فصل: بَابَ البُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ والتَّعْزِيَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه



.كِتَابُ الجَنَائِزِ:

.بَابُ مَا يُفْعَلُ عِنْدَ المَوْتِ:

يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ ذِكْرُ المَوْتِ، وأَنْ يَكُونَ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ، فَإِذَا مَرِضَ اسْتُحِبَّ عِيَادَتُهُ، فَمَتَى رَجَاهُ العَائِدُ دَعَا لَهُ وانْصَرَفَ، فَإِنْ خَافَ أَنْ يَمُوْتَ رَغَّبَهُ في في التَّوْبَةِ والوَصِيَّةِ.
ويُسْتَحَبُّ لأَهْلِهِ إِذَا رَأَوْهُ مَنْزُوْلاً بِهِ أَنْ يُلْزِمُوهُ أَرْفَقَهُمْ بِهِ، وأَعْرَفَهُمْ بِسِيَاسَتِهِ، وأَتْقَاهُمْ لِرَبِّهِ؛ لِيُذَكِّرَهُ باللهِ تَعَالَى، ويَحُضُّهُ عَلَى الخُرُوْجِ مِنَ المَظَالِمِ والتَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ والوَصِيَّةِ، وأَنْ يَتَعَاهَدَ بَلَّ حَلْقِهِ، بِأَنْ يَقْطُرَ فِيْهِ مَاءً أو شَرَاباً، ويُنْدِيَ شَفَتَيْهِ بِخِرْقَةٍ أو قُطْنَةٍ، ويُلَقِّنَهُ قَوْلَ: (لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ)، ولاَ يَزِيْدُ عَلَى ثَلاَثٍ، فَإِنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيءٍ أَعَادَ تَلْقِيْنَهُ؛ لِيَكُونَ آخِرَ كَلاَمِهِ. ويَكُوْنُ جَمِيْعُ ذَلِكَ في لُطْفٍ ومُدَارَاةٍ، ويَقْرَأُ عِنْدَهُ سُوْرَةَ (يس) ويُوَجِّهُهُ إلى القِبْلَةِ عَلَى ظَهْرِهِ طُوْلاً بِحَيْثُ إِذَا قَعَدَ كَانَ وَجْهُهُ إِلَيْهَا.
فَإِنْ مَاتَ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ، وشَدَّ لِحْيَيْهِ، ولَيَّنَ مَفَاصِلَهُ؛ بِأَنْ يَرُدَّ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يَلْصِقَهُمَا بِعَضُدَيْهِ، ثُمَّ يَرَدَّهُمَا، ويَرُدَّ سَاقَيْهِ إلى فَخِذَيْهِ، وفَخِذَيْهِ إلى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَرُدَّهُمَا، ويَخْلَعُ ثِيَابَهُ، ويُسَجِّيْهِ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيْعَهُ، ويَجْعَلَ عَلَى بَطْنِهِ مِرْآةً أَو سَيْفاً، ويُوضَعُ عَلَى سَرِيْرِ غَسْلِهِ مُتَوَجِّهاً مُنْحَدِراً نَحْوَ رِجْلَيْهِ، ويُسارِعُ إلى قَضَاءِ دَيْنِهِ وإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ مِنْهُ، وتَفْرِيْقِ وَصِيَّتِهِ.
ويُسَارِعُ في تَجْهِيْزِهِ؛ إلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَاتَ فَجْأَةً، فَيُتْرَكَ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ بانْخِسَافِ صَدْغَيْهِ، وَمَيْلِ أَنْفِهِ، وانْفِصَالِ كَفِّيْهِ، وَاسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ.

.بَابُ غَسْلِ الْمَيِّتِ:

غَسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِيْنُهُ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِفِعْلِهِ أَبُوْهُ، ثُمَّ جَدُّهُ وإِنْ عَلاَ، ثُمَّ ابْنُهُ وإِنْ نَزَلَ، ثُمَّ الأَقْرَبُ مِنَ العِصَابَاتِ، ثُمَّ الرِّجَالُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ ثُمَّ الأَجَانِبُ، ثُمَّ أُمُّ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتُهُ في أَصَحِّ القَوْلَيْنِ.
فأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلاَ مَدْخَلَ لأَقَارِبِهَا مِنَ الرِّجَالِ في غَسْلِهَا كَالرَّجُلِ لا مَدْخَلَ لأَقَارِبِهِ مِنَ النِّسَاءِ في غَسْلِهِ وَأَوْلَى النَّاسِ بِغَسْلِهَا أُمُّهُا ثُمَّ جَدَّتُهَا ثُمَّ بِنْتُهَا ثُمَّ أُخْتُهَا ثُمَّ عَمَّتُهَا أَوْ خَالَتُهَا ثُمَّ بَنَاتُ أَخِيْهَا ثُمَّ بنات أُخْتِهَا ثُمَّ بَنَاتُ عَمِّهَا ثُمَّ بَنَاتُهُنَّ عَلَى تَرْتِيْبِ الأَقْرَبِ، ثُمَّ الأَجْنَبِيَّاتُ ثُمَّ الزَّوْجُ في الصَّحِيْحِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ، أَو السَّيِّدُ.
فَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ، أو امْرَأَةٍ بَيْن رِجَالٍ أو مَاتَ خُنْثِيٌّ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ يُيَمَّمُ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى يُغْسَلُ في قَمِيْصِهِ، وَيُصَبُّ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِ القَمِيْصِ وَلاَ يُمَسُّ.
وَلاَ يَغْسِلُ الْمُسْلِمُ قَرِيْبَهُ الكَافِرَ ولا يَتَوَلَّى دَفْنَهُ. وَقَالَ أَبُو حَفْص العُكْبُرِيُّ: يَجُوْزُ ذَلِكَ وَحَكَاهُ قَوْلاً لأَحْمَدَ – رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ –.
وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ والْمَرْأَةِ غَسْلُ مَنْ لَهُ دُوْنَ السَّبْعِ سِنِيْنَ ذَكَراً كَانَ أو أُنْثَى.
ويُسْتَرُ الْمَيِّتُ عَنِ العُيُوْنِ في حالِ غَسْلِهِ، ولا يَنْظُرُ الغَاسِلُ إلاّ إلى مَا لابُدَّ لَهُ مِنْهُ، والأَفْضَلُ أَنْ يَغْسِلَ في قَمِيْصٍ خَفِيْفٍ وَاسِعِ الكُمَّيْنِ وإلاّ فَتَقَ رَأْسَ الدَّخَارِيْص فَإِنْ يُعْذَرْ، جُرِّدَ وَيَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَعِنْدِي: يُجَرَّدُ ويَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ، ويُكْرَهُ أنْ يغسلَ بِالْمَاءِ الْمُسَخَّنِ إلاَّ أَنْ يَحْتَاجَ إِليهِ الغَاسِلُ لأَجْلِ تأذِّيه بِالبَرْدِ أو لإزَالَةِ أَذًى لا يَزُوْلُ إلاَّ بِهِ ويُسْتَحَبُّ أَنْ يخضب رَأْسَ الْمَرْأَةِ ولِحْيَةَ الرَّجُلِ بَالْحِنَّاءِ، ويَبْدَأُ في غَسْلِهِ وَيَرْفعُ رَأْسهُ بِرِفْقٍ إلى أَنْ يَبْلُغَ بِهِ قَرِيْباً مِنَ الْجُلُوْسِ، وَيمر يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ ثُمَّ يَلفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً ويُنَجِّيْهِ وَلا يَحِلُّ لَهُ مَسُّ عَوْرَتِهِ.
ويُسْتَحَبُّ أَنْ لا يَمَسَّ بَقِيَّةَ بَدَنِهِ إلاّ بِخِرْقَةٍ، ثُمَّ يَنْوِي غَسْلَهُ وَيُسَمِّي ويُدْخِلُ أُصْبُعَهُ مَبْلُولَةً بِالْمَاءِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ وَفِي مِنْخَرَيْهِ فَيُنَظِّفهُمَا وَيُوَضِّئُهُ وُضُوْءَ هُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، ثُمَّ لِحْيَتَهُ ولا يُسَرِّحُ شَعْرَهُ.
وَيَغْسِلُ شِقَّهُ الأَيْمَنَ ثُمَّ الأَيْسَرَ ثُمَّ يُفِيْضُ الْمَاءَ عَلَى جَمِيْعِ بَدَنِهِ ثَلاثاً، ثُمَّ يُمِرُّ يَدَهُ في كُلِّ مَرَّةٍ عَلَى بَطْنِهِ فإِنْ لَمْ يَنْقَ بِالثَّلاثِ زَادَ إلى السَّبْعِ، ولا يَقْطَعُ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ، وَقَالَ الْخِرْقِي: ويَكُونُ في كُلِّ الْمِيَاهِ شَيْءٌ مِنَ السِّدْرِ وَكَانَ ابن حَامِدٍ يَطْرَحُ في الإِنَاءِ الذي فِيهِ مَاءُ الغَسْلِ نُبَذاً مِنَ السِّدْرِ مَا لا يُغَيِّرُهُ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يغسل فِي الْمَرَّةِ الأُوْلَى بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ثُمَّ يَغْسِلُ بِالْمَاءِ القَرَاحِ؛ لأَنَّ أَحْمَدَ رضي الله عنه شَبَّهَ غَسْلَهُ بِغَسْلِ الْجَنَابَةِ وَيَجْعَلُ في الغَسْلَةِ الأَخِيْرَةِ كَافُوْراً ويُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ ويَحُفُّ شَارِبُهُ، ويُزَالُ شَعْرُ عَانَتِهِ بِالنُّوْرَةِ أو الْحَلْقِ ولا يُخْتَنُ إِنْ مَاتَ غَيْرَ مَخْتُونٍ.
والفرْضُ مِنْ ذَلِكَ النِّيَّةُ والتَّسْمِيَةُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ويُغَسِّلُهُ بِسِدْرِ القَرَاحِ ثُمَّ يُنَشَّفُ بثوبٍ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ أُعِيْدَ عَلَيْهِ الغَسْلُ إلى سَبْعِ مَرّاتٍ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَعِنْدِي أَنّهُ يُغْسَلُ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ ويُوَضَّأُ وُضُوءَ هُ لِلصَّلاةِ، ولا تَجِبُ إِعَادَةُ غَسْلِهِ فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ أُلْحِمَ بالقُطْنِ والطِّيْنِ الْحُرِّ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْخُرُوْجُ حُشِيَ بِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ الْمَحَلَّ ويُوضَّأُ، فَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ مِنْهُ بَعْدَ وَضْعِهِ في أَكْفَانِهِ لَمْ يَعُدْ إلى الغَسْلِ وَمَنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ فإِنَّهُ يُيَمَّمُ، وعلى الغَاسِلِ سَتْر مَا يَرَاهُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ حَسَناً.

.بَابُ الكَفَنِ:

وَيَجِبُ كَفَنُ الْمَيِّتِ في مَالِهِ، ويُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ والوَصِيَّةِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَإنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ.
ولا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ كَفَنُ زَوْجَتِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ في ثَلاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ يُبْسَطُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ بَعْدَ أَنْ يُجَمَّرَ بِالعُوْدِ والنَّدِّ والكَافُوْرِ، ويدر الْحَنُوطُ والكَافُوْرُ فِيْمَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يُحْمَلُ وَيُوْضَعُ عَلَيْهَا مُسْتَلْقِياً، ثُمَّ يُجْعَلُ الْحَنُوطُ والكَافُوْرُ في قُطْنٍ، ويُجْعَلُ مِنْهُ بَيْنَ إلْيَتَيْهِ بِرِفْقٍ ويُشَدُّ فَوقه خِرْقَةً مَشْقُوقَةَ الطَّرَفِ كالتُّبَّانِ تَأْخُذُ إلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتَهُ، ويُجْعَلُ البَاقِي عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ ومواضِعِ سُجُودِهِ، وإِنْ طُيِّبَ بِالكَافُورِ والصَّنْدَلِ جَمِيْعُ بَدَنِهِ فَحَسَنٌ، ثُمَّ يُبْنَى طَرَفُ اللِّفَافَةِ العُلْيَا عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ يُرَدُّ طَرَفُهَا الآخَرُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ فَيَدْرُجُهُ فِيْهَا إدْرَاجاً ثُمَّ يُفْعَلُ بِالثَّانِيَةِ والثَّالِثَةِ كَذلِكَ ويُجْعَلُ مَا عِنْدَ رأْسِهِ أَكْثَرُ مِمَّا عِنْدَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يُجْمَعُ ذَلِكَ جَمْعَ طَرَفِ العِمَامَةِ فَيُعِيْدُهُ عَلَى وَجْهِهِ ورِجْلَيْهِ إلاَّ أنْ يَخَافَ انْتِشَارُهَا فتعقدها فَإِذَا وُضِعَ في القَبْرِ حَلَّهَا وَلَمْ يَخْرقِ الكَفَن فإِنْ تَعَذَّرَتْ اللفَائِفُ كُفِّنَ في مِئْزَرٍ وَقَمِيْصٍ وَلِفَافَةٍ وَتُكفَنُ الْمَرْأَةِ في خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: إِزَارٍ ودِرْعٍ وَخِمَارٍ ولِفَافَتَيْنِ فإِنْ لَمْ يَجِدْ اجْتُزِئَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ في حَقِّ كُلِّ مَيِّتٍ وَإِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ لَمْ يُلْبَسْ الْمَخِيْط ولا يُخَمَّرُ رَأْسُهُ وَلَمْ يُقَرَبْ طيْباً.

.بَابُ الصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ:

وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ وأوْلَى النَّاسِ بِهَا وَصِيُّهُ ثُمَّ السُّلْطَانُ ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ من عَصَبَاتِهِ عَلَى مَا بَيَّنا في غَسْلِهِ وَهَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى العَصَبَاتِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَإِذَا اسْتَوَى اثْنَانُ فِي الدَّرَجَةِ قُدِّمَ أسَنُّهُمَا فِي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ وَفِي الآخَرِ يُقَدَّمُ أَحَقُّهُمَا بِالإِمَامَةِ فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَإِذَا اجْتَمَعَ جَنَائِز قُدِّمَ إِلَى الإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ فَإِن اخْتلفَ أَنْوَاعُهُمْ فَالرَّجُل مِمَّا يَلِي الإِمَام ثُمَّ العَبْد ثُمَّ الصَّبِيّ ثُمَّ الْخُنْثِيّ ثُمَّ الْمَرْأَة وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الصَّبِيُّ عَلَى العَبْدِ وَقَالَ الْخِرَقِي: يُقَدَّمُ النِّسَاءُ عَلَى الصِّبْيَانِ ويُسَوَّى بَيْنَ رُؤُوسِهِم إن كانوا رجالاً أو نساءً فإن كانوا رجالاً ونساءً جعل وسط المرأة حُذى صدر الرَّجُل لإن السُّنَّة أن يقف الإمام حذى صدر الرَّجُل ووسط المرأة، وَقَالَ شَيْخُنَا: يسوى بَيْنَ رؤوسهم ثُمَّ يَنْوِي ويُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيْرَاتٍ يَقْرَأُ بِالأُوْلَة بالفَاتِحَةِ ويُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الثَّانِيَةِ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ في الثَّالِثَةِ فيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدَنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيْرِنَا وَكَبِيْرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مُتَقَلَّبَنَا وَمَثْوَانَا وأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ. اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَاحْيِهِ عَلَى الإِسْلامِ والسُّنَّةِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهَا. اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ وابْنُ عَبْدِيكَ نَزَلَ بِكَ وأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُول بِهِ. اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِناً فَجَازِهِ بإِحْسَانِهِ وإِنْ كَانَ مُسِيْئاً فَتَجَاوَزْ عَنْهُ. اللَّهُمَّ إِنَّا جِئْنَاكَ شُفَعَاء لَهُ فَشَفِّعْنَا فِيهِ وَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ واعْفُ عَنْهُ وأَكْرِمْ مَثْوَاهُ وأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً لَهُ مِنْ دَارِهِ وَجِوَاراً خَيْراً لَهُ مِنْ جِوَارِهِ وافْعَلْ ذَلِكَ بِنَا وبِجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ. اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ ولا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ. وَيَقُولُ في الرَّابِعَةِ: رَبَّنا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، ويُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِيْنِهِ، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيْرَةٍ.
وَالوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ النِّيَّةُ والتَّكْبِيْرَاتُ والقِرَاءةُ والصَّلاَةُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ والتَّسْلِيْمَةُ، ولا يُتَابَعُ الإِمَامُ فِيْمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيْرَاتٍ، وَعَنْهُ لا يُتَابَعُ زِيَادَةً عَلَى خَمْسٍ، وَعَنْهُ لا يُتَابَعُ زِيَادَةً عَلَى سَبْعٍ وَمَنْ سَبَقَهُ الإِمَامُ بِبَعْضِ التَّكْبِيْرِ دَخَلَ في الصَّلاَةِ وأَتَى بِمَا أَدْرَكَ فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ كَبَّرَ مَا فَاتَهُ عَلَى صِفَتِهِ إِلاَّ أن تُرْفَعُ الْجَنَازَةُ فَيَقْضِيْهِ مُتَوَالِياً فَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقْضيه فَهَلْ تَصِحُّ صَلاَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ عَلَى الْجَنَازَةِ صَلَّى عَلَى القَبْرِ إِلَى شَهْرٍ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ غَائِباً عَن البَلَدِ صَلَّى عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ كَمَا صَلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، عَلَى النَّجَاشِي، فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَي البَلَدِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ مِن الْجَانِبِ الآخَر بِالنِّيَّةِ فِي أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ، وَلاَ يُصَلِّ الإِمَامُ عَلَى الغَالِ مِنَ الغَنِيْمَةِ، ولا عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ وَإِذَا وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ غُسِلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لا يُصَلَّى عَلَى الْجَوَارِحِ، وَمَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ في مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِيْنَ لَمْ يَغْسِلْ إلاَّ أَنْ يَكُونَ جُنُباً بَلْ يُنْزَعُ عَنْهُ لامَةُ الْحَرْبِ، ويُدْفَنُ في بَقِيَّةِ ثِيَابهِ وَفِي الصَّلاَةِ عَلَيْهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ سَقَطَ عَنْ دَابَّتِهِ أو عَادَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ أو وُجِدَ مَيِّتاً ولا أَثَرَ بِهِ أو جُرِحَ فَتَكَلَّمَ أو أكَلَ أو شَرِبَ ثُمَّ مَاتَ غُسِّلَ وصُلِّيَ عَلَيْهِ.
ولا يُغْسَّلُ مَنْ قُتِلَ ظُلْماً، وَعَنْهُ أنَّهُ يُغْسَّلُ ويُصَلَّى عَلَيْهِ. وَإِذَا بَانَ في السَّقطِ خَلْقُ الإِنْسَانِ غُسِّلَ وصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِذَا اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بمن لا يُصَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى عَلَى الْجَمِيْعِ يَنْوِي بِهِ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُ النِّسَاءِ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ جَمَاعَةً.

.بَابُ حَمْلِ الْجَنَازَةِ والدَّفْنِ:

حَمْلُ الْجَنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ، والتَّرْبِيْعُ في حَمْلِهَا أَفْضَلُ مِنْ حَمْلِهَا بَيْنَ العَمُودَيْنِ وَصِفَتُهُ أَنْ يَبْدَأَ فَيَضَعَ قَائِمةَ السَّرِيْرِ اليُسْرَى عَلَى كَتِفِهِ اليَمِيْنِ مِنْ عِنْدِ رأْسِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ منْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ كَذلِكَ في الْجَانِبِ الآخَرِ يَضَعُ قَائِمَةَ اليَمِيْنِ عَلَى كَتِفِهِ اليُسرى يَبْدأُ بِالرَّأْسِ ويَخْتِمُ بالرِّجْلَيْنِ ويُسْتَحَبُّ الإسْراعُ بِهَا وأَنْ يَكُونَ الْمُشَاةُ أمَامَهَا والرُّكْبَانُ خَلْفَهَا، ولا يَجْلِسُ مَنْ يَتْبَعُهَا حَتَّى تُوضَعَ، وَإِذَا سَبَقَهَا فَجَلَسَ لَمْ يَقُمْ عِنْدَ مَجيِئِهَا. والأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى دَفْنَهَا مَنْ يَتَوَلَّى غَسْلَهُ ويُعَمِّقُ القَبْرَ قَدْرَ قَامَةٍ وَبسْطَةٍ ويَسُلُّ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، ولا يُسْجَى قَبْرُهُ إلاَّ أنْ تَكُونَ امْرَأَةً. وَيَقُولُ الذي يُدْخِلُهُ القَبْرَ: بِسْمِ اللهِ وعلى مِلَّةِ رَسُوْلِ الله. ويَضَعُهُ في اللَّحْدِ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ ويَجْعَلُ تَحْتَ رأْسِهِ لِبِنَةً ثُمَّ يُشَرِّجُ اللَّحْدَ باللَّبِنِ ولا يُسْتَحَبُّ دَفْنُهُ في تَابُوْتٍ، ولا يُجْعَلُ مَعَهُ في القَبْرِ شَيءٌ مَسَّتْهُ النَّارُ ثُمَّ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ بِاليَدِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ يُهَالُ عَلَيْهِ التُّرَابُ، ويُرْفَعُ القَبْرُ عن الأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وتُوضَعُ عَلَيْهِ الْحَصَا، ولا بأْسَ بِتَطْيينِهِ، ويُكْرَهُ تَجْصِيْصُهُ وتَسَنُّمُ القَبْرِ أفضلُ مِنْ تَسْطِيحِهِ، ويُسَنُّ تَلْقِيْنُهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ دَفْنِهِ كَمَا رَوَى أبو أُمَامَةَ؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَسَوَّيْتُمْ عَلَيْهِ التُّرِابَ فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ ثُمَّ يَقُولُ يَا فُلاَنَ بنَ فُلاَنَةَ فإنهُ يسمع وَلاَ يجيب ثُمَّ ليقل يَا فُلاَن بن فلانة ثانية فيستوي قاعداً ثُمَّ ليقل يَا فُلاَن بن فلانة فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَرْشِدْنَا يَرْحَمُكَ اللهُ، ولَكِنْ لاَ تَسْمَعُوْنَ فَيَقُوْلُ: اذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا شَهَادَةُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ وإنَّكَ رَضِيْتَ باللهِ رَبّاً وبِالإسْلاَمِ دِيْناً وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً وبالقُرانِ إِمَاماً، فَإِنَّ مُنْكَراً وَنَكِيْراً يَقُولانِ: مَا يُقْعِدَنا عِنْدَ هَذَا وَقَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُوْلَ اللهِ فإنْ لَمْ يَعْرِف اسْمَ أُمِّهِ قَالَ: فَلْيَنْسِبْهُ إِلَى حَوَّاءَ»، ولا يُبنَى عَلَى القَبْرِ ولا يُدْفَنُ فِيهِ اثْنَان إلاَّ لِضَرُوْرَةٍ ويُقَدَّمُ الأَفْضَلُ إلى القِبْلَةِ وَإِذَا دُفِنَ مِنْ غَيْر غَسْلٍ أو إلى غَيْرِ القِبْلَةِ نُبِشَ وغُسِّلَ وَوُجِّهَ، وَإِذَا وَقَعَ في القَبْرِ مالَهُ قِيْمَةٌ نُبِشَ وأُخِذَ، فَإِنْ كُفِّنَ الْمَيِّتُ بِثَوبِ غَصْبٍ أو بَلَغَ مَالاً لِغَيْرِهِ، نُبِشَ وأُخِذَ الكَفَنُ وشُقَّ جَوْفُهُ وأُخْرِجَ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ وَفِي الآخَرِ يغرم مِنْ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ ولا يعرض لَهُ وَإِذَا مَاتَت امْرَأَةٌ حَامِلاً لَمْ يُشَقَّ جَوْفُهَا ويَسْطُو عَلَيْهِ القَوَابِلُ وَيُحْتَمَلُ أنْ يُشَقَّ جَوْفُهَا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أنَّ الْجَنِيْنَ يَحْيَا، وَإِذَا مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ حامِلاً مِنْ مُسْلِمٍ دُفِنَتْ بَيْنَ مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِيْنَ وأَهْلِ الذِّمَّةِ، ويُجْعَلُ ظَهْرُهَا إلى القِبْلَةِ؛ لأنَّ وَجْهَ الْجَنِيْنِ إلى ظَهْرِهَا، ويُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ القُبُورِ، وَهَلْ يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَقُولُ إذَا مَرَّ بِالقُبُوْرِ أو زَارَهَا: السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِيْنَ وإنَّا بِكُمْ عَنْ قَرِيبٍ إِنْ شَاءَ اللهُ لاحِقُونَ، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أجْرَهُمْ ولا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ واغْفِرْ لنَا وَلَهُمْ.
ويُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى القَبْرِ والاتِّكَاءُ عَلَيْهِ، ولا تُكْرَهُ القِراءةُ عَلَى القَبْرِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وأي قُرْبَةٍ فَعَلَهَا وجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ المُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ.

.بَابَ البُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ والتَّعْزِيَةِ:

ويَجُوْزُ البُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ، ويُكْرَهُ النَّدْبُ والنِّيَاحَةُ وَخَمْشُ الوُجُوهِ، وَشَقِّ الْجُيُوْبِ والتَّحَفِّي، ولا بَأْسَ أنْ يَطْرَحَ الْمُصَابُ عَلَى رَأْسِهِ ثَوْباً يُعْرَفُ بِهِ.
ويُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ ويُكْرَهُ الْجُلُوْسُ لَهَا، وَيَقُوْلُ في تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ وأَحْسَنَ عَزَاءَ كَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ، وَفِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بالكَافِرِ: أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ وأَحْسَنَ عَزَاءَكَ.
وَأَمَّا تَعْزِيَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ رضي الله عنه عَنْهَا، وَهِيَ تَخْرُجُ عَلَى جَوَازِ عِبَادَتِهِمْ وَفِيْهَا رِوَايَتَانِ. فإذا قُلْنَا: نُعَزِّيْهِمْ فَإِن تَعْزِيَتَهُمْ عَنْ مُسْلِمٍ: أحْسَنَ اللهُ عَزَاءكَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ، وعَنْ كَافِرٍ: أَخْلَفَ اللهُ عَلَيْكَ ولا نَقَصَ عَدَدَكَ ويُسَنُّ لأقْرِبَاءِ الْمَيِّتِ وَجِيْرَانِهِ إِصْلاَحُ طَعَامٍ لأَهْلِهِ ويُكْرَهُ لأَهْلِهِ أنْ يَصْنعُوا طَعَاماً يَجْمَعُونَ عَلَيْهِ النَّاسَ.

.كِتَابُ الزَّكَاةِ :

وَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ تَامِّ الْمُلْكِ فأمَّا العَبْدُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ وإِنْ قُلْنَا انَّهُ يَمْلِكُ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتِب، وأمَّا الكَافِرُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ أصْلِيّاً كَانَ أو مُرْتَدّاً وما لَمْ يتم مُلْكُهُ عَلَيْهِ كالدَّيْنِ الذي عَلَى الْمكَاتبِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ.
وَتَجِبُ الزَّكَاةُ في الصِّدَاقِ، وَعِوَضِ الْخلعِ، والأُجْرَةِ قَبْلَ القَبْضِ، وَكَذَلِكَ تَجِبُ في الْمَالِ الضَّالِّ، والْمَغْصُوبِ، والدَّيْنِ عَلَى الْمُمَاطل في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ولا يُلْزِمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَقْبِضَ الْمَالَ.وَفِي الأُخْرَى لا تَجِبُ الزَّكَاةُ في ذَلِكَ ولا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلاَّ في السَّائِمَةِ مِنْ بَهِيْمَةِ الأنْعَامِ وَهِيَ الإِبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ، وَفِي النَّاضِّ وَهِيَ الذَّهَب والفِضَّة، وفيما يُكَالُ ويُدَّخَرُ مِنَ الزُّرُوعِ والثِّمَارِ، وَفِي قِيَمِ عروض التِّجَارَةِ، وَفِي الْخَارِجِ مِنَ الْمَعْدِنْ. وتَجِبُ الزَّكَاةُ في غَيْرِ الْمَالِ لا في الذِّمَّةِ؛ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الفَقَرَاءِ مِنَ النِّصَابِ بِقَدرِ الغَرَضِ فإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ الآخَرُ لَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَتَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ وَيَصِحُّ بَيْعُ مَا وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ قُلْنَا الزَّكَاة تتَعَلَّقُ بالغَيْرِ أو بِالذِّمَّةِ.
وَيَمْنَعُ الدَّينُ وُجُوْبَ الزَّكَاةِ في الأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كَالْمَوَاشِي، والْحُبُوْبِ، والبَاطِنَةِ كالأثْمَانِ. وَعَنْهُ: أنَّهُ يَمْنَعُ في البَاطِنَةِ دُوْنَ الظَّاهِرَةِ.
والكَفَّارَةُ: هَلْ تَمْنَعُ الزَّكَاةَ؟
عَلَى وَجْهَيْنِ مَأْخُوْذٌ مِنَ الدَّيْنِ هَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الكَفَّارَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: الدَّيْنُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الكَفَّارَةِ؛ فَلاَ تَمْنَعُ الكَفَّارَةُ الزَّكَاةَ لِضَعْفِهَا عَنِ الدَّيْنِ. والأُخْرَى لا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا فَتَمْنَعُ الكَفَّارَةُ الزَّكَاةَ؛ لأنَّهَا أَقْوَى مِنَ الدَّيْنِ.
ولا يُعْتَبَرُ في وُجُوبِ الزَّكَاةِ إمْكَانُ الأدَاءِ، ولا تَسْقُطُ بِهَلاكِ الْمَالِ بَعْدَ الْحَوْلِ، ولا بِمَوْتِ الْمَالِكِ وما نَتَجَ مِنَ النِّصَابِ في أثْنَاءِ الْحَوْلِ، فَحَوْلُهُ حَوْلُ النِّصَابِ، والْمُسْتَفَادُ في أَثْنَاءِ الْحَولِ بإرْثٍ أو عَقْدٍ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ. ولا يَبْنِي الوَارِثُ حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِ الْمَوْرُوثِ، وَإِذَا نَقَصَ النِّصَابُ في أثْنَاءِ الْحَوْلِ فَلا زَكَاةَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا بِاعَهُ إلاَّ أنْ يَقْصِدَ بِبَيْعِهِ الفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ. فإِنْ بَادَلَ نِصَاباً تَجِبُ الزَّكَاةُ في عَيْنِهَ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ بَنَى حَوْلَ الثَّانِي عَلَى حَوْلِ الأَوَّلِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَقْطَعَ الْحَوْل وَتَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بالنِّصَابِ دُوْنَ العَفْوِ.

.بَابُ صَدَقَةِ الإِبِلِ:

وَلا شَيءَ في الإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْساً فَتَجِبُ فِيْهَا شَاةٌ. فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْها بَعِيْراً لَمْ يُجْزِهِ. وَفِي العَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي الْخَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاثُ شِيَاهٍ، وَفِي العِشْرِيْن أرْبَعُ شِيَاهٍ.
ولا يُجْزِيء في الغَنَمِ الْمُخْرَجَةِ في الزَّكَاةِ دُوْنَ الْجَذْعِ مِنَ الضَّأْنِ، وَهُوَ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، والثَنيّ مِنَ الْمَعْزِ وَهُوَ مَا لَهُ سَنَةٌ، وَفِي خَمسٍ وَعِشْرِينَ بِنْت مَخَاض وَهِيَ التِي كَمَلَ لَهَا سَنَةٌ، فَإنْ عُدِمَهَا قُبِلَ مِنْهُ ابنٌ لَبُونٌ وَهُوَ مَا لَهُ سَنَتَانِ وَقَدْ حَلَّ في الثَّالِثَةِ، فَإنْ عُدِمَهُ وأَرَادَ الشِّرَاءَ اشْتَرَى بِنْتَ مَخَاض، وَفِي سِتٍ وثَلاَثِيْنَ بِنْتٌ لَبُونٌ وَهِيَ مَا لَهَا سَنَتَانِ، وَفِي سِتَّةٍ وأرْبَعِيْنَ حُقَّةٌ وَهِيَ مَا كَمَلَ لَهَا ثَلاَثَةُ سِنِيْنَ، وَفِي إحْدَى وسِتِّيْنَ جَذَعَةٌ وَهِيَ مَا كَمَلَ لَهَا أرْبَعُ سِنِيْنَ، وَفِي سِتَّةٍ وسَبْعِيْنَ بِنْتٌ لَبُونٌ، وَفِي إحْدَى وتِسْعِيْنَ حُقَّتَانِ.
ولا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِيْنَ وَمِئَةً، فإِذَا زَادَتْ اسْتَوْفَت الفَرِيْضَةَ، فَوَجَبَ في كُلِّ أرْبَعِيْنَ بِنْتٌ لَبُونٌ، وَفِي كُلِّ خَمْسِيْنَ حُقَّةٌ. وَفِي قدرِ الزِّيَادَةِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا وَاحِدَةٌ فَتَجِبُ ثَلاَثُ بَناتٍ لَبُون. والثَّانِيَةُ عَشْرَةَ، فَتَجِبُ حُقَّةٌ وبِنْتا لَبُون، ثُمَّ يَحْسِبُ عَلَى ذَلِكَ كُلّمَا زَادَتْ عَشَرَةٌ جُعِلَ مَكانَ ابنةِ لبون حُقَّةٌ. وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سنٌّ وَلَيسَ عِنْدَهُ، أَخَذَ مِنْهُ السَّاعِي سنّاً أَعْلَى مِنْهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ شَاتَيْنِ أو عِشْرِيْنَ دِرْهَماً، أو يَأْخُذَ سنّاً أَسْفَلَ مِنْهُ، وَمَعَهُ شَاتَيْنِ أو عِشْرِيْنَ دِرْهَماً. ولا يَنْتَقِلُ إلاَّ إلى سنٍّ يلي الوَاجِبَ فإمَّا أنْ يَنْتَقِلَ منْ بِنْتِ لبون إلى الْجَذَعَةِ أو مِنْ حُقَّةٍ إلى بِنْتِ مَخَاض لَمْ يجزْه. والاخْتِيارُ في الصُّعُودِ والنُّزُوْلِ أو الشَّاتَيْنِ والعِشْرِيْنَ دِرْهَماً إلى رَبِّ الْمَالِ، ولا مَدْخَلَ لِلْجِيْرَانِ في غَيْرِ الإِبِلِ؛ لأنَّ النَّصَّ فِيْهَا وَرَدَ. وَإِذَا اتَّفَقَ في الْمَالِ فَرْضَانِ كالْمِئَتَيْنِ، فِيْهَا خَمْسُ بَنَاتِ لبون أو خَمْسُ حُقَّاتٍ فَيَنُصُّ أَحْمَدُ رضي الله عنه: أنَّهُ يَجِبُ الْحِقَاقُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وابْنُ حَامِد: يُخْرِجُ رَبُّ الْمَالِ أيَّ الفَرْضيْنِ أَرَادَ، وإنْ كَانَ الآخَرُ أفْضَلَ مِنْهُ.

.بَابُ صَدَقَةِ البَقَرِ:

ولا شَيْءَ في البَقَرِ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاثِيْنَ، فَتَجِبُ فِيْهَا تَبِيْعٌ أو تَبِيْعَةٌ، وَهُوَ مَا كَمَل لَهُ سَنَةٌ، وَفِي أَرْبَعِيْنَ مسنَّةٌ، وَهِيَ مَا كَمَلَ لَهَا سَنَتَانِ، إلى سِتِّيْنَ فَفَيْهَا تَبِيْعَانِ. وعلى هَذَا أبداً في كُلِّ ثَلاثِيْنَ تَبِيْعٌ، وَفِي كُلِّ أرْبَعِيْنَ مسنَّةٌ.
وَتَجِبُ الزَّكَاةُ في بَقَرِ الوَحْشِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ولا تَجِبُ في الأُخْرَى. ولا تَجِبُ الزَّكَاةُ في الظِّباءِ رِوَايَة وَاحِدَة، وتَجِبُ الزَّكَاةُ في الْمُتَولدِ بَيْنَ الوَحْشِيِّ والأهْلِيِّ، والْجَوامِيْسُ جِنْسٌ مِنَ البَقَرِ.

.بابُ صَدَقَةِ الغَنَمِ وغير ذَلِكَ:

ولا شَيْءَ في الغَنَمِ حَتَّى تَبْلُغَ أرْبَعِيْنَ، فَتَجِبُ فِيْهَا شَاةٌ، وَفِي الْمِئَةِ وإِحْدَى وعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَفِي مِئَتَيْنِ وَوَاحِدَة ثَلاثَةُ شِيَاهٍ إلى أرْبِعِ مِئَةٍ، فَتَكُونُ في كُلِّ مِئَةٍ شَاةٌ. وَعَنْهُ أنَّهَا إذَا بَلَغَتْ ثلاثُمِئَةٍ وَوَاحِدَة فَفِيْهَا أرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ في كُلِّ مِئَةٍ شَاةٌ.
والفُصْلانُ والعَجَاجِيْلُ والسِّخَالُ تَتبعُ الأُمَّهَاتِ في الْحَولِ، إذَا كَانَتْ الأُمَّهَاتُ نِصاباً فإن لَمْ تَكُنْ نصاباً لَكِنْ كَمَلَتْ بأَوْلادِهَا في أثْنَاءِ الْحَوْلِ احْتُسِبَ حَولُ الْجَمِيْعِ مِنْ حِيْنِ الكَمَالِ. وَعَنْهُ أنَّهُ يُحْتَسَبُ حَولُ الْجَمِيْعِ مِنْ حِيْنِ مُلْكِ الأُمَّهَات، فإنْ مَلَكَ نِصَاباً مِنْ صغار بَهِيْمَةِ الأَنْعَامِ انْعَقَدَ عَلَيْهِ حَولُ الزَّكَاةِ مِنْ حِيْنِ مُلْكِهِ. وَعَنْهُ لا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ سنّاً يُجْزِئُ مِثْلَهُ في الزَّكَاةِ. وَتُؤْخَذُ مِنَ الصِّغَارِ صَغِيْرَةٌ، ومِنَ الكِبَارِ كَبِيْرَةٌ، ومِنَ الْمِرَاضِ مَريْضَةٌ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لا يُؤْخَذُ إلاَّ صَحِيْحَةٌ كَبِيْرَةٌ تُجْزِي في الأُضْحِيَةِ؛ لأنَّ أَحْمَدَ رضي الله عنه قَالَ فِي رِوَايَة ابنِ القاسمِ: لاَ يُؤْخَذُ إلاَّ مَا يَجُوْزُ فِي الأَضَاحِي. وإنَّمَا يتَصَوَّرُ أخْذ الصَّغِيْرَةِ إذَا كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنَ الكِبَارِ أكْثَر الْحَولِ، فَتَوَالَدَتْ نِصَاباً، ثُمَّ مَاتَتْ الأُمَّهَاتُ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى الصِّغَارِ. فإِنْ اجْتَمَعَ صِغَارٌ، وكِبَارٌ، وصِحَاحٌ ومِرَاضٌ لَمْ يُؤْخَذْ إلاَّ صَحِيْحَةٌ كَبَيْرَةٌ، قِيْمَتُهَا عَلَى قَدْرِ قِيْمَةِ الْمَالَيْنِ. مِثْل أنْ كَانَ قِيْمَةُ الْمَالِ الْمُخْرَجِ إذَا كَانَ جَمِيْعُ الْمُزَكَّى كِباراً صِحَاحاً عِشْرُوْنَ، وقيْمَتُهُ إذَا كَانَ جَمِيْعُهُ صِغَاراً مِرَاضاً عَشَرَةً، فتخرجُ كَبِيْرَةٌ صَحِيْحَةٌ تُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ في مَاشِيَتِهِ كِراماً ولِئاماً وسِماناً ومَهَازِيْلَ أُخِذَتْ الفَرِيْضَةُ مِن الوَسَطِ عَلَى قَدْرِ قِيْمَةِ الْمَالَيْنِ، فَإنْ كَانَتْ بَخَاتِي وعِرَاباً وَبَقَراً وَجَوَامِيسَ ومَعْزاً وَضَأْناً أُخِذَ الفَرْضُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ. وَقَالَ أبو بَكْرٍ: يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْ أيِّهِمَا شَاءَ لأنَّهُ جِنْسٌ وَاحدٌ. فَإِنْ كَانَتْ ماشيته ذُكُوراً وإنَاثاً لَمْ يُؤْخَذْ في فَرضِهَا إلاَّ الإنَاثُ إلا في الثَّلاَثِيْنَ مِنَ البَقَرِ، فإنَّهُ يُجْزِئُ الذكر، فإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُوراً جَازَ أنْ يَخْرُجَ مِنْها ذَكَراً في الغَنَمِ وَجْهاً وَاحِداً، وَفِي الإبِلِ والبَقَرِ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ. والآخَرُ لا يُجْزِئُ إلاّ الأُنْثَى، كَمَا وَرَدَ النَصُّ.
ولا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ الرُّبَّى وَهِيَ الَّتِي تَرَى وَلَدَهَا، ولا الْمَاخِضُ وَهِيَ الْحَامِلُ، ولا مَا طَرَقَهَا الفَحْلُ لأنَّ الغَالِبَ أنَّ مَا طَرقَهَا الفَحْلُ تَحْبَلُ، ولا الأَكُولةُ وَهِيَ السَّمِيْنَةُ، ولا فَحْلُ الغَنَمِ وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِلضِّرَاب، ولا حَزَرَاتِ الْمَالِ وَهِيَ خِيَارُهُ تَحْزُرُهَا العَيْنُ لِحُسْنِهَا، ولا الْهَرِمَةُ وَهِيَ الكَبِيْرَة، ولا ذَاتِ عَوَرٍ وَهِيَ الْمَعِيْبَةُ.
ولا يَجُوْزُ أَخْذُ القيمِ في شَيءٍ مِنَ الزَّكَاة، فَإِنْ أخرجَ شَيئاً أعْلَى مِنَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ، مِثل أَنْ يُخْرِجَ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ بِنْتَ لَبُون جازَ ذَلِكَ. وَعَنْهُ: أنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ القِيْمَةِ في الزَّكَاةِ.

.بَابُ حُكْمِ الْخِلْطَةِ:

وَإِذَا اخْتَلَطَ نَفْسَان، أو أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ في نِصَابٍ مِنَ الْمَاشِيَةِ حَوْلاً. فَحُكْمُ زَكَاتِهُمْ كَحُكْمِ زَكَاةِ الوَاحِدِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْخِلْطَةُ خِلْطَةَ عيان. مِثْل: أنْ يَسْتَفِيدُوا مالاً مُشَاعاً بِشِرَاءٍ، أو هِبَةٍ، أو إرْثٍ، أو كَانَتْ خِلْطَةُ أوْصَافٍ مِثْل: أَنْ يَكُونَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَمَيِّزاً فَخَلَطُوهُ واشْتَرَكُوا في: الْمُرَاحِ، والْمَسْرَحِ، والْمَشْربِ، والْمحْلَبِ، والرَّاعِي، والفَحْلُ فإنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرْنَا في خِلْطَةِ الأَوْصَافِ بطل حُكْمُهَا. ونِيَّةُ الْخِلْطَةِ لَيْسَتْ شَرْطاً.
وَقَالَ شَيْخُنا: هِيَ شرط ومَتَى اخْتَلَطَ نَفَسَان فَلَمْ يَثْبُتْ لأحَدِهِما حُكْمُ الانْفِرَادِ بِحَالِ، مِثْلَ أنْ يَشْتَرِكَا، أو يُوْهَبُ لَهُمَا، أو يَرِثَا نِصَاباً مَعاً فَزَكَاتُهُمَا زَكَاةُ الْخِلْطَةِ في كُلِّ حَوْلٍ فَإِنْ ثَبَتْ لَهُمَا حُكْمُ الانْفِرَادِ بِالْحَوْلِ مِثْلُ أنْ يَكُونَ لكل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ وَمَضَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَوْلِ ثُمَّ خَلَطَاهُ لَمْ يحلْ. أمَّا أنْ يَتَّفِقَ حَوْلاَهُمَا، فإِنْ يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أرْبَعِيْنَ مِنَ الغَنَمِ في الْمُحَرَّمِ واخْتَلَطَا في صَفَرٍ، وَحَالَ الْحَوْلُ فإِنَّهُما يزكيان فِي الحول الأول زكاة الإنفراد فيخرج كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا شاة وفيما بَعْدَ ذَلِكَ من السنين زكاة الخلطة أَوْ يختلف حولاهما بإن يملك أحدهما فِي أول المحرم والآخر فِي أول صفر ويختلطان فِي أول ربيع فإنه يجب عَلَى كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ الأَوَّلِ شَاة، وما بَعْدَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْخِلْطَةِ كُلَّمَا تَمَّ عَلَيْهِ حَوْلة نِصْفُ شَاةٍ.
فإِنْ ثَبَتَ لِمَالِ أحَدِهِمَا حُكْمُ الانْفِرَادِ دُوْنَ الآخَر بأَنْ يَمْلِكَ أَحَدُهُمَا أرْبَعِيْنَ شَاةً في الْمُحَرَّمِ، ويَمْلِكُ الآخَرُ أرْبَعِيْنَ في صَفَرٍ، ويَخْلُطُهُا بِغَنِمِ الأوَّلِ، ثُمَّ يَبِيْعُهَا مِنْ آخَرَ في أوَّلِ رَبِيْعٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي مَلَكَ أرْبَعِيْنَ مُخْتَلِطَةً لَمْ يثبت لَهَا حُكْمُ الانْفِرِادِ.
فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الأوَّلِ زَكَّى زَكَاةَ الانْفِرَادِ شَاةً، وإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِي زَكَّى زَكَاةَ الْخِلْطَةِ نِصْفَ شَاةٍ، ثُمَّ يُزَكِّيَانِ بَعْدَ ذَلِكَ زَكَاةَ خِلْطَةٍ كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا وَجَبَ نِصْفُ شَاةٍ.
فَإِنْ مَلَكَ إنْسَانٌ أرْبَعِيْنَ شَاةً وَمَضَى عَلَيْهِ نِصْفُ حَوْلٍ ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا مُشَاعاً؛ فَقَالَ أبو بَكْرٍ: يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ الأَوَّلُ وَيَسْتَأْنِفَانِ حَوْلاً مِنْ حِيْنِ الْبَيْعِ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا يَنْقَطِعُ، فإذَا تَمَّ حَوْلُ البَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ.
وَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمُشْتَرِي، فإِنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ، وإِنْ قُلْنَا: تَتَعَلَّقُ بِالعين – وَهُوَ الصَّحِيحُ – فإنْ كَانَ البَائِعُ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ فَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لأنَّ نِصَابَ الْخِلْطَةِ نَقَصَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، وإِنْ كَانَ أخْرَجَهَا مِنْ غَيْرهِ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ شَاةٍ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا عَلِم عَلَى نِصْفِهَا وَبَاعَهُ في بَعْضِ الْحَوْلِ. فأمَّا إنْ أَفْرَدَ عِشْرِيْنَ وَبَاعَهَا ثُمَّ خَلَطَ هُوَ والْمُشْتَرِي، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يسْتَأنفَانِ الْحَوْلَ.
وَقَالَ شَيْخُنا: يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا مُخْتَلِطَةً؛ لأنَّ هَذَا زَمَانٌ يَسِيْرٌ.
وَإِذَا مَلَكَ إنْسَانٌ أرْبَعِيْنَ شَاةً في الْمُحَرَّمِ وأَرْبَعِينَ في صَفَرٍ، فإِذَا حَالَ حَوْلُ الأَوَّلِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ. وَإِذَا حَالَ حَوْلُ الثَّانِي فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لا زَكَاةَ فِيهِ، والآخر: فِيهِ زَكَاةٌ.
وَما مِقْدَارُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: شَاةٌ والثَّانِي: نِصْفُ شَاةٍ.
فإِنْ مَلَكَ في صَفَرٍ مَا يُغَيِّرُ الفَرْضَ وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ أَحَدَ وَثَمَانِيْنَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ في الثَّانِي إذَا تَمَّ حَولُهُ وَجْهاً وَاحِداً. وَإِذَا كَانَ لإِنْسَانٍ أرْبَعُونَ شَاةٍ في بَلَدٍ، وأَرْبَعُونَ في بَلَدٍ آخَرَ وبَيْنَهُمَا مَسَافَة تقْصرُ فِيْهَا الصَّلاَةَ فَنَصَّ أَحْمَدُ رضي الله عنه: أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاتَانِ.
وإنِ كَانَ في كُلّ بَلَدٍ عِشْرُوْنَ فَلاَ زَكَاةَ، فَجَعَلَ التَّفْرِقَةَ في البَلَدَيْنِ كالتَّفْرِقَةِ في الْمُلْكَيْنِ، وهذا في الْمَاشِيَةِ خَاصَّةً دُوْنَ بَقِيَّةِ الأَمْوَالِ، فأَمَّا إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لا تقْصُرُ فِيْهَا الصَّلاَةَ ضَمَّ أَحَدَ الْمُلْكَيْنِ إلى الآخَرِ، وعِنْدِي: أنَّهُ يَضُمُّ مُلْكَ الإنْسَانِ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ سَوَاءٌ قَرُبَتِ البُلْدَانُ أو تَبَاعَدَتْ. فَعَلَى هَذَا: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ سِتُّونَ شَاةً في كُلِّ بَلَدٍ، مِنْها عِشْرُونَ خِلْطَةً مَعَ عِشْرينَ لِرَجُلٍ آخَرَ، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْجَمِيْعِ، فإنَّهُ يَجِبُ في الْجَمِيْعِ شَاةٌ، نِصْفُهَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّيْنَ ونِصْفُهَا عَلَى الْخُلَطَاءِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سُدسُ شَاةٍ، وعلى مَنْصُوصِ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ – إنْ كَانَ بَيْنَ البُلْدَانِ مَسَافَةٌ لا تقْصُرُ فِيْهَا الصَّلاَةَ فالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، تَجِبُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وإنْ كَانَ بَيْنَهُمْ مسَافَةٌ تُبِيْحُ القَصْرَ وَجَبَ ثَلاثُ شِيَاهٍ؛ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّيْنَ شَاةٌ ونِصْفٌ، وعلى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخُلَطَاءِ نِصْفُ شَاةٍ.
ولا تُؤثِّرُ الْخِلْطَةُ في غَيْرِ الْمَواشِي مِنَ الأَمْوَالِ والأَثْمَانِ والْحُبُوبِ والثِّمَارِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: تُؤَثِّرُ كَمَا تُؤَثِّرُ في الْمَاشِيَةِ.
ويَجُوزُ لِلسَّاعِي أنْ يَأْخُذَ الفَرْضَ مِنْ أي مَالِ الْخَلِيْطَيْنِ شَاءَ، سَواءٌ دَعَتِ الْحَاجَةُ إلى ذَلِكَ، بِأَنْ يَكُونَ مَالُ أَحَدِهِمَا صِغَاراً وَمَالُ الآخَرِ كِبَاراً، فإنَّهُ يَجِبُ كَبِيْرَةٌ، أو يَكُونُ مُلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أرْبَعِيْنَ أو سِتِّيْنَ فإِنَّهُ يَأْخُذُ شَاةً، ولا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ إلاَّ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا. أو لَمْ تَدَعْ الْحَاجَةُ بأَنْ يَكُونَ مَالُ كُلِّ واحِدٍ مِئَتي شَاةٍ فَتَجِبُ عَلَيْهِ شَاتَانِ.
فَإِذَا أَخَذَ الفَرْضَ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى خَلِيْطِهِ بِالْقِيْمَةِ، فإِنْ اخْتَلَفَا في قِيْمَةِ الفَرْضِ، فَالْقَولُ قَولُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ إذَا عُدِمَتِ البَيِّنَةُ، فإِنْ أَخَذَ المصدقُ أَكْثَرَ مِنَ الفَرْضِ بِغَيْرِ تأْوِيْلٍ لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادةِ عَلَى خَلِيْطِهِ، وإِنْ كَانَ بِتَأْوِيْلٍ مِثْلُ أَخْذِ الكَبِيْرَةِ مِنَ السِّخَالِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، وَالصَّحِيْحَةِ عَنِ الْمِرَاضِ عَلَى قَوْلِ عَبْدِ العَزِيْزِ أو أخذ قِيمَة الفَرْضِ عَلَى قَوْلِ النُّعْمَانِ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ.

.بابُ زَكَاةِ الزُّرُوْعِ والثِّمَارِ:

وَتَجِبُ الزَّكَاةُ في كُلِّ زَرْعٍ يُكَالُ ويُدَّخَرُ سَواءٌ أَكَانَ مُقتاتاً كَالْحِنْطَةِ والشَّعِيْرِ والذُّرَةِ والدُّخْنِ والأَرُزِّ والقِطْنِيَّاتِ كُلِّهَا وَهِيَ: البَاقِلاَّءُ، والعَدَسُ، والْمَاشُ، والْهُرْطُمَانُ، واللُّوْبِيا، والْحِمَّصُ، والتُّرْمُسُ، والسِّمْسِمُ، والشَّهْدَانَجُ، وما أشْبَهَهُ أو غَيْرَ مُقْتَاتٍ كَبَزْرِ الكتَّانِ وَبَزْرِ الفُجْلِ والرَّشَادِ وحَبِّ القُثَّاءِ والْخِيَارِ والبِطِّيْخِ والْخَرْدَلِ والقُرْطُمِ ونَحْوِهِ، والأَبَازِيْرِ مِنَ الكسفرة والكَمُّونِ والكَرَاوْيَا ومَا أشْبَهه. وسَوَاءٌ كَان مِمَّا يُنْبِتُهُ الآدَمِيُّونَ كَالَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، أَو كَانَ مِمَّا يُنْبِتُ بِنَفْسِهِ كبَزْرِ فَطُوْنَاءَ، وحَبَّةِ الخَضْرَاءِ والصَّعْتَرِ والأُشْنَانِ وغَيْرها، وكَذَلِكَ في الثِّمَارِ الَّتِي تُكَالُ وتُدَّخَرُ كَالتَّمْرِ والزَّبِيْبِ واللَّوْزِ والفُسْتُقِ والبُنْدُقِ ونَحْوِ ذَلِكَ. ولاَ تَجِبُ في بَقِيَّةِ الفَوَاكِهِ كَالخَوْخِ والمِشْمِشِ والإِجَّاصِ والكُمَّثْرَى والتِّيْنِ، ولاَ شَيءَ في الخَضْرَاوَاتِ كَالبِطِّيْخِ والقُثَّاءِ والخِيَارِ والبَاذِنْجَانِ والجَزَرِ والسَّلْجَمِ والبَقُوْلِ كُلِّهَا.
واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في القُطْنِ والزَّيْتُونِ والعُصْفًرِ والزَّعْفَرَانِ، فَرُوِيَ عَنْهُ: فِيْهَا الزَّكَاةُ، وَرُوِيَ عَنْهُ: لا زَكَاةَ فِيْهَا، ويَتَخَرَّجُ الوَرْسُ والعُصْفُرُ عَلَى وَجْهَيْنِ قِيَاساً عَلَى الزَّعْفَرَانِ، ولاَ زَكَاةَ في جَمِيْعِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَاباً قَدَرُهُ – بَعْدَ التَّصْفِيَةِ في الحُبُوبِ، والجَفَافِ في الثِّمَارِ – خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، والوَسقُ: سِتُّوْنَ صَاعاً، والصَّاعُ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وثُلُثٌ بالعِرَاقِيِّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَلْفاً وسِتَّمِئَةِ رَطْلٍ، إلاَّ أَنَّ الأرُزَّ والعَلَسَ – هُوَ نَوعٌ مِنَ الحِنْطَةِ يُدَّخَرُ في قِشْرِهِ – فَإِنَّ نِصَابَهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ مَعَ قِشْرِهِ، وَرَوَى عَنْهُ الأَثْرَمُ: أنَّهُ يُعْتَبَرُ نِصَابُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ والكَرْمِ رُطَباً وعِنَباً، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنا، والأَوَّلُ أَصَحُّ.
ويَجِبُ في العَسَلِ العُشْرُ سَوَاءٌ كَانَ في أَرْضٍ خِرَاجِيَّةٍ أو غَيْرِهَا، وسَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ مَوْضِعٍ يَمْلِكُهُ أو لاَ يَمْلِكُهُ كَرُؤُوسِ الجِبَالِ والمَواتِ كُلِّهَا، ويُعْتَبَرُ قَدْرُ النِّصَابِ ومِقْدَارُهُ عَشَرَةُ أَفْرَاقٍ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: الفَرْقُ: سِتُّونَ رَطْلاً، وَقَالَ شَيْخُنَا:
سِتَّةٌ وَثَلاَثُوْنَ رَطْلاً، وأمَّا نِصَابُ الزَّعْفَرَانِ والقُطْنِ والزَّيْتُونِ فَلاَ نَصَّ فِيْهِ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ -، وَقَالَ شَيْخُنَا: يَتَوَجَّه أَنْ يَجْعَلَ نِصَابَهُ مَا يَبْلُغُ قِيْمَتُهُ قِيْمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أدْنَى مَا تُخْرِجُهُ الأَرْضُ مِمَّا تَجِبُ فِيْهِ الزَّكَاةُ، وكَذَلِكَ عِنْدِي: الوَرْسُ والعُصْفُرُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: العُصْفُرُ تَبَع القُرْطُمِ فَإِنْ بَلَغَ القُرْطُمُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، فَفِيْهِ الزَّكَاةُ. والعُصْفُرُ تَبَعٌ لَهُ، وإِلاَّ فَلاَ زَكَاةَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وتُضَمُّ الحُبُوبُ بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ في إِكْمَالِ النِّصَابِ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، وفي الثَّانِيَةِ: تُضَمُّ الحِنْطَةُ إلى الشَّعِيْرِ، والقُطْنِيَّاتُ كُلُّهَا بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ. وفي الثَّالِثَةِ: يُعْتَبَرُ النِّصَابُ في كُلِّ نَوْعٍ عَلَى انْفِرَادِهِ.
وتُضَمُّ ثَمَرَةُ العَامِ الوَاحِدِ بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ وَقْتُ إِطْلاَعِهَا وَإِدْرَاكِهَا أو اخْتَلَفَ، فَيُقَدِّمُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ في ذَلِكَ، وسَوَاءٌ كَانَتْ في بَلَدٍ وَاحِدٍ أو في بَلَدَيْنِ، وكَذَلِكَ زَرْعُ العَامِ الوَاحِدِ فَإِنْ كَانَ نَخْلٌ يَحْمِلُ في السَّنَةِ حِمْلَيْنِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يُضَمُّ أحَدُ الحِمْلَيْنِ إلى الآخَرِ في إِكْمَالِ النِّصَابِ، وعِنْدِي أنَّهَا تُضَمُّ؛ لأَنَّهَا ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ كَمَا يُضَمُّ زَرْعُ العَامِ الوَاحِدِ، ولاَ يُعْتَبَرُ في الحُبُوبِ والثِّمَارِ حَوْلَ الحَوْلِ.
وإذَا اخْتَلَفَ ثِمَارُهُ فكَانَ مِنْهَا الجَيِّدُ والرَّدِيءُ والوَسَطُ، أَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوعٍ مَا يَخُصُّهُ إِلاَّ أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِكَثرَةِ الأَنْوَاعِ واخْتِلاَفِهَا فَيُؤْخَذُ مِنَ الوَسَطِ.
ويَجِبُ العُشْرُ فِي مَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ كَالسُّيُوْحِ والغُيُوثِ ومَا يُشْرَبُ بِعُرُوْقِهِ كالبَعْلِ، ونِصْفُ العُشْرِ فِيْ مَا سُقِيَ بالمُؤَنِ كالدَّوَالِي والنَّوَاضِحِ، فَإِنْ سُقِيَ نِصْفُهُ بِهَذَا ونِصْفُهُ بِهَذَا وَجَبَ فِيْهِ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ العُشْرِ، فَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنَ الآخَرِ، فَقَالَ أَحْمَدُ – رَحِمَهُ اللهُ – فِي رِوَايَةِ المَرْوَذِيِّ: يُعْتَبَرُ بِأَكْثَرِهِمَا، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ بالقِسْطِ. فَإِنْ جَهِلَ المِقْدَارَ غلّبنَا إِيْجَابُ العُشْرِ احْتِيَاطاً نَصَّ عَلَيْهِ، ويَجِبُ فِيْمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ، ويَجِبُ إِخْرَاجُ الوَاجِبِ مِنَ الحُبُوبِ مُصَفّى ومِنَ الثِّمَارِ يَابِساً، سَوَاءٌ قُلْنَا: يُعْتَبَرُ نِصَابُهُ تَمْراً وزَبِيْباً ورَطْباً وعِنَباً.
وَإِذَا بَدَا الصَّلاَحُ في الثِّمَارِ واشْتَدَّ الحَبُّ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ، فَإِنِ احْتِيْجَ إلى قَطْعِ ذَلِكَ قبلَ كَمَالِهِ للخَوْفِ مِنَ العَطَشِ، ولِضَعْفِ الجِمَارِ، أو كَانَ رَطْباً لاَ يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ كَالحَسْنَوِيِّ والبرنبا، أو عِنَباً لاَ يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيْبٌ كالخمريِّ، فَفِيْهِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَ نِصَاباً، ولاَ يُؤْخَذُ مِنْهُ إلاَّ يَابِساً، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ – واخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ في الخِلاَفِ.
وقَالَ شَيْخُنَا: يُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ قِسْمَتِهَا مَعَ رَبِّ المَالِ قَبْلَ الجَذاذ وبَعْدَهُ، وبَيْنَ بَيْعِهَا مِنْهُ أو مِنْ غَيْرِهِ. فَإِنْ قَطَعَ رَبُّ المَالِ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا لِغَرَضٍ صَحِيْحٍ، مِثْلُ: أَنْ يَأْكُلَهَا أَوْ يَبِيْعَهَا خِلاَلاً أو يُخَفِّفَ عَنِ النَّخْلِ لِيَحْسُنَ بَقِيَّةُ الثَّمَرَةِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيْمَا قَطَعَهُ، وإِنْ قَطَعَهَا لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيْحٍ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ.
وَإِذَا أَرَادَ رَبُّ المَالِ أَنْ يَتَصَرَّفَ في الثَّمَرَةِ قَبْلَ الجَذاذِ خَرَصَ عَلَيْهِ، وضَمِنَ نَصِيْبَ الفُقَرَاءِ ثُمَّ يَتَصَرَّفُ، فَإِنِ ادَّعَى هَلاَكَهَا لِحَاجَةٍ أو نَهْبٍ أو سَرِقَةٍ، فَالقَوْلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِيْنٍ، فَإِنْ جَذَّهَا وَجَعَلَهَا في الجَرِيْنِ، وضَمِنَ للسَّاعِي نَصِيْبَ الفُقَرَاءِ، ثُمَّ ادَّعَى تَلَفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ. ويَنْظُرُ الخَارِصُ في النَّخْلِ، فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعاً خَرَصَ عَلَيْهِ كُلَّ نَخْلَةٍ عَلَى حِدَةٍ، وإِنْ كَانَ نَوْعاً واحِداً جَازَ أَنْ يَخْرُصَ الجَمِيْعَ دُفْعَةً وَاحِدَةً، وأَنْ يَخْرُصَ كُلَّ نَخْلَةٍ مُنْفَرِدَةٍ.
ويَجِبُ عَلَى الخَارِصِ أنْ يَتْرُكَ لِرَبِّ المَالِ الثُّلُثَ أو الرُّبُعَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ جَازَ لِرَبِّ المَالِ أَنْ يَأْكُلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ ولاَ يُحتَسبُّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَرَصْتُمْ فَدَعُوا الثُّلُثَ أو الرُّبُعَ، فَإِنَّ في المَالِ العُرْيَةَ والأَكلَةَ والوَصِيَّةَ».
ويَجُوزُ لأَهْلِ الذِّمَّةِ شِرِيُّ الأَرَاضِي العُشْرِيَّةِ ولاَ عُشْرَ عَلَيْهِمْ في الخَارِجِ مِنْهَا في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وفي الأُخْرَى: لاَ يَجُوزُ لَهُمْ شِرَاؤهَا، فَإِنْ خَالَفُوا واشْتَرَوا صَحَّ الشِّرَاءُ، وضُرِبَ عَلَيْهِمْ عَلَى زُرُوْعِهِمْ وثِمَارِهِمْ عُشْرَيْنِ، وإِذَا ضَرَبَ الإِمَامُ عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلُبَ مَكَانَ الجِزْيَةِ عُشْرَيْنِ في زُرُوعِهِمْ وثِمَارِهِمْ، ثُمَّ أسْلَمُوا أو بَاعُوا الأَرْضَ مِنْ مُسْلِمٍ سَقَطَ أَحَدُ العُشْرَيْنِ، ويُؤْخَذُ الأَجْرُ عَلَى سَبِيْلِ الزَّكَاةِ، ويَجْتَمِعُ العُشْرُ والخَرَاجُ في كُلِّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً، فَيَكُونُ الخَرَاجُ في رُقْبَتِهَا، والعُشْرُ في غَلَّتِهَا.
وإِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضاً فَزَرَعَهَا فَالعُشْرُ عَلَى المُسْتَأْجِرِ دُوْنَ مَالِكِ الأَرْضِ، وإِذَا أَعْطَى عُشْرَ زَرْعِهِ وَثَمَرَتِهِ مَرَّةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عُشْرٌ آخَرُ، وإنْ حَالَ عِنْدَهُ أَحْوَالاً.

.بَابُ زَكَاةِ النَّاضِّ:

لاَ زَكَاةَ في الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِيْنَ مِثْقَالاً، فَيَجِبُ فِيْهِ رُبْعُ العُشْرِ - نِصْفُ مِثْقَالٍ -، ولا في الفِضَّةِ حَتَّى يَبْلُغَ مِئَتَي دِرْهَمٍ فَيَجِبُ فِيْهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، ومَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ فِيْهِمَا فَبِحِسَابِهِ. فَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ عَنْ ذَلِكَ نُقْصَاناً يَسِيْراً كَالحَبَّةِ والحَبَّتَيْنِ وجَبَتِ الزَّكَاةُ؛ لأنَّهُ لاَ يُضْبَطُ في الغَالِبِ، فَهُوَ كَنُقْصَانِ الحَوْلِ سَاعَةً وسَاعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ نُقْصَاناً بَيِّناً كَالدَّانَقِ والدَّانَقَيْنِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحَداهُمَا: تَسْقُطُ، والأُخْرَى: لاَ تَسْقُطُ، ويُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّصَابِ في جَمِيْعِ الحَوْلِ في النَّاضِّ والمَوَاشِي وعُرُوْضِ التِّجَارَةِ، فَإِنْ نَقَصَ في بَعْضِهِ لَمْ تَجِبْ فِيْهِ الزَّكَاةُ، ولاَ يُضَمُّ الذَّهَبُ إلى الفِضَّةِ في إِكْمَالِ النِّصَابِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: يُضَمُّ، ويَكُونُ ضَمُّهُ بِالأَجْزَاءِ لاَ بالقِيْمَةِ، وقِيْلَ: يَكُوْنُ ضَمُّهُ بِمَا هُوَ أَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ مِنَ الأَجْزَاءِ أو القِيْمَةِ. فَإِنْ مَلَكَ ذَهَباً مَغْشُوشاً، أو فِضَّةً مَغْشُوشَةً فَلاَ زَكَاةَ فِيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ مِقْدَارُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ نِصَاباً، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدَرَ مَا فِيْهِ مِنْهُمَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْبِكَهُمَا لِيَعْرِفً قَدَرَ الوَاجِبِ فَيُخْرِجَهُ، وبَيْنَ أنْ يَسْتَظْهِرَ ويُخْرِجَ؛ لِيَسْقُطَ الغَرضُ بِيَقِيْنٍ. ويُخْرِجُ عَنِ الصِّحَاحِ الجِيَادِ جِيَاداً صِحَاحاً مِنْ جِنْسِهَا، فَإِنْ أَخْرَجَ مُكَسَّرَةً أو بَهْرَجَةً زَادَ في المُخَرَّجِ مِقْدَارَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الفَضْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ، ولاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ عَنِ الآخَرِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يَجُوزُ ذَلِكَ.

.بَابُ زَكَاةِ الحِلِيِّ:

ولاَ زَكَاةَ في الحِلِيِّ المُبَاحِ في حَقِّ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ إِذَا كَانَ مُعَدّاً للاسْتِعْمَالِ، فَالمُبَاحُ للرَّجُلِ مِنَ الفِضَّةِ الخَاتَمُ وقَبِيْعَةُ السَّيْفِ، فَأَمَّا حلية المِنْطَقَةِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وعَلَى قِيَاسِها الجَوْشَنُ والخُوْذَةُ والخُفُّ والرَّانُ والحَمَائِلُ، ومِنَ الذَّهَبِ مَا دَعَتْ إِلَيْهِ الضَّرُوْرَةُ كَالأَنْفِ، ومَا رَبَطَ بِهِ أَسْنَانُهُ.
والمُبَاحُ لِلنِّسَاءِ مِنْ الذَّهَبِ والفِضَّةِ كُلُّ مَا جَرَتْ بِهِ العَادَةُ لَهُنَّ بِلِبْسِهِ كَالخَلْخَالِ والسِّوَارِ والدُّمْلُوجِ والطَّوْقِ والتَّاجِ والقُرْطِ، والخَاتَمِ، ومَا أَشْبَهَهُ، وسَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ أو كَثُرَ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: يُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَلْفَ مِثْقَالٍ، فَإِنْ بَلَغَهَا فَهُوَ مُحَرَّمٌ وفِيْهِ الزَّكَاةُ.
فَإِنْ لَمْ تُعَدَّ للاسْتِعْمَالِ لَكِنْ لِلْكَرْي والنَّفَقَةِ إِذَا احتاج إِلَيْهِ فَفِيْهِ زَكَاةٌ. وفي الأَوَانِي المُتَّخَذَةِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ الزَّكَاةُ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: تَجِبُ الزَّكَاةُ في الحِلِيِّ سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحاً أو مُحَرَّماً، ذَكَرَهَا ابنُ أبي مُوْسَى في "الإِرْشَادِ"، وهَلْ يُخَرَّجُ مِنْهُمَا زَكَاةُ قِيْمَتِهِمَا أو وَزْنِهِمَا، فَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه: اعْتِبَارُ وَزْنِهِمَا، وَقَالَ شَيْخُنَا: الاعْتِبَارُ بِقِيْمَتِهِمَا، فَإِذَا كَانَ الوَرِقُ مِئَتَينِ والقِيْمَةُ لأَجْلِ الصِّنَاعَةِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وجبت زكاة ثلاث مئة سَبْعَةً ونِصْفاً.

.باب زَكَاةِ التِّجَارَةِ:

تَجِبُ الزَّكَاةُ في قِيَمِ عُرُوْضِ التِّجَارَةِ، ويُؤْخَذُ مِنْهَا لاَ مِنْ العُرُوضِ، ولاَ تَصِيْرُ العُرُوضُ للتِّجَارَةِ إلاَّ بِشَرْطَيْنِ:
أحَدهُمَا: أَنْ يَمْلِكَهُ بِفِعْلِهِ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أنْ يُقَابِلَ ذَلِكَ عِوَضاً كَالبَيْعِ ونَحْوِهِ، أو لاَ يُقَابِلَهُ عِوَضاً كَالاحْتِشَاشِ والهِبَةِ والغَنِيْمَةِ.
والثَّانِي: أنْ يَنْوِيَ عِنْدَ تَمَلُكِهِ أنَّهُ للتِّجَارَةِ، فَأمَّا إِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ، أو كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ لِلْقُـِنْيَةِ وَنَوَاهُ للتِّجَارَةِ، أو تَمَلَّكَهُ بالشِّرَاءِ، وَلَمْ يَنْوِهِ للتِّجَارَةِ، لم يَصِرْ للتِّجَارَةِ، وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ ابنُ مَنْصُوْرٍ: أنَّ العُرُوضَ تَصِيْرُ للتِّجَارَةِ لِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ.
ويُعْتَبَرُ النِّصَابُ في قِيْمَةِ العُرُوضِ في جَمِيْعِ الحَوْلِ، كَمَا يُعْتَبَرُ في جَمِيْعِ نُصبِ الزَّكَاةِ.
وَإِذَا اشْتَرَى عَرْضاً للتِّجَارَةِ بِنِصَابٍ مِنَ الأَثْمَانِ أو بِمَا قِيْمَتُهُ نِصَابٍ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ بَنَى حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِ الثَّمَنِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بنصاب من السائمة لَمْ يبنِ حولهُ عَلَى حولها لإنهما مختلفان فإن إشتراه بِعُرُوضٍ للنَّفَقَةِ، أو بِمَا دُوْنَ النِّصَابِ مِنَ الأَثْمَانِ انْعَقَدَ الحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ يَومِ تَصِيْرُ قِيْمَتُهُ نِصَاباً، ويُقَوَّمُ مَالُ التِّجَارَةِ بِمَا هُوَ أحَظُّ لِلْمَسَاكِيْنِ مِنْ عَيْنٍ أَو وَرَقٍ، ولاَ يُعْتَبَرُ ما اشْتَرَاهُ بِهِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيْمَتُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبْلُغُ نِصَاباً قومهُ يما شَاءَ مِنْهُمَا، وإذا ملك للتجارة نصاباً مِنَ السَّائِمَةِ وحَالَ الحَوْلُ، والسَّوْمُ ونِيَّةُ التِّجَارَةِ مَوْجُوْدَانِ وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ دُوْنَ السَّوْمِ، فَإِنْ وُجِدَ نِصَابُ أَحَدِهِمَا دُوْنَ الآخَرِ، مِثْلُ: إِنْ كَانَتْ ثَلاَثِيْنَ مِنَ الغَنَمِ قِيْمَتُهَا مِئَتَا دِرْهَمٍ، أو أَرْبَعِيْنَ قِيْمَتُهَا دُوْنَ المِئَتَيْنِ قَدَّمْنَا مَا وُجِدَ نِصَابُهُ وسَقَطَ اعْتِبَارُ الآخَرِ.
وإِذَا اشْتَرَى أَرْضاً أو نَخْلاً للتِّجَارَةِ فَزُرِعَتِ الأَرْضُ وأَثْمَرَتِ النَّخْلُ زَكَّى الْجَمِيْعَ زَكَاةَ القِيْمَةِ، وَقِيْلَ: يُزَكَّى الأَصْلُ زَكَاةَ القِيْمَةِ، والثَّمَرُ والزَّرْعُ زَكَاةَ العُشْرِ.
وإِذَا اشْتَرَى عَرْضاً بِنِصَابٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ تَقْوِيْمُهُ إِذَا تَمَّ الحَوْلُ، فَإِنْ زَادَ بَعْدَ الحَوْلِ أو نَقَصَ أو تَلَفَ المَالُ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ في الواجِبِ.
وإِذَا دَفَعَ إلى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَحَالَ الحَوْلُ وقَدْ صَارَتْ أَلْفَيْنِ، وَجَبَ عَلَى رَبِّ المَالِ زَكَاةُ أَلْفَيْنِ وخَمْسِ مِئَةٍ؛ لأنَّ رِبْحَ التِّجَارَةِ حَوْلُهُ حَوْلُ أَصْلِهِ، وعَلَى العَامِلِ زَكَاةُ خَمْسِ مِئَةٍ يُحْسَبُ حَوْلُهَا مِنْ حِيْنِ ظُهُورِ الرِّبْحِ؛ لأنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَحْمَدَ رضي الله عنه: إنَّ العَامِلَ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بالظُّهُورِ، فَإِذَا مَلَكَهُ جَرَى فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ. وَقَالَ أبو بَكْرِ بنِ جَعْفَرٍ، وشَيْخُنَا أبو يَعْلَى: يُحْسَبُ حَوْلُهُمَا مِنْ حِيْنِ القِسْمَةِ والقَبْضِ؛ لأنَّ بِذَلِكَ يَسْتَقِرُّ مُلْكُهُ، وهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَةٍ ضَعِيْفَةٍ، وَهُوَ أنَّ المَالَ الضَّالَّ والمَغْصُوبَ والصِّدَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لاَ تَجِبُ فِيْهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَقْبِضَهُ ويَسْتَقِرَّ مُلْكُهُ عَلَيْهِ، والصَّحِيْحُ مِنَ المَذْهَبِ: أنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ إلى مدة مَظْنُوناً، كَذَلِكَ هَذَا الرِّبْح، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالدَّيْنِ، وإِنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ، وإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهُ مِنْ مَالِ المُضَارَبَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ المَالِ ويُحْتَمَلُ جَوَازُ ذَلِكَ؛ لأنَّهُمَا دَخَلاَ عَلَى حُكْمِ الإِسْلاَمِ، ومِنْ حُكْمِهِ وُجُوْبُ الزَّكَاةِ وَإِخْرَاجُهَا مِنَ المَالِ.
وإِذَا أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ شَرِيْكَي العِنَانِ لِصَاحِبِهِ في إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ، فَأَخْرَجَاهَا مَعَاً، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيْبَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا أحدهما قَبْلَ الآخَرِ ضَمِنَ الثَّانِي نَصِيْبَ الأَوَّلِ، عَلِمَ بِإِخْرَاجِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.

.بَابُ زَّكَاةِ المَعْدِنِ:

مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ في أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، أو مَمْلُوْكَةٍ نِصَاباً مِنَ الذَّهَبِ أو الفِضَّةِ، أو مِمَّا يبْلُغُ قِيْمَتُهُ نِصَاباً مِنْ سَائِرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ المَعْدِنِ كَاليَاقُوْتِ والزَّبَرْجَدِ والعَقِيْقِ والفَيْرُزَجِ والزُّجَاجِ والصُّفْرِ والزِّئْبَقِ والمُومِيا والكُحْلِ والقَارِ والنِّفْطِ والنّوْرَةِ والزِّرْنِيْخِ، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَفِيْهِ الزَّكَاةُ في الحَالِ رُبْعُ العُشْرِ سَوَاءٌ اسْتَخْرَجَهُ في دُفْعَةٍ أو في دُفُعَاتٍ بَعْدَ أنْ لاَ يَتْرُكَ فِيْهَا العَمَلَ تَرْكَ إِهْمَالٍ، ولاَ يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ إلاَّ بَعْدَ السَّبْكِ والتَّصْفِيَةِ، ومَصْرَفُهُ مَصْرَفُ الزَّكَوَاتِ.
واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيْمَا يُصِيْبُهُ مِنْ البَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ والمَرْجَانِ والعَنْبَرِ والسَّمَكِ وغَيْرِ ذَلِكَ، فَعَنْهُ: قِيْمَتُهُ قِيْمَةُ المَعْدِنِ، وَعَنْهُ: لَيْسَ فِيْهِ شَيءٌ بِحَالٍ.

.باب حُكْمِ الرِّكَازِ:

الرِّكَازُ: مَا وُجِدَ مِنْ دَفْنِ الجَاهِلِيَّةِ في مَوَاتٍ أَو مَمْلُوْكٍ لاَ يُعْرَفُ مَالِكُهُ، ويَجِبُ فِيْهِ الخُمْسُ في الحَالِ، أَيَّ نَوْعٍ كَانَ مِنَ المَالِ، قَلَّ أوْ كَثُرَ. فَإِنْ وَجَدَهُ في مَكَانٍ يَعْرِفُ مَالِكَهُ، وكَانَ المَالِكُ مُسْلِماً أو ذِمِّيّاً، فَهُوَ لِمَالِكِ المَكَانِ، وإِنْ كَانَ المَكَانُ لِحَرْبِيٍّ وَقَدِرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَهُوَ رِكَازٌ، وإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إلاَّ بِجَمَاعَةٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ فَهُوَ غَنِيْمَةٌ. فَإِنْ وَجَدَهُ في مُلْكٍ انْتَقَلَ إِلَيْهِ فَهُوَ لَهُ بالظُّهُورِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى هُوَ لِلْمَالِكِ قَبْلَهُ إِنِ اعْتَرَفَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ فَهُوَ لأَوَّلِ مَالِكٍ.
والرِّكَازُ مَا كَانَ عَلَيْهِ عَلاَمَاتُ الجَاهِلِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عَلاَمَاتُ الإِسْلاَمِ، أو فِيْهِ مَا عَلَيْهِ عَلاَمَاتُ الإِسْلاَمِ، أو لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَلاَمَةٌ لأَحَدٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ.
ومَصْرَفُ خُمْسِ الزَّكَاةِ مَصْرَفُ خُمْسِ الفَيءِ، وَعَنْهُ: أنَّ مَصْرَفَهُ مَصْرَفُ الزَّكَوَاتِ.

.بَابُ زَكَاةِ الفِطْرِ:

زَكَاةُ الفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَضَلَ عَنْ قُوْتِهِ وقُوْتِ عِيَالِهِ يَوْمَ العِيْدِ وَلَيْلَتَهُ صَاعٌ، وإِنْ فَضَلَ بَعْضُ صَاعٍ فهَلْ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَمَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ مَنْ يُمَوِّنُهُ مِنَ المُسْلِمِيْنَ إذَا وَجَدَ مَا يُؤَدَّى عَنْهُمْ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يُؤَدَّى عَنْ بَعْضِهِمْ بَدَأَ بِمَنْ يَلْزَمُهُ البِدَايَةُ بِنَفَقَتِهِ، فَيَبْدَأُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِزَوْجَتِهِ، ثُمَّ بِرَقيْقِهِ، ثُمَّ بِوَلَدِهِ، ثُمَّ بِأُمِّهِ، ثُمَّ بِأَبِيْهِ، ثُمَّ بِإِخْوَتِهِ، ثُمَّ بِبَنِي إِخْوَتِهِ، ثُمَّ بِأَعْمَامِهِ، ثُمَّ بِبَنِي أَعْمَامِهِ عَلَى تَرْتِيْبِ الأَقْرَبِ في المِيرَاثِ، فَإِنْ تَكَفَّلَ بِنَفَقَتِهِ شَخْصٌ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا – وَهُوَ المَنْصُوصُ –: تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ؛ لأنَّهُ مِمَّنْ يُمَوَّنُ، وعِنْدِي لاَ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ؛ لأنَّهُ لاَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وتلزم المكاتب فِطرة نفسه وفِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ.
وَإِذَا تَزَوَّجَتِ المُوسِرَةُ بِحُرٍّ مُعْسِرٍ، أو زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ بِعَبْدٍ أو بِحُرٍّ مُعْسِرٍ لَزِمَ الحُرَّةَ فِطْرَةُ نَفْسِهَا، والسَّيِّدَ فِطْرَةُ أَمَتِهِ، ولاَ تَلْزَمُ الزَّوْجَ والعَبْدَ فِطْرَتُهُمَا؛ لأنَّهُ لاَ تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ، وَهِيَ آكَدُ مِنْ فِطْرَتِهِمَا عَلَيْهِ.
ويُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ الفِطْرَةِ عَنِ الجَنِيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ أصْحَابِنَا: في وُجُوبِ الفِطْرَةِ عَلَى الجَنِيْنِ رِوَايَتَانِ.
وَإِذَا كَانَ العَبْدُ بَيْنَ شُرَكَاءَ لَزِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الفِطْرَةِ بِقَدرِ حِصَّتِهِ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاعٌ. وكَذَلِكَ الحُكْمُ فِيْمَنْ كَانَ بَعْضُهُ حُرّاً وبَعْضُهُ رَقِيْقاً، ومَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ إِخْرَاجُ فِطْرَتِهِ كَالزَّوْجَةِ والنَّسِيْبِ المُعْسِرِ إِذَا أَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ المُخْرَجِ عَنْهُ، فَهَلْ يُجْزِيْهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ومَنْ كَانَ لَهُ نَسِيْبٌ غَائِبٌ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ فَشَكَّ في حَيَاتِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِخْرَاجُ فِطْرَتِهِ، فَإِنْ مَضَى عَلَيْهِ سُنُونَ ثُمَّ عَلِمَ بِحَيَاتِهِ لَزِمَهُ الإِخْرَاجُ لِمَا مَضَى.
وتَجِبُ صَدَقَةُ الفِطْرَةِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ أَسْلَمَ أوْ تَزَوَّجَ أو مَلَكَ عَبْداً، أو وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلاَ فِطْرَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ حِيْنَ غُرُوبِ الشَّمْسِ نَاشِزاً، أو المَمْلُوكُ آبِقاً لَزِمَ الزَّوْجَ والسَّيِّدَ فِطْرَتُهُمَا، وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ النَّاشِزَةِ، ويَلْزَمُ السَّيِّدَ فِطْرَةُ الآبِقِ. والأَفْضَلُ إِخْرَاجُ الفِطْرَةِ قَبْلَ صَلاَةِ العِيْدِ، ويَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ العِيْدِ بِيَوْمَيْنِ، وإِذَا أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ العِيْدِ أَثِمَ ولَزِمَهُ القَضَاءُ.