فصل: باب كِرَاءِ الأَرْضِ بِالطَّعَامِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب النَّهْيِ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَعَنِ الْمُخَابَرَةِ وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا وَعَنْ بَيْعِ الْمُعَاوَمَةِ وَهُوَ بَيْعُ السِّنِينَ:

أَمَّا الْمُحَاقَلَة وَالْمُزَابَنَة وَبَيْع الثَّمَرَة قَبْل بُدُوّ صَلَاحهَا فَسَبَقَ بَيَانهَا فِي الْبَاب الْمَاضِي.
وَأَمَّا: «الْمُخَابَرَة» فَهِيَ وَالْمُزَارَعَة مُتَقَارِبَتَانِ وَهُمَا الْمُعَامَلَة عَلَى الْأَرْض بِبَعْضِ مَا يَخْرُج مِنْهَا مِنْ الزَّرْع كَالثُّلُثِ وَالرُّبُع وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاء الْمَعْلُومَة. لَكِنْ فِي الْمُزَارَعَة يَكُون الْبَذْر مِنْ مَالِك الْأَرْض وَفِي الْمُخَابَرَة يَكُون الْبَذْر مِنْ الْعَامِل. هَكَذَا قَالَهُ جُمْهُور أَصْحَابنَا، وَهُوَ ظَاهِر نَصّ الشَّافِعِيّ وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل اللُّغَة وَغَيْرهمْ: هُمَا بِمَعْنًى. قَالُوا: وَالْمُخَابَرَة مُشْتَقَّة مِنْ الْخَبَر وَهُوَ الْأَكَّار أَيْ الْفَلَّاح. هَذَا قَوْل الْجُمْهُور.
وَقِيلَ: مُشْتَقَّة مِنْ الْخِبَار وَهِيَ الْأَرْض اللَّيِّنَة.
وَقِيلَ: مِنْ الْخِبْرَة وَهِيَ النَّصِيب. وَهِيَ بِضَمِّ الْخَاء.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ: قَالَ أَبُو عُبَيْد: هِيَ النَّصِيب مِنْ سَمَك أَوْ لَحْم، يُقَال: تُخْبِرُوا خِبْرَة إِذَا اِشْتَرَوْا شَاة فَذَبَحُوهَا وَاقْتَسَمُوا لَحْمهَا.
وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ: مَأْخُوذَة مِنْ خَيْبَر لِأَنَّ أَوَّل هَذِهِ الْمُعَامَلَة كَانَ فيها.
وَفِي صِحَّة الْمُزَارَعَة وَالْمُخَابَرَة خِلَاف مَشْهُور لِلسَّلَفِ وَسَنُوضِحُهُ فِي بَاب بَعْده إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْمُعَاوَمَة وَهُوَ بَيْع السِّنِينَ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَبِيع ثَمَر الشَّجَرَة عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة أَوْ أَكْثَر، فَيُسَمَّى بَيْع الْمُعَاوَمَة وَبَيْع السِّنِينَ وَهُوَ بَاطِل بِالْإِجْمَاعِ، نَقَلَ الْإِجْمَاع فيه اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره لِهَذِهِ الْأَحَادِيث. وَلِأَنَّهُ بَيْع غَرَر وَلِأَنَّهُ بَيْع مَعْدُوم وَمَجْهُول غَيْر مَقْدُور عَلَى تَسْلِيمه وَغَيْر مَمْلُوك لِلْعَاقِدِ وَاَللَّه أَعْلَم.
2855- قَوْله: «نَهَى عَنْ بَيْع الثَّمَر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه وَلَا يُبَاع إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَم إِلَّا الْعَرَايَا» مَعْنَاهُ لَا يُبَاع الرُّطَب بَعْد بُدُوّ صَلَاحه بِتَمْرٍ، بَلْ يُبَاع بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَم وَغَيْرهمَا. وَالْمُمْتَنِع إِنَّمَا هُوَ بَيْعه بِالتَّمْرِ إِلَّا الْعَرَايَا فَيَجُوز بَيْع الرُّطَب فيها بِالتَّمْرِ بِشَرْطِهِ السَّابِق فِي بَابه.
2856- قَوْله: «نَهَى عَنْ بَيْع الثَّمَرَة حَتَّى تُطْعِم» هُوَ بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر الْعَيْن أَيْ يَبْدُو صَلَاحهَا وَتَصِير طَعَامًا يَطِيب أَكْلهَا.
2857- قَوْله: «نَهَى أَنْ تُشْتَرَى النَّخْل حَتَّى تُشْقِهِ وَالْأشْقَاهُ أَنْ يَحْمَرّ أَوْ يَصْفَرّ» وَفِي رِوَايَة: «حَتَّى تُشْقِح» بِالْحَاءِ هُوَ بِضَمِّ التَّاء وَإِسْكَان الشِّين فيهمَا وَتَخْفِيف الْقَاف وَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ الشِّين فِي (تَشُقّهُ) وَهُمَا جَائِزَانِ (تَشُقّهُ وَتُشْقِح) وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ (تَشُقّهُ) وَقَالَ: الْمَعْرُوف بِالْحَاءِ. وَالصَّحِيح جَوَازهمَا، وَقِيلَ: إِنَّ الْهَاء بَدَل مِنْ الْحَاء، كَمَا قَالُوا وَمَدْحُهُ وَمَدْهُهُ.
وَقَدْ فَسَّرَ الرَّاوِي (الشِّقَاه وَالْإِشْقَاح) بِالِاحْمِرَارِ وَالِاصْفِرَار، قَالَ أَهْل اللُّغَة: وَلَا يُشْتَرَط فِي ذَلِكَ حَقِيقَة الِاصْفِرَار وَالِاحْمِرَار بَلْ يَنْطَلِق عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم إِذَا تَغَيَّرَ يَسِيرًا إِلَى الْحُمْرَة أَوْ الصُّفْرَة.
قَالَ الْخَطَّابِيّ: الشَّقْحَة لَوْن غَيْر خَالِص الْحُمْرَة أَوْ الصُّفْرَة بَلْ هُوَ تَغَيُّر إِلَيْهِمَا فِي كُمُودَة.
قَوْله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الْمَكِّيّ عَنْ جَابِر) وَفِي رِوَايَة أُخْرَى (سَعِيد بْن مِينَاء عَنْ جَابِر) قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم أَبُو الْوَلِيد هَذَا اِسْمه يَسَار، قَالَ عَبْد الْغَنِيّ: هَذَا غَلَط إِنَّمَا هُوَ سَعِيد بْن مِينَاء الْمَذْكُور بِاسْمِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَقَدْ بَيَّنَهُ الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه.
2858- قَوْله: (سَلِيم بْن حَيَّان) بِفَتْحِ السِّين وَحَيَّانِ بِالْمُثَنَّاةِ و(سَعِيد بْن مِينَاء) بِالْمَدِّ وَالْقَصْر.
2859- قَوْله: (نَهَى عَنْ الثُّنْيَا) هِيَ اِسْتِثْنَاء، وَالْمُرَاد الِاسْتِثْنَاء فِي الْبَيْع. وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَغَيْره بِإِسْنَادِ صَحِيح: «نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ يَعْلَم». وَالثُّنْيَا الْمُبْطِلَة لِلْبَيْعِ، قَوْله: بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَة إِلَّا بَعْضهَا، وَهَذِهِ الْأَشْجَار أَوْ الْأَغْنَام أَوْ الثِّيَاب وَنَحْوهَا إِلَّا بَعْضهَا. فَلَا يَصِحّ الْبَيْع لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُول. فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الْأَشْجَار إِلَّا هَذِهِ الشَّجَرَة، أَوْ هَذِهِ الشَّجَرَة إِلَّا رُبُعهَا، أَوْ الصُّبْرَة إِلَّا ثُلُثهَا، أَوْ بِعْتُك بِأَلْفٍ إِلَّا دِرْهَمًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الثُّنْيَا الْمَعْلُومَة صَحَّ الْبَيْع بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء. وَلَوْ بَاعَ الصُّبْرَة إِلَّا صَاعًا مِنْهَا فَالْبَيْع بَاطِل عِنْد الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة، وَصَحَّحَ مَالِك أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَا لَا يَزِيد عَلَى ثُلُثهَا. أَمَّا إِذَا بَاعَ ثَمَرَة نَخَلَات فَاسْتَثْنَى مِنْ ثَمَرهَا عَشَرَة آصُع مِثْلًا لِلْبَائِعِ، فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَالْعُلَمَاء كَافَّة بُطْلَان الْبَيْع، وَقَالَ مَالِك وَجَمَاعَة مِنْ عُلَمَاء الْمَدِينَة يَجُوز ذَلِكَ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى قَدْر ثُلُث الثَّمَرَة.

.باب كِرَاءِ الأَرْضِ:

2861- قَوْله: «عَنْ جَابِر قَالَ: نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاء الْأَرْض»، وَفِي رِوَايَة: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَزْرَعهَا وَعَجَزَ عَنْهَا فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ الْمُسْلِم وَلَا يُؤَاجِرهَا إِيَّاهُ»، وَفِي رِوَايَة: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعهَا أَخَاهُ وَلَا يُكِرْهَا»، وَفِي رِوَايَة: «نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَة»، وَفِي رِوَايَة: «فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعهَا أَخَاهُ وَلَا تَبِيعُوهَا» وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي بِالْكِرَاءِ، وَفِي رِوَايَة: «فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَلْيَحْرُثْهَا أَخَاهُ وَإِلَّا فَلْيَدَعْهَا»، وَفِي رِوَايَة: «كُنَّا نَأْخُذ الْأَرْض بِالثُّلُثِ وَالرُّبْع بِالْمَاذِيَانَاتِ فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا فَإِنْ لَمْ يَزْرَعهَا فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَإِنْ لَمْ يَمْنَحهَا أَخَاهُ فَلْيُمْسِكْهَا»، وَفِي رِوَايَة: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْض فَلْيَهَبْهَا أَوْ لِيُعِرْهَا»، وَفِي رِوَايَة: «نَهَى عَنْ بَيْع أَرْض بَيْضَاء سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا»، وَفِي رِوَايَة: «نَهَى عَنْ الْحُقُول» وَفَسَّرَهُ جَابِر بِكِرَاءِ الْأَرْض، وَمِثْله مِنْ رِوَايَة أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ، وَفِي رِوَايَة اِبْن عُمَر: «كُنَّا نُكْرِي أَرْضنَا ثُمَّ تَرَكْنَا ذَلِكَ حِين سَمِعْنَا حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج» وَفِي رِوَايَة عَنْهُ: «كُنَّا لَا نَرَى بِالْخَبَرِ بَأْسًا حَتَّى كَانَ عَام أَوَّل فَزَعَمَ رَافِع أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ»، وَفِي رِوَايَة عَنْ نَافِع: «أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يُكْرِي مَزَارِعه عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي إِمَارَة أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَة مُعَاوِيَة ثُمَّ بَلَغَهُ آخِر خِلَافَة مُعَاوِيَة أَنَّ رَافِع بْن خَدِيج يُحَدِّث فيها بِنَهْيٍ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَأَنَا مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ كِرَاء الْمَزَارِع. فَتَرَكَهَا اِبْن عُمَر»، وَفِي رِوَايَة عَنْ حَنْظَلَة بْن قَيْس قَالَ: «سَأَلْت رَافِع بْن خَدِيج عَنْ كِرَاء الْأَرْض بِالذَّهَبِ وَالْوَرِق. فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ إِنَّمَا كَانَ النَّاس يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَات وَأَقْبَال الْجَدَاوِل وَأَشْيَاء مِنْ الزَّرْع فيهلِك هَذَا وَيُسْلَم هَذَا، وَيُسْلَم هَذَا وَيُهْلِك هَذَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كَرَاءٍ إِلَّا هَذَا فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ فَأَمَّا شَيْء مَعْلُوم مَضْمُون فَلَا بَأْس بِهِ» وَفِي رِوَايَة: «كُنَّا نُكُرِي الْأَرْض عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ وَلَهُمْ هَذِهِ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تَخْرُج هَذِهِ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الْوَرِق فَلَمْ يَنْهَنَا»، وَفِي رِوَايَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَعْقِل بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَالْقَاف قَالَ: «زَعَمَ ثَابِت- يَعْنِي اِبْن الضَّحَّاك- أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَة وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ وَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ» أَمَّا (الْمَاذِيَانَات) فَبِذَالٍ مُعْجَمَة مَكْسُورَة ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة تَحْت، ثُمَّ أَلِف ثُمَّ نُون ثُمَّ أَلِف ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْق هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض الرُّوَاة فَتْح الذَّال فِي غَيْر صَحِيح مُسْلِم وَهِيَ مَسَايِل الْمِيَاه، وَقِيلَ: مَا يَنْبُت عَلَى حَافَّتَيْ مَسِيل الْمَاء.
وَقِيلَ: مَا يَنْبُت حَوْل السَّوَاقِي. وَهِيَ لَفْظَة مُعَرَّبَة لَيْسَتْ عَرَبِيَّة وَأَمَّا قَوْله: (وَأَقْبَال) فَبِفَتْحِ الْهَمْزَة أَيْ أَوَائِلهَا وَرُءُوسهَا، وَالْجَدَاوِل جَمْع جَدْوَل وَهُوَ النَّهْر الصَّغِير كَالسَّاقِيَةِ، وَأَمَّا الرَّبِيع فَهُوَ السَّاقِيَة الصَّغِيرَة وَجَمْعه أَرْبِعَاء كَنَبِيٍّ وَأَنْبِيَاء وَرِبْعَان كَصَبِيٍّ وَصِبْيَان. وَمَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظ أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْفَعُونَ الْأَرْض إِلَى مَنْ يَزْرَعهَا بِبَذْرٍ مِنْ عِنْده عَلَى أَنْ يَكُون لِمَالِك الْأَرْض مَا يَنْبُت عَلَى الْمَاذِيَانَات وَأَقْبَال الْجَدَاوِل، أَوْ هَذِهِ الْقِطْعَة وَالْبَاقِي لِلْعَامِلِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ لِمَا فيه مِنْ الْغَرَر فَرُبَّمَا هَلَكَ هَذَا دُون ذَاكَ وَعَكْسه.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كِرَاء الْأَرْض فَقَالَ طَاوُس وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ: لَا يَجُوز بِكُلِّ حَال سَوَاء أَكْرَاهَا بِطَعَامٍ أَوْ ذَهَب أَوْ فِضَّة أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ زَرْعهَا لِإِطْلَاقِ حَدِيث النَّهْي عَنْ كِرَاء الْأَرْض.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَكَثِيرُونَ: تَجُوز إِجَارَتهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّة وَبِالطَّعَامِ وَالثِّيَاب وَسَائِر الْأَشْيَاء سَوَاء كَانَ مِنْ جِنْس مَا يَزْرَع فيها أَمْ مِنْ غَيْره وَلَكِنْ لَا تَجُوز إِجَارَتهَا بِجُزْءِ مَا يَخْرُج مِنْهَا كَالثُّلُثِ وَالرُّبُع وَهِيَ الْمُخَابَرَة. وَلَا يَجُوز أَيْضًا أَنْ يُشْتَرَط لَهُ زَرْع قِطْعَة مُعَيَّنَة وَقَالَ رَبِيعَة: يَجُوز بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّة فَقَطْ، وَقَالَ مَالِك: يَجُوز بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّة وَغَيْرهمَا إِلَّا الطَّعَام، وَقَالَ أَحْمَد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَجَمَاعَة مِنْ الْمَالِكِيَّة وَآخَرُونَ: تَجُوز إِجَارَتهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّة وَتَجُوز الْمُزَارَعَة بِالثُّلُثِ وَالرُّبُع وَغَيْرهمَا، وَبِهَذَا قَالَ اِبْن شُرَيْح وَابْن خُزَيْمَةَ وَالْخَطَّابِيّ وَغَيْرهمْ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابنَا وَهُوَ الرَّاجِح الْمُخْتَار وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَاب الْمُسَاقَاة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
فَأَمَّا طَاوُس وَالْحَسَن فَقَدْ ذَكَرْنَا حُجَّتهمَا، وَأَمَّا الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقُوهُ فَاعْتَمَدُوا بِصَرِيحِ رِوَايَة رَافِع بْن خَدِيج وَثَابِت بْن الضَّحَّاك السَّابِقَيْنِ فِي جَوَاز الْإِجَارَة بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّة وَنَحْوهمَا، وَتَأَوَّلُوا أَحَادِيث النَّهْي تَأْوِيلَيْنِ: أَحَدهمَا حَمْلهَا عَلَى إِجَارَتهَا بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَات أَوْ بِزَرْعِ قِطْعَة مُعَيَّنَة أَوْ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُع وَنَحْو ذَلِكَ كَمَا فَسَّرَهُ الرُّوَاة فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرْنَاهَا؛ وَالثَّانِي حَمْلهَا عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه وَالْإِرْشَاد إِلَى إِعَارَتهَا كَمَا نَهَى عَنْ بَيْع الْغَرَر نَهْي تَنْزِيه بَلْ يَتَوَاهَبُونَهُ وَنَحْو ذَلِكَ. وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ لابد مِنْهَا أَوْ مِنْ أَحَدهمَا لِلْجَمْعِ بَيْن الْأَحَادِيث.
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيل الثَّانِي الْبُخَارِيّ وَغَيْره وَمَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَاَللَّه أَعْلَم.
2862- سبق شرحه بالباب.
2863- سبق شرحه بالباب.
2864- سبق شرحه بالباب.
2865- سبق شرحه بالباب.
2866- سبق شرحه بالباب.
2867- سبق شرحه بالباب.
2868- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْ لِيَزْرَعهَا أَخَاهُ» أَيْ يَجْعَلهَا مَزْرَعَة لَهُ وَمَعْنَاهُ يُعِيرهُ إِيَّاهَا بِلَا عِوَض وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ» بِفَتْحِ الْيَاء وَالنُّون أَيْ يَجْعَلهَا مَنِيحَة أَيْ عَارِيَة، وَأَمَّا الْكِرَاء فَمَمْدُود وَيُكْرِي بِضَمِّ الْيَاء.
2869- قَوْله: «فَتُصِيب مِنْ الْقِصْرِيّ» هُوَ بِقَافٍ مَكْسُورَة ثُمَّ صَاد مُهْمَلَة سَاكِنَة ثُمَّ رَاء مَكْسُورَة ثُمَّ يَاء مُشَدَّدَة عَلَى وَزْن الْقِبْطِيّ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُور وَهُوَ الْمَشْهُور.
قَالَ الْقَاضِي: هَكَذَا رُوِّينَاهُ عَنْ أَكْثَرهمْ. وَعَنْ الطَّبَرِيّ بِفَتْحِ الْقَاف وَالرَّاء مَقْصُورَة، وَعَنْ اِبْن الْخُزَاعِيّ بِضَمِّ الْقَاف مَقْصُورَة.
قَالَ: الصَّوَاب الْأَوَّل هُوَ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَبّ فِي السُّنْبُل بَعْد الدِّيَاس. وَيُقَال لَهُ: الْقُصَارَة بِضَمِّ الْقَاف وَهَذَا الِاسْم أَشْهَر مِنْ الْقِصْرِيّ.
2870- سبق شرحه بالباب.
2871- سبق شرحه بالباب.
2872- سبق شرحه بالباب.
2873- سبق شرحه بالباب.
2874- سبق شرحه بالباب.
2875- سبق شرحه بالباب.
2876- سبق شرحه بالباب.
2877- سبق شرحه بالباب.
2878- سبق شرحه بالباب.
2879- قَوْله: «كُنَّا لَا نَرَى بِالْخِبْرِ بَأْسًا» ضَبَطْنَاهُ بِكَسْرِ الْخَاء وَفَتْحهَا وَالْكَسْر أَصَحّ وَأَشْهَر وَلَمْ يَذْكُر الْجَوْهَرِيّ وَآخَرُونَ مِنْ أَهْل اللُّغَة غَيْره. وَحَكَى الْقَاضِي فيه الْكَسْر وَالْفَتْح وَالضَّمّ وَرُجِّحَ الْكَسْر ثُمَّ الْفَتْح وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُخَابَرَة.
2882- قَوْله: «أَتَاهُ بِالْبَلَاطِ» هُوَ بِفَتْحِ الْبَاء مَكَان مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ مُبَلَّط بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ بِقُرْبِ مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2883- قَوْله: (عَنْ نَافِع أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يَأْخُذ الْأَرْض فَنُبِّئَ حَدِيثًا عَنْ رَافِع بْن خَدِيج) فَذَكَرُوا فِي آخِره فَتَرَكَهُ اِبْن عُمَر وَلَمْ يَأْخُذهُ، هَكَذَا هُوَ فِي كَثِير مِنْ النُّسَخ (يَأْخُذ) بِالْخَاءِ وَالذَّال مِنْ الْأَخْذ، وَفِي كَثِير مِنْهَا (يَأْجُر) بِالْجِيمِ الْمَضْمُومَة وَالرَّاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
قَالَ الْقَاضِي وَصَاحِب الْمَطَالِع: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف لِجُمْهُورِ رُوَاة صَحِيح مُسْلِم.
قَالَ صَاحِب الْمَطَالِع: وَالْأَوَّل تَصْحِيف وَفِي بَعْض النُّسَخ (يُؤَاجِر) وَهَذَا صَحِيح.
2884- قَوْله: (أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَ يُكْرِي أَرَضِيه) كَذَا فِي بَعْض النُّسَخ (أَرْضِيهِ) بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْر الضَّاد عَلَى الْجَمْع وَفِي بَعْضهَا (أَرْضه) عَلَى الْإِفْرَاد وَكِلَاهُمَا صَحِيح.

.باب كِرَاءِ الأَرْضِ بِالطَّعَامِ:

2886- قَوْله: (عَنْ أَبِي النَّجَاشِيّ عَنْ رَافِع أَنَّ ظَهِير بْن رَافِع وَهُوَ عَمّه قَالَ: أَتَانِي ظَهِير فَقَالَ: لَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ وَهُوَ صَحِيح وَتَقْدِيره عَنْ رَافِع أَنَّ ظَهِيرًا عَمّه حَدَّثَهُ بِحَدِيثٍ.
قَالَ رَافِع فِي بَيَان ذَلِكَ الْحَدِيث: أَتَانِي ظَهِير، فَقَالَ: لَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا التَّقْدِير دَلَّ عَلَيْهِ فَحْوَى الْكَلَام وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ (أَنْبَأَنِي) بَدَل (أَتَانِي) وَالصَّوَاب الْمُنْتَظِم (أَتَانِي) مِنْ الْإِتْيَان.
قَوْله فِي هَذَا الْحَدِيث: «نُؤَاجِرهَا يَا رَسُول اللَّه عَلَى الرَّبِيع أَوْ الْأَوْسُق» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ (الرَّبِيع) وَهِيَ السَّاقِيَّة وَالنَّهْر الصَّغِير، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة اِبْن مَاهَان (الرُّبْع) بِضَمِّ الرَّاء وَبِحَذْفِ الْيَاء وَهُوَ أَيْضًا صَحِيح.

.باب الأَرْضِ تُمْنَحُ:

2892- قَوْله: (أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ لِطَاوُسٍ: اِنْطَلِقْ بِنَا إِلَى اِبْن رَافِع بْن خَدِيج فَاسْمَعْ مِنْهُ الْحَدِيث عَنْ أَبِيهِ) رَوَى (فَاسْمَعْ) بِوَصْلِ الْهَمْزَة مَجْزُومًا عَلَى الْأَمْر، وَبِقَطْعِهَا مَرْفُوعًا عَلَى الْخَبَر، وَكِلَاهُمَا صَحِيح وَالْأَوَّل أَجْوَد.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْخُذ عَلَيْهَا خَرْجًا» أَيْ أُجْرَة وَاَللَّه أَعْلَم.

.كتاب المساقاة:

.باب الْمُسَاقَاةِ وَالْمُعَامَلَةِ بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ:

2896- قَوْله: «إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْل خَيْبَر بِشَطْرِ مَا يَخْرُج مِنْهَا مِنْ ثَمَر أَوْ زَرْع» وَفِي رِوَايَة: «عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالهمْ، وَلِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَطْر ثَمَرهَا» فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز الْمُسَاقَاة، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد، وَجَمِيع فُقَهَاء الْمُحَدِّثِينَ، وَأَهْل الظَّاهِر، وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يَجُوز، وَتَأَوَّلَ هَذِهِ الْأَحَادِيث عَلَى أَنَّ خَيْبَر فُتِحَتْ عَنْوَة، وَكَانَ أَهْلهَا عَبِيدًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ، وَمَا تَرَكَهُ فَهُوَ لَهُ.
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِظَوَاهِر هَذِهِ الْأَحَادِيث، وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُقِرّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّه» وَهَذَا حَدِيث صَرِيح فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَبِيدًا.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ اِخْتَلَفُوا فِي خَيْبَر هَلْ فُتِحَتْ عَنْوَة، أَوْ صُلْحًا، أَوْ بِجَلَاءِ أَهْلهَا عَنْهَا بِغَيْرِ قِتَال، أَوْ بَعْضهَا صُلْحًا، وَبَعْضهَا عَنْوَة، وَبَعْضهَا جَلَا عَنْهُ أَهْله، أَوْ بَعْضهَا صُلْحًا، وَبَعْضهَا عَنْوَة؟ قَالَ: وَهَذَا أَصَحّ الْأَقْوَال، وَهِيَ رِوَايَة مَالِك وَمَنْ تَابَعَهُ، وَبِهِ قَالَ اِبْن عُيَيْنَةَ.
قَالَ: وَفِي كُلّ قَوْل أَثَر مَرْوِيّ. وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَر أَرَادَ إِخْرَاج الْيَهُود مِنْهَا، وَكَانَتْ الْأَرْض حِين ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا يَدُلّ لِمَنْ قَالَ عَنْوَة إِذْ حَقّ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْعَنْوَة، وَظَاهِر قَوْل مَنْ قَالَ صُلْحًا أَنَّهُمْ صُولِحُوا عَلَى كَوْن الْأَرْض لِلْمُسْلِمِينَ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا تَجُوز عَلَيْهِ الْمُسَاقَاة مِنْ الْأَشْجَار، فَقَالَ دَاوُدَ: يَجُوز عَلَى النَّخْل خَاصَّة، وَقَالَ الشَّافِعِيّ: عَلَى النَّخْل وَالْعِنَب خَاصَّة، وَقَالَ مَالِك: تَجُوز عَلَى جَمِيع الْأَشْجَار، وَهُوَ قَوْل لِلشَّافِعِيِّ. فَأَمَّا دَاوُدَ فَرَآهَا رُخْصَة فَلَمْ يَتَعَدَّ فيه الْمَنْصُوص عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيّ فَوَافَقَ دَاوُدَ فِي كَوْنهَا رُخْصَة، لَكِنْ قَالَ: حُكْم الْعِنَب حُكْم النَّخْل فِي مُعْظَم الْأَبْوَاب.
وَأَمَّا مَالِك فَقَالَ: سَبَب الْجَوَاز الْحَاجَة وَالْمَصْلَحَة. وَهَذَا يَشْمَل الْجَمِيع فَيُقَاسَ عَلَيْهِ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «بِشَطْرِ مَا يَخْرُج مِنْهَا» فِي بَيَان الْجُزْء الْمُسَاقِي عَلَيْهِ مِنْ نِصْف أَوْ رُبُع أَوْ غَيْرهمَا مِنْ الْأَجْزَاء الْمَعْلُومَة، فَلَا يَجُوز عَلَى مَجْهُول كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَعْض الثَّمَر. وَاتَّفَقَ الْمُجَوِّزُونَ لِلْمُسَاقَاةِ عَلَى جَوَازهَا بِمَا اِتَّفَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيل أَوْ كَثِير.
قَوْله: «مِنْ ثَمَر أَوْ زَرْع» يَحْتَجّ بِهِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقُوهُ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ فِي جَوَاز الْمُزَارَعَة تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُزَارَعَة عِنْدهمْ لَا تَجُوز مُنْفَرِدَة، فَتَجُوز تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، فَيُسَاقِيه عَلَى النَّخْل، وَيُزَارِعهُ عَلَى الْأَرْض كَمَا جَرَى فِي خَيْبَر.
وَقَالَ مَالِك: لَا تَجُوز الْمُزَارَعَة لَا مُنْفَرِدَة وَلَا تَبَعًا إِلَّا مَا كَانَ مِنْ الْأَرْض بَيْن الشَّجَر.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَزُفَر: الْمُزَارَعَة وَالْمُسَاقَاة فَاسِدَتَانِ سَوَاء جَمَعَهُمَا أَوْ فَرَّقَهُمَا. وَلَوْ عُقِدَتَا فَسَخَتَا.
وَقَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو يُوسُف، وَمُحَمَّد، وَسَائِر الْكُوفِيِّينَ، وَفُقَهَاء الْمُحَدِّثِينَ، وَأَحْمَد، وَابْن خُزَيْمَةَ، وَابْن شُرَيْح وَآخَرُونَ: تَجُوز الْمُسَاقَاة وَالْمُزَارَعَة مُجْتَمِعَتَيْنِ، وَتَجُوز كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا مُنْفَرِدَة. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر الْمُخْتَار لِحَدِيثِ خَيْبَر. وَلَا يُقْبَل دَعْوَى كَوْن الْمُزَارَعَة فِي خَيْبَر إِنَّمَا جَازَتْ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، بَلْ جَازَتْ مُسْتَقِلَّة، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّز لِلْمُسَاقَاةِ مَوْجُود فِي الْمُزَارَعَة قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاض؛ فَإِنَّهُ جَائِز بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ كَالْمُزَارَعَةِ فِي كُلّ شَيْء، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيع الْأَمْصَار وَالْأَعْصَار مُسْتَمِرُّونَ عَلَى الْعَمَل بِالْمُزَارَعَةِ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيث السَّابِقَة فِي النَّهْي عَنْ الْمُخَابَرَة فَسَبَقَ الْجَوَاب عَنْهَا، وَأَنَّهَا مَحْمُولَة عَلَى مَا إِذَا شَرَطَا لِكُلِّ وَاحِد قِطْعَة مُعَيَّنَة مِنْ الْأَرْض.
وَقَدْ صَنَّفَ اِبْن خُزَيْمَةَ كِتَابًا فِي جَوَاز الْمُزَارَعَة، وَاسْتَقْصَى فيه وَأَجَادَ، وَأَجَابَ عَنْ الْأَحَادِيث بِالنَّهْيِ. وَاَللَّه أَعْلَم.
2897- قَوْله: «فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجه كُلّ سَنَة مِائَة وَسْق ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْر وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِير» قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْبَيَاض الَّذِي كَانَ بِخَيْبَر الَّذِي هُوَ مَوْضِع الزَّرْع أَقَلّ مِنْ الشَّجَر. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلِيل لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ الْأَرْض الَّتِي تُفْتَح عَنْوَة تُقَسَّم بَيْن الْغَانِمِينَ الَّذِينَ اِفْتَتَحُوهَا كَمَا تُقَسَّم بَيْنهمْ الْغَنِيمَة الْمَنْقُولَة بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ خَيْبَر بَيْنهمْ.
قَالَ مَالِك وَأَصْحَابه: يَقِفهَا الْإِمَام عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي أَرْض سَوَاد الْعِرَاق.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالْكُوفِيُّونَ: يَتَخَيَّر الْإِمَام بِحَسَبِ الْمَصْلَحَة فِي قِسْمَتهَا أَوْ تَرْكهَا فِي أَيْدِي مَنْ كَانَتْ لَهُمْ بِخَرَاجٍ يُوَظِّفهُ عَلَيْهَا، وَتَصِير مِلْكًا لَهُمْ كَأَرْضِ الصُّلْح.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُقِرّكُمْ فيها عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» وَفِي رِوَايَة الْمُوَطَّأ: «أُقِرّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّه» قَالَ الْعُلَمَاء: وَهُوَ عَائِد إِلَى مُدَّة الْعَهْد، وَالْمُرَاد إِنَّمَا نُمَكِّنكُمْ مِنْ الْمُقَام فِي خَيْبَر مَا شِئْنَا، ثُمَّ نُخْرِجكُمْ إِذَا شِئْنَا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَازِمًا عَلَى إِخْرَاج الْكُفَّار مِنْ جَزِيرَة الْعَرَب كَمَا أَمَرَ بِهِ فِي آخِر عُمْره، وَكَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيث وَغَيْره.
وَاحْتَجَّ أَهْل الظَّاهِر بِهَذَا عَلَى جَوَاز الْمُسَاقَاة مُدَّة مَجْهُولَة.
وَقَالَ الْجُمْهُور: لَا تَجُوز الْمُسَاقَاة إِلَّا إِلَى مُدَّة مَعْلُومَة كَالْإِجَارَةِ، وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيث عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. جَازَ ذَلِكَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام خَاصَّة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ لَنَا إِخْرَاجكُمْ بَعْد اِنْقِضَاء الْمُدَّة الْمُسَمَّاة، وَكَانَتْ سُمِّيَتْ مُدَّة، وَيَكُون الْمُرَاد بَيَان أَنَّ الْمُسَاقَاة لَيْسَتْ بِعَقْدٍ دَائِم كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاح، بَلْ بَعْد اِنْقِضَاء الْمُدَّة تَنْقَضِي الْمُسَاقَاة. فَإِنْ شِئْنَا عَقَدْنَا عَقْدًا آخَر، وَإِنْ شِئْنَا أَخْرَجْنَاكُمْ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِذَا أَطْلَقَا الْمُسَاقَاة اِقْتَضَى ذَلِكَ سَنَة وَاحِدَة وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «وَكَانَ الثَّمَر يُقْسَم عَلَى السُّهْمَان فِي نِصْف خَيْبَر، فَيَأْخُذ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُمُس» هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ خَيْبَر فُتِحَتْ عَنْوَة لِأَنَّ السُّهْمَان كَانَتْ لِلْغَانِمِينَ. وَقَوْله: «يَأْخُذ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُمُس» أَيْ يَدْفَعهُ إِلَى مُسْتَحَقّه وَهُمْ خَمْسَة الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} فَيَأْخُذ لِنَفْسِهِ خُمُسًا وَاحِدًا مِنْ الْخُمُس، وَيَصْرِف الْأَخْمَاس الْبَاقِيَة مِنْ الْخُمُس إِلَى الْأَصْنَاف الْأَرْبَعَة الْبَاقِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَة مَعَ أَهْل خَيْبَر كَانَتْ بِرِضَى الْغَانِمِينَ وَأَهْل السُّهْمَان.
وَقَدْ اِقْتَسَمَ أَهْل السُّهْمَان سُهْمَانهمْ، وَصَارَ لِكُلِّ وَاحِد سَهْم مَعْلُوم.
قَوْله: «فَلَمَّا وَلِيَ عُمَر قَسْم خَيْبَر» يَعْنِي قَسْمهَا بَيْن الْمُسْتَحَقِّينَ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ نَفْس الْأَرْض حِين أَخَذَهَا مِنْ الْيَهُود حِين أَجَلَاهُمْ عَنْهَا.
2898- قَوْله: «عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالهمْ» بَيَان لِوَظِيفَةِ عَامِل الْمُسَاقَاة، وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ كُلّ مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ فِي إِصْلَاح الثَّمَر وَاسْتِزَادَته مِمَّا يَتَكَرَّر كُلّ سَنَة كَالسَّقْيِ وَتَنْقِيَة الْأَنْهَار، وَإِصْلَاح مَنَابِت الشَّجَر، وَتَلْقِيحه، وَتَنْحِيَة الْحَشِيش وَالْقُضْبَان عَنْهُ، وَحِفْظ الثَّمَرَة وَجُذَاذهَا، وَنَحْو ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا يُقْصَد بِهِ حِفْظ الْأَصْل، وَلَا يَتَكَرَّر كُلّ سَنَة، كَبِنَاءِ الْحِيطَان وَحَفْر الْأَنْهَار فَعَلَى الْمَالِك. وَاَللَّه أَعْلَم.
2899- قَوْله: (فَأَجَلَاهُمْ عُمَر إِلَى تَيْمَاء وَأَرِيحَاء) هُمَا مَمْدُودَتَانِ، وَهُمَا قَرْيَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ مُرَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَة الْعَرَب إِخْرَاجهمْ مِنْ بَعْضهَا، وَهُوَ الْحِجَاز خَاصَّة، لِأَنَّ تَيْمَاء مِنْ جَزِيرَة الْعَرَب، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْحِجَاز. وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب فَضْلِ الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ:

2900- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِم يَغْرِس غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أَكْل مِنْهُ لَهُ صَدَقَة، وَمَا سَرَقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَة، وَمَا أَكْل السَّبُع فَهُوَ لَهُ صَدَقَة، وَمَا أَكَلَتْ الطَّيْر فَهُوَ لَهُ صَدَقَة، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَد إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَة» وَفِي رِوَايَة: «لَا يَغْرِس مُسْلِم غَرْسًا، وَلَا يَزْرَع زَرْعًا فَيَأْكُل مِنْهُ إِنْسَان وَلَا دَابَّة وَلَا شَيْء إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَة» وَفِي رِوَايَة: «إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث فَضِيلَة الْغَرْس، وَفَضِيلَة الزَّرْع، وَأَنَّ أَجْر فَاعِلِي ذَلِكَ مُسْتَمِرّ مَا دَامَ الْغِرَاس وَالزَّرْع، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَطْيَب الْمَكَاسِب وَأَفْضَلهَا فَقِيلَ: التِّجَارَة، وَقِيلَ: الصَّنْعَة بِالْيَدِ، وَقِيلَ: الزِّرَاعَة، وَهُوَ الصَّحِيح، وَقَدْ بَسَطْت إِيضَاحه فِي آخِر بَاب الْأَطْعِمَة مِنْ شَرْح الْمُهَذَّب.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث أَيْضًا أَنَّ الثَّوَاب وَالْأَجْر فِي الْآخِرَة مُخْتَصّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ الْإِنْسَان يُثَاب عَلَى مَا سُرِقَ مِنْ مَاله أَوْ أَتْلَفَتْهُ دَابَّة أَوْ طَائِر وَنَحْوهمَا.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَرْزَؤُهُ» هُوَ بِرَاءٍ ثُمَّ زَاي بَعْدهَا هَمْزَة أَيْ يَنْقُصهُ وَيَأْخُذ مِنْهُ.
2901- قَوْله فِي رِوَايَة اللَّيْث: «عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمّ مُبَشِّر الْأَنْصَارِيَّة فِي نَخْل لَهَا» هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر النُّسَخ: «دَخَلَ عَلَى أُمّ مُبَشِّر»، وَفِي بَعْضهَا: «دَخَلَ عَلَى أُمّ مَعْبَد، أَوْ أُمّ مُبَشِّر» قَالَ الْحَافِظ الْمَعْرُوف فِي رِوَايَة اللَّيْث أُمّ مُبَشِّر بِلَا شَكّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة غَيْره (أُمّ مَعْبَد) كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد هَذِهِ الرِّوَايَة، وَيُقَال فيها أَيْضًا: (أُمّ بَشِير)، فَحَصَلَ أَنَّهُ يُقَال لَهَا أُمّ مُبَشِّر، وَأُمّ مَعْبَد، وَأُمّ بَشِير. قِيلَ: اِسْمهَا الْخُلَيْدَة بِضَمِّ الْخَاء، وَلَمْ يَصِحّ، وَهِيَ اِمْرَأَة زَيْد بْن حَارِثَة، أَسْلَمَتْ، وَبَايَعَتْ.
2903- قَوْله: (حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سَعِيد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا رَوْح بْن عُبَادَة حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْن إِسْحَاق أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار أَنَّهُ سَمِعَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه) قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِيّ هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخ مُسْلِم فِي هَذَا الْحَدِيث: عَمْرو بْن دِينَار، وَالْمَعْرُوف فيه أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر.
قَوْله: (عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر زَادَ عَمْرو فِي رِوَايَته عَنْ عَمَّار، وَأَبُو بَكْر فِي رِوَايَته عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة فَقَالَا: عَنْ أُمّ مُبَشِّر) إِلَى آخِره هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخ مُسْلِم: (وَأَبُو بَكْر)، وَوَقَعَ فِي بَعْضهَا: (وَأَبُو كُرَيْب) بَدَل أَبِي بَكْر.
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْضهمْ: الصَّوَاب أَبُو كُرَيْب لِأَنَّ أَوَّل الْإِسْنَاد لِأَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ حَفْص بْن غِيَاث، وَلِأَبِي كُرَيْب وَإِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة فَالرَّاوِي عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة هُوَ أَبُو كُرَيْب لَا أَبُو بَكْر، وَهَذَا وَاضِح وَبَيِّن، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.

.باب وَضْعِ الْجَوَائِحِ:

2905- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ بِعْت مِنْ أَخِيك ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَة فَلَا يَحِلّ لَك أَنْ تَأْخُذ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذ مَال أَخِيك بِغَيْرِ حَقّ؟» وَفِي رِوَايَة عَنْ أَنَس: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْع النَّخْل حَتَّى تَزْهُو، فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: مَا زَهْوهَا؟ قَالَ: تَحْمَرّ وَتَصْفَرّ، أَرَأَيْتُك إِنْ مَنْع اللَّه الثَّمَرَة بِمَ تَسْتَحِلّ مَال أَخِيك؟» وَفِي رِوَايَة عَنْ أَنَس: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنْ لَمْ يُثْمِرهَا اللَّه فَبِمَ يَسْتَحِلّ أَحَدكُمْ مَال أَخِيهِ؟» وَعَنْ جَابِر: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِح» وَعَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ: «أُصِيب رَجُل فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمَار اِبْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنه فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ النَّاس عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغ ذَلِكَ وَفَاء دَيْنه، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَائِهِ خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الثَّمَرَة إِذَا بِيعَتْ بَعْد بُدُوّ الصَّلَاح، وَسَلَّمَهَا الْبَائِع إِلَى الْمُشْتَرِي بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنه وَبَيْنهَا، ثُمَّ تَلِفَتْ قَبْل أَوَان الْجُذَاذ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّة، هَلْ تَكُون مِنْ ضَمَان الْبَائِع أَوْ الْمُشْتَرِي؟ فَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي أَصَحّ قَوْلَيْهِ، وَأَبُو حَنِيفَة وَاللَّيْث بْن سَعْد وَآخَرُونَ: هِيَ فِي ضَمَان الْمُشْتَرِي، وَلَا يَجِب وَضْع الْجَائِحَة، لَكِنْ يُسْتَحَبّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَطَائِفَة: هِيَ فِي ضَمَان الْبَائِع، وَيَجِب وَضْع الْجَائِحَة.
وَقَالَ مَالِك: إِنْ كَانَتْ دُون الثُّلُث لَمْ يَجِب وَضْعهَا، وَإِنْ كَانَتْ الثُّلُث فَأَكْثَر وَجَبَ وَضْعهَا وَكَانَتْ مِنْ ضَمَان الْبَائِع.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِوَضْعِهَا بِقَوْلِهِ: «أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِح»، وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا يَحِلّ لَك أَنْ تَأْخُذ مِنْهُ شَيْئًا» وَلِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَاقِيَة فِي يَد الْبَائِع مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَلْزَمهُ سَقْيهَا، فَكَأَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْل الْقَبْض فَكَانَتْ مِنْ ضَمَان الْبَائِع.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجِب وَضْعهَا بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فِي ثِمَار اِبْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنه» فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ، وَدَفَعَهُ إِلَى غُرَمَائِهِ؛ فَلَوْ كَانَتْ تُوضَع لَمْ يُفْتَقَر إِلَى ذَلِكَ. وَحَمَلُوا الْأَمْر بِوَضْعِ الْجَوَائِح عَلَى الِاسْتِحْبَاب، أَوْ فِيمَا بِيعَ قَبْل بُدُوّ الصَّلَاح، وَقَدْ أَشَارَ فِي بَعْض هَذِهِ الرِّوَايَات الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إِلَى شَيْء مِنْ هَذَا، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ قَوْله: «فَكَثُرَ دَيْنه» إِلَى آخِره بِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَنَّهَا تَلْفِت بَعْد أَوَان الْجُذَاذ وَتَفْرِيط الْمُشْتَرِي فِي تَرْكهَا بَعْد ذَلِكَ عَلَى الشَّجَر فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُون مِنْ ضَمَان الْمُشْتَرِي. قَالُوا: وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الْحَدِيث: «لَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» وَلَوْ كَانَتْ الْجَوَائِح لَا تُوضَع لَكَانَ لَهُمْ طَلَب بَقِيَّة الدَّيْن. وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ لَكُمْ الْآن إِلَّا هَذَا، وَلَا تَحِلّ لَكُمْ مُطَالَبَته مَا دَامَ مُعْسِرًا، بَلْ يَنْظُر إِلَى مَيْسَرَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة التَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى، وَمُوَاسَاة الْمُحْتَاج وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْن، وَالْحَثّ عَلَى الصَّدَقَة عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْمُعْسِر لَا تَحِلّ مُطَالَبَته وَلَا مُلَازَمَته وَلَا سِجْنه، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَجُمْهُورهمْ، وَحُكِيَ عَنْ اِبْن شُرَيْح حَبْسه حَتَّى يَقْضِي الدَّيْن، وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ إِعْسَاره، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَة مُلَازَمَته.
وَفيه أَنْ يُسَلِّم إِلَى الْغُرَمَاء جَمِيع مَال الْمُفْلِس مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنهمْ، وَلَا يَتْرُك لِلْمُفْلِسِ سِوَى ثِيَابه وَنَحْوهَا. وَهَذَا الْمُفْلِس الْمَذْكُور قِيلَ: هُوَ مُعَاذ بْن جَبَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
2906- سبق شرحه بالباب.
2907- سبق شرحه بالباب.
2908- قَوْله حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبَّاد حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنْ لَمْ يُثْمِرهَا اللَّه فَبِمَ يَسْتَحِلّ أَحَدكُمْ مَال أَخِيهِ؟» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا وَهْم مِنْ مُحَمَّد بْن عَبَّاد، أَوْ مِنْ عَبْد الْعَزِيز فِي حَال إِسْمَاعه مُحَمَّدًا؛ لِأَنَّ إِبْرَاهِيم بْن حَمْزَة سَمِعَهُ مِنْ عَبْد الْعَزِيز مَفْصُولًا مُبَيَّنًا أَنَّهُ مِنْ كَلَام أَنَس، وَهُوَ الصَّوَاب، وَلَيْسَ مِنْ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسْقَطَ مُحَمَّد بْن عَبَّاد كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتَى بِكَلَامِ أَنَس، وَجَعَلَهُ مَرْفُوعًا، وَهُوَ خَطَأ.
2909- قَوْله: (قَالَ أَبُو إِسْحَاق: حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن بِشْر عَنْ سُفْيَان بِهَذَا) أَبُو إِسْحَاق هَذَا هُوَ إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن سُفْيَان، رُوِيَ هَذَا الْكِتَاب عَنْ مُسْلِم، وَمُرَاده أَنَّهُ عَلَا بِرَجُلٍ فَصَارَ فِي رِوَايَة هَذَا الْحَدِيث كَشَيْخِهِ مُسْلِم بَيْنه وَبَيْن سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ وَاحِد فَقَطْ. وَاَللَّه أَعْلَم.