فصل: باب اسْتِحْبَابِ قَتْلِ الْوَزَغِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب الطِّيَرَةِ وَالْفَأْلِ وَمَا يَكُونُ فِيهِ الشُّؤْمُ:

4122- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا طِيَرَة، وَخَيْرهَا الْفَأْل. قِيلَ: يَا رَسُول اللَّه وَمَا الْفَأْل؟ قَالَ: الْكَلِمَة الْحَسَنَة الصَّالِحَة يَسْمَعهَا أَحَدكُمْ» وَفِي رِوَايَة: «لَا طِيَرَة، وَيُعْجِبنِي الْفَأْل: الْكَلِمَة الْحَسَنَة الْكَلِمَة الطَّيِّبَة» وَفِي رِوَايَة: «وَأُحِبّ الْفَأْل الصَّالِح» أَمَّا (الطِّيَرَة) فَبِكَسْرِ الطَّاء وَفَتْح الْيَاء عَلَى وَزْن الْعِنَبَة، هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَعْرُوف فِي رِوَايَة الْحَدِيث وَكُتُب اللُّغَة وَالْغَرِيب، وَحَكَى الْقَاضِي وَابْن الْأَثِير أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ سَكَّنَ الْيَاء، وَالْمَشْهُور الْأَوَّل. قَالُوا: وَهِيَ مَصْدَر تَطَيَّرَ طِيَرَة قَالُوا: وَلَمْ يَجِيء فِي الْمَصَادِر عَلَى هَذَا الْوَزْن إِلَّا تَطَيَّرَ طِيَرَة، وَتَخَيَّرَ خِيَرَة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَجَاءَ فِي الْأَسْمَاء حَرْفَانِ وَهُمَا شَيْء طِيَبَة أَيْ طَيِّب، و(التِّوَلَة) بِكَسْرِ التَّاء الْمُثَنَّاة وَضَمّهَا وَهُوَ نَوْع مِنْ السِّحْر، وَقِيلَ: يُشْبِه السِّحْر.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ: هُوَ مَا تَتَحَبَّب بِهِ الْمَرْأَة إِلَى زَوْجهَا. و(التَّطَيُّر) التَّشَاؤُم، وَأَصْله الشَّيْء الْمَكْرُوه مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْل أَوْ مَرْئِيّ، وَكَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِالسَّوَانِحِ وَالْبَوَارِح، فَيُنَفِّرُونَ الظِّبَاء وَالطُّيُور، فَإِنْ أَخَذَتْ ذَات الْيَمِين تَبَرَّكُوا بِهِ، وَمَضَوْا فِي سَفَرهمْ وَحَوَائِجهمْ، وَإِنْ أَخَذَتْ ذَات الشِّمَال رَجَعُوا عَنْ سَفَرهمْ وَحَاجَتهمْ، وَتَشَاءَمُوا بِهَا، فَكَانَتْ تَصُدّهُمْ فِي كَثِير مِنْ الْأَوْقَات عَنْ مَصَالِحهمْ، فَنَفَى الشَّرْع ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ، وَنَهَى عَنْهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَأْثِير بِنَفْعٍ وَلَا ضُرّ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا طِيَرَة» وَفِي حَدِيث آخَر: «الطِّيَرَة شِرْك» أَيْ اِعْتِقَاد أَنَّهَا تَنْفَع أَوْ تَضُرّ؛ إِذْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا مُعْتَقِدِينَ تَأْثِيرهَا، فَهُوَ شِرْك لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهَا أَثَرًا فِي الْفِعْل وَالْإِيجَاد.
وَأَمَّا (الْفَأْل) فَمَهْمُوز، وَيَجُوز تَرْك هَمْزه، وَجَمْعه فُؤُول كَفَلْسٍ وَفُلُوس، وَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ الصَّالِحَة وَالْحَسَنَة وَالطَّيِّبَة.
قَالَ الْعُلَمَاء: يَكُون الْفَأْل فِيمَا يُسِرّ، وَفِيمَا يَسُوء، وَالْغَالِب فِي السُّرُور. وَالطِّيَرَة لَا تَكُون إِلَّا فِيمَا يَسُوء. قَالُوا: وَقَدْ يُسْتَعْمَل مَجَازًا فِي السُّرُور، يُقَال: تَفَاءَلْت بِكَذَا بِالتَّخْفِيفِ، وَتَفَأَّلْت بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ الْأَصْل، وَالْأَوَّل مُخَفَّف مِنْهُ وَمَقْلُوب عَنْهُ.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَإِنَّمَا أُحِبّ الْفَأْل لِأَنَّ الْإِنْسَان إِذَا أَمَلَ فَائِدَة اللَّه تَعَالَى وَفَضْله عِنْد سَبَب قَوِيّ أَوْ ضَعِيف فَهُوَ عَلَى خَيْر فِي الْحَال، وَإِنْ غَلِطَ فِي جِهَة الرَّجَاء فَالرَّجَاء لَهُ خَيْر.
وَأَمَّا إِذَا قَطَعَ رَجَاءَهُ وَأَمَلَهُ مِنْ اللَّه تَعَالَى فَإِنَّ ذَلِكَ شَرّ لَهُ، وَالطِّيَرَة فيها سُوء الظَّنّ وَتَوَقُّع الْبَلَاء. وَمَنْ أَمْثَال التَّفَاؤُل أَنْ يَكُون لَهُ مَرِيض، فَيَتَفَاءَل بِمَا يَسْمَعهُ، فَيَسْمَع مَنْ يَقُول: يَا سَالِم، أَوْ يَكُون طَالِب حَاجَة فَيَسْمَع مَنْ يَقُول: يَا وَاجِد، فَيَقَع فِي قَلْبه رَجَاء الْبُرْء أَوْ الْوِجْدَان. وَاللَّهُ أَعْلَم.
4123- سبق شرحه بالباب.
4124- سبق شرحه بالباب.
4125- سبق شرحه بالباب.
4126- سبق شرحه بالباب.
4127- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشُّؤْم فِي الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْفَرَس» وَفِي رِوَايَة: «إِنَّمَا الشُّؤْم فِي ثَلَاثَة: الْمَرْأَة وَالْفَرَس وَالدَّار» وَفِي رِوَايَة: «إِنْ كَانَ الشُّؤْم فِي شَيْء فَفِي الْفَرَس وَالْمَسْكَن وَالْمَرْأَة» وَفِي رِوَايَة: «إِنْ كَانَ فِي شَيْء فَفِي الرَّبْع وَالْخَادِم وَالْفَرَس» وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْحَدِيث، فَقَالَ مَالِك وَطَائِفَة: هُوَ عَلَى ظَاهِره، وَإِنَّ الدَّار قَدْ يَجْعَل اللَّه تَعَالَى سُكْنَاهَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ أَوْ الْهَلَاك، وَكَذَا اِتِّخَاذ الْمَرْأَة الْمَعِينَة أَوْ الْفَرَس أَوْ الْخَادِم قَدْ يَحْصُل الْهَلَاك عِنْده بِقَضَاءِ اللَّه تَعَالَى. وَمَعْنَاهُ قَدْ يَحْصُل الشُّؤْم فِي هَذِهِ الثَّلَاثَة كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَة: «إِنْ يَكُنْ الشُّؤْم فِي شَيْء» وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَثِيرُونَ: هُوَ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاء مِنْ الطِّيَرَة أَيْ الطِّيَرَة مَنْهِيّ عَنْهَا إِلَّا أَنْ يَكُون لَهُ دَار يُكْرَه سُكْنَاهَا، أَوْ اِمْرَأَة يُكْرَه صُحْبَتهَا، أَوْ فَرَس أَوْ خَادِم فَلْيُفَارِقْ الْجَمِيع بِالْبَيْعِ وَنَحْوه، وَطَلَاق الْمَرْأَة.
وَقَالَ آخَرُونَ: شُؤْم الدَّار ضِيقهَا، وَسُوء جِيرَانهَا، وَأَذَاهُمْ. وَشُؤْم الْمَرْأَة عَدَم وِلَادَتهَا، وَسَلَاطَة لِسَانهَا، وَتَعَرُّضهَا لِلرَّيْبِ. وَشُؤْم الْفَرَس: أَنْ لَا يُغْزَى عَلَيْهَا، وَقِيلَ: حِرَانهَا وَغَلَاء ثَمَنهَا. وَشُؤْم الْخَادِم سُوء خُلُقه، وَقِلَّة تَعَهُّده لِمَا فُوِّضَ إِلَيْهِ.
وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالشُّؤْمِ هُنَا عَدَم الْمُوَافَقَة. وَاعْتَرَضَ بَعْض الْمَلَاحِدَة بِحَدِيث: «لَا طِيَرَة» عَلَى هَذَا، فَأَجَابَ اِبْن قُتَيْبَة وَغَيْره بِأَنَّ هَذَا مَخْصُوص مِنْ حَدِيث: «لَا طِيَرَة إِلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَة» قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: الْجَامِع لِهَذِهِ الْفُصُول السَّابِقَة فِي الْأَحَادِيث ثَلَاثَة أَقْسَام:
أَحَدهَا مَا لَمْ يَقَع الضَّرَر بِهِ وَلَا اِطَّرَدَتْ عَادَة خَاصَّة وَلَا عَامَّة، فَهَذَا لَا يُلْتَفَت إِلَيْهِ، وَأَنْكَرَ الشَّرْع الِالْتِفَات إِلَيْهِ، وَهُوَ الطِّيَرَة.
وَالثَّانِي مَا يَقَع عِنْده الضَّرَر عُمُومًا لَا يَخُصّهُ، وَنَادِرًا لَا مُتَكَرِّرًا كَالْوَبَاءِ، فَلَا يُقْدِم عَلَيْهِ، وَلَا يَخْرُج مِنْهُ.
وَالثَّالِث مَا يَخُصّ وَلَا يَعُمّ كَالدَّارِ وَالْفَرَس وَالْمَرْأَة، فَهَذَا يُبَاح الْفِرَار مِنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
4128- سبق شرحه بالباب.
4129- سبق شرحه بالباب.
4130- سبق شرحه بالباب.
4131- سبق شرحه بالباب.
4132- سبق شرحه بالباب.

.باب تَحْرِيمِ الْكِهَانَةِ وَإِتْيَانِ الْكُهَّانِ:

4133- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا تَأْتُوا الْكُهَّان» وَفِي رِوَايَة: «سُئِلَ عَنْ الْكُهَّان فَقَالَ: لَيْسُوا بِشَيْءٍ» قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه: كَانَتْ الْكِهَانَة فِي الْعَرَب ثَلَاثَة أَضْرِب: أَحَدهَا يَكُون لِلْإِنْسَانِ وَلِيّ مِنْ الْجِنّ يُخْبِرهُ بِمَا يَسْتَرِقهُ مِنْ السَّمْع مِنْ السَّمَاء، وَهَذَا الْقِسْم بَطَل مِنْ حِين بَعَثَ اللَّه نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الثَّانِي أَنْ يُخْبِرهُ بِمَا يَطْرَأ أَوْ يَكُون فِي أَقْطَار الْأَرْض وَمَا خَفِيَ عَنْهُ مِمَّا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، وَهَذَا لَا يَبْعُد وُجُوده، وَنَفَتْ الْمُعْتَزِلَة وَبَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَيْنِ الضَّرْبَيْنِ، وَأَحَالُوهُمَا، وَلَا اِسْتِحَالَة فِي ذَلِكَ، وَلَا بُعْد فِي وُجُوده، لَكِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ وَيُكَذِّبُونَ، وَالنَّهْي عَنْ تَصْدِيقهمْ وَالسَّمَاع مِنْهُمْ عَامّ. الثَّالِث الْمُنَجِّمُونَ، وَهَذَا الضَّرْب يَخْلُق اللَّه تَعَالَى فيه لِبَعْضِ النَّاس قُوَّة مَا، لَكِنَّ الْكَذِب فيه أَغْلَب، وَمِنْ هَذَا الْفَنّ الْعِرَافَة، وَصَاحِبهَا عَرَّاف، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَدِلّ عَلَى الْأُمُور بِأَسْبَابٍ وَمُقَدِّمَات يَدَّعِي مَعْرِفَتهَا بِهَا، وَقَدْ يَعْتَضِد بَعْض هَذَا الْفَنّ بِبَعْضٍ فِي ذَلِكَ بِالزَّجْرِ وَالطُّرُق وَالنُّجُوم وَأَسْبَاب مُعْتَادَة. وَهَذِهِ الْأَضْرُب كُلّهَا تُسَمَّى كِهَانَة، وَقَدْ أَكْذَبَهُمْ كُلّهمْ الشَّرْع، وَنَهَى عَنْ تَصْدِيقهمْ وَإِتْيَانهمْ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «كُنَّا نَتَطَيَّر قَالَ: ذَاكَ شَيْء يَجِدهُ أَحَدكُمْ فِي نَفْسه فَلَا يَصُدَّنكُمْ» مَعْنَاهُ أَنَّ كَرَاهَة ذَلِكَ تَقَع فِي نُفُوسكُمْ فِي الْعَادَة، وَلَكِنْ لَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، وَلَا تَرْجِعُوا عَمَّا كُنْتُمْ عَزَمْتُمْ عَلَيْهِ قَبْل هَذَا.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُرْوَة بْن عَامِر الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: ذَكَرْت الطِّيَرَة عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَحْسَنهَا الْفَأْل، وَلَا يَرُدّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَى أَحَدكُمْ مَا يَكْرَه فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَع السَّيِّئَات إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء يَخُطّ فَمَنْ وَافَقَ خَطّه فَذَاكَ» هَذَا الْحَدِيث سَبَقَ شَرْحه فِي كِتَاب الصَّلَاة.
4134- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ الْكَلِمَة الْحَقّ يَخْطَفهَا الْجِنِّيّ، فَيَقْذِفهَا فِي أُذُن وَلِيّه، وَيَزِيد فيها مِائَة كَذْبَة» أَمَّا (يَخْطَفهَا) فَبِفَتْحِ الطَّاء عَلَى الْمَشْهُور، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن، وَفِي لُغَة قَلِيلَة كَسْرهَا، وَمَعْنَاهُ اِسْتَرَقَهُ وَأَخَذَهُ بِسُرْعَةٍ.
وَأَمَّا (الْكَذْبَة) فَبِفَتْحِ الْكَاف وَكَسْرهَا وَالذَّال سَاكِنَة فيهمَا.
قَالَ الْقَاضِي: وَأَنْكَرَ بَعْضهمْ الْكَسْر إِلَّا إِذَا أَرَادَ الْحَالَة وَالْهَيْئَة، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعهَا.
وَمَعْنَى (يَقْذِفهَا) يُلْقِيهَا.
4135- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسُوا بِشَيْءٍ» مَعْنَاهُ بُطْلَان قَوْلهمْ، وَأَنَّهُ لَا حَقِيقَة لَهُ. وَفيه جَوَاز إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ عَلَى مَا كَانَ بَاطِلًا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ الْكَلِمَة مِنْ الْجِنّ يَخْطَفهَا فَيَقُرّهَا فِي أُذُن وَلِيّه قَرَّ الدَّجَاجَة» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ بِبِلَادِنَا: «الْكَلِمَة مِنْ الْجِنّ» بِالْجِيمِ وَالنُّون، أَيْ الْكَلِمَة الْمَسْمُوعَة مِنْ الْجِنّ، أَوْ الَّتِي تَصِحّ مِمَّا نَقَلَتْهُ الْجِنّ بِالْجِيمِ وَالنُّون، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق أَنَّهُ رُوِيَ هَكَذَا، وَرُوِيَ أَيْضًا (مِنْ الْحَقّ) بِالْحَاءِ وَالْقَاف.
وَأَمَّا قَوْله: (فَيَقُرّهَا) فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الْقَاف وَتَشْدِيد الرَّاء: «وَقَرّ الدَّجَاجَة» بِفَتْحِ الْقَاف. وَالدَّجَاجَة بِالدَّالِ الدَّجَاجَة الْمَعْرُوفَة.
قَالَ أَهْل اللُّغَة وَالْغَرِيب: الْقَرّ تَرْدِيد الْكَلَام فِي أُذُن الْمُخَاطَب حَتَّى يَفْهَمهُ، يَقُول: قَرَرْته فيه أَقُرّه قَرًّا. وَقَرّ الدَّجَاجَة صَوْتهَا إِذَا قَطَّعَتْهُ، يُقَال: قَرَّتْ تَقُرّ قَرًّا وَقَرِيرًا، فَإِنْ رَدَّدَتْهُ قُلْت: قَرْقَرَتْ قَرْقَرَة.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: مَعْنَاهُ أَنَّ الْجِنِّيّ يَقْذِف الْكَلِمَة إِلَى وَلِيّه الْكَاهِن، فَتَسْمَعهَا الشَّيَاطِين كَمَا تُؤَذِّن الدَّجَاجَة بِصَوْتِهَا صَوَاحِبهَا فَتَتَجَاوَب.
قَالَ: وَفيه وَجْه آخَر، وَهِيَ أَنْ تَكَوُّن الرِّوَايَة: «كَقَرِّ الزُّجَاجَة» تَدُلّ عَلَيْهِ رِوَايَة الْبُخَارِيّ: «فَيَقُرّهَا فِي أُذُنه كَمَا تَقُرّ الْقَارُورَة» قَالَ: فَذِكْر الْقَارُورَة فِي هَذِهِ الرِّوَايَة يَدُلّ عَلَى ثُبُوت الرِّوَايَة بِالزُّجَاجَةِ قَالَ الْقَاضِي: أَمَّا مُسْلِم فَلَمْ تَخْتَلِف الرِّوَايَة فيه أَنَّهُ الدَّجَاجَة بِالدَّالِ، لَكِنَّ رِوَايَة الْقَارُورَة تُصَحِّح الزُّجَاجَة.
قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ يَكُون لِمَا يُلْقِيه إِلَى وَلِيّه حِسّ كَحِسِّ الْقَارُورَة عِنْد تَحْرِيكهَا مَعَ الْيَد أَوْ عَلَى صَفَا.
4136- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَة صَالِح عَنْ اِبْن شِهَاب: «وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فيه وَيَزِيدُونَ» هَذِهِ اللَّفْظَة ضَبَطُوهَا مِنْ رِوَايَة صَالِح عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا بِالرَّاءِ، وَالثَّانِي بِالذَّالِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيِّ وَابْن مَعْقِل الرَّاء بِاتِّفَاقِ النُّسَخ. وَمَعْنَاهُ يَخْلِطُونَ فيه الْكَذِب، وَهُوَ بِمَعْنَى يَقْذِفُونَ. وَفِي رِوَايَة يُونُس: (يَرْقَوْنَ) قَالَ الْقَاضِي: ضَبَطْنَاهُ عَنْ شُيُوخنَا بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء وَتَشْدِيد الْقَاف.
قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضهمْ بِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان الرَّاء.
قَالَ فِي الْمَشَارِق: قَالَ بَعْضهمْ: صَوَابه بِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَفَتْح الْقَاف.
قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ: وَمَعْنَاهُ مَعْنَى يَزِيدُونَ، يُقَال: رَقِيَ فُلَان إِلَى الْبَاطِل بِكَسْرِ الْقَاف أَيْ رَفَعَهُ، وَأَصْله مِنْ الصُّعُود، أَيْ يَدَّعُونَ فيها فَوْق مَا سَمِعُوا.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ يَصِحّ الرِّوَايَة الْأَوْلَى عَلَى تَضْعِيف هَذَا الْفِعْل وَتَكْثِيره. وَاللَّهُ أَعْلَم.
4137- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْء لَمْ تُقْبَل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة» أَمَّا الْعَرَّاف فَقَدْ سَبَقَ بَيَانه، وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَة أَنْوَاع الْكُهَّان.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: الْعَرَّاف هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَة مَكَان الْمَسْرُوق، وَمَكَان الضَّالَّة، وَنَحْوهمَا.
وَأَمَّا عَدَم قَبُول صَلَاته فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا ثَوَاب لَهُ فيها وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَة فِي سُقُوط الْفَرْض عَنْهُ، وَلَا يَحْتَاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَة، وَنَظِير هَذِهِ الصَّلَاة فِي الْأَرْض الْمَغْصُوبَة مُجْزِئَة مُسْقِطَة لِلْقَضَاءِ، وَلَكِنْ لَا ثَوَاب فيها، كَذَا قَالَهُ جُمْهُور أَصْحَابنَا، قَالُوا: فَصَلَاة الْفَرْض وَغَيْرهَا مِنْ الْوَاجِبَات، إِذَا أُتِيَ بِهَا عَلَى وَجْههَا الْكَامِل تَرَتَّبَ عَلَيْهَا شَيْئَانِ، سُقُوط الْفَرْض عَنْهُ، وَحُصُول الثَّوَاب. فَإِذَا أَدَّاهَا فِي أَرْض مَغْصُوبَة حَصَلَ الْأَوَّل دُون الثَّانِي، ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيل فِي هَذَا الْحَدِيث، فَإِنَّ الْعُلَمَاء مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَم مَنْ أَتَى الْعَرَّاف إِعَادَة صَلَوَات أَرْبَعِينَ لَيْلَة، فَوَجَبَ تَأْوِيله. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب اجْتِنَابِ الْمَجْذُومِ وَنَحْوِهِ:

4138- قَوْله: «كَانَ فِي وَفْد ثَقِيف رَجُل مَجْذُوم، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاك فَارْجِعْ» هَذَا مُوَافِق لِلْحَدِيثِ الْآخَر فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ: «وَفِّرْ مِنْ الْمَجْذُوم فِرَارك مِنْ الْأَسَد» وَقَدْ سَبَقَ شَرْح هَذَا الْحَدِيث فِي بَاب: «لَا عَدْوَى» وَأَنَّهُ غَيْر مُخَالِف لِحَدِيث: «لَا يُورِد مُمْرِض عَلَى مُصِحّ» قَالَ الْقَاضِي: قَدْ اِخْتَلَفَ الْآثَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّة الْمَجْذُوم، فَثَبَتَ عَنْهُ الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ، وَعَنْ جَابِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُوم، وَقَالَ لَهُ: كُلْ ثِقَة بِاَللَّهِ، وَتَوَكَّلَا عَلَيْهِ. وَعَنْ عَائِشَة قَالَتْ: مَوْلَى مَجْذُوم فَكَانَ يَأْكُل فِي صِحَافِي، وَيَشْرَب فِي أَقْدَاحِي، وَيَنَام عَلَى فِرَاشِي.
قَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَغَيْره مِنْ السَّلَف إِلَى الْأَكْل مَعَهُ، وَرَأَوْا أَنَّ الْأَمْر بِاجْتِنَابِهِ مَنْسُوخ. وَالصَّحِيح الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَيَتَعَيَّن الْمَصِير إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا نَسْخ، بَلْ يَجِب الْجَمْع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ، وَحَمْل الْأَمْر بِاجْتِنَابِهِ وَالْفِرَار مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَاب وَالِاحْتِيَاط لَا لِلْوُجُوبِ، وَأَمَّا الْأَكْل مَعَهُ فَفَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَاز. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: فِي هَذَا الْحَدِيث وَمَا فِي مَعْنَاهُ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَثْبُت لِلْمَرْأَةِ الْخِيَار فِي فَسْخ النِّكَاح إِذَا وَجَدَتْ زَوْجهَا مَجْذُومًا، أَوْ حَدَثَ بِهِ جُذَام. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب مَالِك فِي أَنَّ أَمَته هَلْ لَهَا مَنْع نَفْسهَا مِنْ اِسْتِمْتَاعه إِذَا أَرَادَهَا؟ قَالَ الْقَاضِي: قَالُوا: وَيُمْنَع مِنْ الْمَسْجِد وَالِاخْتِلَاط بِالنَّاسِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ اِخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُمْ إِذَا كَثُرُوا هَلْ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا لِأَنْفُسِهِمْ مَوْضِعًا مُنْفَرِدًا خَارِجًا عَنْ النَّاس، وَلَا يُمْنَعُوا مِنْ التَّصَرُّف فِي مَنَافِعهمْ، وَعَلَيْهِ أَكْثَر النَّاس، أَمْ لَا يَلْزَمهُمْ التَّنَحِّي؟ قَالَ: وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْقَلِيل مِنْهُمْ فِي أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ.
قَالَ: وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ صَلَاة الْجُمُعَة مَعَ النَّاس، وَيُمْنَعُونَ مِنْ غَيْرهَا.
قَالَ: وَلَوْ اِسْتَضَرَّ أَهْل الْقَرْيَة فيهمْ جَذْمَى بِمُخَالَطَتِهِمْ فِي الْمَاء فَإِنْ قَدَرُوا عَلَى اِسْتِنْبَاط مَاء بِلَا ضَرَر أُمِرُوا بِهِ، وَإِلَّا اِسْتَنْبَطَهُ لَهُمْ الْآخَرُونَ، أَوْ أَقَامُوا مَنْ يَسْتَقِي لَهُمْ، وَإِلَّا فَلَا يُمْنَعُونَ. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَغَيْرِهَا:

4139- سبق شرحه بالباب.
4140- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اُقْتُلُوا الْحَيَّات وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَر، فَإِنَّهُمَا يَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَل، وَيَلْتَمِسَانِ الْبَصَر» وَفِي رِوَايَة أَنَّ اِبْن عُمَر ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيث، ثُمَّ قَالَ: «فَكُنْت لَا أَتْرُك حَيَّة أَرَاهَا إِلَّا قَتَلَتْهَا، فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِد حَيَّة يَوْمًا مِنْ ذَوَات الْبُيُوت، مَرَّ بِي زَيْد بْن الْخَطَّاب، أَوْ أَبُو لُبَابَة، وَأَنَا أُطَارِدهَا، فَقَالَ: مَهْلًا يَا عَبْد اللَّه، فَقُلْت: إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْر بِقَتْلِهِنَّ. قَالَ إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ ذَوَات الْبُيُوت» وَفِي رِوَايَة: «نَهَى عَنْ قَتْل الْجِنَان الَّتِي فِي الْبُيُوت» وَفِي رِوَايَة: «أَنَّ فَتًى مِنْ الْأَنْصَار قَتَلَ حَيَّة فِي بَيْته فَمَاتَ فِي الْحَال، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْد ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان». وَفِي رِوَايَة: «إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوت عَوَامِر، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا، فَإِنْ ذَهَبَ، وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِر». وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ الْحَيَّة الَّتِي خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ وَهُمْ بِغَارِ مِنَى».
قَالَ الْمَازِرِيّ: لَا تُقْتَل حَيَّات مَدِينَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِإِنْذَارِهَا كَمَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث، فَإِذَا أَنْذَرَهَا وَلَمْ تَنْصَرِف قَتَلَهَا.
وَأَمَّا حَيَّات غَيْر الْمَدِينَة فِي جَمِيع الْأَرْض وَالْبُيُوت وَالدُّور فَيُنْدَب قَتْلهَا مِنْ غَيْر إِنْذَار لِعُمُومِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي الْأَمْر بِقَتْلِهَا. فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث: «اُقْتُلُوا الْحَيَّات» وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «خَمْس يُقْتَلْنَ فِي الْحِلّ وَالْحَرَم» مِنْهَا الْحَيَّة، وَلَمْ يَذْكُر إِنْذَارًا وَفِي حَدِيث: «الْحَيَّة الْخَارِجَة بِمِنَى» أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْر بِقَتْلِهَا، وَلَمْ يَذْكُر إِنْذَارًا، وَلَا نَقَلَ أَنَّهُمْ أَنْذَرُوهَا. قَالُوا: فَأَخَذَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث فِي اِسْتِحْبَاب قَتْل الْحَيَّات مُطْلَقًا، وَخُصَّتْ الْمَدِينَة بِالْإِنْذَارِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِد فيها، وَسَبَبه صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيث أَنَّهُ أَسْلَمَ طَائِفَة مِنْ الْجِنّ بِهَا. وَذَهَبَتْ طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى عُمُوم النَّهْي فِي حَيَّات الْبُيُوت بِكُلِّ بَلَد حَتَّى تُنْذَر، وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِي الْبُيُوت فَيُقْتَل مِنْ غَيْر إِنْذَار.
قَالَ مَالِك: يُقْتَل مَا وُجِدَ مِنْهَا فِي الْمَسَاجِد.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: الْأَمْر بِقَتْلِ الْحَيَّات مُطْلَقًا مَخْصُوص بِالنَّهْيِ عَنْ جِنَان الْبُيُوت، إِلَّا الْأَبْتَر وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُقْتَل عَلَى كُلّ حَال، سَوَاء كَانَا فِي الْبُيُوت أَمْ غَيْرهَا، وَإِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا بَعْد الْإِنْذَار.
قَالَ: وَيَخُصّ مِنْ النَّهْي عَنْ قَتْل جِنَان الْبُيُوت الْأَبْتَر وَذُو الطُّفْيَتَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا صِفَة الْإِنْذَار فَقَالَ الْقَاضِي: رَوَى اِبْن حَبِيب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُول: أَنْشُدكُنَّ بِالْعَهْدِ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْكُمْ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ أَلَا تُؤْذُونَا، وَلَا تَظْهَرْنَ لَنَا وَقَالَ مَالِك: يَكْفِي أَنْ يَقُول: أُحَرِّج عَلَيْك اللَّه وَالْيَوْم الْآخِر أَنْ لَا تَبْدُو لَنَا، وَلَا تُؤْذِينَا. وَلَعَلَّ مَالِكًا أَخَذَ لَفْظ التَّحْرِيج مِمَّا وَقَعَ فِي صَحِيح مُسْلِم، «فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا» وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَا الطُّفْيَتَيْنِ» هُوَ بِضَمِّ الطَّاء الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الْفَاء.
قَالَ الْعُلَمَاء: هُمَا الْخَطَّانِ الْأَبْيَضَانِ عَلَى ظَهْر الْحَيَّة، وَأَصْل الطُّفْيَة خُوصَة الْمُقَل، وَجَمْعهَا طُفَى، شِبْه الْخَطَّيْنِ عَلَى ظَهْرهَا بِخُوصَتَيْ الْمُقَل.
وَأَمَّا (الْأَبْتَر) فَهُوَ قَصِير الذَّنَب.
وَقَالَ نَضْر بْن شُمَيْلٍ: هُوَ صِنْف مِنْ الْحَيَّات أَزْرَق مَقْطُوع الذَّنَب لَا تَنْظُر إِلَيْهِ حَامِل إِلَّا أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَل» مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَة الْحَامِل إِذَا نَظَرَتْ إِلَيْهِمَا وَخَافَتْ أَسْقَطَتْ الْحَمْل غَالِبًا.
وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم فِي رِوَايَته عَنْ الزُّهْرِيّ أَنَّهُ قَالَ: يُرَى ذَلِكَ مِنْ سُمّهمَا.
وَأَمَّا: «يَلْتَمِسَانِ الْبَصَر» فَفيه تَأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ: أَحَدهمَا مَعْنَاهُ يَخْطَفَانِ الْبَصَر وَيَطْمِسَانِهِ بِمُجَرَّدِ نَظَرهمَا إِلَيْهِ لِخَاصَّةٍ جَعَلَهَا اللَّه تَعَالَى فِي بَصَرَيْهِمَا إِذَا وَقَعَ عَلَى بَصَر الْإِنْسَان، وَيُؤَيِّد هَذَا الرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي مُسْلِم: «يَخْطَفَانِ الْبَصَر» وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: «يَلْتَمِعَانِ الْبَصَر» وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يَقْصِدَانِ الْبَصَر بِاللَّسْعِ وَالنَّهْش، وَالْأَوَّل أَصَحّ وَأَشْهَر.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَفِي الْحَيَّات نَوْع يُسَمَّى النَّاظِر إِذَا وَقَعَ نَظَره عَلَى عَيْن إِنْسَان مَاتَ مِنْ سَاعَته. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «يُطَارِد حَيَّة» أَيْ يَطْلُبهَا وَيَتَتَبَّعهَا لِيَقْتُلهَا.
4141- سبق شرحه بالباب.
4142- قَوْله: «نَهَى عَنْ قَتْل الْجِنَان» هُوَ بِجِيمٍ مَكْسُورَة وَنُون مَفْتُوحَة، وَهِيَ الْحَيَّات جَمْع جَانّ، وَهِيَ الْحَيَّة الصَّغِيرَة، وَقِيلَ: الدَّقِيقَة الْخَفِيفَة، وَقِيلَ: الدَّقِيقَة الْبَيْضَاء.
4143- سبق شرحه بالباب.
4144- سبق شرحه بالباب.
4145- سبق شرحه بالباب.
4146- قَوْله: «يَفْتَح خَوْخَة» هِيَ بِفَتْحِ الْخَاء وَإِسْكَان الْوَاو، وَهِيَ كَوَّة بَيْن دَارَيْنِ أَوْ بَيْتَيْنِ يَدْخُل مِنْهَا، وَقَدْ تَكُون فِي حَائِط مُنْفَرِد.
4147- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيَتَتَبَّعَانِ مَا فِي بُطُون النِّسَاء» أَيْ يُسْقِطَانِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الرِّوَايَات الْبَاقِيَة عَلَى مَا سَبَقَ شَرْحه، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ التَّتَبُّع مَجَازًا، وَلَعَلَّ فيهمَا طَلَبًا لِذَلِكَ جَعَلَهُ اللَّه خَصِيصَة فيهمَا.
قَوْله: «عِنْد الْأُطُم» هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَة، وَهُوَ الْقَصْر، وَجَمْعه آطَام، كَعُنُقٍ وَأَعْنَاق.
4149- قَوْله: «أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّة بِمِنَى» فيه جَوَاز قَتْلهَا لِلْمُحْرِمِ، وَفِي الْحَرَم، وَأَنَّهُ لَا يُنْذِرهَا فِي غَيْر الْبُيُوت، وَأَنَّ قَتْلهَا مُسْتَحَبّ.
4150- قَوْله: «فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْصَافِ النَّهَار فَيَرْجِع إِلَى أَهْله» قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا الِاسْتِئْذَان اِمْتِثَال لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} و«أَنْصَاف النَّهَار» بِفَتْحِ الْهَمْزَة أَيْ مُنْتَصَفه، وَكَأَنَّهُ وَقْت لِآخِرِ النِّصْف الْأَوَّل وَأَوَّل النِّصْف الثَّانِي، فَجَمْعه كَمَا قَالُوا: ظُهُور التُّرْسَيْنِ.
وَأَمَّا رُجُوعه إِلَى أَهْله فَلِيُطَالِع حَالهمْ، وَيَقْضِي حَاجَتهمْ، وَيُؤْنِس اِمْرَأَته، فَإِنَّهَا كَانَتْ عَرُوسًا كَمَا ذَكَرَ فِي الْحَدِيث.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأْذَنُوهُ ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْد ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان» قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ وَإِذَا لَمْ يَذْهَب بِالْإِنْذَارِ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَوَامِر الْبُيُوت، وَلَا مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ الْجِنّ، بَلْ هُوَ شَيْطَان، فَلَا حُرْمَة عَلَيْكُمْ فَاقْتُلُوهُ، وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لَهُ سَبِيلًا لِلِانْتِصَارِ عَلَيْكُمْ بِثَأْرِهِ، بِخِلَافِ الْعَوَامِر وَمَنْ أَسْلَمَ. اللَّه أَعْلَم.
4151- سبق شرحه بالباب.

.باب اسْتِحْبَابِ قَتْلِ الْوَزَغِ:

قَوْلهَا: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِقَتْلِ الْأَوْزَاغ» وَفِي رِوَايَة: «أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغ، وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا» وَفِي رِوَايَة: «مَنْ قَتَلَ وَزَغَة فِي أَوَّل ضَرْبَة فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَة، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَة الثَّانِيَة فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَة لِدُونِ الْأُولَى، وَإِنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَة الثَّالِثَة فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَة لِدُونِ الثَّانِيَة». وَفِي رِوَايَة: «مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّل ضَرْبَة كُتُب لَهُ مِائَة حَسَنَة، وَفِي الثَّانِيَة دُون ذَلِكَ، وَفِي الثَّالِثَة دُون ذَلِكَ» وَفِي رِوَايَة: «فِي أَوَّل ضَرْبَة سَبْعِينَ حَسَنَة» قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْوَزَغ سَامُّ أَبْرَص جِنْس، فَسَامّ أَبْرَص هُوَ كِبَاره، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَزَغ مِنْ الْحَشَرَات الْمُؤْذِيَات، وَجَمْعه أَوْزَاغ وَوِزْغَان، وَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ، وَحَثّ عَلَيْهِ، وَرَغَّبَ فيه لِكَوْنِهِ مِنْ الْمُؤْذِيَات.
4152- سبق شرحه بالباب.
4153- سبق شرحه بالباب.
4154- سبق شرحه بالباب.
4155- سبق شرحه بالباب.
4156- وَأَمَّا سَبَب تَكْثِير الثَّوَاب فِي قَتْله بِأَوَّلِ ضَرْبَة ثُمَّ مَا يَلِيهَا فَالْمَقْصُود بِهِ الْحَثّ عَلَى الْمُبَادَرَة بِقَتْلِهِ، وَالِاعْتِنَاء بِهِ، وَتَحْرِيض قَاتِله عَلَى أَنْ يَقْتُلهُ بِأَوَّلِ ضَرْبَة، فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضْرِبهُ ضَرَبَات رُبَّمَا اِنْفَلَتَ وَفَاتَ قَتْله.
وَأَمَّا تَسْمِيَته فُوَيْسِقًا فَنَظِيره الْفَوَاسِق الْخَمْس الَّتِي تُقْتَل فِي الْحِلّ وَالْحَرَم. وَأَصْل الْفِسْق الْخُرُوج، وَهَذِهِ الْمَذْكُورَات خَرَجَتْ عَنْ خَلْق مُعْظَم الْحَشَرَات وَنَحْوهَا بِزِيَادَةِ الضَّرَر وَالْأَذَى، وَأَمَّا تَقْيِيد الْحَسَنَات فِي الضَّرْبَة الْأُولَى بِمِائَةٍ، وَفِي رِوَايَة بِسَبْعِينَ، فَجَوَابه مِنْ أَوْجُه سَبَقَتْ فِي صَلَاة الْجَمَاعَة تَزِيد بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَة وَفِي رِوَايَات بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ- أَحَدهَا أَنَّ هَذَا مَفْهُوم لِلْعَدَدِ وَلَا يُعْمَل بِهِ عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَغَيْرهمْ فَذِكْر سَبْعِينَ لَا يَمْنَع الْمِائَة، لَا مُعَارَضَة بَيْنهمَا. الثَّانِي لَعَلَّهُ أَخْبَرَنَا بِسَبْعِينَ، ثُمَّ تَصَدَّقَ اللَّه تَعَالَى بِالزِّيَادَةِ، فَأَعْلَمَ بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَوْحَى إِلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ. وَالثَّالِث أَنَّهُ يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ قَاتِلِي الْوَزَغ بِحَسَبِ نِيَّاتهمْ وَإِخْلَاصهمْ وَكَمَال أَحْوَالهمْ وَنَقْصهَا، فَتَكُون الْمِائَة لِلْكَامِلِ مِنْهُمْ، وَالسَّبْعِينَ لِغَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الصَّبَّاح حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل يَعْنِي اِبْن زَكَرِيَّا عَنْ سُهَيْل قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُخْتِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَة) كَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَر النُّسَخ: «أُخْتِي» وَفِي بَعْضهَا: «أَخِي» بِالتَّذْكِيرِ، وَفِي بَعْضهَا: «أَبِي» وَذَكَرَ الْقَاضِي الْأَوْجُه الثَّلَاثَة. قَالُوا: وَرِوَايَة أَبِي خَطَأ، وَهِيَ الْوَاقِعَة فِي رِوَايَة أَبِي الْعَلَاء بْن بَاهَانَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ: «أَخِي أَوْ أُخْتِي» قَالَ الْقَاضِي: أُخْت سُهَيْل سَوْدَة، وَأَخَوَاهُ هِشَام وَعَبَّاد.

.باب النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النَّمْلِ:

4157- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ نَمْلَة قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاء، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْل فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ: فِي أَنَّ قَرْصَتك نَمْلَة أَهْلَكْت أُمَّة مِنْ الْأُمَم تُسَبِّح» وَفِي رِوَايَة: «فَهَلَّا نَمْلَة وَاحِدَة» قَالَ الْعُلَمَاء: وَهَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى أَنَّ شَرْع ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فيه جَوَاز قَتْل النَّمْل، وَجَوَاز الْإِحْرَاق بِالنَّارِ، وَلَمْ يَعْتِب عَلَيْهِ فِي أَصْل الْقَتْل وَالْإِحْرَاق، بَلْ فِي الزِّيَادَة عَلَى نَمْلَة وَاحِدَة.
وَأَمَّا فِي شَرْعنَا فَلَا يَجُوز الْإِحْرَاق بِالنَّارِ لِلْحَيَوَانِ إِلَّا إِذَا أَحْرَقَ إِنْسَانًا فَمَاتَ بِالْإِحْرَاقِ، فَلِوَلِيِّهِ الِاقْتِصَاص بِإِحْرَاقِ الْجَانِي. وَسَوَاء فِي مَنْع الْإِحْرَاق بِالنَّارِ الْقَمْل وَغَيْره لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُور: «لَا يُعَذِّب بِالنَّارِ إِلَّا اللَّه» وَأَمَّا قَتْل النَّمْل فَمَذْهَبنَا أَنَّهُ لَا يَجُوز، وَاحْتَجَّ أَصْحَابنَا فيه بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْل أَرْبَع مِنْ الدَّوَابّ: النَّمْلَة وَالنَّحْلَة وَالْهُدْهُد وَالصُّرَد رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَلَى شَرْط الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْل فَأُحْرِقَتْ» وَفِي رِوَايَة: «فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِج مِنْ تَحْت الشَّجَرَة» أَمَّا: «قَرْيَة النَّمْل» فَهِيَ مَنْزِلهنَّ. وَالْجَهَاز بِفَتْحِ الْجِيم وَكَسْرهَا، وَهُوَ الْمَتَاع.
4158- وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْل فَأُحْرِقَتْ» وَفِي رِوَايَة: «فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِج مِنْ تَحْت الشَّجَرَة» أَمَّا: «قَرْيَة النَّمْل» فَهِيَ مَنْزِلهنَّ. وَالْجِهَاز بِفَتْحِ الْجِيم وَكَسَرَهَا، وَهُوَ الْمَتَاع.
4159- وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا نَمْلَة وَاحِدَة» أَيْ فَهَلَّا عَاقَبَتْ نَمْلَة وَاحِدَة هِيَ الَّتِي قَرَصَتْك؛ لِأَنَّهَا الْجَانِيَة، وَأَمَّا غَيْرهَا فَلَيْسَ لَهَا جِنَايَة.

.باب تَحْرِيمِ قَتْلِ الْهِرَّةِ:

4160- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُذِّبَتْ اِمْرَأَة فِي هِرَّة سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فيها النَّار، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكْتهَا تَأْكُل مِنْ خَشَاش الْأَرْض» وَفِي رِوَايَة: «رَبَطَتْهَا» وَفِي رِوَايَة: «تَأْكُل مِنْ حَشَرَات الْأَرْض». مَعْنَاهُ عُذِّبَتْ بِسَبَبِ هِرَّة. وَمَعْنَى: «دَخَلْت فيها» أَيْ بِسَبَبِهَا. و«خَشَاش الْأَرْض» بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكَسْرهَا وَضَمّهَا حَكَاهُنَّ فِي الْمَشَارِق، الْفَتْح أَشْهَر، وَرُوِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة، وَالصَّوَاب الْمُعْجَمَة، وَهِيَ هَوَامّ الْأَرْض وَحَشَرَاتهَا كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة.
وَقِيلَ: الْمُرَاد بِهِ نَبَات الْأَرْض، وَهُوَ ضَعِيف أَوْ غَلَط. وَفِي الْحَدِيث دَلِيل لِتَحْرِيمِ قَتْل الْهِرَّة، وَتَحْرِيم حَبْسهَا بِغَيْرِ طَعَام أَوْ شَرَاب.
وَأَمَّا دُخُولهَا النَّار بِسَبَبِهَا فَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهَا كَانَتْ مُسْلِمَة، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ النَّار بِسَبَبِ الْهِرَّة. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجُوز أَنَّهَا كَافِرَة عُذِّبَتْ بِكُفْرِهَا، وَزِيدَ فِي عَذَابهَا بِسَبَبِ الْهِرَّة، وَاسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مُؤْمِنَة تُغْفَر صَغَائِرهَا بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر. هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَالصَّوَاب مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهَا كَانَتْ مُسْلِمَة، وَأَنَّهَا دَخَلَتْ النَّار بِسَبَبِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِر الْحَدِيث، وَهَذِهِ الْمَعْصِيَة لَيْسَتْ صَغِيرَة، بَلْ صَارَتْ بِإِصْرَارِهَا كَبِيرَة، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث أَنَّهَا تَخْلُد فِي النَّار، وَفيه وُجُوب نَفَقَة الْحَيَوَان عَلَى مَالِكه. وَاللَّهُ أَعْلَم.
4161- سبق شرحه بالباب.