فصل: كتاب الجنايات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ بين اثنين:

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِذَا كَانَ الْمُدَبَّرُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدَ مَوْلَيَيْهِ وَرَجُلًا خَطَأً بُدِئَ بِالرَّجُلِ قَبْلَ الْمَوْلَى فَعَلَى الْمَوْلَى الْبَاقِي نِصْفُ قِيمَتِهِ وَفِي مَالِ الْمَقْتُولِ نِصْفُ قِيمَتِهِ ثُمَّ يَكُونُ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ رُبْعُ الْقِيمَةِ وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْقَتِيلِ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا ضَمِنَ فَإِنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ خَطَأً هَدَرٌ فَكَذَلِكَ النِّصْفُ مِنْ الْقِيمَةِ يَسْلَمُ لِوَلِيِّ الْأَجْنَبِيِّ وَلِصَاحِبِهِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَضْرِبُ هُوَ فِيهِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسَةِ آلَافٍ فَكَانَ ذَلِكَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعَلَى الْمُدَبَّرِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ نِصْفُهَا لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ وَنِصْفُهَا لِلْمَوْلَى الْحَيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَتَقَ بِسَبَبِ الْمَقْتُولِ كَانَ حَقُّ الْمَوْلَى الْحَيِّ بِاسْتِسْعَائِهِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَوْ كَانَ قَتَلَ الْمَوْلَى عَمْدًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَعَلَى الْمَوْلَى الْبَاقِي وَفِي مَالِ الْمَقْتُولِ قِيمَتُهُ تَامَّةً لِوَلِيِّ الْخَطَأِ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْعَمْدِ فِي الْقَوَدِ فَلَا مُزَاحِمَةَ لَهُ مَعَ وَلِيِّ الْخَطَأِ فِي الْقِيمَةِ وَيَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي قِيمَتِهِ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ لِمَا قُلْنَا وَيُقْتَلُ بِالْعَمْدِ فَإِنْ عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ سَعَى الْمُدَبَّرُ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ وَالْحُرِّ فَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ فَيَسْتَسْعِيهِ فِي ذَلِكَ وَلَا مُزَاحِمَةَ لَهُ فِي وَلِيِّ الْخَطَأِ فِي الْقِيمَةِ الْأُولَى قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَ أَحَدَ مَوْلَيَيْهِ خَطَأً فَعَلَى الْمَوْلَى الْبَاقِي نِصْفُ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ نِصْفُ ذَلِكَ النِّصْفِ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي مِنْ ذَلِكَ النِّصْفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ أَصْحَابِ الْعَمْدِ نِصْفَيْنِ وَفِي مَالِ الْقَتِيلِ رُبْعُ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ انْقَلَبَ مَالًا وَذَلِكَ نِصْفُ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَيَيْنِ فَلِهَذَا كَانَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ رُبْعُ الْقِيمَةِ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ وَقَدْ وَجَبَ لِلْمَوْلَى الْحَيِّ نِصْفُ قِيمَتِهِ بِالْجِنَايَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ فِي نِصْفِ ذَلِكَ النِّصْفِ فَيَسْلَمُ لِوَلِيِّ مَوْلَى الْقَتِيلِ وَحَقُّهُمَا فِي النِّصْفِ سَوَاءٌ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي قِيمَتِهِ تَامَّةً لِلْحَيِّ وَلِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ لِمَا قُلْنَا قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ مَوْلَيَيْهِ مَعًا خَطَأً سَعَى فِي قِيمَتِهِمَا لِوَرَثَتِهِمَا لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِهِ هَدَرٌ وَفِي نِصْفِ صَاحِبِهِ مُوجِبٌ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ قِصَاصٌ وَلَوْ غَصَبَ الْمُدَبَّرَ أَحَدُ مَوْلَيَيْهِ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ رَدَّهُ فَقَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا لَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِمَا قِيمَةٌ تَامَّةٌ لِصَاحِبِ الْخَطَأِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَلِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ رُبْعُهَا وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ عَلَى الْغَاصِبِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نِصْفِ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا غَرِمَ هُوَ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ لِأَنَّهُ إنَّمَا غَرِمَ ذَلِكَ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ عِنْدَ الْمُدَبَّرِ فِي حَالِ كَوْنِ الشَّرِيكِ غَاصِبًا لَهُ ضَامِنًا ثُمَّ يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْخَطَأِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْخَطَأِ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ فَارِغًا وَإِنَّمَا سَلِمَ لَهُ مِنْ جِهَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ذَلِكَ النِّصْفِ وَقَدْ أَخْلَفَ نَصِيبَهُ عِوَضًا فَيَرْجِعُ فِي الْعِوَضِ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ وَذَلِكَ مِنْ الْجَمِيعِ وَهُوَ رُبْعُ نِصْفِ الْقِيمَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ قَالَ: وَإِذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ الْمُدَبَّرِ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبَرِئَ وَزَادَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ ثُمَّ فَقَأَ عَيْنَهُ آخَرُ ثُمَّ انْتَقَضَ الْبُرْءُ فَمَاتَ مِنْهُمَا وَالْمُدَبَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَدِ وَمَا حَدَثَ مِنْهَا وَعَفَا الْآخَرُ عَنْ الْعَيْنِ وَمَا حَدَثَ مِنْهَا فَلِلَّذِي عَفَا عَنْ الْيَدِ عَلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ خَطَأً وَفِي مَالِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَلِلَّذِي عَفَا عَنْ الْعَيْنِ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ ثَلَثُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَعَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ قَطَعَ يَدَهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَكَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ خَمْسُمِائَةٍ ثُمَّ فَقَأَ الْآخَرُ عَيْنَهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَكَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ أَلْفٌ فَلَمَّا مَاتَ مِنْهُمَا صَارَ صَاحِبُ الْيَدِ ضَامِنًا لِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ قِيمَتِهِ مَعَ الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالزِّيَادَةِ فِي حَقِّهِ فَكَانَ أَلْفًا فِي فَقْءِ عَيْنِهِ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ فَصَارَ بِهِ مُتْلِفًا نِصْفَ مَا بَقِيَ وَإِنَّمَا الْبَاقِي مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَقَدْ تَلِفَ بِالْجِنَايَتَيْنِ فَنِصْفُهُ وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ تَلِفَ بِفِعْلِ صَاحِبِهِ فَلِهَذَا صَارَ هُوَ ضَامِنًا سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرِينَ وَنِصْفٌ ذَلِكَ لِلْعَافِي فَيَسْقُطُ وَنِصْفُهُ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ وَهُوَ ثَلَثُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ وَأَمَّا الْعَافِي صَارَ ضَامِنًا بِجِنَايَتِهِ أَلْفًا وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ نِصْفَ مَا بَقِيَ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ نِصْفَيْنِ وَقَدْ سَقَطَ حَقُّ أَحَدِهِمَا بِالْعَفْوِ إذْ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْهُمَا عَلَيْهِ نَصِيبُهُ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ: وَلَوْ قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ مَوْلَاهَا عَمْدًا وَلَا وَلَدَ لَهَا فَعَفَا أَحَدُ ابْنَيْ الْمَوْلَى عَنْهَا سَعَتْ لِلْآخَرِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِأَنَّهَا حُرَّةٌ حِينَ انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا إلَّا أَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ كَانَ مِنْهَا فِي حَالَةِ الرِّقِّ فَعَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْآخَرِ وَكَذَلِكَ عَبْدٌ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الدَّمِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا كَانَ فِي الْقِصَاصِ وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ قَالَ: وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ قَتَلَتْ مَوْلَاهَا خَطَأً سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا مِنْ قَبْلِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا جَنَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى مَوْلَاهَا كَجِنَايَتِهَا عَلَى غَيْرِهِ لَا مُوجِبَ جِنَايَتِهَا فِي كَسْبِهَا وَهِيَ أَحَقُّ بِكَسْبِهَا ثُمَّ قَدْ بَطَلَتْ عَنْهَا الْكِتَابَةُ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَإِنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْقَتْلِ، قَالَ: (أَلَا تَرَى) أَنَّهَا لَوْ اسْتَقْرَضَتْ مِنْهُ مَالًا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَطَلَتْ عَنْهَا الْكِتَابَةُ وَلَزِمَهَا الدَّيْنُ وَإِنَّمَا اسْتَشْهَدَ بِهَذَا لِسَبَبِ أَنَّهُ وَإِنْ أَلْزَمَهَا الْقِيمَةَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ فَلَا يَمْتَنِعُ بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ عَنْهَا بِسَبَبِ الْعِتْقِ وَأَمَّا الْمُدَبَّرَةُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا مِنْ قَبْلِ الْجِنَايَةِ وَتَسْعَى فِي قِيمَةٍ أُخْرَى لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَتُهَا أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا سَعَتْ فِي مُكَاتَبَتِهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ مُدَبَّرَتُهُ ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَإِنَّهَا تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ مُكَاتَبَتِهَا وَمِنْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الْأَقَلِّ.
وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَاسْتَسْعَاهَا فِي قِيمَتِهَا فَقَتَلَتْهُ خَطَأً وَهِيَ تَسْعَى فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا مِنْ قِبَلِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ وَيَبْطُلُ عَنْهَا سِرَايَةُ الرِّقِّ وَلِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ فَلَا شَيْءَ لِوَلَدِهَا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مُسْلِمٌ مَعَ أَبِيهِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ لِوَرَثَةِ الْأَبِ وَإِذَا قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ مَوْلَاهَا عَمْدًا وَهِيَ حُبْلَى مِنْهُ وَلَا وَلَدَ لَهَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ جُمْلَةِ وَرَثَتِهِ وَمِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحُبْلَى لَا تُقْتَلُ بِالْقِصَاصِ حَتَّى تَضَعَ فَإِنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهَا لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ جُزْءًا مِنْ الْقِصَاصِ صَارَ مِيرَاثًا لِوَلَدِهَا وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا كَانَ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ لِوَرَثَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَنْفَصِلُ مَيِّتًا لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا وَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ الَّذِي فِي بَطْنِهَا كَانَ حُرًّا وَالْوَاجِبُ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ الْغُرَّةُ وَلَهَا مِيرَاثُهَا مِنْ تِلْكَ الْغُرَّةِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَ وَجَبَتْ الْغُرَّةُ بِالضَّرْبَةِ وَتُقْتَلُ هِيَ بِالْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَلَا تَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ سَوَاءٌ كَانَ انْفِصَالُهُ بِالضَّرْبَةِ أَوْ بِغَيْرِ الضَّرْبَةِ وَإِيجَابُ الْغُرَّةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِكَوْنِ الْجَنِينِ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبِ قَطْعِ السُّرِّ وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ثُمَّ نَصِيبُهَا مِنْ الْغُرَّةِ مِيرَاثٌ لِبَنِي مَوْلَاهَا لِأَنَّهُمْ عُتَقَاءُ وَلَا يُحْرَمُونَ الْمِيرَاثَ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوهَا بِحَقٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.باب جناية المكاتب في الخطأ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَإِذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا خَطَأً وَلَهُ وَارِثَانِ فَقَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَلَمْ يَقْضِ لِلْآخَرِ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَتَلَ الْآخَرَ فَجَاءَ الْآخَرُ فَخَاصَمَ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ مُكَاتَبٌ بَعْدَ وَفَائِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الْمَقْضِيَّ فِيهِ لِلْأَوَّلِ قَدْ فَرَغَ مِنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْآخَرِ فَيُقْضَى لَهُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِذَلِكَ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي يُقْضَى لَهُ بِنِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّهُ وَحَقُّ الَّذِي لَمْ يُقْضَ لَهُ مِنْ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَجَاءَ الْأَوْسَطُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ رُبْعَ الْعَبْدِ أَوْ يَفْدِيهِ مَوْلَاهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الدِّيَةِ وَالْجِنَايَةُ فِي حَقِّهِ بَاقِيَةٌ فِي رُبْعِ الرَّقَبَةِ لِانْعِدَامِ الْمُحَوَّلِ إلَى الْقِيمَةِ وَهُوَ قَضَاءُ الْقَاضِي فَلِهَذَا يَدْفَعُ إلَيْهِ رُبْعَ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعَجْزِ وَيَفْدِيهِ مَوْلَاهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ قَالَ: فَلَوْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ أَعْوَرَّ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ صَحِيحًا لِلْأَوَّلِ نِصْفُهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الثَّانِي إنَّمَا يَثْبُتُ فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَعْوَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلِهَذَا كَانَ نِصْفُ قِيمَتِهِ صَحِيحًا لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَضْرِبُ فِيهِ الْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ إلَّا مَا أَخَذَ وَالْآخَرُ بِكَمَالِ الدِّيَةِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ إنْسَانٌ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ سُعْرٍ أَوْ عَيْبٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَتُهُ حِينَ جُنِيَ عَلَيْهِ قَالَ: وَلَوْ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً وَحَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ أَوْ أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ شَيْئًا فَقَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لِلَّذِي وَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ وَسَعَى فِيهَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ عَطِبَ مِمَّا أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ إنْسَانٌ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُمْ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لِلَّذِي وَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ وَسَعَى فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَهُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَإِنَّمَا صَارَ جَانِيًا بِذَلِكَ التَّسَبُّبِ وَجِنَايَاتُ التَّسَبُّبِ وَالْمُبَاشَرَةِ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ آخَرُ فَمَاتَ وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا أُخْرَى فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ مَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ قَضَى الْقَاضِي بِقِيمَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ بِالتَّسْبِيبِ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ فَيَلْزَمُهُ بِاعْتِبَارِهَا قِيمَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ قَدْ فَرَغَتْ مِنْ قَبْلِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ فَيُشْغَلُ بِالْجِنَايَةِ الْمُبْتَدَأَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِأَجْلِهَا وَلَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ الْأَوَّلِ فَرَسٌ فَعَطِبَ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ دَيْنًا يَسْعَى فِيهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يُشَارِكُهُ أَهْلُ الْجِنَايَةِ وَلَا يُشَارِكُونَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ ضَمَانُ مَالٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ ضَمَانِ الْمَالِ وَضَمَانِ النَّفْسِ وَلَا مُشَابَهَةَ فِي الْحُكْمِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ إنْسَانًا خَطَأً فَاسْتَهْلَكَ مَالًا قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فِي الْقَتْلِ وَبِالْمَالِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَكُلُّ مَنْ يُكَاتِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ السِّعَايَةِ وَكَذَلِكَ أُمُّ وَلَدِهِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ دَفْعَهَا بِالْجِنَايَةِ مُتَعَذِّرٌ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ فِيمَا يَلْزَمُهَا بِالْجِنَايَةِ وَلَوْ جَنَى عَبْدُهُ خُوطِبَ الْمَكَاتِبُ فِيهِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فَالتَّدْبِيرُ فِي كَسْبِهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ مِنْ الْعَبْدِ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمُكَاتِبُ عَلَى مَالِ جَازَ صُلْحُهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ تَخْلِيصَ مِلْكِهِ قَالَ: وَإِذَا أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِقَتْلٍ عَمْدًا ثُمَّ إنَّهُ عَفَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ عَنْهُ قَضَى عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِلْآخَرِ فَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا قَضَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَعْجِزَ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ صَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى مَالٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ مَا لَمْ يَعْجِزْ فَإِذَا عَجَزَ قَبْلَ أَدَاءِ الْمَالِ بَطَلَ عَنْهُ الْمَالُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لَازِمٌ يُبَاعُ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ لَزِمَهُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ دُيُونِهِ يُبَاعُ فِيهِ بَعْدَ الْعَجْزِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى عَنْهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا تَأْثِيرَ لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فِي إطْلَاقِ الْحَجَرِ عَنْهُ فِي الْجِنَايَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَكَانَ هُوَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ فِي حَالِ قِيَامِهِ بِالْكِتَابَةِ الْمَالُ إنَّمَا يُؤَدَّى مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ فَكَانَ إقْرَارُهُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهِ وَكَذَلِكَ قَبُولُهُ بِسَبَبِ الصُّلْحِ فَإِذَا عَجَزَ صَارَ الْحَقُّ لِمَوْلَاهُ وَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ قَبُولُهُ الْمَالَ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ مَالًا لَا بِإِزَاءِ مَالٍ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يُطْلَبُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا يُبَاعُ فِيهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ بِسَبَبٍ صَارَ هُوَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ فَكَذَلِكَ السَّبَبُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى قَالَ: إذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا يَسْعَى لِلْآخَرِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ فَإِنْ وَقَعَ رَجُلٌ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا الْمُكَاتَبُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ الْقَتْلِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةٍ أُخْرَى لِصَاحِبِ الْبِئْرِ لِأَنَّهُ قَدْ غَرِمَ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَجِنَايَاتُهُ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً فَكَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةٍ أُخْرَى لِصَاحِبِ الْبِئْرِ وَشَاوَلَ صَاحِبُ الْبِئْرِ صَاحِبَ الْقَتِيلِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ مَا أَخَذَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قُسِّمَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا كَمَا بَيَّنَّا وَإِذَا قَتَلَ ابْنُ الْمُكَاتَبِ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ إنَّ الْمُكَاتَبَ قَتَلَ ابْنَهُ وَهُوَ عَبْدٌ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ يَضْرِبُ فِيهَا أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ الْآخَرِ بِالدِّيَةِ وَأَوْلِيَاءُ قَتِيلِ الِابْنِ بِقِيمَةِ الِابْنِ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ إذَا حَصَلَتَا مِنْ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ وَحَقِّ أَوْلِيَاءِ الْحُرِّ فِي الدِّيَةِ وَحَقِّ أَوْلِيَاءِ قَتِيلِ الِابْنِ كَانَ فِي الدِّيَةِ وَلَكِنْ بِجِنَايَةِ الِابْنِ فَأَمَّا بِجِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ فَلَا حَقَّ لَهُمْ قِبَلَهُ إلَّا فِي قِيمَةِ الِابْنِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَا جَنَى عَلَى وَلِيِّهِمْ إنَّمَا جَنَى عَلَى الِابْنِ الَّذِي كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُمْ بِجِنَايَتِهِ فَلِهَذَا ضَرَبُوا فِي قِيمَتِهِ بِقِيمَةِ الدَّيْنِ قَالَ: وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُكَاتَبُ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ فِي قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا ازْدَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ فَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَعَلَى الْمَوْلَى إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنَّمَا شَرَطَ الْعِلْمَ بِإِنَّهَا زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ يَحْكُمُ بِقِيمَتِهِ فِي الْحَالِ عَلَى قِيَاسِ الْمُدَبَّرِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ وَكَذَلِكَ لَوْ فُقِئَتْ عَيْنُ الْمُكَاتَبِ فَقَالَ الْمُكَاتَبُ: جَنَيْت بَعْدَ مَا فُقِئَتْ عَيْنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَدَّعِي سَبْقَ تَارِيخِ فِي جِنَايَتِهِ إلَى مَا قَبْلَ فَقْءِ الْعَيْنِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ يَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّهِ فِي الْعَيْنِ الْمَفْقُوءَةِ وَالْمُكَاتَبُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمَوْلَى إثْبَاتُ مَا يَدَّعِيهِ بِالْبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.كتاب الجنايات:

(قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَرَضِيَ عَنْهُ وَعَنْ أَسْلَافِهِ: اعْلَمْ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا سَوَاءٌ حَلَّ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ، وَلَكِنْ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ يُرَادُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْجِنَايَةِ الْفِعْلُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ، فَإِنَّهُمْ خَصُّوا الْفِعْلَ فِي الْمَالِ بِاسْمٍ وَهُوَ الْغَصْبُ وَالْعُرْفُ غَيْرُهُ فِي سَائِرِ الْأَسَامِي، ثُمَّ الْجِنَايَةُ عَلَى النُّفُوسِ نِهَايَتُهَا مَا يَكُونُ عَمْدًا مَحْضًا، فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ بَعْدَ الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ- تَعَالَى- قَالَ اللَّهُ- تَعَالَى-: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، فَقَدْ جَعَلَ قَتْلَ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ كَتَخْرِيبِ الْعَالَمِ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي وُسْعِ الْبَشَرِ.
وَإِنَّمَا جَعَلَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ فِي الدُّعَاءِ إلَى الدِّينِ وَفِي الْإِعَانَةِ لِكُلِّ مَنْ اسْتَعَانَ بِهِ، فَإِنَّ التَّعَاوُنَ بَيْنَ النَّاسِ ظَاهِرٌ فَاَلَّذِي يَقْتُلُ الْوَاحِدَ يَكُونُ قَاطِعًا لِهَذِهِ الْمَنْفَعَةِ وَأَيَّدَ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ- تَعَالَى- مِنْ قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «سِبَابُ الْمُؤْمِنِ فِسْقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ قِتَالُهُ لِإِيمَانِهِ فَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ الْجِنَايَةِ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَرَى التَّوْبَةَ لِلْقَاتِلِ الْعَمْدِ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِقَبُولِهِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ مَا تَقُولُ فِي مَنْ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَقَالَ جَزَاؤُهُ {جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، فَقَالَ: إلَّا مَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى، فَقَالَ: وَأَنَّى يَكُونُ لَهُ الْهُدَى؟ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «يُؤْتَى بِقَاتِلِ الْعَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ وَالْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَيَقُولُ يَا رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ».
وَلِعَظْمِ الْجِنَايَةِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لَمْ يَرَ عُلَمَاؤُنَا الْكَفَّارَةَ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْوَعِيدَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ لَا يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ وَالذَّنْبُ فِيهِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَرْفَعَهُ الْكَفَّارَةُ وَيَسْتَوِي فِيهِ إنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ لَا يَجِبُ كَالْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا، وَالرَّجُلِ إذَا قَتَلَ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا عَمْدًا.
وَالشَّافِعِيُّ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِاعْتِبَارِ الْقَتْلِ وَلَكِنْ لَا يَقُولُ إنَّ مَا لَحِقَهُ مِنْ الْمَآثِمِ يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ وَكَيْفَ يَقُولُ ذَلِكَ وَالْوَعِيدُ مَنْصُوصٌ- عِنْدَهُ- عَلَيْهِ؟، وَاسْتَدَلَّ لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِالْقَتْلِ بِقَوْلِهِ- تَعَالَى-: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وَالْمُرَادُ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ بِالْقَتْلِ لَا بِصِفَةِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ مُسْقِطٌ وَرُبَّمَا يَقُولُ الْمُرَادُ بِالْخَطَأِ مَا يُضَادُّ الصَّوَابَ، قَالَ اللَّهُ- تَعَالَى-: {إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيرًا} أَيْ ضِدَّ الصَّوَابِ، وَيُقَالُ فُلَانٌ أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةِ كَذَا إذَا لَمْ يُصِبْ وَالْعَمْدُ ضِدُّ الصَّوَابِ فَتَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمِ عَدُوٍّ لَكُمْ} الْآيَةَ، وَإِنَّمَا يَقْتُلُ الْمَرْءُ عَدُوَّهُ عَمْدًا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ، وَفِي حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ: قَالَ «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاحِبٍ لَنَا أَوْجَبَ الْقَتْلَ بِالنَّارِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يَعْتِقُ اللَّهُ- تَعَالَى- بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» وَإِيجَابُ النَّارِ إنَّمَا يَكُونُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَتْلُ آدَمِيٍّ مَضْمُونٍ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ كَالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْكَفَّارَةِ بِالْقِيَاسِ جَائِزٌ وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِالْقِيَاسِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُ وَقِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ مُسْتَقِيمٌ عِنْدَهُ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا صَحِيحٌ عَلَيْنَا نُفَصِّلُ الْخَطَأَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْخَاطِئِ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ بِفِعْلِهِ مِنْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ أَحَدَهُمْ مِمَّنْ كَانَ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَاتِ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ نَفْسٍ مَقَامَهَا وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِحْيَاءِ فَأَلْزَمَهُ الشَّرْعُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّحْرِيرِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ وَالرِّقَّ تَلَفٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى الْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ سَوَاءٌ.
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} فَلِهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ وَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ لَكَانَ الْمَذْكُورُ بَعْضَ جُزْئِهِ فَيَكُونُ فَسْخًا لِهَذَا الْحُكْمِ وَلَا وَجْهَ لِحَمْلِ الْآيَةِ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ جَزَاءُ قَتْلِ الْعَمْدِ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ كَانَ الْمَذْكُورُ جَزَاءً لِرَدِّهِ، وَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} الْخَطَأُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْقَصْدِ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ الْعَمْدَ وَلَا يُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِالْعَمْدِ وَمَتَى قُوبِلَ الْخَطَأُ بِالْعَمْدِ فَالْمُرَادُ مَا يُضَادُّ الْقَصْدَ قَالَ اللَّهُ- تَعَالَى-: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} وَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْخَطَأَ مِنْ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ {إلَّا خَطَأً} وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ التَّحْرِيمِ إبَاحَةٌ، فَلَوْ حُمِلَ هَذَا عَلَى ضِدِّ الصَّوَابِ أَدَّى إلَى أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ الصَّوَابُ هُوَ الْمُحَرَّمُ، وَهَذَا مُحَالٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْخَطَأُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْقَصْدِ، فَإِنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لِكَوْنِهِ رَمَى إلَى قَصْدِ الصَّيْدِ أَوْ الْحَرْبِيِّ لَكِنَّهُ بِاتِّصَالِهِ بِالْمَحَلِّ الْمُحْتَرَمِ يَصِيرُ مُحَرَّمًا وَلَكِنْ لَا يَلْحَقُهُ إثْمُ نَفْسِ الْفِعْلِ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا عَنْهُ كَمَا قَالَ- تَعَالَى-: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ}، وَإِنَّمَا يَلْحَقُهُ بِهِ نَوْعُ مَأْثَمٍ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّحَرُّزِ.
وَالْكَفَّارَةُ تَلْزَمُهُ لِمَحْوِ ذَلِكَ الْإِثْمِ وَالْإِثْمُ فِي حَقِّ قَاتِلِ الْعَمْدِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى تَمْحُوهُ الْكَفَّارَةُ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ- تَعَالَى- ذَكَرَ أَنْوَاعَ قَتْلِ الْخَطَأِ مَا يَكُونُ مِنْهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَكُونُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} أَيْ فِي قَوْمِ عَدُوٍّ لَكُمْ وَمَا يَكُونُ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِقَوْلِهِ: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} وَنَصَّ عَلَى إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ نَوْعٍ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ إذْ لَوْ كَانَ لِلْقِيَاسِ مَدْخَلٌ لَنَصَّ عَلَى الْكَفَّارَةِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْخَطَأِ لِيُقَاسَ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَنْوَاعِ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ وَمِنْ جُمْلَتِهَا قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» وَالْمَشْهُورُ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ: «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَوْجَبَ النَّارَ» فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْقَتْلِ وَلَإِنْ صَحَّ قَوْلُهُ بِالْقَتْلِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِالْحَجَرِ وَالْعَصَا الْكَبِيرِ، ثُمَّ مُرَادُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّطَوُّعُ بِالْإِعْتَاقِ عَنْهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ خَاطَبَ بِهِ غَيْرَ الْقَاتِلِ، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْقَاتِلِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا مَحْظُورٌ مَحْضٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَتَفْسِيرُ الْوَصْفِ أَنَّهُ حَرَامٌ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَسَبَبُهُمَا مَا يَكُونُ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَكَمَا أَنَّ الْمُبَاحَ الْمَحْضَ، وَهُوَ الْقَتْلُ بِحَقٍّ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ فَكَذَلِكَ الْمَحْظُورُ الْمَحْضُ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ الْقَتْلُ الْخَطَأُ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْفِعْلِ مُبَاحٌ وَبِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَهُ مَحْظُورٌ فَكَانَ جَائِزًا وَشِبْهُ الْعَمْدِ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْقَصْدَ التَّأْدِيبُ، وَالتَّأْدِيبُ مُبَاحٌ.
وَالْقَتْلُ بِالْحَجَرِ الْكَبِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ مَحْضٍ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْآلَةَ بِاعْتِبَارِ جِنْسِهَا لَيْسَ بِآلَةِ الْقَتْلِ فَتَتَمَكَّنُ فِيهِ الشُّبْهَةُ وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْهُ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا قَتْلُ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا، فَإِنَّهُ مَحْظُورٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا مَحْظُورٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِانْعِدَامِ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ وَبِهِ لَا تَخْرُجُ الْفِعْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا مَحْضًا، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ يَقْتُلُ الْمُسْتَأْمَنُ عَمْدًا، فَإِنَّ الْفِعْلَ مَحْظُورٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِهِ لِانْعِدَامِ تَمَامِ الْإِحْرَازِ.
ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَنَا مِنْ الْوُجُوهِ الَّذِي بَيَّنَّاهَا، وَكَلَامُهُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ عِنْدَنَا بِطَرِيقِ الشُّكْرِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا عَذَرَهُ بِالْخَطَأِ وَسَلَّمَ لَهُ نَفْسَهُ فَلَمْ يُلْزِمْهُ الْقِصَاصَ مَعَ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ نَفْسًا مَقَامَ نَفْسِهِ شُكْرًا لِلَّهِ- تَعَالَى- وَذَلِكَ فِي أَنْ يُحَرِّرَ شَبَحًا لِيَتَفَرَّغَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ- تَعَالَى- فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ شَغَلَ نَفْسَهُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ فَصَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَبُ فِي حَقِّ الْعَامِدِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَهُ الْقِصَاصَ وَمَا سَلَّمَ لَهُ نَفْسَهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ مَا قُلْتُمْ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ ذِمِّيًّا خَطَأً يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا وَمَا نَقَصَ بِفِعْلِهِ مِنْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمْ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي نَفْسِ الْمَقْتُولِ حُرْمَتَانِ وَالْمَالُ فِي الْخَطَأِ وَجَبَ بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ صَاحِبِ النَّفْسِ فَقَطْ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ حَقِّ اللَّهِ- تَعَالَى-.
فَأَمَّا فِي الْعَمْدِ الْوَاجِبِ هُوَ الْعُقُوبَةُ، وَلَا تَجِبُ الْعُقُوبَةُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْحُرْمَتَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ إنَّمَا يَكُونُ حَرَامًا لِعَيْنِهِ لِمَجْمُوعِ الْحُرْمَتَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْكَفَّارَةِ مَعَ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا.
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ جِنَايَةُ الْقَتْلِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: عَمْدٌ وَخَطَأٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْرَارِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْمَمَالِيكِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الْأَحْرَارِ تَارَةً وَعَلَى الْمَمَالِيكِ تَارَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ عَامَّةً أَحْكَامَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ بَعْضَ مَا لَمْ يَذْكُرْ هُنَاكَ مِنْ الْأَحْكَامِ.
وَفَرَّعَ عَلَى بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأُصُولِ هُنَاكَ فَبَدَأَ الْكِتَابَ بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَعَلَ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ عَلَى سَيِّدِهِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ جَعَلَ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ وَعَنْ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْمَالِ مِنْ جِنَايَتِهِ كَالْخَطَأِ وَالْعَمْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَأَمَّا مَا يَكُون مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ فَعَلَى الْجَانِي خَاصَّةً لَيْسَ عَلَى الْمَوْلَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَالْمُرَادُ بِإِيجَابِ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ لَا بِإِيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَمْلُوكٌ وَالْمُسْتَحَقُّ بِجِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ نَفْسُهُ يَدْفَعُ بِهَا إلَّا أَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ مَنَعَ دَفْعَهُ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَجْنِي، وَلَوْ مَنَعَهُ بِالتَّدْبِيرِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَكَذَلِكَ إنْ مَنَعَهُ بِتَدْبِيرٍ قَبْلَ الْجِنَايَةِ، وَهَذِهِ الْقِيمَةُ فِي مَالِ الْمَوْلَى لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِجِنَايَةِ مَمْلُوكِهِ وَوَصْلَةُ الْمِلْكِ بَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَالْمَالِكِ، وَهَذِهِ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى لَا فِي ذِمَّةِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقِنِّ لَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فَكَذَلِكَ جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ، وَعِنْدَ كَثْرَةِ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَا تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ فَكَذَلِكَ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْجِنَايَةِ مِنْهُ وَيَسْتَوِي جِنَايَتُهُ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا كَانَ الْوَاجِبُ دَفَعَهُ أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ، فَالْقِيمَةُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الدَّفْعِ هُنَاكَ إلَّا أَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْجِنْسَيْنِ مُسْتَقِيمٌ، وَفِي جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَأَوْجَبْنَا الْأَقَلَّ لِهَذَا.
فَإِنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مَا تَعَلَّقَتْ بِنَفْسِهِ، وَلَا بِذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا أُوجِبَتْ الْقِيمَةُ دَيْنًا عَلَى الْمَوْلَى فَبَقَاءُ الْمُدَبَّرِ وَمَوْتُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَعَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إثْبَاتُ مَا يَدَّعِيهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي قِيمَتِهِ وَقْتَ جِنَايَتِهِ، وَهُوَ حَيٌّ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَقَالَ الْمَوْلَى لَمْ تَزَلْ هَذِهِ قِيمَتُهُ مُنْذُ جَنَى وَقَالَ الْمَوْلَى كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ، وَلَا يُعْلَمُ مَتَى كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَمْ يُصَدَّقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَأَخَذَ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَا وَجَدَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ الْيَوْمِ فِي وَقْتٍ لَا يَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ تَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْحَالِ إضَافَةً لِلْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَلَوْ عَلِمَ وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَعَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ سَابِقَةً فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ يُحْكَمُ بِقِيمَتِهِ فِي الْحَالِ، وَلَا يُصَدَّقُ الْمَوْلَى فِي النُّقْصَانِ، وَلَا فِي قِيمَتِهِ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إذَا أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَبْلَ الْيَوْمِ فِي وَقْتٍ لَا يَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ قِيمَتَهُ لِلْحَالِ مَعْلُومٌ، وَفِيمَا مَضَى مُسَبِّبُهُ فَيُرَدُّ الْمُسَبِّبُ إلَى الْمَعْلُومِ وَيُجْعَلُ فِي الْحَالِ شَاهِدًا عَلَى مَا مَضَى بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ شَهِدَ لَهُ الظَّاهِرُ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الْمَاءِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي انْقِطَاعِ الْمَاءِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ يُحَكَّمُ الْحَالُ فِيهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَجَّلَ الدَّفْعَ كَانَ مَدْفُوعًا بِالْجِنَايَةِ فِي الْحَالِ فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَجَّلَ الدَّفْعَ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ قِيمَتَهُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ كَانَتْ دُونَ هَذَا.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ جِنَايَتَهُ لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنَّمَا يَقُومُ فِي الْحَالِ لِيَتَبَيَّنَ بِهِ حُكْمَ مُتَعَلِّقٍ بِرَقَبَتِهِ وَلَكِنْ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ قِيمَتُهُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَقِيمَتُهُ فِي الْحَالِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْجِنَايَةِ إذْ الْقِيمَةُ تَزْدَادُ تَارَةً وَتَنْقُصُ الْأُخْرَى، فَإِنْ بَقِيَ بَيْنَهُمْ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ فَالْمَوْلَى يَدَّعِي الزِّيَادَةَ فِيمَا هُوَ دَيْنٌ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ ذَلِكَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ فِي الدَّعَاوَى الْجِنَايَةُ عَلَى طَرَفِ الْعَبْدِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الزِّيَادَاتِ فَزَادَ هَاهُنَا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ كَثِيرِ الْقِيمَةِ فَصَالَحَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ، فَإِنَى أَرُدُّ مِنْ الصُّلْحِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُزَادُ بَدَلُ يَدِ الْعَبْدِ عَلَى خَمْسَةِ آلَافِ إلَّا خَمْسَةً وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ لَمَّا تَعَذَّرَ بَدَلُ نَفْسِهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْقُصَ بَدَلُ طَرَفِهِ عَنْ بَدَلِ نَفْسِهِ، وَلَا نَصَّ فِي مِقْدَارِ هَذَا النُّقْصَانِ فَقَدَّرَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ اعْتِبَارًا لِلْآدَمِيِّ.
وَمُحَمَّدٌ جَعَلَ بَدَلَ طَرَفِهِ النِّصْفَ مِنْ بَدَلِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْحُرِّ وَسِوَى هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي بَدَلِ طَرَفِ الْمَمْلُوكِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ فَقَطْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَدَلُ طَرَفِ الْمَمْلُوكِ يَتَقَدَّرُ بِنِصْفِ بَدَلِ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الدِّيَةَ إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَمَّ جَمِيعَ الْأَطْرَافِ فِي ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتَثْنَى الْأُذُنَ وَالشَّعْرَ كَالْحَاجِبِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالَ: أَسْتَقْبِحُ اعْتِبَارَ الْمَمْلُوكِ بِالْحُرِّ فِي هَذَا وَأَوْجَبَ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ طَرَفَ الْمُلُوكِ فِي حُكْمِ الْمَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُجْرَى فِيهِ الْقِصَاصُ بِحَالٍ وَيَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ فِي أَنَّهَا تُوجِبُ نُقْصَانَ الْمَالِيَّةِ بَدَلًا مُقَدَّرًا.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ، الْمَمْلُوكُ وَالْحُرُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَكَمَا أَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ عَلَى طَرَفِ الْحُرِّ نِصْفُ بَدَلِ نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَى طَرَفِ الْعَبْدِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْبَدَلَ الْمُقَدَّرَ فِي الْحُرِّ تَارَةً يَجِبُ لِتَفْوِيتِ الزِّينَةِ وَتَارَةً يَجِبُ لِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ وَمَعْنَى الزِّينَةِ فِي الْمَمْلُوكِ غَيْرُ الْمَطْلُوبِ، وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ الْمَنْفَعَةُ فَفِي كُلِّ طَرَفٍ يَجِبُ بَدَلُهُ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ كَانَ الْعَبْدُ فِيهِ كَالْحُرِّ، وَفِي كُلِّ مَا يَجِبُ فِي الْحُرِّ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ الزِّينَةِ وَالْجَمَالُ كَالشَّعْرِ، وَقَطْعُ الْأُذُنِ الْمَمْلُوكُ فِيهِ لَا يَلْحَقُ بِالْحُرِّ وَلَكِنْ يَلْحَقُ بِالْمَالِ فَيَجِبُ النُّقْصَانُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ يُشْبِهُ الْحُرَّ مِنْ وَجْهٍ وَالْمَالَ مِنْ وَجْهٍ وَالسَّبِيلُ فِيمَا يُرَدَّدُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ أَنْ يُوَفَّرَ عَلَيْهِ حَظَّهُمَا.
وَإِذَا حَفَرَ الْمُدَبَّرُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَمَاتَ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْحَفْرِ السَّابِقِ جَانٍ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ بِطَرِيقِ التَّسَبُّبِ، فَإِنْ دَفَعَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ إلَى وَلِيِّهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَوَهَبَ الْوَلِيُّ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا آخَرُ قَالَ يَدْفَعُ الْوَلِيُّ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِهِ كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِيمَةَ الْمَقْبُوضَةَ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَهِبَةُ الْمَوْلَى النِّصْفَ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً دُونَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ كُلِّهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ وَلِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا كَالْقَائِمِ مِنْ الْقِيمَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَهَبَ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْلَى وَبَيْنَ أَنْ يَهَبَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَمَا اسْتَهْلَكَهُ كَالْقَائِمِ فِي يَدِهِ حُكْمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ قِيمَتِهِ إلَى شَرِيكِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا ثَالِثٌ، وَقَدْ غَرِمَ الْوَاهِبُ نِصْفَ الْقِيمَةَ لِلثَّانِي بِأَمْرِ الْقَاضِي فَعَلَى الْوَاهِبِ لِوَلِيِّ الثَّالِثِ سُدُسُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِيمَةَ الْوَاجِبَةَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَأَنَّ حَقَّ الثَّالِثِ فِي ثُلُثِ الْقِيمَةِ إلَّا أَنَّ نِصْفَ ذَلِكَ فِي النِّصْفِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ الثَّانِي، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الثَّانِي وَيَأْخُذُ مِنْهُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ وَنِصْفَ حَقِّهِ، وَهُوَ سُدُسُ الْقِيمَةِ كَانَ فِي النِّصْفِ الَّذِي وَهَبَهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مُسْتَهْلِكٌ لِذَلِكَ فَلِهَذَا يَغْرَمُ لَهُ سُدُسَ الْقِيمَةِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ الْمَوْهُوبُ بِتَمَلُّكٍ صَحِيحٍ مِنْ الْوَاهِبِ، وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ.
وَإِنْ حَفَرَ الْمُدَبَّرُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَمَاتَ، ثُمَّ كَاتَبَ الْمَوْلَى الْمُدَبَّرَ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ جَانِيًا بِالْحَفْرِ السَّابِقِ، وَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ الْجِنَايَةُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ أَوْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَعَتَقَ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْتَقِ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَعَلَى هَذَا يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْحَفْرِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا بِذَلِكَ الْحَفْرِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ عِنْدَ الْوُقُوعِ قَدْ يَكُونُ الْمُدَبَّرُ مَيِّتًا، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْجِنَايَةُ مِنْ الْمَيِّتِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الْحَفْرِ، ثُمَّ وَقَعَ الْمَوْلَى فِي الْبِئْرِ فَمَاتَ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا بِالْحَفْرِ، وَهُوَ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى عِنْدَ ذَلِكَ وَجِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ هَدَرٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِيهَا عَبْدٌ لِلْمَوْلَى عِنْدَ ذَلِكَ وَالْمَوْلَى وَارِثَهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ لَا يَرِثُهُ إلَّا الْمَوْلَى فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ كَانَ مُوجَبًا لِلْمَوْلَى عَلَى نَفْسِهِ إلَّا الْمُكَاتَبَ، فَإِنَّ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ يَوْمَ وَقَعَ فِيهَا وَمِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ يَوْمَ حَفَرَ الْبِئْرَ يُؤَدَّى مِنْ ذَلِكَ مُكَاتَبَتُهُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا تَرَكَ وَفَاءً فَهُوَ فِي حُكْمِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الْمَوْلَى فَتُعْتَبَرُ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ فِي إيجَابِ الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَمِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ يَوْمَ حَفَرَ لِيُؤَدِّيَ مِنْهُ الْمُكَاتَبَةَ فَتَحْصُلُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ، ثُمَّ مَا بَقِيَ مِيرَاثٌ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَدٌ حُرٌّ فَهُوَ مِيرَاثٌ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمَوْلَى بِالْوَلَاءِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ حَفَرَ الْمُدَبَّرُ الْبِئْرَ قَبْلَ أَنْ يُكَاتِبَ الْمَوْلَى هَذَا الْعَبْدَ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ فِيمَا اتَّصَلَتْ بِهِ حِينَ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِيهَا ابْنَ الْمَوْلَى وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَهُوَ ضَامِنٌ حِصَّةَ مَنْ يَرِثُ مَعَهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَيَسْقُطُ حِصَّتُهُ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ آخَرَ وَاجِبٍ لِلِابْنِ عَلَى الْأَبِ، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَدِّي حِصَّةَ الِابْنِ إلَّا آخَرَ.
وَلَوْ حَفَرَ الْمُدَبَّرُ الْبِئْرَ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى، ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ فَمَاتَ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ فِي مَالِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَفْرَ كَانَ جِنَايَةً مِنْهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى وَكَانَ مُوجِبُهُ الْقِيمَةَ عَلَى الْمَوْلَى إذَا اتَّصَلَ الْوُقُوعُ بِهِ فَيَكُونُ هَذَا نَظِيرَ مَا لَوْ حَفَرَ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ قِيمَةَ الدَّابَّةِ تَكُونُ فِي تَرِكَةِ الْمَوْلَى فِيهَا هُنَا قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمَوْلَى شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَى وَرَثَتِهِ، وَلَا عَلَى الْمُعْتَقِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مُوجِبَ هَذِهِ الْجِنَايَةِ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَلَيْسَ عَلَى الْوَارِثِ قَضَاءُ دَيْنِ الْمُورِثِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى الْمُعْتَقِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْمُعْتِقِ.
مُدَبَّرٌ قَتَلَ دَابَّةَ رَجُلٍ وَأَحْرَقَ ثَوْبَ آخَرَ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْمَالِ تُوجِبُ الضَّمَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ يُقْضَى مِنْ كَسْبِهِ وَسِعَايَتِهِ وَلَكِنْ يَصِيرُ بِهَذَا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَتَّى لَا يَنْفُذَ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ؛ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ مِنْهُ يَتَعَمَّدُ الرِّضَا لَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً وَلَمْ يُوجَدْ وَحَالُهُ هَاهُنَا كَحَالِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ دَيْنٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مَأْذُونًا وَلَكِنَّهُ لَوْ اكْتَسَبَ كَسْبًا أَوْ وُهِبَتْ لَهُ هِبَةٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ مَصْرُوفٌ إلَى دَيْنِهِ، فَإِنْ قَضَى بِهِ دَيْنَ أَحَدِهِمَا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى لَهُمَا مُوجِبًا الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ، فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّهُمَا بِكَسْبِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَخْصِيصَ أَحَدِهِمَا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَإِبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَخُصُّ بَعْضَ غُرَمَائِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ وَهُنَاكَ حَقُّ الْبَاقِينَ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ مَعَهُ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنْ ثُلُثِهِ، ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ قَتَلَ سَيِّدَهُ خَطَأً فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إحْدَاهُمَا: رَدُّ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ.
وَالْأُخْرَى لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى فِي قِيمَةِ عَبْدِهِ مُكَاتَبٌ وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَوْلَاهُ خَطَأٌ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ كَذَلِكَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى عِنْدَهُمَا حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَجِنَايَتُهُ خَطَأً تَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا جَرَحَ مَوْلَاهُ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى صَاحِبَ فِرَاشٍ سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى يَجِيءُ وَيَذْهَبُ فَالْعَبْدُ حُرٌّ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ مَرِيضٌ وَالْإِعْتَاقُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ، وَإِذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ لَا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ رَجُلًا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً وَأَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ، وَهُوَ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ جَازَ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ لَمْ يَجُزْ وَحَصَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ لِلْقَاتِلِ.
وَلَوْ أَنَّ مُدَبَّرَةً قَتَلَتْ مَوْلَاهَا خَطَأً وَهِيَ حُبْلَى، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى وَلَدِهَا فِي شَيْءٍ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهَا لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ فَكَانَتْ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُكَاتَبَةُ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَالْوَلَدُ يَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهَا وَيُعْتَقُ بِعِتْقِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَعِنْدَهُمَا هِيَ حُرَّةٌ وَالْوَلَدُ يَنْفَصِلُ عَنْهَا حُرًّا، وَلَوْ جَرَحَتْ مَوْلَاهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهَا لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَيَعْتِقُ الْوَلَدُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ انْفَصَلَ عَنْهَا وَهِيَ مُدَبَّرَةٌ، فَإِنَّ الْمَوْلَى حَيٌّ حِينَ وَلَدَتْ وَهِيَ إنَّمَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى.
وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدْبِرٌ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَلَدِ مَا يَحْرِمُهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ فَكَانَ هَذَا مِنْ الثُّلُثِ.
مُدَبَّرٌ تَاجِرٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَةِ رَقَبَتِهِ لِغُرَمَائِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ أَمَّا وُجُوبُ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ فِي قِيمَةِ رَقَبَتِهِ فَلِرَدِّ الْوَصِيَّةِ حِينَ قَتَلَ مَوْلَاهُ، ثُمَّ غُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِهَذِهِ الْقِيمَةِ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ ضَامِنًا لَهُمْ شَيْئًا، فَإِنَّ حَقَّهُمْ كَانَ فِي كَسْبِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَعْتَقَهُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَغْرَمْ لَهُمْ شَيْئًا فَكَذَلِكَ إذَا أُعْتِقَ بِمَوْتِهِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْقِيمَةَ بَدَلُ مَالِيَّتِهِ وَغُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِمُكَاتَبَتِهِ مِنْ مَوْلَاهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ فِي حَيَاةِ مَوْلَاهُ كَانَتْ قِيمَتُهُ لِغُرَمَائِهِ دُونَ مَوْلَاهُ، وَأَمَّا وُجُوبُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَلِأَنَّ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا بِمُعَامَلَتِهِ فَبَقِيَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى عَلَى حَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَبْدًا مَأْذُونًا عَلَيْهِ دَيْنٌ جَرَحَ مَوْلَاهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى، وَهُوَ صَاحِبُ فِرَاشٍ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ جِرَاحِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ، وَهُوَ مَرِيضٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ، وَهُوَ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ، فَإِنْ كَانَ تَرَكَ مَالًا فَغُرَمَاءُ الْعَبْدِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا أَخَذُوا قِيمَةَ الْعَبْدِ مِنْ تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ بِالْإِعْتَاقِ وَيَأْخُذُونَ قِيمَتَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَيَتْبَعُونَ الْعَبْدَ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِمْ، وَإِنْ شَاءُوا بَاعُوا الْعَبْدَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ لَكِنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ بِمُعَامَلَتِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِوَرَثَةِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ.
مُدَبَّرٌ ضَرَبَ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا أَجْنَبِيًّا خَطَأً بُدِئَ بِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ إلَّا إنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مَاتَ قَبْلَ الْمَوْلَى فَلِوَرَثَةِ الْأَجْنَبِيِّ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ فِي مَالِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لَهُ، وَهُوَ مُدَبَّرٌ فَيَجِبُ قِيمَتُهُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَيَسْتَوْفِي مَنْ تَرِكَتَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي قِيمَتِهِ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لِمَوْلَاهُ فَصَارَ مَحْرُومًا مِنْ الْوَصِيَّةِ فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ إنَّمَا صَارَ قَاتِلًا لِلْأَجْنَبِيِّ بِالضَّرْبَةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ مِنْهُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى فَيَكُونُ مُوجِبُهَا الْقِيمَةُ عَلَى الْمَوْلَى.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مُدَبَّرًا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي مَالِ الْمَوْلَى، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُمَا مَاتَا أَوْ لَا، لَا إنْ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ كَانَتْ دَيْنًا لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى وَمَا يَسْعَى فِيهِ الْمُدَبَّرُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَحَقُّ غُرَمَائِهِ فِي مِلْكِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ.
وَإِنْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ مُدَبَّرَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَبَّرٌ فَقَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَ صَاحِبِهِ فَيَرِثَا جَمِيعًا، فَإِنَّ سَيِّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ مُدَبَّرِ صَاحِبِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَيْهِ مُدَبَّرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ مُدَبَّرِهِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيمَةَ مُدَبَّرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ مُدَبَّرِ صَاحِبِهِ أَقَلَّ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَارَ قَاتِلًا لِصَاحِبِهِ بِفِعْلٍ كَانَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ فَمَوْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَى، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَعَلَى مَوْلَى الْبَاقِي الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ مُدَبَّرِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَعَلَى مَوْلَى الْمَقْتُولِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْمَيِّتِ وَمِنْ نِصْفِ قِيمَةِ الْحَيِّ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ هَذَا الْمِقْدَارُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مَوْلَاهُمَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ مُدَبَّرِهِ، وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ إلَى يَوْمِ أَعْتَقَ الْآخَرَ سَيِّدُهُ، وَلَا يَضْمَنُ الْفَضْلَ الَّذِي حَدَثَ فِي الْجِنَايَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْبُرْءِ فِي انْقِطَاعِ السِّرَايَةِ بِهِ لِمَعْنًى يُبْدِلُ الْمُسْتَحَقَّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الدِّيَاتِ.
مُدَبَّرٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَثْلَاثًا جَنَى جِنَايَةً فَعَلَيْهِمَا قِيمَتُهُ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَى لِمَنْعِهِ دَفْعَ الرَّقَبَةِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فَيَلْزَمُهُ مِنْ الْقِيمَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَبَّرَ نَصِيبَهُ مِنْهُ وَاخْتَارَ الْآخَرُ تَرْكَهُ عَلَى حَالِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ إلَّا أَنَّ الْآخَرَ لَا يُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ مُدَبَّرَ الْبَعْضِ لَا يَتَحَمَّلُ التَّمْلِيكَ كَمُعْتَقِ الْبَعْضِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ دَفْعُ نَصِيبِهِ كَمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ.
مُدَبَّرٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا جِنَايَةٌ فَعَلَى الْآخَرِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ نَصِيبُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَمَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْمَالِ عَلَيْهِ هَدَرٌ وَجِنَايَةُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ مُعْتَبَرُهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحَلَّ الدَّفْعِ كَانَ يُخَاطَبُ صَاحِبُهُ بِدَفْعِ نَصِيبِهِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ يُخَاطَبُ بِدَفْعِ نِصْفِ الْقِيمَةِ إلَيْهِ إذَا كَانَ نَصِيبُهُ مُدَبَّرًا، فَإِنْ أَعْطَى ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي، ثُمَّ جَنَى الْمُدَبَّرُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَعَلَى الْمَوْلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ لِلْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى لَمْ تَثْبُتْ فِي نَصِيبِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ نَصِيبِهِ إلَّا هَذِهِ الْجِنَايَةَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَيَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لَهُ فَيَكُونُ النِّصْفُ الْبَاقِي فِيمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ صَاحِبِهِ يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى مِقْدَارِ أَنْصَافِ جِنَايَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ جِنَايَتَانِ وَالْمَوْلَى لَا يَغْرَمُ بِجِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ، وَإِنْ كَثُرَتْ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ غَرِمَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَرَّةً فَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا آخَرَ وَلَكِنْ مَا غَرِمَ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ نِصْفَ حَقِّهِ، فَإِنَّ مَا بَقِيَ نِصْفَ حَقِّهِ وَالْمَوْلَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَا تَثْبُتُ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفَهُ فَكَانَ هَذَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَإِنْ جَنَى الْمُدَبَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ جِنَايَةً مَالِيَّةً لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَيَيْنِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ شَيْءٌ آخَرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَرِمَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مَرَّةً وَلَكِنَّ الْآخَرَ يَتْبَعُ الْمَوْلَى الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ فَيَكُونُ مَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى وَالْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذَا الْآخَرِ يَضْرِبُ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنِصْفِ حَقِّهِ وَيَكُونُ مَا أَخَذَ الْأَوَّلُ أَيْضًا مِنْ الْمَوْلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْآخَرِ يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ بِنِصْفِ الْجِنَايَةِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى بَعْدَ ذَلِكَ جِنَايَةً أُخْرَى فَهُوَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّا يَعُمُّ الْفُصُولَ كُلَّهَا.
وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ عَلَى أَحَدِ مَوْلَيَيْهِ جِنَايَةً تَزِيدُ عَلَى قِيمَتِهِ فَغَرِمَ شَرِيكُهُ لَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي، ثُمَّ جَنَى الْمُدَبَّرُ عَلَى الْآخَرِ فَغَرِمَ شَرِيكُهُ لَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي، ثُمَّ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ جِنَايَةً، فَإِنَّهُ يَضْرِبُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ فِيمَا فِي يَدِهِ بِنِصْفِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ غَرِمَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ مَرَّةً فَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا آخَرَ، ثُمَّ حَقُّ الْآخَرِ اسْتَوَى بِحَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ فِي النِّصْفِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ يَقْسِمُ كُلُّ نِصْفٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ فِي يَدِهِ نِصْفَانِ.
رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ مُدَبَّرًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَجَنَى الْمُدَبَّرُ جِنَايَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَيَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَ ثُلُثُهُ بِالتَّدْبِيرِ وَلَزِمَهُ السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَالْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ تُوجِبُ عَلَيْهِ فِي كَسْبِهِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَجِنَايَتُهُ تَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَاقِلَتُهُ عَاقِلَةُ مَوْلَاهُ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حُكْمُهُ فِي الْجِنَايَةِ كَحُكْمِ الْمُكَاتَبِ حَتَّى إذَا جَنَى جِنَايَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي قَضَى عَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى فَحِينَئِذٍ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِلثَّانِي.
وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الدِّيَاتِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ هَاهُنَا، فَإِنَّ فِي الْمُكَاتَبِ جَعَلْنَا جِنَايَتَهُ فِي رَقَبَتِهِ لِتَوَهُّمِ دَفْعِهِ بِالْجِنَايَةِ بَعْدَ الْعَجْزِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي مُعْتِقِ الْبَعْضِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ الْقِيمَةَ فِي ذِمَّتِهِ ابْتِدَاءً سَوَاءً قَضَى بِهَا الْقَاضِي أَوْ لَمْ يَقْضِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الدَّفْعُ هَاهُنَا مُتَوَهَّمٌ أَيْضًا، فَإِنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ مُعْتِقُ الْبَعْضِ يُسْتَدَامُ فِيهِ الرِّقُّ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ وَيَكُونُ مُحْتَمِلًا لِلتَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكُ، فَإِنْ اجْتَهَدَ الْقَاضِي هَذَا الْقَوْلَ حَكَمَ بِهِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ بَعْدَ حُكْمِهِ فَلِهَذَا تَتَعَلَّقُ جِنَايَتُهُ بِرَقَبَتِهِ كَمَا تَتَعَلَّقُ بِجِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ إلَّا أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي فَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْمُدَبَّرَ لَوْ مَاتَ بَعْدَ جِنَايَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنَّ مَا تَرَكَهُ بَيْنَ أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ وَأَصْحَابِ الدَّيْنِ الَّذِينَ لَهُمْ عَلَيْهِ بِالْحِصَصِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ حَتَّى مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مُقَدَّمًا عَلَى صَاحِبِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ وَيَبْطُلُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَكَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَقْوَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هُنَا، فَإِنَّ بِمَوْتِهِ لَا يَنْفَسِخُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلسِّعَايَةِ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَتَحَوَّلُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إلَى الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ النَّاسِ عَنْ الدَّفْعِ سَوَاءٌ كَانَ قَضَى الْقَاضِي بِالدَّفْعِ أَوْ لَمْ يَقْضِ فَلِهَذَا كَانَ مُسَاوِيًا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ.
وَلَوْ تَرَكَ وَلَدًا لَهُ مِنْ ابْنِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا يَسْعَى الْوَلَدُ فِيمَا عَلَى أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَدَ هُنَاكَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ يَسْعَى فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَفِيمَا كَانَ عَلَى ابْنِهِ لِأَصْحَابِ الدَّيْنِ وَالْجِنَايَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَبَّرُ قَدْ سَعَى فِيمَا قَدْ كَانَ لِلْوَرَثَةِ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَةِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَفِيمَا عَلَى أَبِيهِ لِأَصْحَابِ الدَّيْنِ وَالْجِنَايَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَبَّرُ قَدْ سَعَى فِيمَا قَدْ كَانَ لِلْوَرَثَةِ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ لَمْ يَسْعَ الِابْنُ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْأَبَ عَتَقَ بِأَدَاءِ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَالْوَلَدُ عَتَقَ بِعِتْقِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِتَنْفِيذِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، فَإِذَا عَتَقَ بِالْأَوَّلِ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يُطَالَبْ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِ أَبِيهِ كَمَا لَا يُطَالَبُ بِهِ سَائِرُ وَرَثَةِ أَبِيهِ.
رَجُلٌ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً بَعْدَ مَوْتِهِ قَالَ يَدْفَعُهُ إلَى الْوَرَثَةِ وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ أَوْ يَفْدُونَهُ مُتَطَوِّعِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَعْتِقُونَهُ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ لَا تَصِيرُ مُنَفَّذَةً بِدُونِ التَّنْفِيذِ فَجَنَى بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَ كَانَ هُوَ بِمَحَلِّ الدَّفْعِ، وَهُوَ مُبْقًى عَلَى مَحَلِّ مِلْكِ الْمَوْلَى فَيُخَاطَبُ مَنْ يَخْلُفُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ، وَإِذَا دَفَعَهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا، فَإِذَا اخْتَارَ فِدَاهُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِالْفِدَاءِ عَنْهُ، وَإِذَا ظَهَرَ عَنْ الْجِنَايَةِ يُعْتَقُ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا كَانَ يُعْتَقُ قَبْلَ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ وَفَدَوْهُ أُعْتِقَ وَاسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ إنَّمَا تَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِهِ وَجِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ الذِّمِّيِّ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَةِ مُدَبَّرِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ دَفْعَ الرَّقَبَةِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ كَالْمُسْلِمِ، فَإِنَّ الذِّمِّيَّ مُلْزَمٌ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ مُدَبَّرَهُ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَسَوَاءٌ مَا جَنَى قَبْلَ إسْلَامِهِ وَمَا جَنَى بَعْدَ إسْلَامِهِ مَا لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ لِمَوْلَاهُ الذِّمِّيِّ مِنْ أَجْلِ إسْلَامِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِسْلَامِ لَا يَضُرُّ مَا لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَوْلَاهُ لَوْ أَسْلَمَ بَقِيَ مُدَبَّرًا لَهُ عَلَى حَالِهِ فَيَكُونُ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَى مَوْلَاهُ، فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ فِي قِيمَتِهِ، ثُمَّ جَنَى كَانَ عَلَيْهِ فِي كَسْبِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَوْلَاهُ لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ هَذَا بَقِيَ هُوَ فِي حُكْمِ الْمُكَاتَبِ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ إلَّا أَنْ يَعْجَزَ عَنْهَا فَيَكُونُ هُوَ فِي جِنَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى لِيُعْتِقَ بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ.
وَأَمَّا مُدَبَّرُ الْعَبْدِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ، فَإِنْ كَانَ دَبَّرَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ جَنَى الْعَبْدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قِيلَ لِلْحَرْبِيِّ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَاطِلٌ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ عِتْقُهُ بَاطِلًا، وَإِذَا أَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ فَكَذَا إذَا دَبَّرَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
وَإِنْ كَانَ بِمَحَلِّ التَّبَعِ يُخَاطَبُ مَوْلَاهُ فِي جِنَايَتِهِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ دَبَّرَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مُدَبَّرِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ صَحِيحٌ كَإِعْتَاقِهِ فَيَتَعَذَّرُ بِهِ دَفْعُ الرَّقَبَةِ وَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ بِجِنَايَتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَإِنْ دَبَّرَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ لَحِقَ الْحَرْبِيُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالْعَبْدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ مِنْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ الْقِيمَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ مَوْلَاهُ وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْحَرْبِيِّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمُدَبَّرِهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْحَرْبِيُّ بِأَمَانٍ أَوْ مُسْلِمًا أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُ دَارِهِ أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ كَمَا يُؤْخَذُ بِسَائِرِ الدُّيُونِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ سُبِيَ الْحَرْبِيُّ فَالْمُدَبَّرُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ تَبَدَّلَتْ بِالسَّبْيِ مِنْ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ إلَى صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَذَلِكَ كَمَوْتِهِ حُكْمًا فَيُعْتَقُ بِهِ مُدَبَّرُهُ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ وَالرِّقَّ تَلَفٌ وَلِأَنَّهُ بِالرِّقِّ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ فَلَا يَبْقَى الْمُدَبَّرُ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَا يَتَحَمَّلُ النَّقْلَ إلَى غَيْرِهِ فَيُعْتَقُ لِهَذَا وَالْجِنَايَةُ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ وَالْحَرْبِيُّ إذَا سُبِيَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَبْطُلُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْمَأْذُونِ.
وَإِنْ قُتِلَ الْمَوْلَى وَلَمْ يُسْبَ أَوْ مَاتَ فَالْمُدَبَّرُ حُرٌّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا لِوَرَثَةِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ فِي هَذَا الْمُدَبَّرِ، وَلَا حُرْمَةَ لِحَقِّ وَرَثَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَبَّرِ السِّعَايَةُ لِحَقِّهِمْ وَلَكِنَّهُ مُدَبَّرٌ مَاتَ مَوْلَاهُ لَا وَارِثَ لَهُ فَيُعْتَقُ كُلُّهُ مِنْ غَيْرِ سِعَايَةٍ.
وَإِذَا فَقَأَ الْحُرُّ عَيْنَ مُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ نُقْصَانُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إيجَابَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ عَلَى الْجَانِي غَيْرُ مُمْكِنٍ هَاهُنَا، فَإِنَّ شَرْطَ وُجُوبِ جَمِيعِ قِيمَةِ الدِّيَةِ دَفْعُ الْجُثَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قِنًّا فَغَرِمَ الْجَانِي جَمِيعَ الْقِيمَةِ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ سَلِمَتْ لَهُ الْجُثَّةُ وَاِتِّخَاذُ هَذَا الشَّرْطِ مُتَعَذِّرٌ فِي هَؤُلَاءِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ نُقْصَانَ الْمَالِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ جَنَى عَلَى الْمَمْلُوكِ جِنَايَةً لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ نُقْصَانٌ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِعَبْدٍ بِأَنْ فَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً، فَإِذَا أَخَذَهَا الْمَوْلَى دَفَعَ إلَيْهِ الْجُثَّةَ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ عَلَيْهِ دَفْعُ الْجُثَّةِ إلَى الْجَانِي وَلَكِنْ يَأْخُذُ مِنْهُ الْقِيمَةَ وَيُسَلِّمُ لَهُ الْجُثَّةَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنْ الْفَائِتِ خَاصَّةً، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْمَمَالِيكِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ وَلِهَذَا يُقَدَّرُ بَدَلُ طَرَفِهِ بِكَمَالِ بَدَلِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْحَرِيمِ الْوَاجِبِ فِي حَقِّ الْحُرِّ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْفَائِتِ دُونَ الْقَائِمِ فَكَذَلِكَ مِنْهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ.
وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ مُسْتَقِيمٌ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ طَرَفَ الْعَبْدِ مَضْمُونًا بِالْقِصَاصِ بِطَرَفِ الْحُرِّ، وَلَا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ إحْدَى الْيَدَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ يَغْرَمُ نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَلَا يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا مِنْ الْجُثَّةِ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ بَدَلًا عَنْ الْفَائِتِ خَاصَّةً فَكَذَلِكَ إذَا قَطَعَ الْيَدَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْكُلِّ بِالْبَعْضِ وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ يُوفِرُ عَلَى الْمَوْلَى كَمَالَ بَدَلِ مِلْكِهِ وَمِلْكُهُ مُحْتَمَلٌ لِلنَّقْلِ فَلَا يُحْتَمَلُ لِلْبَدَلِ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى مِلْكِهِ كَالْغَاصِبِ إذَا أَخَذَ مِنْهُ الْمَغْصُوبُ الْقِيمَةَ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عِنْدَنَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ جَبْرًا لِلْفَائِتِ فَمَعَ بَقَاءِ أَصْلِ مِلْكِهِ فِي الْعَيْنِ لَا يَمْلِكُ إيجَابَ الضَّمَانِ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ، ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هَاهُنَا بَدَلٌ عَنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يُقَدَّرُ بِمَالِيَّةِ الْعَبْدِ وَأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا حَقِيقَةً كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ الْقِيمَةِ بَدَلًا عَنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا صَارَ مُسْتَهْلَكًا حُكْمًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ بَدَلٌ عَنْ الْكُلِّ فَيَمْلِكُ بِهِ مَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ دُونَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ، وَالْجُثَّةُ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً حُكْمًا فَهِيَ مَحَلُّ التَّمْلِيكِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةٌ حَقِيقَةً، فَأَمَّا فِي الْحُرِّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابِلَةِ الْجُثَّةِ إذْ لَا قِيمَةَ لَلْحَرْبِيِّ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْقِيمَةِ بِمُقَابَلَةِ الْجُثَّةِ إنَّمَا يُجْعَلُ لِيُتَمَلَّكَ وَالْحُرُّ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فَلَوْ جَعَلْنَا الدِّيَةَ بِمُقَابَلَةِ الْجُثَّةِ إنَّمَا يُجْعَلُ لِيُتَمَكَّنَ مِنْ إتْلَافِهِ الْجُثَّةَ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ.
فَأَمَّا إذَا قُطِعَ إحْدَى الْيَدَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ فَهُنَاكَ الْجُثَّةُ قَائِمَةً حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِبَقَاءِ مَنْفَعَتِهَا فَيُجْعَلُ الْوَاجِبُ بِمُقَابِلَةِ الْمُتْلَفِ خَاصَّةً، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ مَالِيَّةِ الْمُعْتِقِ وَالْفَائِتُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ فَيُمْكِنُ جَعْلَ الْجُزْءِ بِمُقَابِلَةِ الْجُزْءِ وَهَا هُنَا الْوَاجِبُ جَمِيعُ مَالِيَّةِ الْعَيْنِ وَالْفَائِتُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَجَمِيعُ الْمَالِيَّةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ بِمُقَابِلَةِ الْجُزْءِ فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْقِيمَةَ بِمُقَابِلَةِ الْكُلِّ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ إذَا غَرِمَ نِصْفَ الْقِيمَةِ بِقَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ، فَأَمَّا إنْ مَلَكَ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ جَانِبِ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ وَلِحَيَوَانٍ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَوْ نِصْفًا شَائِعًا مِنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ، وَقَدْ فَاتَ النِّصْفُ وَمُلِكَ نِصْفٌ فَمَا بَقِيَ فَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ بِضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ، فَأَمَّا هَاهُنَا الْوَاجِبُ جَمِيعُ مَالِيَّةِ الْعَيْنِ، وَلَا يُسَلَّمُ لَهُ إلَّا جَمِيعُ مَالِيَّةِ الْعَيْنِ تَمْلِيكًا وَإِتْلَافًا، فَإِنْ أَبَى الْمَوْلَى أَنْ يَدْفَعَ الْجُثَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ عَلَى الْجَانِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ.
وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا الْخِيَارُ ثَبَتَ لِلْمَوْلَى بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ الْجُثَّةَ وَيَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَبَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْخِيَارُ لِلْجَانِي بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْجُثَّةَ وَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ وَبَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ النُّقْصَانَ وَلَا يَأْخُذَ الْجُثَّةَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فَالْخِيَارُ فِي مِقْدَارِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الضَّمَانِ إلَيْهِ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ.
وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ الْقِصَاصُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ بِحَالٍ، وَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَتَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ، وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمَالِكِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ خَرَقَ ثَوْبَ إنْسَانٍ خَرْقًا فَاحِشًا أَوْ قَطَعَ بَعْضَ قَوَائِمِ دَابَّةِ الْغَيْرِ كَانَ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَيُسَلِّمَ الْعَيْنَ إلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ النُّقْصَانُ فِي بَدَلِ نَفْسِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى طَرَفِهِ وَهَا هُنَا يُمْكِنُ النُّقْصَانُ مِنْ بَدَلِ نَفْسِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى طَرَفِهِ فَيُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ هَاهُنَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُدَبَّرِ يُعْتَبَرُ نُقْصَانُ الْمَالِيَّةِ لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ فَكَذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْقِنِّ، فَإِذَا امْتَنَعَ دَفْعُ الرَّقَبَةِ الْتَحَقَ بِمَا لَوْ كَانَ الدَّفْعُ مُتَعَذِّرًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ قَطَعَ يَدَيْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءَ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةُ نُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ، لِهَذَا الْمَعْنَى إنْ يَقْطَعْ الْيَدَيْنِ النُّقْصَانُ فِي بَدَلِ نَفْسِهِ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ النُّقْصَانُ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْجِنَايَةُ عَلَى بَنِي آدَمَ إنْ أَوْجَبَتْ كَمَالَ بَدَلِ النَّفْسِ لَا يَكُونُ مُوجِبَ النُّقْصَانِ كَمَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ، وَهَذَا لِأَنَّ كَمَالَ بَدَلِ النَّفْسِ وُجُوبُهُ بِالنَّصِّ وَالنُّقْصَانُ إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَالْحَذَرُ وَالِاجْتِهَادُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ النَّصِّ فَمَعَ وُجُودِ النَّصِّ لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ وَبِهِ فَارَقَ الْمُدَبَّرَ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ هُنَاكَ جَمِيعُ بَدَلِ النَّفْسِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ النُّقْصَانِ بِطَرِيقِ الْمَصِيرِ إلَى الِاجْتِهَادِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ النَّصِّ، وَكَذَلِكَ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ مَعَ إمْضَاءِ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ لَا يَجِبُ جَمِيعُ بَدَلِ النَّفْسِ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ فَاعْتَبَرْنَا مِنْهَا النُّقْصَانَ لِذَلِكَ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى أَطْرَافِ الْمَمَالِيكِ مِنْ وَجْهٍ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَمِنْ وَجْهٍ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَجِبُ جَمِيعُ بَدَلِ النَّفْسِ بِقَطْعِ الطَّرَفِ، وَإِنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ مُعْتَبَرًا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الْمَمْلُوكِ فَكَذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ تَوَفَّرَ حَظُّهُ عَلَيْهِمَا فَلِشَبَهِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ قُلْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلَّ الدَّفْعِ يَجِبُ النُّقْصَانُ وَلِشَبَهِهِ بِجِنَايَةِ الْأَحْرَارِ قُلْنَا إذَا وَجَبَ كَمَالُ بَدَلِ النَّفْسِ لَا يُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ هَاهُنَا هُوَ الْقِيمَةُ دُونَ النُّقْصَانِ عَنْ شَرْطِ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ تُسَلَّمُ الْجُثَّةُ، فَإِذَا مَنَعَ الْمَوْلَى هَذَا الشَّرْطَ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ كَسَرَ قَلْبَ فِضَّةٍ لِإِنْسَانٍ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْقَلْبِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْقَلْبِ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَيُسَلِّمُ إلَيْهِ الْمَكْسُورُ، وَإِذَا أَمْسَكَ الْمَكْسُورَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ إيجَادَ شَرْطِ سَلَامَةِ الْقِيمَةِ لَهُ فَيَكُونُ كَالْمُبَرِّئِ لَهُ عَنْ ضَمَانِ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا.
رَجُلٌ غَصَبَ مُدَبَّرَ رَجُلٍ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ عِنْدَهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَغْصُوبَ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسٍ عَمْدًا فَقَتَلَهُ عِنْدَ الْمَوْلَى رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ، قِنًّا كَانَ أَوْ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ، فَإِنْ غَصَبَ الْمُدَبَّرَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا آخَرَ خَطَأً فَلَيْسَ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ غَرِمَ الْقِيمَةَ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ مَرَّةً وَلَكِنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ يَتْبَعُ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ تِلْكَ الْقِيمَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ الْآخَرِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ مَا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْقِيمَةِ فَارِغًا وَلِأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ نِصْفَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَوَّلِ بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ عِنْدَ الْغَاصِبِ الثَّانِي إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ بِسَبَبِ الْغَصْبِ، وَقَدْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْغَاصِبِ الثَّانِي فَهُوَ الَّذِي يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى.
وَلَوْ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَقَتَلَ الْمُدَبَّرُ الْغَاصِبَ أَوْ عَبْدَهُ أَوْ رَجُلًا هُوَ وَارِثُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى الْمُدَبِّرِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا لَا يُفِيدُ شَيْئًا فَقَرَارُ الضَّمَانِ يَكُونُ عَلَى الْغَاصِبِ فَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ، وَلَوْ جَنَى الْمُدَبَّرُ عِنْدَ الْغَاصِبِ عَلَى مَوْلَاهُ جِنَايَةً فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ جِنَايَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَعَلَى مَالِ مَوْلَاهُ هَدْرٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الدِّيَاتِ فِي الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ فِي الْمُدَبَّرِ وَكَلَامُهُمَا فِيهِ أَوْضَحُ فَالْمُدَبَّرُ بِالضَّمَانِ لَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلْغَاصِبِ.
وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي جِنَايَاتِهَا وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ دَفْعَهَا بِالْجِنَايَةِ بِسَبَبٍ لَمْ يَصِرْ الْمَوْلَى بِهِ مُخْتَارًا، وَفِي وُجُوبِ ضَمَانِ أُمِّ الْوَلَدِ بِالْغَصْبِ اخْتِلَافٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَكَذَلِكَ فِي وُجُوبِ السِّعَايَةِ عَلَيْهَا بَعْدَمَا عَتَقَ نَصِيبُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْهَا.
وَلَوْ أَنَّ أَمَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَهَا أَحَدُهُمَا، ثُمَّ وَطِئَهَا الْآخَرُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْوَاطِئُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ فَنَصِيبُ الْمُسْتَوْلَدُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَذَلِكَ كَافٍ لِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَنِصْفُ قِيمَةِ عَقْرِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ نَصِيبَ شَرِيكَهُ مِنْهَا لِأَجْلِ التَّدْبِيرِ فَيَصِيرُ الْوَلَدُ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ مَعَ نِصْفِ الْعَقْرِ لِشَرِيكِهِ.
وَجِنَايَتُهَا عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى غَيْرِهِمَا بِمَنْزِلَةِ جِنَايَةِ مُدَبَّرٍ هُوَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي الْحُكْمِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَاطِئُ مِنْهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهَا وَيَسْعَى لِلْآخَرِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا مُدَبَّرَةً؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَمْ يَثْبُتْ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُدَبِّرُ مِنْهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُسْتَوْلِدِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ أُمُّ وَلَدٍ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ لِمَوْلَاهَا عِنْدَهُ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هِيَ مُدَبَّرَةٌ كُلُّهَا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِلْوَاطِئِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَهَا مِنْهُ بِالتَّدْبِيرِ وَجِنَايَتُهَا عَلَيْهِ وَوَلَدُهَا لَهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الْوَاطِئِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَوْلَدَ مُدَبَّرَةَ الْغَيْرِ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عَنْهُ لِلشُّبْهَةِ فَيَلْزَمُهُ الْعَقْرُ لِلْمُدَبِّرِ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْوَاطِئِ.
وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَاتٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَيِّدَهُ فَعَلَى الْمُكَاتَبِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَاتِهِ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِرَقَبَتِهِ، وَقَدْ تَحَوَّلَتْ إلَى ذِمَّتِهِ لِوُقُوعِ النَّاسِ عَنْ دَفْعِهِ بِسَبَبِ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَا أَتْلَفَ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ شَيْئًا، فَإِنَّهُمْ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانُوا يُطَالِبُونَ الْمُكَاتَبَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فِي كَسْبِهِ وَذَلِكَ بَاقٍ لَهُمْ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَرَضِيَ بَعْضُهُمْ جَازَ مَا فَعَلَ وَلَمْ يُشْرِكْهُمْ الْآخَرُونَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ حُرٌّ وَالْحُرُّ يَمْلِكُ تَخْصِيصَ الْغُرَمَاءِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَهُوَ كَدَيْنٍ آخَرَ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِأُنَاسٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ قَضَاءُ دُيُونِهِ مِنْ أَكْسَابِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ حَتَّى عَجَزَ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى، وَهُوَ يَعْلَمُ بِهَا كَانَ مُخْتَارًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْعَجْزِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، فَإِذَا مَنَعَ أَحَدُهُمَا صَارَ مُخْتَارًا لِلْآخَرِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا، فَقَدْ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلرَّقَبَةِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى، وَهُوَ مُكَاتَبٌ، ثُمَّ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَجَنَى جِنَايَةً أُخْرَى فَهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ فَيَخْلُصُ الْمَوْلَى بِدَفْعِ الرَّقَبَةِ إلَيْهِمَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَيَدْفَعُ الْقِيمَةَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهَا فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْأَرْشِ فِيهَا.
مُكَاتَبَةٌ جَنَتْ جِنَايَةً، ثُمَّ جُنِيَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَجَزَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهَا وَلِيُّهَا فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهَا، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهَا، فَإِنْ فَدَاهَا، فَقَدْ ظَهَرَهَا عَنْ الْجِنَايَةِ فَيَتْبَعُ الْجَانِي عَلَيْهِمَا بِالْأَرْشِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَأْتِ عَلَى جَمِيعِ قِيمَتِهَا، وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ قِيمَتِهَا مِنْ نَحْوِ فَقْءِ الْعَيْنَيْنِ أَوْ قَطْعِ الْيَدَيْنِ أَوْ جَدْعِ الْأَنْفِ، وَقَدْ بَرِأَتْ مِنْ ذَلِكَ فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهَا إلَى الْجَانِي وَأَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ قِيمَتِهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا وَإِنْ اخْتَارَ دَفْعَهَا إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَامَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا مَقَامَ الْمَالِكِ فَيَتْبَعُ الْجَانِيَ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ إنْ كَانَ لَا يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ جَنَى عَلَى رَجُلٍ جِنَايَةً، ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً، ثُمَّ دَفَعَهُ الْمَوْلَى بِجِنَايَتِهِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْعَبْدُ فَكَذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ.
وَالْأَرْشُ مُخَالِفٌ لِلْوَلَدِ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ، ثُمَّ عَجَزَتْ فَدَفَعَهَا الْمَوْلَى كَانَ الْوَلَدُ لِلْمَوْلَى وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ يَكُونُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ جُزْءٍ وَكَانَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِهِ وَحُكْمُ الْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ وَالْوَلَدُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ شَيْءٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ زِيَادَةٌ تَوَلَّدَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فَيَكُونُ سَالِمًا لِلْمَوْلَى.
وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً فَقَضَى عَلَيْهِ بِهَا، ثُمَّ جَنَى أُخْرَى فَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِهَا حَتَّى عَجَزَ أَوْ جَنَاهَا بَعْدَ الْعَجْزِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُهُ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ وَيَتْبَعُهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَالْجِنَايَةُ الْمَقْضِيُّ بِهَا فَيُبَاعُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَضَاءُ، وَقَدْ صَارَتْ الْأُولَى دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِالْقَضَاءِ، فَقَدْ اجْتَمَعَ بَعْدَ الْعَجْزِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ فَيَبْدَأُ بِالدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ، ثُمَّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ لِمُرَاعَاةِ الْحَقَّيْنِ.
وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَوْلَاهُ وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ مَا لَمْ يَعْجَزْ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ وَالْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ قَبْلَ الْعَجْزِ، فَإِذَا عَجَزَ بَطَلَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ لَهُ الْحَقُّ فِي كَسْبِهِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَجْزِ كَانَ هَدَرًا فَكَذَلِكَ إذَا جَنَى قَبْلَ الْعَجْزِ، ثُمَّ عَجَزَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ الْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيِّ وَهُمَا سَوَاءٌ، ثُمَّ عَجَزَ بِيعَ نِصْفُهُ فِي جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ وَبِالْعَجْزِ يَسْقُطُ نَصِيبُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلَكِنْ لَا يَزْدَادُ بِهِ حَقُّ الْأَجْنَبِيِّ فَيُبَاعُ نِصْفُهُ فِي دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ لِهَذَا، لَا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى عَنْهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ قَضَى بِجِنَايَةِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ، ثُمَّ جَنَى عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَقَضَى بِهَا أَيْضًا، ثُمَّ عَجَزَ بِيعَتْ رَقَبَتُهُ كُلُّهَا فِي جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَوْجَبَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَبِالْعَجْزِ يَسْقُطُ دَيْنُ الْمَوْلَى وَيَبْقَى دَيْنُ الْأَجْنَبِيِّ فَيُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى عَنْهُ.
رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ مُكَاتَبِهِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَالْمُكَاتَبَةُ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً عَلَى رَجُلٍ فَقَضَى عَلَيْهِ بِهَا، ثُمَّ عَجَزَ فَرَدَّ فِي الرِّقِّ قَالَ لَا تَبْطُلُ جِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ وَيُبَاعُ الْمُكَاتَبُ فِي جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهُ أَوْ قَطَعَ بِهَا رَجَعَ فِيمَا عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ كَانَ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ وَكَسْبُهُ بَعْدَ الْعَجْزِ لَا يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْقِيمَةُ لِوَلِيِّ جِنَايَتِهِ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَيُبَاعُ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِالْقِيمَةِ رَجَعَ بِمَا بَقِيَ عَلَى الْمَوْلَى، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مُكَاتَبٍ اسْتَهْلَكَ لَهُ مَوْلَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، ثُمَّ اسْتَدَانَ بَعْدَ ذَلِكَ دَيْنًا وَمُكَاتَبَتُهُ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ عَجَزَ أَوْ مَاتَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ فَكَانَ بَيْنَ سَائِرِ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَا يُسَلَّمُ لِمَوْلَاهُ مَا لَمْ يَفْرُغُ مِنْ دَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ الْمَوْلَى جِنَايَةً فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِهَا، ثُمَّ عَجَزَ بِيعَ الْعَبْدُ فِي دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ وَفَّى وَإِلَّا نُظِرَ إلَى مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ جَنَى الْمُكَاتَبُ فَيَضْمَنُ الْمَوْلَى لِلْأَجْنَبِيِّ الْأَقَلَّ مِنْهُ وَمِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِجِنَايَتِهِ أَتْلَفَ جُزْءًا قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي صَارَتْ الْقِيمَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيَقْضِي مِنْ ثَمَنِهِ وَكَسْبِهِ وَمَا وَجَبَ عَلَى الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ، فَإِذَا لَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِدَيْنِهِ ضَمِنَ الْمَوْلَى ذَلِكَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ عَبْدًا لَوْ جَنَى جِنَايَةً، ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ الْمَوْلَى، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِجِنَايَتِهِ، ثُمَّ اخْتَارَ دَفْعَهُ ضَمِنَ مَا جَنَى عَلَيْهِ.
وَاسْتَوْضَحَ هَذَا كُلَّهُ بِمُكَاتِبٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَاسْتَهْلَكَ لَهُ مَوْلَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ اسْتَدَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَائِمُ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى مَوْلَاهُ اتَّبَعَ الْغُرَمَاءُ جَمِيعًا الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ الْمَوْلَى بِتِلْكَ الْأَلْفِ حَتَّى يَأْخُذُونَهَا فَيَقْسِمُونَهَا، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ يَبْطُلُ فِيمَا سَبَقَ عَنْ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْفُصُولِ شَيْئًا إلَّا لِلْغُرَمَاءِ الْأَوَّلِينَ فَهَذَا يُوَضِّحُ لَك جَمِيعَ مَا سَبَقَ.
رَجُلٌ جَنَى عَلَى مُكَاتَبِهِ جِنَايَةً، ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا وُلِدَ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ بِقَدْرِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ دَيْنًا عَلَى الْمَوْلَى لِلْمُكَاتَبِ، وَقَدْ بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ لَمَّا خَلَّفَ وَلَدًا فَيَصِيرُ الْمَوْلَى مُسْتَوْفِيًا ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ؛ لِأَنَّ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ إنَّمَا كَانَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ لِمَكَانِ الْأَجَلِ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَبِمَوْتِهِ سَقَطَ الْأَجَلُ فِي الْمَالِ الَّذِي خَلَّفَهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ وَفَاءً، وَإِذَا صَارَ الْمَوْلَى مُسْتَوْفِيًا ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يَسْعَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ يُقْضَى عَلَى الْمَوْلَى بِالْأَرْشِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُودِي إلَى غَرِيمِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ، وَالدَّيْنُ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى بَدَلِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ وُقُوعَ الْمُقَاصَّةِ وَلَكِنْ يَأْخُذُهُ الْغَرِيمُ مِنْ الْمَوْلَى وَيَسْعَى الْوَلَدُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ وَالْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ فِيمَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى أَبِيهِ.
وَلَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى مَوْلَاهُ جِنَايَةً فَقَضَى عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَالْجِنَايَةُ أَكْثَرُ مِنْ الْقِيمَةَ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْمَوْلَى نِصْفَهُ فَهَذَا وَمَا لَوْ أَعْتَقَ كُلَّهُ سَوَاءٌ، وَلَوْ أَعْتَقَ كُلَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ بَقِيَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ يَسْعَى فِيهِ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ يَسْعَى فِيهِ فَلَا يَزِيدُهُ الْعِتْقُ إلَّا وَكَادًة فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ نِصْفَهُ؛ وَيَسْعَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ ذَلِكَ فِي الْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ نِصْفِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ فَيَجِبُ إخْرَاجُ الْبَاقِي إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ.
وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً، ثُمَّ كَاتَبَهُ الْمَوْلَى فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ إنْ عِلْمَ الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَالْمَوْلَى مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ بَعْضَهَا فَكَذَلِكَ إذَا كَاتَبَهُ، فَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ بِالْكِتَابَةِ دَفْعَ الرَّقَبَةِ فَيَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ وَيَسْتَوِي إنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ إنْ لَمْ يُخَاصِمْ فِي الْأَرْشِ حَتَّى عَجَزَ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَدْفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا خُوصِمَ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُزِيلُ مِلْكَ الْمَوْلَى، وَهُوَ يَعْرِضُ الْفَسْخَ فَفِيهِ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلْأَرْشِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ بِهِ الِاخْتِيَارُ إذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ دَفْعِ الرَّقَبَةِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ، فَإِذَا عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ صَارَتْ الْكِتَابَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَالْكِتَابَةُ كَانَتْ تَمْنَعُهُ مِنْ دَفْعِهِ بِالْجِنَايَةِ وَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ لِبَيْعِهِ رَقَبَتَهُ مِنْ إنْسَانٍ، فَإِنَّهُ وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَسْقُطْ الْأَرْشُ عَنْ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ كَاتَبَهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِجِنَايَتِهِ فَعَجَزَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فِي الْجِنَايَةِ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا صَارَ مُخْتَارًا شَيْئًا هَاهُنَا، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِاسْتِهْلَاكِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ الْمَانِعُ مِنْ الدَّفْعِ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي، فَقَدْ انْقَدَمَ الِاسْتِهْلَاكُ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ، ثُمَّ فَسْخُ الْبَيْعِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَبْلَ أَنْ يُخَاصِمَ فِي الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَإِنْ كَاتَبَهُ بَعْدَمَا قَضَى بِهِ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُوهُ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي تَحَوَّلَ إلَى مِلْكِ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّمَا كَاتَبَ مَا لَا يَمْلِكُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ إذَا كَاتَبَهُ، وَلَوْ كَاتَبَهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَلَمْ يَقْضِ بِهَا حَتَّى مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ الدَّفْعِ فَخَرَجَ الْمَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَهْلِكًا وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَجَزَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِ، وَلَوْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ كَانَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَتَحَقَّقُ مِنْ الْمَوْلَى اسْتِحْقَاقُ الرَّقَبَةِ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِهَذَا، وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْعَى فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْوَلَدِ كَمَا يَبْقَى بِاعْتِبَارِ مَالٍ خَلَفَهُ، فَإِنْ عَجَزَ فَرَدَّ فِي الرِّقِّ لَمْ تَبْطُلْ الْقِيمَةُ عَنْ السَّيِّدِ قَالَ؛ لِأَنِّي أَلْزَمْتُهَا إيَّاهُ وَمُرَادُهُ إذَا عَجَزَ بَعْدَمَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ عَلَى الْوَلَدِ، فَأَمَّا إذَا عَجَزَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ، فَقَدْ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَبَ لَوْ مَاتَ عَاجِزًا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ يَبْطُلُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ إذَا عَجَزَ الْوَلَدُ وَلَيْسَ فِي عُنُقِ الْوَلَدِ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ.
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَجَنَى جِنَايَةً فَكَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَأَدَّى إلَيْهِ الْمُكَاتَبَةَ، ثُمَّ جَاءَ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ الْأَرْشِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ ضَامِنٌ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَصِيبِهِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَكِتَابَتُهُ فِي نَصِيبِهِ تَنْفُذُ فِي حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَيَتَأَكَّدُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ فَهُوَ وَمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ كُلَّهُ سَوَاءٌ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَحْدَثَ بَعْدَ جِنَايَتِهِ شَيْئًا يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرِكٍ بَيْنَهُمَا وَيُضَمِّنُهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ أَيْضًا إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِيهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، ثُمَّ يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا فَيَدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.
وَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ ضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ذَلِكَ مُتْلَفًا عَلَيْهِمْ بِإِعْتَاقِهِ، وَلَا سَبِيلَ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ مِنْ نِصْفِ مَا قَبَضَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَسْبُ نَصِيبِهِ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ عَلَى كَسْبِ الْجَانِي سَبِيلٌ، وَإِنْ كَاتَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُمَا يَعْلَمَانِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَهُمَا يَعْلَمَانِ بِالْجِنَايَةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُمَا لَا تَتَجَزَّأُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُكَاتَبُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِنَصِيبِهِ، فَأَمَّا الْآذِنُ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُ تَتَجَزَّأُ فِي نَصِيبِهِ فَكَانَ هَذَا فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ وَمَا لَوْ كَاتَبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ سَوَاءٌ.
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدًا، وَقَدْ جَنَى جِنَايَةً وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا، ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِهَا، ثُمَّ عَجَزَ، ثُمَّ حَضَرَ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى قَالَ يَدْفَعُهُ الْمَوْلَى إلَيْهِمْ وَيَبِيعُهُ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ الْمَقْضِيِّ بِهَا فَيُبَاعُ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى بَاقِيَةٌ فِي رَقَبَتِهِ بَعْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ دَفَعَ بِهَا فَكَانَ وُجُودُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ، وَقَدْ تَحَوَّلَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَحِينَ عَجَزَ كَانَ عَبْدًا قَدْ اجْتَمَعَ فِي رَقَبَتِهِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ فَيُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ لِمُرَاعَاةِ الْحَقَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِشَيْءٍ حَتَّى عَجَزَ خَيَّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهُ بِالْجِنَايَتَيْنِ أَوْ يَفْدِيَهُ بِالْأَرْشِ مِنْهُمَا.
وَإِذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا خَطَأً، ثُمَّ قَتَلَ رَجُلًا آخَرَ خَطَأً، ثُمَّ جَاءَ وَلِيُّ أَحَدِهِمَا فَقُضِيَ لَهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ الْأُخْرَى، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنَّ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ دَيْنٌ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ وَجَمِيعُ الْجِنَايَةِ الْأُخْرَى فِي النِّصْفِ الْبَاقِي، فَإِنْ شَاءَ مَوْلَاهُ فَدَاهُ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ اجْتَمَعَتَا عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا قَضَى الْقَاضِي لِلْأَوَّلِ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ لِجَهْلِهِ بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَحِينَ عَلِمَ بِهَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَضَاءَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ لِلْمُقْضَى لَهُ كَانَ بَاطِلًا فَكَأَنَّهُ مَا قَضَى لَهُ إلَّا بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، فَإِذَا عَجَزَ كَانَ نِصْفُ الْقِيمَةِ دَيْنًا لَهُ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ يُبَاعُ فِيهِ وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لِانْعِدَامِ الْمُحَوَّلِ إلَى الْقِيمَةِ، وَهُوَ قَضَاءُ الْقَاضِي فَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى فِيهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَعْجَزْ وَأَخَذَ الْمَقْضِيِّ لَهُ فِيهِ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرُ، فَإِنَّهُ يَقْضِي لِلْآخَرِ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَيَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ عَلَى الْأَوَّلِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ فَوْقَ حَقِّهِ، فَإِنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَقَدْ غَرِمَ الْمُكَاتَبُ مَا كَانَ مِنْهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مُوجَبُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عَلَى مَوْلَاهُ وَمُوجَبُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا كَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي لِلثَّانِي بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ صَحِيحًا وَهَا هُنَا مُوجِبُ الْجِنَايَتَيْنِ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبُ لَا يُلْزِمُهُ بِجِنَايَاتِهِ إلَّا الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ.
مُكَاتَبٌ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً، ثُمَّ قَتَلَ رَجُلًا آخَرَ خَطَأً فَقَضَى عَلَيْهِ بِإِحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ، ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْمُقْضَى لَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ الَّتِي قَضَى لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْقَضَاءِ كَانَ الْمَوْجُودُ مِنْهُ جِنَايَتَيْنِ فَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَقَدْ تَحَوَّلَ حَقُّ الْمَقْضِيِّ لَهُ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، ثُمَّ قَضَى لِلثَّالِثِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ فَرْعٌ مِنْ الْجِنَايَةِ بِتَحْوِيلِ الْقَاضِي حَقَّ الثَّانِي إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِذَلِكَ النِّصْفِ فَلِهَذَا يَقْضِي لَهُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَيَقْضِي أَيْضًا بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِلَّذِي لَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَيْءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّالِثِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْأَوْسَطِ وَثُلُثُهُ لِلثَّالِثِ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا النِّصْفِ اجْتَمَعَ حَقُّ الْأَوْسَطِ وَحَقُّ الثَّالِثِ، فَإِنَّ الْمُحَوَّلَ لَمْ يُوجَدْ، وَفِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَنَى إلَّا أَنْ يُقْضَى لَهُمَا بِنِصْفِ الْقِيمَةِ إلَّا أَنَّ الثَّالِثَ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ نِصْفُ حَقِّهِ فَلَا يَضْرِبُ فِي هَذَا النِّصْفِ إلَّا بِمَا بَقِيَ لَهُ وَالْأَوْسَطُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ فَهُوَ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ فِي هَذَا النِّصْفِ فَلِهَذَا كَانَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَلَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْجِنَايَةِ الثَّالِثَةِ فَاخْتَارَ دَفْعَهُ كَانَ نِصْفُهُ بَيْنَ الثَّالِثِ وَالْأَوْسَطِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْأَوْسَطِ وَثُلُثُهُ لِلثَّالِثِ وَيَكُونُ النِّصْفُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ خَاصَّةً وَيَكُونُ حَقُّ الْمَقْضِيِّ لَهُ دَيْنًا فِي هَذَا النِّصْفِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ تَحَوَّلَ إلَى ذِمَّتِهِ فِي هَذَا النِّصْفِ فَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الثَّالِثِ فَعِنْدَ الْعَجْزِ اجْتَمَعَ فِي هَذَا النِّصْفِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ فَيَدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ، ثُمَّ يُبَاعُ بِالدَّيْنِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ، فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي هَذَا نِصْفٌ وَحَقُّ الْأَوْسَطِ فَيُدْفَعُ إلَيْهِمَا وَيَضْرِبُ فِيهِ الْأَوْسَطُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَالثَّالِثُ بِنِصْفِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ نِصْفُ حَقِّهِ فَلِهَذَا كَانَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا.
مُكَاتَبٌ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً، ثُمَّ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ فَقَضَى لِلْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَجَزَ قَالَ يُبَاعُ الثُّلُثُ فِي دَيْنِ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ وَيَدْفَعُهُ الْمَوْلَى إلَى وَلِيِّ النَّفْسِ أَوْ يَفْدِيهِ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا كَانَ تَعَلَّقَ بِهِ أَثْلَاثًا، فَإِنَّ حَقَّ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ وَحَقَّ وَلِيِّ النَّفْسِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَحَلِّ الدَّفْعِ كَانَ يَدْفَعُ إلَيْهِمَا أَثْلَاثًا فَكَذَلِكَ الْقِيمَةُ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، ثُمَّ الْمُحَوَّلُ، وَهُوَ الْقَضَاءُ وُجِدَ فِي حَقِّ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ فَيَصِيرُ ثُلُثُ الْقِيمَةِ دَيْنًا لَهُ فِي مَالِيَّةِ ثُلُثِ الرَّقَبَةِ يُبَاعُ فِيهِ بَعْدَ الْعَجْزِ، وَالثُّلُثَانِ حَقُّ مَوْلَى النَّفْسِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُحَوَّلُ فِيهِ حَتَّى عَجَزَ فَيُخَاطَبُ الْمَوْلَى بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ثُلُثَيْهِ أَوْ يَفْدِيَهُ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ حَتَّى قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً، ثُمَّ عَجَزَ فَاخْتَارَ دَفْعَهُ، فَأَمَّا الْمَقْضِيِّ لَهُ فَلَهُ ثُلُثُ الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ثُلُثِ الْعَبْدِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ وَلِيِّ الثَّالِثِ بِذَلِكَ الثُّلُثِ فَاجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ الثُّلُثِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ فَيَدْفَعُ فِي الْجِنَايَةِ، ثُمَّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، وَأَمَّا الثُّلُثَانِ، فَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِمَا حَقُّ وَلِيِّ الْأَوَّلِ وَحَقُّ وَلِيِّ الْآخَرِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُحَوَّلُ فِي حَقِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَدْفَعُ إلَيْهِمَا، ثُمَّ يَضْرِبُ فِيهِ الْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ وَالْآخَرُ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ثُلُثُ حَقِّهِ، فَإِنَّمَا يُقْسَمُ ثُلُثَا الرَّقَبَةِ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا.
وَلَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَتَيْنِ فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَأَدَّاهَا إلَيْهِ الْمُكَاتَبُ، ثُمَّ قَضَى لِلْآخَرِ وَسَلَّمَ مَا اسْتَوْفَى لَا شَرِكَةَ لِلثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ فِيمَا قَبَضَ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَحَدِهِمَا تَمَيَّزَ عَنْ حَقِّ الْآخَرِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ تَحَوَّلَ حَقُّ الْقِيمَةِ إلَى الْقِيمَةِ وَحَقُّ الْآخَرِ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ حَتَّى لَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ مُشَارَكَةِ الْمُسْتَوْفِي فِيمَا اسْتَوْفَى، سَوَاءٌ مَاتَ الْمُكَاتَبُ أَوْ لَمْ يَمُتْ عَجَزَ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ.
مُكَاتَبَةٌ قَتَلَتْ رَجُلًا خَطَأً، ثُمَّ فَقَأَتْ عَيْنَ آخَرَ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا فَقَضَى عَلَيْهَا لِلْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ بِثُلُثِ قِيمَتِهَا، ثُمَّ عَجَزَتْ، فَإِنَّ حَقَّ وَلِيِّ النَّفْسِ فِي ثُلُثَيْ رَقَبَةِ الْأُمِّ يَدْفَعُ أَوْ يَفْدِي؛ لِأَنَّ الْمُحَوَّلَ، وَهُوَ الْقَضَاءُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ وَيُبَاعُ الثُّلُثُ فِي دَيْنِ الْمَقْضِيِّ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِحَقِّهِ بِيعَ ثُلُثُ الْوَلَدِ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ حَقٌّ قَوِيٌّ فِي الْأُمِّ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ أَمَةً مَدْيُونَةً لَوْ وَلَدَتْ بِيعَ وَلَدُهَا مَعَهَا فِي الدَّيْنِ بِخِلَافِ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَحَقُّ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ صَارَ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فِي الثُّلُثِ فَيَثْبُتُ فِي ثُلُثِ الْوَلَدِ أَيْضًا فَهُوَ نَظِيرُ مُكَاتَبَةٍ عَجَزَتْ وَعَلَيْهَا دَيْنٌ، وَقَدْ وَلَدَتْ فِي مُكَاتَبَتِهَا فَبِيعَتْ فِي دَيْنِهَا فَلَمْ يَفِ ثَمَنُهَا بِهِ بِيعَ وَلَدُهَا فِيهِ أَيْضًا بِخِلَافِ حَقِّ وَلِيِّ النَّفْسِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ يَثْبُتُ فِي الْكَسْبِ فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ فِي الْوَلَدِ بِخِلَافِ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا قَضَى لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ بِالسِّعَايَةِ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا، ثُمَّ عَجَزَتْ، وَقَدْ وَلَدَتْ فِي مُكَاتَبَتِهَا فَحَقُّ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ فِي ثُلُثِ رَقَبَتِهَا إنْ شَاءَ دَفَعَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ وَلَدِهَا وَيُبَاعُ ثُلُثُهَا لِلْمُقْضَى لَهُ، فَإِنْ وَفَّى وَإِلَّا بِيعَ ثُلُثَا الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الْوَلَدِ صَارَ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالدَّيْنُ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ وَحَقُّ صَاحِبِ الْعَيْنِ فِي الْجِنَايَةِ لَمْ يَصِرْ دَيْنًا بَعْدُ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ.
مُكَاتَبٌ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَقَضَى عَلَيْهِ بِهَا، ثُمَّ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ عَجَزَ وَالْجِنَايَاتُ مُسْتَوِيَةٌ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَأْتِي عَلَى قِيمَتِهِ، فَإِنَّ الْقِيمَةَ لِلْمُقْضَى لَهُ دَيْنٌ فِي جَمِيعِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَحَوَّلَ حَقُّ الْأَوَّلِ إلَى الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ فِي رَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ سِوَاهَا فَيَثْبُتُ حَقُّهُ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي جَمِيعِ الرَّقَبَةِ، ثُمَّ لَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِمَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْمُقْضَى لَهُ الْآخَرُ دَيْنٌ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ تَعَلَّقَتَا بِرَقَبَتِهِ فَيَكُونُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ فِي النِّصْفِ، وَقَدْ تَحَوَّلَ حَقُّ الْمَقْضِيِّ لَهُ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ فَيُخَاطَبُ الْمَوْلَى بِدَفْعِهِ إلَى مَنْ لَمْ يَقْضِ لَهُ أَوْ الْفِدَاءُ، فَإِنْ فَدَاهُ طَهُرَ هَذَا النِّصْفُ عَنْ حَقِّ الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ فِيهِ حَقُّ الْأَوَّلِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ فَيُبَاعُ هَذَا النِّصْفُ لَهُ خَاصَّةً.
وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ، فَقَدْ وَجَبَ فِيهِ دَيْنَانِ دَيْنُ الْمَقْضِيِّ لَهُ الْأَوَّلُ وَدَيْنُ الْمَقْضِيِّ لَهُ الثَّانِي فَيُبَاعُ هَذَا النِّصْفُ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَضْرِبُ فِيهِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ، فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ نِصْفُ حَقِّهِ وَالثَّانِي يَضْرِبُ فِيهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ وَالْأَوْضَحُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا النِّصْفَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَوَّلَ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ فِي هَذَا النِّصْفِ فَكَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ ثَمَنُ هَذَا النِّصْفِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَهُ بِالْجِنَايَةِ بِيعَ النِّصْفُ الْمَدْفُوعُ فِي دَيْنِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذَا النِّصْفِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ فَيُدْفَعُ أَوَّلًا بِالْجِنَايَةِ، ثُمَّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَبِيعَ النِّصْفُ الْبَاقِي لِلْآخَرَيْنِ نِصْفَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّهُمَا فِي هَذَا النِّصْفِ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِيهِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِيمَةِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا غَلَطٌ، وَلَوْ كَانَ قَضَى لِلْآخَرَيْنِ أَيْضًا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، ثُمَّ عَجَزَ بِيعَ الْعَبْدُ فَكَانَ نِصْفُهُ ثَمَنُهُ لِلْأَوَّلِ وَنِصْفُهُ لِلْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ وَحَقَّ الْآخَرَيْنِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي إنَّمَا ثَبَتَ فِي قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْضًا.
مُكَاتَبٌ قَتَلَ ثَلَاثَةَ أَنْفُسٍ خَطَأً فَقَضَى لِأَحَدِهِمْ بِثُلُثِ قِيمَتِهِ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَ الْآخَرَيْنِ وَهَبَ جِنَايَتَهُ لِلْمُكَاتَبِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَالَ يُبَاعُ ثُلُثُهُ فِي دَيْنِ الْمَقْضِيِّ لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي تَحَوَّلَ إلَى ثُلُثِ الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ثُلُثِ الْمَالِيَّةِ، ثُمَّ يُبَاعُ الثُّلُثُ فِي دَيْنِهِ بَعْدَ الْعَجْزِ وَيَدْفَعُ الْمَوْلَى ثُلُثَهُ إلَى الثَّالِثِ وَيَبْقَى ثُلُثُهُ لِلْمَوْلَى لَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَ قَضَى لِأَحَدِهِمْ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ، فَقَدْ قَضَى بِالْقِيمَةِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا إلَّا أَنَّ حَقَّ الثَّانِي لَمْ يَتَحَوَّلْ إلَى الْقِيمَةِ بَعْدُ، فَإِنْ عَجَزَ دَفَعَ الْمَوْلَى إلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ، وَهُوَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ مِنْهُ كَانَ حَقَّ الْوَاهِبِ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِالْهِبَةِ فَيَبْقَى لِلْمَوْلَى.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ عَبْدًا لَوْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ جِنَايَتِهِ كَانَ نِصْفُهُ لِلسَّيِّدِ لِهَذَا الْمَعْنَى إذْ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِهِ فَحِصَّةُ الْعَافِي تُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى، وَفِي حِصَّةِ الْآخَرِ يُخَاطَبُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْهُ وَقَضَى لِلْآخَرِ بِحَقِّهِ، ثُمَّ عَجَزَ بِيعَ لِلْآخَرِ نِصْفُهُ فِي دَيْنِهِ مِنْهُ وَيَبْقَى الْعَبْدُ سَالِمًا لِلْمَوْلَى، وَهُوَ حِصَّةُ الْعَافِي، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ مَالٌ يَفِي بِدَيْنِ الْمَقْضِيِّ لَهُ قَضَى دَيْنَهُ وَيَبْقَى سَالِمًا لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ الْآخَرُ قَدْ عَفَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَفَا خُوطِبَ الْمَوْلَى بِدَفْعِ نَصِيبِهِ إلَيْهِ أَوْ الْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَا فِي يَدِهِ لَا يَفِي بِحَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ بِيعَ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ ثُلُثًا كَانَ أَوْ نِصْفًا فِيمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ سِوَى ذَلِكَ تَحَاصَّا فِي هَذَا الْمَالِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِيهِ، ثُمَّ يُبَاعُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ فِي دَيْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِ الرَّقَبَةِ فَلَا يُسَلَّمُ شَيْءٌ مِنْ الرَّقَبَةِ لِلْمَوْلَى مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْغَرِيمِ كَمَالُ حَقِّهِ.
وَإِذَا وُلِدَ لِلْمُكَاتَبِ فِي كِتَابَتِهِ مِنْ أَمَةٍ لَهُ وَلَدٌ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ خَطَأً كَانَتْ قِيمَتُهُ لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ صَارَ تَبَعًا لَهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ يَأْخُذُهُ فَيَقْضِي بِهِ مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ؟ فَكَذَلِكَ هُوَ أَحَقُّ بِبَدَلِ رَقَبَتِهِ.
وَإِذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبَةِ وَلَدٌ وَلَدَتْهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَجَنَى الْوَلَدُ جِنَايَةً قَضَى عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ وَلَمْ يَلْحَقْ الْأُمَّ مِنْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا صَارَ مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ تُوجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ لِتُؤَدِّي مِنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَتَجْعَلُ الْعِتْقَ لِنَفْسِهَا وَلَهُ حَتَّى إنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْكَسْبِ يَكُونُ لِلْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ مُكَاتَبٍ آخَرَ لِلْمَوْلَى وَضَمَانُ الْمُكَاتَبَةِ دَيْنًا عَلَى الْمُكَاتَبِ بَاطِلٌ فِي رِقِّهَا، فَإِنْ عَتَقَتْ جَازَ ذَلِكَ الضَّمَانُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ إذَا ضَمِنَ مَالًا عَنْ إنْسَانٍ، ثُمَّ عَتَقَ أُخِذَ بِذَلِكَ الضَّمَانِ، وَكَذَلِكَ إنْ ضَمِنَتْ دَيْنًا آخَرَ عَلَى الْوَلَدِ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهَا فِي حَالِ رِقِّهَا، فَإِنْ عَتَقَتْ كَانَ ضَمَانُهَا صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الرِّقُّ.
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ وَامْرَأَتُهُ مُكَاتَبَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا، ثُمَّ قَتَلَهُ الْأَبُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا، فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةُ فَكَذَلِكَ بَدَلُ الرَّقَبَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ.
وَجِنَايَةُ الْأَبِ عَلَى الْوَلَدِ كَجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ، وَلَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ آخَرَ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الرَّقَبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ وَكَسْبُ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ دُونَ الْأَبِ فَكَذَلِكَ بَدَلُ الرَّقَبَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَدَّيَا فَعَتَقَا، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لَهَا وَبِالْعِتْقِ يَتَأَكَّدُ حَقُّهَا قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ الِابْنُ أَبَاهُ كَانَ الضَّمَانُ فِي قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى تَبَعًا لِأُمِّهِ فَجِنَايَتُهُ عَلَى أَبِيهِ كَجِنَايَةِ مُكَاتَبٍ آخَرَ فَيَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ وَلَيْسَ عَلَى الْأُمِّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأُمِّ فِي الْكِتَابَةِ.
فَإِنْ أَدَّتْ الْأُمُّ عَتَقُوا جَمِيعًا وَكَانَتْ الْقِيمَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ مِيرَاثًا عَنْ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَكْسَابِهِ، وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ الْوَلَدُ الْأَبَ وَلَكِنَّ الْأُمَّ قَتَلَتْ الْوَلَدَ لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهَا، وَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهَا كَانَتْ الْقِيمَةُ وَاجِبَةً لَهَا، فَإِذَا كَانَتْ هِيَ الَّذِي قَتَلَتْهُ لَوْ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ وَجَبَتْ لِنَفْسِهَا عَلَى نَفْسِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ الْوَلَدُ الْأُمَّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَجِنَايَتُهُ عَلَيْهَا كَجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكِتَابَةَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ بَاقِيَةً وَلِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهَا، فَإِنَّ الْكِتَابَةَ تَبْقَى بِمَوْتِهَا حَتَّى يُؤَدِّي الْبَدَلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِيمَا كَانَتْ الْأُمُّ تَسْعَى فِيهِ، وَإِنْ قَتَلَ الْأَبُ الْوَلَدَ كَانَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ أَبِيهِ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ دَاخِلًا فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْأُمُّ حَيَّةٌ تَسْعَى فِي الْكِتَابَةِ فَلَا حَاجَةَ لِلْوَلَدِ إلَى السِّعَايَةِ فِيمَا عَلَى أَبِيهِ، فَإِنْ أَدَّتْ الْأُمُّ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ عَتَقَا جَمِيعًا وَالسِّعَايَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْوَلَدِ بِجِنَايَتِهِ عَلَى الْأَبِ تَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ تَأْخُذُ الْأُمُّ حِصَّتَهَا فَمَا أَدَّتْ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ كَسْبٍ آخَرَ يَخْلُفُهُ الْأَبُ وَمَا بَقِيَ هُوَ مِيرَاثٌ لِوَرَثَةِ الْأَبِ لَيْسَ لِهَذَا الْوَلَدِ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَحِينَئِذٍ لَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ بِقَتْلِهِ عِنْدَنَا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الدِّيَاتِ وَإِنَّ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ بِسَبَبِ الْقَتْلِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ فِي التَّحَرُّزِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلِأَنَّ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ جَزَاءَ الْفِعْلِ الْمَحْظُورِ وَذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى الْخِطَابِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الصَّبِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ فِي حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ بِسَبَبِ الْقَتْلِ كَمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى مَذْهَبِهِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَاتَبَ عَبْدَيْنِ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً فَوُلِدَ لِأَحَدِهِمَا وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ، ثُمَّ جَنَى الْأَبُ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ جَنَى عَلَيْهِ فَالْجِنَايَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ فَكَانَ مَانِعًا لَهُ فَجِنَايَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَا جِنَايَةَ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ عَلَى آخَرَ كَانَتْ الْقِيمَةُ وَاجِبَةً عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ الْآخَرُ عَلَى الْوَلَدِ لَزِمَتْهُ الْجِنَايَةُ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ الْآخَرَ مِنْ هَذَا الْوَلَدِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ الْآخَرَ لَوْ جَنَى عَلَى الْأَبِ كَانَتْ جِنَايَتُهُ مُعْتَبَرَةً فَكَذَلِكَ إنْ جَنَى عَلَى الْوَلَدِ الَّذِي لَمْ يُبَعْ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ.
وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا، ثُمَّ أَقَرَّتْ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ أَوْ دَيْنٍ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لِلْمَوْلَى حِينَ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا، وَإِقْرَارُهَا عَلَى مُكَاتَبِ الْمَوْلَى بِالدَّيْنِ وَالْجِنَايَةِ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ إنْ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ ازْدَادَ بُعْدًا عَنْهَا، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ مِنْ مَالِهِ أُخِذَتْ بِإِقْرَارِهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْمَالِ الَّذِي خَلَفَهُ الْوَلَدُ، وَقَدْ أَقَرَّتْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ مَشْغُولٌ بِحَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَالْجِنَايَةِ، وَإِنَّ حَقَّهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّهَا فَتُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهَا وَتُجْعَلُ كَأَنَّهَا جَدَّدَتْ الْإِقْرَارَ بِدَيْنٍ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ كَمَنْ أَقَرَّ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِدَيْنٍ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَصَارَ الْمَالُ مِيرَاثًا لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قُتِلَ الْوَلَدُ فَأَخَذَتْ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ فِي أَنَّهُ يُسَلَّمُ لَهَا إذَا فَرَغَ مِنْ دَيْنِهِ وَجِنَايَتِهِ فَيَكُونُ إقْرَارُهَا صَحِيحًا فِيهِ إذَا خَلَصَ الْحَقُّ لَهَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَلَى الْوَلَدِ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ الْغَرِيمُ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ وَقِيمَتِهِ إذَا قُتِلَ، وَلَوْ أَقَرَّ الْوَلَدُ عَلَى الْأُمِّ بِجِنَايَةٍ أَوْ دَيْنٍ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ كَانَ عَلَى الْأُمِّ دُونَهُ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أُمِّهِ فِي أَنَّهُ يُلْزِمُهَا دَيْنًا، فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ عَنْ مَالٍ بُدِئَ بِالْكِتَابَةِ فَقُضِيَتْ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأُمِّ كَمَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْوَلَدِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَحَقُّ اسْتِيفَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ تَرِكَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا، فَإِذَا قَضَتْ الْكِتَابَةَ وَحُكِمَ بِعِتْقِهَا كَانَ الْبَاقِي مِيرَاثًا مِنْهَا لِلِابْنِ فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ فِيمَا وَرِثَهُ كَمَا لَوْ جَدَّدَ الْإِقْرَارَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ بَعْدَمَا صَارَ الْمَالُ مِيرَاثًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَدَعْ الْأُمُّ شَيْئًا فَقَضَى عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهِ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ مُقِرٌّ الْيَوْمَ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي كَانَ أَقَرَّ بِهَا عَلَى الْأُمِّ، فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُعَامَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ وَالثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَوْ ثَبَتَ فِي الْكَسْبِ الْقَائِمِ فِي يَدِهِ.
وَلَوْ ثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ عَلَى الْوَلَدِ السِّعَايَةُ بَعْدَ مَوْتِهَا فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ مَعَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ عَجَزَ، وَقَدْ أَدَّى بَعْضَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَسْتَرِدَّ مَا أَدَّى وَيَبْطُلُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ بِالْعَجْزِ صَارَ كَسْبُهُ وَرَقَبَتُهُ حَقًّا لِلْمَوْلَى وَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى غَيْرُ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْقَابِضِ مَا أَدَّى لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى عِنْدَ عَجْزِهِ إنَّمَا ثَبَتَ فِي الْكَسْبِ الْقَائِمِ فِي يَدِهِ وَذَلِكَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْقَابِضِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الْمَوْلَى.
وَلَوْ أَقَرَّتْ الْمُكَاتَبَةُ عَلَى وَلَدِهَا بِدَيْنٍ وَعَلَى الْوَلَدِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ قَدْ اكْتَسَبَهُ فَصَاحِبُ الْبَيِّنَةِ أَحَقُّ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ بِحُجَّةٍ هِيَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَدَيْنُ الْآخَرِ إنَّمَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُكَاتَبَةِ وَإِقْرَارُهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهَا، فَإِنْ قَضَى صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ وَفَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلَّذِي أَقَرَّتْ لَهُ الْأُمُّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَحَقُّ بِكَسْبِهِ إذَا فَرَغَ مِنْ دَيْنِهِ، وَقَدْ أَقَرَّتْ بِأَنَّ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّهَا، فَإِنْ عَجَزَتْ أَوْ عَتَقَتْ لَمْ يَلْزَمْ رَقَبَةَ الْوَلَدِ مِنْ إقْرَارِهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ بِالْعَجْزِ صَارَ الْوَلَدُ عَبْدًا لِلسَّيِّدِ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا عَلَيْهِ وَبِالْعِتْقِ صَارَ الْوَلَدُ حُرًّا وَلَمْ يَبْقَ لَهَا حَقٌّ فِي كَسْبِهِ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا فِي كَسْبِهِ، وَلَوْ قُتِلَ الْوَلَدُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَأَخَذَتْ قِيمَتَهُ صُرِفَتْ فِي الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبٍ خَلَفَهُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فَإِنْ صَرَفَتْ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ عَجَزَتْ لَمْ يُسْتَرَدَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى إنَّمَا ثَبَتَ بَعْدَ عَجْزِهَا فِيمَا بَقِيَ فِي يَدِهَا، فَأَمَّا الْمَصْرُوفُ إلَى الدَّيْنِ، فَقَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهَا إلَى مِلْكِ الْمُقَرِّ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْمَوْلَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ.
وَلَوْ غَصَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا فَهَلَكَ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْمَضْمُونِ وَالْمُكَاتَبُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ إلَّا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ اعْتِبَارًا لِلْمُكَاتَبِ بِالْقِنِّ وَضَمَانُ الْمَال بِسَبَبِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ يَجِبُ عَلَى الْقِنِّ فِي ذِمَّتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَضَمَانُ الْجِنَايَةِ لَا يُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى إلَّا دَفْعَ الرَّقَبَةِ بِهَا فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ.
فَإِنْ غَصَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ أَلْفَيْنِ، ثُمَّ قَتَلَهُ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَمَوْلَى الْعَبْدِ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ مِنْ الْمُكَاتَبِ فِي عَبْدِهِ سَبَبَانِ مُوجِبَانِ لِلضَّمَانِ الْغَصْبُ وَالْقَتْلُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِأَيِّ السَّبَبَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَهُ بِالْقَتْلِ قَضَى عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَتِهِ وَاقْتَسَمَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ وَوَلِيُّ الْحُرِّ يَضْرِبُ فِيهِ الْمَوْلَى بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْقَتْلِ وَوَلِيُّ الْحُرِّ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَارَ تَضْمِينَهُ بِالْقَتْلِ، فَقَدْ أَبْرَأَهُ عَنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ فَيُجْعَلُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ يُضَمِّنَهُ بِالْغَصْبِ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصَبَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَضَى عَلَيْهِ لِوَلِيِّ الْحُرِّ بِقِيمَةِ الْمُكَاتَبِ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْحُرِّ، وَلَا يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِسَبَبِ الْغَصْبِ يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَمَا وَجَبَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهُمَا فِيهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ لَهُمَا بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ بِقَدْرِ حَقِّهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ غُصِبَ أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ فِي التَّخْرِيجِ سَوَاءٌ.
رَجُلٌ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدٍ لَهُ فَاسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَالًا لِرَجُلٍ فَذَلِكَ دَيْنٌ فِي عُنُقِهِ يَسْعَى فِيهِ، وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا صَارَ الْكُلُّ مُكَاتَبًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ النِّصْفُ مِنْهُ مُكَاتَبٌ وَمُكَاتَبُ النِّصْفِ لَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ كَمُكَاتَبِ الْجَمِيعِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا قَتَلَ عَمْدًا وَلَهُ وَارِثٌ فِي كَسْبِهِ غَيْرُ الْمَوْلَى أَوْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فِي قِيمَتِهِ، وَلَا وَفَاءَ بِالْمُكَاتَبَةِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ ضَرَرًا عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَفِي إيجَابِ الْقِيمَةِ تُوَفَّرُ الْمَنْفَعَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي عَنْهُ كِتَابَتُهُ فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَحَقُّ الْمَقْتُولِ فِي بَدَلِ نَفْسِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ فَإِيجَابُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَقْتُولُ أَوْلَى مِنْ إيجَابِ الْقِصَاصِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْمَقْتُولِ، وَلَا لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ بِسَبَبِهِ إذَا تَرَكَ وَارِثًا غَيْرَ الْمَوْلَى وَاشْتِبَاهُ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَلَدٌ حُرٌّ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ أَيْضًا، وَإِنْ اجْتَمَعَ فِي طَلَبِهِ الْوَلِيُّ وَالْوَلَدُ لِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَوْفِي كَانَ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَالْقِصَاصُ لِوَلَدِهِ، وَعَلَى قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمُوتُ عَبْدًا فَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِمَوْلَاهُ وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فَبِاعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ الْقَتْلِ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَبِاعْتِبَارِ الْمَآلِ الْقِصَاصُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ حُرًّا فَلِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَوْفِي كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ اجْتَمَعَا عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ فَبِاجْتِمَاعِهِمَا لَا يَصِيرُ مُوجِبًا، وَإِنْ لَمْ يَدَعْ الْمُكَاتَبُ شَيْئًا فَلَا قِصَاصَ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِلْمَوْلَى وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِهَا، فَقَدْ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ أَيْضًا، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لِلِاسْتِيفَاءِ مَاتَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ لِاشْتِبَاهِ السَّبَبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ.
رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ مُكَاتَبٍ، ثُمَّ جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى الْقَاطِعِ جِنَايَةً، ثُمَّ عَجَزَ فَعَلَى الْحُرِّ أَرْشُ الْجِنَايَةِ لِلْمَوْلَى وَيَدْفَعُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ مَقْطُوعًا أَوْ يَفْدِيهِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْحُرِّ بِجِنَايَتِهِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَكَسْبُهُ لِلْمَوْلَى بَعْدَ الْعَجْزِ، ثُمَّ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ مَقْطُوعًا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وُجِدَتْ مِنْهُ، وَهُوَ أَقْطَعُ الْيَدِ فَيُخَاطَبُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ لِذَلِكَ بَعْدَ الْعَجْزِ أَوْ الْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْحُرِّ قَبْلَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ قِيلَ لِلْمَوْلَى ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ، فَإِنْ دَفَعَهُ بَطَلَتْ جِنَايَةُ الْحُرِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الْحُرِّ وَيَدُهُ صَحِيحَةٌ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِيَدِهِ، ثُمَّ يُحَوَّلُ إلَى بَدَلِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، فَإِذَا اخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ أَرْشَ الْيَدِ مَعَهُ لَوْ كَانَ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا آخَرَ، فَإِذَا كَانَ هُوَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، فَقَدْ مَلَكَ مَا عَلَيْهِ مِنْ أَرْشِ الْيَدِ فَيَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ، وَإِنْ فَدَاهُ أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْ الْحُرِّ أَرْشَ جِنَايَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَالُ حَقِّهِ وَطَهُرَ الْعَبْدُ مِنْ الْجِنَايَةِ فَيَكُونُ أَرْشُ يَدِهِ خَالِصَ حَقِّ الْمَوْلَى.
رَجُلٌ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ، ثُمَّ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَيْهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ مُكَاتَبَ النِّصْفِ مُكَاتَبُ الْكُلِّ فِي أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمَ الْجُثَّةِ إلَى الْجَانِي، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الدِّيَاتِ أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ وُجُوبَ ضَمَانِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ عَلَى الْجَانِي، فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ، ثُمَّ نِصْفُ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى وَنِصْفُهُ لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ مُكَاتَبٌ وَالنِّصْفُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى غَيْرَ مُكَاتَبٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَضَمَانُ النُّقْصَانِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبٍ اكْتَسَبَهُ الْمُكَاتَبُ فَيَكُونُ نِصْفُهُ لِمَوْلَاهُ وَنِصْفُهُ لِلْمُكَاتَبِ.
وَإِذَا قَتَلَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ رَجُلًا خَطَأً فَاخْتَارَ الْمُكَاتَبُ فِدَاءَهُ بِالدِّيَةِ وَقَضَى عَلَيْهِ بِهَا فَهُوَ دَيْنٌ فِي عُنُقِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي عَبْدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ، وَفِي اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ مَنْفَعَةٌ لَهُ، وَهُوَ اسْتِخْلَاصُ عَبْدِهِ عَنْ الْجِنَايَةِ فَيَكُونُ هُوَ فِيهِ كَالْحُرِّ وَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ دُيُونِهِ وَيُطَالِبُهُ بِهِ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ عَجَزَ بِيعَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَهُ الْمَوْلَى عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ عَلَى عَبْدِهِ بِجِنَايَةٍ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَيُخَيَّرُ الْمُكَاتَبُ فِيهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يُقِرُّ عَلَى عَبْدِهِ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ عَنْ جِنَايَةٍ عَلَى عَبْدِهِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ هَذَا فِيمَا إذَا عَجَزَ وَأَدَّى فِي الدِّيَاتِ.
رَجُلٌ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ، ثُمَّ جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً ضَمِنَ الْمَوْلَى نِصْفَهَا وَسَعَى الْمُكَاتَبُ فِي نِصْفِهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِنِصْفِ كَسْبِهِ فَيَكُونُ مُوجَبُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ وَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِنِصْفِ كَسْبِهِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فَيَكُونُ مُوجَبُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ نِصْفِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَانِعًا دَفْعَ هَذَا النِّصْفِ بِالْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ وَلَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا بِذَلِكَ فَيَكُونُ مُسْتَهْلِكًا ضَامِنًا لِلْقِيمَةِ كَمَا فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنْ قَضَى بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ عَجَزَ بِيعَ نِصْفُهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيْهِ وَكَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ دَيْنًا عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَقَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي تَحَوَّلَ مِنْ نِصْفِ نَفْسِهِ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيُبَاعُ ذَلِكَ النِّصْفُ فِيهِ بَعْدَ عَجْزِهِ، فَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ، فَإِنَّمَا قَضَى بِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِعَجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ قَضَى بِهِ كَانَ السَّبَبُ الْقَضَاءُ، وَهُوَ تَعَذُّرُ الدَّفْعِ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ وَلَكِنْ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً، فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَى الْمُكَاتَبِ بِنِصْفِ قِيمَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ هُوَ مُكَاتَبٌ فِيهِ، وَقَدْ تَحَوَّلَ حَقُّ الْأَوَّلِ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الثَّانِي بِهَذَا النِّصْفِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَةٍ لِهَذَا وَيَدْخُلُ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا مَنَعَ بِالْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ إلَّا نِصْفَ الرَّقَبَةِ فَلَا يَغْرَمُ بِاعْتِبَارِهِ إلَّا نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَقَدْ أَدَّى ذَلِكَ النِّصْفَ إلَى الْأَوَّلِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرَ وَلَكِنَّ الثَّانِي يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِيمَا قَبَضَ مِنْ الْمَوْلَى مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ لِلثَّانِي قِيلَ لِلْمَوْلَى ادْفَعْهُ إلَى الثَّانِي أَوْ افْدِهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الثَّانِيَةَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ بِاعْتِبَارِ تَوَهُّمِ الدَّفْعِ بَعْدَ الْعَجْزِ، فَإِنْ دَفَعَهُ تَبِعَهُ الْأَوَّلُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ تَحَوَّلَ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَاجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ فَيَدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ، ثُمَّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَيَكُونُ لِلْأَوَّلِ عَلَى الْمَوْلَى نِصْفُ الْقِيمَةِ لِقَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ بِذَلِكَ.
رَجُلٌ كَاتَبَ نِصْفَ أَمَتِهِ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا فَجَنَى الْوَلَدُ جِنَايَةً، فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي نِصْفِ جِنَايَتِهِ وَيَكُونُ نِصْفُهَا عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ نِصْفُهُ مُكَاتَبٌ وَنِصْفُهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَفِي النِّصْفِ الَّذِي هُوَ مُكَاتَبٌ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ لِلْمَوْلَى مُتَعَذِّرٌ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْأُمَّ بَعْدَمَا جَنَى الْوَلَدُ عَتَقَ نِصْفُ الْوَلَدِ وَسَعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْوَلَدِ كَانَ مُكَاتَبًا تَبَعًا لِأُمِّهِ فَيُعْتَقُ بِعِتْقِهَا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى، وَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْمِلْكِ لَهُ بِسَبَبِ عِتْقِ النِّصْفِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى وَنِصْفُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ نِصْفَهُ كَانَ مُكَاتَبًا، وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ لَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَتَقَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى إيَّاهُ، وَفِي الْأَوَّلِ إنَّمَا عَتَقَ بِحُكْمِ السِّعَايَةِ فِي الْكِتَابَةِ وَذَلِكَ كَانَ فِي النِّصْفِ مِنْهُ دُونَ النِّصْفِ، وَلَوْ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ مِنْهُمَا وَلَمْ يَجْنِيَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَكِنْ جَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جِنَايَتِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ نِصْفِ الْجِنَايَةِ بِاعْتِبَارِ الْكِتَابَةِ فِي النِّصْفِ، ثُمَّ نِصْفُ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ أَنَّ النِّصْفَ مَمْلُوكٌ لَهُ، وَهُوَ مُسْتَهْلَكٌ بِالْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ وَنِصْفُهُ عَلَى الْجَانِي لِلْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ نِصْفُهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى غَيْرُ مُكَاتَبٍ فَيَصِيرُ بَعْضُهُ بِالْبَعْضِ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلُ مَا لِصَاحِبِهِ، وَلَوْ جَنَتْ الْأُمُّ، ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهَا وَلَمْ تَدَعْ شَيْئًا فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا يَسْعَى فِي نِصْفِ الْجِنَايَةِ وَالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْوَلَدِ مُكَاتَبٌ مَعَهَا، وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ تَبَعًا لَهَا كَأَنْ يَقُومَ مَقَامَهَا فِي السِّعَايَةِ فِيمَا عَلَيْهَا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَمُوجَبُ الْجِنَايَةِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى ابْتِدَاءً فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا كَجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ قَضَى عَلَيْهَا بِالْجِنَايَةِ أَوْ لَمْ يَقْضِ.
أَمَّا فِي النِّصْفِ الَّذِي هُوَ عَلَى الْمَوْلَى فَغَيْرُ مُشْكِلٍ، وَفِي النِّصْفِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهَا فَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ بَقِيَتْ بِبَقَاءِ مَنْ يُؤَدِّي الْبَدَلَ وَتَصِيرُ جِنَايَتُهَا دَيْنًا بِمَوْتِهَا عَمَّنْ يُؤَدِّي كَمَا تَصِيرُ دَيْنًا بِمَوْتِهَا عَمَّنْ يُؤَدِّي لَهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَكَانَ الْقَضَاءُ وَغَيْرُ الْقَضَاءِ فِيهِ سَوَاءٌ، فَإِنْ جَنَى الْوَلَدُ بَعْدَ ذَلِكَ جِنَايَةً، ثُمَّ عَجَزَ، وَقَدْ كَانَ قَضَى عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ أُمِّهِ، فَإِنَّ الَّذِي قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَةِ أُمِّهِ دَيْنٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَدْفَعَهُ بِجِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ جِنَايَتِهِ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ دَفْعِهِ بِعَجْزِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَدْفَعَهُ بِجِنَايَتِهِ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ، فَإِنْ فَدَاهُ بِيعَ نِصْفُهُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى أُمِّهِ، وَإِنْ دَفَعَهُ لَمْ يَتْبَعْهُ فِي هَذَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنُ أُمِّهِ وَحَقُّ وَلِيِّ جِنَايَتِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ صَاحِبِ دَيْنِ أُمِّهِ فَلِهَذَا لَمْ يَتْبَعْهُ الْمَقْضِيِّ لَهُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فِي مِلْكِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ.
رَجُلٌ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَجَنَى جِنَايَةً، ثُمَّ كَاتَبَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فَجَنَى جِنَايَةً أُخْرَى وَلَمْ يَكُنْ قَضَى لِلْأَوَّلِ، فَإِنَّ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَيُقْضَى عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حِين جَنَى عَلَى الْأَوَّلِ كَانَ النِّصْفُ مِنْهُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى غَيْرَ مُكَاتَبٍ فَكَانَ الدَّفْعُ مِنْهُ مُتَعَذِّرًا فَوَجَبَ عَلَى الْمَوْلَى نِصْفُ قِيمَتِهِ لِوَلِيِّ تِلْكَ الْجِنَايَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ جَنَى عَلَى الثَّانِي، وَهُوَ مُكَاتَبٌ كُلُّهُ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَتَكُونُ نِصْفُ هَذِهِ الْقِيمَةِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الَّذِي كُوتِبَ مِنْهُ آخِرًا مَا ثَبَتَ فِيهِ إلَّا حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَقِيمَةُ هَذَا النِّصْفِ عِنْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي تَكُونُ لَهُ خَاصَّةً وَالنِّصْفُ الْآخَرُ، وَهُوَ الَّذِي كُوتِبَ مِنْهُ أَوَّلًا قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ الْجِنَايَتَانِ جَمِيعًا فَقِيمَةُ ذَلِكَ النِّصْفِ إذَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِيهِ، فَقَدْ وَصَلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ لَهُ نِصْفُ حَقِّهِ، فَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي دَفَعَهُ إلَيْهِمَا أَوْ فَدَاهُ، فَإِنْ كَانَ قَضَى عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَجْنِيَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ عَجَزَ، فَإِنَّ لِلْمُقْضَى لَهُ نِصْفُ مَا قَضَى لَهُ عَلَى الْمَوْلَى وَنِصْفُهُ دَيْنٌ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ وَيَدْفَعُ الْعَبْدُ إلَى الثَّانِي أَوْ يَفْدِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى عَلَى الثَّانِي كَانَتْ الرَّقَبَةُ فَارِغَةً عَنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِهِ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَجْزِ أَوْ يَفْدِي بِالدِّيَةِ، فَإِنْ دَفَعَهُ تَبِعَهُ الْأَوَّلُ فَيُبَاعُ لَهُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِمَا قُلْنَا إنَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَيَتْبَعُهُ ذَلِكَ فِي مِلْكِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَيُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهُ.
وَلَوْ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَجَنَى جِنَايَةً، ثُمَّ كَاتَبَ النِّصْفَ الْبَاقِي فَجَنَى جِنَايَةً، ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ الْأُولَى يُرَدُّ ذَلِكَ النِّصْفُ إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ بِمَنْزِلَةِ شَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ فَالْعَجْزُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ الْعَجْزَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ فِيمَا تَقَرَّرَ فِيهِ سَبَبُهُ، ثُمَّ يَقْضِي عَلَى الْمَوْلَى لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً بِنِصْفِ جِنَايَتِهِ وَنِصْفُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ بِنِصْفِ جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى كَانَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى تِلْكَ الْجِنَايَةَ كَانَ النِّصْفُ مِنْهُ لِلْمَوْلَى مِلْكًا فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ لِعَجْزِهِ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقَةً بِنِصْفِ الرَّقَبَةِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ أَيْضًا جِنَايَتُهُ عَلَى الثَّانِي بِذَلِكَ النِّصْفِ وَكَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعُ ذَلِكَ النِّصْفِ بِالْجِنَايَتَيْنِ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ الْأُولَى لَوْلَا الْكِتَابَةُ الثَّانِيَةُ، وَهُوَ بِالْكِتَابَةِ الثَّانِيَةِ صَارَ مَانِعًا دَفْعَ ذَلِكَ النِّصْفِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ، وَعَلَى الْمُكَاتَبِ نِصْفُ الْقِيمَةِ أَيْضًا لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي مُكَاتَبٌ فَمُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي هَذَا النِّصْفِ مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ.
وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ الثَّانِيَةِ خَاصَّةً وَلَمْ يَعْجِزْ عَنْ الْأُولَى فَعَلَى الْمَوْلَى هُنَا الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَنِصْفِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَهُوَ لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً وَنِصْفُ الْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ جِنَايَتِهِ وَيَقْضِي عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي النِّصْفِ الَّذِي كُوتِبَ أَخِيرًا بِالْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَنْصَافِ جِنَايَتِهِمَا، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
فَأَمَّا عِنْدَهُمَا إذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ نِصْفَ عَبْدِهِ فَهُوَ مُكَاتَبٌ كُلُّهُ وَالْحُكْمُ فِي جِنَايَتِهِ كَالْحُكْمِ فِي جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا سَبَقَ.
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ لَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ جَنَى أَحَدُهُمَا جِنَايَةً سَعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَهُ مِنْهَا شَيْءٌ إنْ عَاشَ هَذَا أَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ بِمُقَابِلَةِ بَعْضِ الْبَدَلِ فَاتِّحَادُ الْعَقْدِ وَاخْتِلَافُ الْعَقْدِ فِيمَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ سَوَاءٌ، وَلَوْ كُوتِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَلْزَمْ أَحَدَهُمَا شَيْءٌ مِمَّا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ جِنَايَةٍ أَوْ دَيْنٍ فَكَذَلِكَ إذَا كُوتِبَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِجَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَجْلِ الضَّمَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْعِتْقِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الدَّيْنِ وَالْجِنَايَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ خَطَأً وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَا مُكَاتَبَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ، ثُمَّ الْحَيُّ مِنْهُمَا يَسْعَى فِي جَمِيعِ الْكِتَابَةِ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَمَّنْ يُؤَدِّي الْبَدَلَ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ فَلَا يُمْكِنُ فَسْخُهُ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ مَعَ إبْقَائِهِ فِي حَقِّ الْحَيِّ، وَلَا بُدَّ مِنْ إبْقَاءِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحَيِّ، وَهَذَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْحُرِّيَّةِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ، وَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ وَاسْتَوْجَبَ الرُّجُوعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا يُؤَدِّي عَنْهُ مِنْ حِصَّتِهِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ قِصَاصًا بِمَا لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ وَيُؤَدِّي فَضْلًا إنْ بَقِيَ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِفَضْلٍ إنْ كَانَ بَقِيَ لَهُ.
وَلَوْ كَاتَبَ أَمَتَيْنِ لَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا وَلَدًا، ثُمَّ جَنَى الْوَلَدُ عَلَى الْأُخْرَى فَأَدَّتْ أَمَةٌ الْمُكَاتَبَةَ عَتَقُوا، فَإِنَّ الْأُمَّ تَرْجِعُ عَلَى صَاحِبَتِهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهَا أَدَّتْ ذَلِكَ عَنْهَا بِحُكْمٍ صَحِيحٍ بِأَمْرِهَا وَيَسْعَى الْوَلَدُ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مُكَاتَبًا وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ تُلْزِمُهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ لِوُقُوعِ النَّاسِ عَنْ الدَّفْعِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْوَلَدِ مَالٌ حِينَ عَتَقَ كَانَ ذَلِكَ لِلْأُمِّ إنْ لَمْ يَكُنْ قَضَى بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِتَوَهُّمِ الدَّفْعِ بَعْدَ الْعَجْزِ وَكَسْبُ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ سَالِمٌ لَهَا بِشَرْطِ الْفَرَاغِ عَنْ دَيْنِهِ لِمَا قُلْنَا أَنَّ فِي حُكْمِ الْكَسْبِ وَلَدُهَا بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهَا وَالْجِنَايَةُ إنَّمَا صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ سَلَامَةِ الْكَسْبِ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَضَى عَلَيْهِ بِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَحِينَئِذٍ مُوجَبُ الْجِنَايَةِ مِنْ قِيمَةٍ أَوْ أَرْشٍ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ آخَرَ عَلَى الْوَلَدِ وَدَيْنُهُ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ أُمِّهِ بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الْعَبْدِ فَيُؤْخَذُ الدَّيْنُ أَوَّلًا مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْأُمِّ.
وَلَوْ كَانَتْ الْأُخْرَى جَنَتْ عَلَى الْوَلَدِ كَانَ أَرْشُ ذَلِكَ عَلَيْهَا لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُجْعَلُ مِلْكًا لِلْمَوْلَى ضَرُورَةَ التَّبَعِيَّةِ فِي الْكِتَابَةِ كَمَا يَكُونُ خَارِجًا مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ لَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ هَذِهِ الضَّرُورَةُ فَجُعِلَ ذَلِكَ لَهَا وَأَرْشُ طَرَفِهِ خَارِجٌ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَكَذَلِكَ كَسْبُهُ فَيَسْلَمُ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهَا وَأَرْشِ طَرَفِهَا، فَإِنْ أَدَّتْ فِي الْكِتَابَةِ صَارَ مَا أَدَّتْ عَنْ صَاحِبَتِهَا قِصَاصًا بِالْأَرْشِ وَيَتَرَاجَعَانِ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْجَبَ الرُّجُوعَ عَلَى صَاحِبَتِهَا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَصَاحِبَتُهَا اسْتَوْجَبَتْ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا بِمَا أَدَّتْ عَنْهَا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ كَذَلِكَ.
عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَنَى جِنَايَةً فَكَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَالْآخَرُ يَعْلَمُ فَبَلَغَ الْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ كِتَابَةَ صَاحِبِهِ فَأَجَازَهَا لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا بِالْإِجَازَةِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا، وَأَمَّا الْمُجِيزُ، فَقَدْ كَانَ الدَّفْعُ مُتَعَذِّرًا فِي نَصِيبِهِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ فِي النِّصْفِ كَعَقْدِ الْكِتَابَةِ فِي الْكُلِّ فِي الْمَنْعِ عَنْ الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ لَا كَذَلِكَ فَالْمُجِيزُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ وَدَفْعِ نَصِيبِهِ بِالْجِنَايَةِ، وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ بِإِجَازَتِهِ الْكِتَابَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ قُلْنَا هُوَ بِالْإِجَازَةِ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْفَسْخِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَحَلِّ الْمُسْتَحَقِّ بِالْجِنَايَةِ وَالِاخْتِيَارُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَصَرُّفِهِ فِي الْمَحَلِّ الْمُسْتَحَقِّ بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَإِذَا فَوَّتَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا، فَإِنَّهُ مَا تَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي فَسْخِ كِتَابَةِ صَاحِبِهِ فِي نَصِيبِهِ وَمَا كَانَ دَفْعُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ بِهَذِهِ الْإِجَازَةِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَكِنْ يَكُونُ عَلَيْهِمَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَاتَبَاهُ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ بِالْجِنَايَةِ.
عَبْدٌ جَنَى عَلَى حُرٍّ بِقَطْعِ يَدِهِ، ثُمَّ قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ رَجُلٌ حُرٌّ، وَلَا يُعْلَمُ أَيُّ الْجِنَايَتَيْنِ قَبْلُ، فَقَالَ الْحُرُّ كَانَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَيَّ قَبْلَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْمَوْلَى بَلْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْمَوْلَى أَرْشَ يَدِ الْعَبْدِ ظَاهِرٌ، وَهُوَ مِلْكُهُ رَقَبَتَهُ وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِدَعْوَاهُ سَبْقَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُ مَا يَدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَعَلَى الْمَوْلَى الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّارِيخُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ الْمَوْلَى خُيِّرَ، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ.
قَالَ: (أَلَا تَرَى) أَنَّ عَبْدًا لَوْ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ وَجَرَحَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ، فَقَالَ الْمَوْلَى فَعَلْت ذَلِكَ قَبْلَ جِنَايَةِ عَبْدِي عَلَيْهِ، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَلْ فَعَلْته بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يَدَّعِي اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ وَالْمَوْلَى مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ.
وَإِنْ الْتَقَى عَبْدٌ وَحُرٌّ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصًا فَشَجَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مُوضِحَةً فَبَرِئَا جَمِيعًا، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا بَدَأَ بِالضَّرْبَةِ، فَقَالَ الْمَوْلَى لِلْحُرِّ أَنْتَ بَدَأْت بِالضَّرْبَةِ، وَقَالَ الْحُرُّ بَلْ الْعَبْدُ بَدَأَ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ أَنَّ الْحُرَّ يَدَّعِي سَبْقَ تَارِيخٍ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَيَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ، فَإِذَا حَلَفَ الْمَوْلَى كَانَ عَلَى الْحُرِّ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ، لِلْمَوْلَى أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَيَدْفَعُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ بِجِنَايَتِهِ أَوْ يَفْدِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَ الْعَبْدِ سَيْفٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ وَبَرِئَ الْحُرُّ؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى الْعَبْدِ هَاهُنَا، فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَالْحُرُّ إنَّمَا جَنَى عَلَى الْعَبْدِ بِالْقِصَاصِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ الْوَاجِبُ الْأَرْشَ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَوْلَى فِي إنْكَارِ التَّارِيخِ كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ جَمِيعُ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فَيَكُونُ مِقْدَارَ مَا تَقْتَضِيهِ ضَرْبَةُ الْحُرِّ فِي قِيمَتِهِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي ضَرَبَ الْعَبْدُ الْحُرَّ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَفْدِيهِ الْمَوْلَى ذَلِكَ يَكُونُ لِلْمَوْلَى وَيَكُونُ فِي الْبَاقِي أَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ اسْتَحَقَّ نَفْسَهُ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا فَيَقُومُ الْبَدَلُ مَقَامَهُ وَيُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِدَفْعِ ذَلِكَ الْقَدْرِ إلَى الْحُرِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَدْفَعُ إلَيْهِ مِقْدَارَ أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ السَّيْفُ مَعَ الْحُرِّ وَالْعَصَا مَعَ الْعَبْدِ، وَقَدْ مَاتَ الْعَبْدُ وَأَرْشُ جِرَاحَةِ الْحُرِّ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ، فَقَالَ الْمَوْلَى أَنْتَ بَدَأْت فَضَرَبْت عَبْدِي، وَقَالَ الْحُرُّ بَلْ الْعَبْدُ بَدَأَ فَضَرَبَنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ سَبْقَ التَّارِيخِ فِي جِنَايَةِ عَبْدِهِ عَنْ الْحُرِّ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْحُرَّ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ عَبْدَهُ بِالسَّيْفِ وَبَطَلَ حَقُّ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ نَفْسُ الْعَبْدِ، وَقَدْ مَاتَ وَلَمْ يَخْلُفْ بَدَلًا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْلَفَ الْقِصَاصَ، وَإِبْقَاءَ مُوجَبِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْقِصَاصِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحُرُّ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ أَوَّلًا، فَقَدْ اسْتَحَقَّ نَفْسَهُ بِجِنَايَتِهِ، ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى قَتْلِ نَفْسٍ هِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ بِالْجِنَايَةِ فَصَيَّرَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ عَنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ.
قُلْنَا: لَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ عَبْدًا لَوْ جَنَى عَلَى الْحُرِّ، ثُمَّ جَنَى الْحُرُّ عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَأِ تَتَبَاعَدُ عَنْ الْجَانِي وَتَتَعَلَّقُ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْعَبْدِ مَوْلَاهُ وَلِهَذَا خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَبَيْنَ الْفِدَاءِ وَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْعَبْدِ حَقٌّ ضَعِيفٌ حَتَّى لَا يَمْنَعُ بِقَوَدِ شَيْءٍ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْمَوْلَى فِيهِ وَمِثْلُ هَذَا الْحَقِّ الضَّعِيفِ لَا يُعْتَبَرُ شُبْهَةٌ فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ، فَإِنْ أَقَامَ الْحُرُّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَبْدِ أَنَّهُ بَدَأَ فَضَرَبَهُ فَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَبْدِ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ حَقٌّ ضَعِيفٌ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ، وَقَدْ فَاتَ مَحَلُّ حَقِّ الْحُرِّ فَبَطَلَ حَقُّهُ.
وَلَوْ الْتَقَى عَبْدٌ وَحُرٌّ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصًا فَاضْطَرَبَا فَشَجَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مُوضِحَةً فَبَرِآ مِنْهَا وَاتَّفَقَ الْمَوْلَى وَالْحُرُّ إنَّهُمَا لَا يَدْرِيَانِ أَيُّهُمَا بَدَأَ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْمَوْلَى أَوْ يَفْدِيهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ مَعْلُومَةٌ وَهِيَ تُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمَوْلَى، فَإِنْ دَفَعَهُ رَجَعَ عَلَى الْحُرِّ بِنِصْفِ أَرْشِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْحُرِّ عَلَيْهِ إنْ سَبَقَتْ فَلِلْمَوْلَى الْأَرْشُ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ مَدْفُوعٌ مَعَ الْعَبْدِ بِجِنَايَتِهِ فَلِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ قُلْنَا يَرْجِعُ عَلَى الْحُرِّ بِنِصْفِ أَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ فَدَاهُ رَجَعَ عَلَى الْحُرِّ بِجَمِيعِ أَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ طَهَّرَهُ عَنْ جِنَايَتِهِ وَأَرْشُ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَيْهِ سَالِمٌ لَهُ بَعْدَ الْفِدَاءِ، وَإِنْ تَقَدَّمَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ.
وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَشَجَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مَعًا وَبَرِآ خُيِّرَ مَوْلَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِجِنَايَةِ مَمْلُوكِهِ عَلَى مَمْلُوكِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ صَارَ عَبْدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فَلَا يَتَرَاجَعَانِ بِشَيْءٍ سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصَلَ إلَى مَا كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشَ جِنَايَةِ الْآخَرِ تَامًّا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالضَّرْبَةِ قِيلَ لِمَوْلَى الْبَادِي بِالضَّرْبَةِ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ؛ لِأَنَّ عَبْدَهُ سَبَقَ بِالْجِنَايَةِ فَيُخَيَّرُ هُوَ أَوَّلًا، فَإِنْ دَفَعَهُ صَارَ الْعَبْدُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ الدَّافِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهِ مَعَ عَبْدِهِ عَنْ الْجِنَايَةِ فَتَبْقَى جِنَايَةُ عَبْدِ الْآخَرِ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَةً، فَإِنْ مَاتَ الْبَادِي مِنْ الضَّرْبَةِ وَبَرِئَ الْآخَرُ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةُ آلَافٍ، فَإِنَّ قِيمَةَ الْمَيِّتِ فِي عُنُقِ الْحَيِّ يَدْفَعُ بِهَا أَوْ يَفْدِي، فَإِنْ فَدَاهُ بِقِيمَةِ الْمَيِّتِ رَجَعَ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ بِأَرْشِ جِنَايَةِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي رَقَبَةِ الْمَيِّتِ بِاعْتِبَارِ جِنَايَتِهِ عَلَى مِلْكِهِ، وَقَدْ مَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ الْبَدَلِ بِأَرْشِ جِرَاحَةِ عَبْدِهِ، وَإِنْ دَفَعَهُ رَجَعَ بِأَرْشِ شَجَّةِ عَبْدِهِ فِي عُنُقِهِ وَيُخَيَّرُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ عَبْدِهِ كَانَتْ بَعْدَ الشَّجَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ مَوْلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَرْشِ تِلْكَ الشَّجَّةِ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ جِنَايَةِ مَوْلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُخَيَّرًا بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ جِنَايَتِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ عَبْدًا لَوْ شَجَّ عَبْدًا مُوضِحَةً، ثُمَّ جَاءَ عَبْدٌ آخَرَ فَقَتَلَ الشَّاجَّ خَطَأً خُيِّرَ مَوْلَاهُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، فَإِنْ فَدَاهُ كَانَ أَرْشُ جِرَاحَةِ الْمَشْجُوجِ فِي ذَلِكَ الْفِدَاءِ، وَإِنْ دَفَعَهُ خُيِّرَ مَوْلَى الْعَبْدِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ عَلَى مَا سَبَقَ، وَقَدْ أَعَادَ جَوَابَ هَذَا السُّؤَالِ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ، وَقَالَ مَوْلَى الْمَيِّتِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ أَرْشَ جِنَايَةِ الْحَيِّ مَكَانَ قِيمَةِ عَبْدِهِ فِي عُنُقِ الْبَاقِي وَيُخَيَّرُ مَوْلَاهُ، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ الْمَوْلَى أَرْشَ جِنَايَةِ الْحَيِّ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عُنُقِ الْحَيِّ؛ لِأَنَّ عَبْدَهُ هُوَ الْبَادِي بِالْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي عُنُقِ الْحَيِّ شَيْءٌ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَرْشَ جِنَايَتِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ عَبْدَهُ لَوْ كَانَ حَيًّا بُدِئَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ؟ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَيِّتًا، وَلَوْ بَرِئَ الْأَوَّلُ وَمَاتَ الْآخَرُ مِنْ الْجِنَايَةِ خُيِّرَ مَوْلَى الْأَوَّلِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ هُوَ الَّذِي بَدَأَ بِالْجِنَايَةِ، فَإِنْ فَدَى عَبْدَهُ كَانَ أَرْشُ جِنَايَةِ عَبْدِهِ فِي الْفِدَاءِ بَعْدَمَا يَدْفَعُ مِنْهُ أَرْشَ مُوضِحَةَ الْعَبْدِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْآخَرَ جَنَى عَلَى عَبْدِهِ، وَهُوَ مَشْجُوجٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُ بِأَرْشِ الشَّجَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ حَقُّهُ فِي الْعَبْدِ مَشْجُوجًا، وَقَدْ مَاتَ وَأَخْلَفَ عِوَضًا، وَإِنْ دَفَعَ عَبْدَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بِالدَّفْعِ يَسْقُطُ عَنْ أَرْشِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْآخَرِ عَلَى عَبْدِهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى ذَلِكَ لَزِمَهُ دَفْعُهُ مَعَ عَبْدِهِ فَلَا يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ مُفِيدًا شَيْئًا.
وَلَوْ تَضَارَبَ الْعَبْدَانِ بِالْعَصَا فَشَجَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مُوضِحَةً فَبَرِآ وَالْبَادِئُ مَعْرُوفٌ، ثُمَّ إنَّ عَبْدًا لِرَجُلٍ قَتَلَ الْبَادِئَ مِنْهُمَا خَطَأً قِيلَ لِمَوْلَاهُ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ، فَإِنْ فَدَاهُ بِقِيمَتِهِ أَدَّى مَوْلَاهُ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ أَرْشَ جِرَاحَةِ الْعَبْدِ الْبَاقِي وَالْفَضْلُ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَوْلَى الْبَادِي هُوَ الْمُخَاطَبُ أَوَّلًا وَحُكْمُ جِنَايَةِ مَمْلُوكِهِ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِاخْتِيَارِ مَوْلَى الْعَبْدِ الثَّالِثِ الدَّفْعَ أَوْ الْفِدَاءَ فَلِهَذَا بُدِئَ بِهِ وَلَمَّا اخْتَارَ الْفِدَاءَ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْبَادِي قِيمَتُهُ فَلِمَوْلَى الْعَبْدِ الْبَاقِي فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى عَبْدِهِ وَالْفَضْلُ لِمَوْلَى الْبَادِي، ثُمَّ يَرْجِعُ مَوْلَى الْبَادِي بِأَرْشِ جِرَاحَةِ عَبْدِهِ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ الْبَاقِي فَيَدْفَعُ بِهَا أَوْ يَفْدِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَى مَوْلَى الْعَبْدِ الْبَاقِي كَمَالُ حَقِّهِ، وَإِنْ دَفَعَ مَوْلَى الْقَاتِلِ عَبْدَهُ قَامَ الْمَدْفُوعُ مَقَامَ الْمَقْتُولِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْتُولَ لَوْ كَانَ الْبَاقِيَ كَأَنْ يُخَيَّرَ مَوْلَاهُ أَوَّلًا، فَإِنْ دَفَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ مِنْ أَرْشِ جِرَاحَةِ عَبْدِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ فَدَاهُ رَجَعَ فِي عُنُقِ صَاحِبِهِ بِأَرْشِ جِرَاحَةِ عَبْدِهِ فَكَذَا هُنَا.
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الثَّالِثُ قَتَلَ الْآخَرَ مِنْهُمَا فَدَفَعَهُ مَوْلَاهُ قَامَ الْمَدْفُوعُ مَقَامَ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ فَدَاهُ بِقِيمَتِهِ خُيِّرَ مَوْلَى الْبَادِي بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، فَإِنَّ دَفْعَهُ إلَيْهِ شَيْءٌ لَهُ عَلَى مَوْلَى الْمَقْتُولِ، وَلَا فِي قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ الدَّفْعَ يَكُونُ حَقُّ مَوْلَى الْمَقْتُولِ ثَابِتًا فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ الْبَادِي فَلَا يُفِيدُ رُجُوعُ مَوْلَاهُ عَلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَدَاهُ، فَقَدْ طَهَّرَ عَبْدَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ، وَقَدْ فَاتَ الْمَقْتُولُ وَأَخْلَفَ قِيمَةً فَيَرْجِعُ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ بِأَرْشِ جِرَاحَةِ عَبْدِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ خُيِّرَ مَوْلَى الْعَبْدِ الْبَادِئُ، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَ أَرْشَ شَجَّةِ الْمَقْتُولِ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ نَفْسَهُ وَأَيَّهُمَا فَعَلَ، فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي الْمَقْتُولِ مَشْجُوجًا، وَقَدْ فَاتَ وَلَمْ يَخْلُفْ عِوَضًا؛ لِأَنَّ عِوَضَهُ كَانَ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ، وَقَدْ فَاتَ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.
وَلَوْ مَاتَ الْبَادِئُ بِالضَّرْبَةِ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ وَبَقِيَ الْآخَرُ، فَإِنَّ مَوْلَى الْبَادِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ إلَى مَوْلَى الثَّانِي أَرْشَ جِنَايَةِ عَبْدِهِ وَيَتْبَعُ عَبْدَهُ بِأَرْشِ جِنَايَةِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ بِالْفِدَاءِ طَهَّرَ عَبْدَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ، وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ الْآخَرُ عَلَى عَبْدِهِ فَيَتْبَعُهُ بِأَرْشِ ذَلِكَ وَيُخَيَّرُ مَوْلَى الْعَبْدِ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ عَبْدَهُ بِذَلِكَ أَوْ يَفْدِيَهُ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْشَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ الْحَيِّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ هُوَ الْمُخَاطَبُ ابْتِدَاءً لِبُدَاءَةِ عَبْدِهِ بِالْجِنَايَةِ وَشَرْطُ وُجُوبِ الْجِنَايَةِ بِوَجْهِ الْخِطَابِ لَهُ عَلَى مَوْلَى الْبَاقِي أَنْ يَدْفَعَ أَرْشَ جِنَايَةِ عَبْدِهِ عَلَيْهِ، فَإِذَا انْعَدَمَ هَذَا الشَّرْطُ بِإِبَائِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوْلَى الْمَفْقُوءَةِ عَيْنَاهُ إذَا دَفَعَ الشَّجَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِع عَلَى الْبَاقِي بِشَيْءٍ.
وَلَوْ أَنَّ عَبْدَيْنِ الْتَقَيَا وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصًا فَشَجَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مُوضِحَةً وَأَحَدُهُمَا بَدَأَ بِالضَّرْبَةِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ فَمَاتَ الضَّارِبُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا مِنْ ضَرْبَةِ صَاحِبِهِ وَبَرِئَ الْآخَرُ فَمَوْلَى الْعَبْدِ الْمَيِّتِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ أَرْشَ جِنَايَةِ الْحَيِّ فَكَانَتْ قِيمَةُ عَبْدِهِ فِي عُنُقِ الْحَيِّ وَخُيِّرَ مَوْلَاهُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ طَهَّرَ عَبْدَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ الْعَبْدَ الْبَاقِيَ وَيُخَيَّرُ مَوْلَاهُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْبَاقِيَ إنَّمَا قَتَلَ الضَّارِبَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ مَشْجُوجٌ، وَإِنْ أَبَى مَوْلَى الْمَيِّتِ أَنْ يَدْفَعَ أَرْشَ جِنَايَةِ الْحَيِّ فَلَا شَيْءُ لَهُ فِي عُنُقِ الْحَيِّ لِتَفْوِيتِهِ شَرْطَهُ كَمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ كَانَا بَرِئَا مِنْ الْمُوضِحَتَيْنِ، ثُمَّ إنَّ الْبَادِيَ مِنْهُمَا قَتَلَ الْآخَرَ خَطَأً خُيِّرَ مَوْلَاهُ، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِأَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَبِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ بُرْءٌ فَتَكُونُ جِنَايَتُهُ الثَّانِيَةُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِذَا فَدَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِيَارِ الدَّفْعِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَى عَبْدِهِ مَعَهُ فَلَا يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ مُفِيدًا شَيْئًا، وَإِنْ فَدَاهُ كَانَ أَرْشُ شَجَّةِ الْمَقْتُولِ لِمَوْلَاهُ خَاصَّةً وَيَكُونُ أَرْشُ شَجَّةِ الْحَيِّ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ الْمَقْبُوضَةِ يَأْخُذُهُ مَوْلَاهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي الْمَقْتُولِ، وَقَدْ فَاتَ وَأَخْلَفَ قِيمَةً فَيَثْبُتُ حَقُّهُ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ بِقَدْرِ أَرْشِ شَجَّةِ الْحَيِّ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْبَادِيَ خَطَأً، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ مَوْلَى الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَ جِنَايَتَهُ، وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِأَرْشِ مُوضِحَةِ الْحَيِّ، ثُمَّ يُخَيَّرُ مَوْلَى الْحَيِّ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ عَبْدَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ.
وَهَذَا نَظِيرُ مَا سَبَقَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَوْلَى الْبَادِي هُوَ الْمُخَاطَبُ أَوَّلًا وَشَرْطُ ثُبُوتِ حَقِّ الرُّجُوعِ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ بِمُوضِحَةِ الْعَبْدِ الْحَيِّ، فَإِنْ وَجَدَ مِنْهُ هَذَا الشَّرْطَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَى الْحَيِّ بِمُوجَبِ جِنَايَةِ عَبْدِهِ عَلَى عَبْدِهِ، فَإِنْ أَبَى إيجَادَ هَذَا الشَّرْطِ كَانَ مُبْطِلًا حَقَّهُ فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ اخْتَارَ مَوْلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ دَفْعَ عَبْدِهِ فَدَفَعَهُ، فَإِنَّ أَرْشَ الشَّجَّةِ الَّتِي شَجَّهَا الْأَوَّلُ فِي عُنُقِهِ، فَإِنْ شَاءَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَدَاهُ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى الْمَدْفُوعِ فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَقْتُولِ وَسَوَاءٌ دَفَعَهُ أَوْ فَدَاهُ لَمْ يَكُنْ لِلْأَوَّلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ الْآخَرِ عَلَى الْأَوَّلِ كَانَتْ، وَهُوَ مَشْجُوجٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ مَوْلَى الْأَوَّلِ بِبَدَلِ تِلْكَ الشَّجَّةِ.
قَالَ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْآخَرَ يَسْبِقُ إلَى الدَّفْعِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْأَوَّلُ شَيْئًا فَالْحُكْمُ مَا بَيَّنَهُ أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ الْبَادِئُ مِنْ الْعَبْدَيْنِ بِالضَّرْبَةِ، ثُمَّ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَمَا بَرِئَا، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ مَوْلَى الْقَاتِلِ، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَ عَبْدَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ الْمَشْجُوجِ صَحِيحًا؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا جِنَايَةَ الْقَاتِلِ عَلَى الْمَقْتُولِ وَكُنَّا قَدْ عِلْمنَا أَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ صَحِيحًا وَاشْتَبَهَ حَالُهُ وَقْتَ الْقَتْلِ فَيَجِبُ التَّمَسُّكَ بِمَا كَانَ مَعْلُومًا فَلِهَذَا يَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ صَحِيحًا إنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ، فَإِنْ دَفَعَهُ كَانَ لَهُ نِصْفُ أَرْشِ شَجَّتِهِ فِي عُنُقِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ كَمَا بَيَّنَّا، فَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ مِنْهُ حِصَّةَ قِيمَةِ الْعَبْدِ مَشْجُوجًا مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي دَفَعَهُ أَوْ يَفْدِيهِ، فَإِنْ فَدَاهُ بِقِيمَتِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الشَّجَّةِ فِي الْفِدَاءِ الَّذِي دَفَعَهُ بَعْدَمَا يَدْفَعُ الْعَبْدُ الْمَقْتُولُ نِصْفَ أَرْشِ شَجَّتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الَّذِي فَدَى عَبْدَهُ بِقِيمَتِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ فِيهِ فَيُسَلَّمُ ذَلِكَ لِمَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ مِنْ الْفِدَاءِ أَوْ يَرْجِعُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ بِأَرْشِ شَجَّةِ عَبْدِهِ.
وَلَوْ الْتَقَى عَبْدَانِ وَتَضَارَبَا فَقَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَ صَاحِبِهِ مَعًا فَبَرِئَا، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ مَوْلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَ عَبْدَهُ وَأَخَذَ عَبْدَ صَاحِبِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ عَبْدَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحُرِّ إذَا كَانَ هُوَ الْقَاطِعَ لِيَدِ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدَيْنِ.
وَلَوْ أَنَّ أَمَةً قَطَعَتْ يَدَ رَجُلٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا فَقَتَلَهَا وَلَدُهَا خَطَأً، فَإِنَّ الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْوَلَدَ إلَى الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ وَأَيَّهُمَا فَعَلَ خُيِّرَ مَوْلَى الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ بَيْنَ دَفْعِ الْأَقَلِّ مِنْ دِيَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ كَانَ ثَابِتًا فِي الْأُمِّ وَالْوَلَدُ مَا انْفَصَلَ عَنْهَا، بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ آخَرَ جَنَى عَلَيْهَا فَتُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ لِحَقِّ صَاحِبِ الْيَدِ وَيُخَيَّرُ كَمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الرَّجُلِ قَطَعَ يَدَ هَذَا الْعَبْدِ خَطَأً فَبَرِآ فَمَوْلَى الْقَاطِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ عَبْدَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ وَأَيَّهُمَا فَعَلَ خُيِّرَ مَوْلَى الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَ عَبْدَهُ وَمَا أَخَذَ بِجِنَايَتِهِ مَعَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ؛ لِأَنَّ عَبْدَهُ كَانَ صَحِيحًا حِينَ قَتَلَ الرَّجُلَ فَحَقُّ وَلِيِّهِ كَانَ ثَابِتًا فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْهُ بِقَطْعِ الْعَبْدِ يَدَهُ إلَى بَدَلٍ فَيَثْبُتُ حَقُّهُ فِي بَدَلِهِ أَيْضًا، فَإِذَا اخْتَارَ دَفْعَهُ فَعَلَيْهِ دَفْعُ بَدَلِ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا اخْتِيَارًا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا اُسْتُحِقَّتْ بِجِنَايَتِهِ وَأَحَدُهُمَا مُنْفَصِلٌ عَنْ الْآخَرِ فَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ كَانَتْ جِنَايَتُهُمَا عَلَى شَخْصَيْنِ سَوَاءٌ فَلَا يَكُونُ إعْتَاقُهُ أَحَدِهِمَا اخْتِيَارًا فِي حَقِّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ دَفْعُ الْآخَرِ بِجِنَايَتِهِ بِسَبَبِ هَذَا الْإِعْتَاقِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ بِالْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي الْجِنَايَةِ الْوَاحِدَةِ اخْتِيَارُهُ فِي الْبَعْضِ يَكُونُ اخْتِيَارًا فِي الْكُلِّ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ قِيمَةِ عَبْدِهِ فِي قَوْلِهِمَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ، فَإِنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ فَوَّتَ بِتَسْلِيمِ الْجُثَّةِ، وَلَوْ مَنَعَ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ إذَا فَوَّتَهُ وَعِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَسْلِيمِ الْجُثَّةِ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ إذَا فَوَّتَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ.
أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَاهَا فَقَتَلَتْ أَحَدَ الْمَوْلَيَيْنِ خَطَأً فَعَلَيْهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى مَوْلَاهَا كَجِنَايَتِهَا عَلَى أَجْنَبِيٍّ آخَرَ، وَقَدْ جَنَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَعَلَيْهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ قَتَلَتْ الْآخَرَ بَعْدَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ حِينَ قَتَلَتْ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ لَزِمَهَا السِّعَايَةُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَالْمُسْتَسْعَى حُرٌّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا سِعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ لِمَوْلَاهَا فَعَرَفْنَا أَنَّهَا قَتَلَتْ الْآخَرَ مِنْهُمَا وَهِيَ حُرَّةٌ فَعَلَيْهَا الدِّيَةُ وَعَلَيْهَا كَفَّارَتَانِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بِالْقَتْلِ تَجِبُ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ كَمَا تَجِبُ عَلَى الْحُرِّ، وَإِنْ قَتَلَتْهُمَا مَعًا فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا جَنَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، وَإِنَّمَا عَتَقَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ جَنَتْ عَلَى أَجْنَبِيَّيْنِ، ثُمَّ عَتَقَتْ كَانَ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا لَهُمَا فَكَذَلِكَ إنْ جَنَتْ عَلَى مَوْلَيَيْهَا.
وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ عَبْدِ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَبْرَأْ حَتَّى زَادَتْ قِيمَتُهُ فَصَارَتْ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ، ثُمَّ مَاتَ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَ عَلَى الْأَوَّلِ سِتُّمِائَةِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْآخَرِ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا قَالَ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَرٌ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَجَابَ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ بِخِلَافِ هَذَا، وَقَدْ بَيَّنَّا تَمَامَهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدِي مَا ذَكَرَ هَاهُنَا صَحِيحٌ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ قِيمَتَهُ صَارَتْ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ صَحِيحًا لَا مَقْطُوعَ الْيَدِ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْأَوَّلَ حِينَ قَطَعَ يَدَهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ لَزِمَهُ بِالْقَطْعِ خَمْسُمِائَةٍ، ثُمَّ الثَّانِي بِقَطْعِ الرِّجْلِ أَتْلَفَ نِصْفَ مَا بَقِيَ فَيَلْزَمُهُ أَيْضًا خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قِيمَتُهُ صَحِيحًا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَقِيمَةُ مَقْطُوعِ الْيَدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَقَدْ أَتْلَفَ نِصْفَهُ بِقَطْعِ الرِّجْلِ، وَهُوَ مَقْطُوعُ الْيَدِ فَيَلْزَمُهُ خَمْسُمِائَةٍ فَحِينَ مَاتَ مِنْهَا، فَقَدْ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتْلِفًا نِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْهُ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ إلَّا أَنَّ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ لَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ هَذَا مِنْ الْقِيمَةِ الْأُولَى وَالْقِيمَةُ الْأُولَى كَانَتْ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَرُبْعُ تِلْكَ الْقِيمَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَعَلَيْهِ بِالسِّرَايَةِ نِصْفُ ذَلِكَ الرُّبْعِ، وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، فَإِذَا ضَمَمْت ذَلِكَ إلَى خَمْسِمِائَةٍ يَكُونُ سِتَّمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَقَدْ أُوجِبَ عَلَى الْأَوَّلِ هَذَا الْمِقْدَارُ وَالْآخَرُ مِنْهُمَا لَزِمَهُ بِالسِّرَايَةِ قِيمَةُ مَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ فِعْلُهُ وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ مِنْ قِيمَتِهِ وَقْتَ جِنَايَتِهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَرُبْعُ تِلْكَ الْقِيمَةِ خَمْسُمِائَةٍ فَنِصْفُ الرُّبْعِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الْجِنَايَةِ خَمْسُمِائَةٍ وَبِالسِّرَايَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَذَلِكَ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.