فصل: باب التَّعَوُّذِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ وَالْفَرَحِ بِالْمَطَرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب تَرْكِ الصَّلاَةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى:

1476- قَوْله: «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلهَا وَلَا بَعْدهَا» فيه أَنَّهُ لَا سُنَّة لِصَلَاةِ الْعِيد قَبْلهَا وَلَا بَعْدهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِك فِي أَنَّهُ يُكْرَه الصَّلَاة قَبْل الْعِيد وَبَعْدهَا. وَبِهِ قَالَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ.
قَالَ الشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة مِنْ السَّلَف لَا كَرَاهَة فِي الصَّلَاة قَبْلهَا وَلَا بَعْدهَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالْكُوفِيُّونَ: لَا يُكْرَه بَعْدهَا وَتُكْرَه قَبْلهَا. وَلَا حُجَّة فِي الْحَدِيث لِمَنْ كَرِهَهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ تَرْك الصَّلَاة كَرَاهَتهَا، وَالْأَصْل أَلَّا مَنْع حَتَّى يَثْبُت.
قَوْله: «وَتُلْقِي سِخَابهَا» هُوَ بِكَسْرِ السِّين وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ قِلَادَة مِنْ طِيب مَعْجُون عَلَى هَيْئَة الْخَرَز يَكُون مِنْ مِسْك أَوْ قُرُنْفُل أَوْ غَيْرهمَا مِنْ الطِّيب لَيْسَ فيه شَيْء مِنْ الْجَوْهَر وَجَمْعه (سُخُب) كَكِتَابٍ وَكُتُب.

.باب مَا يُقْرَأُ بِهِ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ:

1477- قَوْله: (عَنْ عُبَيْد اللَّه أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب سَأَلَ أَبَا وَاقِد رَضِيَ اللَّه عَنْهُ) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (عَنْ عُبَيْد اللَّه عَنْ أَبِي وَاقِد قَالَ: سَأَلَنِي عُمَر بْن الْخَطَّاب)، هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ فَالرِّوَايَة الْأُولَى لِأُمِّ سَلَمَة لِأَنَّ عُبَيْد اللَّه لَمْ يُدْرِك عُمَر، وَلَكِنَّ الْحَدِيث صَحِيح بِلَا شَكٍّ مُتَّصِل مِنْ الرِّوَايَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ أَدْرَكَ أَبَا وَاقِد بِلَا شَكٍّ، وَسَمِعَهُ بِلَا خِلَاف، فَلَا عَتْب عَلَى مُسْلِم حِينَئِذٍ فِي رِوَايَته فَإِنَّهُ صَحِيح مُتَّصِل. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
1478- قَوْله: (عَنْ أَبِي وَاقِد سَأَلَنِي عُمَر) قَالُوا يَحْتَمِل أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَاسْتَثْبَتَهُ أَوْ أَرَادَ إِعْلَام النَّاس بِذَلِكَ أَوْ نَحْو هَذَا مِنْ الْمَقَاصِد. قَالُوا: وَيَبْعُد أَنَّ عُمَر لَمْ يَكُنْ يَعْلَم ذَلِكَ مَعَ شُهُوده صَلَاة الْعِيد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّات وَقُرْبه مِنْهُ. فَفيه دَلِيل لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ تُسَنّ الْقِرَاءَة بِهِمَا فِي الْعِيدَيْنِ.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي قِرَاءَتهمَا لِمَا اِشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِخْبَار بِالْبَعْثِ، وَالْإِخْبَار عَنْ الْقُرُون الْمَاضِيَة، وَإِهْلَاك الْمُكَذِّبِينَ، وَتَشْبِيه بُرُوز النَّاس لِلْعِيدِ بِبُرُوزِهِمْ لِلْبَعْثِ، وَخُرُوجهمْ مِنْ الْأَجْدَاث كَأَنَّهُمْ جَرَاد مُنْتَشِر. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.باب الرُّخْصَةِ فِي اللَّعِبِ الَّذِي لاَ مَعْصِيَةَ فيه فِي أَيَّامِ الْعِيدِ:

1479- قَوْلهَا: «وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَار يَوْم بُعَاث قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ» أَمَّا بُعَاث فَبِضَمِّ الْبَاء الْمُوَحَّدَة وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَيَجُوز صَرْفه وَتَرْك صَرْفه وَهُوَ الْأَشْهَر، وَهُوَ يَوْم جَرَتْ فيه بَيْن قَبِيلَتَيْ الْأَنْصَار: الْأَوْس وَالْخَزْرَج فِي الْجَاهِلِيَّة حَرْب، وَكَانَ الظُّهُور فيه لِلْأَوْسِ.
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَهْل اللُّغَة وَغَيْرهمْ: هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة، وَالْمَشْهُور الْمُهْمَلَة كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَوْلهَا: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ مَعْنَاهُ: لَيْسَ الْغِنَاء عَادَة لَهُمَا، وَلَا هُمَا مَعْرُوفَتَانِ بِهِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْغِنَاء فَأَبَاحَهُ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْحِجَاز وَهِيَ رِوَايَة عَنْ مَالِك، وَحَرَّمَهُ أَبُو حَنِيفَة وَأَهْل الْعِرَاق، وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ كَرَاهَته وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك، وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ بِهَذَا الْحَدِيث وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّ هَذَا الْغِنَاء إِنَّمَا كَانَ فِي الشَّجَاعَة وَالْقَتْل وَالْحِذْق فِي الْقِتَال وَنَحْو ذَلِكَ، مِمَّا لَا مَفْسَدَة فيه، بِخِلَافِ الْغِنَاء الْمُشْتَمِل عَلَى مَا يَهِيج النُّفُوس عَلَى الشَّرّ، وَيَحْمِلهَا عَلَى الْبَطَالَة وَالْقَبِيح قَالَ الْقَاضِي: إِنَّمَا كَانَ غِنَاؤُهُمَا بِمَا هُوَ مِنْ أَشْعَار الْحَرْب وَالْمُفَاخَرَة بِالشَّجَاعَةِ وَالظُّهُور وَالْغَلَبَة، وَهَذَا لَا يُهَيِّج الْجَوَارِي عَلَى شَرٍّ وَلَا إِنْشَادهمَا لِذَلِكَ مِنْ الْغِنَاء الْمُخْتَلِف فيه، وَإِنَّمَا هُوَ رَفْع الصَّوْت بِالْإِنْشَادِ، وَلِهَذَا قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ أَيْ لَيْسَتَا مِمَّنْ يَتَغَنَّى بِعَادَةِ الْمُغَنِّيَات مِنْ التَّشْوِيق وَالْهَوَى وَالتَّعْرِيض بِالْفَوَاحِشِ وَالتَّشْبِيب بِأَهْلِ الْجَمَال وَمَا يُحَرِّك النُّفُوس وَيَبْعَث الْهَوَى وَالْغَزْل كَمَا قِيلَ: (الْغِنَاء فيه الزِّنَا) وَلَيْسَتَا أَيْضًا مِمَّنْ اِشْتُهِرَ وَعُرِفَ بِإِحْسَانِ الْغِنَاء الَّذِي فيه تَمْطِيط وَتَكْسِير وَعَمَل يُحَرِّك السَّاكِن وَيَبْعَث الْكَامِن، وَلَا مِمَّنْ اِتَّخَذَ ذَلِكَ صَنْعَة وَكَسْبًا، وَالْعَرَب تُسَمِّي الْإِنْشَاد غِنَاء، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْغِنَاء الْمُخْتَلَف فيه بَلْ هُوَ مُبَاح، وَقَدْ اِسْتَجَازَتْ الصَّحَابَة غِنَاء الْعَرَب الَّذِي هُوَ مُجَرَّد الْإِنْشَاد وَالتَّرَنُّم، وَأَجَازُوا الْحُدَاء وَفَعَلُوهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي هَذَا كُلّه إِبَاحَة مِثْل هَذَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَهَذَا وَمِثْله لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا يَخْرُج الشَّاهِد.
قَوْله: «أَبِمُزْمُورِ الشَّيْطَان» هُوَ بِضَمِّ الْمِيم الْأُولَى وَفَتْحهَا، وَالضَّمّ أَشْهَر، وَلَمْ يَذْكُر الْقَاضِي غَيْره. وَيُقَال أَيْضًا: مِزْمَار بِكَسْرِ الْمِيم، وَأَصْله صَوْت بِصَفِيرٍ، وَالزِّمِّير الصَّوْت الْحَسَن، وَيُطْلَق عَلَى الْغِنَاء أَيْضًا.
قَوْله: «أَبِمُزْمُورِ الشَّيْطَان فِي بَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فيه أَنَّ مَوَاضِع الصَّالِحِينَ وَأَهْل الْفَضْل تُنَزَّه عَنْ الْهَوَى وَاللَّغْو وَنَحْوه وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيه إِثْم. وَفيه أَنَّ التَّابِع لِلْكَبِيرِ إِذَا رَأَى بِحَضْرَتِهِ مَا يَسْتَنْكِر أَوْ لَا يَلِيق بِمَجْلِسِ الْكَبِير يُنْكِرهُ وَلَا يَكُون بِهَذَا اِفْتِيَاتًا عَلَى الْكَبِير، بَلْ هُوَ أَدَب وَرِعَايَة حُرْمَة وَإِجْلَال لِلْكَبِيرِ مِنْ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَصِيَانَة لِمَجْلِسِهِ، وَإِنَّمَا سَكَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُنَّ لِأَنَّهُ مُبَاح لَهُنَّ وَتَسَجَّى بِثَوْبِهِ وَحَوَّلَ وَجْهه إِعْرَاضًا عَنْ اللَّهْو، وَلِئَلَّا يَسْتَحْيِينَ فَيَقْطَعْنَ مَا هُوَ مُبَاح لَهُنَّ، وَكَانَ هَذَا مِنْ رَأْفَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِلْمه وَحُسْن خُلُقه.
قَوْله: «جَارِيَتَانِ تَلْعَبَانِ بِدُفٍّ» هُوَ بِضَمِّ الدَّال وَفَتْحهَا وَالضَّمّ أَفْصَح وَأَشْهَر فَفيه مَعَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا عِيدنَا» أَنَّ ضَرْب دُفّ الْعَرَب مُبَاح فِي يَوْم السُّرُور الظَّاهِر، وَهُوَ الْعِيد وَالْعُرْس وَالْخِتَان.
1480- قَوْله: «فِي أَيَّام مِنًى» يَعْنِي الثَّلَاثَة بَعْد يَوْم النَّحْر، وَهِيَ أَيَّام التَّشْرِيق. فَفيه أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّام دَاخِلَة فِي أَيَّام الْعِيد، وَحُكْمه جَارٍ عَلَيْهِ فِي كَثِير مِنْ الْأَحْكَام لِجَوَازِ التَّضْحِيَة وَتَحْرِيم الصَّوْم وَاسْتِحْبَاب التَّكْبِير وَغَيْر ذَلِكَ.
قَوْلهَا: «رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُر إِلَى الْحَبَشَة وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَأَنَا جَارِيَة» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فيه جَوَاز اللَّعِب بِالسِّلَاحِ وَنَحْوه مِنْ آلَات الْحَرْب فِي الْمَسْجِد، وَيَلْتَحِق بِهِ فِي مَا مَعْنَاهُ مِنْ الْأَسْبَاب الْمُعِينَة عَلَى الْجِهَاد وَأَنْوَاع الْبِرّ وَفيه جَوَاز نَظَر النِّسَاء إِلَى لَعِب الرِّجَال مِنْ غَيْر نَظَر إِلَى نَفْس الْبَدَن.
وَأَمَّا نَظَر الْمَرْأَة إِلَى وَجْه الرَّجُل الْأَجْنَبِيّ فَإِنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ فَحَرَام بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ شَهْوَة وَلَا مَخَافَة فِتْنَة فَفِي جَوَازه وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا: أَصَحّهمَا تَحْرِيمه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ} وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَة وَأُمّ حَبِيبَة: «اِحْتَجِبَا عَنْهُ» أَيْ عَنْ اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَقَالَتَا: إِنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِرنَا فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ»؟ وَهُوَ حَدِيث حَسَن رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيْره وَقَالَ: هُوَ حَدِيث حَسَن، وَعَلَى هَذَا أَجَابُوا عَنْ حَدِيث عَائِشَة بِجَوَابَيْنِ وَأَقْوَاهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فيه أَنَّهَا نَظَرَتْ إِلَى وُجُوههمْ وَأَبْدَانهمْ، وَإِنَّمَا نَظَرَتْ لَعِبهمْ وَحِرَابهمْ، وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ تَعَمُّد النَّظَر إِلَى الْبَدَن وَإِنْ وَقَعَ النَّظَر بِلَا قَصْد صَرَفَتْهُ فِي الْحَال.
وَالثَّانِي: لَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْل نُزُول الْآيَة فِي تَحْرِيم النَّظَر، وَأَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَة قَبْل بُلُوغهَا، فَلَمْ تَكُنْ مُكَلَّفَة عَلَى قَوْل مَنْ يَقُول: إِنَّ لِلصَّغِيرِ الْمُرَاهِق النَّظَر وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّأْفَة وَالرَّحْمَة وَحُسْن الْخُلُق وَالْمُعَاشَرَة بِالْمَعْرُوفِ مَعَ الْأَهْل وَالْأَزْوَاج وَغَيْرهمْ.
قَوْلهَا: «وَأَنَا جَارِيَة فَاقْدُرُوا قَدْر الْجَارِيَة الْعَرِبَة حَدِيثَة السِّنّ» مَعْنَاهُ: أَنَّهَا تُحِبّ اللَّهْو وَالتَّفَرُّج وَالنَّظَر إِلَى اللَّعِب حُبًّا بَلِيغًا وَتَحْرِص عَلَى إِدَامَته مَا أَمْكَنَهَا وَلَا تَمَلّ ذَلِكَ إِلَّا بِعُذْرٍ مِنْ تَطْوِيل.
1481- سبق شرحه بالباب.
1482- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دُونكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ» هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الرَّاء، وَيُقَال بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْرهَا، وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره، وَالْكَسْر أَشْهَر، وَهُوَ لَقَب لِلْحَبَشَةِ، وَلَفْظَة دُونكُمْ مِنْ أَلْفَاظ الْإِغْرَاء وَحَذَفَ الْمُغْرَى بِهِ، تَقْدِيره عَلَيْكُمْ بِهَذَا اللَّعِب الَّذِي أَنْتُمْ فيه.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: وَشَأْنهَا أَنْ يَتَقَدَّم الِاسْم كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيث، وَقَدْ جَاءَ تَأْخِيرهَا شَاذًّا كَقَوْلِهِ يَا أَيّهَا الْمَائِح دَلْوِي دُونَكَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَسْبك» هُوَ اِسْتِفْهَام بِدَلِيلِ قَوْلهَا: «قُلْت: نَعَمْ» تَقْدِيره: حَسْبك أَيْ هَلْ يَكْفِيك هَذَا الْقَدْر؟
1483- قَوْلهَا: «جَاءَ حَبَش يَزْفِنُونَ فِي يَوْم عِيد فِي الْمَسْجِد» هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان الزَّاي وَكَسْر الْفَاء وَمَعْنَاهُ يَرْقُصُونَ، وَحَمَلَهُ الْعُلَمَاء عَلَى التَّوَثُّب بِسِلَاحِهِمْ وَلَعِبهمْ بِحِرَابِهِمْ عَلَى قَرِيب مِنْ هَيْئَة الرَّاقِص لِأَنَّ مُعْظَم الرِّوَايَات إِنَّمَا فيها لَعِبهمْ بِحِرَابِهِمْ، فَيَتَأَوَّل هَذِهِ اللَّفْظَة عَلَى مُوَافَقَة سَائِر الرِّوَايَات.
1484- قَوْله: (عُقْبَة بْن مَكْرَم) بِفَتْحِ الرَّاء.
قَوْله: (قَالَ عَطَاء: فُرْس أَوْ حَبَش قَالَ: وَقَالَ اِبْن عَتِيق: بَلْ حَبَش) هَكَذَا هُوَ فِي كُلّ النُّسَخ وَمَعْنَاهُ أَنَّ عَطَاء شَكَّ هَلْ قَالَ هُمْ فُرْس أَوْ حَبَش بِمَعْنَى هَلْ هُمْ مِنْ الْفُرْس أَوْ مِنْ الْحَبَشَة؟ وَأَمَّا اِبْن عَتِيق فَجَزَمَ بِأَنَّهُمْ حَبَش، وَهُوَ الصَّوَاب.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَقَوْله: قَالَ اِبْن عَتِيق هَكَذَا هُوَ عِنْد شُيُوخنَا وَعِنْد الْبَاجِيّ، وَقَالَ لِي اِبْن عُمَيْر قَالَ: وَفِي نُسْخَة أُخْرَى قَالَ لِي اِبْن أَبِي عَتِيق قَالَ صَاحِب الْمَشَارِق وَالْمَطَالِع: الصَّحِيح اِبْن عُمَيْر. وَهُوَ عُبَيْد بْن عُمَيْر الْمَذْكُور فِي السَّنَد وَالصَّوَاب.
1485- قَوْله: (دَخَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى الْحَصْبَاء يَحْصِبهُمْ) الْحَصْبَاء مَمْدُود هِيَ الْحَصَى الصِّغَار، وَيَحْصِبهُمْ بِكَسْرِ الصَّاد أَيْ يَرْمِيهِمْ بِهَا وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَلِيق بِالْمَسْجِدِ، وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَم بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.كتاب صلاة الاستسقاء:

.بَاب الدُّعَاء فِي صَلَاة الِاسْتِسْقَاء وَالتَّعَوُّذ عِنْد رُؤْيَة الرِّيح وَالْغَيْم:

أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الِاسْتِسْقَاء سُنَّة، وَاخْتَلَفُوا هَلْ تُسَنّ لَهُ صَلَاة أَمْ لَا؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا تُسَنّ لَهُ صَلَاة، بَلْ يُسْتَسْقَى بِالدُّعَاءِ بِلَا صَلَاة، وَقَالَ سَائِر الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف الصَّحَابَة وَالتَّابِعُونَ فَمَنْ بَعْدهمْ: تُسَنّ الصَّلَاة، وَلَمْ يُخَالِف فيه إِلَّا أَبُو حَنِيفَة، وَتَعَلَّقَ بِأَحَادِيث الِاسْتِسْقَاء الَّتِي لَيْسَ فيها صَلَاة وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى لِلِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ».
وَأَمَّا الْأَحَادِيث الَّتِي لَيْسَ فيها ذِكْر الصَّلَاة فَبَعْضهَا مَحْمُول عَلَى نِسْيَان الرَّاوِي، وَبَعْضهَا كَانَ فِي الْخُطْبَة لِلْجُمْعَةِ، وَيَتَعَقَّبهُ الصَّلَاة لِلْجُمْعَةِ فَاكْتَفَى بِهَا، وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ أَصْلًا كَانَ بَيَانًا لِجَوَازِ الِاسْتِسْقَاء بِالدُّعَاءِ بِلَا صَلَاة. وَلَا خِلَاف فِي جَوَازه، وَتَكُون الْأَحَادِيث الْمُثْبِتَة لِلصَّلَاةِ مُقَدَّمَة لِأَنَّهَا زِيَادَة عِلْم وَلَا مُعَارَضَة بَيْنهمَا.
قَالَ أَصْحَابنَا: الِاسْتِسْقَاء ثَلَاثَة أَنْوَاع أَحَدهَا الِاسْتِسْقَاء بِالدُّعَاءِ مِنْ غَيْر صَلَاة، الثَّانِي الِاسْتِسْقَاء فِي خُطْبَة الْجُمُعَة أَوْ فِي أَثَر صَلَاة مَفْرُوضَة وَهُوَ أَفْضَل مِنْ النَّوْع الَّذِي قَبْله، وَالثَّالِث وَهُوَ أَكْمَلهَا أَنْ يَكُون بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ وَيَتَأَهَّب قَبْله بِصَدَقَةٍ وَصِيَام وَتَوْبَة وَإِقْبَال عَلَى الْخَيْر وَمُجَانَبَة الشَّرّ وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ طَاعَة اللَّه تَعَالَى.
قَوْله: «خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِين اِسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة». وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ» فيه اِسْتِحْبَاب الْخُرُوج لِلِاسْتِسْقَاءِ إِلَى الصَّحْرَاء لِأَنَّهُ أَبْلَغ فِي الِافْتِقَار وَالتَّوَاضُع، وَلِأَنَّهَا أَوْسَع لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ يَحْضُر النَّاس كُلّهمْ فَلَا يَسَعهُمْ الْجَامِع، وَفِي اِسْتِحْبَاب تَحْوِيل الرِّدَاء فِي أَثْنَائِهَا لِلِاسْتِسْقَاءِ.
قَالَ أَصْحَابنَا: يُحَوِّلهُ فِي نَحْو ثُلُث الْخُطْبَة الثَّانِيَة، وَذَلِكَ حِين يَسْتَقْبِل الْقِبْلَة قَالُوا: وَالتَّحْوِيل شُرِعَ تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْحَال مِنْ الْقَحْط إِلَى نُزُول الْغَيْث وَالْخِصْب، وَمِنْ ضِيق الْحَال إِلَى سَعَته، وَفيه دَلِيل لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء فِي اِسْتِحْبَاب تَحْوِيل الرِّدَاء، وَلَمْ يَسْتَحِبّهُ أَبُو حَنِيفَة، وَيُسْتَحَبّ عِنْدنَا أَيْضًا لِلْمَأْمُومِينَ كَمَا يُسْتَحَبّ لِلْإِمَامِ، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَغَيْره، وَخَالَفَ فيه جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء. وَفيه إِثْبَات صَلَاة الِاسْتِسْقَاء، وَرَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهَا. وَقَوْله: «اِسْتَسْقَى» أَيْ طَلَبَ السَّقْي. وَفيه أَنَّ صَلَاة الِاسْتِسْقَاء رَكْعَتَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْمُثْبِتِينَ لَهَا، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ قَبْل الْخُطْبَة أَوْ بَعْدهَا؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيّ وَالْجَمَاهِير إِلَى أَنَّهَا قَبْل الْخُطْبَة، وَقَالَ اللَّيْث: بَعْد الْخُطْبَة، وَكَانَ مَالِك يَقُول بِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْل الْجَمَاهِير قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَة عَلَى الصَّلَاة صَحَّتَا، وَلَكِنَّ الْأَفْضَل تَقْدِيم الصَّلَاة كَصَلَاةِ الْعِيد وَخُطْبَتهَا، وَجَاءَ فِي الْأَحَادِيث مَا يَقْتَضِي جَوَاز الْعِيد وَالتَّأْخِير، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء هَلْ يُكَبِّر تَكْبِيرَات زَائِدَة فِي أَوَّل صَلَاة الِاسْتِسْقَاء كَمَا يُكَبِّر فِي صَلَاة الْعِيد؟ فَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيّ وَابْن جَرِير، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَمَكْحُول.
وَقَالَ الْجُمْهُور: لَا يُكَبِّر، وَاحْتَجُّوا لِلشَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْض الْأَحَادِيث صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيد، وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُور عَلَى أَنَّ الْمُرَاد كَصَلَاةِ الْعِيد فِي الْعَدَد وَالْجَهْر وَالْقِرَاءَة، وَفِي كَوْنهَا قَبْل الْخُطْبَة وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ أَحْمَد فِي ذَلِكَ، وَخَيَّرَهُ دَاوُدُ بَيْن التَّكْبِير وَتَرْكه، وَلَمْ يَذْكُر فِي رِوَايَة مُسْلِم الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى اِسْتِحْبَابه، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُؤَذَّن لَهَا وَلَا يُقَام لَكِنْ يُسْتَحَبّ أَنْ يُقَال: الصَّلَاة جَامِعَة.
1486- سبق شرحه بالباب.
1487- سبق شرحه بالباب.
1488- سبق شرحه بالباب.
1489- قَوْله: (أَخْبَرَنِي عَبَّاد بْن تَمِيم الْمَازِنِيّ أَنَّهُ سَمِعَ عَمّه) الْمُرَاد بِعَمِّهِ عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن عَاصِم الْمُتَكَرِّر فِي الرِّوَايَات السَّابِقَة.
قَوْله: «وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة» فيه اِسْتِحْبَاب اِسْتِقْبَالهَا لِلدُّعَاءِ، وَيَلْحَق بِهِ الْوُضُوء وَالْغُسْل وَالتَّيَمُّم وَالْقِرَاءَة وَالْأَذْكَار وَالْأَذَان وَسَائِر الطَّاعَات إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ كَالْخُطْبَةِ وَنَحْوهَا.
قَوْله: «فَجَعَلَ إِلَى النَّاس ظَهْره يَدْعُو اللَّه وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» فيه دَلِيل لِمَنْ يَقُول بِتَقْدِيمِ الْخُطْبَة عَلَى صَلَاة الِاسْتِسْقَاء وَأَصْحَابنَا يَحْمِلُونَهُ عَلَى الْجَوَاز كَمَا سَبَقَ بَيَانه.

.باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ بِالدُّعَاءِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ:

1491- قَوْله: «عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرْفَع يَدَيْهِ فِي شَيْء مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاء حَتَّى يُرَى بَيَاض إِبْطَيْهِ» هَذَا الْحَدِيث يُوهِم ظَاهِره أَنَّهُ لَمْ يَرْفَع صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاء، وَلَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ رَفْع يَدَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاء فِي مَوَاطِن غَيْر الِاسْتِسْقَاء، وَهِيَ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَر، وَقَدْ جَمَعْت مِنْهَا نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ حَدِيثًا مِنْ الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدهمَا، وَذَكَرْتهمَا فِي أَوَاخِر بَاب صِفَة الصَّلَاة مِنْ شَرْح الْمُهَذَّب، وَيُتَأَوَّل هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْفَع الرَّفْع الْبَلِيغ بِحَيْثُ يُرَى بَيَاض إِبْطَيْهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاء، أَوْ أَنَّ الْمُرَاد لَمْ أَرَهُ رَفَعَ، وَقَدْ رَآهُ غَيْره رَفَعَ، فَيُقَدَّم الْمُثْبِتُونَ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة وَهُمْ جَمَاعَات عَلَى وَاحِد لَمْ يَحْضُر ذَلِكَ، ولابد مِنْ تَأْوِيله لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله: (عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَس وَفِي الطَّرِيق الثَّانِي عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَس بْن مَالِك حَدَّثَهُمْ) فيه بَيَان أَنَّ قَتَادَةَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ أَنَس، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قَتَادَةَ مُدَلِّس، وَأَنَّ الْمُدَلِّس لَا يُحْتَجّ بِعَنْعَنَتِهِ حَتَّى يَثْبُت سَمَاعه ذَلِكَ الْحَدِيث فَبَيَّنَ مُسْلِم ثُبُوته بِالطَّرِيقِ الثَّانِي.
1492- قَوْله: «إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفيه إِلَى السَّمَاء» قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ السُّنَّة فِي كُلّ دُعَاء لِرَفْعِ بَلَاء كَالْقَحْطِ وَنَحْوه أَنْ يَرْفَع يَدَيْهِ وَيَجْعَل ظَهْر كَفيه إِلَى السَّمَاء، وَإِذَا دَعَا لِسُؤَالِ شَيْء وَتَحْصِيله جَعَلَ بَطْن كَفيه إِلَى السَّمَاء اِحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيث.

.باب الدُّعَاءِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ:

1493- قَوْله: (دَار الْقَضَاء) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: سُمِّيَتْ دَار الْقَضَاء لِأَنَّهَا بِيعَتْ فِي قَضَاء دَيْن عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى نَفْسه وَأَوْصَى اِبْنه عَبْد اللَّه أَنْ يُبَاع فيه مَاله، فَإِنْ عَجَزَ مَاله اِسْتَعَانَ بِبَنِي عَدِيّ، ثُمَّ بِقُرَيْشٍ. فَبَاعَ اِبْنه دَاره هَذِهِ لِمُعَاوِيَةَ وَمَاله بِالْغَابَةِ قَضَى دَيْنه وَكَانَ ثَمَانِيَة وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَكَانَ يُقَال لَهَا: دَار قَضَاء دَيْن عُمَر، ثُمَّ اِقْتَصَرُوا فَقَالُوا: دَار الْقَضَاء، وَهِيَ دَار مَرْوَان، وَقَالَ بَعْضهمْ: هِيَ دَار الْإِمَارَة، وَغَلِطَ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهَا دَار مَرْوَان فَظَنَّ أَنَّ الْمُرَاد بِالْقَضَاءِ الْإِمَارَة، وَالصَّوَاب مَا قَدَّمْنَاهُ، هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي. قَوْله: (إِنَّ دَيْنه كَانَ ثَمَانِيَة وَعِشْرِينَ أَلْفًا) غَرِيب بَلْ غَلَط، وَالصَّحِيح الْمَشْهُور أَنَّهُ كَانَ سِتَّة وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوه، هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه، وَكَذَا رَوَاهُ غَيْره مِنْ أَهْل الْحَدِيث وَالسِّيَر وَالتَّوَارِيخ وَغَيْرهمْ.
قَوْله: (اُدْعُ اللَّه يُغِثْنَا) وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (أَغِثْنَا) بِالْأَلِفِ وَيُغِثْنَا بِضَمِّ الْيَاء مِنْ أَغَاثَ يُغِيث رُبَاعِيّ، وَالْمَشْهُور فِي كُتُب اللُّغَة أَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال فِي الْمَطَر غَاثَ اللَّه النَّاس وَالْأَرْض يُغِيثهُمْ بِفَتْحِ الْيَاء أَيْ أَنْزَلَ الْمَطَر.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَالَ بَعْضهمْ: هَذَا الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث مِنْ الْإِغَاثَة بِمَعْنَى الْمَعُونَة، وَلَيْسَ مِنْ طَلَب الْغَيْث، وَإِنَّمَا يُقَال فِي طَلَب الْغَيْث: اللَّهُمَّ غِثْنَا.
قَالَ الْقَاضِي: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ طَلَب الْغَيْث أَيْ هَبْ لَنَا غَيْثًا أَوْ اُرْزُقْنَا غَيْثًا كَمَا يُقَال: سَقَاهُ اللَّه وَأَسْقَاهُ، أَيْ جَعَلَ لَهُ سُقْيَا عَلَى لُغَة مَنْ فَرَّقَ بَيْنهمَا.
قَوْله: «فَرَفَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» فيه اِسْتِحْبَاب الِاسْتِسْقَاء فِي خُطْبَة الْجُمُعَة، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانه فِي أَوَّل الْبَاب، وَفيه جَوَاز الِاسْتِسْقَاء مُنْفَرِدًا عَنْ تِلْكَ الصَّلَاة الْمَخْصُوصَة، وَاغْتَرَّتْ بِهِ الْحَنَفِيَّة وَقَالُوا: هَذَا هُوَ الِاسْتِسْقَاء الْمَشْرُوع لَا غَيْر، وَجَعَلُوا الِاسْتِسْقَاء بِالْبُرُوزِ إِلَى الصَّحْرَاء وَالصَّلَاة بِدْعَة، وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلْ هُوَ سُنَّة لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة السَّابِقَة، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّل الْبَاب أَنَّ الِاسْتِسْقَاء أَنْوَاع فَلَا يَلْزَم مِنْ ذِكْر نَوْع إِبْطَال نَوْع ثَابِت، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» هَكَذَا هُوَ مُكَرَّر ثَلَاثًا فَفيه اِسْتِحْبَاب تَكَرُّر الدُّعَاء ثَلَاثًا.
قَوْله: «مَا نَرَى فِي السَّمَاء مِنْ سَحَاب وَلَا قَزَعَة» هِيَ بِفَتْحِ الْقَاف وَالزَّاي، وَهِيَ الْقِطْعَة مِنْ السَّحَاب، وَجَمَاعَتهَا قَزَع كَقَصَبَةٍ وَقَصَب.
قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَأَكْثَر مَا يَكُون ذَلِكَ فِي الْخَرِيف.
قَوْله: «وَمَا بَيْننَا وَبَيْن سِلْع مِنْ دَار» هُوَ بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة وَسُكُون اللَّام وَهُوَ جَبَل بِقُرْبِ الْمَدِينَة، وَمُرَاده بِهَذَا الْإِخْبَار عَنْ مُعْجِزَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظِيم كَرَامَته عَلَى رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى؛ بِإِنْزَالِ الْمَطَر سَبْعَة أَيَّام مُتَوَالِيَة مُتَّصِلًا بِسُؤَالِهِ مِنْ غَيْر تَقْدِيم سَحَاب وَلَا قَزَع، وَلَا سَبَب آخَر لَا ظَاهِر وَلَا بَاطِن، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله: «وَمَا بَيْننَا وَبَيْن سَلْع مِنْ بَيْت وَلَا دَار» أَيْ نَحْنُ مُشَاهِدُونَ لَهُ وَلِلسَّمَاءِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَب لِلْمَطَرِ أَصْلًا، قَوْله: «ثُمَّ أَمْطَرَتْ» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ، وَكَذَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيّ: أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ، وَهُوَ صَحِيح. وَهُوَ دَلِيل لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْل اللُّغَة أَنَّهُ يُقَال: مَطَرَتْ وَأَمْطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَر، وَقَالَ بَعْض أَهْل اللُّغَة لَا يُقَال أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ إِلَّا فِي الْعَذَاب كَقَوْله تَعَالَى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَة} وَالْمَشْهُور الْأَوَّل، وَلَفْظَة: «أَمْطَرَتْ» تُطْلَق فِي الْخَيْر وَالشَّرّ، وَتُعْرَف بِالْقَرِينَةِ.
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {قَالُوا هَذَا عَارِض مُمْطِرنَا} وَهَذَا مِنْ أَمْطَرَ وَالْمُرَاد بِهِ الْمَطَر فِي الْخَيْر لِأَنَّهُمْ ظَنُّوهُ خَيْرًا، فَقَالَ اللَّه تَعَالَى: {بَلْ هُوَ مَا اِسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ}.
قَوْله: «مَا رَأَيْنَا الشَّمْس سَبْتًا» هُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَة ثُمَّ بَاءَ مُوَحَّدَة ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْقُ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ الزَّمَان وَأَصْل السَّبْت الْقَطْع.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين شُكِيَ إِلَيْهِ كَثْرَة الْمَطَر وَانْقِطَاع السُّبُل وَهَلَاك الْأَمْوَال مِنْ كَثْرَة الْأَمْطَار: «اللَّهُمَّ حَوْلنَا» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «حَوَالَيْنَا» وَهُمَا صَحِيحَانِ: «وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَام وَالظِّرَاب وَبُطُون الْأَوْدِيَة وَمَنَابِت الشَّجَر قَالَ: فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي» فِي هَذَا الْفَصْل فَوَائِد مِنْهَا الْمُعْجِزَة الظَّاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَة دُعَائِهِ مُتَّصِلًا بِهِ حَتَّى خَرَجُوا فِي الشَّمْس وَفيه أَدَبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاء فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَل رَفْع الْمَطَر مِنْ أَصْله، بَلْ سَأَلَ رَفْع ضَرَره وَكَشْفه عَنْ الْبُيُوت وَالْمَرَافِق وَالطُّرُق بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّر بِهِ سَاكِن وَلَا اِبْن سَبِيل، وَسَأَلَ بَقَاءَهُ فِي مَوَاضِع الْحَاجَة بِحَيْثُ يَبْقَى نَفْعه وَخِصْبه وَهِيَ بُطُون الْأَوْدِيَة وَغَيْرهَا مِنْ الْمَذْكُور.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: (الْإِكَام) بِكَسْرِ الْهَمْزَة جَمْع أَكَمَة، وَيُقَال فِي جَمْعهَا: آكَام بِالْفَتْحِ وَالْمَدّ، وَيُقَال: أَكَم بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْكَاف، وَأُكُم بِضَمِّهِمَا وَهِيَ دُون الْجَبَل وَأَعْلَى مِنْ الرَّابِيَة، وَقِيلَ: دُون الرَّابِيَة، وَأَمَّا (الظِّرَاب) فَبِكَسْرِ الظَّاء الْمُعْجَمَة وَاحِدهَا ظَرْب بِفَتْحِ الظَّاء وَكَسْر الرَّاء، وَهِيَ الرَّوَابِي الصِّغَار، وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب طَلَب اِنْقِطَاع الْمَطَر عَلَى الْمَنَازِل وَالْمَرَافِق إِذَا كَثُرَ وَتَضَرَّرُوا بِهِ، وَلَكِنْ لَا تُشْرَع لَهُ صَلَاة وَلَا اِجْتِمَاع فِي الصَّحْرَاء.
قَوْله: «فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي» هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض النُّسَخ الْمُعْتَمَدَة، وَفِي أَكْثَرهَا: «فَانْقَلَعَتْ» وَهُمَا بِمَعْنًى.
قَوْله: (فَسَأَلْت أَنَس بْن مَالِك أَهُوَ الرَّجُل الْأَوَّل؟ قَالَ: لَا أَدْرِي) قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْره أَنَّهُ الْأَوَّل.
قَوْله: «أَصَابَتْ النَّاس سَنَة» أَيْ قَحْط.
قَوْله: «فَمَا يُشِير بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَة إِلَّا تَفَجَّرَتْ» أَيْ تَقَطَّعَ السَّحَاب وَزَالَ عَنْهَا.
قَوْله: «حَتَّى رَأَيْت الْمَدِينَة فِي مِثْل الْجَوْبَة» هِيَ بِفَتْحِ الْجِيم وَإِسْكَان الْوَاو بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة، وَهِيَ الْفَجْوَة، وَمَعْنَاهُ تَقَطَّعَ السَّحَاب عَنْ الْمَدِينَة وَصَارَ مُسْتَدِيرًا حَوْلهَا وَهِيَ خَالِيَة مِنْهُ.
قَوْله: «وَسَالَ وَادِي قَنَاة شَهْرًا» (قَنَاة) بِفَتْحِ الْقَاف اِسْم لِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَة الْمَدِينَة وَعَلَيْهِ زُرُوع لَهُمْ فَأَضَافَهُ هُنَا إِلَى نَفْسه، وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ: «وَسَالَ الْوَادِي قَنَاة»، وَهَذَا صَحِيح عَلَى الْبَدَل، وَالْأَوَّل صَحِيح، وَهُوَ عِنْد الْكُوفِيِّينَ عَلَى ظَاهِره وَعِنْد الْبَصْرِيِّينَ يُقَدَّر فيه مَحْذُوف، وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ: «وَسَالَ الْوَادِي وَادِي قَنَاة».
قَوْله: (أَخْبَرَ بِجَوْدٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيم وَإِسْكَان الْوَاو وَهُوَ الْمَطَر الْكَثِير.
قَوْله: (قَحَطَ الْمَطَر) هُوَ بِفَتْحِ الْقَاف وَفَتْح الْحَاء وَكَسْرهَا أَيْ أَمْسَكَ.
قَوْله: (وَاحْمَرَّ الشَّجَر) كِنَايَة عَنْ يُبْس وَرِقهَا وَظُهُور عُودهَا.
قَوْله: «فَتَقَشَّعَتْ» أَيْ زَالَتْ.
قَوْله: «وَمَا تُمْطِر بِالْمَدِينَةِ قَطْرَة» هُوَ بِضَمِّ التَّاء مِنْ تُمْطِر وَبِنَصْبِ قَطْرَة.
قَوْله: «مِثْل الْإِكْلِيل» هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَة.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: هِيَ الْعِصَابَة وَتُطْلَق عَلَى كُلّ مُحِيط بِالشَّيْءِ.
قَوْله: «فَأَلَّفَ اللَّه بَيْن السَّحَاب وَمَكَثْنَا حَتَّى رَأَيْت الرَّجُل الشَّدِيد تُهِمّهُ نَفْسه أَنْ يَأْتِي أَهْله» هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ (وَمَكَثْنَا)، وَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا، وَمَعْنَاهُ ظَاهِر، وَذَكَرَ الْقَاضِي فيه أَنَّهُ رُوِيَ فِي نُسَخ بِلَادهمْ عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه لَيْسَ مِنْهَا هَذَا، فَفِي رِوَايَة لَهُمْ: (وَبَلَّتْنَا)، وَمَعْنَاهُ أَمْطَرَتْنَا.
قَالَ الْأَزْهَرِيّ: يُقَال بَلَّ السَّحَاب بِالْمَطَرِ بَلًّا وَالْبَلَل الْمَطَر، وَيُقَال اِنْهَلَّتْ أَيْضًا، وَفِي رِوَايَة لَهُمْ: (وَمَلَتْنَا) بِالْمِيمِ مُخَفَّفَة اللَّام.
قَالَ الْقَاضِي: وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ أَوْسَعَتْنَا مَطَرًا، وَفِي رِوَايَة (مَلَأَتْنَا) بِالْهَمْزِ.
وَقَوْله: (تُهِمّهُ نَفْسه) ضَبَطْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ فَتْح التَّاء مَعَ ضَمِّ الْهَاء وَضَمِّ التَّاء مَعَ كَسْر الْهَاء يُقَال هَمَّهُ الشَّيْء وَأَهَمَّهُ أَيْ اِهْتَمَّ لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول: هَمَّهُ أَذَابَهُ وَأَهَمَّهُ غَمَّهُ.
قَوْله: «فَرَأَيْت السَّحَاب يَتَمَزَّق كَأَنَّهُ الْمُلَاء حِين تُطْوَى» هُوَ بِضَمِّ الْمِيم وَبِالْمَدِّ، وَالْوَاحِدَة (مُلَاءَة) بِالضَّمِّ وَالْمَدّ، وَهِيَ الرَّبْطَة كَالْمِلْحَفَةِ، وَلَا خِلَاف أَنَّهُ مَمْدُود فِي الْجَمْع وَالْمُفْرَد، وَرَأَيْت فِي كِتَاب الْقَاضِي قَالَ: هُوَ مَقْصُور، وَهُوَ غَلَط مِنْ النَّاسِخ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَصْل كَذَلِكَ فَهُوَ خَطَأ بِلَا شَكٍّ، وَمَعْنَاهُ تَشْبِيه اِنْقِطَاع السَّحَاب وَتَجْلِيله بِالْمُلَاءَةِ الْمَنْشُورَة إِذَا طُوِيَتْ.
1494- قَوْله: «حَسِرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبه حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَر، فَقُلْنَا: يَا رَسُول اللَّه لِمَ صَنَعْت هَذَا؟ قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» مَعْنَى (حَسِرَ) كَشَفَ أَيْ كَشَفَ بَعْض بَدَنه، وَمَعْنَى: «حَدِيث عَهْد بِرَبِّهِ» أَيْ بِتَكْوِينِ رَبّه إِيَّاهُ، مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَطَر رَحْمَة، وَهِيَ قَرِيبَة الْعَهْد بِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى لَهَا فَيَتَبَرَّك بِهَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِقَوْلِ أَصْحَابنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ عِنْد أَوَّل الْمَطَر أَنْ يَكْشِف غَيْر عَوْرَته لِيَنَالَهُ الْمَطَر، وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا وَفيه أَنَّ الْمَفْضُول إِذَا رَأَى مِنْ الْفَاضِل شَيْئًا لَا يَعْرِفهُ أَنْ يَسْأَلهُ عَنْهُ لِيُعَلِّمهُ فَيَعْمَل بِهِ وَيُعَلِّمهُ غَيْره.

.باب التَّعَوُّذِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ وَالْفَرَحِ بِالْمَطَرِ:

1495- قَوْله: «إِذَا كَانَ يَوْم الرِّيح وَالْغَيْم عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهه وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ. قَالَتْ عَائِشَة: فَسَأَلْته فَقَالَ إِنِّي خَشِيت أَنْ يَكُون عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي» فيه الِاسْتِعْدَاد بِالْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ وَالِالْتِجَاء إِلَيْهِ عِنْد اِخْتِلَاف الْأَحْوَال وَحُدُوث مَا يُخَاف بِسَبَبِهَا، وَكَانَ خَوْفه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَاقَبُوا بِعِصْيَانِ الْعُصَاة، وَسُرُوره لِزَوَالِ سَبَب الْخَوْف.
قَوْله: «وَيَقُول إِذَا رَأَى الْمَطَر: رَحْمَة» أَيْ هَذَا رَحْمَة.
1496- قَوْله: «وَإِذَا تَخَيَّلَتْ السَّمَاء تَغَيَّرَ لَوْنه» قَالَ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره: تَخَيَّلَتْ مِنْ الْمَخِيلَة بِفَتْحِ الْمِيم، وَهِيَ سَحَابَة فيها رَعْد وَبَرْق يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهَا مَاطِرَة، وَيُقَال: أَخَالَتْ إِذَا تَغَيَّمَتْ.
1497- قَوْلهَا: «مَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاته، إِنَّمَا كَانَ يَبْتَسِم» وَالْمُسْتَجْمِع الْمُجِدّ فِي الشَّيْء الْقَاصِد لَهُ وَاللَّهَوَات جَمْع لَهَاة وَهِيَ اللَّحْمَة الْحَمْرَاء الْمُعَلَّقَة عَلَى الْحَنَك قَالَهُ الْأَصْمَعِيّ.