فصل: الاستفهام بمعنى الإنشاء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.الاستفهام بمعنى الإنشاء:

الْقِسْمُ الثَّانِي: الِاسْتِفْهَامُ الْمُرَادُ بِهِ الْإِنْشَاءُ وَهُوَ على ضروب:
الْأَوَّلُ: مُجَرَّدُ الطَّلَبِ وَهُوَ الْأَمْرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أفلا تذكرون} أَيِ: اذْكُرُوا.
وَقَوْلِهِ: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ والأميين أأسلمتم} أَيْ: أَسْلِمُوا.
وَقَوْلِهِ: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ الله لكم} أَيْ: أَحِبُّوا.
وَقَوْلِهِ: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ في سبيل الله} أَيْ: قَاتِلُوا.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}.
وقوله: {فهل أنتم منتهون} انْتَهُوا وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (انْتَهَيْنَا).
وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقوله تعالى: {أتصبرون} وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالزَّمَخْشَرِيُّ: الْمَعْنَى أَتَصْبِرُونَ أَمْ لَا تَصْبِرُونَ؟ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي النَّظْمِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: لِنَعْلَمَ أَتَصْبِرُونَ.
الثَّانِي: النَّهْيُ كَقَوْلِهِ تعالى: {ما غرك بربك الكريم} أَيْ: لَا يَغُرُّكَ.
وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: {أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه} بدليل قوله: {فلا تخشوا الناس}.
الثالث: التحذير كقوله: {ألم نهلك الأولين} أَيْ: قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ فَنَقْدِرُ عَلَيْكُمْ.
الرَّابِعُ: التَّذْكِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فعلتم بيوسف وأخيه}.
وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} {ألم نشرح لك صدرك}.
الْخَامِسُ: التَّنْبِيهُ وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ في ربه}.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ}.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} وَالْمَعْنَى فِي كُلِّ ذَلِكَ: انْظُرْ بِفِكْرِكَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَتَنَبَّهْ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأرض مخضرة} حَكَاهُ صَاحِبُ (الْكَافِي) عَنِ الْخَلِيلِ وَلِذَلِكَ رَفَعَ الْفِعْلَ وَلَمْ يَنْصِبْهُ.
وَجَعَلَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ: {فَأَيْنَ تذهبون} لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الضَّلَالِ.
وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عن ملة إبراهيم}.
السَّادِسُ: التَّرْغِيبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} {هل أدلكم على تجارة تنجيكم}.
السَّابِعُ: التَّمَنِّي كَقَوْلِهِ: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ}.
{أنى يحيي هذه الله بعد موتها} قَالَ الْعَزِيزِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: أَيْ كَيْفَ وَمَا أَعْجَبَ مُعَايِنَةَ الْإِحْيَاءِ!
الثَّامِنُ: الدُّعَاءُ وَهُوَ كَالنَّهْيِ إِلَّا أَنَّهُ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى كَقَوْلِهِ تعالى: {أتهلكنا بما فعل السفهاء} وقوله: {أتجعل فيها من يفسد فيها} وَهُمْ لَمْ يَسْتَفْهِمُوا لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {إِنِّي جاعل في الأرض خليفة} وَقِيلَ: الْمَعْنَى إِنَّكَ سَتَجْعَلُ وَشَبَّهَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بِقَوْلِ الرَّجُلِ لِغُلَامِهِ وَهُوَ يَضْرِبُهُ: أَلَسْتَ الْفَاعِلَ كَذَا وَقِيلَ: بَلْ هُوَ تَعَجُّبٌ وَضَعْفٌ.
وَقَالَ النَّحَّاسُ: الْأَوْلَى مَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا:
أن الله تعالى لما قال: {ني جاعل في الأرض خليفة} قَالُوا: وَمَا ذَاكَ الْخَلِيفَةُ! يَكُونُ لَهُ ذُرِّيَّةٌ يُفْسِدُونَ وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا!
وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَتَجْعَلُهُمْ فِيهَا أَمْ تَجْعَلُنَا وَقِيلَ: الْمَعْنَى تَجْعَلُهُمْ وَحَالُنَا هَذِهِ أَمْ يَتَغَيَّرُ.
التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ: الْعَرْضُ وَالتَّحْضِيضُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: الْأَوَّلُ طَلَبٌ بِرِفْقٍ وَالثَّانِي بِشِقٍّ فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ الله لكم والله} والثاني: {ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم}.
وَمِنَ الثَّانِي: {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فرعون ألا يتقون} الْمَعْنَى: ائْتِهِمْ وَأْمُرْهُمْ بِالِاتِّقَاءِ.
الْحَادِي عَشَرَ: الِاسْتِبْطَاءُ كَقَوْلِهِ: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} بدليل: {ويستعجلونك بالعذاب}.
وَمِنْهُ مَا قَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ الْبَيَانِيِّ: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله}.
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيْ: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ: أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا: مَتَّى نَصْرُ اللَّهِ) وَهُوَ حَسَنٌ.
الثَّانِي عَشَرَ: الْإِيَاسُ {فَأَيْنَ تذهبون}.
الثَّالِثَ عَشَرَ: الْإِينَاسُ نَحْوُ: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا موسى}.
وقال ابن فارس: المراد به الْإِفْهَامُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ أَنَّ لَهَا أَمْرًا قَدْ خَفِيَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَعْلَمَ مِنْ حَالِهَا مَا لَمْ يَعْلَمْ.
وَقِيلَ: هُوَ لِلتَّقْرِيرِ فَيَعْرِفُ مَا فِي يَدِهِ حَتَّى لَا يَنْفِرَ إِذَا انْقَلَبَتْ حَيَّةً.
الرَّابِعَ عشر: التهكم والاستهزاء {أصلاتك تأمرك} {ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون}.
الْخَامِسَ عَشَرَ: التَّحْقِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ الله رسولا} وَمِنْهُ مَا حَكَى صَاحِبُ الْكِتَابِ: مَنْ أَنْتَ زَيْدًا؟ عَلَى مَعْنَى مَنْ أَنْتَ تَذْكُرُ زَيْدًا!
السَّادِسَ عَشَرَ: التَّعَجُّبُ نَحْوُ: {مَا لِيَ لَا أرى الهدهد}.
{كيف تكفرون بالله}.
وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ لِلتَّنْبِيهِ.
السَّابِعَ عَشَرَ: الِاسْتِبْعَادُ كَقَوْلِهِ: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مبين} أَيْ: يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ جَاءَهُمُ الرسول ثم تولوا.
الثَّامِنَ عَشَرَ: التَّوْبِيخُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يبغون}.
{لم تقولون ما لا تفعلون}.
{أفتتخذونه وذريته أولياء} وَلَا تَدْخُلُ هَمْزَةُ التَّوْبِيخِ إِلَّا عَلَى فِعْلٍ قَبِيحٍ أَوْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِعْلٌ قَبِيحٌ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: قَدْ يَجْتَمِعُ الِاسْتِفْهَامُ الْوَاحِدُ لِلْإِنْكَارِ والتقرير كقوله: {فأي الفريقين أحق بالأمن} أَيْ: لَيْسَ الْكُفَّارُ آمِنِينَ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ وَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ مَوَاقِعِ التَّقْرِيرِ دُونَ الْإِنْكَارِ قَالَ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بظلم} وَقَدْ يَحْتَمِلُهُمَا كَقَوْلِهِ: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا}.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ وَأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يُقِرُّوا بِمَا عِنْدَهُمْ تَقْرِيرَ ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ: التَّقْدِيرُ (لَا) فَإِنَّهُمْ لَمَّا اسْتَفْهَمُوا اسْتِفْهَامَ تَقْرِيرٍ بِمَا لَا جَوَابَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا (لَا) جُعِلُوا كَأَنَّهُمْ قَالُوا وَهُوَ قَوْلُ الْفَارِسِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيِّ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ بِمَعْنَى التَّوْبِيخِ عَلَى مَحَبَّتِهِمْ لِأَكْلِ لَحْمِ أَخِيهِمْ فَيَكُونُ مَيْتَةً وَالْمُرَادُ مَحَبَّتُهُمْ لَهُ غَيْبَتَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَ: {فَكَرِهْتُمُوهُ} بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيِ اكْرَهُوهُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ بِمَعْنَى التَّكْذِيبِ أَنَّهُمْ لَمَّا كَانَتْ حَالُهُمْ حَالَ مَنْ يَدَّعِي مَحَبَّةَ أَكْلِ لَحْمِ أَخِيهِ نُسِبَ ذلك إليهم وكذبوا فيه فيكون فكرهتموه.
الْخَامِسَةُ: إِذَا خَرَجَ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ حَقِيقَتِهِ فَإِنْ أُرِيدَ التَّقْرِيرُ وَنَحْوُهُ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى مُعَادِلٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قدير} فَإِنَّ مَعْنَاهُ التَّقْرِيرُ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ظَاهِرُهُ الِاسْتِفْهَامُ الْمَحْضُ وَالْمُعَادِلُ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ أَمْ يريدون وَقِيلَ أَمْ مُنْقَطِعَةٌ فَالْمُعَادِلُ عِنْدَهُمْ مَحْذُوفٌ أَيْ أَمْ عَلِمْتُمْ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ مخاطبة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَاطَبَةَ أَمَتَّهِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ هُوَ الْمُخَاطَبُ وَحْدَهُ فَالْمُعَادِلُ مَحْذُوفٌ لَا غَيْرُ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مَرْوِيٌّ انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا لِلتَّقْرِيرِ فَيُسْتَغْنَى عَنِ الْمُعَادِلِ أَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْمُعَادِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ القيامة} أَيْ: كَمَنْ يَنْعَمُ فِي الْجَنَّةِ؟
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حسنا} أَيْ: كَمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يشاء} التَّقْدِيرُ: ذَهَبَتْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ بِدَلِيلِ: {فَلَا تذهب نفسك عليهم حسرات}.
وَقَدْ جَاءَ فِي التَّنْزِيلِ مَوْضِعٌ صَرَّحَ فِيهِ بِهَذَا الْخَبَرِ وَحُذِفَ الْمُبْتَدَأُ عَلَى الْعَكْسِ مِمَّا نحن فيه وهو قوله تعالى: {أمن هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فقطع أمعاءهم} أَيْ: أَكْمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي الْجَنَّةِ يُسْقَى مِنْ هَذِهِ الْأَنْهَارِ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ.
وَجَاءَ مُصَرَّحًا بِهِمَا عَلَى الْأَصْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ في الناس كمن مثله في الظلمات} {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زين له سوء عمله}.
السَّادِسَةُ: اسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى مَاضٍ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْأَقْصَى الْقَرِيبِ وَقَالَ: قَدْ يَكُونُ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أفحكم الجاهلية يبغون} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} قَالَ: أَنْكَرَ أَنَّ حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا يُبْغَى لِحَقَارَتِهِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ سَلْبَ الْعِزَّةِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُنْكَرٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْبَيَانِيِّينِ وَلَا دَلِيلَ فِيمَا ذَكَرَهُ بَلِ الِاسْتِفْهَامُ فِي الْآيَتَيْنِ عَنْ مَاضٍ وَدَخَلَهُ الِاسْتِقْبَالُ تَغْلِيبًا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ الْمُنْكَرِ بِزَمَانٍ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خير} لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ وَهُوَ طَلَبُ الْبَدَلِ وَقَعَ مَاضِيًا وَلَا: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} وَإِنْ كَانَتْ أَنْ تُخَلِّصَ الْمُضَارِعَ لِلِاسْتِقْبَالِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَلْمُوحٌ بِهِ جَانِبُ الْمَعْنَى وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جِنِّي فِي التَّنْبِيهِ أَنَّ الْإِعْرَابَ قَدْ يرد على خِلَافَ مَا عَلَيْهِ الْمَعْنَى.
السَّابِعَةُ: هَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنْ خُرُوجِ الِاسْتِفْهَامِ عَنْ حَقِيقَتِهِ فِي النَّفْيِ هَلْ تَقُولُ: إِنَّ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ فِيهِ مَوْجُودٌ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ مَعْنًى آخَرُ أَوْ تَجَرَّدَ عَنِ الِاسْتِفْهَامِ بِالْكُلِّيَّةِ؟ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ بَلْ مِنْهُ مَا تَجَرَّدَ كَمَا فِي التَّسْوِيَةِ وَمِنْهُ مَا يَبْقَى وَمِنْهُ مَا يَحْتَمِلُ وَيُحْتَمَلُ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ وَكَذَلِكَ الْأَنْوَاعُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْإِثْبَاتِ وَهَلِ الْمُرَادُ بِالتَّقْرِيرِ الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ فَيَكُونُ خَبَرًا مَحْضًا أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ طَلَبُ إِقْرَارِ الْمُخَاطَبِ بِهِ مَعَ كَوْنِ السَّائِلِ يَعْلَمُ فَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِ الْمُخَاطَبِ أَيْ يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ مُقَرِّرًا بِهِ وَفِي كَلَامِ النُّحَاةِ وَالْبَيَانِيِّينِ كُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ.
الثَّامِنَةُ: الْحُرُوفُ الْمَوْضُوعَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ ثَلَاثَةٌ: الْهَمْزَةُ وَهَلْ وَأَمْ وَأَمَّا غَيْرُهَا مِمَّا يُسْتَفْهَمُ بِهِ كَمَنْ وَمَا وَمَتَى وَأَيْنَ وَأَنَّى وَكَيْفَ وَكَمْ وَأَيَّانَ فَأَسْمَاءُ اسْتِفْهَامٍ اسْتُفْهِمَ بِهَا نِيَابَةً عَنِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَخْتَصُّ بِطَلَبِ التَّصْدِيقِ بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ كَهَلْ وَأَمِ الْمُنْقَطِعَةِ وَمَا يَخْتَصُّ بِطَلَبِ التَّصَوُّرِ كَأَمِ الْمُتَّصِلَةِ وَمَا لَا يَخْتَصُّ كالهمزة.