَلَاث وَعِشْرُونَ».

.الحديث السَّادِس:

أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت فِي الْجَاهِلِيَّة أَن أعتكف لَيْلَة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أوف بِنَذْرِك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث ابْن عمر أَن عمر قَالَ.. الحَدِيث. زَاد البُخَارِيّ: «فاعتكف لَيْلَة». وَفِي رِوَايَة للدارقطني، وَالْبَيْهَقِيّ «أَن عمر نذر أَن يعْتَكف فِي الشّرك ويصوم، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أوف بِنَذْرِك». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ذكر نذر الصَّوْم غَرِيب تفرد بِهِ عبد الله بن بشر. وَقَالَ عبد الْحق: إِسْنَاد حسن، تفرد بِهَذَا اللَّفْظ سعيد بن بشير، عَن عبيد الله بن عمر. قَالَ ابْن الْقطَّان وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَن سعيد بن بشير يخْتَلف فِيهِ. وَضَعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه فَقَالَ: تفرد بِهِ سعيد هَذَا، قَالَ يَحْيَى وَابْن نمير:
لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف.

.الحديث السَّابِع:

«أَن نسَاء رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كن يعتكفن فِي الْمَسْجِد».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا أَرَادَ أَن يعْتَكف صَلَّى الْفجْر، ثمَّ دخل مُعْتَكفه وَأَنه أُمر بخبائها فَضرب- أَرَادَ الِاعْتِكَاف فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من شهر رَمَضَان- فَأمرت زَيْنَب بخبائها فَضرب، وَأمر غَيرهَا من أَزوَاج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بخبائهم فَضرب، فَلَمَّا صَلَّى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْفجْر نظر فَإِذا الأخبية، فَقَالَ: آلبر تردن؟ فَأمر بخبائه فقوض وَترك الِاعْتِكَاف فِي شهر رَمَضَان حَتَّى اعْتكف فِي الْعشْر الأول من شَوَّال».

.الحديث الثَّامِن:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد: مَسْجِدي هَذَا، وَالْمَسْجِد الْحَرَام، وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَذَلِك.

.الحديث التَّاسِع:

«أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَمر ضباعة بالإهلال بِشَرْط التَّحَلُّل».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ أَيْضا كَمَا ستعلمه فِي الْحَج إِن شَاءَ الله فَهُوَ أليق بِهِ.

.الحديث العَاشِر:

«أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يُدْني رَأسه إِلَى عَائِشَة فترجِّله وَهُوَ معتكف فِي الْمَسْجِد».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها كَمَا ستعلمه بَعْدُ.
والترجيل: التسريح.

.الحَدِيث الْحَادِي عشر:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ إِذا اعْتكف لَا يدْخل الْبَيْت إِلَّا لحَاجَة الْإِنْسَان».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيثهَا قَالَت: «إِنْ كانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليُدْخل عليَّ رَأسه وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فأُرَجِّله، وَكَانَ لَا يدْخل الْبَيْت إِلَّا لحَاجَة الْإِنْسَان إِذا كَانَ معتكفاً» وَلَفظ «الْإِنْسَان» لَيست فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، وموجودة فِي صَحِيح مُسلم فِي كتاب الطَّهَارَة وثَبت لفظ «الْإِنْسَان» أَيْضا فِي سنَن أبي دَاوُد بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا اعْتكف يُدني إليَّ رَأسه، وَكَانَ لَا يدْخل الْبَيْت إِلَّا لحَاجَة الْإِنْسَان». وَفِي سنَن النَّسَائِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح قَالَت: «إِن كنت لآتي الْبَيْت وَفِيه الْمَرِيض فَمَا أسألُ عَنهُ إِلَّا وَأَنا قَائِمَة، وإِنْ كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليُدْخِل عليَّ رَأسه فأرجِّله، وَكَانَ لَا يَأْتِي الْبَيْت إِلَّا لحَاجَة الْإِنْسَان».

.الحديث الثَّانِي عشر:

رُوِيَ «أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ لَا يسْأَل عَن الْمَرِيض إِلَّا مارًّا فِي اعْتِكَافه وَلَا يُعرّج عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا «أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يمر بالمريض وَهُوَ معتكف فيمر كَمَا هُوَ وَلَا يُعرِّج، وَيسْأل عَنهُ». وَفِي إِسْنَاده لَيْث بن أبي سُليم، وَقد علمتَ حَاله فِيمَا مَضَى، وَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه مَوْقُوفا عَلَيْهَا من فعلهَا قَالَت:
«إِن كنت لأدخل الْبَيْت للْحَاجة وَالْمَرِيض فِيهِ فَمَا أسأَل عَنهُ إِلَّا وَأَنا مارَّة».

.كتاب الْحَج:

كتاب الْحَج:

.[فَرِيضَة الْحَج]:

قَالَ الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: نزلت فَرِيضَة الْحَج سنة خمس من الْهِجْرَة، وأخره النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير مَانع، فَإِنَّهُ خرج إِلَى مَكَّة سنة سبع لقَضَاء الْعمرَة وَلم يحجّ، وَفتح مَكَّة سنة ثمانٍ، وبعثَ أَبَا بكر أَمِيرا عَلَى الحاجِّ سنة تسع، وَحج هُوَ سنة عشر وعاش بعْدهَا ثَمَانِينَ يَوْمًا ثمَّ قبض.
هَذَا لَفظه، وَمَا جزمَ بِهِ من كونِ الْحَج فُرِضَ سنة خمس مُخَالف لما رَجحه فِي كتاب السِّير فَإِنَّهُ قَالَ: فُرِض سنة ستٍّ، وَقيل: سنة خمس. وَتَبعهُ فِي الرَّوْضَة عَلَيْهَا، وصَحَّحَ ابْن الرّفْعَة أَيْضا أَنه سنة سِتّ، وَنَقله فِي شرح الْمُهَذّب عَن الْأَصْحَاب، وَقيل: إِنَّه فُرض سنة ثَمَان. قَالَ الماورديُّ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة: وَقيل: سنة تسع. حَكَاهُ فِي الرَّوْضَة فِي السّنَن، وَقيل: قبل الْهِجْرَة. حَكَاهُ فِي النِّهَايَة، وَقَوله: «وعاش بعْدهَا» أَي: بعد عَوْدِهِ من الْحَج لَا بعد الْحَج نفسِه، فَإِن الْحَج انْقَضَى ثَالِث عشر، وَتُوفِّي الشَّارِع ثَانِي عشر ربيع الأول، وَهَذِه الْأُمُور الَّتِي نقلهَا الرَّافِعِيّ هُنَا عَنهُ؛ كلهَا صَحِيحَة ثمَّ ذكر فِي الْبَاب أَحَادِيث وأثرًا وَاحِدًا، أما الْأَحَادِيث فَثَلَاثَة عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام «بني الْإِسْلَام عَلَى خمس...» الحَدِيث.
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما كَمَا سلف فِي الصَّوْم، وَهُوَ حَدِيث عَظِيم الْموقع كثير الْفَوَائِد.

.الحديث الثَّانِي:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِن الله كتب عَلَيْكُم الْحَج. فَقَامَ الْأَقْرَع بن حَابِس فَقَالَ: أَفِي كل عَام يَا رَسُول الله؟ قَالَ: لَو قلتهَا لَوَجَبَتْ، وَلَو وَجَبت لم تعملوا بهَا، وَلم تستطيعوا أَن تعملوا بهَا، الْحَج مرّة، فَمن زَاد فمتطوع».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، فِي سُنَنهمْ وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور هُوَ لفظ أَحْمد، أخرجه من حَدِيث سُلَيْمَان بن كثير، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سِنَان الدؤَلِي، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس...» فَذكره، وَقَالَ: «فَهُوَ تطوع» بدل «فمتطوع» وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ سَوَاء ثمَّ قَالَ: تَابعه سُفْيَان بن حُسَيْن، وَمُحَمّد بن أبي حَفْصَة، عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سِنَان، وَقَالَ: عقيل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سِنَان، وَهُوَ أَبُو سِنَان الدؤَلِي.
قلت: أما مُتَابعَة سُفْيَان، فأخرجها أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه بِلَفْظ: «أَن الْأَقْرَع بن حَابِس سَأَلَ رَسُول الله فَقَالَ: يَا رَسُول الله، الْحَج فِي كل سنة أَو مرّة وَاحِدَة؟ فَقَالَ: بل مرّة وَاحِدَة فَمن زَاد فتطوع».
وَأما مُتَابعَة مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة؛ فأخرجها الْحَاكِم كَمَا سَيَأْتِي.
قلت: وتابعهما أَيْضا سُلَيْمَان بن كثير كَمَا سلف، وَعبد الْجَلِيل بن حُمَيْد، عَن الزُّهْرِيّ، وَلَفظه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَامَ فَقَالَ: إِن الله- تبَارك وَتَعَالَى- كتب عَلَيْكُم الْحَج. فَقَالَ الْأَقْرَع بن حَابِس التَّمِيمِي: كل عَام يَا رَسُول الله؟ فَسكت فَقَالَ: لَو قلت نعم لوَجَبت ثُمَّ إِذا لَا تَسْمَعُونَ وَلَا تطيعون، وَلكنه حجَّة وَاحِدَة». رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث مُوسَى بن سَلمَة عَنهُ بِهِ، وأَعلَّه ابْن الْقطَّان بِجَهَالَة مُوسَى وَعبد الْجَلِيل. وَقَالَ: فَالْحَدِيث إِذا لَا يَصح من أجلهما.
قلت: عبد الْجَلِيل رَوَى عَن الزُّهْرِيّ وَأَيوب، وَعنهُ جمَاعَة، وَهُوَ صَدُوق. ومُوسَى قَالَ النَّسَائِيّ فِي حَقه: صَالح الحَدِيث. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي موضِعين من كتاب الْحَج من مُسْتَدْركه:
أَحدهمَا: فِي أَوله من حَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن. كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه؛ إِلَّا أَنه قَالَ: «فَمن أَرَادَ يتَطَوَّع» بدل «فَمن زَاد فمتطوع»
ثَانِيهمَا: بعد هَذَا الْموضع بِنَحْوِ كراسة من حَدِيث عبد الله بن صَالح، نَا اللَّيْث، حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سِنَان الدؤَلِي، عَن ابْن عَبَّاس أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «يَا قوم، كتب الله عَلَيْكُم الْحَج. فَقَالَ الْأَقْرَع بن حَابِس: أكل عَام يَا رَسُول الله؟ فَصمت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: لَا، بل حجَّة وَاحِدَة، ثمَّ من حج بعد ذَلِك فَهُوَ تطوع، وَلَو قلت: نعم. لَوَجَبَتْ عَلَيْكُم، ثمَّ إِذا لَا تَسْمَعُونَ وَلَا تطيعون» ثمَّ قَالَ فِي الْإِسْنَاد الأول: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَلم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ فَإِنَّهُمَا لم يخرجَا لِسُفْيَان بن حُسَيْن وَهُوَ من الثِّقَات الَّذين يجمع حَدِيثهمْ. وَقَالَ فِي الحَدِيث الثَّانِي: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ، وَلم يخرجَاهُ. ثمَّ ذكره قبل هَذَا الحَدِيث من حَدِيث روح بن عبَادَة، ثَنَا مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سِنَان، عَن ابْن عَبَّاس «أَن الْأَقْرَع بن حَابِس سَأَلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحَج كل عَام؟ قَالَ: لَا حجَّة وَاحِدَة، وَلَو قلت نعم لَوَجَبَتْ، وَلَو وَجَبت لم تسمعوا وَلم تطيعوا» وَذكره أَيْضا فِي كتاب التَّفْسِير من مُسْتَدْركه فِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان من حَدِيث سُلَيْمَان بن كثير بِهِ كَمَا سَاقه أَحْمد، إِلَّا أَنه زَاد: «أَو لم تستطيعوا أَن تعملوا بهَا، الْحَج مرّة؛ فَمن زَاد فتطوع» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَان بن حُسَيْن، عَن الزُّهْرِيّ، ثمَّ سَاقه بِلَفْظ: «سَأَلَ الْأَقْرَع بن حَابِس رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: الْحَج فِي كل عَام مرّة؟ قَالَ: لَا بل مرّة وَاحِدَة فَمن زَاد فتطوع»، ثمَّ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عَلّي بن أبي طَالب بالشرح وَالْبَيَان عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ عَن عَلّي بن عبد الْأَعْلَى، عَن أَبِيه، عَن أبي البخْترِي، عَن عَلّي قَالَ: «لما نزلت هَذِه الْآيَة {وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} قَالُوا: يَا رَسُول الله، أَفِي كل عَام؟ فَسكت ثمَّ قَالُوا: أَفِي كل عَام؟ فَسكت ثمَّ قَالُوا: أَفِي كل عَام؟ قَالَ: لَا، وَلَو قلت: نعم لَوَجَبَتْ. فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} الْآيَة».
قلت: وَهَذَا الحَدِيث ضَعِيف مُنْقَطع، أَبُو البخْترِي لم يسمع من عَلّي، قَالَ ابْن عبد الْبر: لَهُ مَرَاسِيل عَنهُ، وَلم يسمع مِنْهُ عبد الْأَعْلَى ضَعَّفوه. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ضَعِيف الحَدِيث رُبمَا رفع الحَدِيث وَرُبمَا وَقفه. وَرَوَاهُ يَحْيَى بن أبي أنيسَة، عَن الزُّهْرِيّ، فَقَالَ: عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس. وَالصَّوَاب كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أبي سُفْيَان. وَيَحْيَى بن أبي أنيسَة مَتْرُوك.
ثمَّ اعْلَم أَن ابْن حزم ذكر هَذَا الحَدِيث فِي محلاه من طَرِيق أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: لَا حجَّة فِيهِ؛ لِأَن رَاوِيه أَبُو سِنَان الدؤَلِي قَالَ فِيهِ عقيل: سِنَان مَجْهُول غير مَعْرُوف. انْتَهَى وَهَذَا يُوهم أنَّ عُقيلاً- أحد رُوَاته- قَالَ: سِنَان مَجْهُول وَلَيْسَ كَذَلِك، فَالَّذِي قَالَه أَبُو دَاوُد، وَهُوَ أَبُو سِنَان الدؤَلِي، وَكَذَا قَالَه عبد الْجَلِيل بن حميد وَسليمَان بن كثير جَمِيعًا، عَن الزُّهْرِيّ، وَقَالَ عُقيل: سِنَان؛ يَعْنِي: فِي رِوَايَة عقيل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سِنَان، فعُرِف بِهَذَا أَن المُضَعِّف لأبي سِنَان: ابْن حزم لَا عُقيلاً، وَلَيْسَ هُوَ حِينَئِذٍ مَجْهُول؛ فقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ثِقَة.
تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أَن الْحَج لَا يجب بِأَصْل الشَّرْع إِلَّا مرّة وَاحِدَة، ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة حَدِيث ثَابت فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، قد فرض الله عَلَيْكُم الْحَج فحجوا. فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، أكل عَام؟ فَسكت حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ وَلما اسْتَطَعْتُم. ثمَّ قَالَ: ذروني مَا تركتكم فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بِكَثْرَة سُؤَالهمْ وَاخْتِلَافهمْ عَلَى أَنْبِيَائهمْ، فَإِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم، وَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَدَعوهُ». قَالَ صَاحب الإِمام: وَرَوَاهُ أَبُو الجهم الْمَالِكِي من هَذَا الْوَجْه وَفِيه: «أَفِي كل عَام؟ فَسكت ثمَّ أعَاد، فَسكت فَأَعَادَ الثَّالِثَة، فَقَالَ نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ، وَلَو وَجَبت مَا قُمْتُم بهَا».

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَيّمَا صبي حج ثمَّ بلغ فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام، وَأَيّمَا عبد حج ثمَّ عتق فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ مُرْسلا ومتصلاً، أما المرسلُ؛ فَمن حَدِيث مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِنِّي أُرِيد أَن أجدد فِي صُدُور الْمُؤمنِينَ، أَيّمَا صبي حجَّ بِهِ أَهله فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنهُ، وَإِن أدْرك فَعَلَيهِ الْحَج، وَأَيّمَا مَمْلُوك حج بِهِ أَهله فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنهُ، وَإِن أعتق فَعَلَيهِ الْحَج». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله هَكَذَا، قَالَ عبد الْحق: وَهُوَ مُرْسل ومنقطع وَلَيْسَ بِمُتَّصِل السماع.
قلت: وَسَببه أَن أَبَا دَاوُد رَوَاهُ عَن أَحْمد، ثَنَا وَكِيع، عَن يُونُس، قَالَ: سَمِعت شَيخا يحدث أَبَا إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن كَعْب، وَمُحَمّد تَابِعِيّ وَلم يذكر عَمَّن أَخذه.
وَأما الْمُتَّصِل؛ فَمن حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَيّمَا صبي حج ثمَّ بلغ الْحِنْث فَعَلَيهِ أَن يحجّ حجَّة أُخْرَى، وَأَيّمَا أَعْرَابِي حج ثمَّ هَاجر فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى، وَأَيّمَا عبد حج ثمَّ أعتق فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى». وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته، وَأَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي محلاه من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمنْهَال، عَن يزِيد بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. وَاللَّفْظ الْمَذْكُور هُوَ لفظ الْبَيْهَقِيّ، وَلَفظ الْحَاكِم: «إِذا حج الصَّبِي فَلهُ حجَّة حَتَّى يعقل، وَإِذا عقل فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى، وَإِذا حج الْأَعرَابِي فَلهُ حجَّة، وَإِذا هَاجر فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى» وَلَفظ ابْن حزم: «إِذا حج الصَّبِي فَهِيَ لَهُ حجَّة صبي حَتَّى يعقل فَإِذا عقل فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى، وَإِذا حج الْأَعرَابِي فَهِيَ لَهُ حجَّة أَعْرَابِي فَإِذا هَاجر فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى» ثمَّ ذكره بِلَفْظ الْبَيْهَقِيّ إِلَّا أَنه أسقط ذكر الْأَعرَابِي، نعم ذكره كَذَلِك بِإِسْقَاط الصَّبِي فِي كتاب الْإِعْرَاب عَلَى مَا حَكَاهُ عبد الْحق فِي أَحْكَامه عَنهُ. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ ابْن حزم: هَذَا حَدِيث صَحِيح ورواتُه ثِقَات. وَقَالَ فِي كتاب الْإِعْرَاب: هَذَا إِسْنَاد رِجَاله أَئِمَّة وثقات. وقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته بعد مقَالَة شَيْخه الْحَاكِم هَذِه: أَظن أَن شَيخنَا حمل حَدِيث عَفَّان وَغَيره عَلَى حَدِيث يزِيد بن زُرَيْع فَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ أَصْحَاب شُعْبَة عَنهُ مَوْقُوفا سُوَى ابْن زُرَيْع فَإِن مُحَمَّد بن الْمنْهَال ينْفَرد بِرَفْعِهِ عَنهُ. وَرَوَاهُ فِي سنَنه أَيْضا كَذَلِك مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَقَالَ: تفرد بِرَفْعِهِ مُحَمَّد بن الْمنْهَال، عَن يزِيد بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن الْأَعْمَش مَوْقُوفا، وَهُوَ الصَّوَاب.
قلت: وَلَك أَن تَقول: مُحَمَّد بن الْمنْهَال ثِقَة ضَابِط من رجال الصَّحِيحَيْنِ فَلَا يضر تفرده بِرَفْعِهِ، عَلَى أَنه لم ينْفَرد بِهِ؛ بل توبع. قَالَ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه: نَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «احْفَظُوا عني- وَلَا تَقولُوا: قَالَ ابْن عَبَّاس- أَيّمَا عبد حجَّ بِهِ أَهله ثمَّ أُعتق فَعَلَيهِ الْحَج، وَأَيّمَا صبي حج بِهِ أَهله صبيًّا ثمَّ أدْرك فَعَلَيهِ حجَّة الرجل، وَأَيّمَا أَعْرَابِي حج أعرابيًّا ثمَّ هَاجر فَعَلَيهِ حجَّة المُهَاجر» وَهَذَا ظَاهر فِي الرّفْع؛ بل قَطْعِيّ. وَكَذَا أخرجه الطَّحَاوِيّ بِسَنَدِهِ، وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي جمعه لحَدِيث الْأَعْمَش من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمنْهَال، عَن يزِيد بن زُرَيْع، وَمن حَدِيث الْحَارِث بن سُرَيج أبي عمر الْخَوَارِزْمِيّ قَالَ: نَا يزِيد بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة بِهِ. وَذكره الْخَطِيب فِي تَارِيخ بَغْدَاد من حَدِيث ابْن الْمنْهَال والْحَارث قَالَا: ثَنَا يزِيد بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة... فَذكره بِلَفْظ الْحَاكِم، ثمَّ قَالَ: لم يرفعهُ إِلَّا يزِيد بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة، وَهُوَ غَرِيب.
قلت: والْحَارث هَذَا هُوَ النقال- بالنُّون- ضعفه النَّسَائِيّ وَغَيره، وَقَالَ الْأَزْدِيّ: تكلمُوا فِيهِ حَسَدًا.
فَائِدَة: المُرَاد بالأعرابي هُنَا الْكَافِر إِذْ كَانَ الْكفْر هُوَ الْغَالِب حِينَئِذٍ عَلَى الْأَعْرَاب، وَقد نَبَّهَ عَلَى ذَلِك ابنُ الصّلاح فِي مشكله قَالَ: وَقد جَاءَ إِطْلَاق الْأَعْرَاب، وَالْمرَاد بهم الْكفَّار فِي غير هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حزم فِي محلاه: احتجَّ مَن لم يَرَ للعبدِ حجًّا بِهَذَا الحَدِيث قَالَ: وَلَا يخلُو أَن يكونَ صَحِيحا أَو غيرَ صحيحٍ، فَإِن كَانَ الثَّانِي فقد كفيناه، وَإِن كَانَ الأول- وَهُوَ الْأَظْهر؛ لِأَن رُوَاته ثِقَات- فإنَّه خبر مَنْسُوخ بِلَا شكّ، برهانُ ذَلِك: أنَّ هَذَا الْخَبَر بِلَا شكّ كَانَ قبل فتح مَكَّة؛ لِأَن فِيهِ إِعَادَة الْحَج عَلَى من حجَّ من الْأَعْرَاب قبل هجرته، وَرَوَى مُسلم من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مَرْفُوعا: «لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح» فَإِذا قد صحَّ- بِلَا شكّ- أَن هَذَا الحَدِيث كَانَ قبل الْفَتْح.