فصل: (بَاب مُبَاشَرَة الْحَائِض فَوْق الْإِزَار):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.كتاب الحيض:

.(بَاب مُبَاشَرَة الْحَائِض فَوْق الْإِزَار):

فيه: عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَمَرَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَأْتَزِر فِي فَوْر حَيْضَتهَا ثُمَّ يُبَاشِرهَا، قَالَتْ: وَأَيّكُمْ يَمْلِك إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِك إِرْبه».
وَفيه: مَيْمُونَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِر نِسَاءَهُ فَوْق الْإِزَار وَهُنَّ حُيَّضٌ» هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُول فِي الرِّوَايَة فِي الْكِتَاب عَنْ عَائِشَة: كَانَ إِحْدَانَا مِنْ غَيْر (تَاء) فِي (كَانَ) وَهُوَ صَحِيح، فَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابه فِي بَاب مَا جَرَى مِنْ الْأَسْمَاء- الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَفْعَال، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الصِّفَات- مَجْرَى الْفِعْل، قَالَ: وَقَالَ بَعْض الْعَرَب: قَالَ اِمْرَأَة، فَهَذَا نَقْلُ الْإِمَام هَذِهِ الصِّيغَة أَنَّهُ يَجُوز حَذْف التَّاء مِنْ فِعْلِ مَاله فَرْج مِنْ غَيْر فَصْلٍ، وَقَدْ نَقَلَهُ أَيْضًا الْإِمَام أَبُو الْحُسَيْن بْن خَرُوف فِي شَرْح الْجُمَلِ، وَذَكَرَهُ آخَرُونَ، وَيَجُوز أَنْ تَكُون (كَانَ) هُنَا الَّتِي لِلشَّأْنِ وَالْقِصَّة أَيْ كَانَ الْأَمْر أَوْ الْحَال ثُمَّ اِبْتَدَأَتْ فَقَالَتْ: إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَمَرَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَقَوْلهَا: (فِي فَوْر حَيْضَتهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء مَعْنَاهُ: مُعْظَمهَا وَوَقْت كَثْرَتهَا، وَالْحَيْضَة بِفَتْحِ الْحَاء أَيْ: الْحَيْض، وَقَوْلهَا: (أَنْ تَأْتَزِر) مَعْنَاهُ تَشُدّ إِزَارًا تَسْتُر سُرَّتهَا، وَمَا تَحْتهَا إِلَى الرُّكْبَة فَمَا تَحْتهَا. وَقَوْلهَا: (وَأَيّكُمْ يَمْلِك إِرْبه)؟ أَكْثَر الرِّوَايَات فيه بِكَسْرِ الْهَمْزَة مَعَ إِسْكَان الرَّاء، وَمَعْنَاهُ: عُضْوه الَّذِي يَسْتَمْتِع بِهِ أَيْ: الْفَرْج، وَرَوَاهُ جَمَاعَة بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالرَّاء، وَمَعْنَاهُ: حَاجَته وَهِيَ شَهْوَة الْجِمَاع، وَالْمَقْصُود أَمَلَككُمْ لِنَفْسِهِ؛ فَيَأْمَن مَعَ هَذِهِ الْمُبَاشَرَة الْوُقُوع فِي الْمُحَرَّم، وَهُوَ مُبَاشَرَة فَرْج الْحَائِض. وَاخْتَارَ الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَة، وَأَنْكَرَ الْأُولَى وَعَابَهَا عَلَى الْمُحَدِّثِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا (الْحَيْض) فَأَصْلُهُ فِي اللُّغَة السَّيَلَانُ، وَحَاضَ الْوَادِي إِذَا سَالَ، قَالَ الْأَزْهَرِيّ وَالْهَرَوِيّ وَغَيْرهمَا مِنْ الْأَئِمَّة: الْحَيْض: جَرَيَان دَم الْمَرْأَة فِي أَوْقَات مَعْلُومَة، يُرْخِيه رَحِمُ الْمَرْأَة بَعْد بُلُوغهَا، (وَالِاسْتِحَاضَة): جَرَيَان الدَّم فِي غَيْر أَوَانه، قَالُوا: وَدَم الْحَيْض يَخْرُج مِنْ قَعْر الرَّحِم، وَدَم الِاسْتِحَاضَة يَسِيل مِنْ الْعَاذِل بِالْعَيْنِ- الْمُهْمَلَة وَكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة- وَهُوَ عَرَقُ فَمه الَّذِي يَسِيل مِنْهُ فِي أَدْنَى الرَّحِم دُون قَعْره.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال حَاضَتْ الْمَرْأَة تَحِيض حَيْضًا وَمَحِيضًا وَمُحَاضًا فَهِيَ حَائِض بِلَا هَاء، هَذِهِ اللُّغَة الْفَصِيحَة الْمَشْهُورَة. وَحَكَى الْجَوْهَرِيّ عَنْ الْفَرَّاء: حَائِضَة بِالْهَاءِ وَيُقَال: حَاضَتْ وَتَحَيَّضَتْ وَدَرَسَتْ وَطَمَثَتْ وَعَرَكَتْ وَضَحِكَتْ وَنَفِسَتْ، كُلّه بِمَعْنًى وَاحِد، وَزَادَ بَعْضهمْ أَكْبَرَتْ وَأَعْصَرَتْ بِمَعْنَى حَاضَتْ.
وَأَمَّا أَحْكَام الْبَاب: فَاعْلَمْ أَنَّ مُبَاشَرَة الْحَائِض أَقْسَام: أَحَدهَا: أَنْ يُبَاشِرهَا بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْج، فَهَذَا حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. بِنَصِّ الْقُرْآن الْعَزِيز وَالسُّنَّة الصَّحِيحَة.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَوْ اِعْتَقَدَ مُسْلِم حِلَّ جِمَاع الْحَائِض فِي فَرْجِهَا صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا، وَلَوْ فَعَلَهُ إِنْسَان غَيْر مُعْتَقِدٍ حِلَّهُ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِوُجُودِ الْحَيْض، أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ، أَوْ مُكْرَهًا؛ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَة، وَإِنْ وَطِئَهَا عَامِدًا عَالِمًا بِالْحَيْضِ وَالتَّحْرِيم، مُخْتَارًا فَقَدْ اِرْتَكَبَ مَعْصِيَة كَبِيرَة، نَصَّ الشَّافِعِيّ عَلَى أَنَّهَا كَبِيرَة، وَتَجِب عَلَيْهِ التَّوْبَة، وَفِي وُجُوب الْكَفَّارَة قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ، أَصَحّهمَا وَهُوَ الْجَدِيد، وَقَوْل مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَمَاهِير السَّلَف: أَنَّهُ لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ السَّلَف: عَطَاء وَابْن أَبِي مُلَيْكَة وَالشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَكْحُول وَالزُّهْرِيّ وَأَبُو الزِّنَاد وَرَبِيعَة وَحَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان وَأَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَاللَّيْث بْن سَعْد- رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى أَجْمَعِينَ- وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيم الضَّعِيف: أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة، وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاق، وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَنْهُ، وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الْكَفَّارَة، فَقَالَ الْحَسَن وَسَعِيد: عِتْق رَقَبَة.
وَقَالَ الْبَاقُونَ: دِينَار أَوْ نِصْف دِينَار، عَلَى اِخْتِلَاف مِنْهُمْ فِي الْحَال الَّذِي يَجِب فيه الدِّينَار وَنِصْف الدِّينَار، هَلْ الدِّينَار فِي أَوَّل الدَّم وَنِصْفه فِي آخِره؟ أَوْ الدِّينَار فِي زَمَن الدَّم، وَنِصْفه بَعْد اِنْقِطَاعه؟ وَتَعَلَّقُوا بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس الْمَرْفُوع: «مَنْ أَتَى اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض؛ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْف دِينَار»، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظ، فَالصَّوَاب أَنْ لَا كَفَّارَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.
الْقِسْم الثَّانِي: الْمُبَاشَرَة فِيمَا فَوْق السُّرَّة وَتَحْت الرُّكْبَة بِالذَّكَرِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ الْمُعَانَقَة أَوْ اللَّمْس أَوْ غَيْر ذَلِكَ، وَهُوَ حَلَال بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء.
وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الْإِسْفَرَايِينِي وَجَمَاعَة كَثِيرَة الْإِجْمَاع عَلَى هَذَا، وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ وَغَيْره مِنْ أَنَّهُ لَا يُبَاشِر شَيْئًا مِنْهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ، فَشَاذّ مُنْكَر غَيْر مَعْرُوف وَلَا مَقْبُول، وَلَوْ صَحَّ عَنْهُ لَكَانَ مَرْدُودًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة الْمَذْكُورَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا فِي مُبَاشَرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْق الْإِزَار، وَإِذْنه فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَبْل الْمُخَالِف وَبَعْده، ثُمَّ إِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن أَنْ يَكُون عَلَى الْمَوْضِع الَّذِي يَسْتَمْتِع بِهِ شَيْء مِنْ الدَّم أَوْ لَا يَكُون، هَذَا هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِير أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ مِنْ الْعُلَمَاء لِلْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَة، وَحَكَى الْمُحَامِلِي مِنْ أَصْحَابنَا وَجْهًا لِبَعْضِ أَصْحَابنَا: أَنَّهُ يَحْرُم مُبَاشَرَة مَا فَوْق السُّرَّة وَتَحْت الرُّكْبَة، إِذَا كَانَ عَلَيْهِ شَيْء مِنْ دَم الْحَيْض، وَهَذَا الْوَجْه بَاطِل لَا شَكّ فِي بُطْلَانه. وَاللَّهُ أَعْلَم.
الْقِسْم الثَّالِث: الْمُبَاشَرَة فِيمَا بَيْن السُّرَّة وَالرُّكْبَة فِي غَيْر الْقُبُل وَالدُّبُر، وَفيها ثَلَاثَة أَوْجُه لِأَصْحَابِنَا: أَصَحّهَا عِنْد جَمَاهِيرهمْ وَأَشْهَرهمَا فِي الْمَذْهَب: أَنَّهَا حَرَام.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ، وَلَكِنَّهَا مَكْرُوهَة كَرَاهَة تَنْزِيه، وَهَذَا الْوَجْه أَقْوَى مِنْ حَيْثُ الدَّلِيل، وَهُوَ الْمُخْتَار. وَالْوَجْه الثَّالِث: إِنْ كَانَ الْمُبَاشِر يَضْبِط نَفْسه عَنْ الْفَرْج، وَيَثِق مِنْ نَفْسه بِاجْتِنَابِهِ إِمَّا لِضَعْفِ شَهْوَته، وَإِمَّا لِشِدَّةِ وَرَعه؛ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا الْوَجْه حَسَن، قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاس الْبَصْرِيّ مِنْ أَصْحَابنَا. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْوَجْه الْأَوَّل- وَهُوَ التَّحْرِيم مُطْلَقًا- مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة، وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء مِنْهُمْ: سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَشُرَيْح وَطَاوُسٌ وَعَطَاء وَسُلَيْمَان بْن يَسَار وَقَتَادَة، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْجَوَاز: عِكْرِمَة وَمُجَاهِد وَالشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَم وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَأَصْبُغ وَإِسْحَاق بْن رَاهَوَيْهِ وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذِر وَدَاوُدُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْمَذْهَب أَقْوَى دَلِيلًا، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَنَس الْآتِي: «اِصْنَعُوا كُلّ شَيْء إِلَّا النِّكَاح» قَالُوا: وَأَمَّا اِقْتِصَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُبَاشَرَته عَلَى مَا فَوْق الْإِزَار، فَمَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَحْرِيم الْوَطْءِ وَالْمُبَاشَرَة- عَلَى قَوْل مَنْ يُحَرِّمهُمَا- يَكُون فِي مُدَّة الْحَيْض، وَبَعْد اِنْقِطَاعه إِلَى أَنْ تَغْتَسِل أَوْ تَتَيَمَّم، إِنْ عَدِمَتْ الْمَاء بِشَرْطِهِ. هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك وَأَحْمَد وَجَمَاهِير السَّلَف وَالْخَلَف، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: إِذَا اِنْقَطَعَ الدَّم لِأَكْثَر الْحَيْض؛ حَلَّ وَطْؤُهَا فِي الْحَال، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّه}. وَاللَّهُ أَعْلَم.
440- سبق شرحه بالباب.
441- سبق شرحه بالباب.
442- سبق شرحه بالباب.

.(بَاب الِاضْطِجَاع مَعَ الْحَائِض فِي لِحَاف وَاحِد):

فيه حَدِيث مَيْمُونَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْطَجِع مَعِي وَأَنَا حَائِض، وَبَيْنِي وَبَيْنه ثَوْب» وَفيه أُمّ سَلَمَة قَالَتْ: «بَيْنَا أَنَا مُضْطَجِعَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمِيلَة، إِذْ حِضْت فَانْسَلَلْت، فَأَخَذْت ثِيَاب حَيْضَتِي فَقَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَفِسْت، قُلْت: نَعَمْ، فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْت مَعَهُ فِي الْخَمِيلَة» الْخَمِيلَة بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكَسْر الْمِيم، قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْخَمِيلَة، وَالْخَمِيل بِحَذْفِ الْهَاء: هِيَ الْقَطِيفَة، وَكُلّ ثَوْب لَهُ خَمْل مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَقِيلَ: هِيَ الْأَسْوَد مِنْ الثِّيَاب. وَقَوْلهَا: (اِنْسَلَلْت) أَيْ ذَهَبْت فِي خُفْيَة، وَيَحْتَمِل ذَهَابهَا أَنَّهَا خَافَتْ وُصُول شَيْء مِنْ الدَّم إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ تَقَذَّرَتْ نَفْسهَا، وَلَمْ تَرَ تَرَبُّصهَا لِمُضَاجَعَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ خَافَتْ أَنْ يَطْلُب الِاسْتِمْتَاع بِهَا، وَهِيَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَة، الَّتِي لَا يُمْكِن فيها الِاسْتِمْتَاع. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَقَوْلهَا: (فَأَخَذْت ثِيَاب حِيضَتِي) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاء، وَهِيَ حَالَة الْحَيْض، أَيْ أَخَذْت الثِّيَاب الْمُعَدَّة لِزَمَنِ الْحَيْض، هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور الْمَعْرُوف فِي ضَبْطِ (حِيضَتِي) فِي هَذَا الْمَوْضِع.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَيَحْتَمِل فَتْح الْحَاء هُنَا أَيْضًا، أَيْ الثِّيَاب الَّتِي أَلْبَسهَا فِي حَال حِيضَتِي فَإِنَّ الْحَيْضَة- بِالْفَتْحِ- هِيَ الْحَيْض. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَفِسْت؟» هُوَ بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الْفَاء، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَة، وَهُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور فِي اللُّغَة أَنَّ نَفِسْت- بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الْفَاء- مَعْنَاهُ: حَاضَتْ، وَأَمَّا فِي الْوِلَادَة فَيُقَال: (نَفُسَتْ) بِضَمِّ النُّون وَكَسْر الْفَاء أَيْضًا، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: فِي الْوِلَادَة نَفُسَتْ بِضَمِّ النُّون وَفَتْحهَا، وَفِي الْحَيْض بِالْفَتْحِ لَا غَيْر، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: رِوَايَتنَا فيه فِي مُسْلِم بِضَمِّ النُّون هُنَا.
قَالَ: وَهِيَ رِوَايَة أَهْل الْحَدِيث، وَذَلِكَ صَحِيح، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو حَاتِم عَنْ الْأَصْمَعِيّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَيْض وَالْوِلَادَة، وَذَكَرَ ذَلِكَ غَيْر وَاحِد، وَأَصْل ذَلِكَ كُلّه خُرُوج الدَّم، وَالدَّم يُسَمَّى نَفَسًا. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا أَحْكَام الْبَاب: فَفيه جَوَاز النَّوْم مَعَ الْحَائِض وَالِاضْطِجَاع مَعَهَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، إِذَا كَانَ هُنَاكَ حَائِل يَمْنَع مِنْ مُلَاقَاة الْبَشَرَة فِيمَا بَيْن السُّرَّة وَالرُّكْبَة، أَوْ يَمْنَع الْفَرْج وَحْده، عِنْد مَنْ لَا يُحَرِّم إِلَّا الْفَرْج.
قَالَ الْعُلَمَاء: لَا تُكْرَه مُضَاجَعَة الْحَائِض وَلَا قُبْلَتهَا، وَلَا الِاسْتِمْتَاع بِهَا فِيمَا فَوْق السُّرَّة وَتَحْت الرُّكْبَة، وَلَا يُكْرَه وَضْع يَدهَا فِي شَيْء مِنْ الْمَائِعَات، وَلَا يُكْرَه غَسْلهَا رَأْس زَوْجهَا أَوْ غَيْره مِنْ مَحَارِمهَا وَتَرْجِيله، وَلَا يُكْرَه طَبْخهَا وَعَجْنهَا، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الصَّنَائِع، وَسُؤْرهَا وَعَرَقُهَا طَاهِرَانِ، وَكُلّ هَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير فِي كِتَابه فِي مَذَاهِب الْعُلَمَاء وَإِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا كُلّه. وَدَلَائِله مِنْ السُّنَّة ظَاهِرَة مَشْهُورَة.
وَأَمَّا قَوْل اللَّه تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} فَالْمُرَاد اِعْتَزِلُوا وَطْأَهُنَّ، وَلَا تَقْرَبُوا وَطْأَهُنَّ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
443- سبق شرحه بالباب.
444- سبق شرحه بالباب.

.باب جَوَازِ غَسْلِ الْحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ وَطَهَارَةِ سُؤْرِهَا وَالاِتِّكَاءِ فِي حِجْرِهَا وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فيه:

قَوْله: (بَاب جَوَاز غَسْل الْحَائِض رَأْس زَوْجهَا وَتَرْجِيله وَطَهَارَة سُؤْرهَا وَالِاتِّكَاء فِي حِجْرهَا وَقِرَاءَة الْقُرْآن فيه) فيه حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسه فَأُرَجِّلهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُل الْبَيْت إِلَّا لِحَاجَةٍ الْإِنْسَان» وَفِي رِوَايَة: فَأُغَسِّلهُ. وَفيه حَدِيث مُنَاوَلَة الْخُمْرَةِ وَغَيْره، قَدْ تَقَدَّمَ مَقْصُود فِقْه هَذَا الْبَاب فِي الَّذِي قَبْله. وَتَرْجِيل الشَّعْر: تَسْرِيحه، وَهُوَ نَحْو قَوْله: فَاغْسِلْهُ، وَأَصْل الِاعْتِكَاف فِي اللُّغَة: الْحَبْس. وَهُوَ فِي الشَّرْع: حَبْسُ النَّفْس فِي الْمَسْجِد خَاصَّة مَعَ النِّيَّة، وَقَوْلهَا: (وَهُوَ مُجَاوِر) أَيْ مُعْتَكِف.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد كَثِيرَة تَتَعَلَّق بِالِاعْتِكَافِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَمِمَّا تَقَدَّمَهُ أَنَّ فيه: أَنَّ الْمُعْتَكِف إِذَا خَرَجَ بَعْضه مِنْ الْمَسْجِد كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَرَأْسِهِ لَمْ يَبْطُل اِعْتِكَافه، وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُل دَارًا أَوْ لَا يَخْرُج مِنْهَا، فَأَدْخَلَ أَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَث. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَفيه: جَوَاز اِسْتِخْدَام الزَّوْجَة فِي الْغَسْل وَالطَّبْخ وَالْخَبْز وَغَيْرهَا بِرِضَاهَا، وَعَلَى هَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِل السُّنَّة وَعَمَل السَّلَف وَإِجْمَاع الْأُمَّة، وَأَمَّا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَلَا يَجُوز؛ لِأَنَّ الْوَاجِب عَلَيْهَا تَمْكِين الزَّوْج مِنْ نَفْسهَا وَمُلَازَمَة بَيْته فَقَطْ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَقَوْلهَا: «قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاوِلِينِي الْخُمْرَة مِنْ الْمَسْجِد، فَقُلْت: إِنِّي حَائِض فَقَالَ: إِنَّ حَيْضَتك لَيْسَتْ فِي يَدك» أَمَّا (الْخُمْرَة) فَبِضَمِّ الْخَاء وَإِسْكَان الْمِيم، قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْره هِيَ هَذِهِ السَّجَّادَة، وَهِيَ مَا يَضَع عَلَيْهِ الرَّجُل جُزْء وَجْهه فِي سُجُوده، مِنْ حَصِير أَوْ نَسِيجَة مِنْ خُوص. هَكَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ، وَصَرَّحَ جَمَاعَة مِنْهُمْ بِأَنَّهَا لَا تَكُون إِلَّا هَذَا الْقَدْر، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هِيَ السَّجَّادَة يَسْجُد عَلَيْهَا الْمُصَلِّي، وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: جَاءَتْ فَأْرَة فَأَخَذَتْ تَجُرّ الْفَتِيلَة، فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْن يَدَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَة- الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا- فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْل مَوْضِع دِرْهَم، فَهَذَا تَصْرِيح بِإِطْلَاقِ الْخُمْرَة عَلَى مَا زَادَ عَلَى قَدْر الْوَجْه، وَسُمِّيَتْ خُمْرَة، لِأَنَّهَا تُخَمِّر الْوَجْه أَيْ تُغَطِّيه، وَأَصْل التَّخْمِير: التَّغْطِيَة، وَمِنْهُ خِمَار الْمَرْأَة، وَالْخَمْر؛ لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْل. وَقَوْلهَا: (مِنْ الْمَسْجِد) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا ذَلِكَ مِنْ الْمَسْجِد، أَيْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد لِتُنَاوِلهُ إِيَّاهَا مِنْ خَارِج الْمَسْجِد، لَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تُخْرِجهَا لَهُ مِنْ الْمَسْجِد، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الْمَسْجِد مُعْتَكِفًا، وَكَانَتْ عَائِشَة فِي حُجْرَتهَا وَهِيَ حَائِض لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ حَيْضَتك لَيْسَتْ فِي يَدك»، فَإِنَّمَا خَافَتْ مِنْ إِدْخَال يَدهَا الْمَسْجِد، وَلَوْ كَانَ أَمَرَهَا بِدُخُولِ الْمَسْجِد لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الْيَد مَعْنًى. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ حَيْضَتك لَيْسَتْ فِي يَدك» فَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاء، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة، وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقَالَ الْإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيُّ: الْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَهَا بِفَتْحِ الْحَاء، وَهُوَ خَطَأ، وَصَوَابهَا بِالْكَسْرِ أَيْ الْحَالَة وَالْهَيْئَة، وَأَنْكَرَ الْقَاضِي عِيَاض هَذَا عَلَى الْخَطَّابِيِّ، وَقَالَ: الصَّوَاب هُنَا مَا قَالَهُ الْمُحَدِّثُونَ مِنْ الْفَتْح؛ لِأَنَّ الْمُرَاد الدَّم، وَهُوَ الْحَيْض- بِالْفَتْحِ- بِلَا شَكّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَتْ فِي يَدك» مَعْنَاهُ أَنَّ النَّجَاسَة الَّتِي يُصَان الْمَسْجِد عَنْهَا- وَهِيَ دَم الْحَيْض- لَيْسَتْ فِي يَدك، وَهَذَا بِخِلَافِ حَدِيث أُمّ سَلَمَة: «فَأَخَذْت ثِيَاب حِيضَتِي»، فَإِنَّ الصَّوَاب فيه الْكَسْر. هَذَا كَلَام الْقَاضِي عِيَاض، وَهَذَا الَّذِي اِخْتَارَهُ مِنْ الْفَتْح هُوَ الظَّاهِر هُنَا، وَلِمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَجْه. وَاللَّهُ أَعْلَم وَقَوْلهَا: «وَأَتَعَرَّق الْعَرْقَ» هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن وَإِسْكَان الرَّاء، وَهُوَ الْعَظْم الَّذِي عَلَيْهِ بَقِيَّة مِنْ لَحْمٍ، هَذَا هُوَ الْأَشْهَر فِي مَعْنَاهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: هُوَ الْقَدْر مِنْ اللَّحْم، وَقَالَ الْخَلِيل: هُوَ الْعَظْم بِلَا لَحْم، وَجَمْعُهُ (عُرَاق) بِضَمِّ الْعَيْن، وَيُقَال: عَرَقْت الْعَظْم وَتَعَرَّقْتَهُ وَاعْتَرَقْتَهُ إِذَا أَخَذْت عَنْهُ اللَّحْم بِأَسْنَانِك. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْلهَا: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّكِئ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِض فَيَقْرَأ الْقُرْآن» فيه جَوَاز قِرَاءَة الْقُرْآن مُضْطَجِعًا وَمُتَّكِئًا، عَلَى الْحَائِض وَبِقُرْبِ مَوْضِع النَّجَاسَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوت» أَيْ لَمْ يُخَالِطُوهُنَّ وَلَمْ يُسَاكِنُوهُنَّ فِي بَيْت وَاحِد. قَوْله تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْمَحِيض قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} أَمَّا الْحَيْض الْأَوَّل: فَالْمُرَاد بِهِ الدَّم.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَاخْتُلِفَ فيه؛ فَمَذْهَبنَا أَنَّهُ الْحَيْض وَنَفَسُ الدَّم، وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: هُوَ الْفَرْج، وَقَالَ الْآخَرُونَ: هُوَ زَمَن الْحَيْض: وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (فَجَاءَ أُسَيْد اِبْن حُضَيْر) هُمَا بِضَمِّ أَوَّلهمَا وَحُضَيْر بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة. وَقَوْله: (وَجَدَ عَلَيْهِمَا) أَيْ غَضِبَ.
445- سبق شرحه بالباب.
446- سبق شرحه بالباب.
447- سبق شرحه بالباب.
448- سبق شرحه بالباب.
449- سبق شرحه بالباب.
450- سبق شرحه بالباب.
451- سبق شرحه بالباب.
452- سبق شرحه بالباب.
453- سبق شرحه بالباب.
454- سبق شرحه بالباب.
455- سبق شرحه بالباب.

.باب الْمَذْيِ:

قَوْله: (بَاب الْمَذْي) فيه: مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: «كُنْت رَجُلًا مَذَّاء، فَكُنْت أَسْتَحْيِي أَنْ أَسَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ اِبْنَته، فَأَمَرْت الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد فَسَأَلَهُ فَقَالَ: يَغْسِل ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «مِنْهُ الْوُضُوء»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «تَوَضَّأَ وَانْضِح فَرْجك». فِي الْمَذْي لُغَات: مَذْي بِفَتْحِ الْمِيم وَإِسْكَان الذَّال. و(مَذِيّ) بِكَسْرِ الذَّال وَتَشْدِيد الْيَاء. و(مَذِي) بِكَسْرِ الذَّال وَتَخْفِيف الْيَاء. فَالْأُولَيَانِ مَشْهُورَتَانِ، أُولَهُمَا أَفْصَحهمَا وَأَشْهَرهمَا، وَالثَّالِثَة حَكَاهَا أَبُو عَمْرو الزَّاهِد عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَيُقَال: مَذَى وَأَمْذَى وَمَذَّى الثَّالِثَة بِالتَّشْدِيدِ. وَالْمَذْي: مَاء أَبْيَض رَقِيق لَزِج، يَخْرُج عِنْد شَهْوَة، لَا بِشَهْوَةِ وَلَا دَفْق وَلَا يَعْقُبهُ فُتُور، وَرُبَّمَا لَا يَحُسّ بِخُرُوجِهِ، وَيَكُون ذَلِكَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَة، وَهُوَ فِي النِّسَاء أَكْثَر مِنْهُ فِي الرِّجَال. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَانْضِح فَرْجك» فَمَعْنَاهُ اِغْسِلْهُ، فَإِنَّ النَّضْح يَكُون غَسْلًا، وَيَكُون رَشًّا، وَقَدْ جَاءَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «يَغْسِل ذَكَرَهُ»، فَيَتَعَيَّن حَمْل النَّضْح عَلَيْهِ. وَانْضِح بِكَسْرِ الضَّاد، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه. قَوْله: «كُنْت رَجُلًا مَذَّاء» أَيْ كَثِير الْمَذْي، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيم وَتَشْدِيد الذَّال وَبِالْمَدِّ.
وَأَمَّا حُكْم خُرُوج الْمَذْي: فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِب الْغُسْل.
قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَالْجَمَاهِير: يُوجِب الْوُضُوء لِهَذَا الْحَدِيث، وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد: أَنَّهُ لَا يُوجِب الْغُسْل، وَأَنَّهُ يُوجِب الْوُضُوء، وَأَنَّهُ نَجَس، وَلِهَذَا أَوْجَبَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسْلَ الذَّكَر، وَالْمُرَاد بِهِ عِنْد الشَّافِعِيّ وَالْجَمَاهِير غَسْل مَا أَصَابَهُ الْمَذْي لَا غَسْلُ جَمِيع الذَّكَر، وَحُكِيَ عَنْ مَالِك وَأَحْمَد فِي رِوَايَة عَنْهُمَا إِيجَاب غَسْلِ جَمِيع الذَّكَر، وَفيه أَنَّ الِاسْتِنْجَاء بِالْحَجَرِ، إِنَّمَا يَجُوز الِاقْتِصَار عَلَيْهِ فِي النَّجَاسَة الْمُعْتَادَة وَهِيَ الْبَوْل وَالْغَائِط، أَمَّا النَّادِر كَالدَّمِ وَالْمَذْي وَغَيْرهمَا فلابد فيه مِنْ الْمَاء، وَهَذَا أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبنَا. وَالْقَائِل الْآخَر بِجَوَازِ الِاقْتِصَار فيه عَلَى الْحَجْر قِيَاسًا عَلَى الْمُعْتَاد، أَنْ يُجِيب عَنْ هَذَا الْحَدِيث بِأَنَّهُ خُرِّجَ عَلَى الْغَالِب فِيمَنْ هُوَ فِي بَلَد أَنْ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ أَوْ يَحْمِلهُ عَلَى الِاسْتِحْبَاب، وَفيه جَوَاز الِاسْتِنَابَة فِي الِاسْتِفْتَاء، وَأَنَّهُ يَجُوز الِاعْتِمَاد عَلَى الْخَبَر الْمَظْنُون مَعَ الْقُدْرَة عَلَى الْمَقْطُوع بِهِ؛ لِكَوْنِ عَلِيّ اِقْتَصَرَ عَلَى قَوْل الْمِقْدَاد مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ سُؤَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ يُنَازَعُ فيه، وَيُقَال: فَلَعَلَّ عَلِيًّا كَانَ حَاضِرًا مَجْلِس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْت السُّؤَال وَإِنَّمَا اِسْتَحْيَا أَنْ يَكُون السُّؤَال مِنْهُ بِنَفْسِهِ. وَفيه اِسْتِحْبَاب حُسْنِ الْعِشْرَة مَعَ الْأَصْهَار، وَأَنَّ الزَّوْج يُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ لَا يَذْكُر مَا يَتَعَلَّق بِجِمَاعِ النِّسَاء وَالِاسْتِمْتَاع بِهِنَّ بِحَضْرَةِ أَبِيهَا وَأَخِيهَا وَابْنهَا، وَغَيْرهمْ مِنْ أَقَارِبهَا، وَلِهَذَا قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: فَكُنْت أَسْتَحْيِيَ أَنْ أَسْأَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ اِبْنَته، مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَذْي يَكُون- غَالِبًا- عِنْد مُلَاعَبَة الزَّوْجَة وَقُبْلَتهَا، وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاع الِاسْتِمْتَاع. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله فِي الْإِسْنَاد الْأَخِير مِنْ الْبَاب: (وَحَدَّثَنِي هَارُون بْن سَعِيد الْأَيْلِيُّ، وَأَحْمَد بْن عِيسَى، قَالَا حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب قَالَ: أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْن بُكَيْر عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب: أَرْسَلْنَا الْمِقْدَاد) هَذَا الْإِسْنَاد مِمَّا اِسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: قَالَ حَمَّاد بْن خَالِد: سَأَلْتُ مَخْرَمَةَ هَلْ سَمِعْت مِنْ أَبِيك؟ فَقَالَ: لَا.
وَقَدْ خَالَفَهُ اللَّيْث عَنْ بُكَيْر فَلَمْ يَذْكُر فيه اِبْن عَبَّاس، وَتَابَعَهُ مَالِك عَنْ أَبِي النَّضْر. هَذَا كَلَام الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا فِي سُنَنه: مَخْرَمَة لَمْ يَسْمَع مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا وَرَوَى النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيث مِنْ طُرُق وَبَعْضهَا طَرِيق مُسْلِم- هَذِهِ- الْمَذْكُورَة، وَفِي بَعْضهَا عَنْ اللَّيْث بْن سَعْد عَنْ بُكَيْر عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار قَالَ: أَرْسَلَ عَلِيّ الْمِقْدَاد هَكَذَا أَتَى بِهِ مُرْسَلًا، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي سَمَاع مَخْرَمَة مِنْ أَبِيهِ، فَقَالَ مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: قُلْت لِمَخْرَمَة: مَا حَدَّثْت بِهِ عَنْ أَبِيك سَمِعْته مِنْهُ؟ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَمِعْته، قَالَ مَالِك: وَكَانَ مَخْرَمَةُ رَجُلًا صَالِحًا، وَكَذَا قَالَ مَعْنُ بْن عِيسَى: إِنَّ مَخْرَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَذَهَبَ جَمَاعَات إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعهُ، قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل: لَمْ يَسْمَع مَخْرَمَة مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا، إِنَّمَا يَرْوِي مِنْ كِتَاب أَبِيهِ، وَقَالَ يَحْيَى بْن مَعِين وَابْن أَبِي خَيْثَمَةَ: يُقَال: وَقَعَ إِلَيْهِ كِتَاب أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَع مِنْهُ، وَقَالَ مُوسَى بْن سَلَمَة: قُلْت لِمَخْرَمَة: حَدَّثَك أَبُوك؟ فَقَالَ: لَمْ أُدْرِك أَبِي، وَلَكِنْ هَذِهِ كُتُبه، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَخْرَمَة صَالِح الْحَدِيث، إِنْ كَانَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَقَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ: وَلَا أَظُنّ مَخْرَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ كِتَاب سُلَيْمَان بْن يَسَار، وَلَعَلَّهُ سَمِعَ الشَّيْء الْيَسِير، وَلَمْ أَجِد أَحَدًا بِالْمَدِينَةِ يُخْبِر عَنْ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي شَيْء مِنْ حَدِيثه: سَمِعْت أَبِي. وَاللَّهُ أَعْلَم.
فَهَذَا كَلَام أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ، وَكَيْف كَانَ. فَمَتْن الْحَدِيث صَحِيح مِنْ الطُّرُق الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم قَبْل هَذِهِ الطَّرِيق، وَمِنْ الطَّرِيق الَّتِي ذَكَرَهَا غَيْره. وَاللَّهُ أَعْلَم.
456- سبق شرحه بالباب.
457- سبق شرحه بالباب.
458- سبق شرحه بالباب.

.باب غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ:

قَوْله: (بَاب غَسْلِ الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ إِذَا اِسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْم) فيه (اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ اللَّيْل، فَقَضَى حَاجَته، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهه وَيَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ) الظَّاهِر- وَاللَّهُ أَعْلَم- أَنَّ الْمُرَاد بِقَضَاءِ الْحَاجَة: الْحَدَث، وَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض، وَالْحِكْمَة فِي غَسْلِ الْوَجْه إِذْهَاب النُّعَاس وَآثَار النَّوْم، وَأَمَّا غَسْل الْيَد فَقَالَ الْقَاضِي: لَعَلَّهُ كَانَ لِشَيْءٍ نَالَهُمَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ النَّوْم بَعْد الِاسْتِيقَاظ فِي اللَّيْل لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْض زُهَّاد السَّلَف كَرَاهَة ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا مَنْ لَمْ يَأْمَن اِسْتِغْرَاق النَّوْم، بِحَيْثُ يُفَوِّتهُ وَظِيفَته، وَلَا يَكُون مُخَالِفًا لِمَا فَعَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمَن مِنْ فَوَات أَوْرَاده وَوَظِيفَته. وَاللَّهُ أَعْلَم.
459- سبق شرحه بالباب.

.باب جَوَازِ نَوْمِ الْجُنُبِ وَاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لَهُ وَغَسْلِ الْفَرْجِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ:

قَوْله: (بَاب جَوَاز نَوْم الْجُنُب وَاسْتِحْبَاب الْوُضُوء لَهُ وَغَسْلِ الْفَرْج إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُل أَوْ يَشْرَب أَوْ يَنَام أَوْ يُجَامِع) فيه حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَام وَهُوَ جُنُب تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْل أَنْ يَنَام» فِي رِوَايَة: «إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُل أَوْ يَنَام تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَة عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «يَا رَسُول اللَّه أَيَرْقُدُ أَحَدنَا وَهُوَ جُنُب؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ». وَفِي رِوَايَة: «نَعَمْ، لِيَتَوَضَّأ ثُمَّ لِيَنَمْ حَتَّى يَغْتَسِل إِذَا شَاءَ». وَفِي رِوَايَة: «تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ». وَفِي رِوَايَة: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَانَ جُنُبًا رُبَّمَا اِغْتَسَلَ فَنَامَ وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ». وَفِي رِوَايَة: «إِذَا أَتَى أَحَدكُمْ أَهْله، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُود فَلْيَتَوَضَّأْ، بَيْنهمَا وُضُوءًا» وَفِي رِوَايَة: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوف عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِد» حَاصِل الْأَحَادِيث كُلّهَا أَنَّهُ يَجُوز لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَام وَيَأْكُل وَيَشْرَب وَيُجَامِع قَبْل الِاغْتِسَال، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بَدَن الْجُنُب وَعَرَقِهِ طَاهِرَانِ، وَفيها أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَتَوَضَّأ، وَيَغْسِل فَرْجه لِهَذِهِ الْأُمُور كُلّهَا، ولاسيما إِذَا أَرَادَ جِمَاع مَنْ لَمْ يُجَامِعهَا؛ فَإِنَّهُ يَتَأَكَّد اِسْتِحْبَاب غَسْلِ ذَكَرِهِ، وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابنَا أَنَّهُ يُكْرَه النَّوْم وَالْأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع قَبْل الْوُضُوء، وَهَذِهِ الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَيْهِ، وَلَا خِلَاف عِنْدنَا أَنَّهُ هَذَا الْوُضُوء لَيْسَ بِوَاجِبِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِك وَالْجُمْهُور، وَذَهَبَ اِبْن حَبِيب مِنْ أَصْحَاب مَالِك إِلَى وُجُوبه، وَهُوَ مَذْهَب دَاوُدَ الظَّاهِرِيّ، وَالْمُرَاد بِالْوُضُوءِ وُضُوء الصَّلَاة الْكَامِل، وَأَمَّا حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْمُتَقَدِّم فِي الْبَاب قَبْله فِي الِاقْتِصَار عَلَى الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ؛ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَابَة، بَلْ فِي الْحَدَث الْأَصْغَر.
وَأَمَّا حَدِيث أَبِي إِسْحَاق السُّبَيْعِيّ عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَام وَهُوَ جُنُب وَلَا يَمَسّ مَاء، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَغَيْرهمْ، فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَنْ يَزِيد بْن هَارُون وَهَمَ أَبُو إِسْحَاق فِي هَذَا، يَعْنِي فِي قَوْله: لَا يَمَسّ مَاء.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَط مِنْ أَبِي إِسْحَاق.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: طَعَنَ الْحُفَّاظ فِي هَذِهِ اللَّفْظَة، فَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ ضَعْفُ الْحَدِيث، وَإِذَا ثَبَتَ ضَعْفُهُ لَمْ يَبْقَ فيه مَا يَتَعَرَّض بِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ أَيْضًا مُخَالِفًا، بَلْ كَانَ لَهُ جَوَابَانِ: أَحَدهمَا جَوَاب الْإِمَامَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ أَبِي الْعَبَّاس بْن شُرَيْحٍ وَأَبِي بَكْر الْبَيْهَقِيِّ: أَنَّ الْمُرَاد لَا يَمَسّ مَاء لِلْغُسْلِ. وَالثَّانِي وَهُوَ عِنْدِي حَسَنٌ: أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْض الْأَوْقَات لَا يَمَسّ مَاء أَصْلًا، لِبَيَانِ الْجَوَاز. إِذْ لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَتَوَهَّمَ وُجُوبه. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا طَوَافه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ فَيَحْتَمِل أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأ بَيْنَهُمَا، أَوْ يَكُون الْمُرَاد بَيَان جَوَاز تَرْكِ الْوُضُوء، وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَات لَيْلَة، يَغْتَسِل عِنْد هَذِهِ وَعِنْد هَذِهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُول اللَّه! أَلَا تَجْعَلهُ غُسْلًا وَاحِدًا؟ فَقَالَ: هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَب وَأَطْهَر» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَالْحَدِيث الْأَوَّل أَصَحّ، قُلْت: وَعَلَى تَقْدِير صِحَّته، يَكُون هَذَا فِي وَقْت وَذَاكَ فِي وَقْت. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حِكْمَة هَذَا الْوُضُوء، فَقَالَ أَصْحَابنَا: لِأَنَّهُ يُخَفِّف الْحَدَث، فَإِنَّهُ يَرْفَع الْحَدَث عَنْ أَعْضَاء الْوُضُوء.
وَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْمَازِرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: اُخْتُلِفَ فِي تَعْلِيله، فَقِيلَ: لِيَبِيتَ عَلَى إِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ خَشْيَة أَنْ يَمُوت فِي مَنَامه.
وَقِيلَ: بَلْ لَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَط إِلَى الْغُسْل إِذَا نَالَ الْمَاء أَعْضَاءَهُ.
قَالَ الْمَازِرِيّ: وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَاف فِي وُضُوء الْحَائِض قَبْل أَنْ تَنَام، فَمَنْ عَلَّلَ بِالْمَبِيتِ عَلَى طَهَارَة اِسْتَحَبَّهُ لَهَا. هَذَا كَلَام الْمَازِرِيّ.
وَأَمَّا أَصْحَابنَا فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبّ الْوُضُوء لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاء؛ لِأَنَّ الْوُضُوء لَا يُؤَثِّر فِي حَدَثِهِمَا، فَإِنْ كَانَتْ الْحَائِض قَدْ اِنْقَطَعَتْ حَيْضَتهَا صَارَتْ كَالْجُنُبِ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا طَوَاف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِد، فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ أَوْ بِرِضَى صَاحِبَة النَّوْبَة، إِنْ كَانَتْ نَوْبَة وَاحِدَة، وَهَذَا التَّأْوِيل يَحْتَاج إِلَيْهِ مَنْ يَقُول: كَانَ الْقَسْمُ وَاجِبًا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّوَام، كَمَا يَجِب عَلَيْنَا، وَأَمَّا مَنْ لَا يُوجِبهُ فَلَا يَحْتَاج إِلَى تَأْوِيل فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَل مَا يَشَاء. وَهَذَا الْخِلَاف فِي وُجُوب الْقَسْمِ هُوَ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِي الْبَاب أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَة لَيْسَ عَلَى الْفَوْر، وَإِنَّمَا يَتَضَيّق عَلَى الْإِنْسَان عِنْد الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي الْمُوجِب لِغُسْلِ الْجَنَابَة هَلْ حُصُول الْجَنَابَة بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ؟ أَوْ إِنْزَال الْمَنِيّ؟ أَمْ هُوَ الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة؟ أَمْ هُوَ حُصُول الْجَنَابَة مَعَ الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة؟ فيه ثَلَاثَة أَوْجُه لِأَصْحَابِنَا، وَمَنْ قَالَ: يَجِب بِالْجَنَابَةِ قَالَ: هُوَ وُجُوب مُوَسَّع، وَكَذَا اِخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ الْوُضُوء، هَلْ هُوَ الْحَدَث أَمْ الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة أَمْ الْمَجْمُوع؟، وَكَذَا اِخْتَلَفُوا فِي الْمُوجِب لِغُسْلِ الْحَيْض هَلْ هُوَ خُرُوج الدَّم أَمْ اِنْقِطَاعه؟ وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِأَسَانِيد الْبَاب، فَقَوْله: (قَالَ اِبْن الْمُثَنَّى فِي حَدِيثه: حَدَّثَنَا الْحَكَم، سَمِعْت إِبْرَاهِيم يُحَدِّثُ) مَعْنَاهُ: قَالَ اِبْن الْمُثَنَّى فِي رِوَايَته عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر عَنْ شُعْبَة، قَالَ شُعْبَة: حَدَّثَنَا الْحَكَم.
قَالَ: سَمِعْت إِبْرَاهِيم يُحَدِّث، وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدِّمَة: شُعْبَة عَنْ الْحَكَم عَنْ إِبْرَاهِيم، وَالْمَقْصُود أَنَّ الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَقْوَى مِنْ الْأُولَى، فَإِنَّ الْأُولَى (بِعَنْ عَنْ)، وَالثَّانِيَة (بِحَدَّثَنَا وَسَمِعْت)، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ (حَدَّثَنَا وَسَمِعْت) أَقْوَى مِنْ (عَنْ)، وَقَدْ قَالَتْ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء: إِنَّ (عَنْ) لَا تَقْتَضِي الِاتِّصَال، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْر مُدَلِّس، وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاح هَذَا فِي الْفُصُول وَفِي مَوَاضِع كَثِيرَة بَعْدهَا. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَفيه: (مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الْمُقَدَّمِيّ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّال الْمُشَدَّدَة مَنْسُوب إِلَى جَدّه. مُقَدَّم، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه مَرَّات. وَفيه (أَبُو الْمُتَوَكِّل عَنْ أَبِي سَعِيد) هُوَ أَبُو الْمُتَوَكِّل النَّاجِيّ وَاسْمه عَلِيّ بْن دَاوُدَ وَقِيلَ: اِبْن دَاوُدَ بِضَمِّ الدَّال مَنْسُوب إِلَى بَنِي نَاجِيَة قَبِيلَة مَعْرُوفَة،. وَاللَّهُ أَعْلَم.
460- سبق شرحه بالباب.
461- سبق شرحه بالباب.
462- سبق شرحه بالباب.
463- سبق شرحه بالباب.
464- سبق شرحه بالباب.
465- سبق شرحه بالباب.
466- سبق شرحه بالباب.
467- سبق شرحه بالباب.