فصل: باب قَضَاءِ الصَّلاَةِ الْفَائِتَةِ وَاسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ قَضَائِهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب الْمَشْيُ إِلَى الصَّلاَةِ تُمْحَى بِهِ الْخَطَايَا وَتُرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتُ:

1071- قَوْله: «هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنه شَيْء» الدَّرَن: الْوَسَخ.
1072- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَل الصَّلَوَات الْخَمْس كَمَثَلِ نَهْر جَارٍ غَمْر عَلَى بَاب أَحَدكُمْ يَغْتَسِل مِنْهُ كُلّ يَوْم خَمْس مَرَّات» الْغَمْر بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْمِيم وَهُوَ الْكَثِير.
قَوْله: «عَلَى بَاب أَحَدكُمْ» إِشَارَة إِلَى سُهُولَته وَقُرْب تَنَاوُله.
1073- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعَدَّ اللَّه لَهُ فِي الْجَنَّة نُزُلًا» النُّزُل: مَا يُهَيَّأ لِلضَّيْفِ عِنْد قُدُومه.

.باب فَضْلِ الْجُلُوسِ فِي مُصَلاَّهُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ:

فيه حَدِيث جَابِر بْن سَمُرَة وَهُوَ صَرِيح فِي التَّرْجَمَة.
1075- قَوْله: «تَطْلُع الشَّمْس حَسَنًا» هُوَ بِفَتْحِ السِّين وَبِالتَّنْوِينِ، أَيْ طُلُوعًا حَسَنًا أَيْ مُرْتَفِعَة. وَفيه جَوَازُ الضَّحِكِ وَالتَّبَسُّمِ.
1076- قَوْله: «أَحَبّ الْبِلَاد إِلَى اللَّه مَسَاجِدهَا»؛ لِأَنَّهَا بُيُوت الطَّاعَات وَأَسَاسهَا عَلَى التَّقْوَى.
قَوْله: «وَأَبْغَض الْبِلَاد إِلَى اللَّه أَسْوَاقهَا»، لِأَنَّهَا مَحَلّ الْغِشّ وَالْخِدَاع وَالرِّبَا وَالْأَيْمَان الْكَاذِبَة وَإِخْلَاف الْوَعْد وَالْإِعْرَاض عَنْ ذِكْر اللَّه وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ. وَالْحُبّ وَالْبُغْض مِنْ اللَّه تَعَالَى إِرَادَته الْخَيْر وَالشَّرّ أَوْ فِعْله ذَلِكَ بِمَنْ أَسْعَده أَوْ أَشْقَاهُ. وَالْمَسَاجِد مَحَلّ نُزُول الرَّحْمَة، وَالْأَسْوَاق ضِدّهَا.

.باب مَنْ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ:

1077- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَحَقّهمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ» وَفِي حَدِيث أَبِي مَسْعُود: «يَؤُمّ الْقَوْم أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّه، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَة سَوَاء فَأَعْلَمهُمْ بِالسُّنَّةِ» فيه دَلِيل لِمَنْ يَقُول بِتَقْدِيمِ الْأَقْرَأ عَلَى الْأَفْقَه، وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد وَبَعْض أَصْحَابنَا.
وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابهمَا: الْأَفْقَه مُقَدَّم عَلَى الْأَقْرَأ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ الْقِرَاءَة مَضْبُوط، وَاَلَّذِي يَحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ الْفِقْه غَيْر مَضْبُوط، وَقَدْ يَعْرِض فِي الصَّلَاة أَمْر لَا يَقْدِر عَلَى مُرَاعَاة الصَّوَاب فيه إِلَّا كَامِل الْفِقْه. قَالُوا: وَلِهَذَا قَدَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاة عَلَى الْبَاقِينَ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى أَنَّ غَيْره أَقْرَأ مِنْهُ. وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيث بِأَنَّ الْأَقْرَأ مِنْ الصَّحَابَة كَانَ هُوَ الْأَفْقَه. لَكِنَّ فِي قَوْله: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَة سَوَاء، فَأَعْلَمهُمْ بِالسُّنَّةِ» دَلِيل عَلَى تَقْدِيم الْأَقْرَأ مُطْلَقًا، وَلَنَا وَجْه اِخْتَارَهُ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا: أَنَّ الْأَوْرَع مُقَدَّم عَلَى الْأَفْقَه وَالْأَقْرَأ؛ لِأَنَّ مَقْصُود الْإِمَامَة يَحْصُل مِنْ الْأَوْرَع أَكْثَر مِنْ غَيْره.
1078- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّة سَوَاء فَأَقْدَمهمْ هِجْرَة» قَالَ أَصْحَابنَا: يَدْخُل فيه طَائِفَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: الَّذِينَ يُهَاجِرُونَ الْيَوْم مِنْ دَار الْكُفْر إِلَى دَار الْإِسْلَام، فَإِنَّ الْهِجْرَة بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة عِنْدنَا وَعِنْد جُمْهُور الْعُلَمَاء، وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح»، أَيْ لَا هِجْرَة مِنْ مَكَّة؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَار الْإِسْلَام، أَوْ لَا هِجْرَة فَضْلهَا كَفَضْلِ الْهِجْرَة قَبْل الْفَتْح، وَسَيَأْتِي مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. الطَّائِفَة الثَّانِيَة: أَوْلَاد الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا اِسْتَوَى اِثْنَانِ فِي الْفِقْه وَالْقِرَاءَة، وَأَحَدهمَا مِنْ أَوْلَاد مَنْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَته، وَالْآخَر مِنْ أَوْلَاد مَنْ تَأَخَّرَتْ هِجْرَته؛ قُدِّمَ الْأَوَّل.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَة سَوَاء فَأَقْدَمهمْ سِلْمًا» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «سِنًّا»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَأَكْبَرهمْ سِنًّا» مَعْنَاهُ: إِذَا اِسْتَوَيَا فِي الْفِقْه وَالْقِرَاءَة وَالْهِجْرَة وَرَجَحَ أَحَدهمَا بِتَقَدُّمِ إِسْلَامه أَوْ بِكِبَرِ سِنّه قُدِّمَ؛ لِأَنَّهَا فَضِيلَة يُرَجَّح بِهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانه» مَعْنَاهُ: مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: أَنَّ صَاحِب الْبَيْت وَالْمَجْلِس وَإِمَام الْمَسْجِد أَحَقّ مِنْ غَيْره، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْر أَفْقَه وَأَقْرَأ وَأَوْرَع وَأَفْضَل مِنْهُ، وَصَاحِب الْمَكَان أَحَقّ فَإِنْ شَاءَ تَقَدَّمَ، وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَ مَنْ يُرِيدهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يُقَدِّمهُ مَفْضُولًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْحَاضِرِينَ؛ لِأَنَّهُ سُلْطَانه فَيَتَصَرَّف فيه كَيْف شَاءَ. فَقَالَ أَصْحَابنَا: فَإِنْ حَضَرَ السُّلْطَان أَوْ نَائِبه قُدِّمَ عَلَى صَاحِب الْبَيْت وَإِمَام الْمَسْجِد وَغَيْرهمَا؛ لِأَنَّ وِلَايَته وَسَلْطَنَته عَامَّة. قَالُوا: وَيُسْتَحَبّ لِصَاحِبِ الْبَيْت أَنْ يَأْذَن لِمَنْ هُوَ أَفْضَل مِنْهُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَقْعُد فِي بَيْته عَلَى تَكْرِمَته إِلَّا بِإِذْنِهِ»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَلَا تَجْلِس عَلَى تَكْرِمَته فِي بَيْته إِلَّا أَنْ يَأْذَن لَك» قَالَ الْعُلَمَاء: التَّكْرِمَة الْفِرَاش وَنَحْوه مِمَّا يُبْسَط لِصَاحِبِ الْمَنْزِل وَيُخَصّ بِهِ، وَهِيَ بِفَتْحِ التَّاء وَكَسْر الرَّاء.
1079- قَوْله: (عَنْ أَوْس بْن ضَمْعَج) هُوَ بِفَتْحِ الضَّاد الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْمِيم وَفَتْحِ الْعَيْن.
1080- قَوْله: (وَنَحْنُ شَبَبَة مُتَقَارِبُونَ) جَمْع شَابّ وَمَعْنَاهُ: مُتَقَارِبُونَ فِي السِّنّ.
قَوْله: «وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَقِيقًا» هُوَ بِالْقَافَيْنِ، هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي مُسْلِم، وَضَبَطْنَاهُ فِي الْبُخَارِيّ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا هَذَا، وَالثَّانِي (رَفِيقًا) بِالْفَاءِ وَالْقَاف وَكِلَاهُمَا ظَاهِر.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاة فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَركُمْ» فيه: الْحَثّ عَلَى الْأَذَان وَالْجَمَاعَة، وَتَقْدِيم الْأَكْبَر فِي الْإِمَامَة إِذَا اِسْتَوَوْا فِي بَاقِي الْخِصَال، وَهَؤُلَاءِ كَانُوا مُسْتَوِينَ فِي بَاقِي الْخِصَال لِأَنَّهُمْ هَاجَرُوا جَمِيعًا وَأَسْلَمُوا جَمِيعًا وَصَحِبُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَازَمُوهُ عِشْرِينَ لَيْلَة فَاسْتَوَوْا فِي الْأَخْذ عَنْهُ، وَلَمْ يَبْقَ مَا يُقَدَّم بِهِ إِلَّا السِّنّ. وَاسْتَدَلَّ جَمَاعَة بِهَذَا عَلَى تَفْضِيل الْإِمَامَة عَلَى الْأَذَان؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُؤَذِّن أَحَدكُمْ» وَخَصَّ الْإِمَامَة بِالْأَكْبَرِ. وَمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الْأَذَان- وَهُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار- قَالَ: إِنَّمَا قَالَ: «يُؤَذِّن أَحَدكُمْ» وَخَصَّ الْإِمَامَة بِالْأَكْبَرِ. لِأَنَّ الْأَذَان لَا يَحْتَاج إِلَى كَبِير عِلْم، وَإِنَّمَا أَعْظَم مَقْصُوده الْإِعْلَام بِالْوَقْتِ وَالْإِسْمَاع بِخِلَافِ الْإِمَام. وَاللَّهُ أَعْلَم.
1081- قَوْله: «فَلَمَّا أَرَدْنَا الْإِقْفَال» هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَة يُقَال فيه: قَفَلَ الْجَيْش إِذَا رَجَعُوا، وَأَقْفَلَهُمْ الْأَمِير إِذَا أَذِنَ لَهُمْ فِي الرُّجُوع، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ يُؤْذَن لَنَا فِي الرُّجُوع.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاة فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَركُمَا» فيه: أَنَّ الْأَذَان وَالْجَمَاعَة مَشْرُوعَانِ لِلْمُسَافِرِينَ. وَفيه: الْحَثّ عَلَى الْمُحَافَظَة عَلَى الْأَذَان فِي الْحَضَر وَالسَّفَر. وَفيه: أَنَّ الْجَمَاعَة تَصِحّ بِإِمَامٍ وَمَأْمُوم، وَهُوَ إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ، وَفيه تَقْدِيم الصَّلَاة فِي أَوَّل الْوَقْت.

.باب اسْتِحْبَابِ الْقُنُوتِ فِي جَمِيعِ الصَّلاَةِ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ:

مَذْهَب الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ الْقُنُوت مَسْنُون فِي صَلَاة الصُّبْح دَائِمًا، وَأَمَّا غَيْرهَا فَلَهُ فيه ثَلَاثَة أَقْوَال: الصَّحِيح الْمَشْهُور: أَنَّهُ إِنْ نَزَلَتْ نَازِلَة كَعَدُوٍّ وَقَحْط وَوَبَاء وَعَطَش وَضَرَر ظَاهِر فِي الْمُسْلِمِينَ وَنَحْو ذَلِكَ قَنَتُوا فِي جَمِيع الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة وَإِلَّا فَلَا. وَالثَّانِي يَقْنُتُونَ فِي الْحَالَيْنِ.
وَالثَّالِث: لَا يَقْنُتُونَ فِي الْحَالَيْنِ. وَمَحَلّ الْقُنُوت بَعْد رَفْع الرَّأْس مِنْ الرُّكُوع فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة. وَفِي اِسْتِحْبَاب الْجَهْر بِالْقُنُوتِ فِي الصَّلَاة الْجَهْرِيَّة وَجْهَانِ: أَصَحّهمَا: يَجْهَر، وَيُسْتَحَبّ رَفْع الْيَدَيْنِ فيه، وَلَا يَمْسَح الْوَجْه.
وَقِيلَ: يُسْتَحَبّ مَسْحه، وَقِيلَ: لَا يَرْفَع الْيَد. وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَة مَسْح الصَّدْر، وَالصَّحِيح: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّن فيه دُعَاء مَخْصُوص، بَلْ يَحْصُل بِكُلِّ دُعَاء. وَفيه وَجْه: أَنَّهُ لَا يَحْصُل إِلَّا بِالدُّعَاءِ الْمَشْهُور: «اللَّهُمَّ اِهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت...» إِلَى آخِره. وَالصَّحِيح أَنَّ هَذَا مُسْتَحَبّ لَا شَرْط، وَلَوْ تَرَكَ الْقُنُوت فِي الصُّبْح سَجَدَ لِلسَّهْوِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَآخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا قُنُوت فِي الصُّبْح، وَقَالَ مَالِك: يَقْنُت قَبْل الرُّكُوع. وَدَلَائِل الْجَمْع مَعْرُوفَة، وَقَدْ أَوْضَحْتهَا فِي شَرْح الْمُهَذَّب. وَاللَّهُ أَعْلَم.
1082- قَوْله: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول حِين يَفْرُغ مِنْ صَلَاة الْفَجْر مِنْ الْقِرَاءَة وَيُكَبِّر وَيَرْفَع رَأْسه: سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا وَلَك الْحَمْد، ثُمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيد بْن الْوَلِيد» إِلَى آخِره فيه اِسْتِحْبَاب الْقُنُوت وَالْجَهْر بِهِ، وَأَنَّهُ بَعْد الرُّكُوع، وَأَنَّهُ يَجْمَع بَيْن قَوْله: «سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمْده، وَرَبّنَا لَك الْحَمْد». وَفيه: جَوَاز الدُّعَاء لِإِنْسَانِ مُعَيَّن وَغَيْر مُعَيَّن.
وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَقُول: رَبّنَا لَك الْحَمْد وَرَبّنَا وَلَك الْحَمْد بِإِثْبَاتِ الْوَاو وَحَذْفهَا، وَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرَانِ فِي الصَّحِيح، وَسَبَقَ بَيَان حِكْمَة الْوَاو.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتك عَلَى مُضَر» الْوَطْأَة- بِفَتْحِ الْوَاو وَإِسْكَان الطَّاء وَبَعْدهَا هَمْزَة- وَهِيَ الْبَأْس.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِي يُوسُف» هُوَ بِكَسْرِ السِّين وَتَخْفِيف الْيَاء أَيْ اِجْعَلْهَا سِنِينَ شِدَادًا ذَوَات قَحْط وَغَلَاء.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اِلْعَنْ لِحْيَان» إِلَى آخِره؛ فيه: جَوَاز لَعْن الْكُفَّار وَطَائِفَة مُعَيَّنَة مِنْهُمْ.
قَوْله: (ثُمَّ بَلَغْنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ) يَعْنِي: الدُّعَاء عَلَى هَذِهِ الْقَبَائِل، وَأَمَّا أَصْل الْقُنُوت فِي الصُّبْح فَلَمْ يَتْرُكهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، كَذَلِكَ صَحَّ عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
1083- قَوْله: «بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي» قَالَ أَهْل اللُّغَة: أَصْل (بَيْنَمَا، وَبَيْنَا) بَيْن وَتَقْدِيره: بَيْن أَوْقَات صَلَاته، قَالَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُهُ.
1087- قَوْله: (عَنْ أَبِي مِجْلَز) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الْجِيم وَفَتْح اللَّام.
1095- قَوْله: (عَنْ خُفَاف بْن إِيمَاء الْغِفَارِيِّ) خُفَاف بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَإِيمَاء بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَهُوَ مَصْرُوفٌ.
1096- حَاصِل الْمَذْهَب: أَنَّهُ إِذَا فَاتَتْهُ فَرِيضَة وَجَبَ قَضَاؤُهَا، وَإِنْ فَاتَتْ بِعُذْرٍ اُسْتُحِبَّ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْر وَيَجُوز التَّأْخِير عَلَى الصَّحِيح. وَحَكَى الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَجُوز وَإِنْ فَاتَتْهُ بِلَا عُذْر وَجَبَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْر عَلَى الْأَصَحّ، وَقِيلَ: لَا يَجِب عَلَى الْفَوْر، بَلْ لَهُ التَّأْخِير، وَإِذَا قَضَى صَلَوَات اُسْتُحِبَّ قَضَاؤُهُنَّ مُرَتَّبًا، فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ صَحَّتْ صَلَاته عِنْد الشَّافِعِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ سَوَاء كَانَتْ الصَّلَاة قَلِيلَة أَوْ كَثِيرَة، وَإِنْ فَاتَتْهُ سُنَّة رَاتِبَة فَفيها قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ: أَصَحّهمَا: يُسْتَحَبّ قَضَاؤُهَا لِعُمُومِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ الصَّلَاة فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» وَلِأَحَادِيث أُخَر كَثِيرَة فِي الصَّحِيح كَقَضَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّة الظُّهْر بَعْد الْعَصْر حِين شَغَلَهُ عَنْهَا الْوَفْد، وَقَضَائِهِ سُنَّة الصُّبْح فِي حَدِيث الْبَاب. وَالْقَوْل الثَّانِي: لَا يُسْتَحَبّ.
وَأَمَّا السُّنَن الَّتِي شُرِعَتْ لِعَارِضٍ كَصَلَاةِ الْكُسُوف وَالِاسْتِسْقَاء وَنَحْوهمَا فَلَا يُشْرَع قَضَاؤُهَا بِلَا خِلَاف. وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب قَضَاءِ الصَّلاَةِ الْفَائِتَةِ وَاسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ قَضَائِهَا:

1097- قَوْله: «قَفَلَ مِنْ غَزْوَة خَيْبَر» أَيْ رَجَعَ. وَالْقُفُول الرُّجُوع. وَيُقَال: غَزْوَة وَغَزَاة. وَخَيْبَر بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَكَذَا ضَبَطْنَاهُ، وَكَذَا هُوَ فِي أَوَّل بِلَادنَا مِنْ نُسَخ مُسْلِم.
قَالَ الْبَاجِيّ وَأَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْرهمَا: هَذَا هُوَ الصَّوَاب.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هَذَا قَوْل أَهْل السِّيَر، وَهُوَ الصَّحِيح، قَالَ: وَقَالَ الْأَصِيلِيّ: إِنَّمَا هُوَ حُنَيْن بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَالنُّون، وَهَذَا غَرِيب ضَعِيف. وَاخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ هَذَا النَّوْم مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ؟ وَظَاهِر الْأَحَادِيث مَرَّتَانِ.
قَوْله: (إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَرَى عَرَّسَ) (الْكَرَى) بِفَتْحِ الْكَاف النُّعَاس، وَقِيلَ: النَّوْم، يُقَال مِنْهُ: كَرِيَ الرَّجُل- بِفَتْحِ الْكَاف وَكَسْر الرَّاء- يَكْرِي كَرًى فَهُوَ كَرٍ وَامْرَأَة كَرِيَة بِتَخْفِيفِ الْيَاء. (وَالتَّعْرِيس) نُزُول الْمُسَافِرِينَ آخِر اللَّيْل لِلنَّوْمِ وَالِاسْتِرَاحَة، هَكَذَا قَالَهُ الْخَلِيل وَالْجُمْهُور.
وَقَالَ أَبُو زَيْد: هُوَ النُّزُول أَيّ وَقْت كَانَ مِنْ لَيْل أَوْ نَهَار. وَفِي الْحَدِيث: «مُعَرِّسُونَ فِي نَحْر الظَّهِيرَة».
قَوْله: «وَقَالَ لِبِلَالٍ: اِكْلَأْ لَنَا الْفَجْر» هُوَ بِهَمْزِ آخِره أَيْ اُرْقُبْهُ وَاحْفَظْهُ وَاحْرُسْهُ، وَمَصْدَره الْكِلَاء بِكَسْرِ الْكَاف وَالْمَدّ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَقَوْله: «مُوَاجِه الْفَجْر» أَيْ مُسْتَقْبِله بِوَجْهِهِ.
قَوْله: «فَفَزِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ اِنْتَبَهَ وَقَامَ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْ بِلَال» هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَاتنَا وَنُسَخ بِلَادنَا، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض عَنْ جَمَاعَة أَنَّهُمْ ضَبَطُوهُ (أَيْنَ بِلَال) بِزِيَادَةِ نُون.
قَوْله: «فَاقْتَادُوا رَوَاحِلهمْ شَيْئًا» فيه دَلِيل عَلَى أَنَّ قَضَاء الْفَائِتَة بِعُذْرٍ لَيْسَ عَلَى الْفَوْر، وَإِنَّمَا اِقْتَادُوهَا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِل حَضَرَنَا فيه الشَّيْطَان.
قَوْله: «وَأَمَرَ بِلَالًا بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامَ الصَّلَاة» فيه: إِثْبَات الْإِقَامَة لِلْفَائِتَةِ. وَفيه: إِشَارَة إِلَى تَرْك الْأَذَان لِلْفَائِتَةِ، وَفِي حَدِيث أَبِي قَتَادَةَ بَعْد إِثْبَات الْأَذَان لِلْفَائِتَةِ. وَفِي الْمَسْأَلَة خِلَاف مَشْهُور، وَالْأَصَحّ عِنْدنَا إِثْبَات الْأَذَان بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَغَيْره مِنْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
وَأَمَّا تَرْك ذِكْر الْأَذَان فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَغَيْره فَجَوَابه مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: لَا يَلْزَم مِنْ تَرْك ذِكْره أَنَّهُ لَمْ يُؤَذِّن، فَلَعَلَّهُ أَذَّنَ وَأَهْمَلَهُ الرَّاوِي أَوْ لَمْ يَعْلَم بِهِ.
وَالثَّانِي: لَعَلَّهُ تَرَكَ الْأَذَان فِي هَذِهِ الْمَرَّة لِبَيَانِ جَوَاز تَرْكه، وَإِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ مُتَحَتِّم لاسيما فِي السَّفَر.
قَوْله: «فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْح» فيه: اِسْتِحْبَاب الْجَمَاعَة فِي الْفَائِتَة، وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابنَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاة فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» فيه: وُجُوب قَضَاء الْفَرِيضَة الْفَائِتَة سَوَاء تَرَكَهَا بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَنِسْيَان أَوْ بِغَيْرِ عُذْر، وَإِنَّمَا قَيَّدَ فِي الْحَدِيث بِالنِّسْيَانِ لِخُرُوجِهِ عَلَى سَبَب، لِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْقَضَاء عَلَى الْمَعْذُور فَغَيْره أَوْلَى بِالْوُجُوبِ، وَهُوَ مِنْ بَاب التَّنْبِيه بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» فَمَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب؛ فَإِنَّهُ يَجُوز تَأْخِير قَضَاء الْفَائِتَة بِعُذْرٍ عَلَى الصَّحِيح، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه وَدَلِيله. وَشَذَّ بَعْض أَهْل الظَّاهِر فَقَالَ: لَا يَجِب قَضَاء الْفَائِتَة بِغَيْرِ عُذْر، وَزَعَمَ أَنَّهَا أَعْظَم مِنْ أَنْ يَخْرُج مِنْ وَبَال مَعْصِيَتهَا بِالْقَضَاءِ، وَهَذَا خَطَأ مِنْ قَائِله وَجَهَالَة. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَفيه دَلِيل لِقَضَاءِ السُّنَن الرَّاتِبَة إِذَا فَاتَتْ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْخِلَاف فِي ذَلِكَ.
1098- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ هَذَا مَنْزِل حَضَرَنَا فيه الشَّيْطَان» فيه دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب اِجْتِنَاب مَوَاضِع الشَّيْطَان وَهُوَ أَظْهَر الْمَعْنَيَيْنِ فِي النَّهْي عَنْ الصَّلَاة فِي الْحَمَّام.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَصَلَّى الْغَدَاة» فيه: اِسْتِحْبَاب قَضَاء النَّافِلَة الرَّاتِبَة، وَجَوَاز تَسْمِيَة صَلَاة الصُّبْح: الْغَدَاة، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَه ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْف نَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاة الصُّبْح حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْس مَعَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَام قَلْبِي»؟ فَجَوَابه مِنْ وَجْهَيْنِ: أَصَحّهمَا وَأَشْهَرهمَا: أَنَّهُ لَا مُنَافَاة بَيْنهمَا، لِأَنَّ الْقَلْب إِنَّمَا يُدْرِك الْحِسِّيَّات الْمُتَعَلِّقَة بِهِ كَالْحَدَثِ وَالْأَلَم وَنَحْوهمَا، وَلَا يُدْرِك طُلُوع الْفَجْر وَغَيْره مِمَّا يَتَعَلَّق بِالْعَيْنِ، وَإِنَّمَا يُدْرِك ذَلِكَ بِالْعَيْنِ، وَالْعَيْن نَائِمَة وَإِنْ كَانَ الْقَلْب يَقْظَان.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ أَحَدهمَا يَنَام فيه الْقَلْب وَصَادَفَ هَذَا الْمَوْضِع. وَالثَّانِي، لَا يَنَام وَهَذَا هُوَ الْغَالِب مِنْ أَحْوَاله. وَهَذَا التَّأْوِيل ضَعِيف، وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ.
1099- قَوْله: (عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَبَاح عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) رَبَاح هَذَا بِفَتْحِ الرَّاء وَبِالْمُوَحَّدَةِ. وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِث بْنُ رِبْعِيّ الْأَنْصَارِيّ.
قَوْله: «خَطَبَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ» فيه: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِأَمِيرِ الْجَيْش إِذَا رَأَى مَصْلَحَة لِقَوْمِهِ فِي إِعْلَامهمْ بِأَمْرٍ أَنْ يَجْمَعهُمْ كُلّهمْ وَيُشِيع ذَلِكَ فيهمْ لِيُبَلِّغهُمْ كُلّهمْ وَيَتَأَهَّبُوا لَهُ، وَلَا يَخُصّ بِهِ بَعْضهمْ وَكِبَارهمْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا خَفِيَ عَلَى بَعْضهمْ فَيَلْحَقهُ الضَّرَر.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَتَأْتُونَ الْمَاء إِنْ شَاءَ اللَّه غَدًا» فيه اِسْتِحْبَاب قَوْل: إِنْ شَاءَ اللَّه فِي الْأُمُور الْمُسْتَقْبَلَة، وَهُوَ مُوَافِق لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْقُرْآن.
قَوْله: «لَا يَلْوِي أَحَد عَلَى أَحَد» أَيْ لَا يَعْطِف.
قَوْله: «اِبْهَارَّ اللَّيْل» هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة وَتَشْدِيد الرَّاء أَيْ اِنْتَصَفَ.
قَوْله: «فَنَعَسَ» هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن، وَالنُّعَاس مُقَدِّمَة النَّوْم، وَهُوَ رِيح لَطِيفَة تَأْتِي مِنْ قِبَل الدِّمَاغ تُغَطِّي عَلَى الْعَيْن وَلَا تَصِل إِلَى الْقَلْب، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى الْقَلْب كَانَ نَوْمًا، وَلَا يُنْتَقَض الْوُضُوء بِالنُّعَاسِ مِنْ الْمُضْطَجِع، وَيُنْتَقَض بِنَوْمِهِ، وَقَدْ بَسَطْت الْفَرْق بَيْن حَقِيقَتهمَا فِي شَرْح الْمُهَذَّب.
قَوْله: «فَدَعَمْته» أَيْ أَقَمْت مَيْله مِنْ النَّوْم وَصِرْت تَحْته كَالدِّعَامَةِ لِلْبِنَاءِ فَوْقهَا.
قَوْله: «تَهَوَّرَ اللَّيْل» أَيْ ذَهَبَ أَكْثَره، مَأْخُوذ مِنْ تَهَوَّرَ الْبِنَاء وَهُوَ اِنْهِدَامه، يُقَال: تَهَوَّرَ اللَّيْل وَتَوَهَّرَ.
قَوْله: «يَنْجَفِل» أَيْ يَسْقُط.
قَوْله: (قَالَ مَنْ هَذَا؟ قُلْت: أَبُو قَتَادَةَ) فيه: أَنَّهُ إِذَا قِيلَ لِلْمُسْتَأْذِنِ وَنَحْوه: مَنْ هَذَا؟ يَقُول: فُلَان بِاسْمِهِ، وَأَنَّهُ لَا بَأْس أَنْ يَقُول: أَبُو فُلَان إِذَا كَانَ مَشْهُورًا بِكُنْيَتِهِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَفِظَك اللَّه بِمَا حَفِظْت بِهِ نَبِيّه» أَيْ بِسَبَبِ حِفْظك نَبِيّه. وَفيه: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ صَنَعَ إِلَيْهِ مَعْرُوف أَنْ يَدْعُو لِفَاعِلِهِ. وَفيه حَدِيث آخَر صَحِيح مَشْهُور.
قَوْله: «سَبْعَة رَكْب» هُوَ جَمْع رَاكِب، كَصَاحِبِ وَصَحْب وَنَظَائِره.
قَوْله: «ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةِ» هِيَ بِكَسْرِ الْمِيم وَبِهَمْزَةٍ بَعْد الضَّاد، وَهِيَ الْإِنَاء الَّذِي يَتَوَضَّأ بِهِ كَالرَّكْوَةِ.
قَوْله: «فَتَوَضَّأ مِنْهَا وُضُوءًا دُون وُضُوء» مَعْنَاهُ: وُضُوءًا خَفِيفًا مَعَ أَنَّهُ أَسْبَغَ الْأَعْضَاء. وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ بَعْض شُيُوخه أَنَّ الْمُرَاد تَوَضَّأَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِمَاءٍ بَلْ اِسْتَجْمَرَ بِالْأَحْجَارِ، وَهَذَا الَّذِي زَعَمَهُ هَذَا الْقَائِل غَلَط ظَاهِر، وَالصَّوَاب مَا سَبَقَ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأ» هَذَا مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة.
قَوْله: «ثُمَّ أَذَّنَ بِلَال بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاة، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَع كُلّ يَوْم» فيه: اِسْتِحْبَاب الْأَذَان لِلصَّلَاةِ الْفَائِتَة. وَفيه: قَضَاء السُّنَّة الرَّاتِبَة؛ لِأَنَّ الظَّاهِر أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْل الْغَدَاة هُمَا سُنَّة الصُّبْح. وَقَوْله: «كَمَا كَانَ يَصْنَع كُلّ يَوْم» فيه: إِشَارَة إِلَى أَنَّ صِفَة قَضَاء الْفَائِتَة كَصِفَةِ أَدَائِهَا، فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ فَائِتَة الصُّبْح يُقْنَت فيها. وَهَذَا لَا خِلَاف فيه عِنْدنَا، وَقَدْ يَحْتَجّ بِهِ مَنْ يَقُول: يَجْهَر فِي الصُّبْح الَّتِي يَقْضِيهَا بَعْد طُلُوع الشَّمْس. وَهَذَا أَحَد الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا، وَأَصَحّهمَا: أَنَّهُ يُسِرُّ بِهَا، وَيُحْمَل قَوْله: كَمَا كَانَ يَصْنَع، أَيْ فِي الْأَفْعَال. وَفيه: إِبَاحَة تَسْمِيَة الصُّبْح غَدَاة، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْأَحَادِيث.
قَوْله: «فَجَعَلَ بَعْضنَا يَهْمِس إِلَى بَعْض» هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الْمِيم، وَهُوَ الْكَلَام الْخَفِيّ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْم تَفْرِيط» فيه دَلِيل لِمَا أَجْمَع عَلَيْهِ الْعُلَمَاء أَنَّ النَّائِم لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ، وَإِنَّمَا يَجِب عَلَيْهِ قَضَاء الصَّلَاة وَنَحْوهَا بِأَمْرٍ جَدِيد. هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح الْمُخْتَار عِنْد أَصْحَاب الْفِقْه وَالْأُصُول. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجِب الْقَضَاء بِالْخِطَابِ السَّابِق، وَهَذَا الْقَائِل يُوَافِق عَلَى أَنَّهُ فِي حَال النَّوْم غَيْر مُكَلَّف.
وَأَمَّا إِذَا أَتْلَفَ النَّائِم بِيَدِهِ أَوْ غَيْرهَا مِنْ أَعْضَائِهِ شَيْئًا فِي حَال نَوْمه فَيَجِب ضَمَانه بِالِاتِّفَاقِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ تَكْلِيفًا لِلنَّائِمِ؛ لِأَنَّ غَرَامَة الْمُتْلَفَات لَا يُشْتَرَط لَهَا التَّكْلِيف بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ لَوْ أَتْلَفَ الصَّبِيّ أَوْ الْمَجْنُون أَوْ الْغَافِل وَغَيْرهمْ مِمَّنْ لَا تَكْلِيف عَلَيْهِ شَيْئًا وَجَبَ ضَمَانه بِالِاتِّفَاقِ، وَدَلِيله مِنْ الْقُرْآن قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة وَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله} فَرَتَّبَ سُبْحَانه وَتَعَالَى عَلَى الْقَتْل خَطَأ الدِّيَة وَالْكَفَّارَة مَعَ أَنَّهُ غَيْر آثِم بِالْإِجْمَاعِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا التَّفْرِيط عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاة حَتَّى يَجِيء وَقْت الصَّلَاة الْأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِين يَنْتَبِه لَهَا، فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَد فَلْيُصَلِّهَا عِنْد وَقْتهَا» فِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى اِمْتِدَاد وَقْت كُلّ صَلَاة مِنْ الْخَمْس حَتَّى يَدْخُل وَقْت الْأُخْرَى، وَهَذَا مُسْتَمِرّ عَلَى عُمُومه فِي الصَّلَوَات إِلَّا الصُّبْح فَإِنَّهَا لَا تَمْتَدّ إِلَى الظُّهْر، بَلْ يَخْرُج وَقْتهَا بِطُلُوعِ الشَّمْس؛ لِمَفْهُومِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَة مِنْ الصُّبْح قَبْل أَنْ تَطْلُع الشَّمْس فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْح» وَأَمَّا الْمَغْرِب فَفيها خِلَاف سَبَقَ بَيَانه فِي بَابه، وَالصَّحِيح الْمُخْتَار اِمْتِدَاد وَقْتهَا إِلَى دُخُول وَقْت الْعِشَاء؛ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة السَّابِقَة فِي صَحِيح مُسْلِم، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْجَوَاب عَنْ حَدِيث إِمَامَة جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي الْمَغْرِب فِي وَقْت وَاحِد، وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا: تَفُوت الْعَصْر بِمَصِيرِ ظِلّ الشَّيْء مِثْلَيْهِ، وَتَفُوت الْعِشَاء بِذَهَابِ ثُلُث اللَّيْل أَوْ نِصْفه، وَتَفُوت الصُّبْح بِالْإِسْفَارِ. وَهَذَا الْقَوْل ضَعِيف، وَالصَّحِيح الْمَشْهُور مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِامْتِدَاد إِلَى دُخُول الصَّلَاة الثَّانِيَة.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَد فَلْيُصَلِّهَا عِنْد وَقْتهَا»، فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا فَاتَتْهُ صَلَاة فَقَضَاهَا لَا يَتَغَيَّر وَقْتهَا، وَيَتَحَوَّل فِي الْمُسْتَقْبَل، بَلْ يَبْقَى كَمَا كَانَ. فَإِذَا كَانَ الْغَد صَلَّى صَلَاة الْغَد فِي وَقْتهَا الْمُعْتَاد وَيَتَحَوَّل، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْضِي الْفَائِتَة مَرَّتَيْنِ مَرَّة فِي الْحَال، وَمَرَّة فِي الْغَد، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث، وَقَدْ اِضْطَرَبَتْ أَقْوَال الْعُلَمَاء فيه، وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ مَا ذَكَرْته. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «ثُمَّ قَالَ: مَا تَرَوْنَ النَّاس صَنَعُوا؟ قَالَ ثُمَّ قَالَ: أَصْبَحَ النَّاس فَقَدُوا نَبِيّهمْ. فقَالَ أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُخَلِّفَكُمْ، وَقَالَ النَّاس: إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن أَيْدِيكُمْ فَإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَر يَرْشُدُوا» مَعْنَى هَذَا الْكَلَام أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى بِهِمْ الصُّبْح بَعْد اِرْتِفَاع الشَّمْس، وَقَدْ سَبَقَهُمْ النَّاس، وَانْقَطَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَؤُلَاءِ الطَّائِفَة الْيَسِيرَة عَنْهُمْ، قَالَ: مَا تَظُنُّونَ النَّاس يَقُولُونَ فِينَا؟ فَسَكَتَ الْقَوْم، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أَبُو بَكْر وَعُمَر فَيَقُولَانِ لِلنَّاسِ: إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَكُمْ، وَلَا تَطِيب نَفْسه أَنْ يُخَلِّفكُمْ وَرَاءَهُ وَيَتَقَدَّم بَيْن أَيْدِيكُمْ، فَيَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَنْتَظِرُوهُ حَتَّى يَلْحَقكُمْ، وَقَالَ بَاقِي النَّاس: إِنَّهُ سَبَقَكُمْ فَالْحَقُوهُ، فَإِنْ أَطَاعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَر رَشَدُوا؛ فَإِنَّهُمَا عَلَى الصَّوَاب. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا هُلْك عَلَيْكُمْ» هُوَ بِضَمِّ الْهَاء وَهُوَ مِنْ الْهَلَاك، وَهَذَا مِنْ الْمُعْجِزَات.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطْلِقُوا لِي غُمَرِي» هُوَ بِضَمِّ الْعَيْن الْمُعْجَمَة وَفَتْح الْمِيم وَبِالرَّاءِ، هُوَ الْقَدْح الصَّغِير. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَمْ يَعُدْ أَنْ رَأَى النَّاس مَا فِي الْمِيضَأَة تَكَابُّوا عَلَيْهَا» ضَبْطنَا قَوْله: (مَا) هُنَا بِالْمَدِّ وَالْقَصْر وَكِلَاهُمَا صَحِيح.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسِنُوا الْمَلَأ كُلّكُمْ سَيَرْوَى» الْمَلَأ بِفَتْحِ الْمِيم وَاللَّام وَآخِره هَمْزَة وَهُوَ مَنْصُوب مَفْعُول أَحْسِنُوا. وَالْمَلَأ: الْخُلُق وَالْعِشْرَة، يُقَال: مَا أَحْسَن مَلَأ فُلَان أَيْ خُلُقه وَعِشْرَته، وَمَا أَحْسَن مَلَأ بَنِي فُلَان أَيْ عِشْرَتهمْ وَأَخْلَاقهمْ. ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره، وَأَنْشَدَ الْجَوْهَرِيّ: تَنَادَوْا يَالَ بُهْثَةَ إِذْ رَأَوْنَا فَقُلْنَا أَحْسَنِي مَلَأً جُهَيْنَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ سَاقِي الْقَوْم آخِرهمْ» فيه لِهَذَا الْأَدَب مِنْ آدَاب شَارِبِي الْمَاء وَاللَّبَن وَنَحْوهمَا. وَفِي مَعْنَاهُ مَا يُفَرَّق عَلَى الْجَمَاعَة مِنْ الْمَأْكُول كَلَحْمِ وَفَاكِهَة وَمَشْمُوم وَغَيْر ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «فَأَتَى النَّاسُ الْمَاء جَامِّينَ رُوَاء» أَيْ نِشَاطًا مُسْتَرِيحِينَ.
قَوْله: (فِي مَسْجِد الْجَامِع) هُوَ مِنْ بَاب إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صِفَته، فَعِنْد الْكُوفِيِّينَ يَجُوز ذَلِكَ بِغَيْرِ تَقْدِير، وَعِنْد الْبَصْرِيِّينَ لَا يَجُوز إِلَّا بِتَقْدِيرٍ، وَيَتَأَوَّلُونَ مَا جَاءَ فِي هَذَا بِحَسْب مَوَاطِنه، وَالتَّقْدِير هُنَا مَسْجِد الْمَكَان الْجَامِع، وَفِي قَوْل اللَّه تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيّ} أَيْ الْمَكَان الْغَرْبِيّ وَقَوْله تَعَالَى: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} أَيْ الْحَيَاة الْآخِرَة: وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي مَوَاضِع. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا شَعَرْت أَنَّ أَحَدًا حَفِظَهُ كَمَا حَفِظْته» ضَبَطْنَاهُ (حَفِظْته) بِضَمِّ التَّاء وَفَتْحهَا، وَكِلَاهُمَا حَسَن. وَفِي حَدِيث أَبِي قَتَادَةَ هَذِهِ: مُعْجِزَات ظَاهِرَات لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهَا: إِخْبَاره بِأَنَّ الْمِيضَأَة سَيَكُونُ لَهَا نَبَأ وَكَانَ كَذَلِكَ. الثَّانِيَة: تَكْثِير الْمَاء الْقَلِيل، الثَّالِثَة: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّكُمْ سَيَرْوَى»، وَكَانَ كَذَلِكَ. الرَّابِعَة: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ أَبُو بَكْر وَعُمَر كَذَا، وَقَالَ النَّاس كَذَا. الْخَامِسَة: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتكُمْ وَلَيْلَتكُمْ وَتَأْتُونَ الْمَاء»، وَكَانَ كَذَلِكَ. وَلَمْ يَكُنْ أَحَد مِنْ الْقَوْم يَعْلَم ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: فَانْطَلَقَ النَّاس لَا يَلْوِي أَحَد عَلَى أَحَد إِذْ لَوْ كَانَ أَحَد مِنْهُمْ يَعْلَم ذَلِكَ لَفَعَلُوا ذَلِكَ قَبْل قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1100- قَوْله: (حَدَّثَنَا سَلْم بْن زَرِير) هُوَ بِزَايٍ فِي أَوَّله مَفْتُوحَة ثُمَّ رَاء مُكَرَّرَة.
قَوْله: (فَأَدْلَجْنَا لَيْلَتنَا) هُوَ بِإِسْكَانِ الدَّال، وَهُوَ سَيْر اللَّيْل كُلّه.
وَأَمَّا (اِدَّلَجْنَا) بِفَتْحِ الدَّال الْمُشَدَّدَة فَمَعْنَاهُ: سِرْنَا آخِر اللَّيْل. هَذَا هُوَ الْأَشْهَر فِي اللُّغَة، وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى، وَمَصْدَر الْأَوَّل إِدْلَاج بِإِسْكَانِ الدَّال، وَالثَّانِي إِدْلَاج بِكَسْرِ الدَّال الْمُشَدَّدَة.
قَوْله: (بَزَغَتْ الشَّمْس) هُوَ أَوَّل طُلُوعهَا.
وَقَوْله: «وَكُنَّا لَا نُوقِظ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنَامه إِذَا نَامَ حَتَّى يَسْتَيْقِظ» قَالَ الْعُلَمَاء: كَانُوا يَمْتَنِعُونَ مِنْ إِيقَاظه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا كَانُوا يَتَوَقَّعُونَ مِنْ الْإِيحَاء إِلَيْهِ فِي الْمَنَام، وَمَعَ هَذَا فَكَانَتْ الصَّلَاة قَدْ فَاتَ وَقْتهَا، فَلَوْ نَامَ آحَاد النَّاس الْيَوْم وَحَضَرَتْ صَلَاة وَخِيفَ فَوْتهَا نَبَّهَهُ مَنْ حَضَرَهُ لِئَلَّا تَفُوت الصَّلَاة.
قَوْله فِي الْجُنُب: «فَأَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ فَصَلَّى» فيه: جَوَاز التَّيَمُّم لِلْجُنُبِ إِذَا عَجَزَ عَنْ الْمَاء، وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه فِي بَابه.
قَوْله: «إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَة رِجْلَيْهَا بَيْن مَزَادَتَيْنِ» السَّادِلَة: الْمُرْسِلَة الْمُدْنِيَة، وَالْمَزَادَة مَعْرُوفَة وَهِيَ أَكْبَر مِنْ الْقِرْبَة، وَالْمَزَادَتَانِ: حِمْل بَعِير، سُمِّيَتْ مَزَادَة؛ لِأَنَّهُ يُزَاد فيها مِنْ جِلْد آخَر مِنْ غَيْرهَا.
قَوْله: «فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاء؟ قَالَتْ: أَيْهَاهْ أَيْهَاهْ لَا مَاء لَكُمْ» هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول، وَهُوَ بِمَعْنَى هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، وَمَعْنَاهُ الْبُعْد مِنْ الْمَطْلُوب وَالْيَأْس مِنْهُ، كَمَا قَالَتْ بَعْده: لَا مَاء لَكُمْ أَيْ لَيْسَ لَكُمْ مَاء حَاضِر وَلَا قَرِيب. وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَة بِضْع عَشْرَة لُغَة ذَكَرْتهَا كُلّهَا مُفَصَّلَة وَاضِحَة مُتْقَنَة مَعَ شَرْح مَعْنَاهَا وَتَصْرِيفهَا. وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا فِي تَهْذِيب الْأَسْمَاء وَاللُّغَات. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا ذَلِكَ.
قَوْله: «وَأَخْبَرْته أَنَّهَا مُؤْتِمَة» بِضَمِّ الْمِيم وَكَسْر التَّاء أَيْ ذَات أَيْتَام.
قَوْله: «فَأَمَرَ بِرَاوِيَتِهَا فَأُنِيخَتْ» الرَّاوِيَة عِنْد الْعَرَب هِيَ الْجَمَل الَّذِي يَحْمِل الْمَاء، وَأَهْل الْعُرْف قَدْ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الْمَزَادَة اِسْتِعَارَة وَالْأَصْل الْبَعِير.
قَوْله: «فَمَجَّ فِي الْعَزْلَاوَيْنِ الْعُلْيَاوَيْنِ» الْمَجّ زَرْق الْمَاء بِالْفَمِ، وَالْعَزْلَاء بِالْمَدِّ هُوَ الْمُشَعَّب الْأَسْفَل لِلْمَزَادَةِ الَّذِي يُفْرَغ مِنْهُ الْمَاء، وَتُطْلَق أَيْضًا عَلَى فَمهَا الْأَعْلَى كَمَا قَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة: الْعَزْلَاوَيْنِ الْعُلْيَاوَيْنِ، وَتَثْنِيَتهَا عَزْلَاوَانِ، وَالْجَمْع الْعَزَالِي بِكَسْرِ اللَّام.
قَوْله: «وَغَسَّلْنَا صَاحِبنَا» يَعْنِي الْجُنُب هُوَ بِتَشْدِيدِ السِّين أَيْ أَعْطَيْنَاهُ مَا يَغْتَسِل بِهِ، وَفيه دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُتَيَمِّم عَنْ الْجَنَابَة إِذَا أَمْكَنَهُ اِسْتِعْمَال الْمَاء اِغْتَسَلَ.
قَوْله: «وَهِيَ تَكَاد تَنْضَرِج مِنْ الْمَاء» أَيْ تَنْشَقّ وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاء وَإِسْكَان النُّون وَفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَبِالْجِيمِ، وَرُوِيَ بِتَاءٍ أُخْرَى بَدَل النُّون، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَالْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ نَرْزَأ مِنْ مَائِك» هُوَ بِنُونٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ رَاء سَاكِنَة ثُمَّ زَاي ثُمَّ هَمْزَة أَيْ لَمْ نُنْقِص مِنْ مَائِك شَيْئًا. وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُعْجِزَة ظَاهِرَة مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة.
قَوْلهَا: «كَانَ مِنْ أَمْره ذَيْتَ وَذَيْتَ» قَالَ أَهْل اللُّغَة: هُوَ بِمَعْنَى كَيْت وَكَيْت وَكَذَا وَكَذَا.
قَوْله: «فَهَدَى اللَّه ذَلِكَ الصِّرْم بِتِلْكَ الْمَرْأَة فَأَسْلَمْت وَأَسْلَمُوا» الصِّرْم- بِكَسْرِ الصَّاد- أَبْيَات مُجْتَمَعَة.
قَوْله: «قُبَيْل الصُّبْح» بِضَمِّ الْقَاف هُوَ أَخَصّ مِنْ قَبْل وَأَصْرَح فِي الْقُرْب.
قَوْله: «وَكَانَ أَجْوَف جَلِيدًا» أَيْ رَفِيع الصَّوْت يُخْرِج صَوْته مِنْ جَوْفه، وَالْجَلِيد الْقَوِيّ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَيْر» أَيْ لَا ضَرَر عَلَيْكُمْ فِي هَذَا النَّوْم وَتَأْخِير الصَّلَاة بِهِ، وَالضَّيْر وَالضُّرّ وَالضَّرَر بِمَعْنًى.
1102- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاة فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» مَعْنَاهُ: لَا يُجْزِئهُ إِلَّا الصَّلَاة مِثْلهَا وَلَا يَلْزَمهُ مَعَ ذَلِكَ شَيْء آخَر.
قَوْله: (حَدَّثَنَا هَدَّاب حَدَّثَنَا هَمَّام حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَس) هَذَا الْإِسْنَاد كُلّه بَصْرِيُّونَ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيث جَرَتْ فِي سَفَرَيْنِ أَوْ أَسْفَار لَا فِي سُفْرَة وَاحِدَة، وَظَاهِر أَلْفَاظهَا يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَم.