فصل: كتاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.كتاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء:

كتاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فثمانية عشر حَدِيثا:

.الحَدِيث الأوَّل:

عَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي، فَصَلى بهم رَكْعَتَيْنِ جهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وحول رِدَاءَهُ، ودعا وَرفع يَدَيْهِ، واستسقى، واستقبل الْقبْلَة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته إِلَّا الْجَهْر فللبخاري، وَإِلَّا رفع الْيَد فللبيهقي، وَهَذَا لفظ مُسلم عَن عبد الله بن زيد- وَهُوَ عَم عباد- قَالَ: «خرج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُصَلى، فَاسْتَسْقَى، واستقبل الْقبْلَة، وقلب رِدَاءَهُ، وَصَلى رَكْعَتَيْنِ». وَفِي لفظ لَهُ: «أَنه خرج إِلَى الْمُصَلى فَاسْتَسْقَى، وَأَنه لما أَرَادَ أَن يَدْعُو اسْتقْبل الْقبْلَة، وحوَّل رِدَاءَهُ». وَفِي لفظ لَهُ: «خرج يَسْتَسْقِي، فَجعل إِلَى النَّاس ظَهره يَدْعُو الله، واستقبل الْقبْلَة، وحول رِدَاءَهُ، ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ».
وَلَفظ البُخَارِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج إِلَى المصلَّى يُصَلِّي، وَأَنه لما دَعَا- أَو أَرَادَ أَن يَدْعُو- اسْتقْبل الْقبْلَة، وحوَّل رِدَاءَهُ». وَفِي لفظ لَهُ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خرج يَسْتَسْقِي، قَالَ: فحول إِلَى النَّاس ظَهره واستقبل الْقبْلَة يَدْعُو، ثمَّ حول رِدَاءَهُ، فَصَلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ جهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ». وَفِي لفظ لَهُ: «أَنه خرج يَسْتَسْقِي بهم، فَقَامَ فَدَعَا الله قَائِما، ثمَّ توجه قبل الْقبْلَة، وحول رِدَاءَهُ، فأُسقوا». وَعَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ: «جعل الْيَمين عَلَى الشمَال».
وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «وَرفع يَدَيْهِ يَدْعُو، فَدَعَا واستسقى».
فَائِدَة: عَم عباد بن تَمِيم: هُوَ عبد الله بن زيد، كَمَا أسلفنا التَّصْرِيح بِهِ، وَهُوَ غير صَاحب الْأَذَان، لَا كَمَا وهم فِيهِ ابْن عُيَيْنَة فَقَالَ: إِنَّه هُوَ. كَمَا نبه عَلَيْهِ البُخَارِيّ وَغَيره، وَإِن كَانَ أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه رَوَاهُ من حَدِيث عَلّي بن الْمَدِينِيّ عَنهُ، عَن عبد الله بن أبي بكر قَالَ: سَمِعت عباد بن تَمِيم يحدث، عَن عبد الله بن زيد الَّذِي أرِي النداء: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج...» الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: كَانَ ابْن عُيَيْنَة يَقُول:
هُوَ صَاحب الْأَذَان عبد الله بن زيد. قَالَ البُخَارِيّ: وَلكنه وهم؛ لِأَن هَذَا عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني مَازِن الْأَنْصَار. قَالَ فِي التَّارِيخ: قتل يَوْم الْحرَّة، وَعبد الله بن زيد بن عبد ربه الْأنْصَارِيّ الخزرجي مدنِي، صَاحب الْأَذَان. وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا غلط من ابْن عُيَيْنَة.
فَائِدَة ثَانِيَة: هَذِه العمومة الْمَذْكُورَة لَيست من النَّسَب، وَإِنَّمَا هُوَ زوج أمه، فَتنبه لذَلِك.

.الحديث الثَّانِي:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى المصلَّى مُبْتَذِلا، فَصَلى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي العَبْد».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي الْمسند، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَأَبُو عوَانَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا بأسانيد صَحِيحَة، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رُوَاته مصريون ومدنيون، وَلَا أعلم أحدا مِنْهُم مَنْسُوبا إِلَى نوع من الْجرْح، وَلم يخرجَاهُ.
وَلَفظ أَحْمد: عَن هِشَام بن إِسْحَاق بن عبد الله بن كنَانَة، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج متخشعًا متضرعًا متواضعًا مبتذلا، فَصَلى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا صَلَّى فِي الْعِيد، لم يخْطب كخطبتكم هَذِه».
وَلَفظ أبي دَاوُد: عَن هِشَام أَنا أبي، قَالَ: أَرْسلنِي الْوَلِيد بن عتبَة- وَكَانَ أَمِير الْمَدِينَة- إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الاسْتِسْقَاء قَالَ: «خرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مبتذلاً متواضعًا متضرعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلى، فرقى عَلَى الْمِنْبَر وَلم يخْطب خطبتكم هَذِه، وَلَكِن لم يزل فِي الدُّعَاء والتضرع والتَّكْبِير ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيد». وَلَفظ التِّرْمِذِيّ مثله إِلَّا أَنه زَاد فِي إِحْدَى روايتيه: «متخشعًا».
وَلَفظ النَّسَائِيّ: «خرج متواضعًا مبتذلاً، لم يخْطب نَحْو خطبتكم هَذِه، فَصَلى رَكْعَتَيْنِ». وَفِي لفظ لَهُ: «متواضعًا، متذللاً متخشعًا متضرعًا فَصَلى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ، وَلم يخْطب خطبتكم».
وَلَفظ الْحَاكِم: «متخشعًا متذللاً مبتذلاً فَصنعَ فِيهِ كَمَا صنع فِي الفِطْر والأضحى» وَفِي لفظ لَهُ كَلَفْظِ النَّسَائِيّ الثَّانِي، وَزَاد فِيهِ: «مترسلاً».
وَلَفظ ابْن حبَان: «خرج متبذلاً متمسكنًا متضرعًا متواضعًا، لم يخْطب خطبتكم هَذِه، فَصَلى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيد». رَوَاهُ من حَدِيث هِشَام بن عبد الله بن كنَانَة، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس. وَلَفظ ابْن مَاجَه كَلَفْظِ رِوَايَة النَّسَائِيّ الثَّانِيَة.
وَلَفظ أبي عوَانَة: «خرج متخشعًا مبتذلاً يصنع فِيهِ كَمَا يصنع فِي الفطْر والأضحى». رَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل بن ربيعَة بن هِشَام بن إِسْحَاق أَنه سمع جدَّه هِشَام بن إِسْحَاق يحدِّث عَن أَبِيه إِسْحَاق «أَن الْوَلِيد بن عتبَة أرْسلهُ إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: يَا ابْن أخي، سَله كَيفَ صنع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الاسْتِسْقَاء يَوْم استسقى بِالنَّاسِ؟ قَالَ إِسْحَاق: فدعي ابْن عَبَّاس فَقَالَ: يَا ابْن عَبَّاس، كَيفَ صنع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الاسْتِسْقَاء يَوْم استسقى بِالنَّاسِ؟ قَالَ: نعم خرج...» فَذكره.
وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ كَرِوَايَة الْحَاكِم الأولَى، وَفِي لفظ لَهُ كَرِوَايَة النَّسَائِيّ الثَّانِيَة، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، عَن أَبِيه، عَن طَلْحَة قَالَ: «أَرْسلنِي مَرْوَان إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن سنة الاسْتِسْقَاء، فَقَالَ: سنة الاسْتِسْقَاء سنة الصَّلَاة فِي الْعِيدَيْنِ، إِلَّا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قلب رِدَاءَهُ فَجعل يَمِينه عَلَى يسَاره ويساره عَلَى يَمِينه، وَصَلى رَكْعَتَيْنِ، كبر فِي الأولَى سبع تَكْبِيرَات وقرا سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَة: هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية وَكبر فِيهَا خمس تَكْبِيرَات». وأعل عبد الْحق هَذِه الرِّوَايَة بِأَن قَالَ: مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ضَعِيف الحَدِيث. قَالَ أَبُو حَاتِم: هم ثَلَاثَة إخْوَة ضعفاء، لَيْسَ لَهُم حَدِيث مُسْتَقِيم: مُحَمَّد وَعبد الله وَعمْرَان بَنو عبد الْعَزِيز، وبمشورة مُحَمَّد هَذَا جُلِد مَالك فِيمَا قَالَ البُخَارِيّ. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَعبد الْعَزِيز هَذَا مَجْهُول الْحَال، يعل بِهِ الْخَبَر.
قلت: وَأما الْحَاكِم فَإِنَّهُ أخرج هَذِه الرِّوَايَة فِي مُسْتَدْركه ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. لكنه قَالَ: فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك عَن أَبِيه. وَكَأَنَّهُ وهم، وَالْمَعْرُوف عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن، وَلم يُنَبه الذَّهَبِيّ فِي اختصاره للمستدرك عَلَى هَذَا، بل قَالَ: فِيهِ عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك وَقد ضُعِّف. وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يعْتَرض عَلَيْهِ من الْوَجْه الَّذِي ذكرته، فَتنبه لذَلِك. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز هَذَا غير قوي، وَهُوَ بِمَا قبله من الشواهد يقوى.
بَقِي أَمر آخر مُهِمّ وَهُوَ أَن عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم ذكر فِي كِتَابه أَن إِسْحَاق بن عبد الله بن كنَانَة عَن ابْن عَبَّاس مُرْسل. وَكَذَا فِي التَّهْذِيب للمزي أَنه أرسل عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا؛ فَإِنَّهُ لم يُدْرِكهُ. وَهَذَا غَرِيب، فالروايات الَّتِي أوردناها صَرِيحَة فِي مشافهته لَهُ عوضا عَن إِدْرَاكه، وَقد أسلفنا رِوَايَة أبي دَاوُد فِي ذَلِك. وَلَفظ النَّسَائِيّ: «أَرْسلنِي فلَان إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الاسْتِسْقَاء، فَقَالَ: خرج...» الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَرْسلنِي أَمِير من الْأُمَرَاء إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن الاسْتِسْقَاء، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَا مَنعه أَن يسألني؟! خرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم متواضعًا...» الحَدِيث كَمَا سلف. وَلَفظ الْحَاكِم «أَن الْوَلِيد أرسل إِسْحَاق بن عبد الله إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: يَا ابْن أخي، كَيفَ صنع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الاسْتِسْقَاء يَوْم استسقى بِالنَّاسِ؟ فَقَالَ: خرج...» الحَدِيث. وَلَفظ ابْن حبَان: عَن هِشَام بن عبد الله بن كنَانَة، عَن أَبِيه قَالَ: «أَرْسلنِي أَمِير من الْأُمَرَاء إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن صَلَاة الاسْتِسْقَاء، فَقَالَ: خرج...» الحَدِيث. فَهَذِهِ الرِّوَايَات صَرِيحَة فِي مشافهته لَهُ، فاستفد ذَلِك.
وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق حَيْثُ ذكر الحَدِيث من طَرِيق عبد الله بن كنَانَة عَن الْوَلِيد، وَقَالَ: إِنَّه خطأ فَاحش؛ فعبد الله لَا مدْخل لَهُ فِي الْإِسْنَاد، وَإِنَّمَا صَاحب الْقِصَّة ابْنه إِسْحَاق، وَعبد الله لَيْسَ من رُوَاة الْأَخْبَار، وَلَا مِمَّن يعرف لَهُ حَال. وَلَيْسَ كَمَا ذكر، فقد رَوَى عَن ابْن عَبَّاس، وَعنهُ ابْنه هِشَام، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، وَأخرج الحَدِيث فِي صَحِيحه من جِهَته كَمَا أسلفناه.
تَنْبِيه: وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: «فرقى عَلَى الْمِنْبَر» وَالْمَعْرُوف كَمَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِيهِ: «فَرَقي عَلَى الْمِنْبَر». بِكَسْر الْقَاف، وَرَوَاهُ بَعضهم بِفَتْحِهَا، وَقيل: إِن فتحهَا مَعَ الْهمزَة لُغَة طَيئ، وَالْمَشْهُور الأول.

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَرْجَى الدُّعَاء دُعَاء الْأَخ للْأَخ بِظهْر الْغَيْب».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِن أسْرع الدُّعَاء إِجَابَة: دَعْوَة غَائِب لغَائِب» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة عبد الله بن عَمْرو عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمثلِهِ سَوَاء. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَفِي إِسْنَاده الأفريقي، وَهُوَ يضعف فِي الحَدِيث.
وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مَنْصُور عبد الله بن مُحَمَّد بن الْوَلِيد، وَقَالَ: حَدِيث حسن من رِوَايَة ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «خمس دعوات لَا ترد: دَعْوَة الْحَاج حِين يصدر، ودعوة الْغَازِي حَتَّى يرجع، ودعوة الْمَظْلُوم حَتَّى ينتصر، ودعوة الْمَرِيض حَتَّى يبرأ، ودعوة الْأَخ لِأَخِيهِ بِالْغَيْبِ، أسْرع هَؤُلَاءِ الدَّعْوَات إِجَابَة دَعْوَة الْأَخ لِأَخِيهِ بِالْغَيْبِ». وَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أم الدَّرْدَاء قَالَت: حَدثنِي سَيِّدي أَبُو الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «دَعْوَة الْمَرْء الْمُسلم لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب مستجابة، عِنْد رَأسه ملك مُوكل كلما دَعَا لِأَخِيهِ قَالَ الْملك الْمُوكل بِهِ: آمين، وَلَك بِمثل». قَالَ الْحميدِي: ذكر خلف الوَاسِطِيّ هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أم الدَّرْدَاء، وَقد أخرجه مُسلم كَمَا ذكر من حَدِيث صَفْوَان فِي كتاب الدُّعَاء، وَلَكِن فِي الحَدِيث نَفسه أَن أَبَا الدَّرْدَاء أخْبرهَا بذلك. قَالَ البرقاني: وَأم الدَّرْدَاء هَذِه هِيَ الصُّغْرَى، وَلَيْسَ لَهَا صُحْبَة وَلَا سَماع من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا هُوَ من مُسْند أبي الدَّرْدَاء، وَأما أم الدَّرْدَاء الْكُبْرَى فلهَا صُحْبَة، وَلَيْسَ لَهَا فِي الْكِتَابَيْنِ حَدِيث. قَالَ الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه: وَلَو قيل: إِن الحَدِيث عَنْهُمَا فرواية الْكُبْرَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرِوَايَة الصُّغْرَى عَن أبي الدَّرْدَاء. لم يبعد ذَلِك بل هُوَ الأولَى. قَالَ: وَقَوله: «بِمثل» هُوَ بِكَسْر الْمِيم وَإِسْكَان الثَّاء، وَقيل: بِفَتْحِهَا، ومعناهما وَاحِد.
فَائِدَة:
هَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهِ عَلَى أَنه إِذا انْقَطع الْمِيَاه عَن طَائِفَة من الْمُسلمين اسْتحبَّ لغَيرهم أَن يصلوا ويستسقوا لَهُم، ويسألوا الزِّيَادَة لأَنْفُسِهِمْ، وَاسْتدلَّ لذَلِك الْبَيْهَقِيّ بِحَدِيث أبي الدَّرْدَاء الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَبِحَدِيث النُّعْمَان بن بشير الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مَثَلُ الْجَسَد، إِذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْو تداعى سَائِر الْجَسَد بالسهر والحمى».

.الحديث الرَّابِع:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصل صَلَاة الاسْتِسْقَاء إِلَّا عِنْد الْحَاجة».
هُوَ كَمَا قَالَ، وَمن استحضر الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وجده كَذَلِك.

.الحديث الخَامِس:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخرج فِي صَلَاة الاسْتِسْقَاء إِلَى الصَّحرَاء».
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد استفاض ذَلِك فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَمِنْهَا: حَدِيث عبد الله بن زيد، وَقد سلف أول الْبَاب، وَمِنْهَا حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف قَرِيبا، وَمِنْهَا حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «شكا النَّاس إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قُحُوط الْمَطَر، فَأمر بمنبر يوضع لَهُ فِي الْمُصَلى، ووعد الناسَ يَوْمًا يخرجُون فِيهِ، فَخرج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بدا حاجبُ الشَّمْس، فَقعدَ عَلَى الْمِنْبَر وَكبر وَحمد الله- عَزَّ وَجَلَّ- وَقَالَ: إِنَّكُم شكوتم جَدب دِيَاركُمْ واستئخار الْمَطَر عَن إبان زَمَانه عَنْكُم، وَقد أَمركُم الله- سُبْحَانَهُ- أَن تَدعُوهُ، ووعدكم أَن يستجيب لكم. ثمَّ قَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين، الرَّحْمَن الرَّحِيم، ملك يَوْم الدَّين، لَا إِلَه إِلَّا الله يفعلُ مَا يُرِيد، اللَّهُمَّ أَنْت الله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، الْغَنِيّ وَنحن الْفُقَرَاء، أنزل علينا الْغَيْث، وَاجعَل مَا أنزلت لنا قُوَّة وبلاغًا إِلَى حينٍ. ثمَّ رفع يَدَيْهِ، فَلم يزل فِي الرّفْع حَتَّى بدا بَيَاض إبطَيْهِ، ثمَّ حول إِلَى النَّاس ظَهره، وقلب- أَو حول- رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافع يَدَيْهِ، ثمَّ أقبل عَلَى النَّاس، وَنزل فَصَلى رَكْعَتَيْنِ فَأَنْشَأَ الله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- سَحَابَة فَرعدَت، وأبرقت، ثمَّ أمْطرت بِإِذن الله، فَلم يَأْتِ مَسْجده حَتَّى سَالَتْ السُّيُول، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتهمْ إِلَى الكِنِّ ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه، فَقَالَ: أشهد أَن الله عَلَى كل شَيْء قدير، وَأَنِّي عبد الله وَرَسُوله». حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَكَذَا أَبُو عوَانَة فِي مستخرجه عَلَى مُسلم، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بأسانيد صَحِيحَة، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَإِسْنَاده جيد. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَصَححهُ ابْن السكن أَيْضا.

.الحديث السَّادِس:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ثَلَاثَة لَا ترد دعوتهم: الصَّائِم حَتَّى يفْطر، وَالْإِمَام الْعَادِل، والمظلوم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه وَقَالَ: حسن. وَابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، زَاد ابْن مَاجَه: «ودعوة الْمَظْلُوم يرفعها الله- عَزَّ وَجَلَّ- دون الْغَمَام يَوْم الْقِيَامَة، وَيفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء، وَيَقُول: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأنصرنك وَلَو بعد حِين». وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِهَذَا اللَّفْظ وَفِيه «تحمل- يَعْنِي: دَعْوَة الْمَظْلُوم- عَلَى الْغَمَام، وتفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء، وَيَقُول الرب: وَعِزَّتِي لأنصرنك وَلَو بعد حِين». وَأخرج ابْن حبَان هَذِه وَحدهَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا، وأخرجها قبل هَؤُلَاءِ أَحْمد فِي مُسْنده، وَرَوَاهَا أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِلَفْظ: «ثَلَاث دعواتٍ مستجابات لَا شكّ فِيهِنَّ: دَعْوَة الْوَالِد، ودعوة الْمُسَافِر، ودعوة الْمَظْلُوم». وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ أَيْضا، وَأعله ابْن الْقطَّان بِأبي جَعْفَر الْمُؤَذّن وَقَالَ: لَا يعرف حَاله، وَلَا لَهُ غير راو وَاحِد. وَقَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: وَقيل: إِنَّه مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، فَإِن صَحَّ ذَلِك فَلَيْسَ بِأَنْصَارِيِّ. قلت: وَقد جزم بِهِ أَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُ لما أخرج الحَدِيث فِي صَحِيحه من جِهَته قَالَ فِي آخِره: أَبُو جَعْفَر هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن عَلّي بن حُسَيْن، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَلَفظه: «ثَلَاث دعوات لَا ترد: دَعْوَة الْوَالِد، ودعوة الصَّائِم، ودعوة الْمُسَافِر». قَوْله فِيمَا مَضَى: «الصَّائِم حَتَّى يفْطر» هُوَ بِالْمُثَنَّاةِ فَوق؛ كَمَا ضَبطه النَّوَوِيّ فِي خلاصته، قَالَ: وَإِنَّمَا ضَبطه لِئَلَّا يُصَحَّف فَيُقَال: حِين بِالْمُثَنَّاةِ تَحت مَعَ النُّون.
وَاعْلَم: أَن هَذَا الحَدِيث لم يذكرهُ الرَّافِعِيّ لفظا، وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلكُل وَاحِد من هَذِه الْأُمُور أثر فِي الْإِجَابَة للدُّعَاء، عَلَى مَا ورد فِي الْأَخْبَار وعنى بِهَذِهِ الْأُمُور: الصّيام، وَالْخُرُوج عَن الْمَظَالِم، والتقرب إِلَى الله- تَعَالَى- بِمَا يُسْتَطَاع من الْخَيْر.

.الحديث السَّابِع:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن الله طيب لَا يقبل إِلَّا طيِّبًا، وَإِن الله- تَعَالَى- أَمر الْمُؤمنِينَ بِمَا أَمر بِهِ الْمُرْسلين، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم} وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم} ثمَّ ذكر الرجل يُطِيل السّفر أَشْعَث أغبر، يمد يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء: يَا رب. يَا رب. ومطعمه حرَام، ومشربه حرَام، وملبسه حرَام، وغذي بالحرام، فأنَّى يُسْتَجَاب لذَلِك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي سنَن ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عمر رَفعه: «لم ينقص قوم الْمِكْيَال وَالْمِيزَان إِلَّا أخذُوا بِالسِّنِينَ وَشدَّة الْمُؤْنَة وجور السُّلْطَان عَلَيْهِم، وَلم يمنعوا زَكَاة أَمْوَالهم إِلَّا منعُوا الْقطر من السَّمَاء، وَلَوْلَا الْبَهَائِم لم يُمطروا». وَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي حَاتِم الرَّازِيّ، نَا عبيد الله بن مُوسَى، نَا بشير بن مهَاجر، عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَا نقض قوم الْعَهْد قطّ إِلَّا كَانَ الْقَتْل بَينهم، وَمَا ظَهرت فَاحِشَة فِي قوم قطّ إِلَّا سلط الله عَلَيْهِم الْمَوْت، وَلَا يمْنَع قوم الزَّكَاة إِلَّا حبس الله عَنْهُم الْقطر». كَذَا رَوَاهُ بشير بن المُهَاجر، وَرَوَاهُ الْحُسَيْن بن وَاقد، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «مَا نقض قوم الْعَهْد إِلَّا سلط الله عَلَيْهِم عدوهم، وَلَا فَشَتْ الْفَاحِشَة فِي قوم إِلَّا أَخذهم الله بِالْمَوْتِ، وَمَا طفف قوم الْمِيزَان إِلَّا أَخذهم الله بِالسِّنِينَ، وَمَا منع قوم الزَّكَاة إِلَّا مَنعهم الله الْقطر من السَّمَاء، وَمَا جَار قوم فِي حكم إِلَّا كَانَ الْبَأْس بَينهم- أظنُّه قَالَ: وَالْقَتْل». وَرَوَى الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه حَدِيث بُرَيْدَة، ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ.

.الحديث الثَّامِن:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «تعرض الْأَعْمَال فِي كل اثْنَيْنِ وخميس، فَيغْفر الله لكل امْرِئ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا، إِلَّا امْرأ كَانَ بَينه وَبَين أَخِيه شَحْنَاء، فَيَقُول: اتْرُكُوا هذَيْن حَتَّى يصطلحا»
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه كَذَلِك، وَهَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله أَشَارَ إِلَيْهِمَا الرَّافِعِيّ كَمَا أسلفناه.

.الحديث التَّاسِع:

قَالَ الرَّافِعِيّ: والتقرب إِلَى الله- تَعَالَى- بِمَا يُسْتَطَاع من الْخَيْر؛ فَإِن لَهُ أثرا فِي الْإِجَابَة عَلَى مَا ورد فِي الْخَبَر.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ مَعْلُوم من قصَّة الثَّلَاثَة الَّذين انطبق عَلَيْهِم فَم الْغَار وَذكر كل وَاحِد مِنْهُم مَا ذكره من خير، وَجعله شافعًا، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح مَشْهُور.

.الحديث العَاشِر:

رُوِيَ: «أَن الْبَهَائِم تستسقي».
هُوَ كَمَا قَالَ، فقد رَوَى الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه والدراقطني فِي سنَنه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «خرج نَبِي من الْأَنْبِيَاء يَسْتَسْقِي، فَإِذا هُوَ بنملة رَافِعَة بعض قَوَائِمهَا إِلَى السَّمَاء، فَقَالَ: ارْجعُوا؛ فقد اسْتُجِيبَ لكم من أجل شَأْن النملة». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَفِي الْبَيَان للعمراني من أَصْحَابنَا تَسْمِيَة النَّبِي بِسُلَيْمَان وَأَن النملة وَقعت عَلَى ظهرهَا وَرفعت يَديهَا، وقَالَت: اللَّهُمَّ أَنْت خلقتنا فَإِن رزقتنا وَإِلَّا هلكنا- قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَت: «اللَّهُمَّ إِنَّا خلق من خلقك، لَا غنى لنا عَن رزقك، فَلَا تُهْلِكنَا بذنوب بني آدم- فَقَالَ سُلَيْمَان لِقَوْمِهِ: ارْجعُوا؛ فقد كفيتم بغيركم، وَسقوا».
وَهَذَا رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مَنْصُور فِي كِتَابه جَامع الدُّعَاء الصَّحِيح بِسَنَدِهِ إِلَى أبي الصّديق النَّاجِي قَالَ: «خرج النَّبِي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يَسْتَسْقِي، فَمر بنملة مستلقية رَافِعَة قَوَائِمهَا إِلَى السَّمَاء تَقول: اللَّهُمَّ إِنَّا خلق من خلقك لَيْسَ لنا غنى عَن سقياك ورزقك، فإمَّا أَن تسقنا وترزقنا، وَإِمَّا أَن تُهْلِكنَا. فَقَالَ: ارْجعُوا فقد سقيتم بدعوة غَيْركُمْ». وَرَوَاهُ ابْن عَسَاكِر فِي كِتَابه تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب بِإِسْنَادِهِ إِلَى زيد الْعمي عَن أبي الصّديق أَيْضا قَالَ: «خرج سُلَيْمَان يَسْتَسْقِي، فَمر بنملة مستلقية رَافِعَة قَوَائِمهَا إِلَى السَّمَاء وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ إِنَّا خلق من خلقك، لَيْسَ بِنَا غنى عَن رزقك، فإمَّا أَن ترزقنا وَإِمَّا أَن تُهْلِكنَا. قَالَ سُلَيْمَان...» فَذكره.

.الحَدِيث الْحَادِي عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَوْلَا رجال ركع، وصبيان رضع، وبهائم رتع لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبًّا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو يعلي الْموصِلِي فِي مُسْنده، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِلَفْظ: «مهلا عَن الله مهلا، فَإِنَّهُ لَوْلَا شباب خشع، وبهائم رتع وشيوخ ركع، وَأَطْفَال رضع لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبًّا». وَفِي إِسْنَاده إِبْرَاهِيم بن خثيم بن عرَاك بن مَالك وَهُوَ ضَعِيف، قَالَ يَحْيَى: لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: عِنْده أَحَادِيث مُنكرَة. وَقَالَ الْجوزجَاني: كَانَ غير مقنع، اخْتَلَط بِأخرَة. وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ: كَذَّاب لَا يكْتب حَدِيثه. وَأما خثيم وَالِده: فَقَالَ الْأَزْدِيّ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث. قلت: لكنه من رجال الصَّحِيحَيْنِ فَجَاز القنطرة، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه هُنَا: إِبْرَاهِيم بن خثيم غير قوي. وَقَالَ فِي بَاب الْكفَالَة بِالْبدنِ: ضَعِيف. قَالَ هُنَا: وَله شَاهد آخر بِإِسْنَاد غير قوي، فَذكره بِإِسْنَادِهِ عَن مَالك بن عُبَيْدَة بن مسافع الديلِي، عَن أَبِيه أَنه حَدثهُ عَن جده أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَوْلَا عباد لله ركع، وصبية رضع، وبهائم رتع لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبًّا، ثمَّ لترضن رضًّا». قَالَ أَبُو حَاتِم الرزاي: مَالك بن عُبَيْدَة مَجْهُول. وَقَالَ عُثْمَان الدَّارمِيّ: قلت لِابْنِ معِين: أتعرف مَالك بن عُبَيْدَة؟ فَقَالَ: لَا أعرفهُ. وَذكر هَذَا الحَدِيث أَبُو نعيم فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة مسافع الديلِي، ثمَّ قَالَ فِي آخِره: قَالَ أَحْمد بن عمر: وَإِسْنَاده حسن. قلت: وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي ثقاته لكنه قَالَ: فِيهِ مَالك بن أبي عُبَيْدَة. وَذكر أَبُو نعيم فِي الْمعرفَة أَيْضا لهَذَا الحَدِيث طَرِيقا آخر من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، ثَنَا قُتَيْبَة بن سعيد، ثَنَا اللَّيْث بن سعد، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي الزَّاهِرِيَّة أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا من يَوْم إِلَّا وينادي مُنَاد: مهلا أَيهَا النَّاس مهلا؛ فَإِن لله سطوات وبسطات، وَلكم قُرُوح داميات، وَلَوْلَا رجال خشع، وصبيان رضع، ودواب رتع، لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبًّا، ثمَّ رضضتم بِهِ رضًّا» ثمَّ قَالَ: أَبُو الزَّاهِرِيَّة رَوَى عَن أبي الدَّرْدَاء وَحُذَيْفَة إرْسَالًا، وَأكْثر حَدِيثه عَن جُبَير بن نفير وَكثير بن مرّة.
فَائِدَة: قَوْله: «شُيُوخ ركع» فِيهِ قَولَانِ حَكَاهُمَا القَاضِي حُسَيْن فِي تَعْلِيقه: أَحدهمَا: أَنه جمع رَاكِع، أَي: الْمُصَلِّي. وَالثَّانِي: أَنه أَرَادَ بِهِ الشُّيُوخ الَّذين انحنت ظُهُورهمْ من الشيخوخة.

.الحديث الثَّانِي عشر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي الْعِيد». وَفِي رِوَايَة: «صنع فِي الاسْتِسْقَاء كَمَا صنع فِي الْعِيد».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه أول الْبَاب مَبْسُوطا.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وروُي «أَنه صلَّى صَلَاة الاسْتِسْقَاء وَقت صَلَاة الْعِيد».
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد سلف فِي الحَدِيث الْخَامِس من طَرِيق عَائِشَة، وَهُوَ ظَاهر حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور أَيْضا، كَمَا سلف بِلَفْظِهِ.

.الحَدِيث الثَّالِث عشر:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى الاسْتِسْقَاء، فَصَلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ خطب».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن ماجة فِي سُنَنهمَا، وَأَبُو عوَانَة فِي مستخرجه عَلَى مُسلم بِلَفْظ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَصَلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ بِلَا أَذَان وَلَا إِقَامَة، ثمَّ خطب ودعا الله- عَزَّ وَجَلَّ- وحول وَجهه نَحْو الْقبْلَة رَافعا يَدَيْهِ، ثمَّ قلب رِدَاءَهُ فَجعل الْأَيْمن عَلَى الْأَيْسَر، والأيسرَ عَلَى الْأَيْمن». قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات. وَقَالَ فِي سنَنه: تفرد بِهِ النُّعْمَان بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ. قلت: وَهُوَ من فرسَان مُسلم وتعاليق البُخَارِيّ، وَقَالَ: صَدُوق، فِي حَدِيثه وهم كثير. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، وَضَعفه يَحْيَى الْقطَّان وَابْن معِين. وَقَالَ أَحْمد: مُضْطَرب الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: كثير الْغَلَط. وَاعْلَم أَنه يُوجد فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس بدل أبي هُرَيْرَة، وَقد أسلفناه أول الْبَاب.

.الحَدِيث الرَّابِع عشر:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا استسقى قَالَ: اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا هَنِيئًا مريئًا مريعًا غدقًا مجللاً سحًّا طبقًا دَائِما، اللَّهُمَّ اسقنا الْغَيْث وَلَا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ إِن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك مَا لَا نشكو إِلَّا إِلَيْك، اللَّهُمَّ أنبت لنا الزَّرْع، وأدر لنا الضَّرع، واسقنا من بَرَكَات السَّمَاء وَأنْبت لنا من بَرَكَات الأَرْض، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجهد والجوع والعري، واكشف عَنَّا من الْبلَاء مَا لَا يكشفه غَيْرك، اللَّهُمَّ إِنَّا نستغفرك إِنَّك كنت غفارًا، فَأرْسل السَّمَاء علينا مدرارًا».
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي الْأُم والْمُخْتَصر وَلم يُوصل بِهِ إِسْنَاده، بل قَالَ: وروُي عَن سَالم، عَن أَبِيه مَرْفُوعا «أَنه كَانَ إِذا استسقى قَالَ: اللَّهُمَّ اسقنا...» فَذكره، وَزَاد بعد «مُجللا»: «عامًّا طبقًا سَحًّا دَائِما» وَبعد «الْبِلَاد»: «والبهائم والخلق» وَالْبَاقِي مثله سَوَاء، وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة فَقَالَ: أَنا أَبُو سعيد، نَا أَبُو الْعَبَّاس، أَنا الرّبيع، أَنا الشَّافِعِي قَالَ: ورُوي عَن سَالم... فَذكره. ثمَّ قَالَ: وَقد روينَا بعض هَذِه الْأَلْفَاظ وَبَعض مَعَانِيهَا فِي حَدِيث أنس بن مَالك فِي الاسْتِسْقَاء، وَفِي حَدِيث جَابر وَكَعب بن مرّة، وَعبد الله بن جَراد وَغَيرهم.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، أما حَدِيث أنس فلفظه: «اللَّهُمَّ أغثنا»، وَفِي لفظ: «اسقنا». وأمَّا حَدِيث جَابر فلفظه: «اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا، غير ناقع وَلَا ضارّ، عَاجلا غير آجل. قَالَ: فأطبقت عَلَيْهِم السَّمَاء». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه، والْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَنهُ قَالَ: «أَتَت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بواك فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسقنا...» فَذكره، كَذَا وَقع «بواكٍ»، وَوَقع فِي نسخةٍ من أبي دَاوُد: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُواكئ» بِالْيَاءِ المضمومة وَآخره مَهْمُوز، قَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ: متحاملاً عَلَى يَدَيْهِ إِذا رفعهما ومدهما فِي الدُّعَاء. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي خلاصته: وَقع فِي جَمِيع نسخ أبي دَاوُد ومعظم كتب الحَدِيث: «بواكٍ» بِالْبَاء الموحَّدة، وَوَقع فِي معالم السّنَن للخطابي: «رأَيتُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُواكئ» بِالْيَاءِ المضمومة وَآخره مَهْمُوز ثمَّ فسره، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الْخطابِيّ لم تأت بِهِ الرِّوَايَة وَلَا انحصر الصَّوَاب فِيهِ، بل لَيْسَ هُوَ وَاضح الْمَعْنى. هَذَا آخر كَلَامه، وَقد علمت أَن مَا ذكره الْخطابِيّ ثَابت فِي بعض نسخ أبي دَاوُد، فَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ إِذن، وَقد اقْتصر عَلَى هَذِه الرِّوَايَة ابْن الْأَثِير فِي جامعه وَلم يذكر غَيرهَا، وَرَوَى أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ: «أَتَت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هوَازن، فَقَالَ: قُولُوا...» الحَدِيث، وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله وَقَالَ: إِن رِوَايَته عَن يزِيد الْفَقِير عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا أشبه بِالصَّوَابِ.
وَأما حَدِيث كَعْب بن مرّة فلفظه: «اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا غدقًا طبقًا عَاجلا غير رائثٍ، نَافِعًا غير ضار». رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من طَرِيقين عَن كَعْب بن مرّة أَو مرّة بن كَعْب قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو عَلَى مُضر، فَأَتَيْته، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِن الله قد أَعْطَاك واستجاب لَك، وَإِن قَوْمك قد هَلَكُوا فَادع الله لَهُم، فَقَالَ: اللَّهُمَّ...» فَذكره، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، إِسْنَاده عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن مرّة بن كَعْب. من غير شكٍ، فَذكره بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: وَمرَّة بن كَعْب صَحَابِيّ مَشْهُور. وَذكر هَذَا الحَدِيث ابْن أبي حَاتِم فِي علله من حَدِيث أنس، وَقَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَن كَعْب بن مرّة مَرْفُوعا.
وَأما حَدِيث عبد الله بن جَراد فلفظه: «اللَّهُمَّ اسقنا غَيثًا مغيثًا مريئًا، تُوسع بِهِ لِعِبَادِك، تغزر بِهِ الضرعَ، وتُحيي بِهِ الزَّرْع». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يعْلى عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا استسقى قَالَ: اللَّهُمَّ...» فَذكره. وَفِي لفظ: «هَنِيئًا مريئًا» وَقَول الْبَيْهَقِيّ وغَيره أَرَادَ بِهِ أَحَادِيث أخر مِنْهَا حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رجل أَعْرَابِي إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: «يَا رَسُول الله، لقد جئْتُك من عنْدِ قوم مَا يتزود لَهُم راعٍ وَلَا يخْطر لَهُم فَحل، فَصَعدَ الْمِنْبَر، فَحَمدَ الله، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا غدقًا طبقًا عَاجلا غير رائث. ثمَّ نزل فَمَا يَأْتِيهِ أحد من وَجه من الْوُجُوه إِلَّا قَالُوا: قد أحيينا».
حَدِيث حسن، رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه وَأَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه، وَقد أَنبأَنَا بِهِ الذَّهَبِيّ وَغَيره، أَنا أَحْمد بن هبة الله، عَن الْقَاسِم بن أبي سعد، أَنا هبة الرَّحْمَن بن عبد الْوَاحِد، أَنا عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن. وَأَنا أَحْمد، عَن أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ، أَنا عبد الله بن مُحَمَّد، أَنا عُثْمَان بن مُحَمَّد المحمى قَالَا: ثَنَا أَبُو نعيم الإسفرايني، أَنا أَبُو عوَانَة الْحَافِظ، نَا أَبُو الْأَحْوَص قَاضِي عكبراء وَمُحَمّد بن يَحْيَى قَالَا: ثَنَا الْحسن بن الرّبيع، نَا ابْن إِدْرِيس، نَا حُصَيْن، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن ابْن عَبَّاس... الحَدِيث. وَلم يرو ابْن مَاجَه عَن أبي الْأَحْوَص سواهُ.
وَمِنْهَا حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استسقى قَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الْمَيِّت». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُتَّصِلا، وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ مُرْسلا، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: والمرسل أصح. قلت: وَفِي إِسْنَاده مَعَ ذَلِك عَلّي بن قادم الْخُزَاعِيّ وَهُوَ صُوَيْلِح، ضعفه ابْن معِين، وَقَالَ أَبُو أَحْمد: نقمت عَلَيْهِ أَحَادِيث رَوَاهَا عَن الثَّوْريّ غير مَحْفُوظَة- وَحَدِيثه هَذَا عَنهُ، فاعلمه- وَقَالَ ابْن سعد: مُنكر الحَدِيث. قلت: والراوي عَنهُ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور، قَالَ ابْن عدي: حدث بِمَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَكَانَ مُوسَى بن هَارُون يرضاه. وَقَالَ الدارقطني وَغَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَمِنْهَا حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي الزُّهْرِيّ، عَن عَائِشَة بنت سعد أَن أَبَاهَا حدَّثها «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل وَاديا دهشًا لَا مَاء فِيهِ، وَسَبقه الْمُشْركُونَ إِلَى العلات فنزلوا عَلَيْهَا وَأصَاب الْعَطش الْمُسلمين فشكوا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنجم النِّفَاق، فَقَالَ بعض الْمُنَافِقين: لَو كَانَ نبيًّا كَمَا زعم لاستسقى كَمَا استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ. فَبلغ ذَلِك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَو قالوها؟! عَسى ربكُم أَن يسقيكم. ثمَّ بسط يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ جللنا سحابًا كثيفًا قصيفًا دلوقًا مخلوفًا ضحوكاً زبرجًا، تمطرنا مِنْهُ رذاذًا قطقطًا سجلا بعاقًا، يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام. فَمَا ردّ يَدَيْهِ من دُعَائِهِ حَتَّى أظلتنا السَّحَاب الَّتِي وصف، يَتلون فِي كل صفة وصف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من صِفَات السَّحَاب، ثمَّ أمطرنا كالضروب الَّتِي سَأَلَهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنعم السَّيْل الْوَادي، فَشرب النَّاس من الْوَادي فارتووا». رَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه كَذَلِك وَقَالَ: وَهُوَ مِمَّا لم يُخرجهُ مُسلم، أَي: وَهُوَ عَلَى شَرطه.
وَمِنْهَا حَدِيث عَامر بن خَارِجَة بن سعد، عَن جده سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن قوما شكوا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قحط الْمَطَر، فَقَالَ: اجثوا عَلَى الركبِ، وَقُولُوا: يَا رب يَا رب. قَالَ: فَفَعَلُوا؛ فسقوا حَتَّى أَحبُّوا أَن يكْشف عَنْهُم». رَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه، لَكِن قَالَ خَ: عَامر بن خَارِجَة فِي إِسْنَاده نظر.
وَمِنْهَا: حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا استسقى قَالَ: أنزل عَلَى أَرْضنَا زينتها وسكنها» رَوَاهُ أَبُو عوَانَة أَيْضا من حَدِيث سُوَيْد أبي حَاتِم، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن بِهِ.
وَمِنْهَا حَدِيث جَعْفَر بن عَمْرو بن حُرَيْث، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نستسقي، فَصلي بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قلب رِدَاءَهُ، وَرفع يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ صاحت جبالنا، واغبرت أَرْضنَا، وهامت داوبنا، معطي الْخيرَات من أماكنها، ومنزل الرَّحْمَة من معادنها، ومجري البركات عَلَى أَهلهَا بالغيث المغيث، أَنْت المستغفر الْغفار فنستغفرك للجامات من ذنوبنا، ونتوب إِلَيْك من عَام خطايانا، اللَّهُمَّ فَأرْسل السَّمَاء علينا مدرارًا واصًلا بالغيث، واكفًا من تَحت عرشك حَيْثُ تنفعنا وتعود علينا غيثًا عامًّا طبقًا غدقًا مجللا خصيبًا رايعًا، مُمْرِعَ النَّبَات». رَوَاهُ أَبُو عوَانَة أَيْضا فِي صَحِيحه.
فَائِدَة فِي بَيَان ضبط مَا قد يشكل من الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي هَذِه الْأَحَادِيث:
الْغَيْث: هُوَ الْمَطَر.
المُغيث- بِضَم الْمِيم وَكسر الْغَيْن-: المنقذ من الشدَّة، قَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ الذي يغيث الْخلق فيرويهم ويشبعهم.
والهنيء- مَهْمُوز-: الَّذِي لَا ضَرَر فِيهِ وَلَا وباء.
والمَرِيء- مَهْمُوز أَيْضا-: وَهُوَ الْمَحْمُود الْعَاقِبَة، المسمن للحيوان المُنْمِي لَهُ.
مَرِيعًا- بِفَتْح الْمِيم وَكسر الرَّاء، وَبعدهَا مثناة تَحت سَاكِنة-: وَهُوَ من المراعة، وَهُوَ الخصب، وَرُوِيَ بِضَم الْمِيم وإبدال الْمُثَنَّاة تَحت بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة، وَرُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ فَوق، وهما بِمَعْنى الأول. والغدق- بِفَتْح الدَّال-: الْكثير المَاء وَالْخَيْر. قَالَه الْأَزْهَرِي.
مجللا- بِكَسْر اللَّام الأولَى- أَي: يُجَلل الْبِلَاد والعباد نَفعه ويتغشاهم خَيره. قَالَه الْأَزْهَرِي. وَأَيْضًا مَأْخُوذ من تجليل الْفرس، أَو السَّاتِر للْأَرْض بالنبات.
والسيح: الشَّديد الْوَاقِع عَلَى الأَرْض.
طبقًا: بِفَتْح الطَّاء وَالْبَاء، قَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ الَّذِي يطبق البلادَ مطرُه، فَيصير كالطبق عَلَيْهَا، وَفِيه مُبَالغَة، وَوَقع فِي رِوَايَة الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب: «عامًّا طبقًا» كَمَا أسلفناه، قَالُوا: بَدَأَ بالعامِّ ثمَّ أتبعه بالطبق؛ لِأَنَّهُ صفة زِيَادَة فِي العامِّ، فقد يكون عامًّا وَهُوَ طلٌّ يسيرٌ.
والقنوط: الْيَأْس. واللأواء- بِالْهَمْز وَالْمدّ-: شدَّة المجاعة. قَالَه الْأَزْهَرِي.
والجهد- بِفَتْح الْجِيم، وَقيل: يجوز ضمهَا-: قلَّة الْخَيْر، والهُزال، وَسُوء الْحَال. والضنك: الضّيق.
وَقَوله: «مَا لَا نشكو إِلَّا إِلَيْك» هُوَ بالنُّون.
وبركات السَّمَاء: كَثْرَة مطرها مَعَ الرّيع والنماء. وبركات الأَرْض: مَا يخرج مِنْهَا من زرع ومرعى.
والعري: بِضَم الْعين وَرَاء سَاكِنة، وَيجوز كسر الرَّاء، وَتَشْديد الْيَاء.
وَالسَّمَاء هُنَا: هِيَ السَّحَاب، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيره: يجوز أَن يكون المُرَاد بهَا هُنَا: الْمَطَر أَو السَّحَاب، وَيجوز أَن يكون المُرَاد بهَا: المظلة؛ لِأَن الْمَطَر ينزل مِنْهَا إِلَى السَّحَاب.
والمدرار: الْكثير الدّرّ، والْقطر. قَالَه الْأَزْهَرِي. وَهُوَ من أثبت الْمُبَالغَة.
وَمَعْنى: «لَا يخْطر لَهُم فحْل»: لَا يُحَرك ذَنَبَهُ هزالًا لشدَّة الْقَحْط.
وَمَعْنى «غير رائث»: غير بطيء وَلَا متأخِّر.
وَمَعْنى «أحيينا»: أَصَابَنَا الحيا، وَهُوَ بِالْقصرِ: الْمَطَر؛ لإحيائه الأَرْض، وَقيل: الحيا: الخصب، وَمَا يَحْتَاجهُ النَّاس.