فصل: باب الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا لاَ نَفَقَةَ لَهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ حَرَّمَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَنْوِ الطَّلاَقَ:

2692- قَوْله: (عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي الْحَرَام: يَمِين يُكَفِّرهَا وَقَالَ اِبْن عَبَّاس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة}) وَفِي رِوَايَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: (إِذَا حَرَّمَ الرَّجُل اِمْرَأَته فَهِيَ يَمِين يُكَفِّرهَا) وَذَكَرَ مُسْلِم حَدِيث عَائِشَة فِي سَبَب نُزُول قَوْله تَعَالَى: {لِمَ تُحَرِّم مَا أَحَلَّ اللَّه لَك} وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَام. فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّهُ إِنْ نَوَى طَلَاقهَا كَانَ طَلَاقًا، وَإِنْ نَوَى الظِّهَار كَانَ ظِهَارًا، وَإِنْ نَوَى تَحْرِيم عَيْنهَا بِغَيْرِ طَلَاق وَلَا ظِهَار لَزِمَهُ بِنَفْسِ اللَّفْظ كَفَّارَة يَمِين وَلَا يَكُون ذَلِكَ يَمِينًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَفيه قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ: أَصَحّهمَا يَلْزَمهُ كَفَّارَة يَمِين؛ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَغْو لَا شَيْء فيه وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء مِنْ الْأَحْكَام، هَذَا مَذْهَبنَا.
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض فِي الْمَسْأَلَة أَرْبَعَة عَشَر مَذْهَبًا:
أَحَدهَا: الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك أَنَّهُ يَقَع بِهِ ثَلَاث طَلْقَات سَوَاء كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا، لَكِنْ لَوْ نَوَى أَقَلّ مِنْ الثَّلَاث قُبِلَ فِي غَيْر الْمَدْخُول بِهَا خَاصَّة، قَالَ: وَبِهَذَا الْمَذْهَب قَالَ أَيْضًا عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَزَيْد وَالْحَسَن وَالْحَكَم.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَقَع بِهِ ثَلَاث طَلْقَات وَلَا تُقْبَل نِيَّته فِي الْمَدْخُول بِهَا وَلَا غَيْرهَا، قَالَهُ اِبْن أَبِي لَيْلَى وَعَبْد الْمَلِك اِبْن الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيّ.
وَالثَّالِث: يَقَع بِهِ عَلَى الْمَدْخُول بِهَا ثَلَاث وَعَلَى غَيْرهَا وَاحِدَة قَالَهُ أَبُو مُصْعَب وَمُحَمَّد بْن عَبْد الْحَكَم الْمَالِكِيَّانِ.
وَالرَّابِع: أَنَّهُ يَقَع بِهِ طَلْقَة وَاحِدَة بَائِنَة سَوَاء الْمَدْخُول بِهَا وَغَيْرهَا وَهُوَ رِوَايَة عَنْ مَالِك.
وَالْخَامِس: أَنَّهَا طَلْقَة رَجْعِيَّة قَالَهُ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي مَسْلَمَة الْمَالِكِيّ.
وَالسَّادِس: أَنَّهُ يَقَع مَا نَوَى وَلَا يَكُون أَقَلّ مِنْ طَلْقَة وَاحِدَة قَالَهُ الزُّهْرِيّ.
وَالسَّابِع: أَنَّهُ إِنْ نَوَى وَاحِدَة أَوْ عَدَدًا أَوْ يَمِينًا فَهُوَ مَا نَوَى وَإِلَّا فَلَغْو قَالَهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ.
وَالثَّامِن: مِثْل السَّابِع إِلَّا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَزِمَهُ كَفَّارَة يَمِين قَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْر.
وَالتَّاسِع: مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَسَبَقَ إِيضَاحه وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَغَيْرهمَا مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
وَالْعَاشِر: إِنْ نَوَى الطَّلَاق وَقَعَتْ طَلْقَة بَائِنَة وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا وَقَعَ الثَّلَاث وَإِنْ نَوَى اِثْنَتَيْنِ وَقَعَتْ وَاحِده وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَيَمِين وَإِنْ نَوَى الْكَذِب فَلَغْو قَالَهُ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه.
وَالْحَادِي عَشَر: مِثْل الْعَاشِر إِلَّا أَنَّهُ إِذَا نَوَى اِثْنَتَيْنِ وَقَعَتْ قَالَهُ زُفَر.
وَالثَّانِي عَشَر: أَنَّهُ تَجِب بِهِ كَفَّارَة الظِّهَار قَالَهُ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ.
وَالثَّالِث عَشَر: هِيَ يَمِين فيها كَفَّارَة الْيَمِين قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَبَعْض التَّابِعِينَ.
الرَّابِع عَشَر: أَنَّهُ كَتَحْرِيمِ الْمَاء وَالطَّعَام فَلَا يَجِب فيه شَيْء أَصْلًا وَلَا يَقَع بِهِ شَيْء بَلْ هُوَ لَغْو قَالَهُ مَسْرُوق وَالشَّعْبِيّ وَأَبُو سَلَمَة وَأَصْبَغ الْمَالِكِيّ، هَذَا كُلّه إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّة.
أَمَّا إِذَا قَالَهُ لِأَمَةٍ فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّهُ إِنْ نَوَى عِتْقهَا عَتَقَتْ، وَإِنْ نَوَى تَحْرِيم عَيْنهَا لَزِمَهُ كَفَّارَة يَمِين وَلَا يَكُون يَمِينًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَجَبَ كَفَّارَة يَمِين عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْمَذْهَب.
وَقَالَ مَالِك: هَذَا فِي الْأَمَة لَغْو لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَالَ عَامَّة الْعُلَمَاء: عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين بِنَفْسِ التَّحْرِيم.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَحْرُم عَلَيْهِ مَا حَرَّمَهُ مِنْ أَمَة وَطَعَام وَغَيْره وَلَا شَيْء عَلَيْهِ حَتَّى يَتَنَاوَلهُ فَيَلْزَمهُ حِينَئِذٍ كَفَّارَة يَمِين.
وَمَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور أَنَّهُ إِنْ قَالَ: هَذَا الطَّعَام حَرَام عَلَيَّ أَوْ هَذَا الْمَاء وَهَذَا الثَّوْب أَوْ دُخُول الْبَيْت أَوْ كَلَام زَيْد وَسَائِر مَا يُحَرِّمهُ غَيْر الزَّوْجَة وَالْأَمَة يَكُون هَذَا لَغْوًا لَا شَيْء فيه وَلَا يَحْرُم عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْء فَإِذَا تَنَاوَلَهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَأُمّ الْوَلَد كَالْأَمَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّه أَعْلَم.
2693- سبق شرحه بالباب.
2694- قَوْلهَا: «فَتَوَاطَيْت أَنَا وَحَفْصَة» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ: «فَتَوَاطَيْت» وَأَصْله: «فَتَوَاطَأَتْ» بِالْهَمْزِ أَيْ اِتَّفَقَتْ.
قَوْلهَا: «إِنِّي أَجِد مِنْك رِيح مَغَافِير» هِيَ بِفَتْحِ الْمِيم وَبِغَيْنٍ مُعْجَمَة وَفَاء وَبَعْد الْفَاء يَاء هَكَذَا هُوَ فِي الْمَوْضِع الْأَوَّل فِي جَمِيع النُّسَخ، وَأَمَّا الْمَوْضِعَانِ الْأَخِيرَانِ فَوَقَعَ فيهمَا فِي بَعْض النُّسَخ بِالْيَاءِ وَفِي بَعْضهَا بِحَذْفِهَا، قَالَ الْقَاضِي: الصَّوَاب إِثْبَاتهَا لِأَنَّهَا عِوَض مِنْ الْوَاو الَّتِي فِي الْمُفْرَد، وَإِنَّمَا حُذِفَتْ فِي ضَرُورَة الشِّعْر وَهُوَ جَمْع مَغْفُور، وَهُوَ صَمْغ حُلْو كَالنَّاطِفِ وَلَهُ رَائِحَة كَرِيهَة يَنْضَحهُ شَجَر يُقَال لَهُ: الْعُرْفُط بِضَمِّ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَالْفَاء يَكُون بِالْحِجَازِ وَقِيلَ إِنَّ الْعُرْفُط نَبَات لَهُ وَرَقَة عَرِيضَة تَفْتَرِش عَلَى الْأَرْض لَهُ شَوْكَة حَجْنَاء وَثَمَرَة بَيْضَاء كَالْقُطْنِ مِثْل زِرّ الْقَمِيص خَبِيث الرَّائِحَة.
قَالَ الْقَاضِي: وَزَعَمَ الْمُهَلَّب أَنَّ رَائِحَة الْمَغَافِير وَالْعُرْفُط حَسَنَة، وَهُوَ خِلَاف مَا يَقْتَضِيه الْحَدِيث وَخِلَاف مَا قَالَهُ النَّاس.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْعُرْفُط مِنْ شَجَر الْعِضَاه وَهُوَ كُلّ شَجَر لَهُ شَوْك وَقِيلَ رَائِحَته كَالنَّبِيذِ، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَه أَنْ تُوجَد مِنْهُ رَائِحَة كَرِيهَة.
قَوْلهَا: «فَقَالَ: بَلْ شَرِبْت عَسَلًا عِنْد زَيْنَب بِنْت جَحْش وَلَنْ أَعُود فَنَزَلَ: {لِمَ تُحَرِّم مَا أَحَلَّ اللَّه لَك}» هَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي سَبَب تَرْك الْعَسَل وَفِي كُتُب الْفِقْه أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَحْرِيم مَارِيَة، قَالَ الْقَاضِي: اُخْتُلِفَ فِي سَبَب نُزُولهَا فَقَالَتْ عَائِشَة: فِي قِصَّة الْعَسَل، وَعَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَحْرِيم مَارِيَة جَارِيَته وَحَلَفَ أَنْ لَا يَطَأهَا.
قَالَ: وَلَا حُجَّة فيه لِمَنْ أَوْجَبَ بِالتَّحْرِيمِ كَفَّارَة مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّه لَكُمْ تَحِلَّة أَيْمَانكُمْ} لِمَا رَوَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاَللَّه لَا أَطَأهَا» ثُمَّ قَالَ: «هِيَ عَلَيَّ حَرَام»، وَرُوِيَ مِثْل ذَلِكَ مِنْ حَلِفه عَلَى شُرْبه الْعَسَل وَتَحْرِيمه، ذَكَرَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ: «لَنْ أَعُود لَهُ وَقَدْ حَلَفْت أَنْ أَلَّا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا».
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شُرْب الْعَسَل: «لَنْ أَعُود إِلَيْهِ أَبَدًا» وَلَمْ يَذْكُر يَمِينًا، لَكِنْ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّه لَكُمْ تَحِلَّة أَيْمَانكُمْ} يُوجِب أَنْ يَكُون قَدْ كَانَ هُنَاكَ يَمِين، قُلْت: وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَى الْآيَة قَدْ فَرَضَ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي التَّحْرِيم كَفَّارَة يَمِين، وَهَكَذَا يُقَدِّرهُ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَمُوَافِقُوهُمْ.
قَوْلهَا: «فَقَالَ: بَلْ شَرِبْت عَسَلًا عِنْد زَيْنَب بِنْت جَحْش» وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْدهَا: «أَنَّ شُرْب الْعَسَل كَانَ عِنْد حَفْصَة» قَالَ الْقَاضِي: ذَكَرَ مُسْلِم فِي حَدِيث حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ أَنَّ الَّتِي شَرِبَ عِنْدهَا الْعَسَل زَيْنَب، وَأَنَّ الْمُتَظَاهِرَتَيْنِ عَلَيْهِ عَائِشَة وَحَفْصَة، وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي حَدِيث عُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْن عَبَّاس أَنَّ الْمُتَظَاهِرَتَيْنِ عَائِشَة وَحَفْصَة، وَذَكَرَ مُسْلِم أَيْضًا مِنْ رِوَايَة أَبِي أُسَامَة عَنْ هِشَام أَنَّ حَفْصَة هِيَ الَّتِي شَرِبَ الْعَسَل عِنْدهَا، وَأَنَّ عَائِشَة وَسَوْدَة وَصْفِيَّة مِنْ اللَّوَاتِي تَظَاهَرْنَ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَالْأَوَّل أَصَحّ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: إِسْنَاد حَدِيث حَجَّاج صَحِيح جَيِّد غَايَة.
وَقَالَ الْأَصِيلِيّ: حَدِيث حَجَّاج أَصَحّ وَهُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِ كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَأَكْمَل فَائِدَة- يُرِيد قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} فَهُمَا اِثْنَتَانِ لَا ثَلَاث، وَأَنَّهُمَا عَائِشَة وَحَفْصَة كَمَا قَالَ فيه، وَكَمَا اِعْتَرَفَ بِهِ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَقَدْ اِنْقَلَبَتْ الْأَسْمَاء عَلَى الرَّاوِي فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى. كَمَا أَنَّ الصَّحِيح فِي سَبَب نُزُول الْآيَة أَنَّهَا فِي قِصَّة الْعَسَل لَا فِي قِصَّة مَارِيَة الْمَرْوِيّ فِي غَيْر الصَّحِيحَيْنِ وَلَمْ تَأْتِ قِصَّة مَارِيَة مِنْ طَرِيق صَحِيح.
قَالَ النَّسَائِيُّ: إِسْنَاد حَدِيث عَائِشَة فِي الْعَسَل جَيِّد صَحِيح غَايَة. هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي.
ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي بَعْد هَذَا: الصَّوَاب أَنَّ شُرْب الْعَسَل كَانَ عِنْد زَيْنَب. قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيّ إِلَى بَعْض أَزْوَاجه حَدِيثًا} لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْت عَسَلًا»، هَكَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِم.
قَالَ الْقَاضِي: فيه اِخْتِصَار، وَتَمَامه: وَلَنْ أَعُود إِلَيْهِ وَقَدْ حَلَفْت أَنْ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ. وَهَذَا أَحَد الْأَقْوَال فِي مَعْنَى السِّرّ.
وَقِيلَ: بَلْ ذَلِكَ فِي قِصَّة مَارِيَة وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ.
2695- قَوْلهَا: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ الْحَلْوَاء وَالْعَسَل» قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُرَاد بِالْحَلْوَاءِ هُنَا كُلّ شَيْء حُلْو وَذَكَرَ الْعَسَل بَعْدهَا تَنْبِيهًا عَلَى شُرَافَته وَمَزِيَّته، وَهُوَ مِنْ بَاب ذِكْر الْخَاصّ بَعْد الْعَامّ. وَالْحَلْوَاء بِالْمَدِّ وَفيه جَوَاز كُلّ لَذِيذ الْأَطْعِمَة وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الزُّهْد وَالْمُرَاقَبَة لاسيما إِذَا حَصَلَ اِتِّفَاقًا.
قَوْلهَا: «فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْر دَار عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ» فيه دَلِيل لِمَا يَقُولهُ أَصْحَابنَا أَنَّهُ يَجُوز لِمَنْ قَسَمَ بَيْن نِسَائِهِ أَنْ يَدْخُل فِي النَّهَار إِلَى بَيْت غَيْر الْمَقْسُوم لَهَا لِحَاجَةٍ وَلَا يَجُوز الْوَطْء.
قَوْلهَا: «جَرَسَتْ نَحْله الْعُرْفُط» هُوَ بِالْجِيمِ وَالرَّاء وَالسِّين الْمُهْمَلَة أَيْ أَكَلَتْ الْعُرْفُط لِيَصِيرَ مِنْهُ الْعَسَل.
قَوْلهَا: «وَاَللَّه لَقَدْ حَرَمْنَاهُ» هُوَ بِتَخْفِيفِ الرَّاء أَيْ مَنَعْنَاهُ مِنْهُ. يُقَال: مِنْهُ حَرَّمْته وَأَحْرَمْته، وَالْأَوَّل أَفْصَح.
قَوْله: (قَالَ إِبْرَاهِيم: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن بِشْر حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة بِهَذَا) مَعْنَاهُ أَنَّ إِبْرَاهِيم بْن سُفْيَان صَاحِب مُسْلِم سَاوَى مُسْلِمًا فِي إِسْنَاد هَذَا الْحَدِيث، فَرَوَاهُ عَنْ وَاحِد عَنْ أَبِي أُسَامَة كَمَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ وَاحِد عَنْ أُسَامَة فِعْلًا بِرَجُلٍ وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب بَيَانِ أَنَّ تَخْيِيرَ امْرَأَتِهِ لاَ يَكُونُ طَلاَقًا إِلاَّ بِالنِّيَّةِ:

2696- قَوْله لَهَا: «لَمَّا أُمِرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجه بَدَأَ بِي، فَقَالَ: إِنِّي ذَاكِر لَك أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَلَّا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ» إِنَّمَا بَدَأَ بِهَا لِفَضِيلَتِهَا.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تَعْجَلِي» مَعْنَاهُ مَا يَضُرّك أَلَّا تَعْجَلِي، وَإِنَّمَا قَالَ لَهَا هَذَا شَفَقَة عَلَيْهَا وَعَلَى أَبَوَيْهَا، وَنَصِيحَة لَهُمْ فِي بَقَائِهَا عِنْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ خَافَ أَنْ يَحْمِلهَا صِغَر سِنّهَا وَقِلَّة تَجَارِبهَا عَلَى اِخْتِيَار الْفِرَاق، فَيَجِب فِرَاقهَا فَتُضْطَرّ هِيَ وَأَبَوَاهَا وَبَاقِي النِّسْوَة بِالِاقْتِدَاءِ بِهَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث مَنْقَبَة ظَاهِرَة لِعَائِشَة ثُمَّ لِسَائِرِ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُنَّ. وَفيه الْمُبَادَرَة إِلَى الْخَيْر وَإِيثَار أُمُور الْآخِرَة عَلَى الدُّنْيَا. وَفيه نَصِيحَة الْإِنْسَان صَاحِبه وَتَقْدِيمه فِي ذَلِكَ مَا هُوَ أَنْفَع فِي الْآخِرَة.
2697- قَوْلهَا: «إِنْ كَانَ ذَلِكَ إِلَيَّ لَمْ أُوثِر عَلَى نَفْسِي أَحَدًا» هَذِهِ الْمُنَافِسَة فيه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِمْتَاع وَلِمُطْلَقِ الْعِشْرَة وَشَهَوَات النُّفُوس وَحُظُوظهَا الَّتِي تَكُون مِنْ بَعْض النَّاس، بَلْ هِيَ مُنَافَسَة فِي أُمُور الْآخِرَة وَالْقُرْب مِنْ سَيِّد الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَالرَّغْبَة فيه وَفِي خِدْمَته وَمُعَاشَرَته وَالِاسْتِفَادَة مِنْهُ وَفِي قَضَاء حُقُوقه وَحَوَائِجه وَتَوَقُّع نُزُول الرَّحْمَة وَالْوَحْي عَلَيْهِ عِنْدهَا وَنَحْو ذَلِكَ. وَمِثْل هَذَا حَدِيث اِبْن عَبَّاس.
وَقَوْله فِي الْقَدَح: «لَا أُوثِر بِنَصِيبِي مِنْك أَحَدًا» وَنَظَائِر ذَلِكَ كَثِيرَة.
2698- قَوْلهَا: «خَيَّرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نَعُدّهُ طَلَاقًا» وَفِي رِوَايَة: «فَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا» وَفِي رِوَايَة: «فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدّهُ طَلَاقًا» وَفِي رِوَايَة: «فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعْدُدْهَا عَلَيْنَا شَيْئًا». وَفِي بَعْض النُّسَخ: «فَلَمْ يَعُدّهَا عَلَيْنَا شَيْئًا» فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء أَنَّ مَنْ خَيَّرَ زَوْجَته فَاخْتَارَتْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا وَلَا يَقَع بِهِ فُرْقَة، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَزَيْد بْن ثَابِت وَالْحَسَن وَاللَّيْث بْن سَعْد أَنَّ نَفْس التَّخْيِير يَقَع بِهِ طَلْقَة بَائِنَة سَوَاء اِخْتَارَتْ زَوْجهَا أَمْ لَا، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيّ وَالنَّقَّاش عَنْ مَالِك، قَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحّ هَذَا عَنْ مَالِك. ثُمَّ هُوَ مَذْهَب ضَعِيف مَرْدُود بِهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة، وَلَعَلَّ الْقَائِلِينَ بِهِ لَمْ تَبْلُغهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيث وَاَللَّه أَعْلَم.
2699- سبق شرحه بالباب.
2700- سبق شرحه بالباب.
2701- سبق شرحه بالباب.
2702- سبق شرحه بالباب.
2703- قَوْله: (وَاجِمًا) هُوَ بِالْجِيمِ قَالَ أَهْل اللُّغَة هُوَ الَّذِي اِشْتَدَّ حُزْنه حَتَّى أَمْسَكَ عَنْ الْكَلَام، يُقَال: وَجَمَ بِفَتْحِ الْجِيم وُجُومًا.
قَوْله: «لَأَقُولَنَّ شَيْئًا يُضْحِك النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «أُضْحِك النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فيه اِسْتِحْبَاب مِثْل هَذَا، وَأَنَّ الْإِنْسَان إِذَا رَأَى صَاحِبه مَهْمُومًا حَزِينًا يُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يُحَدِّثهُ بِمَا يُضْحِكهُ أَوْ يُشْغِلهُ وَيُطَيِّب نَفْسه، وَفيه فَضِيلَة لِأَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قَوْله: «فَوَجَأْت عُنُقهَا» وَقَوْله: (يَجَأ عُنُقهَا) هُوَ بِالْجِيمِ وَبِالْهَمْزَةِ يُقَال (وَجَأَ يَجَأ) إِذَا طَعَنَ.

.باب فِي الإِيلاَءِ وَاعْتِزَالِ النِّسَاءِ وَتَخْيِيرِهِنَّ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ}:

2704- قَوْله: (عَنْ سِمَاك أَبِي زُمَيْل) هُوَ بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْح الْمِيم.
قَوْله: «فَإِذَا النَّاس يُنَكِّتُونَ بِالْحَصَى» هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاة بَعْد الْكَاف أَيْ يَضْرِبُونَ الْأَرْض كَفِعْلِ الْمَهْمُوم الْمُفَكِّر.
قَوْلهَا: «عَلَيْك بِعَيْبَتِك» هِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة تَحْت ثُمَّ يَاء مُوَحَّدَة وَالْمُرَاد عَلَيْك بِوَعْظِ اِبْنَتك حَفْصَة، قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْعَيْبَة فِي كَلَام الْعَرَب وِعَاء يَجْعَل الْإِنْسَان فيه أَفْضَل ثِيَابه وَنَفِيس مَتَاعه فَشَبَّهَتْ اِبْنَته بِهَا.
قَوْله: «هُوَ فِي الْمِشْرَبَة» هِيَ بِفَتْحِ الرَّاء وَضَمّهَا.
قَوْله: «فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ» هُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة.
قَوْله: «قَاعِدًا عَلَى أُسْكُفَّة الْمِشْرَبَة» هِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالْكَاف وَتَشْدِيد الْفَاء وَهِيَ عَتَبَة الْبَاب السُّفْلِيّ.
قَوْله: «عَلَى نَقِير مِنْ خَشَب» هُوَ بِنُونٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ قَاف مَكْسُورَة هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَوْجُود فِي جَمِيع النُّسَخ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ بِالْفَاءِ بَدَل النُّون وَهُوَ فَقِير بِمَعْنَى مَفْقُور مَأْخُوذ مِنْ فَقَار الظَّهْر وَهُوَ جِذْع فيه دَرَج.
قَوْله: «إِذَا أَفِيق مُعَلَّق» هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْر الْفَاء وَهُوَ الْجِلْد الَّذِي لَمْ يَتِمّ دِبَاغه وَجَمْعه (أَفَق) بِفَتْحِهَا كَأَدِيمِ وَأَدُمْ وَقَدْ أَفَقَ أَدِيمه بِفَتْحِهَا يَأْفِقهُ بِكَسْرِ الْفَاء.
قَوْله: «تَحَسَّرَ الْغَضَب عَنْ وَجْهه» أَيْ زَالَ وَانْكَشَفَ.
قَوْله: «وَحَتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ» هُوَ بِفَتْحِ الشِّين الْمُعْجَمَة الْمُخَفَّفَة أَيْ أَبْدَى أَسْنَانه تَبَسُّمًا وَيُقَال أَيْضًا فِي الْغَضَب وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت: كَشَرَ وَبَسَمَ وَابْتَسَمَ وَافْتَرَّ كُلّه بِمَعْنًى وَاحِد فَإِنْ زَادَ قِيلَ: قَهْقَهَ وَزَهْدَقَ وَكَرْكَرَ.
قَوْله: «أَتَشَبَّث بِالْجِذْعِ» هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة فِي آخِره أَيْ اِسْتَمْسَكَ.
2705- قَوْله: «فَبَيْنَمَا أَنَا فِي أَمْر أَأْتَمِرُهُ» مَعْنَاهُ أُشَاوِر فيه نَفْسِي وَأُفَكِّر وَمَعْنَى بَيْنَمَا وَبَيْنَا أَيْ بَيْن أَوْقَات اِئْتِمَارِي وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ وَسَبَقَ بَيَانه.
قَوْله: «حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى حَفْصَة» هُوَ بِفَتْحِ اللَّام.
قَوْله: «وَكَانَ لِي صَاحِب مِنْ الْأَنْصَار إِذَا غِبْت أَتَانِي بِالْخَبَرِ وَإِذَا غَابَ كُنْت أَنَا آتِيَة بِالْخَبَرِ» فِي هَذَا اِسْتِحْبَاب حُضُور مَجَالِس الْعِلْم وَاسْتِحْبَاب التَّنَاوُب فِي حُضُور الْعِلْم إِذَا لَمْ يَتَيَسَّر لِكُلِّ وَاحِد الْحُضُور بِنَفْسِهِ.
قَوْله: «مِنْ مُلُوك غَسَّان» الْأَشْهَر تَرْك صَرْف (غَسَّان) وَقِيلَ: يَصْرِف وَسَبَقَ إِيضَاحه فِي أَوَّل الْكِتَاب.
قَوْله: «فَقُلْت: جَاءَ الْغَسَّانِيّ. فَقَالَ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ اِعْتَزَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجه» فيه مَا كَانَتْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الِاهْتِمَام بِأَحْوَالِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عِلِّيّه وَسَلَّمَ وَالْقَلَق التَّامّ لِمَا يُقْلِقهُ أَوْ يُغْضِبهُ.
قَوْله: «رَغِمَ أَنْف حَفْصَة» هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْن وَكَسْرهَا يُقَال رَغِمَ يَرْغَم رَغْمًا وَرُغْمًا وَرِغْمًا بِفَتْحِ الرَّاء وَضَمّهَا وَكَسْرهَا أَيْ لَصِقَ بِالرِّغَامِ وَهُوَ التُّرَاب هَذَا هُوَ الْأَصْل ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلّ مَنْ عَجَزَ مِنْ الِانْتِصَاف وَفِي الذُّلّ وَالِانْقِيَاد كُرْهًا.
قَوْله: «فَآخُذ ثَوْبِي فَأَخْرُج حَتَّى جِئْت» فيه اِسْتِحْبَاب التَّجَمُّل بِالثَّوْبِ وَالْعِمَامَة وَنَحْوهمَا عِنْد لِقَاء الْأَئِمَّة وَالْكِبَار اِحْتِرَامًا لَهُمْ.
قَوْله: «فِي مِشْرَبَة لَهُ يَرْتَقِي إِلَيْهَا بِعَجَلَةٍ» وَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ: «بِعَجَلِهَا» وَفِي بَعْضهَا: «بِعَجَلَتِهَا» وَفِي بَعْضهَا: «بِعَجَلَةٍ» وَكُلّه صَحِيح وَالْأَخِيرَة أَجْوَد قَالَ اِبْن قُتَيْبَة وَغَيْره هِيَ دَرَجَة مِنْ النَّخْل كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة جِذْع.
قَوْله: «وَأَنَّ عِنْد رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَضْبُورًا» وَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول (مَضْبُورًا) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة وَفِي بَعْضهَا بِالْمُهْمَلَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيح أَيْ مَجْمُوعًا.
قَوْله: «وَعِنْد رَأْسه أُهُبًا مُعَلَّقَة» بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْهَاء وَبِضَمِّهِمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ جَمْع إِهَاب وَهُوَ الْجِلْد قَبْل الدِّبَاغ عَلَى قَوْل الْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ: الْجِلْد مُطْلَقًا وَسَبَقَ بَيَانه فِي آخِر كِتَاب الطَّهَارَة.
قَوْله: «فَرَأَيْت أَثَر الْحَصِير فِي جَنْب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَيْت فَقَالَ: مَا يُبْكِيك فَقُلْت: يَا رَسُول اللَّه إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَر فِيمَا هُمَا فيه وَأَنْتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُون لَهُمَا الدُّنْيَا وَلَك الْآخِرَة هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول وَلَك الْآخِرَة» وَفِي بَعْضهَا: «لَهُمْ الدُّنْيَا» وَفِي أَكْثَرهَا: «لَهُمَا» بِالتَّثْنِيَةِ وَأَكْثَر الرِّوَايَات فِي غَيْر هَذَا: «الْمَوْضِع لَهُمْ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَة» وَكُلّه صَحِيح.
قَوْله: «وَكَانَ آلَى مِنْهُنَّ شَهْرًا» هُوَ بِمَدِّ الْهَمْزَة وَفَتْح اللَّام وَمَعْنَاهُ حَلَفَ لَا يَدْخُل عَلَيْهِنَّ شَهْرًا، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِيلَاء الْمَعْرُوف فِي اِصْطِلَاح الْفُقَهَاء وَلَا لَهُ حُكْمه وَأَصْل الْإِيلَاء فِي اللُّغَة الْحَلِف عَلَى الشَّيْء يُقَال: مِنْهُ آلَى يُؤَالِي إِيلَاء تَأَلِّيًا وَائْتَلَى اِئْتِلَاء، وَصَارَ فِي عُرْف الْفُقَهَاء مُخْتَصًّا بِالْحَلِفِ عَلَى الِامْتِنَاع مِنْ وَطْء الزَّوْجَة وَلَا خِلَاف فِي هَذَا إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ اِبْن سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: الْإِيلَاء الشَّرْعِيّ مَحْمُول عَلَى مَا يَتَعَلَّق بِالزَّوْجَةِ مِنْ تَرْك جِمَاع أَوْ كَلَام أَوْ إِنْفَاق قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: لَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ مُجَرَّد الْإِيلَاء لَا يُوجِب فِي الْحَال طَلَاقًا وَلَا كَفَّارَة وَلَا مُطَالَبَة. ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي تَقْدِير مُدَّته فَقَالَ عُلَمَاء الْحِجَاز وَمُعْظَم الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ: الْمُؤْلَى مَنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَر مِنْ أَرْبَعَة أَشْهُر فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَة فَلَيْسَ بِمُؤْلٍ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: هُوَ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَة أَشْهُر فَأَكْثَر وَشَذَّ اِبْن أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَن وَابْن شُبْرُمَةَ فِي آخَرِينَ فَقَالُوا: إِذَا حَلِف لَا يُجَامِعهَا يَوْمًا أَوْ أَقَلّ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَة أَشْهُر فَهُوَ مُؤْلٍ. وَعَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ كُلّ مَنْ وَقَّتَ فِي يَمِينه وَقْتًا وَإِنْ طَالَتْ مُدَّته فَلَيْسَ بِمُؤْلٍ، وَإِنَّمَا الْمُؤْل مَنْ حَلَفَ عَلَى الْأَبَد.
قَالَ: وَلَا خِلَاف بَيْنهمْ أَنَّهُ لَا يَقَع عَلَيْهِ طَلَاق قَبْل أَرْبَعَة أَشْهُر وَلَا خِلَاف أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ قَبْل اِنْقِضَاء الْمُدَّة سَقَطَ الْإِيلَاء فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُجَامِع حَتَّى اِنْقَضَتْ أَرْبَعَة أَشْهُر فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: يَقَع الطَّلَاق وَقَالَ عُلَمَاء الْحِجَاز وَمِصْر وَفُقَهَاء أَصْحَاب الْحَدِيث وَأَهْل الظَّاهِر كُلّهمْ: يُقَال لِلزَّوْجِ إِمَّا أَنْ تُجَامِع وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّق. فَإِنْ اِمْتَنَعَ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه. وَعَنْ مَالِك رِوَايَة كَقَوْلِ الْكُوفِيُّونَ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْل أَنَّهُ لَا يُطْلَق الْقَاضِي عَلَيْهِ بَلْ يُجْبَر عَلَى الْجِمَاع أَوْ الطَّلَاق وَيُعَزَّر عَلَى ذَلِكَ إِنْ اِمْتَنَعَ. وَاخْتَلَفَ الْكُوفِيُّونَ هَلْ يَقَع طَلَاق رَجْعِيّ أَمْ بَائِن فَأَمَّا الْآخَرُونَ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الطَّلَاق الَّذِي يُوقِعهُ هُوَ أَوْ الْقَاضِي يَكُون رَجْعِيًّا إِلَّا أَنْ مَالِكًا يَقُول: لَا تَصِحّ فيها الرَّجْعَة حَتَّى يُجَامِع الزَّوْج فِي الْعِدَّة.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَلَمْ يُحْفَظ هَذَا الشَّرْط عَنْ أَحَد سِوَى مَالِك. وَلَوْ مَضَتْ ثَلَاثَة أَقْرَاء فِي الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة فَقَالَ جَابِر بْن زَيْد: إِذَا طَلَّقَ اِنْقَضَتْ عِدَّتهَا بِتِلْكَ الْأَقْرَاء، وَقَالَ الْجُمْهُور: يَجِب اِسْتِئْنَاف الْعِدَّة: وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَط لِلْإِيلَاءِ أَنْ تَكُون يَمِينه فِي حَال الْغَضَب وَمَعَ قَصْد الضَّرَر؟ فَقَالَ جُمْهُورهمْ: لَا يُشْتَرَط بَلْ يَكُون مُؤْلِيًا فِي كُلّ حَال.
وَقَالَ مَالِك وَالْأَوْزَاعِيّ: لَا يَكُون مُؤْلِيًا إِذَا حَلَفَ لِمَصْلَحَةِ وَلَده لِفِطَامِهِ. وَعَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَكُون مُؤْلِيًا إِلَّا إِذَا حَلَفَ عَلَى وَجْه الْغَضَب.
2706- قَوْله: (حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد سَمِعَ عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ مَوْلَى الْعَبَّاس) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (مَوْلَى الْعَبَّاس)، قَالُوا: وَهَذَا قَوْل سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ.
قَالَ الْبُخَارِيّ: لَا يَصِحّ قَوْل اِبْن عُيَيْنَةَ هَذَا، وَقَالَ مَالِك: هُوَ مَوْلَى آل زَيْد بْن الْخَطَّاب، وَقَالَ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن أَبِي كَثِير: هُوَ مَوْلَى بَنِي زُرَيْق، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره الصَّحِيح عِنْد الْحُفَّاظ وَغَيْرهمْ فِي هَذَا قَوْل مَالِك.
قَوْله فِي هَذِهِ الرِوَايَة: (كُنْت أُرِيد أَنْ أَسْأَل عُمَر عَنْ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (عَلَى عَهْد) قَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا قَالَ: (عَلَى عَهْده) تَوْقِيرًا لَهُمَا، وَالْمُرَاد تَظَاهَرَتَا عَلَيْهِ فِي عَهْده، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} وَقَدْ صَرَّحَ فِي سَائِر الرِّوَايَات بِأَنَّهُمَا تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2707- قَوْله: «فَسَكَبْت عَلَى يَدَيْهِ فَتَوَضَّأَ» فيه جَوَاز الِاسْتِعَانَة فِي الْوُضُوء.
وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحهَا فِي أَوَائِل الْكِتَاب وَهُوَ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ لِعُذْرٍ فَلَا بَأْس بِهَا وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِهِ فَهِيَ خِلَاف الْأَوْلَى وَلَا يُقَال مَكْرُوهَة عَلَى الصَّحِيح.
قَوْله: «وَلَا يَغُرَّنَّكَ أَنْ كَانَتْ جَارَتك هِيَ أَوْسَم» قَوْله: «أَنْ كَانَتْ» بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْمُرَاد بِالْجَارَةِ هُنَا الضَّرَّة: «وَأَوْسَم» أَحْسَن وَأَجْمَل وَالْوَسَامَة الْجَمَال.
قَوْله: «غَسَّان تُنْعِل الْخَيْل» هُوَ بِضَمِّ التَّاء قَوْله: «مُتَّكِئ عَلَى رَمْل حَصِير» هُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَإِسْكَان الْمِيم وَفِي غَيْر هَذِهِ الرِّوَايَة: «رَمَّال» بِكَسْرِ الرَّاء يُقَال رَمَلْت الْحَصِير وَأَرْمَلْته إِذَا نَسَجْته.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُولَئِكَ قَوْم عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هَذَا مِمَّا يُحْتَجّ بِهِ مِنْ فَضْل الْفَقْر عَلَى الْغِنَى لِمَا فِي مَفْهُومه أَنَّ بِمِقْدَارِ مَا يَتَعَجَّل مِنْ طَيِّبَات الدُّنْيَا يَفُوتهُ مِنْ الْآخِرَة مِمَّا كَانَ مُدَّخَرًا لَهُ لَوْ لَمْ يَتَعَجَّلهُ.
قَالَ: وَقَدْ يَتَأَوَّلهُ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الْمُرَاد أَنَّ حَظّ الْكُفَّار هُوَ مَا نَالُوهُ مِنْ نَعِيم الدُّنْيَا وَلَا حَظّ لَهُمْ فِي الْآخِرَة وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «مِنْ شِدَّة مَوْجِدَته» أَيْ الْغَضَب.
2708- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّهْر تِسْع وَعِشْرُونَ» أَيْ هَذَا الشَّهْر.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز اِحْتِجَاب الْإِمَام وَالْقَاضِي وَنَحْوهمَا فِي بَعْض الْأَوْقَات لِحَاجَاتِهِمْ الْمُهِمَّة، وَفيها أَنَّ الْحَاجِب إِذَا عَلِمَ مَنْع الْآذَان بِسُكُوتِ الْمَحْجُوب لَمْ يَأْذَن وَالْغَالِب مِنْ عَادَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَّخِذ حَاجِبًا وَاِتَّخَذَهُ حَاجِبًا وَاِتَّخَذَهُ فِي هَذَا الْيَوْم لِلْحَاجَةِ، وَفيه وُجُوب الِاسْتِئْذَان عَلَى الْإِنْسَان فِي مَنْزِله وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَحْده لِأَنَّهُ قَدْ يَكُون عَلَى حَالَة يُكْرَه الْإِطْلَاع عَلَيْهِ فيها، وَفيه تَكْرَار الِاسْتِئْذَان إِذَا لَمْ يُؤَذِّن، وَفيه أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْن الرَّجُل الْجَلِيل وَغَيْره فِي أَنَّهُ يَحْتَاج إِلَى الِاسْتِئْذَان، وَفيه تَأْدِيب الرَّجُل وَلَده صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا أَوْ بِنْتًا مُزَوَّجَة لِأَنَّ أَبَا بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَدَّبَا اِبْنَتَيْهِمَا وَوَجَأَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا بِنْته، وَفيه مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّقَلُّل مِنْ الدُّنْيَا وَالزَّهَادَة فيها، وَفيه جَوَاز سُكْنَى الْغُرْفَة ذَات الدَّرَج وَاِتِّخَاذ الْخِزَانَة لِأَثَاثِ الْبَيْت، وَفيه مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ حِرْصهمْ عَلَى طَلَب الْعِلْم وَتَنَاوُبهمْ فيه، وَفيه جَوَاز قَبُول خَبَر الْوَاحِد لِأَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ يَأْخُذ عَنْ صَاحِبه الْأَنْصَارِيّ وَيَأْخُذ الْأَنْصَارِيّ عَنْهُ، وَفيه أَخْذ الْعِلْم عَمَّنْ كَانَ عِنْده وَإِنْ كَانَ الْآخِذ أَفْضَل مِنْ الْمَأْخُوذ مِنْهُ كَمَا أَخَذَ عُمَر عَنْ هَذَا الْأَنْصَارِيّ، وَفيه أَنَّ الْإِنْسَان إِذَا رَأَى صَاحِبه مَهْمُومًا وَأَرَادَ إِزَالَة هَمَّهُ وَمُؤَانَسَته بِمَا يَشْرَح صَدْره وَيَكْشِف هَمَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَأْذِنهُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَسْتَأْنِس يَا رَسُول اللَّه. وَلِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِي مِنْ الْكَلَام بِمَا لَا يُوَافِق صَاحِبه فَيَزِيدهُ هَمًّا وَرُبَّمَا أَخْرَجَهُ وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَرْتَضِيه وَهَذَا مِنْ الْآدَاب الْمُهِمَّة، وَفيه تَوْقِير الْكِبَار وَخِدْمَتهمْ وَهَيْبَتهمْ كَمَا فَعَلَ اِبْن عَبَّاس مَعَ عُمَر.
وَفيه الْخِطَاب بِالْأَلْفَاظِ الْجَمِيلَة كَقَوْلِهِ: (أَنْ كَانَتْ جَارَتك) وَلَمْ يَقُلْ (ضَرَّتك) وَالْعَرَب تَسْتَعْمِل هَذَا لِمَا فِي لَفْظ الضَّرَّة مِنْ الْكَرَاهَة، وَفيه جَوَاز قَرْع بَاب غَيْره لِلِاسْتِئْذَانِ وَشِدَّة الْفَزَع لِلْأُمُورِ الْمُهِمَّة، وَفيه جَوَاز نَظَر الْإِنْسَان إِلَى نَوَاحِي بَيْت صَاحِبه وَمَا فيه إِذَا عَلِمَ عَدَم كَرَاهَة صَاحِبه لِذَلِكَ؛ وَقَدْ كَرِهَ السَّلَف فُضُول النَّظَر وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا عَلِمَ كَرَاهَته لِذَلِكَ وَشَكَّ فيها، وَفيه أَنَّ لِلزَّوْجِ هِجْرَان زَوْجَته وَاعْتِزَاله فِي بَيْت آخَر إِذَا جَرَى مِنْهَا سَبَب يَقْتَضِيه، وَفيه جَوَاز قَوْله لِغَيْرِهِ: (رَغِمَ أَنْفه) إِذَا أَسَاءَ كَقَوْلِ عُمَر: (رَغِمَ أَنْف حَفْصَة) وَبِهِ قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَآخَرُونَ وَكَرِهَهُ مَالِك، وَفيه فَضِيلَة عَائِشَة لِلِابْتِدَاءِ بِهَا فِي التَّخْيِير وَفِي الدُّخُول بَعْد اِنْقِضَاء الشَّهْر، وَفيه غَيْر ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا لاَ نَفَقَةَ لَهَا:

2709- فيه حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْس (أَنَّ أَبَا عَمْرو بْن حَفْص طَلَّقَهَا) هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُور أَنَّهُ أَبُو عَمْرو بْن حَفْص وَقِيلَ أَبُو حَفْص بْن عَمْرو وَقِيلَ أَبُو حَفْص بْن الْمُغِيرَة وَاخْتَلَفُوا فِي اِسْمه وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ اِسْمه عَبْد الْحَمِيد، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: اِسْمه أَحْمَد.
وَقَالَ آخَرُونَ: اِسْمه كُنْيَته.
وَقَوْله: (أَنَّهُ طَلَّقَهَا) هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور الَّذِي رَوَاهُ الْحُفَّاظ وَاتَّفَقَ عَلَى رِوَايَته الثِّقَات عَلَى اِخْتِلَاف أَلْفَاظهمْ فِي أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ الْبَتَّة أَوْ آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات. وَجَاءَ فِي آخِر صَحِيح مُسْلِم فِي حَدِيث الْجَسَّاسَة مَا يُوهِم أَنَّهُ مَاتَ عَنْهَا.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَى ظَاهِرهَا بَلْ هِيَ وَهْم أَوْ مُؤَوَّلَة وَسَنُوَضِّحُهَا فِي مَوْضِعهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَأَمَّا قَوْله فِي رِوَايَة (أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا) وَفِي رِوَايَة: (أَنَّهُ طَلَّقَهَا الْبَتَّة)، وَفِي رِوَايَة: (طَلَّقَهَا آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات)، وَفِي رِوَايَة: (طَلَّقَهَا طَلْقَة كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقهَا)، وَفِي رِوَايَة (طَلَّقَهَا) وَلَمْ يَذْكُر عَدَدًا وَلَا غَيْره. فَالْجَمْع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْل هَذَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا هَذِهِ الْمَرَّة الطَّلْقَة الثَّالِثَة فَمَنْ رَوَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا مُطْلَقًا أَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَة أَوْ طَلَّقَهَا آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات فَهُوَ ظَاهِر وَمَنْ رَوَى الْبَتَّة فَمُرَاده طَلَّقَهَا طَلَاقًا صَارَتْ بِهِ مَبْتُوتَة بِالثَّلَاثِ وَمَنْ رَوَى ثَلَاثًا أَرَادَ تَمَام الثَّلَاث.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَة» وَفِي رِوَايَة: «لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنَى» وَفِي رِوَايَة: «لَا نَفَقَة» مِنْ غَيْر ذِكْر السُّكْنَى.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُطَلَّقَة الْبَائِن الْحَائِل هَلْ لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى أَوْ لَا؟ فَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَأَبُو حَنِيفَة وَآخَرُونَ: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَحْمَد: لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَة.
وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ: تُحْجَب لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَة لَهَا. وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُمَا جَمِيعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} فَهَذَا أَمْر السُّكْنَى.
وَأَمَّا النَّفَقَة فَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَة عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ اِمْرَأَة جَهِلَتْ أَوْ نَسِيَتْ.
قَالَ الْعُلَمَاء. الَّذِي فِي كِتَاب رَبّنَا إِنَّمَا هُوَ إِثْبَات السُّكْنَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَوْله: (وَسُنَّة نَبِيّنَا) هَذِهِ زِيَادَة غَيْر مَحْفُوظَة لَمْ يَذْكُرهَا جَمَاعَة مِنْ الثِّقَات. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِب نَفَقَة وَلَا سُكْنَى بِحَدِيثِ فَاطِمَة بِنْت قَيْس. وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ السُّكْنَى دُون النَّفَقَة لِوُجُوبِ السُّكْنَى بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} وَلِعَدَمِ وُجُوب النَّفَقَة بِحَدِيثِ فَاطِمَة مَعَ ظَاهِر قَوْل اللَّه تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَات حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فَمَفْهُومه أَنَّهُنَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَوَامِل لَا يُنْفَق عَلَيْهِنَّ، وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيث فَاطِمَة فِي سُقُوط النَّفَقَة بِمَا قَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَغَيْره أَنَّهَا كَانَتْ اِمْرَأَة لِسَنَةٍ وَاسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ عِنْد اِبْن أُمّ مَكْتُوم وَقِيلَ: لِأَنَّهَا خَافَتْ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِل، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ قَوْلهَا: (أَخَاف أَنْ يُقْتَحَم عَلَيَّ) وَلَا يُمْكِن شَيْء مِنْ هَذَا التَّأْوِيل فِي سُقُوط نَفَقَتهَا وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا الْبَائِن الْحَامِل فَتُجِبْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة.
وَأَمَّا الرَّجْعِيَّة فَتَجِبَانِ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجهَا فَلَا نَفَقَة لَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَصَحّ عِنْدنَا وُجُوب السُّكْنَى لَهَا فَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَالْمَشْهُور أَنَّهُ لَا نَفَقَة كَمَا لَوْ كَانَتْ حَائِلًا وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا تَجِب وَهُوَ غَلَط وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (طَلَّقَهَا الْبَتَّة وَهُوَ غَائِب فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيله بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ) فيه أَنَّ الطَّلَاق يَقَع فِي غِيبَة الْمَرْأَة وَجَوَاز الْوَكَالَة فِي أَدَاء الْحُقُوق وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَقَوْله (وَكِيله) مَرْفُوع هُوَ الْمُرْسَل.
قَوْله: «فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدّ فِي بَيْت أُمّ شَرِيك ثُمَّ قَالَ: تِلْكَ اِمْرَأَة يَغْشَاهَا أَصْحَابِي» قَالَ الْعُلَمَاء: أُمّ شَرِيك هَذِهِ قُرَشِيَّة عَامِرِيَّة وَقِيلَ: إِنَّهَا أَنْصَارِيَّة ذَكَرَ مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب فِي حَدِيث الْجَسَّاسَة أَنَّهَا أَنْصَارِيَّة وَاسْمهَا غَزِيَّة، وَقِيلَ غُزَيْلَة بِغَيْنٍ مُعْجَمَة مَضْمُومَة ثُمَّ زَاي فيهمَا، وَهِيَ بِنْت دَاوُدَ بْن عَوْف بْن عَمْرو بْن عَامِر بْن رَوَاحَة بْن حُجَيْر بْن عَبْد بْن مُعَيْص بْن عَامِر بْن لُؤَيّ بْن غَالِب، وَقِيلَ فِي نَسَبهَا غَيْر هَذَا، قِيلَ إِنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ: غَيْرهَا.
وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ كَانُوا يَزُورُونَ أُمّ شَرِيك وَيُكْثِرُونَ التَّرَدُّد إِلَيْهَا لِصَلَاحِهَا فَرَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلَى فَاطِمَة مِنْ الِاعْتِدَاد عِنْدهَا حَرَجًا، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَلْزَمهَا التَّحَفُّز مِنْ نَظَرهمْ إِلَيْهَا وَنَظَرهَا إِلَيْهِمْ وَانْكِشَاف شَيْء مِنْهَا، وَفِي التَّحَفُّظ مِنْ هَذَا مَعَ كَثْرَة دُخُولهمْ وَتَرَدُّدهمْ مَشَقَّة ظَاهِرَة، فَأَمَرَهَا بِالِاعْتِدَادِ عِنْد اِبْن أُمّ مَكْتُوم لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرهَا وَلَا يَتَرَدَّد إِلَى بَيْته مَنْ يَتَرَدَّد إِلَى بَيْت أُمّ شَرِيك، وَقَدْ اِحْتَجَّ بِهِ بَعْض النَّاس بِهَذَا عَلَى جَوَاز نَظَر الْمَرْأَة إِلَى الْأَجْنَبِيّ بِخِلَافِ نَظَره إِلَيْهَا، وَهَذَا قَوْل ضَعِيف، بَلْ الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْعُلَمَاء وَأَكْثَر الصَّحَابَة أَنَّهُ يَحْرُم عَلَى الْمَرْأَة النَّظَر إِلَى الْأَجْنَبِيّ كَمَا يَحْرُم عَلَيْهِ النَّظَر إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ} {وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ} وَلِأَنَّ الْفِتْنَة مُشْتَرَكَة وَكَمَا يَخَاف الِافْتِتَان بِهَا تَخَاف الِافْتِتَان بِهِ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّة حَدِيث نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ وَمَيْمُونَة عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِحْتَجِبَا مِنْهُ» فَقَالَتَا: إِنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِر فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا فَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ؟» وَهَذَا الْحَدِيث حَدِيث حَسَن رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ هُوَ حَدِيث حَسَن وَلَا يُلْتَفَت إِلَى قَدَح مِنْ قَدَح فيه بِغَيْرِ حُجَّة مُعْتَمَدَة.
وَأَمَّا حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْس مَعَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم، فَلَيْسَ فيه إِذْن لَهَا فِي النَّظَر إِلَيْهِ بَلْ فيه أَنَّهَا تَأْمَن عِنْده مِنْ نَظَر غَيْرهَا وَهِيَ مَأْمُورَة بِغَضِّ بَصَرهَا فَيُمْكِنهَا الِاحْتِرَاز عَنْ النَّظَر بِلَا مَشَقَّة بِخِلَافِ مُكْثهَا فِي بَيْت أُمّ شَرِيك.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي» هُوَ بِمَدِّ الْهَمْزَة أَيْ أَعْلِمِينِي وَفيه جَوَاز التَّعْرِيض بِخِطْبَةِ الْبَائِن وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدنَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَبُو الْجَهْم فَلَا يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه»، فيه تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدهمَا أَنَّهُ كَثِير الْأَسْفَار، وَالثَّانِي أَنَّهُ كَثِير الضَّرْب لِلنِّسَاءِ وَهَذَا أَصَحّ، بِدَلِيلِ الرِّوَايَة الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم بَعْد هَذِهِ أَنَّهُ ضِرَاب لِلنِّسَاءِ. وَفيه دَلِيل عَلَى جَوَاز ذِكْر الْإِنْسَان بِمَا فيه عِنْد الْمُشَاوَرَة وَطَلَب النَّصِيحَة وَلَا يَكُون هَذَا مِنْ الْغِيبَة الْمُحَرَّمَة بَلْ مِنْ النَّصِيحَة الْوَاجِبَة.
وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاء إِنَّ الْغِيبَة تُبَاح فِي سِتَّة مَوَاضِع أَحَدهَا الِاسْتِنْصَاح وَذَكَرْتهَا بِدَلَائِلِهَا فِي كِتَاب الْأَذْكَار ثُمَّ فِي رِيَاض الصَّالِحِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّ (أَبَا الْجَهْم) هَذَا بِفَتْحِ الْجِيم مُكَبَّر وَهُوَ أَبُو الْجَهْم الْمَذْكُور فِي حَدِيث الْأَنْبِجَانِيَّة، وَهُوَ غَيْر أَبِي الْجُهَيْم الْمَذْكُور فِي التَّيَمُّم وَفِي الْمُرُور بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي فَإِنَّ ذَاكَ بِضَمِّ الْجِيم مُصَغَّر وَقَدْ أَوْضَحَتْهُمَا بِاسْمَيْهِمَا وَنَسَبَيْهِمَا وَوَصْفيهمَا فِي بَاب التَّيَمُّم ثُمَّ فِي بَاب الْمُرُور بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي، وَذَكَرْنَا أَنَّ أَبَا الْجَهْم هَذَا هُوَ اِبْن حُذَيْفَة الْقُرَشِيّ الْعَدَوِيُّ.
قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَهُ النَّاس كُلّهمْ وَلَمْ يَنْسَوْهُ فِي الرِّوَايَة إِلَّا يَحْيَى بْن يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيّ أَحَد رُوَاة الْمُوَطَّأ فَقَالَ أَبُو جَهْم بْن هِشَام قَالَ وَهُوَ غَلَط وَلَا يُعْرَف فِي الصَّحَابَة أَحَد يُقَال لَهُ أَبُو جَهْم بْن هِشَام قَالَ وَلَمْ يُوَافِق يَحْيَى عَلَى ذَلِكَ أَحَد مِنْ رُوَاة الْمُوَطَّأ وَلَا غَيْرهمْ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه» الْعَاتِق هُوَ مَا بَيْن الْعُنُق وَالْمَنْكِب وَفِي هَذَا اِسْتِعْمَال الْمَجَاز وَجَوَاز إِطْلَاق مِثْل هَذِهِ الْعِبَارَة فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه» وَفِي مُعَاوِيَة: «أَنَّهُ صُعْلُوك لَا مَال لَهُ» مَعَ الْعِلْم بِأَنَّهُ كَانَ لِمُعَاوِيَةَ ثَوْب يَلْبَسهُ وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْمَال الْمُحَقَّر وَأَنَّ أَبَا الْجَهْم كَانَ يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه فِي حَال نَوْمه وَأَكْله وَغَيْرهمَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ كَثِير الْحَمْل لِلْعَصَا وَكَانَ مُعَاوِيَة قَلِيل الْمَال جِدًّا جَازَ إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ عَلَيْهِمَا مَجَازًا، فَفِي هَذَا جَوَاز اِسْتِعْمَال مِثْله فِي نَحْو هَذَا وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا وَقَدْ أَوْضَحْته فِي آخِر كِتَاب الْأَذْكَار.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَمَّا مُعَاوِيَة فَصُعْلُوك» هُوَ بِضَمِّ الصَّاد وَفِي هَذَا جَوَاز ذِكْره بِمَا فيه لِلنَّصِيحَةِ كَمَا سَبَقَ فِي ذِكْر أَبِي جَهْم.
قَوْلهَا: «فَلَمَّا حَلَلْت ذَكَرْت لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان وَأَبَا الْجَهْم خَطَبَانِي» هَذَا تَصْرِيح بِأَنَّ مُعَاوِيَة الْخَاطِب فِي هَذَا الْحَدِيث هُوَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب وَهُوَ الصَّوَاب، وَقِيلَ إِنَّهُ مُعَاوِيَة آخَر وَهَذَا غَلَط صَرِيح نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرّ بِهِ وَقَدْ أَوْضَحْته فِي تَهْذِيب الْأَسْمَاء وَاللُّغَات فِي تَرْجَمَة مُعَاوِيَة وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِنْكِحِي أُسَامَة بْن زَيْد فَكَرِهَتْهُ ثُمَّ قَالَ: اِنْكِحِي أُسَامَة فَنَكَحَتْهُ فَجَعَلَ اللَّه فيه خَيْرًا وَاغْتَبَطَتْ» فَقَوْلهَا: «اِغْتَبَطَتْ» هُوَ بِفَتْحِ التَّاء وَالْبَاء وَفِي بَعْض النُّسَخ: «وَاغْتَبَطَتْ بِهِ» وَلَمْ تَقَع لَفْظَة: «بِهِ» فِي أَكْثَر النُّسَخ.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْغِبْطَة أَنْ يَتَمَنَّى مِثْل حَال الْمَغْبُوط مِنْ غَيْر إِرَادَة زَوَالهَا عَنْهُ وَلَيْسَ هُوَ بِحَسَدٍ أَقُول مِنْهُ غَبَطْته بِمَا نَالَ أَغْبِطهُ بِكَسْرِ الْبَاء غَبْطًا وَغِبْطَة فَاغْتَبَطَ هُوَ كَمَنَعْته فَامْتَنَعَ وَحَبَسْته فَاحْتَبَسَ.
وَأَمَّا إِشَارَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِنِكَاحِ أُسَامَة فَلَمَّا عَلَّمَهُ مِنْ دِينه وَفَضْله وَحُسْن طَرَائِفه وَكَرَم شَمَائِله فَنَصَحَهَا بِذَلِكَ فَكَرِهَتْهُ لِكَوْنِهِ مَوْلًى وَقَدْ كَانَ أَسْوَد جِدًّا فَكَرَّرَ عَلَيْهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَثّ عَلَى زَوَاجه لَمَّا عَلِمَ مِنْ مَصْلَحَتهَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَتْ: «فَجَعَلَ اللَّه لِي فيه خَيْرًا وَاغْتَبَطْت» وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذَا: «طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله خَيْر لَك».
2710- قَوْله: (حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن الْقَارِيّ كِلَيْهِمَا) هُوَ الْقَارِيّ بِتَشْدِيدِ الْيَاء سَبَقَ بَيَانه مَرَّات، وَهَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخ كِلَيْهِمَا وَهُوَ صَحِيح وَقَدْ سَبَقَ وَجْهه فِي الْفُصُول الْمَذْكُورَة فِي مُقَدِّمَة هَذَا الشَّرْح.
قَوْله: «وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَة دُون» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ: «نَفَقَة دُون» بِإِضَافَةِ نَفَقَة إِلَى دُون.
قَالَ أَهْل اللُّغَة؛ الدُّون الرَّدِيء الْحَقِير.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ: وَلَا يُشْتَقّ مِنْهُ فِعْل.
قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول مِنْهُ: دَانَ يَدُون دُونًا وَأُدِينَ إِدَانَة.
2711- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَضَعِينَ ثِيَابك عِنْده» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَإِنَّك إِذَا وَضَعْت خِمَارك لَمْ يَرَك»، هَذِهِ الرِّوَايَة مُفَسَّرَة لِلْأُولَى وَمَعْنَاهُ لَا تَخَافِينَ مِنْ رُؤْيَة رَجُل إِلَيْك.
2712- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِك» هُوَ مِنْ التَّعْرِيض بِالْخِطْبَةِ وَهُوَ جَائِز فِي عِدَّة الْوَفَاة وَكَذَا عِدَّة الْبَائِن بِالثَّلَاثِ.
وَفيه قَوْل ضَعِيف فِي عِدَّة الْبَائِن وَالصَّوَاب الْأَوَّل لِهَذَا الْحَدِيث.
قَوْله: «كَتَبْت ذَلِكَ مِنْ فيها كِتَابًا» الْكِتَاب هُنَا مَصْدَر لِكَتَبْت.
2714- قَوْله: «فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَال فَأَذِنَ لَهَا» هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِي الِانْتِقَال لِعُذْرٍ وَهُوَ الْبَذَاءَة عَلَى أَحْمَائِهَا أَوْ خَوْفهَا أَنْ يَقْتَحِم عَلَيْهَا أَوْ نَحْو ذَلِكَ.
وَقَدْ سَبَقَتْ الْإِشَارَة إِلَى هَذَا فِي أَوَائِل هَذَا الْبَاب وَأَمَّا لِغَيْرِ حَاجَة فَلَا يَجُوز لَهَا الْخُرُوج وَالِانْتِقَال وَلَا يَجُوز نَقْلهَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتهنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة} قَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَائِشَة: الْمُرَاد بِالْفَاحِشَةِ هُنَا النُّشُوز وَسُوء الْخُلُق.
وَقِيلَ: هُوَ الْبَذَاءَة عَلَى أَهْل زَوْجهَا.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةِ الزِّنَا فَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدّ ثُمَّ تَرْجِع إِلَى الْمَسْكَن.
قَوْله: «سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاس عَلَيْهَا» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ: «بِالْعِصْمَةِ» بِكَسْرِ الْعَيْن وَفِي بَعْضهَا: «بِالْقَضِيَّةِ» بِالْقَافِ وَالضَّاد وَهَذَا وَاضِح وَمَعْنَى الْأَوَّل بِالثِّقَةِ وَالْأَمْر الْقَوِيّ الصَّحِيح.
2715- قَوْله: (وَمُجَالِد) هُوَ بِالْجِيمِ وَهُوَ ضَعِيف وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم هُنَا مُتَابَعَة وَالْمُتَابَعَة يَدْخُل فيها بَعْض الضُّعَفَاء.
قَوْلهَا: «إِنَّهُ طَلَّقَهَا زَوْجهَا الْبَتَّة قَالَتْ: فَخَاصَمْته إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ خَاصَمْت وَكِيله.
2716- قَوْله: «فَأَتْحَفَتْنَا بِرُطَبِ اِبْن طَاب وَسَقَتْنَا سَوِيق سُلْت» مَعْنَى (أَتْحَفَتْنَا) ضَيَّفَتْنَا (وَرُطَب اِبْن طَاب) نَوْع مِنْ الرُّطَب الَّذِي بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَنْوَاع تَمْر الْمَدِينَة مِائَة وَعِشْرُونَ نَوْعًا وَأَمَّا السُّلْت فَبِسِينٍ مُهْمَلَة مَضْمُومَة ثُمَّ لَام سَاكِنَة ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْق وَهُوَ حَبّ مُتَرَدِّد بَيْن الشَّعِير وَالْحِنْطَة قِيلَ طَبْعه طَبْع الشَّعِير فِي الْبُرُودَة وَلَوْنه قَرِيب مِنْ لَوْن الْحِنْطَة.
وَقِيلَ: عَكْسه. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي حُكْمه عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه مَشْهُورَة: الصَّحِيح أَنَّهُ جِنْس مِنْ الْحُبُوب لَيْسَ هُوَ الْحِنْطَة وَلَا شَعِير، وَالثَّانِي أَنَّهُ حِنْطَة، وَالثَّالِث أَنَّهُ شَعِير. وَتَظْهَر فَائِدَة الْخِلَاف فِي بَيْعه بِالْحِنْطَةِ أَوْ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا وَفِي ضَمّه إِلَيْهِمَا فِي إِتْمَام نِصَاب الزَّكَاة وَفِي غَيْر ذَلِكَ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب الضِّيَافَة وَاسْتِحْبَابهَا مِنْ النِّسَاء لِزُوَّارِهِنَّ مِنْ فُضَلَاء الرِّجَال، وَإِكْرَام الزَّائِر وَإِطْعَامه وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «سَأَلَتْهَا عَنْ الْمُطَلَّقَة ثَلَاثًا أَيْنَ تَعْتَدّ؟ قَالَتْ: طَلَّقَنِي بَعْلِي ثَلَاثًا فَأَذِنَ لِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَعْتَدّ فِي أَهْلِي» هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ أَجَازَ لَهَا ذَلِكَ لِعُذْرٍ فِي الِانْتِقَال مِنْ مَسْكَن الطَّلَاق كَمَا سَبَقَ إِيضَاحه قَرِيبًا.
2718- قَوْله: «فَقَالَ: اِنْتَقِلِي إِلَى بَيْت اِبْن عَمّك عَمْرو بْن أُمّ مَكْتُوم» هَكَذَا وَقَعَ هُنَا وَكَذَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب، وَزَادَ فَقَالَ: هُوَ رَجُل مِنْ بَنِي فِهْر مِنْ الْبَطْن الَّذِي هِيَ مِنْهُ.
قَالَ الْقَاضِي وَالْمَشْهُور خِلَاف هَذَا، وَلَيْسَ هُمَا مِنْ بَطْن وَاحِد هِيَ مِنْ بَنِي مُحَارِب بْن فِهْر وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِر بْن لُؤَيّ قُلْت: وَهُوَ اِبْن عَمّهَا مَجَازًا يَجْتَمِعَانِ فِي فِهْر. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة فِي اِسْم اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَقِيلَ: عَمْرو وَقِيلَ: عَبْد اللَّه وَقِيلَ: غَيْر ذَلِكَ.
2720- قَوْله: «عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي الْجَهْم بْن صُخَيْر» هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا (صُخَيْر) بِضَمِّ الصَّاد عَلَى التَّصْغِير وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض رُوَاتهمْ أَنَّهُ (صَخْر) بِفَتْحِهَا عَلَى التَّكْبِير وَالصَّوَاب الْمَشْهُور هُوَ الْأَوَّل.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا مُعَاوِيَة فَرَجُل تَرِب لَا مَال لَهُ» هُوَ بِفَتْحِ التَّاء وَكَسْر الرَّاء وَهُوَ الْفَقِير فَأَكَّدَهُ بِأَنَّهُ لَا مَال لَهُ لِأَنَّ الْفَقِير قَدْ يُطْلَق عَلَى مَنْ لَهُ شَيْء لَا يَقَع مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَته.
2721- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّهُ ضَرِير الْبَصَر تُلْقِي ثَوْبك عِنْده» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (تُلْقِي) وَهِيَ لُغَة صَحِيحَة وَالْمَشْهُور فِي اللُّغَة (تُلْقِينَ) بِالنُّونِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَبُو الْجُهَيْم مِنْهُ شِدَّة عَلَى النِّسَاء» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ فِي هَذَا الْمَوْضِع (أَبُو الْجُهَيْم) بِضَمِّ الْجِيم مُصَغَّر وَالْمَشْهُور أَنَّهُ بِفَتْحِهَا مُكَبَّر وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي بَاقِي الرِّوَايَات وَفِي كُتُب الْأَنْسَاب وَغَيْرهَا.
قَوْلهَا: «فَشَرَّفَنِي اللَّه بِأَبِي زَيْد وَكَرَّمَنِي بِأَبِي زَيْد» هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض النُّسَخ: «بِأَبِي زَيْد» فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى أَنَّهُ كُنْيَة وَفِي بَعْضهَا: «بِابْنِ زَيْد» بِالنُّونِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَنَّهَا رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ وَكِلَاهُمَا صَحِيح هُوَ أُسَامَة بْن زَيْد وَكُنْيَته أَبُو زَيْد وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْس فَوَائِد كَثِيرَة:
إِحْدَاهَا جَوَاز طَلَاق الْغَائِب، وَالثَّانِيَة جَوَاز التَّوْكِيل فِي الْحُقُوق فِي الْقَبْض وَالدَّفْع، الثَّالِثة لَا نَفَقَة لِلْبَائِنِ وَقَالَتْ طَائِفَة: لَا نَفَقَة وَلَا سُكْنَى، الرَّابِعَة جَوَاز سَمَاع كَلَام الْأَجْنَبِيَّة وَالْأَجْنَبِيّ فِي الِاسْتِفْتَاء وَنَحْوه، الْخَامِسَة جَوَاز الْخُرُوج مِنْ مَنْزِل الْعِدَّة لِلْحَاجَةِ، السَّادِسَة اِسْتِحْبَاب زِيَارَة النِّسَاء الصَّالِحَات لِلرِّجَالِ بِحَيْثُ لَا تَقَع خَلْوَة مُحَرَّمَة لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمّ شَرِيك: «تِلْكَ اِمْرَأَة يَغْشَاهَا أَصْحَابِي»، السَّابِعَة جَوَاز التَّعْرِيض لَخِطْبَة الْمُعْتَدَّة الْبَائِن بِالثَّلَاثِ، الثَّامِنَة جَوَاز الْخِطْبَة عَلَى خِطْبَة غَيْره إِذَا لَمْ يَحْصُل لِلْأَوَّلِ إِجَابَة لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَة وَأَبَا الْجَهْم وَغَيْرهمَا خَطَبُوهَا، التَّاسِعَة جَوَاز ذِكْر الْغَائِب بِمَا فيه مِنْ الْعُيُوب الَّتِي يَكْرَههَا إِذَا كَانَ لِلنَّصِيحَةِ وَلَا يَكُون حِينَئِذٍ غِيبَة مُحَرَّمَة، الْعَاشِرَة جَوَاز اِسْتِعْمَال الْمَجَاز لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه وَلَا مَال لَهُ»، الْحَادِيَة عَشْرَة اِسْتِحْبَاب إِرْشَاد الْإِنْسَان إِلَى مَصْلَحَته وَإِنْ كَرِهَهَا وَتَكْرَار ذَلِكَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهَا: قَالَ: «اِنْكِحِي أُسَامَة، فَكَرِهَتْهُ» ثُمَّ قَالَ: «اِنْكِحِي أُسَامَة فَنَكَحَتْهُ»، الثَّانِيَة عَشْرَة قَبُول نَصِيحَة أَهْل الْفَضْل وَالِانْقِيَاد إِلَى إِشَارَتهمْ وَأَنَّ عَاقِبَتهَا مَحْمُودَة، الثَّالِثَة عَشْرَة جَوَاز نِكَاح غَيْر الْكُفْء إِذَا رَضِيَتْ بِهِ الزَّوْجَة وَالْوَلِيّ لِأَنَّ فَاطِمَة قُرَشِيَّة وَأُسَامَة مَوْلًى، الرَّابِعَة عَشْرَة الْحِرْص عَلَى مُصَاحَبَة أَهْل التَّقْوَى وَالْفَضْل وَإِنْ دَنَتْ أَنْسَابهمْ، الْخَامِسَة عَشْرَة جَوَاز إِنْكَار الْمُفْتِي عَلَى مُفْتٍ آخَر خَالَفَ النَّصّ أَوْ عَمَّمَ مَا هُوَ خَالِص لِأَنَّ عَائِشَة أَنْكَرَتْ عَلَى فَاطِمَة بِنْت قَيْس تَعْمِيمهَا أَلَّا سُكْنَى لِلْمَبْتُوتَةِ وَإِنَّمَا كَانَ اِنْتِقَال فَاطِمَة مِنْ مَسْكَنهَا لِعُذْرٍ مِنْ خَوْف اِقْتِحَامه عَلَيْهَا أَوْ لِبَذَاءَتِهَا أَوْ نَحْو ذَلِكَ، السَّادِسَة عَشْرَة اِسْتِحْبَاب ضِيَافَة الزَّائِر وَإِكْرَامه بِطِيبِ الطَّعَام وَالشَّرَاب سَوَاء كَانَ الضَّيْف رَجُلًا أَوْ اِمْرَأَة وَاَللَّه أَعْلَم.