فصل: باب عُقُوبَةِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ يَفْعَلُهُ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَفْعَلُهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب فِي بَقِيَّةٍ مِنْ أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ:

5237- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَتْبَع الدَّجَّال مِنْ يَهُود أَصْبَهَان سَبْعُونَ أَلْفًا» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ بِبِلَادِنَا: (سَبْعُونَ) بِسِينٍ ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ.
قَالَ: وَفِي رِوَايَة اِبْن مَاهَان: «تِسْعُونَ أَلْفًا» بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة قَبْل السِّين، وَالصَّحِيح الْمَشْهُور الْأَوَّل، وَأَصْبَهَان بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْرهَا وَبِالْبَاءِ وَالْفَاء.
5239- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْن خَلْق آدَم إِلَى قِيَام السَّاعَة خَلْق أَكْبَر مِنْ الدَّجَّال» الْمُرَاد أَكْبَر فِتْنَة وَأَعْظَم شَوْكَة.
5240- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا. طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا، أَوْ الدَّجَّال، أَوْ الدُّخَان، أَوْ الدَّابَّة، أَوْ خَاصَّة أَحَدكُمْ، أَوْ أَمْر الْعَامَّة» وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة (الدَّجَّال، وَالدُّخَان إِلَى قَوْله: وَخُوَيْصَة أَحَدكُمْ) فَذَكَرَ السِّتَّة فِي الرِّوَايَة الْأُولَى مَعْطُوفَة بِأَوْ الَّتِي هِيَ لِلتَّقْسِيمِ، وَفِي الثَّانِيَة بِالْوَاوِ.
قَالَ هِشَام: خَاصَّة أَحَدكُمْ الْمَوْت، وَخُوَيْصَة تَصْغِير خَاصَّة.
وَقَالَ قَتَادَة: أَمْر الْعَامَّة الْقِيَامَة، كَذَا ذَكَرَهُ عَنْهُمَا عَبْد بْن حُمَيْدٍ.
5241- قَوْله: (أُمَيَّة بْن بِسْطَام الْعَيْشِيّ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة.
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْضهمْ: صَوَابه (الْعَاشِي) بِالْأَلِفِ مَنْسُوب إِلَى بَنِي عَاش بْن تَيْم اللَّه بْن عِكَابَة، وَلَكِنْ ذَكَرَهُ عَبْد الْغَنِيّ وَابْن مَاكُولَا وَسَائِر الْحُفَّاظ، وَهُوَ الْمَوْجُود فِي مُسْلِم وَسَائِر كُتُب الْحَدِيث: (الْعَيْشِيّ)، وَلَعَلَّهُ عَلَى مَذْهَب مَنْ يَقُول مِنْ الْعَرَب فِي عَائِشَة عِيشَة.
قَالَ عَلِيّ بْن حَمْزَة: هِيَ لُغَة صَحِيحَة جَاءَتْ فِي الْكَلَام الْفَصِيح. قُلْت: وَقَدْ حَكَى هَذِهِ اللُّغَة أَيْضًا ثَعْلَب عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ.
وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ بِسْطَام بِكَسْرِ الْبَاء وَفَتْحهَا، وَأَنَّهُ يَجُوز فيه الصَّرْف وَتَرْكه.
قَوْله: (عَنْ زِيَاد بْن رِيَاح) هُوَ بِكَسْرِ الرَّاء وَبِالْمُثَنَّاةِ، هَكَذَا قَالَ عَبْد الْغَنِيّ الْمِصْرِيّ وَالْجُمْهُور، وَحَكَى الْبُخَارِيّ وَغَيْره فَتْح الْمُثَنَّاة وَالْمُوَحَّدَة مَعَ فَتْح الرَّاء.

.باب فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِي الْهَرْجِ:

5242- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِبَادَة فِي الْهَرْج كَهِجْرَةِ إِلَيَّ» الْمُرَاد بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَة وَاخْتِلَاط أُمُور النَّاس. وَسَبَب كَثْرَة فَضْل الْعِبَادَة فيه أَنَّ النَّاس يَغْفُلُونَ عَنْهَا، وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا، وَلَا يَتَفَرَّغ لَهَا إِلَّا أَفْرَاد.

.باب قُرْبِ السَّاعَةِ:

5244- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَة هَكَذَا» وَفِي رِوَايَة: «كَهَاتَيْنِ، وَضَمَّ السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى»، وَفِي رِوَايَة: «قَرَنَ بَيْنهمَا».
قَالَ قَتَادَة: كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. رُوِيَ بِنَصْبِ السَّاعَة وَرَفْعهَا.
وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَقِيلَ: الْمُرَاد بَيْنهمَا شَيْء يَسِير كَمَا بَيْن الْأُصْبُعَيْنِ فِي الطُّول، وَقِيلَ، هُوَ إِشَارَة إِلَى قُرْب الْمُجَاوَزَة.
5248- قَوْله: «سَأَلُوهُ عَنْ السَّاعَة مَتَى هِيَ؟ فَنَظَرَ إِلَى أَحْدَث إِنْسَان مِنْهُمْ فَقَالَ: إِنْ يَعِشْ هَذَا لَمْ يُدْرِكهُ الْهَرَم قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتكُمْ» وَفِي رِوَايَة: «إِنْ يَعِشْ هَذَا الْغُلَام فَعَسَى أَلَّا يُدْرِكهُ الْهَرَم حَتَّى تَقُوم السَّاعَة» وَفِي رِوَايَة: «إِنَّ عُمَر هَذَا لَمْ يُدْرِكهُ الْهَرَم حَتَّى تَقُوم السَّاعَة» وَفِي رِوَايَة: «إِنْ يُؤَخَّر هَذَا» قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَات كُلّهَا مَحْمُولَة عَلَى مَعْنَى الْأَوَّل، وَالْمُرَاد (بِسَاعَتِكُمْ) مَوْتهمْ، وَمَعْنَاهُ يَمُوت ذَلِكَ الْقَرْن، أَوْ أُولَئِكَ الْمُخَاطَبُونَ.
قُلْت وَيُحْتَمَل أَنَّهُ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْغُلَام لَا يَبْلُغ الْهَرَم، وَلَا يُعَمَّر، وَلَا يُؤَخَّر.
5252- قَوْله: «وَالرَّجُل يَلِط فِي حَوْضه» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر اللَّام وَتَخْفِيف الطَّاء، وَفِي بَعْضهَا (يَلِيط) بِزِيَادَةِ يَاء، وَفِي بَعْضهَا، (يَلُوط)، وَمَعْنَى الْجَمِيع وَاحِد، وَهُوَ أَنَّهُ يُطَيِّنهُ وَيُصْلِحهُ.

.باب مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ:

5253- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْن النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ: أَبَيْت... إِلَى آخِره» مَعْنَاهُ أَبَيْت أَنْ أَجْزِم أَنَّ الْمُرَاد أَرْبَعُونَ يَوْمًا، أَوْ سَنَة، أَوْ شَهْرًا، بَلْ الَّذِي أَجْزِم بِهِ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ مُجْمَلَة، وَقَدْ جَاءَتْ مُفَسَّرَة مِنْ رِوَايَة غَيْره فِي غَيْر مُسْلِم أَرْبَعُونَ سَنَة.
قَوْله: (عَجْب الذَّنَب) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن وَإِسْكَان الْجِيم أَيْ الْعَظْم اللَّطِيف الَّذِي فِي أَسْفَل الصُّلْب، وَهُوَ رَأْس الْعُصْعُص، وَيُقَال لَهُ (عَجْم) بِالْمِيمِ، وَهُوَ أَوَّل مَا يُخْلَق مِنْ الْآدَمِيّ، وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى مِنْهُ لِيُعَادَ تَرْكِيب الْخَلْق عَلَيْهِ.
5254- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّ اِبْن آدَم يَأْكُلهُ التُّرَاب إِلَّا عَجْب الذَّنَب» هَذَا مَخْصُوص، فَيُخَصّ مِنْهُ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَى الْأَرْض أَجْسَادهمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيث.

.كتاب الزهد والرقائق:

.باب قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْن الْمُؤْمِن وَجَنَّة الْكَافِر»:

5256- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْن الْمُؤْمِن وَجَنَّة الْكَافِر» مَعْنَاهُ أَنَّ كُلّ مُؤْمِن مَسْجُون مَمْنُوع فِي الدُّنْيَا مِنْ الشَّهَوَات الْمُحَرَّمَة وَالْمَكْرُوهَة، مُكَلَّف بِفِعْلِ الطَّاعَات الشَّاقَّة، فَإِذَا مَاتَ اِسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا، وَانْقَلَبَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّه تَعَالَى لَهُ مِنْ النَّعِيم الدَّائِم، وَالرَّاحَة الْخَالِصَة مِنْ النُّقْصَان.
وَأَمَّا الْكَافِر فَإِنَّمَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَصَّلَ فِي الدُّنْيَا مَعَ قِلَّته وَتَكْدِيره بِالْمُنَغِّصَاتِ، فَإِذَا مَاتَ صَارَ إِلَى الْعَذَاب الدَّائِم، وَشَقَاء الْأَبَد.
5257- قَوْله: «وَالنَّاس كَنَفَته» وَفِي بَعْض النُّسَخ (كَنَفَتَيْهِ). مَعْنَى الْأَوَّل جَانِبه، وَالثَّانِي جَانِبَيْهِ.
قَوْله: «جَدْي أَسَكّ» أَيْ صَغِير الْأُذُنَيْنِ.
قَوْله: (اِبْن عَرْعَرَة السَّاعِي) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة، وَعَرْعَرَة بِعَيْنَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ.
5259- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ وَلِمُعْظَمِ الرُّوَاة: (فَاقْتَنَى) بِالتَّاءِ، وَمَعْنَاهَا اِدَّخَرَهُ لِآخِرَتِهِ، أَيْ اِدَّخَرَ ثَوَابه وَفِي بَعْضهَا فَأَقْنَى بِحَذْفِ التَّاء أَيْ أَرْضَى.
5262- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِس وَالرُّوم أَيّ قَوْم أَنْتُمْ؟ قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف نَقُول كَمَا أَمَرَنَا اللَّه» مَعْنَاهُ نَحْمَدهُ وَنَشْكُرهُ وَنَسْأَلهُ الْمَزِيد مِنْ فَضْله.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ، أَيْ نَحْو ذَلِكَ، ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِين الْمُهَاجِرِينَ، فَتَجْعَلُونَ بَعْضهمْ عَلَى رِقَاب بَعْض» قَالَ الْعُلَمَاء: التَّنَافُس إِلَى الشَّيْء الْمُسَابَقَة إِلَيْهِ، وَكَرَاهَة أَخْذ غَيْرك إِيَّاهُ، وَهُوَ أَوَّل دَرَجَات الْحَسَد.
وَأَمَّا الْحَسَد فَهُوَ تَمَّنِي زَوَال النِّعْمَة عَنْ صَاحِبهَا. وَالتَّدَابُر التَّقَاطُع وَقَدْ بَقِيَ مَعَ التَّدَابُر شَيْء مِنْ الْمَوَدَّة، أَوْ لَا يَكُون مَوَدَّة وَبُغْض.
وَأَمَّا (التَّبَاغُض) فَهُوَ بَعْد هَذَا، وَلِهَذَا رُتِّبَتْ فِي الْحَدِيث، ثُمَّ يَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِين الْمُهَاجِرِينَ أَيْ ضُعَفَائِهِمْ، فَيَجْعَلُونَ بَعْضهمْ أُمَرَاء عَلَى بَعْض. هَكَذَا فَسَّرُوهُ.
5264- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اُنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَل مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقكُمْ، فَهُوَ أَجْدَر أَلَّا تَزْدَرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ» مَعْنَى (أَجْدَر) أَحَقّ، و(تَزْدَرُوا) تُحَقِّرُوا.
قَالَ اِبْن جَرِير وَغَيْره: هَذَا حَدِيث جَامِع لِأَنْوَاعٍ مِنْ الْخَيْر؛ لِأَنَّ الْإِنْسَان إِذَا رَأَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا طَلَبَتْ نَفْسه مِثْل ذَلِكَ، وَاسْتَصْغَرَ مَا عِنْده مِنْ نِعْمَة اللَّه تَعَالَى، وَحَرَصَ عَلَى الِازْدِيَاد لِيَلْحَق بِذَلِكَ أَوْ يُقَارِبهُ. هَذَا هُوَ الْمَوْجُود فِي غَالِب النَّاس.
وَأَمَّا إِذَا نَظَرَ فِي أُمُور الدُّنْيَا إِلَى مَنْ هُوَ دُونه فيها ظَهَرَتْ لَهُ نِعْمَة اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ، فَشَكَرَهَا، وَتَوَاضَعَ، وَفَعَلَ فيه الْخَيْر.
5265- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْتَلِيهِمْ» وَفِي بَعْض النُّسَخ (يُبْلِيهُمْ) بِإِسْقَاطِ الْمُثَنَّاة فَوْق، وَمَعْنَاهُمَا الِاخْتِبَار. وَالنَّاقَة الْعُشَرَاء الْحَامِل الْقَرِيبَة الْوِلَادَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَاة وَالِدًا» أَيْ وَضَعَتْ وَلَدهَا هُوَ مَعَهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا» هَكَذَا الرِّوَايَة (فَأُنْتِجَ) رُبَاعِيّ، وَهِيَ لُغَة قَلِيلَة الِاسْتِعْمَال، وَالْمَشْهُور (نَتَجَ) ثَلَاثِي، وَمِمَّنْ حَكَى اللُّغَتَيْنِ الْأَخْفَش، وَمَعْنَاهُ تَوَلَّى الْوِلَادَة وَهِيَ النَّتْج وَالْإِنْتَاج.
وَمَعْنَى وَلَّدَ هَذَا بِتَشْدِيدِ اللَّام مَعْنَى أَنْتَجَ، وَالنَّاتِج لِلْإِبِلِ، وَالْمُوَلِّد لِلْغَنَمِ وَغَيْرهَا هُوَ كَالْقَابِلَةِ لِلنِّسَاءِ.
قَوْله: «اِنْقَطَعَتْ بِي الْحِبَال» هُوَ بِالْحَاءِ، وَهِيَ الْأَسْبَاب، وَقِيلَ: الطُّرُق وَفِي بَعْض نُسَخ الْبُخَارِيّ: «الْجِبَال» بِالْجِيمِ، وَرُوِيَ: «الْحِيَل» جَمْع حِيلَة، وَكُلّ صَحِيح.
قَوْله: «وَرِثْت هَذَا الْمَال كَابِرًا عَنْ كَابِر» أَيْ وَرِثْته عَنْ آبَائِي الَّذِينَ وَرِثُوهُ مِنْ أَجْدَادِي الَّذِينَ وَرِثُوهُ مِنْ آبَائِهِمْ كَبِيرًا عَنْ كَبِير فِي الْعِزّ وَالشَّرَف وَالثَّرْوَة.
قَوْله: «فَوَاَللَّهِ لَا أَجْهَدَك الْيَوْم شَيْئًا أَخَذْته لِلَّهِ تَعَالَى» هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْجُمْهُور، (أَجْهَدَك) بِالْجِيمِ وَالْهَاء، وَفِي رِوَايَة: اِبْن مَاهَان (أَحْمَدك) بِالْحَاءِ وَالْمِيم، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ بِالْوَجْهَيْنِ، لَكِنْ الْأَشْهَر فِي مُسْلِم بِالْجِيمِ، وَفِي الْبُخَارِيّ بِالْحَاءِ، وَمَعْنَى الْجِيم لَا أَشُقّ عَلَيْك بِرَدِّ شَيْء تَأْخُذهُ أَوْ تَطْلُبهُ مِنْ مَالِي، وَالْجَهْد الْمَشَقَّة. وَمَعْنَاهُ بِالْحَاءِ لَا أَحْمَدك بِتَرْكِ شَيْء تَحْتَاج إِلَيْهِ أَوْ تُرِيدهُ، فَتَكُون لَفْظَة التَّرْك مَحْذُوفَة مُرَادَة كَمَا قَالَ الشَّاعِر: «لَيْسَ عَلَى طُول الْحَيَاة نَدَم» أَيْ فَوَات طُول الْحَيَاة.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث الْحَثّ عَلَى الرِّفْق بِالضُّعَفَاءِ وَإِكْرَامهمْ وَتَبْلِيغهمْ مَا يَطْلُبُونَ مِمَّا يُمْكِن، وَالْحَذَر مِنْ كَسْر قُلُوبهمْ وَاحْتِقَارهمْ.
وَفيه التَّحَدُّث بِنِعْمَةِ اللَّه تَعَالَى، وَذَمّ جَحْدهَا. وَاَللَّه أَعْلَم.
5266- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْعَبْد التَّقِيّ الْغَنِيّ الْخَفِيّ» الْمُرَاد بِالْغِنَى غِنَى النَّفْس، هَذَا هُوَ الْغِنَى الْمَحْبُوب لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْس» وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّ الْمُرَاد الْغِنَى بِالْمَالِ.
وَأَمَّا (الْخَفِيّ) فَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، هَذَا هُوَ الْمَوْجُود فِي النُّسَخ، وَالْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَات، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ بَعْض رُوَاة مُسْلِم رَوَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ، فَمَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ الْخَامِل الْمُنْقَطِع إِلَى الْعِبَادَة وَالِاشْتِغَال بِأُمُورِ نَفْسه، وَمَعْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ الْوُصُول لِلرَّحِمِ، اللَّطِيف بِهِمْ وَبِغَيْرِهِمْ مِنْ الضُّعَفَاء، وَالصَّحِيح بِالْمُعْجَمَةِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث حُجَّة لِمَنْ يَقُول: الِاعْتِزَال أَفْضَل مِنْ الِاخْتِلَاط، وَفِي الْمَسْأَلَة خِلَاف سَبَقَ بَيَانه مَرَّات. وَمَنْ قَالَ بِالتَّفْضِيلِ لِلِاخْتِلَاطِ قَدْ يُتَأَوَّل هَذَا عَلَى الِاعْتِزَال وَقْت الْفِتْنَة وَنَحْوهَا.
5267- قَوْله: «وَاَللَّه إِنِّي لَأَوَّل رَجُل مِنْ الْعَرَب رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى» فيه مَنْقَبَة ظَاهِرَة لَهُ، وَجَوَاز مَدْح الْإِنْسَان نَفْسه عِنْد الْحَاجَة، وَقَدْ سَبَقَتْ نَظَائِره وَشَرْحهَا.
قَوْله: «مَا لَنَا طَعَام نَأْكُلهُ إِلَّا وَرَق الْحُبْلَة وَهَذَا السَّمُر» (الْحُبْلَة) بِضَمِّ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الْمُوَحَّدَة. و(السَّمُر) بِفَتْحِ السِّين وَضَمّ الْمِيم وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ شَجَر الْبَادِيَة، كَذَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْد وَآخَرُونَ، وَقِيلَ: الْحُبْلَة ثَمَر الْعِضَاة، وَهَذَا يَظْهَر عَلَى رِوَايَة الْبُخَارِيّ: «إِلَّا الْحُبْلَة وَوَرَق السَّمُر». وَفِي هَذَا بَيَان مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الزُّهْد فِي الدُّنْيَا، وَالتَّقَلُّل مِنْهَا، وَالصَّبْر فِي طَاعَة اللَّه تَعَالَى عَلَى الْمَشَاقّ الشَّدِيدَة.
قَوْله: «ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَد تُعَزِّرنِي عَلَى الدِّين» قَالُوا: الْمُرَاد بِبَنِي أَسَد بَنُو الزُّبَيْر بْن الْعَوَامّ بْن خُوَيْلِد بْن أَسَد بْن عَبْد الْعُزَّى قَالَ الْهَرَوِيُّ: مَعْنَى (تُعَزِّرنِي) تُوقِفنِي، وَالتَّعْزِير التَّوْقِيف عَلَى الْأَحْكَام وَالْفَرَائِض.
وَقَالَ اِبْن جَرِير: مَعْنَاهُ تُقَوِّمنِي وَتُعَلِّمنِي، وَمِنْهُ تَعْزِير السُّلْطَان، وَهُوَ تَقْوِيمه بِالتَّأْدِيبِ.
وَقَالَ الْجَرْمِيّ مَعْنَاهُ اللَّوْم وَالْعُتْب، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تُوَبِّخنِي عَلَى التَّقْصِير فيه.
5268- قَوْله: «إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْم، وَوَلَّتْ حَذَّاء، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَة كَصُبَابَةِ الْإِنَاء يَتَصَابُّهَا صَاحِبهَا» أَمَّا (آذَنَتْ) فَبِهَمْزَةٍ مَمْدُودَة وَفَتْح الذَّال أَيْ أَعْلَمَتْ. و(الصُّرْم) بِالضَّمِّ أَيْ الِانْقِطَاع وَالذَّهَاب.
وَقَوْله (حَذَّاء) بِحَاءٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة ثُمَّ ذَال مُعْجَمَة مُشَدَّدَة وَأَلِف مَمْدُودَة أَيْ مُسْرِعَة الِانْقِطَاع. و(الصُّبَابَة) بِضَمِّ الصَّاد الْبَقِيَّة الْيَسِيرَة مِنْ الشَّرَاب تَبْقَى فِي أَسْفَل الْإِنَاء، وَقَوْله: «يَتَصَابُّهَا» أَيْ يَشْرَبهَا. وَقَعْر الشَّيْء أَسْفَله. وَالْكَظِيظ الْمُمْتَلِئ.
قَوْله: «قَرِحَتْ أَشْدَاقنَا» أَيْ صَارَ فيها قُرُوح وَجِرَاح مِنْ خُشُونَة الْوَرَق الَّذِي نَأْكُلهُ وَحَرَارَته.
5270- قَوْله: «هَلْ نَرَى رَبّنَا»؟ قَدْ سَبَقَ شَرْح الرِّوَايَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا فِي كِتَاب الْإِيمَان.
قَوْله: صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَقُول: أَيْ فُلْ» هُوَ بِضَمِّ الْفَاء وَإِسْكَان اللَّام، وَمَعْنَاهُ يَا فُلَان، وَهُوَ تَرْخِيم عَلَى خِلَاف الْقِيَاس، وَقِيلَ: هِيَ لُغَة بِمَعْنَى فُلَان حَكَاهَا الْقَاضِي.
وَمَعْنَى: «أُسَوِّدك» أَجْعَلك سَيِّدًا عَلَى غَيْرك.
قَوْله تَعَالَى: «وَأَذْرَك تَرْأَس وَتَرْبَع» أَمَّا: «تَرْأَس» فَبِفَتْحِ التَّاء وَإِسْكَان الرَّاء وَبَعْدهَا هَمْزَة مَفْتُوحَة، وَمَعْنَاهُ رَئِيس الْقَوْم وَكَبِيرهمْ.
وَأَمَّا: «تَرْبَع» فَبِفَتْحِ التَّاء وَالْبَاء الْمُوَحَّدَة هَكَذَا رُوَاة الْجُمْهُور، وَفِي رِوَايَة اِبْن مَاهَان: «تَرْتَع» بِمُثَنَّاةٍ فَوْق بَعْد الرَّاء، وَمَعْنَاهُ بِالْمُوَحَّدَةِ تَأْخُذ الْمِرْبَاع الَّذِي كَانَتْ مُلُوك الْجَاهِلِيَّة تَأْخُذهُ مِنْ الْغَنِيمَة، وَهُوَ رُبْعهَا، يُقَال: رَبَعْتهمْ أَيْ أَخَذْت رُبْع أَمْوَالهمْ، وَمَعْنَاهُ أَلَمْ أَجْعَلك رَئِيسًا مُطَاعًا.
وَقَالَ الْقَاضِي بَعْد حِكَايَته نَحْو مَا ذَكَرْته عِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ تَرَكْتُك مُسْتَرِيحًا لَا تَحْتَاج إِلَى مَشَقَّة وَتَعَب مِنْ قَوْلهمْ: أَرْبِعْ عَلَى نَفْسك أَيْ اُرْفُقْ بِهَا. وَمَعْنَاهُ بِالْمُثَنَّاةِ تَتَنَعَّم، وَقِيلَ: تَأْكُل، وَقِيلَ: تَلْهُو، وَقِيلَ: تَعِيش فِي سَعَة.
قَوْله تَعَالَى: «فَإِنِّي أَنْسَاك كَمَا نَسِيتنِي» أَيْ أَمْنَعك الرَّحْمَة كَمَا اِمْتَنَعْت مِنْ طَاعَتِي.
قَوْله: «فَيَقُول: هَاهُنَا إِذَا» مَعْنَاهُ قِفْ هَاهُنَا حَتَّى يَشْهَد عَلَيْك جَوَارِحك إِذْ قَدْ صِرْت مُنْكِرًا.
5271- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيُقَال لِأَرْكَانِهِ» أَيْ لِجَوَارِحِهِ.
وَقَوْله: «كُنْت أُنَاضِل» أَيْ أُدَافِع وَأُجَادِل.
5272- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اِجْعَلْ رِزْق آل مُحَمَّد قُوتًا» قِيلَ: كِفَايَتهمْ مِنْ غَيْر إِسْرَاف، وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «كَفَافًا»، وَقِيلَ: هُوَ سَدّ الرَّمَق.
5280- قَوْله: (حَدَّثَنَا عَمْرو النَّاقِد حَدَّثَنَا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان وَيَحْيَى بْن يَمَان حَدَّثَنَا هِشَام) مَعْنَى هَذَا الْكَلَام أَنَّ عَمْرًا النَّاقِد يَرْوِي هَذَا الْحَدِيث عَنْ عَبْدَة وَيَحْيَى بْن يَمَان، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَام.
5281- قَوْله: «شَطْر شَعِير فِي رَفّ» الرَّفّ بِفَتْحِ الرَّاء مَعْرُوف، وَالشَّطْر هُنَا مَعْنَاهُ شَيْء مِنْ شَعِير، كَذَا فَسَّرَهُ التِّرْمِذِيّ.
وَقَالَ الْقَاضِي: قَالَ اِبْن أَبِي حَازِم: مَعْنَاهُ نِصْف وَسْق.
قَالَ الْقَاضِي: وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْبَرَكَة أَكْثَر مَا تَكُون فِي الْمَجْهُولَات وَالْمُبْهَمَات.
وَأَمَّا الْحَدِيث الْآخَر: «كِيلُوا طَعَامكُمْ يُبَارَك لَكُمْ فيه» فَقَالُوا: الْمُرَاد أَنْ يَكِيلهُ مِنْهُ لِأَجْلِ إِخْرَاج النَّفَقَة مِنْهُ، بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى الْبَاقِي مَجْهُولًا، وَيَكِيل مَا يُخْرِجهُ لِئَلَّا يَخْرُج أَكْثَر مِنْ الْحَاجَة أَوْ أَقَلّ.
5282- قَوْله: «فَمَا كَانَ يُعَيِّشكُمْ»؟
هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْر الْيَاء الْمُشَدَّدَة، وَفِي بَعْض النُّسَخ الْمُعْتَمَدَة: «فَمَا كَانَ يُقِيتكُمْ»؟
5284- قَوْلهَا: «حِين شَبِعَ النَّاس مِنْ التَّمْر وَالْمَاء» الْمُرَاد حِين شَبِعُوا مِنْ التَّمْر، وَإِلَّا فَمَا زَالُوا شِبَاعًا مِنْ الْمَاء.
5288- قَوْله: «مَا يَجِد مِنْ الدَّقَل» هُوَ بِفَتْحِ الدَّال وَالْقَاف، وَهُوَ تَمْر رَدِيء.
5291- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعِينَ خَرِيفًا» أَيْ أَرْبَعِينَ سَنَة.

.باب لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ:

5292- قَوْله: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِ الْحِجْر: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ؛ أَنْ يُصِيبكُمْ مِثْل مَا أَصَابَهُمْ» فَقَوْله: «قَالَ لِأَصْحَابِ الْحِجْر»: أَيْ قَالَ فِي شَأْنهمْ، وَكَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك. وقَوْله: «أَنْ يُصِيبكُمْ» بِفَتْحِ الْهَمْزَة أَيْ خَشْيَة أَنْ يُصِيبكُمْ، أَوْ حَذَر أَنْ يُصِيبكُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة.
وَفيه الْحَثّ عَلَى الْمُرَاقَبَة عِنْد الْمُرُور بِدِيَارِ الظَّالِمِينَ، وَمَوَاضِع الْعَذَاب، وَمِثْله الْإِسْرَاع فِي وَادِي مُحَسِّر لِأَنَّ أَصْحَاب الْفِيل هَلَكُوا هُنَاكَ، فَيَنْبَغِي لِلْمَارِّ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَوَاضِع الْمُرَاقَبَة وَالْخَوْف وَالْبُكَاء، وَالِاعْتِبَار بِهِمْ وَبِمَصَارِعِهِمْ، وَأَنْ يَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
5293- قَوْله: «ثُمَّ زَجَرَ فَأَسْرَعَ حَتَّى خَلَّفَهَا» أَيْ زَجَرَ نَاقَته، فَحَذَفَ ذِكْر النَّاقَة لِلْعِلْمِ بِهِ، وَمَعْنَاهُ سَاقَهَا سَوْقًا كَثِيرًا حَتَّى خَلَّفَهَا، وَهُوَ بِتَشْدِيدِ اللَّام أَيْ جَاوَزَ الْمَسَاكِن.
5294- قَوْله: «فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارهَا، وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِين، فَأَمَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اِسْتَقَوْا، وَيَعْلِفُوا الْإِبِل الْعَجِين، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْر الَّتِي كَانَتْ هُنَاكَ تَرِدهَا النَّاقَة» وَفِي رِوَايَة: «فَاسْتَقُوا مِنْ بِئَارهَا».
أَمَّا الْأَبْئَار فَبِإِسْكَانِ الْبَاء وَبَعْدهَا هَمْزَة جَمْع بِئْر كَحِمْلٍ وَأَحْمَال، وَيَجُوز قَلْبه فَيُقَال آبَار بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَة وَفَتْح الْبَاء، وَهُوَ جَمْع قِلَّة. وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: (بِئَارهَا) بِكَسْرِ الْبَاء وَبَعْدهَا هَمْزَة، وَهُوَ جَمْع كَثْرَة.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا النَّهْي عَنْ اِسْتِعْمَال مِيَاه بِئَار الْحِجْر إِلَّا بِئْر النَّاقَة.
وَمِنْهَا لَوْ عَجَنَ مِنْهُ عَجِينًا لَمْ يَأْكُلهُ بَلْ يَعْلِفهُ الدَّوَابّ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوز عَلْف الدَّابَّة طَعَامًا مَعَ مَنْع الْآدَمِيّ مِنْ أَكْله.
وَمِنْهَا مُجَانَبَة آبَار الظَّالِمِينَ وَالتَّبَرُّك بِآبَارِ الصَّالِحِينَ.

.باب الإِحْسَانِ إِلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ:

5295- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَة وَالْمِسْكِين كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيل اللَّه» الْمُرَاد بِالسَّاعِي الْكَاسِب لَهُمَا: الْعَامِل لِمَئُونَتِهِمَا. وَالْأَرْمَلَة مَنْ لَا زَوْج لَهَا، سَوَاء كَانَتْ تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي فَارَقَتْ زَوْجهَا.
قَالَ اِبْن قُتَيْبَة: سُمِّيَتْ أَرْمَلَة لِمَا يَحْصُل لَهَا مِنْ الْإِرْمَال، وَهُوَ الْفَقْر وَذَهَاب الزَّاد بِفَقْدِ الزَّوْج، يُقَال أَرْمَلَ الرَّجُل إِذَا فَنِيَ زَاده.
5296- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَافِل الْيَتِيم لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّة» «كَافِل الْيَتِيم» الْقَائِم بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَة وَكِسْوَة وَتَأْدِيب وَتَرْبِيَة وَغَيْر ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْفَضِيلَة تَحْصُل لِمَنْ كَفَلَهُ مِنْ مَال نَفْسه، أَوْ مِنْ مَال الْيَتِيم بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّة.
وَأَمَّا قَوْله: «لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ» فَاَلَّذِي لَهُ أَنْ يَكُون قَرِيبًا لَهُ كَجَدِّهِ وَأُمّه وَجَدَّته وَأَخِيهِ وَأُخْته وَعَمّه وَخَاله وَعَمَّته وَخَالَته وَغَيْرهمْ مِنْ أَقَارِبه، وَاَلَّذِي لِغَيْرِهِ أَنْ يَكُون أَجْنَبِيًّا.

.باب فَضْلِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ:

5297- قَوْله: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّه لَهُ مِثْله فِي الْجَنَّة» يُحْتَمَل مِثْله فِي الْقَدْر وَالْمِسَاحَة، وَلَكِنَّهُ أَنْفَس مِنْهُ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَة، وَيُحْتَمَل مِثْله فِي مُسَمَّى الْبَيْت، وَإِنْ كَانَ أَكْبَر مِسَاحَة وَأَشْرَف.

.باب الصَّدَقَةِ فِي الْمَسَاكِينِ:

5299- قَوْله: «اِسْقِ حَدِيقَة فُلَان» الْحَدِيقَة الْقِطْعَة مِنْ النَّخِيل، وَيُطْلَق عَلَى الْأَرْض ذَات الشَّجَر.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَاب، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّة، فَإِذَا شَرْجَة مِنْ تِلْك الشِّرَاج» مَعْنَى تَنَحَّى قَصَدَ، يُقَال: تَنَحَّيْت الشَّيْء وَانْتَحَيْته وَنَحَوْته إِذَا قَصَدْته، وَمِنْهُ سُمِّيَ عِلْم النَّحْو لِأَنَّهُ قَصْد كَلَام الْعَرَب.
وَأَمَّا الْحَرَّة بِفَتْحِ الْحَاء فَهِيَ أَرْض مُلَبَّسَة حِجَارَة سُودًا. وَالشَّرْجَة بِفَتْحِ الشِّين الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الرَّاء، وَجَمْعهَا شِرَاج بِكَسْرِ الشِّين، وَهِيَ مَسَائِل الْمَاء فِي الْحِرَار.
وَفِي الْحَدِيث فَضْل الصَّدَقَة وَالْإِحْسَان إِلَى الْمَسَاكِين وَأَبْنَاء السَّبِيل، وَفَضْل أَكْل الْإِنْسَان مِنْ كَسْبه، وَالْإِنْفَاق عَلَى الْعِيَال.

.باب مَنْ أَشْرَكَ فِي عَمَلِهِ غَيْرَ اللَّهِ:

5300- قَوْله تَعَالَى: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاء عَنْ الشِّرْك، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فيه غَيْرِي تَرَكْته وَشِرْكه» هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول: (وَشِرْكه)، وَفِي بَعْضهَا (وَشَرِيكه)، وَفِي بَعْضهَا: (وَشَرِكَته). وَمَعْنَاهُ أَنَا غَنِيّ عَنْ الْمُشَارَكَة وَغَيْرهَا، فَمَنْ عَمِلَ شَيْئًا لِي وَلِغَيْرِي لَمْ أَقْبَلهُ، بَلْ أَتْرُكهُ لِذَلِكَ الْغَيْر. وَالْمُرَاد أَنَّ عَمَل الْمُرَائِي بَاطِل لَا ثَوَاب فيه، وَيَأْثَم بِهِ.
5301- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّه بِهِ، وَمَنْ رَايَا رَايَا اللَّه بِهِ» قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ مَنْ رَايَا بِعَمَلِهِ، وَسَمَّعَهُ النَّاس لِيُكْرِمُوهُ وَيُعَظِّمُوهُ وَيَعْتَقِدُوا خَيْره سَمَّعَ اللَّه بِهِ يَوْم الْقِيَامَة النَّاس، وَفَضَحَهُ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَنْ سَمَّعَ بِعُيُوبِهِ، وَأَذَاعَهَا، أَظْهَرَ اللَّه عُيُوبه، وَقِيلَ: أَسْمَعَهُ الْمَكْرُوه، وَقِيلَ: أَرَاهُ اللَّه ثَوَاب ذَلِكَ مِنْ غَيْر أَنْ يُعْطِيه إِيَّاهُ لِيَكُونَ حَسْرَة عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ النَّاس أَسْمَعَهُ اللَّه النَّاس، وَكَانَ ذَلِكَ حَظّه مِنْهُ.
5302- قَوْله: (سَمِعْت جُنْدُبًا الْعَلَقِيّ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَاللَّام وَبِالْقَافِ مَنْسُوب إِلَى الْعَلَقَة بَطْن مِنْ بَجِيلَة، سَبَقَ بَيَانه فِي كِتَاب الصَّلَاة.

.باب التَّكَلُّمِ بِالْكَلِمَةِ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ:

5304- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّن مَا فيها يُهْوَى بِهَا فِي النَّار» مَعْنَاهُ لَا يَتَدَبَّرهَا وَيُفَكِّر فِي قُبْحهَا، وَلَا يَخَاف مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا، وَهَذَا كَالْكَلِمَةِ عِنْد السُّلْطَان وَغَيْره مِنْ الْوُلَاة، وَكَالْكَلِمَةِ تُقْذَف، أَوْ مَعْنَاهُ كَالْكَلِمَةِ الَّتِي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا إِضْرَار مُسْلِم وَنَحْو ذَلِكَ. وَهَذَا كُلّه حَثّ عَلَى حِفْظ اللِّسَان كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت» وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ النُّطْق بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلَام أَنْ يَتَدَبَّرهُ فِي نَفْسه قَبْل نُطْقه، فَإِنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَته تَكَلَّمَ، وَإِلَّا أَمْسَكَ.

.باب عُقُوبَةِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ يَفْعَلُهُ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَفْعَلُهُ:

5305- قَوْله: «أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمهُ إِلَّا أُسْمِعكُمْ» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «إِلَّا سَمَّعَكُمْ»، وَفِي بَعْضهَا: «أَسْمَعَكُمْ»، وَكُلّه بِمَعْنَى أَتَظُنُّونَ أَنِّي لَا أُكَلِّمهُ إِلَّا وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ.
قَوْله: «أَفْتَتِح أَمْرًا لَا أُحِبّ أَنْ أَكُون أَوَّل مَنْ أَفْتَتِحهُ» يَعْنِي الْمُجَاهَرَة بِالْإِنْكَارِ عَلَى الْأُمَرَاء فِي الْمَلَأ كَمَا جَرَى لِقَتَلَةِ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَفيه الْأَدَب مَعَ الْأُمَرَاء، وَاللُّطْف بِهِمْ، وَوَعْظهمْ سِرًّا، وَتَبْلِيغهمْ مَا يَقُول النَّاس فيهمْ لِيَنْكَفُّوا عَنْهُ، وَهَذَا كُلّه إِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِن الْوَعْظ سِرًّا وَالْإِنْكَار فَلْيَفْعَلْهُ عَلَانِيَة لِئَلَّا يَضِيع أَصْل الْحَقّ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتَنْدَلِق أَقْتَاب بَطْنه» هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة.
قَالَ أَبُو عُبَيْد: الْأَقْتَاب الْأَمْعَاء.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ: وَاحِدهَا قِتْبَة، وَقَالَ غَيْره قَتَب، وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة: هِيَ مَا اِسْتَدَارَ فِي الْبَطْن، وَهِيَ الْحَوَايَا وَالْأَمْعَاء، وَهِيَ الْأَقْصَاب، وَاحِدهَا قَصَب. وَالِانْدِلَاق خُرُوج الشَّيْء مِنْ مَكَانه.

.باب النَّهْيِ عَنْ هَتْكِ الإِنْسَانِ سِتْرَ نَفْسِهِ:

5306- قَوْله: «كُلّ أُمَّتِي مُعَافَاة إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْإِجْهَار أَنْ يَعْمَل الْعَبْد عَمَلًا... إِلَى آخِره» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ وَالْأُصُول الْمُعْتَمَدَة: «مُعَافَاة» بِالْهَاءِ فِي آخِره، يَعُود إِلَى الْأُمَّة.
وَقَوْله: «إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ» هُمْ الَّذِينَ جَاهَرُوا بِمَعَاصِيهِمْ، وَأَظْهَرُوهَا، وَكَشَفُوا مَا سَتَرَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ، فَيَتَحَدَّثُونَ بِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَة وَلَا حَاجَة. يُقَال: جَهَرَ بِأَمْرِهِ، وَأَجْهَر، وَجَاهَرَ.
وَأَمَّا قَوْله: «وَإِنَّ مِنْ الْإِجْهَار» فَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ إِلَّا نُسْخَة اِبْن مَاهَانِ فَفيها: «وَإِنَّ مِنْ الْجِهَار»، وَهُمَا صَحِيحَانِ الْأَوَّل مِنْ أَجْهَر، وَالثَّانِي مِنْ جَهَرَ.
وَأَمَّا قَوْله مُسْلِم: (وَقَالَ زُهَيْر: وَإِنَّ مِنْ الْهِجَار) بِتَقْدِيمِ الْهَاء فَقِيلَ: إِنَّهُ خِلَاف الصَّوَاب، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ صَحِيح، وَيَكُون الْهِجَار لُغَة فِي الْهِجَار الَّذِي هُوَ الْفُحْش وَالْخَنَا وَالْكَلَام الَّذِي لَا يَنْبَغِي، وَيُقَال فِي هَذَا أَهَجَرَ إِذَا أَتَى بِهِ، كَذَا ذَكَره الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره.

.بَاب تَشْمِيت الْعَاطِس وَكَرَاهَة التَّثَاؤُب:

يُقَال: شَمَّتَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَالْمُهْمَلَة، لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، الْمُعْجَمَة أَفْصَح.
قَالَ ثَعْلَب: مَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ أَبْعَدَ اللَّه عَنْك الشَّمَاتَة، وَبِالْمُهْمَلَةِ هُوَ مِنْ السَّمْت وَهُوَ الْقَصْد وَالْهُدَى، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان التَّشْمِيت وَأَحْكَامه فِي كِتَاب السَّلَام وَمَوَاضِع، وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوع.
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي إِيجَابه، فَأَوْجَبَهُ أَهْل الظَّاهِر، وَابْن مَرْيَم مِنْ الْمَالِكِيَّة عَلَى كُلّ مَنْ سَمِعَهُ لِظَاهِرِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَقّ عَلَى كُلّ مُسْلِم سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتهُ» قَالَ الْقَاضِي: وَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك أَنَّهُ فَرْض كِفَايَة.
قَالَ: وَبِهِ قَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء كَرَدِّ السَّلَام. وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَآخَرِينَ أَنَّهُ سُنَّة وَأَدَب، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَيَحْمِلُونَ الْحَدِيث عَنْ النَّدْب وَالْأَدَب كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَقّ عَلَى كُلّ مُسْلِم أَنْ يَغْتَسِل فِي كُلّ سَبْعَة أَيَّام» قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كَيْفِيَّة الْحَمْد وَالرَّدّ، وَاخْتَلَفَتْ فيه الْآثَار، فَقِيلَ: يَقُول: الْحَمْد لِلَّهِ.
وَقِيلَ: الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ، وَقِيلَ: الْحَمْد لِلَّهِ عَلَى كُلّ حَال، وَقَالَ اِبْن جَرِير: هُوَ مُخَيَّر بَيْن هَذَا كُلّه، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَأْمُور بِالْحَمْدِ لِلَّهِ.
وَأَمَّا لَفْظ (التَّشْمِيت) فَقِيلَ: يَقُول: يَرْحَمك اللَّه، وَقِيلَ، يَقُول: الْحَمْد لِلَّهِ يَرْحَمك اللَّه، وَقِيلَ: يَقُول: يَرْحَمنَا اللَّه وَإِيَّاكُمْ.
قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي رَدّ الْعَاطِس عَلَى الْمُشَمِّت، فَقِيلَ: يَقُول: يَهْدِيكُمْ اللَّه وَيُصْلِح بَالكُمْ، وَقِيلَ: يَقُول: يَغْفِر اللَّه لَنَا وَلَكُمْ، وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ: يُخَيَّر بَيْن هَذَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيث بِهِمَا.
قَالَ: وَلَوْ تَكَرَّرَ الْعُطَاس قَالَ مَالِك: يُشَمِّتهُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْكُت.
5308- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَخَلْت عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ فِي بَيْت اِبْنه الْفَضْل بْن عَبَّاس» هَذِهِ الْبِنْت هِيَ أُمّ كُلْثُوم بِنْت الْفَضْل بْنِ عَبَّاس اِمْرَأَة أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، تَزَوَّجَهَا بَعْد فِرَاق الْحَسَن بْن عَلِيّ لَهَا، وَوَلَدَتْ لِأَبِي مُوسَى، وَمَاتَ عَنْهَا، فَتَزَوَّجَهَا بَعْده عِمْرَان بْن طَلْحَة، فَفَارَقَهَا، وَمَاتَتْ بِالْكُوفَةِ، وَدُفِنَتْ بِظَاهِرِهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدكُمْ فَحَمِدَ اللَّه فَشَمِّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَد اللَّه فَلَا تُشَمِّتُوهُ» هَذَا تَصْرِيح بِالْأَمْرِ بِالتَّشْمِيتِ إِذَا حَمِدَ الْعَاطِس، وَتَصْرِيح بِالنَّهْيِ عَنْ تَشْمِيته إِذَا لَمْ يَحْمَدهُ فَيُكْرَه تَشْمِيته إِذَا لَمْ يَحْمَد، فَلَوْ حَمِدَ وَلَمْ يَسْمَعهُ الْإِنْسَان لَمْ يُشَمِّتهُ.
وَقَالَ مَالِك: لَا يُشَمِّتهُ حَتَّى يَسْمَع حَمْده.
قَالَ: فَإِنْ رَأَيْت مِنْ يَلِيه شَمَّتَهُ فَشَمِّتْهُ.
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْض شُيُوخنَا: وَإِنَّمَا أُمِرَ الْعَاطِس بِالْحَمْدِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَة بِخُرُوجِ مَا اِخْتَنَقَ فِي دِمَاغه مِنْ الْأَبْخِرَة.
5310- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التَّثَاؤُب مِنْ الشَّيْطَان» أَيْ مِنْ كَسَله وَتَسَبُّبه، وَقِيلَ: أُضِيفَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يُرْضِيه. وَفِي الْبُخَارِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّه تَعَالَى يُحِبّ الْعُطَاس، وَيَكْرَه التَّثَاؤُب» قَالُوا: لِأَنَّ الْعُطَاس يَدُلّ عَلَى النَّشَاط وَخِفَّة الْبَدَن، وَالتَّثَاؤُب بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ يَكُون غَالِبًا مَعَ ثِقَل الْبَدَن وَامْتِلَائِهِ، وَاسْتِرْخَائِهِ وَمَيْله إِلَى الْكَسَل. وَإِضَافَته إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُ الَّذِي يَدْعُو إِلَى الشَّهَوَات. وَالْمُرَاد التَّحْذِير مِنْ السَّبَب الَّذِي يَتَوَلَّد مِنْهُ ذَلِكَ، وَهُوَ التَّوَسُّع فِي الْمَأْكَل وَإِكْثَار الْأَكْل. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّثَاؤُب مَمْدُود.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اِسْتَطَاعَ» وَوَقَعَ هَاهُنَا فِي بَعْض النُّسَخ (تَثَاءَبَ) بِالْمَدِّ مُخَفَّفًا، وَفِي أَكْثَرهَا (تَثَاوَبَ) بِالْوَاوِ، كَذَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَات الثَّلَاث بَعْد هَذِهِ (تَثَاوَبَ) بِالْوَاوِ.
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ ثَابِت: وَلَا يُقَال (تَثَاءَبَ) بِالْمَدِّ مُخَفَّفًا، بَلْ (تَثَأَّبَ) بِتَشْدِيدِ الْهَمْزَة.
قَالَ اِبْن دُرَيْد: أَصْله مِنْ تَثَأَّبَ الرَّجُل بِالتَّشْدِيدِ، فَهُوَ مُثَوِّب إِذَا اِسْتَرْخَى وَكَسَل، وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ: يُقَال: تَثَاءَبْت بِالْمَدِّ مُخَفَّفًا عَلَى تَفَاعَلْت، وَلَا يُقَال: تَثَاوَبْت.
وَأَمَّا الْكَظْم فَهُوَ الْإِمْسَاك.
قَالَ الْعُلَمَاء: أُمِرَ بِكَظْمِ التَّثَاوُب وَرَدّه وَوَضْع الْيَد عَلَى الْفَم لِئَلَّا يَبْلُغ الشَّيْطَان مُرَاده مِنْ تَشْوِيه صُورَته، وَدُخُوله فَمه، وَضَحِكَهُ مِنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَم.