فصل: هل يشرع الانتخاب لمعرفة أهل الشورى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي (نسخة منقحة)



.خلاصة:

مر بك الآن ستة ميادين يعمل فيها رجال الشورى هي باختصار تولية الإمام الكفء وعزله بشروط في ذلك موضحة في كتب السياسات ونصح الإمام وتسديده وتقويمه عند الميل والانحراف. وكذلك تنظيم نظام المال ووضع كل شيء منه في نصابه حتى أن راتب الإمام لا يعنيه إلا أهل الشورى، فلم يعين راتب أبي بكر وعمر إلا أهل الشورى من المسلمين فانظر كيف يستبد الملوك والرؤساء والأمراء اليوم بالمال العام ويفرضون لأنفسهم وذويهم منه ما يشاءون ويحرمون منه من شاءوا وكل ذلك باسم الإسلام وتحت ظله.
وكذلك فمن مهمة رجال الشورى بحث الأوليات في تطبيق حكم الإسلام وذلك للظروف الطارئة على بلاد المسلمين وتغيير أنظمتهم بأنظمة كافرة بل وجميع أوضاعهم الاجتماعية والتعليمية والخلقية ولا بد به الشورى لبحث أهم الأعمال والقرارات بالبدء في التنفيذ.
وكذلك فأهل الشورى هم مخططون سياسة الأمة حالة سلمها وحربها فتنظيم السياسة الخارجية للأمة من مهمات الشورى.
وأخيرًا فالإمام يسترشد بأهل الشورى آرائهم في الوصول إلى الحكم الشرعي للمعاملات الحادثة والقضايا الجديدة وقد مر بك ذلك والحمد لله مفصلًا.

.أهل الشورى وطرق معرفتهم:

من التعرف على مجالات الشورى في الصفحات السابقة نحكم بأن الذين يتولون مثل هذه الأمور التي يتوقف عليها مصلحة الأمة في دينها ودنياها لا بد وأن يكونوا على مستوى هذه المسؤولية لقول الله تبارك وتعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} والشورى أمانة عظيمة فيجب أن تسند إلى أهلها الذين يقومون بها على وجه حسن ونعلم أيضًا أنه لا بد وأن يكونوا حائزين على ثقة الناس وحبهم واحترامهم حتى تكون آراؤهم وقراراتهم مقبولة عند الناس. ومعنى هذا أنه لا بد من توفر شرطين فيمن يجعلون أهل الشورى، وهو العلم والقبول عند الناس.
وإذا تتبعنا وقائع الشورى في المجتمع المسلم الأول في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة، وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور في الأمور العامة التي تخص الناس جميعًا كما فعل في بدر شاور الناس كلهم وخاصة الأنصار الذين أخذوا عليهم العهد في العقبة على النصرة، وذلك ليتأكد لديه إن كانوا سينصرونه خارج المدينة أم لا. ولذلك تكلم عنهم سعد بن معاذ وكان سيد الأوس رضي الله تعالى عنه فقال خطبته المشهورة.
وكذلك في أحد استشار الناس جميعًا في الخروج أو البقاء لأن الأمر يهمهم جميعًا وأشار عليه البعض بالخروج والبعض بالبقاء وكان عامة الرأي على الخروج فخرج وإن كان ذلك مخالفًا لرأيه صلوات الله وسلامه عليه.
واستشار السعدين فقط في مصالحة غطفان على ثلث ثمار المدينة ليرجعا بقوميهما وذلك في غزوة الأحزاب، وسر اختصاصه السعدين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة بذلك أن الأمر يخص الأنصار لأنهم أصحاب الثمار في المدينة، والسعدان هما رؤساء الأوس الخزرج فهم النواب عن قومهم. ورفضا رضي الله عنهما الصلح ومزقا كتابه فأقرهما الرسول صلى الله عليه وسلم، رجع عن رأيه.
واستشار الناس جميعًا في شأن من سبوا زوجته عائشة رضي الله عنها وكان ذلك في المسجد وقال: من رجل يعزرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي. واستشار عليًّا وأسامة بن زيد فقط في شأن فراق عائشة بعد أن قال أهل الإفك فيها ما قالوا وذلك أنهم الصق الناس ببيته واعلم بمن يخرج ويدخل. وأما حوادث استشارة الخلفاء بعده فمعروفة مشهورة بكليتها كذلك على نحو هديه صلوات الله وسلامه عليه. فأبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه استشار الناس في حرب فارس والروم وكذلك فعل عمر بن الخطاب واستشاروا أيضًا في اختيار الأمراء وقسمة الأرض وتولية الخلافة، واستشار عبد الرحمن بن عوف الناس جميعًا حتى النساء والعامة في أيهم يختارون للخلافة عثمان بن عفان أم علي بن أبي طالب وحوادث الشورى في عهدهم كثيرة مشهورة. ومن هذه الحوادث يتجلى لنا الحقائق التالية:
1- أن أهل الشورى هم عموم الناس إذا كان الأمر سيتعلق بعمومهم كاختيار الخليفة والحاكم وإعلان الحرب فهذه الأمور العامة لا بد فيها من رأي عام وموافقة عامة لأن الاختيار هنا هو لعموم الناس فالحاكم نائب عن الناس في تولي أمورهم وتسيير قضاياهم، ولذلك لا نولي إلا من يجوز ثقة عامتهم ولذلك قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه للأنصار لما رأوا أنهم أولى الناس بالخلافة لأن المدينة عاصمة الخلافة هي دارهم قال لهم: (إن الناس لا تذعن إلا لهذا الحي من قريش) أي أن عموم الناس لا يرضون أميرًا إلا إذا كان قريشيًّا لأنهم أشرف العرب نسبًا وأوسطهم دارًا، وليس لهم عند أحد من العرب ثارات قديمة وأما الأنصار فلم يكونوا كذلك بل أن الأنصار لا يرضى بعضهم إمامة بعض فالأوسي لا يرضى بإمامة الخزرجي لما كان بينهم من ثارات قديمة. ويعني هذا أن الإمام العام لا بد وأن يستشار فيه عموم الناس ولا بد أن يرضى عنه جمهورهم وأغلبيتهم.
2- وأما الأمور الخاصة فيستشار فيها أهل هذه الخصوصية وأهل العلم والدراية بها. ففي تنفيذ الأعمال العسكرية يستشار أهل الرأي في ذلك وفي الأعمال الصناعية أهل الخبرة فيها وهكذا.
3- وفي سياسة الأمة وإدارة شئونها بوجه عام فمجلس شورى يختلف من أهل العلم والرأي من المسلمين بشروطه السابقة بعلم ورضى الناس عنهم ولذلك كان القراء أصحاب مشورة عمر رضي الله عنه كهولًا كانوا أو شبانًا (البخاري) وكان أهل بدر لأنهم السابقون إلى نصرة الإسلام، هم أهل الحل والعقد وأهل الشورى كما نص علي بن أبي طالب عندما جاءه من يبايعه بعد مقتل عثمان رضي الله تعالى عنه قال: (ليس هذا لكم إنما هو لأهل بدر وأهل الشورى فمن رضي به أهل الشورى وأهل بدر فهو الخليفة فتجتمع وتنظر في هذا الأمر).

.هل يشرع الانتخاب لمعرفة أهل الشورى:

بعض الناس الذين لم يستطيعوا التفريق بين الأمور التعبدية والقرب العبادية كالصلاة والصيام والحج يظن أن الأمر في السياسات الشرعية وأنظمة الحكم وشئون المعاملات المختلفة لا بد وأن يكون فيه نص شرعي أو سابقة في عهد الخلفاء ليصبح مشروعًا ويستدل في مثل هذه الأمور خطأ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» فيجعل حكم العبادات والقرب هم حكم المعاملات. وهذا خطأ قد بيناه في صدر هذا البحث وقد قلنا آنفًا أن أوامر الشورى في الإسلام قد جاءت عامة مرنة لم تلزم المسلمين بعدد معين لرجال الشورى، لا بطريقة بعينها لكيفية اختيارهم، ولا بنظام خاص للاقتراع بينهم، بل أمرت هذه النصوص الحاكم بالشورى، والتزمت المسلمين أن لا يصدروا في جميع أمورهم إلا عن الشورى كما قال تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} أما كيفيتها وتنظيمها فقد وكل هذا إلى عرف الجماعة ومستواها، وظروفها في العصور المتعاقبة.
ولذلك فإن من قال أن الانتخاب ليس نظامًا إسلاميًّا لأنه لم يأت به دليل شرعي فهو جاهل بالفروق بين المعاملات والعبادات.
وإذا نظرنا إلى فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وجدناه أنه يستشير الشيخين أبي بكر وعمر كثيرًا بل ويقول لهما: « لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما » ويستشير السعدين أحيانًا كما فعل في غزوة الأحزاب ومصالحة غطفان، ويستشير الأنصار في بدر.
ويستشير الناس عامة في أحد، ويستشير عليًّا وأسامة في فراق عائشة في حادثة الإفك وهكذا.
ولقد اعتبر أهل بدر بعد ذلك رجالًا للحل والعقد ولم يقطع أمر في زمن الخلفاء إلا بمشورتهم وكان هذا انتخابًا طبيعيًّا لهم، فالرجال الذين لم يجبنوا في لقاء كبدر لا بد وأنه يكونوا أهل ثقة المسلمين جميعًا ومحل احترامهم وتقديرهم بعد أن كانوا محلًا لرضى الله حيث قال صلى الله عليه وسلم: «وما يدر بك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
ثم كان قراء القرآن وحفاظه والعالمون به بعد ذلك هم أهل الشورى، فالبخاري يقول في صحيحه: (وكان القراء أهل مشورة عمر كهولًا كانوا أو شبابًا)، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع آخرين» فهؤلاء العلماء بكتاب الله دفعهم إلى منزلة الشورى علمهم وسبقهم.
وحقيقة أنه لم يحصل في العصور المتتالية للإسلام انتخاب لمجلس شورى، وذلك أن المستشارين بالفعل لو كان انتخاب ما نجح غيرهم فعلمهم وسابقتهم في الإسلام، وجهادهم في سبيله أهلهم بطبيعة الأمور لتلك المنزلة وهذه المكانة.
ولا ينافي هذا إشراك الأمة في اختيارهم فالحاكم الآن لا يستطيع بمفرده الوصول إلى خيار الناس وفضلائهم وأهل الخبرة فيهم.
ولا ينافي الإسلام أيضًا أن يكون للحاكم حق في اختيار عدد محدود من الأفراد ليكون من رجال الشورى وأهل الحل والعقد فيهم. وسلب هذا الحق منه إذا وجد أن المصلحة في ذلك ليست أيضًا باطلة شرعًا. بل كل ذلك من المصالح المرسلة التي لم يأت الشرع بإلغائها ولا الالتزام بها.
فتفويض الأمة الكامل لانتخاب مجلس للشورى جائز شرعًا وجعل عدد محدود باختيار الإمام جائز شرعًا. ويقدر هذه المصالح رأي الأمة وجمهورًا. وللظروف والملابسات دخل عظيم في اختيار الأسلوب المناسب لتطبيق هذه الأحكام.