فصل: باب اسْتِحْبَابِ اسْتِعْمَالِ الْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فِي مَوْضِعِ الدَّمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب اسْتِحْبَابِ إِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ ثَلاَثًا:

493- (سُلَيْمَان بْن صُرَد) هُوَ بِضَمِّ الصَّاد وَفَتْح الرَّاء وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَات وَهُوَ مَصْرُوف وَهُوَ صَحَابِيّ مَشْهُور.
وَقَوْله: «تَمَارَوْا فِي الْغُسْل عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ تَنَازَعُوا فيه، فَقَالَ بَعْضهمْ: صِفَته كَذَا، وَقَالَ آخَرُونَ: كَذَا، وَفيه جَوَاز الْمُنَاظَرَة وَالْمُبَاحَثَة فِي الْعِلْم، وَفيه جَوَاز مُنَاظَرَة الْمَفْضُولِين بِحَضْرَةِ الْفَاضِل، وَمُنَاظَرَة الْأَصْحَاب بِحَضْرَةِ إِمَامهمْ وَكَبِيرهمْ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَفِيض عَلَى رَأْسِي ثَلَاث أَكُفٍّ» الْمُرَاد ثَلَاثَة حَفَنَات كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ مِلْء الْكَفَّيْنِ جَمِيعًا. وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب إِفَاضَة الْمَاء عَلَى الرَّأْس ثَلَاثًا وَهُوَ مُتَّفَق عَلَيْهِ، وَأَلْحَقَ بِهِ أَصْحَابنَا سَائِر الْبَدَن قِيَاسًا عَلَى الرَّأْس وَعَلَى أَعْضَاء الْوُضُوء، وَهُوَ أَوْلَى بِالثَّلَاثِ مِنْ الْوُضُوء؛ فَإِنَّ الْوُضُوء مَبْنِيّ عَلَى التَّخْفِيف، وَيَتَكَرَّر، فَإِذَا اُسْتُحِبَّ فيه الثَّلَاث فَفِي الْغُسْل أَوْلَى، وَلَا نَعْلَم فِي هَذَا خِلَافًا إِلَّا مَا اِنْفَرَدَ بِهِ الْإِمَام أَقْضَى الْقُضَاة أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيُّ صَاحِب الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابنَا؛ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُسْتَحَبّ التَّكْرَار فِي الْغُسْل، وَهَذَا شَاذّ مَتْرُوك.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَاب قَبْله بَيَان أَقَلّ الْغُسْل. وَاللَّهُ أَعْلَم.
495- قَوْله: (وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَحْيَى وَإِسْمَاعِيل بْن سَالِم قَالَا: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر) ثُمَّ قَالَ مُسْلِم بَعْد هَذَا: قَالَ اِبْن سَالِم فِي رِوَايَته: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْر. هَذَا فيه فَائِدَة عَظِيمَة مِنْ دَقَائِق هَذَا الْعِلْم وَلِطَائِفِهِ وَهِيَ مُصَرِّحَة بِغَزَارَةِ عِلْم مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَدَقِيق نَظَرِهِ وَهِيَ أَنَّ هُشَيْمًا رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى مُدَلِّس، وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدِّمَة عَنْ أَبِي بِشْر، وَالْمُدَلِّس إِذَا قَالَ: (عَنْ) لَا يُحْتَجّ بِهِ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ سَمَاعه ذَلِكَ الْحَدِيث مِنْ ذَلِكَ الشَّخْص عَنْ الَّذِي عَنْعَنَ عَنْهُ، فَبَيَّنَ مُسْلِم أَنَّهُ ثَبَتَ سَمَاعه مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ رِوَايَة اِبْن سَالِمٍ فَإِنَّهُ قَالَ فيها: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّات بَيَان مِثْل هَذِهِ الدَّقِيقَة. وَاسْم أَبِي بِشْر جَعْفَر بْن إِيَاس وَهُوَ جَعْفَر بْن أَبِي وَحْشِيَّة وَاسْم أَبِي سُفْيَان هَذَا طَلْحَة بْن نَافِع، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب حُكْمِ ضَفَائِرِ الْمُغْتَسِلَةِ:

أَمَّا أَحْكَام الْبَاب فَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّ ضَفَائِر الْمُغْتَسِلَة إِذَا وَصَلَ الْمَاء إِلَى جَمِيع شَعْرهَا ظَاهِره وَبَاطِنه مِنْ غَيْر نَقْضِ لَمْ يَجِب نَقْضُهَا، وَإِنْ لَمْ يَصِل إِلَّا بِنَقْضِهَا وَجَبَ نَقْضُهَا، وَحَدِيث أُمّ سَلَمَة مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصِل الْمَاء إِلَى جَمِيع شَعْرهَا مِنْ غَيْر نَقْضِ لِأَنَّ إِيصَال الْمَاء وَاجِب. وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ وُجُوب نَقْضِهَا بِكُلِّ حَال، وَعَنْ الْحَسَن وَطَاوُسٍ وُجُوب النَّقْض فِي غُسْلِ الْحَيْض دُون الْجَنَابَة، وَدَلِيلنَا حَدِيث أُمّ سَلَمَة. إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ ضَفِيرَة فَهُوَ كَالْمَرْأَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَاعْلَمْ أَنَّ غُسْلَ الرَّجُل وَالْمَرْأَة مِنْ الْجَنَابَة وَالْحَيْض وَالنِّفَاس وَغَيْرهَا مِنْ الْأَغْسَال الْمَشْرُوعَة سَوَاء فِي كُلّ شَيْء إِلَّا مَا سَيَأْتِي فِي الْمُغْتَسِلَة مِنْ الْحَيْض وَالنِّفَاس أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لَهَا أَنْ تَسْتَعْمِل فِرْصَة مِنْ مِسْك، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان صِفَة الْغُسْل بِكَمَالِهَا فِي الْبَاب السَّابِق، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَة بِكْرًا لَمْ يَجِب إِيصَال الْمَاء إِلَى دَاخِل فَرْجهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَجَبَ إِيصَال الْمَاء إِلَى مَا يَظْهَر فِي حَال قُعُودهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَة؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْم الظَّاهِر، هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير أَصْحَابنَا.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: لَا يَجِب عَلَى الثَّيِّب غَسْلُ دَاخِل الْفَرْج وَقَالَ بَعْضهمْ: يَجِب ذَلِكَ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاس وَلَا يَجِب فِي غُسْلِ الْجَنَابَة، وَالصَّحِيح الْأَوَّل. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا أَمْر عَبْد اللَّه بْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا بِنَقْضِ النِّسَاء رُءُوسهنَّ إِذَا اِغْتَسَلْنَ فَيُحْمَل عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إِيجَاب ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ، وَيَكُون ذَلِكَ فِي شُعُور لَا يَصِل إِلَيْهَا الْمَاء، أَوْ يَكُون مَذْهَبًا لَهُ أَنَّهُ يَجِب النَّقْض بِكُلِّ حَال كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَلَا يَكُون بَلَغَهُ حَدِيث أُمّ سَلَمَة وَعَائِشَة، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرهُنَّ عَلَى الِاسْتِحْبَاب وَالِاحْتِيَاط لَا لِلْإِيجَابِ. وَاللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم.
497- فيه حَدِيث أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: «قُلْت: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي اِمْرَأَة أَشُدّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَة؟ قَالَ: لَا إِنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأَسَك ثَلَاث حَثَيَات ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْك الْمَاء فَتَطْهُرِينَ» وَفِي رِوَايَة: «فَأَنْقُضهُ لِلْحَيْضِ وَالْجَنَابَة». وَفيه حَدِيث عَائِشَة بِنَحْوِ مَعْنَاهُ. قَوْلهَا: (أَشُدّ ضَفْرَ رَأْسِي) هُوَ بِفَتْحِ الضَّاد وَإِسْكَان الْفَاء هَذَا هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْرُوف فِي رِوَايَة الْحَدِيث، وَالْمُسْتَفِيض عِنْد الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاء وَغَيْرهمْ، وَمَعْنَاهُ أُحْكِمُ فَتْلَ شَعْرِي.
وَقَالَ الْإِمَام اِبْن بَزِيٍّ فِي الْجُزْء الَّذِي صَنَّفَهُ فِي لَحْن الْفُقَهَاء: مِنْ ذَلِكَ قَوْلهمْ فِي حَدِيث أُمّ سَلَمَة أَشَدّ ضَفْرَ رَأْسِي يَقُولُونَهُ بِفَتْحِ الضَّاد وَإِسْكَان الْفَاء، وَصَوَابه ضَمّ الضَّاد وَالْفَاء جَمْعُ ضَفِيرَة كَسَفِينَةِ وَسُفُن. وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى لَيْسَ كَمَا زَعَمَهُ، بَلْ الصَّوَاب جَوَاز الْأَمْرَيْنِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنًى صَحِيح، وَلَكِنْ يَتَرَجَّح مَا قَدَّمْنَاهُ لِكَوْنِهِ الْمَرْوِيّ الْمَسْمُوع فِي الرِّوَايَات الثَّابِتَة الْمُتَّصِلَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحْثِي عَلَى رَأَسَك ثَلَاث حَثَيَات» هِيَ بِمَعْنَى الْحَفَنَات فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَالْحَفْنَة مِلْء الْكَفَّيْنِ مِنْ أَيِّ شَيْء كَانَ، وَيُقَال: حَثَيْت وَحَثَوْت بِالْيَاءِ وَالْوَاو لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاسْم أُمّ سَلَمَة (هِنْد). وَقِيلَ (رَمَكَة) وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قَوْلهَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَأَنْقُضهُ لِلْحَيْضَةِ» هِيَ بِفَتْحِ الْحَاء. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب اسْتِحْبَابِ اسْتِعْمَالِ الْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فِي مَوْضِعِ الدَّمِ:

قَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَاب الَّذِي قَبْله أَنَّ صِفَة غُسْلِ الْمَرْأَة وَالرَّجُل سَوَاء، وَتَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ مُسْتَوْفًى، وَالْمُرَاد فِي هَذَا الْبَاب بَيَان أَنَّ السُّنَّة فِي حَقّ الْمُغْتَسِلَة مِنْ الْحَيْض أَنْ تَأْخُذ شَيْئًا مِنْ مِسْكٍ فَتَجْعَلهُ فِي قُطْنَة أَوْ خِرْقَة أَوْ نَحْوهَا وَتُدْخِلهَا فِي فَرْجهَا بَعْد اِغْتِسَالهَا، وَيُسْتَحَبّ هَذَا لِلنُّفَسَاءِ أَيْضًا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْحَائِض. وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيّ مِنْ أَصْحَابنَا فِي كِتَابه الْمُقْنِع أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنْ الْحَيْض وَالنِّفَاس أَنْ تُطَيِّب جَمِيع الْمَوَاضِع الَّتِي أَصَابَهَا الدَّم مِنْ بَدَنهَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ تَعْمِيم مَوَاضِع الدَّم مِنْ الْبَدَن غَرِيب لَا أَعْرِفهُ لِغَيْرِهِ بَعْد الْبَحْث عَنْهُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْحِكْمَة فِي اِسْتِعْمَال الْمِسْك، فَالصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِير مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ أَنَّ الْمَقْصُود بِاسْتِعْمَالِ الْمِسْك تَطْيِيب الْمَحَلّ، وَدَفْع الرَّائِحَة الْكَرِيهَة. وَحَكَى أَقْضَى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا:
أَحَدهمَا هَذَا، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَاد كَوْنه أَسْرَعَ إِلَى عُلُوق الْوَلَد قَالَ: فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَفَقَدَتْ الْمِسْك اِسْتَعْمَلَتْ مَا يَخْلُفهُ فِي طِيبِ الرَّائِحَة، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي اِسْتَعْمَلَتْ مَا قَامَ مَقَامه فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُسْطِ وَالْأَظْفَار وَشَبَههمَا.
قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْت اِسْتِعْمَاله. فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ: تَسْتَعْمِلهُ بَعْد الْغُسْل، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي قَالَ: قَبْله. هَذَا آخِر كَلَام الْمَاوَرْدِيّ. وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ مِنْ اِسْتِعْمَاله قَبْل الْغُسْل لَيْسَ بِشَيْءٍ وَيَكْفِي فِي إِبْطَاله رِوَايَة مُسْلِم فِي الْكِتَاب فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَأْخُذ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتهَا فَتَطَهَّر فَتُحْسِن الطُّهُور ثُمَّ تَصُبّ عَلَى رَأْسهَا فَتَدْلُكهُ ثُمَّ تَصُبّ عَلَيْهَا الْمَاء ثُمَّ تَأْخُذ فِرْصَة مُمَسَّكَة فَتَطَّهَّر بِهَا» وَهَذَا نَصٌّ فِي اِسْتِعْمَال الْفِرْصَة بَعْد الْغُسْل، وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَاد الْإِسْرَاع فِي الْعُلُوق فَضَعِيف أَوْ بَاطِل فَإِنَّهُ عَلَى مُقْتَضَى قَوْله يَنْبَغِي أَنْ يُخَصّ بِهِ ذَات الزَّوْج الْحَاضِر الَّذِي يُتَوَقَّع جِمَاعه فِي الْحَال، وَهَذَا شَيْء لَمْ يَصِرْ إِلَيْهِ أَحَد نَعْلَمهُ، وَإِطْلَاق الْأَحَادِيث يَرُدّ عَلَى مَنْ اِلْتَزَمَهُ، بَلْ الصَّوَاب أَنَّ الْمُرَاد تَطَيُّب الْمَحَلّ، وَإِزَالَة الرَّائِحَة الْكَرِيهَة، وَأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبّ لِكُلِّ مُغْتَسِلَة مِنْ الْحَيْض أَوْ النِّفَاس، سَوَاء ذَات الزَّوْج وَغَيْرهَا، وَتَسْتَعْمِلهُ بَعْد الْغُسْل، فَإِنْ لَمْ تَجِد مِسْكًا فَتَسْتَعْمِل أَيّ طِيب وَجَدَتْ، فَإِنْ لِمَ تَجِد طِيبًا اُسْتُحِبَّ لَهَا اِسْتِعْمَال طِين أَوْ نَحْوه مِمَّا يُزِيل الْكَرَاهَة، نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا، فَإِنْ لَمْ تَجِد شَيْئًا مِنْ هَذَا فَالْمَاء كَافٍ لَهَا، لَكِنْ إِنْ تَرَكَتْ التَّطَيُّب مَعَ التَّمَكُّن مِنْهُ كُرِهَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّن فَلَا كَرَاهَة فِي حَقّهَا. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا (الْفِرْصَة) فَهِيَ بِكَسْرِ الْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَة، وَهِيَ الْقِطْعَة.
و: (الْمِسْك) بِكَسْرِ الْمِيم، وَهُوَ الطِّيبُ الْمَعْرُوف، هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي رَوَاهُ، وَقَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ، وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاء وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْعُلُوم.
وَقِيلَ: (مَسْك) بِفَتْحِ الْمِيم، وَهُوَ الْجِلْد، أَيْ قِطْعَة جِلْدٍ فيه شَعْر. ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاض أَنَّ فَتْحَ الْمِيم هِيَ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْد وَابْن قُتَيْبَة: إِنَّمَا هُوَ قُرْضَة مِنْ مَسْك بِقَافِ مَضْمُومَة وَضَاد مُعْجَمَة وَمَسْك بِفَتْحِ الْمِيم أَيْ قِطْعَة مِنْ جِلْدٍ. وَهَذَا كُلّه ضَعِيف، وَالصَّوَاب مَا قَدَّمْنَاهُ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ الرِّوَايَة الْأُخْرَى الْمَذْكُورَة فِي الْكِتَاب (فِرْصَة مُمَسَّكَة) وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيم الْأَوْلَى وَفَتْحِ الثَّانِيَة وَفَتْحِ السِّين الْمُشَدَّدَة أَيْ قِطْعَة مِنْ قُطْن أَوْ صُوف أَوْ خِرْقَة مُطَيَّبَة بِالْمِسْكِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانه. وَاللَّهُ أَعْلَم.
499- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَطَّهَّرِي بِهَا سُبْحَان اللَّه» قَدْ قَدَّمْنَا: «أَنَّ سُبْحَان اللَّه» فِي هَذَا الْمَوْضِع وَأَمْثَاله يُرَاد بِهَا التَّعَجُّب، وَكَذَا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، وَمَعْنَى التَّعَجُّب هُنَا كَيْف يَخْفَى مِثْل هَذَا الظَّاهِر الَّذِي لَا يَحْتَاج الْإِنْسَان فِي فَهْمِهِ إِلَى فِكْرٍ؟ وَفِي هَذَا: جَوَاز التَّسْبِيح عِنْد التَّعَجُّب مِنْ الشَّيْء وَاسْتِعْظَامه، وَكَذَلِكَ يَجُوز عِنْد التَّثَبُّت عَلَى الشَّيْء، وَالتَّذَكُّر بِهِ. وَفيه اِسْتِحْبَاب اِسْتِعْمَال الْكِنَايَات فِيمَا يَتَعَلَّق بِالْعَوْرَاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان هَذِهِ الْقَاعِدَة مَرَّات. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَتَبَّعِي بِهَا آثَار الدَّم» قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء: يَعْنِي بِهِ الْفَرْج، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْمَحَامِلِيّ أَنَّهُ قَالَ: تُطَيِّب كُلّ مَوْضِع أَصَابَهُ الدَّم مِنْ بَدَنهَا، وَفِي ظَاهِر الْحَدِيث حُجَّة لَهُ.
قَوْله: (حَدَّثَنَا حَبَّان حَدَّثَنَا وُهَيْب) هُو: (حَبَّان) بِفَتْحِ الْحَاء وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة وَهُو: (حَبَّانُ بْن هِلَال).
500- قَوْله: (غُسْلِ الْمَحِيض) هُوَ الْحَيْض وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه وَاضِحًا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَأْخُذ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتهَا فَتَطَهَّر فَتُحْسِن الطُّهُور ثُمَّ تَصُبّ عَلَى رَأْسهَا فَتَدْلُكهُ دَلْكًا شَدِيدًا ثُمَّ تَصُبّ عَلَيْهَا الْمَاء» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: التَّطَهُّر الْأَوَّل مِنْ النَّجَاسَة وَمَا مَسَّهَا مِنْ دَم الْحَيْض، وَهَكَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَالْأَظْهَر، وَاللَّهُ أَعْلَم، أَنَّ الْمُرَاد بِالتَّطَهُّرِ الْأَوَّل الْوُضُوء كَمَا جَاءَ فِي صِفَة غُسْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّل كِتَاب الْوُضُوء بَيَان مَعْنَى تَحْسِين الطُّهْر وَهُوَ إِتْمَامه بِهَيْئَتِهِ فَهَذَا الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى تَبْلُغ شُئُون رَأْسهَا» هُوَ بِضَمِّ الشِّين الْمُعْجَمَة وَبَعْدهَا هَمْزَة وَمَعْنَاهُ: أُصُول شَعْر رَأْسهَا، وَأُصُول الشُّئُون الْخُطُوط الَّتِي فِي عَظْم الْجُمْجُمَة، وَهُوَ مُجْتَمَع شُعَب عِظَامهَا الْوَاحِد مِنْهَا شَأْن.
قَوْله: «قَالَتْ عَائِشَة: كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتْبَعِينَ أَثَر الدَّم» مَعْنَاهُ: قَالَتْ لَهَا كَلَامًا خَفِيًّا تَسْمَعهُ الْمُخَاطَبَة لَا يَسْمَعهُ الْحَاضِرُونَ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْلهَا: (دَخَلَت أَسْمَاء بِنْت شَكَل) هُوَ شَكَلٌ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَالْكَاف الْمَفْتُوحَتَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور، وَحَكَى صَاحِب الْمَطَالِع فيه إِسْكَان الْكَاف، وَذَكَرَ الْخَطِيب الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَابه الْأَسْمَاء الْمُبْهَمَة وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء أَنَّ اِسْم هَذِهِ السَّائِلَة أَسْمَاء بِنْت يَزِيد بْن السَّكَن الَّتِي كَانَ يُقَال لَهَا: خَطِيبَة النِّسَاء، وَرَوَى الْخَطِيب حَدِيثًا فيه تَسْمِيَتهَا بِذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب الْمُسْتَحَاضَةِ وَغُسْلِهَا وَصَلاَتِهَا:

فيه: «أَنَّ فَاطِمَة بِنْت أَبِي حُبَيْش رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي اِمْرَأَة أُسْتَحَاض فَلَا أَطْهُر أَفَأَدْعُ الصَّلَاة؟ فَقَالَ: لَا إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْق وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَة فَدَعِي الصَّلَاة، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّم وَصَلِّي» وَفيه غَيْره مِنْ الْأَحَادِيث. قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِحَاضَة جَرَيَان الدَّم مِنْ فَرْج الْمَرْأَة فِي غَيْر أَوَانه، وَأَنَّهُ يَخْرُج مِنْ عِرْق يُقَال لَهُ الْعَاذِل بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَكَسْرِ الذَّال الْمُعْجَمَة بِخِلَافِ دَم الْحَيْض فَإِنَّهُ يَخْرُج مِنْ قَعْرِ الرَّحِم.
وَأَمَّا حُكْم الْمُسْتَحَاضَة فَهُوَ مَبْسُوط فِي كُتُب الْفِقْه أَحْسَن بَسْطٍ، وَأَنَا أُشِير إِلَى أَطْرَاف مِنْ مَسَائِلهَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَة لَهَا حُكْم الطَّاهِرَات فِي مُعْظَم الْأَحْكَام فَيَجُوز لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا فِي حَال جَرَيَان الدَّم، عِنْدنَا وَعِنْد جُمْهُور الْعُلَمَاء، حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر فِي الْإِشْرَاق عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَابْن الْمُسَيِّب، وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَعَطَاء، وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة، وَحَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان، وَبَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالك، وَإِسْحَاق، وَأَبِي ثَوْر.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر: وَبِهِ أَقُول.
قَالَ: وَرَوَيْنَا عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَا يَأْتِيهَا زَوْجهَا، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَم، وَكَرِهَهُ اِبْن سِيرِينَ.
وَقَالَ أَحْمَد: لَا يَأْتِيهَا إِلَّا أَنْ يَطُول ذَلِكَ بِهَا، وَفِي رِوَايَة عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَجُوز وَطْؤُهَا إِلَّا أَنْ يَخَاف زَوْجهَا الْعَنَت، وَالْمُخْتَار مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُور، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَى عِكْرِمَة عَنْ حَمْنَة بِنْت جَحْش رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَة، وَكَانَ زَوْجهَا يُجَامِعهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرهمَا بِهَذَا اللَّفْظ بِإِسْنَادٍ حَسَن.
قَالَ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه: قَالَ اِبْن عَبَّاس: الْمُسْتَحَاضَة يَأْتِيهَا زَوْجهَا إِذَا صَلَّتْ، الصَّلَاة أَعْظَم، وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَة كَالطَّاهِرَةِ فِي الصَّلَاة وَالصَّوْم وَغَيْرهمَا فَكَذَا فِي الْجِمَاع، وَلِأَنَّ التَّحْرِيم إِنَّمَا يَثْبُت بِالشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِد الشَّرْع بِتَحْرِيمِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالِاعْتِكَاف وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَمَسّ الْمُصْحَف وَحَمْله وَسُجُود التِّلَاوَة وَسُجُود الشُّكْر وَوُجُوب الْعِبَادَات عَلَيْهَا فَهِيَ فِي كُلّ ذَلِكَ كَالطَّاهِرَةِ وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَتْ الْمُسْتَحَاضَة الصَّلَاة فَإِنَّهَا تُؤْمَر بِالِاحْتِيَاطِ فِي طَهَارَة الْحَدَث وَطَهَارَة النَّجَس؛ فَتَغْسِل فَرْجهَا قَبْل الْوُضُوء وَالتَّيَمُّم إِنْ كَانَتْ تَتَيَمَّم، وَتَحْشُو فَرْجهَا بِقُطْنَةِ أَوْ خِرْقَة رَفْعًا لِلنَّجَاسَةِ، أَوْ تَقْلِيلًا لَهَا، فَإِنْ كَانَ دَمهَا قَلِيلًا يَنْدَفِع بِذَلِكَ وَحْده فَلَا شَيْء عَلَيْهَا غَيْره، وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِع شَدَّتْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى فَرْجهَا وَتَلَجّمَت، وَهُوَ أَنْ تَشُدّ عَلَى وَسَطهَا خِرْقَة أَوْ خَيْطًا أَوْ نَحْوه عَلَى صُورَة التِّكَّة، وَتَأْخُذ خِرْقَة أُخْرَى مَشْقُوقَة الطَّرَفَيْنِ فَتَدْخُلهَا بَيْن فَخِذَيْهَا وَأَلْيَتَيْهَا وَتَشُدّ الطَّرَفَيْنِ بِالْخِرْقَةِ الَّتِي فِي وَسَطهَا أَحَدهمَا قُدَّامهَا عِنْد صُرَّتهَا، وَالْآخَر خَلْفهَا وَتُحْكِم ذَلِكَ الشَّدّ، وَتُلْصِق هَذِهِ الْخِرْقَة الْمَشْدُودَة بَيْن الْفَخِذَيْنِ بِالْقُطْنَةِ الَّتِي عَلَى الْفَرْج إِلْصَاقًا جَيِّدًا وَهَذَا الْفِعْل يُسَمَّى تَلَجُّمًا وَاسْتِثْفَارًا وَتَعْصِيبًا قَالَ أَصْحَابنَا: وَهَذَا الشَّدّ وَالتَّلَجُّم وَاجِب إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدهمَا أَنْ يُتَأَذَّى بِالشَّدِّ وَيَحْرِقهَا اِجْتِمَاع الدَّم فَلَا يَلْزَمهَا لِمَا فيه مِنْ الضَّرَر، وَالثَّانِي أَنْ تَكُون صَائِمَة فَتَتْرُك الْحَشْو فِي النَّهَار وَتَقْتَصِر عَلَى الشَّدّ.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَيَجِب تَقْدِيم الشَّدّ وَالتَّلَجُّم عَلَى الْوُضُوء، وَتَتَوَضَّأ عَقِيب الشَّدّ مِنْ غَيْر إِمْهَال. فَإِنْ شَدَّتْ وَتَلَجّمَت وَأَخَّرَتْ الْوُضُوء وَتَطَاوَلَ الزَّمَان فَفِي صِحَّة وُضُوئِهَا وَجْهَانِ: الْأَصَحّ أَنَّهُ لَا يَصِحّ. وَإِذَا اِسْتَوْثَقَتْ بِالشَّدِّ عَلَى الصِّفَة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا دَم مِنْ غَيْر تَفْرِيط لَمْ تَبْطُل طَهَارَتهَا وَلَا صَلَاتهَا، وَلَهَا أَنْ تُصَلِّي بَعْد فَرْضِهَا مَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِل لِعَدَمِ تَفْرِيطهَا وَلِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَاز عَنْ ذَلِكَ. أَمَّا إِذَا خَرَجَ الدَّم لِتَقْصِيرِهَا فِي الشَّدّ أَوْ زَالَتْ الْعِصَابَة عَنْ مَوْضِعهَا لِضَعْفِ الشَّدّ فَزَادَ خُرُوج الدَّم بِسَبَبِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُل طُهْرهَا. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاء صَلَاة بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ بَعْد فَرِيضَة لَمْ تَسْتَبِحْ النَّافِلَة لِتَقْصِيرِهَا.
وَأَمَّا تَجْدِيد غَسْلِ الْفَرْج وَحَشْوه وَشَدِّهِ لِكُلِّ فَرِيضَة فَيُنْظَر فيه إِنْ زَالَتْ الْعِصَابَة عَنْ مَوْضِعهَا زَوَالًا لَهُ تَأْثِير، أَوْ ظَهَرَ الدَّم عَلَى جَوَانِب الْعِصَابَة وَجَبَ التَّجْدِيد، وَإِنْ لَمْ تَزُلْ الْعِصَابَة عَنْ مَوْضِعهَا وَلَا ظَهَرَ الدَّم فَفيه وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا: أَصَحّهمَا وُجُوب التَّجْدِيد كَمَا يَجِب تَجْدِيد الْوُضُوء. ثُمَّ اِعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبنَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَة لَا تُصَلِّي بِطَهَارَةٍ وَاحِدَة أَكْثَر مِنْ فَرِيضَة وَاحِدَة مُؤَدَّاة كَانَتْ أَوْ مَقْضِيَّة، وَتَسْتَبِيح مَعَهَا مَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِل قَبْل الْفَرِيضَة وَبَعْدهَا، وَلَنَا وَجْه أَنَّهَا لَا تَسْتَبِيح أَصْلًا لِعَدَمِ ضَرُورَتهَا إِلَيْهَا النَّافِلَة، وَالصَّوَاب الْأَوَّل، وَحُكِيَ مِثْل مَذْهَبنَا عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وَأَبِي ثَوْر.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: طَهَارَتهَا مُقَدَّرَة بِالْوَقْتِ فَتُصَلِّي فِي الْوَقْت بِطَهَارَتِهَا الْوَاحِدَة مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِض الْفَائِتَة.
وَقَالَ رَبِيعَة وَمَالك وَدَاوُدُ: دَم الِاسْتِحَاضَة لَا يَنْقُض الْوُضُوء فَإِذَا تَطَهَّرَتْ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّي بِطَهَارَتِهَا مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِض إِلَى أَنْ تُحْدِث بِغَيْرِ الِاسْتِحَاضَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَقَالَ أَصْحَابنَا: وَلَا يَصِحّ وُضُوء الْمُسْتَحَاضَة لِفَرِيضَةٍ قَبْل دُخُول وَقْتهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَجُوز، وَدَلِيلنَا أَنَّهَا طَهَارَة ضَرُورَة فَلَا تَجُوز قَبْل وَقْت الْحَاجَة.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَإِذَا تَوَضَّأَتْ بَادَرَتْ إِلَى الصَّلَاة عَقِبَ طَهَارَتهَا، فَإِنْ أَخَّرَتْ بِأَنْ تَوَضَّأَتْ فِي أَوَّل الْوَقْت، وَصَلَّتْ فِي وَسَطِهِ، نُظِرَ إِنْ كَانَ التَّأْخِير لِلِاشْتِغَالِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَاب الصَّلَاة كَسَتْرِ الْعَوْرَة وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة وَالِاجْتِهَاد فِي الْقِبْلَة وَالذَّهَاب إِلَى الْمَسْجِد الْأَعْظَم وَالْمَوَاضِع الشَّرِيفَة وَالسَّعْي فِي تَحْصِيل سُتْرَة تُصَلِّي إِلَيْهَا وَانْتِظَار الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، جَازَ عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح الْمَشْهُور، وَلَنَا وَجْه أَنَّهُ لَا يَجُوز، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَأَمَّا إِذَا أَخَّرَتْ بِغَيْرِ سَبَب مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَاب وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَفيه ثَلَاثَة أَوْجُه: أَصَحّهَا لَا يَجُوز وَتَبْطُل طَهَارَتهَا، وَالثَّانِي يَجُوز وَلَا تَبْطُل طَهَارَتهَا، وَلَهَا أَنْ تُصَلِّي بِهَا وَلَوْ بَعْد خُرُوج الْوَقْت، وَالثَّالِث لَهَا التَّأْخِير مَا لَمْ يَخْرُج وَقْت الْفَرِيضَة، فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْت فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّي بِتِلْكَ الطَّهَارَة. فَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ، وَأَنَّهَا إِذَا أَخَّرَتْ لَا تَسْتَبِيح الْفَرِيضَة فَبَادَرَتْ فَصَلَّتْ الْفَرِيضَة فَلَهَا أَنْ تُصَلِّي النَّوَافِل مَا دَامَ وَقْت الْفَرِيضَة بَاقِيًا، فَإِذَا خَرَجَ وَقْت الْفَرِيضَة فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّي بَعْد ذَلِكَ النَّوَافِل بِتِلْكَ الطَّهَارَة عَلَى أَصَحّ الْوَجْهَيْنِ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَكَيْفِيَّة نِيَّة الْمُسْتَحَاضَة فِي وُضُوئِهَا أَنْ تَنْوِي اِسْتِبَاحَة الصَّلَاة وَلَا تَقْتَصِر عَلَى نِيَّة رَفْع الْحَدَث، وَلَنَا وَجْه أَنَّهُ يُجْزِئهَا الِاقْتِصَار عَلَى نِيَّة رَفْعِ الْحَدَث، وَوَجْه ثَالِث أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهَا الْجَمْع بَيْن نِيَّة اِسْتِبَاحَة الصَّلَاة وَرَفْعِ الْحَدَث، وَالصَّحِيح الْأَوَّل: فَإِذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَة اِسْتَبَاحَتْ الصَّلَاة. وَهَلْ يُقَال اِرْتَفَعَ حَدَثهَا؟ فيه أَوْجُه لِأَصْحَابِنَا الْأَصَحّ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِع شَيْء مِنْ حَدَثِهَا بَلْ تَسْتَبِيح الصَّلَاة بِهَذِهِ الطَّهَارَة مَعَ وُجُود الْحَدَث كَالْمُتَيَمِّمِ فَإِنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدنَا، وَالثَّانِي يَرْتَفِع حَدَثهَا السَّابِق وَالْمُقَارِن لِلطَّهَارَةِ دُون الْمُسْتَقْبَل، وَالثَّالِث يَرْتَفِع الْمَاضِي وَحْده. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَى الْمُسْتَحَاضَة الْغُسْل لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاة وَلَا فِي وَقْت مِنْ الْأَوْقَات إِلَّا مَرَّة وَاحِدَة فِي وَقْت اِنْقِطَاع حَيْضهَا، وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف، وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود، وَابْن عَبَّاس، وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَهُوَ قَوْل عُرْوَة بْن الزُّبَيْر، وَأَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن، وَمَالك، وَأَبِي حَنِيفَة، وَأَحْمَد، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر، وَابْن الزُّبَيْر، وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح أَنَّهُمْ قَالُوا: يَجِب عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِل لِكُلِّ صَلَاة، وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ عَلِيّ، وَابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ: تَغْتَسِل كُلّ يَوْم غُسْلًا وَاحِدًا، وَعَنْ الْمُسَيِّب وَالْحَسَن قَالَا: تَغْتَسِل مِنْ صَلَاة الظُّهْر إِلَى صَلَاة الظُّهْر دَائِمًا. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَدَلِيل الْجُمْهُور أَنَّ الْأَصْل عَدَم الْوُجُوب فَلَا يَجِب إِلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْع بِإِيجَابِهِ، وَلَمْ يَصِحّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ إِلَّا مَرَّة وَاحِدَة عِنْد اِنْقِطَاع حَيْضهَا وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَة فَدَعِي الصَّلَاة، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي» وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي تَكْرَار الْغُسْل.
وَأَمَّا الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيْرهمَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ، فَلَيْسَ فيها شَيْء ثَابِت، وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَمَنْ قَبْله ضَعْفهَا، وَإِنَّمَا صَحَّ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم فِي صَحِيحهمَا أَنَّ أُمّ حَبِيبَة بِنْت جَحْش رَضِيَ اللَّه عَنْهَا اُسْتُحِيضَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْق فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي» فَكَانَتْ تَغْتَسِل عِنْد كُلّ صَلَاة.
قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: إِنَّمَا أَمَرَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَغْتَسِل وَتُصَلِّي وَلَيْسَ فيه أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِل لِكُلِّ صَلَاة قَالَ: وَلَا شَكّ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ غُسْلهَا كَانَ تَطَوُّعًا غَيْر مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَذَلِكَ وَاسِع لَهَا. هَذَا كَلَام الشَّافِعِيّ بِلَفْظِهِ، وَكَذَا قَالَ شَيْخه سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ، وَاللَّيْث بْن سَعْد، وَغَيْرهمَا، وَعِبَارَاتهمْ مُتَقَارِبَة وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَة عَلَى ضَرْبَيْنِ، أَحَدهمَا أَنْ تَكُون تَرَى دَمًا لَيْسَ بِحَيْضٍ وَلَا يُخْلَط بِالْحَيْضِ كَمَا إِذَا رَأَتْ دُون يَوْم وَلَيْلَة. وَالضَّرْب الثَّانِي أَنْ تَرَى دَمًا بَعْضه حَيْض وَبَعْضه لَيْسَ بِحَيْضٍ، بِأَنْ كَانَتْ تَرَى دَمًا مُتَّصِلًا دَائِمًا أَوْ مُجَاوِزًا لِأَكْثَر الْحَيْض وَهَذِهِ لَهَا ثَلَاثَة أَحْوَال: أَحَدهَا أَنْ تَكُون مُبْتَدِأَة وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَرَ الدَّم قَبْل ذَلِكَ، وَفِي هَذَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ: أَصَحّهمَا تُرَدّ إِلَى يَوْم وَلَيْلَة وَالثَّانِي إِلَى سِتّ أَوْ سَبْع، وَالْحَال الثَّانِي أَنْ تَكُون مُعْتَادَة فَتُرَدّ إِلَى قَدْر عَادَتهَا فِي الشَّهْر الَّذِي قَبْل شَهْر اِسْتِحَاضَتهَا، وَالثَّالِث أَنْ تَكُون مُمَيِّزَة تَرَى بَعْض الْأَيَّام دَمًا قَوِيًّا وَبَعْضهَا دَمًا ضَعِيفًا كَالدَّمِ الْأَسْوَد وَالْأَحْمَر فَيَكُون حَيْضهَا أَيَّام الْأَسْوَد بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُص الْأَسْوَد عَنْ يَوْم وَلَيْلَة، وَلَا يَزِيد عَلَى خَمْسَة عَشَر يَوْمًا. وَلَا يَنْقُص الْأَحْمَر عَنْ خَمْسَة عَشَر. وَلِهَذَا كُلّه تَفَاصِيل مَعْرُوفَة لَا نَرَى الْإِطْنَاب فيها هُنَا لِكَوْنِ هَذَا الْكِتَاب لَيْسَ مَوْضُوعًا لِهَذَا. فَهَذِهِ أَحْرُف مِنْ أُصُول مَسَائِل الْمُسْتَحَاضَة أَشَرْت إِلَيْهَا وَقَدْ بَسَطْتهَا بِشَوَاهِدِهَا وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا مِنْ الْفُرُوع الْكَثِيرَة فِي شَرْح الْمُهَذَّب. وَاللَّهُ أَعْلَم.
501- قَوْله: (فَاطِمَة بِنْت أَبِي حُبَيْشٍ) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَة مَضْمُومَة ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة مَفْتُوحَة ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة مِنْ تَحْت سَاكِنَة ثُمَّ شِين مُعْجَمَة، وَاسْم أَبِي حُبَيْش قَيْس بْن الْمُطَّلِب بْن أَسَد بْن عَبْد الْعُزَّى بْن قُصَيّ.
وَأَمَّا قَوْله الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (فَاطِمَة بِنْت أَبِي حُبَيْش بْن عَبْد الْمُطَّلِب بْن أَسَد) فَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُول اِبْن عَبْد الْمُطَّلِب، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ وَهْم، وَالصَّوَاب فَاطِمَة بِنْت أَبِي حُبَيْش بْن الْمُطَّلِب بِحَذْفِ لَفْظَة (عَبْد). وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله (اِمْرَأَة مِنَّا) فَمَعْنَاهُ مِنْ بَنِي أَسَد، وَالْقَائِل هُوَ: هِشَام بْن عُرْوَة أَوْ أَبُوهُ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام بْن خُوَيْلِد بْن أَسَد بْن عَبْد الْعُزَّى. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْلهَا: «فَقُلْت: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي اِمْرَأَة أُسْتَحَاض فَلَا أَطْهُر أَفَأَدْعُ الصَّلَاة؟ فَقَالَ: لَا». فيه أَنَّ الْمُسْتَحَاضَة تُصَلِّي أَبَدًا إِلَّا فِي الزَّمَن الْمَحْكُوم بِأَنَّهُ حَيْض، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفيه جَوَاز اِسْتِفْتَاء مَنْ وَقَعَتْ لَهُ مَسْأَلَة، وَجَوَاز اِسْتِفْتَاء الْمَرْأَة بِنَفْسِهَا، وَمُشَافَهَتهَا الرِّجَال فِيمَا يَتَعَلَّق بِالطَّهَارَةِ وَأَحْدَاث النِّسَاء، وَجَوَاز اِسْتِمَاع صَوْتهَا عِنْد الْحَاجَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْق وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ» أَمَّا (عِرْق) فَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْن وَإِسْكَان الرَّاء، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْعِرْق يُقَال لَهُ الْعَاذِل بِكَسْرِ الذَّال الْمُعْجَمَة، وَأَمَّا الْحَيْضَة فَيَجُوز فيها الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا مَرَّات أَحَدهمَا مَذْهَب الْخَطَّابِيّ كَسْر الْحَاء أَيْ الْحَالَة، وَالثَّانِي، وَهُوَ الْأَظْهَر فَتْح الْحَاء أَيْ الْحَيْض، وَهَذَا الْوَجْه قَدْ نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَر الْمُحَدِّثِينَ أَوْ كُلّهمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع مُتَعَيِّن أَوْ قَرِيب مِنْ الْمُتَعَيِّن، فَإِنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِيه لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ إِثْبَات الِاسْتِحَاضَة وَنَفْي الْحَيْض. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا مَا يَقَع فِي كَثِير مِنْ كُتُب الْفِقْه: إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْق اِنْقَطَعَ وَانْفَجَرَ، فَهِيَ زِيَادَة لَا تُعْرَف فِي الْحَدِيث وَإِنْ كَانَ لَهَا مَعْنًى، وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَة فَدَعِي الصَّلَاة» يَجُوز فِي الْحَيْضَة هُنَا الْوَجْهَانِ فَتْح الْحَاء وَكَسْرهَا جَوَازًا حَسَنًا، وَفِي هَذَا نَهْي لَهَا عَنْ الصَّلَاة فِي زَمَن الْحَيْض، وَهُوَ نَهْي تَحْرِيم، وَيَقْتَضِي فَسَاد الصَّلَاة هُنَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَوَاء فِي هَذِهِ الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة وَالنَّافِلَة لِظَاهِرِ الْحَدِيث. وَكَذَلِكَ يَحْرُم عَلَيْهَا الطَّوَاف، وَصَلَاة الْجِنَازَة، وَسُجُود التِّلَاوَة، وَسُجُود الشُّكْر، وَكُلّ هَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُكَلَّفَة بِالصَّلَاةِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا قَضَاء عَلَيْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّم وَصَلِّي» الْمُرَاد بِالْإِدْبَارِ اِنْقِطَاع الْحَيْض، وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَنَى بِهِ مَعْرِفَة عَلَامَة اِنْقِطَاع الْحَيْض، وَقَلَّ مَنْ أَوْضَحَهُ، وَقَدْ اِعْتَنَى بِهِ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا، وَحَاصِله أَنَّ عَلَامَة اِنْقِطَاع الْحَيْض وَالْحُصُول فِي الطُّهْر أَنْ يَنْقَطِع خُرُوج الدَّم وَالصُّفْرَة وَالْكُدْرَة، وَسَوَاء خَرَجَتْ رُطُوبَة بَيْضَاء أَمْ لَمْ يَخْرُج شَيْء أَصْلًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْن الصَّبَّاغ وَغَيْرهمَا مِنْ أَصْحَابنَا: التَّرِيَّة رُطُوبَة خَفِيفَة لَا صُفْرَة فيها وَلَا كُدْرَة تَكُون عَلَى الْقُطْنَة أَثَر لَا لَوْن. قَالُوا: وَهَذَا يَكُون بَعْد اِنْقِطَاع دَم الْحَيْض. قُلْت هِيَ التَّرِيَّة بِفَتْحِ التَّاء الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق وَكَسْر الرَّاء وَبَعْدهَا يَاء مُثَنَّاة مِنْ تَحْت مُشَدَّدَة وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِلنِّسَاءِ لَا تَعَجْلَنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّة الْبَيْضَاء تُرِيد بِذَلِكَ الطُّهْر. و(الْقَصَّة) بِفَتْحِ الْقَاف وَتَشْدِيد الصَّاد الْمُهْمَلَة وَهِيَ الْجَصّ شُبِّهَتْ الرُّطُوبَة النَّقِيَّة الصَّافِيَة بِالْجَصِّ.
قَالَ أَصْحَابنَا: إِذَا مَضَى زَمَن حَيْضَتهَا وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِل فِي الْحَال لِأَوَّلِ صَلَاة تُدْرِكهَا، وَلَا يَجُوز لَهَا أَنْ تَتْرُك بَعْد ذَلِكَ صَلَاة وَلَا صَوْمًا. وَلَا يَمْتَنِع زَوْجهَا مِنْ وَطْئِهَا، وَلَا تَمْتَنِع مِنْ شَيْء يَفْعَلهُ الطَّاهِر، وَلَا تَسْتَظْهِر بِشَيْءٍ أَصْلًا وَعَنْ مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رِوَايَة أَنَّهَا تَسْتَظْهِر بِالْإِمْسَاكِ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاء ثَلَاثَة أَيَّام بَعْد عَادَتهَا. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث الْأَمْر بِإِزَالَةِ النَّجَاسَة، وَأَنَّ الدَّم نَجِس، وَأَنَّ الصَّلَاة تَجِب لِمُجَرَّدِ اِنْقِطَاع الْحَيْض. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله (وَفِي حَدِيث حَمَّاد بْن زَيْد زِيَادَة حَرْف تَرَكْنَا ذِكْره) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: الْحَرْف الَّذِي تَرَكَهُ هُوَ قَوْله: «اِغْسِلِي عَنْك الدَّم وَتَوَضَّئِي» ذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَة النَّسَائِيُّ وَغَيْره، وَأَسْقَطَهَا مُسْلِم لِأَنَّهَا مِمَّا اِنْفَرَدَ بِهِ حَمَّاد.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لَا نَعْلَم أَحَدًا قَالَ: وَتَوَضَّئِي فِي الْحَدِيث غَيْر حَمَّاد يَعْنِي، وَاللَّهُ أَعْلَم، فِي حَدِيث هِشَام.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره ذِكْرَ الْوُضُوء مِنْ رِوَايَة عَدِيِّ بْن أَبِي ثَابِت، وَحَبِيب بْن أَبِي ثَابِت وَأَيُّوب بْن أَبِي مَكِين.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكُلّهَا ضَعِيفَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.
502- قَوْله (اِسْتَفْتَتْ أُمّ حَبِيبَة بِنْت جَحْش رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). وَفِي رِوَايَة: (بِنْت جَحْش) وَلَمْ يَذْكُر (أُمّ حَبِيبَة) وَفِي رِوَايَة: (أُمّ حَبِيبَة بِنْت جَحْش خَتَنَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ تَحْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف) وَذَكَرَ الْحَدِيث وَفيه قَالَتْ عَائِشَة: «فَكَانَتْ تَغْتَسِل فِي مِرْكَن فِي حُجْرَة أُخْتهَا زَيْنَب بِنْت جَحْش» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (أَنَّ اِبْنَة جَحْش كَانَتْ تُسْتَحَاض) هَذِهِ الْأَلْفَاظ هَكَذَا هِيَ ثَابِتَة فِي الْأُصُول، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَة أَبِي الْعَبَّاس الرَّازِيِّ أَنَّ زَيْنَب بِنْت جَحْش.
قَالَ الْقَاضِي: اِخْتَلَفَ أَصْحَاب الْمُوَطَّأ فِي هَذَا عَنْ مَالِك، وَأَكْثَرهمْ يَقُولُونَ: زَيْنَب بِنْت جَحْش، وَكَثِير مِنْ الرُّوَاة يَقُولُونَ عَنْ اِبْنَة جَحْش، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَبَيَّنَ الْوَهْم فيه قَوْله: وَكَانَتْ تَحْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَزَيْنَب هِيَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَتَزَوَّجهَا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف قَطُّ، إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا زَيْد بْن حَارِثَة، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاَلَّتِي كَانَتْ تَحْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف هِيَ أُمّ حَبِيبَة أُخْتهَا، وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا عَلَى الصَّوَاب فِي قَوْله خَتَنَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَحْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف، وَفِي قَوْله: كَانَتْ تَغْتَسِل فِي بَيْت أُخْتهَا زَيْنَب.
قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: قِيلَ: إِنَّ بَنَات جَحْش الثَّلَاث زَيْنَب وَأُمّ حَبِيبَة وَحَمْنَة زَوْج طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه كُنَّ يَسْتَحِضْن كُلّهنَّ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَسْتَحِضْ مِنْهُنَّ إِلَّا أُمّ حَبِيبَة. وَذَكَرَ الْقَاضِي يُونُس بْن مُغِيث فِي كِتَابه الْمُوعِب فِي شَرْح الْمُوَطَّأ مِثْل هَذَا، وَذَكَرَ أَنَّ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ اِسْمهَا زَيْنَب، وَلُقِّبَتْ إِحْدَاهُنَّ حَمْنَة، وَكُنِّيَتْ الْأُخْرَى أُمّ حَبِيبَة. وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَقَدْ سَلِمَ مَالِك مِنْ الْخَطَأ فِي تَسْمِيَة أُمّ حَبِيبَة زَيْنَب، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ اِمْرَأَة مِنْ أَزْوَاجه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي رِوَايَة (أَنَّ بَعْض أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ)، وَفِي أُخْرَى: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتَكَفَ مَعَ بَعْض نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَة»، هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي.
وَأَمَّا قَوْله: (أُمّ حَبِيبَة) فَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: الصَّحِيح أَنَّهَا أُمّ حَبِيب بِلَا هَاء، وَاسْمهَا حَبِيبَة.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَوْل الْحَرْبِيّ صَحِيح، وَكَانَ مِنْ أَعْلَم النَّاس بِهَذَا الشَّأْن.
قَالَ غَيْره: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرَة عَنْ عَائِشَة أَنَّ أُمّ حَبِيب.
وَقَالَ أَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ: الصَّحِيح أَنَّ اِسْمهَا حَبِيبَة قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَان وَقَالَ اِبْن الْأَثِير: يُقَال لَهَا أُمّ حَبِيبَة، وَقِيلَ: أُمّ حَبِيب.
قَالَ: وَالْأَوَّل أَكْثَر، وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَة.
قَالَ: وَأَهْل السِّيَر يَقُولُونَ: الْمُسْتَحَاضَة أُخْتهَا حَمْنَة بِنْت جَحْش.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: الصَّحِيح أَنَّهُمَا كَانَتَا تُسْتَحَاضَانِ.
503- قَوْله: «أَنَّ أُمّ حَبِيبَة بِنْت جَحْش خَتَنَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف اُسْتُحِيضَتْ» أَمَّا قَوْله خَتَنَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ بِفَتْحِ الْخَاء وَالتَّاء الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق وَمَعْنَاهُ قَرِيبَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْأَخْتَان جَمْع خَتَنٍ، وَهُمْ أَقَارِب زَوْجَة الرَّجُل. وَالْأَحْمَاء أَقَارِب زَوْج الْمَرْأَة، وَالْأَصْهَار يَعُمّ الْجَمِيع.
وَأَمَّا قَوْله (وَتَحْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف) فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا زَوْجَته، فَعَرَّفَهَا بِشَيْئَيْنِ: أَحَدهمَا كَوْنُهَا أُخْت أُمّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَب بِنْت جَحْش زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالثَّانِي كَوْنهَا زَوْجَة عَبْد الرَّحْمَن وَأَمَّا وَالِدهَا جَحْش فَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيم وَإِسْكَان الْحَاء الْمُهْمَلَة وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَة.
قَوْله فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن سَلَمَة الْمُرَادِي (عَنْ اِبْن وَهْبٍ عَنْ عَمْرو بْن الْحَرْث عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَعَمْرَة بِنْت عَبْد الرَّحْمَن عَنْ عَائِشَة) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَعَمْرَة وَهُوَ الصَّوَاب وَكَذَلِكَ رَوَاهُ اِبْن أَبِي ذِئْب الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة وَعَمْرَة وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ عَنْ عُرْوَة وَعَمْرَة كَمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، وَخَالَفَهُمَا الْأَوْزَاعِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَمْرَة بِـ (عَنْ)، جَعَلَ عُرْوَة رَاوِيًا عَنْ عَمْرَة.: وَأَمَّا قَوْل مُسْلِم بَعْد هَذَا (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَة عَنْ عَائِشَة) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ جَمِيع رُوَاة مُسْلِم إِلَّا السَّمَرْقَنْدِيّ فَإِنَّهُ جَعَلَ عُرْوَة مَكَان عَمْرَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (فَكَانَتْ تَغْتَسِل فِي مِرْكَن) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْح الْكَاف وَهُوَ الْإِجَانَة الَّتِي تُغْسَل فيها الثِّيَاب.
قَوْله: (حَتَّى تَعْلُو حُمْرَة الدَّم الْمَاء) مَعْنَاهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِل فِي الْمِرْكَن فَتَجْلِس فيه وَتَصُبّ عَلَيْهَا الْمَاء فَيَخْتَلِط الْمَاء الْمُتَسَاقِط عَنْهَا بِالدَّمِ فَيَحْمَرّ الْمَاء ثُمَّ إِنَّهُ لابد أَنَّهَا كَانَتْ تَتَنَظَّف بَعْد ذَلِكَ عَنْ تِلْكَ الْغُسَالَة الْمُتَغَيِّرَة.
504- قَوْله (رَأَيْت مِرْكَنهَا مَلْآن) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول بِبِلَادِنَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاض أَنَّهُ رُوِيَ أَيْضًا مَلْأَى وَكِلَاهُمَا صَحِيح، الْأَوَّل عَلَى لَفْظ (الْمِرْكَن) وَهُوَ مُذَكَّر، وَالثَّانِي عَلَى مَعْنَاهُ وَهُو: (الْإِجَانَة). وَاللَّهُ أَعْلَم.
505- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنَّ هَذَا عِرْق فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «اُمْكُثِي قَدْر مَا كَانَتْ تَحْبِسك حَيْضَتك ثُمَّ اِغْتَسِلِي وَصَلِّي» فِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ دَلِيل عَلَى وُجُوب الْغُسْل عَلَى الْمُسْتَحَاضَة إِذَا اِنْقَضَى زَمَن الْحَيْض وَإِنْ كَانَ الدَّم جَارِيًا، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانه.