فصل: فَصْلٌ في الظاهر والمؤول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ في الظاهر والمؤول:

وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِمَعْنَيَيْنِ وَهُوَ فِي أَحَدِهِمَا أَظْهَرُ فَيُسَمَّى الرَّاجِحَ ظَاهِرًا وَالْمَرْجُوحَ مُؤَوَّلًا.
مِثَالُ الْمُؤَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كنتم} فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ حَمْلُ الْمَعِيَّةِ عَلَى الْقُرْبِ بِالذَّاتِ فَتَعَيَّنَ صَرْفُهُ عَنْ ذَلِكَ وَحَمْلُهُ إِمَّا عَلَى الْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ أَوْ عَلَى الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالرُّؤْيَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حبل الوريد}.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ حَمْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ آدَمِيٌّ لَهُ أَجْنِحَةٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْخُضُوعِ وحسن الخلق.
وكقوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} يَسْتَحِيلُ أَنْ يُشَدَّ فِي الْقِيَامَةِ فِي عُنُقِ كُلِّ طَائِعٍ وَعَاصٍ وَغَيْرِهِمَا طَيْرٌ مِنَ الطُّيُورِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْتِزَامِ الْكِتَابِ فِي الْحِسَابِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ.
وَمِثَالُ الظَّاهِرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} فَإِنَّ الْبَاغِيَ يُطْلَقُ عَلَى الْجَاهِلِ وَعَلَى الظَّالِمِ وَهُوَ فِيهِ أَظْهَرُ وَأَغْلَبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ بغي عليه لينصرنه الله}.
وقوله: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} فَيُقَالُ: لِلِانْقِطَاعِ طُهْرٌ وَلِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ غَيْرَ أَنَّ الثَّانِيَ أَظْهَرُ.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} فيقال: للابتداء التمام والفراغ غَيْرَ أَنَّ الْفَرَاغَ أَظْهَرُ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف} فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ فِي الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لَكِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مُفَارَقَةُ الْأَجَلِ.
وَقَوْلِهِ: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} وَالظَّاهِرُ يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {فَلَا جُنَاحَ} بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: (لَا بَأْسَ) وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَلَكِنَّ هَذَا الظَّاهِرَ مَتْرُوكٌ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ لِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَاجِبٌ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ التَّطَوُّعِ فَقَالَ: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خيرا} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ السَّابِقَ نَهْيٌ عَنْ تَرْكِ وَاجِبٍ لَا نَهْيٌ عَنْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ.
وَقَدْ يَكُونُ الْكَلَامُ ظَاهِرًا فِي شَيْءٍ فَيُعْدَلُ بِهِ عَنِ الظَّاهِرِ بِدَلِيلٍ آخَرَ كقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} والشهر اسْمٌ لِثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} فَالظَّاهِرُ اشْتِرَاطُ ثَلَاثَةٍ مِنَ الْإِخْوَةِ لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ مِنْ خَارِجٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اثْنَانِ لِأَنَّهُمَا يَحْجُبَانِهَا عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ.

.فَصْلٌ في اشتراك اللفظ بين حقيقتين أو حقيقة ومجاز:

قَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ أَوْ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ وَيَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا كَقَوْلِهِ تعالى: {لا يضار كاتب ولا شهيد} قِيلَ: الْمُرَادُ يُضَارِرْ وَقِيلَ: يُضَارَرْ أَيِ الْكَاتِبُ وَالشَّهِيدُ لَا يُضَارَرْ فَيَكْتُمُ الشَّهَادَةَ وَالْخَطَّ وَهَذَا أظهر.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْ دَعَا الْكَاتِبَ وَالشَّهِيدَ لَا يُضَارِرْهُ فَيَطْلُبُهُ فِي وَقْتٍ فِيهِ ضَرَرٌ.
وَكَذَلِكَ قوله: {لا تضار والدة بولدها} فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَمَّا إِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرِكِ فِي مَعْنَيَيْهِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَبِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ قَدْ خُوطِبَ بِهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً أُرِيدَ هَذَا وَمَرَّةً هَذَا وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (لَا يَفْقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَةً) رواه أحمد أي اللَّفْظَ الْوَاحِدَ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ مُتَعَدِّدَةً وَلَا يَقْتَصِرُ به على ذلك المعنى بل يعلم أنه يصلح لهذا ولهذا.
وقال ابن القشيري في مقدمة تفسيره: مالا يَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًى وَاحِدًا حُمِلَ عَلَيْهِ وَمَا احتمل معنيين فصاعدا بأن وضع الأشياء مُتَمَاثِلَةٍ كَالسَّوَادِ حُمِلَ عَلَى الْجِنْسِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنْ وُضِعَ لِمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِنْ ظَهَرَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ حُمِلَ عَلَى الظَّاهِرِ إِلَّا أَنْ يَقُومَ الدليل وإن استويا سواء كان الاستعمال فيهما حقيقة أو مجازا أو في أحدهما حقيقة وَفِي الْآخَرِ مَجَازًا كَلَفْظِ الْعَيْنِ وَالْقُرْءِ وَاللَّمْسِ فَإِنْ تَنَافَى الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُجْمَلٌ فَيُطْلَبُ الْبَيَانُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَافَ فَقَدْ مَالَ قَوْمٌ إِلَى الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَالْوَجْهُ التَّوَقُّفُ فِيهِ لِأَنَّهُ مَا وُضِعَ لِلْجَمِيعِ بَلْ وُضِعَ لِآحَادِ مُسَمَّيَاتٍ عَلَى الْبَدَلِ وَادِّعَاءُ إِشْعَارِهِ بِالْجَمِيعِ بِعِيدٌ نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ جَمِيعَ الْمَحَامِلِ وَلَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ عَقْلًا وَفِي مِثْلِ هَذَا يُقَالُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَذَا.

.فَصْلٌ: قد ينفى الشيء ويثبت باعتبارين:

وَقَدْ يُنْفَى الشَّيْءُ وَيُثْبَتُ بِاعْتَبَارَيْنِ كَمَا سَبَقَ في قَوْلُهُ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رمى} ثُمَّ أَثْبَتُهُ لِسِرٍّ غَامِضٍ وَهُوَ أَنَّ الرَّمْيَ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ عَنَى بِهِ الرَّمْيَ بِالرُّعْبِ وَالثَّانِيَ عَنَى بِهِ بِالتُّرَابَ حِينَ رَمَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وُجُوهِ أَعْدَائِهِ بِالتُّرَابِ وَالْحَصَى وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» فَانْهَزَمُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ يُخْبِرُهُ أَنَّ انْهِزَامَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ التُّرَابِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَا أَوْقَعَ في قلوبهم من الرعب.

.فصل في الإجمال ظاهرا وأسبابه:

وَأَمَّا مَا فِيهِ مِنَ الْإِجْمَالِ فِي الظَّاهِرِ فَكَثِيرٌ وَلَهُ أَسْبَابٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَعْرِضُ مِنْ أَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مُشْتَرِكَةٍ وَقَعَتْ فِي التَّرْكِيبِ كَقَوْلِهِ تعالى: {فأصبحت كالصريم} قِيلَ: مَعْنَاهُ كَالنَّهَارِ مُبْيَضَّةً لَا شَيْءَ فِيهَا وقيل: كالليل مظلمة لا شيء فيها.
وكقوله: {والليل إذا عسعس} قِيلَ: أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ.
وَكَالْأُمَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وجد عليه أمة} بِمَعْنَى الْجَمَاعَةِ وَفِي قَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أمة} بِمَعْنَى الرَّجُلِ الْجَامِعِ لِلْخَيْرِ الْمُقْتَدَى بِهِ وَبِمَعْنَى الدِّينِ فِي قَوْلِهِ تعالى: {إنا وجدنا آباءنا على أمة} وَبِمَعْنَى الزَّمَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أمة}.
وَكَالذُّرِّيَّةِ فَإِنَّهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْعُرْفِيِّ الْأَدْنَى وَمِنْهُ: {ومن ذريته داود وسليمان} وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْأَعْلَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إن الله اصطفى آدم} الآية ثم قال: {ذرية} وَبِهَا يُجَابُ عَنِ الْإِشْكَالِ الْمَشْهُورِ فِي قَوْلِهِ تعالى: {حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} عَلَى بَحْثٍ فِيهِ.
وَقَالَ مَكِّيٌّ فِي قَوْلِهِ تعالى: {فأنا أول العابدين} أَيْ: أَوَّلُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَمَنْ قَالَ: (الْآنِفِينِ) فَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَبِدِينِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: عَبِدَ مِنْ كَذَا أَيْ أَنِفَ.
الثَّانِي: مِنْ حَذْفٍ فِي الْكَلَامِ كقوله: {وترغبون أن تنكحوهن} قيل معناه ترغبون في نكاحهن لما لهن وَقِيلَ مَعْنَاهُ: عَنْ نِكَاحِهِنَّ لِزَمَانَتِهِنَّ وَقِلَّةِ مَالِهِنَّ وَالْكَلَامُ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ رَغِبْتُ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا زَهِدْتَ فِيهِ وَرَغِبْتُ فِي الشَّيْءِ إِذَا حَرِصْتَ عَلَيْهِ فَلَمَّا رُكِّبَ الْكَلَامُ تَرْكِيبًا حُذِفَ مَعَهُ حَرْفُ الْجَرِّ احْتَمَلَ التَّأْوِيلَيْنِ جَمِيعًا وَجَعَلَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا مَا أَصَابَكَ مِنْ حسنة فمن الله} أَيْ يَقُولُونَ: {مَا أَصَابَكَ} قَالَ: وَلَوْلَا هَذَا التَّقْدِيرُ لَكَانَ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عند الله}.
وقوله: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} أَيْ: آيَةً مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِقَتْلِهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ النَّاقَةَ كَانَتْ مُبْصِرَةً لَا عَمْيَاءَ.
الثَّالِثُ: مِنْ تَعْيِينِ الضَّمِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يعفو الذي بيده عقدة النكاح} فَالضَّمِيرُ فِي {يَدِهِ} يَحْتَمِلُ عَوْدَهُ عَلَى الْوَلِيِّ وَعَلَى الزَّوْجِ وَرُجِّحَ الثَّانِي لِمُوَافَقَتِهِ لِلْقَوَاعِدِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ مَالِ يَتِيمِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَحَمْلُ الْكَلَامِ الْمُحْتَمِلِ عَلَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ خِطَابًا لِلْأَزْوَاجِ لَقَالَ: (إِلَّا أَنْ تَعْفُوَ) بِالْخِطَابِ لِأَنَّ صَدْرَ الْآيَةِ خِطَابٌ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: {وإن طلقتموهن} إلى قوله: {نصف ما فرضتم}.
قُلْنَا: هُوَ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْفَاعِلِيُّ الَّذِي فِي {يَرْفَعُهُ} عَائِدًا عَلَى الْعَمَلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ-وَهُوَ التَّوْحِيدُ- يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لِأَنَّهُ لَا تَصْلُحُ الْأَعْمَالُ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الْكَلِمِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْإِيمَانَ فِعْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ لَا يَصِحُّ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِهِ جمعا} فَالْهَاءُ الْأَوْلَى كِنَايَةٌ عَنِ الْحَوَافِرِ وَهِيَ مَوْرِيَاتٍ أَيْ أَثَرْنَ بِالْحَوَافِرِ نَقْعًا وَالثَّانِيَةُ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِغَارَةِ أَيِ الْمُغِيرَاتِ صُبْحًا {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} جَمْعَ الْمُشْرِكِينَ فَأَغَارُوا بِجَمْعِهِمْ.
وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ كِتَابًا فِي تَعْيِينِ الضَّمَائِرِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ فِي مُجَلَّدَيْنِ.
الرَّابِعُ: مِنْ مَوَاقِعِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ في العلم} فَقَوْلُهُ: {الرَّاسِخُونَ} يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ وَيَكُونُ حَذَفَ (أما) المقابلة كقوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ} وَيُؤَيِّدُهُ آيَةُ الْبَقَرَةِ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا}.
الْخَامِسُ: مِنْ جِهَةِ غَرَابَةِ اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فلا تعضلوهن} {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} {وسيدا وحصورا} وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا صَنَّفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُتُبِ غَرِيبِ الْقُرْآنِ.
السَّادِسُ: مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ الْآنَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وهو شهيد} و: {يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} بِمَعْنَى: يَسْمَعُونَ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ الْآنَ: أَلْقَيْتُ سمعي وكذا قوله: {ثاني عطفه} أَيْ: مُتَكَبِّرًا.
وَقَوْلُهُ: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} أَيْ: يُسِرُّونَ مَا فِي ضَمَائِرِهِمْ.
وَكَذَا: {فَأَصْبَحَ يقلب كفيه} أي: نادما.
وكذا: {فردوا أيديهم في أفواههم} أَيْ: لَمْ يَتَلَقَّوُا النِّعَمَ بِشُكْرٍ.
السَّابِعُ: مِنْ جِهَةِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} تَقْدِيرُهُ: وَلَوْ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلٌ مُسَمًّى لَكَانَ لِزَامًا وَلَوْلَا هَذَا التَّقْدِيرُ لَكَانَ منصوبا كالإلزام.
وقوله تعالى: {يسألونك كأنك حفي عنها} أي: يسألونك عنها كأنك وَقَوْلِهِ: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كريم كما أخرجك ربك} فَهَذَا غَيْرُ مُتَّصِلٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَائِدٌ عَلَى قوله: {قل الأنفال لله والرسول} {كما أخرجك ربك من بيتك} فصارت أنفال الغنائم لك إذا أَنْتَ رَاضٍ بِخُرُوجِكَ وَهُمْ كَارِهُونَ فَاعْتَرَضَ بَيْنَ الْكَلَامِ الْأَمْرُ بِالتَّقْوَى وَغَيْرُهُ.
وَقَوْلِهِ: {حَتَّى تُؤْمِنُوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه} مَعْنَاهُ: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذ قالوا لقومهم}.
الثَّامِنُ: مِنْ جِهَةِ الْمَنْقُولِ الْمُنْقَلِبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وطور سينين} أي طورسينا.
وقوله: {سلام على إل ياسين} أي: الناس وقيل: إدريس وفي حرف ابن مسعود: إدراس.
التَّاسِعُ: الْمُكَرَّرُ الْقَاطِعُ لِوَصْلِ الْكَلَامِ فِي الظَّاهِرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} مَعْنَاهُ: يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِلَّا الظَّنَّ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} مَعْنَاهُ: الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِمَنْ آمَنَ مِنَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا.