فصل: بَابُ الرَّدِّ بالعَيْبِ في النِّكَاحِ وخِيَارِ الفَسْخِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه



.فَصْلٌ: في صيغة عقد النكاح:

فَأَمَّا الإِيْجَابُ فَلاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِلَفْظِ التَّزْوِيْجِ والإِنْكَاحِ لِمَنْ يُحْسِنُهَما أَو بِمَعْنَاهُمَا الخَاصِّ بِكُلِّ لِسَانٍ لِمَنْ لاَ يُحْسِنُهُمَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِهِمَا لَزِمَهُ ذَلِكَ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يَلْزَمُهُ.
وأَمَّا القَبُولُ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ يَقُوْلُ: قَبِلْتُ هَذَا النِّكَاحَ أَو التَّزْوِيْجَ أو مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ في حَقِّ مَنْ لاَ يُحْسِنُ فَإن اقْتَصَرَ عَلَى قَبِلْتُ أَو قَالَ الخَاطِبُ للوَلِيِّ: أَزَوَّجْتَ، وللمُتَزَوِّجِ: أَقَبِلْتَ، فَقَالاَ: نَعَمْ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ: يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَنْعَقِدَ، فَإِنْ تَقَدَّمَ القْبُولُ عَلَى الإِيْجَابِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وإِنْ تَرَاخَى القَبُولُ عَن الإِيْجَابِ صَحَّ مَا دَامَا في المَجْلِسِ وَلَمْ يَتَشَاغَلاَ بِمَا يَقْطَعُهُ، فَإِنْ تَرَاخَى القَبُولُ إِلَى بَعْدِ التَّصَرُّفِ عَنِ المَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ، ونَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ: أنَّهُ يَصِحُّ، وإِذَا تَمَّ العَقْدُ وَجَبَ تَسْلِيْمُ المَرْأَةِ في بَيْتِ الزَّوْجِ إِذَا كَانَتْ حُرَّةً مِمَّنْ يُمْكِنُ الاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَلَمْ يَشْرُطْ دَارَهَا، فَإِنْ سألَتِ الإِنْظَارَ أُنْظِرَتْ مُدَّةً جَرَتِ العَادَةُ أَنْ تَصْلُحَ أمرها في مِثْلَهَا، وإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يَجِبْ تَسْلِيْمُهَا إِلاَّ باللَّيْلِ، ولَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا في غَيْرِ أَوْقَاتِ الفَرَائِضِ منْ غَيْرِ إِصْرَارٍ، ولَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لاَ تُنْقَلَ عَنْ بَلَدِهَا، ولاَ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا في الحَيْضِ، ولاَ في الدُّبُرِ، ولاَ يَجُوزُ أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا إِلاَّ بإِذْنِهَا، وإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلاَ يَعْزِلْ عَنْهَا إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، ولَهُ أَنْ يُجبِّرَهَا عَلَى الغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ والحَيْضِ والنَّجَاسَةِ وتَرْكِ المُسّكْرِ وأَخْذِ الشَّعرِ الَّذِي تَعَافُهُ النَّفْسُ، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ، وإِذَا كَانَتْ ذِمِّيَّةً قَالَ في رِوَايَةِ صَالِحٍ: يَجِبُ عَلَيْهَا الغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ والحَيْضِ، فَإِنْ لَمْ تَغتسِلْ فَلاَ شَيءَ عَلَيْهَا الشركُ أعظمُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى الغُسْلِ مِنَ الحَيْضِ فَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَشْيَاءِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، ويَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ إِمَائِهِ وزَوْجَاتِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، ويُسْتَحَبُّ الوُضُوءُ عِنْدَ مُعَاوَدَةِ الوَطْءِ، وتُكْرَهُ المُجَامَعَةُ، وهُنَاكَ مَنْ يَرَاهُمَا أو مُتَجَرِّدَيْنِ ولاَ سُتْرَةَ عَلَيْهِمَا.

.بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنَ النِّكَاحِ:

المُحَرَّمَاتُ نِكَاحُهُنَّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الأَبَدِ، ومُحَرَّمَاتٌ إِلَى أَمَدٍ.
فالمُحَرَّمَاتُ عَلَى الأَبَدِ: الأُمُّ والجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ أَبيْهِ وأُمِّهِ وإِنْ عَلَوْنَ، وبَنَاتُهُ مِنْ مِلْكٍ أو شِبْهِ مِلْكٍ أو زِناً، وبَنَاتُ أَوْلاَدِهِ وإِنْ سَفَلْنَ وأَخَوَاتُهُ وبنات أخواته، وبَنَاتُ إِخْوَتِهِ، وبَنَاتُ أَوْلاَدِ إِخْوَتِهِ وأَخَوَاتِهِ وإِنْ سَفَلْنَ، وعَمَّاتُهُ وخَالاَتُهُ وإِنْ عَلَوْنَ، ولاَ تُحْرُمُ بَنَاتُهُنَّ وزَوْجَةُ ابْنِهِ وأَجْدَادُهُ وإِنْ عَلَونَ، وزَوْجَةُ ابْنِهِ وبَنِي ابْنِهِ وإِنْ سَفَلْنَ، ولاَ تُحْرُمُ بَنَاتُ زَوْجَاتِ الآبَاءِ والأَبْنَاءِ ولاَ أُمَّهَاتُهُنَّ، وتَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّ زَوْجَتِهِ وَجَدَّاتُهَا بِنَفْسِ عَقْدِ النِّكَاحِ، ولاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَنَاتُهَا وهُنَّ الرَّبائبُ بالعَقْدِ فَلَوْ طَلَّقَ الأُمَّ قَبْلَ الدُّخُولِ أُبِيْحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بالرَّبَائِبِ، فَإِنْ مَاتَتْ الأُمُّ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ يحرمن الرَّبَائِبِ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فَإنْ وَطِئَ امْرَأَةً حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمَّهَاتِهَا وبَنَاتِهَا وبَنَاتِ أَوْلاَدِهَا وإِنْ سَفَلْنَ سَواءٌ كَانَ الوَطْءُ حلاَلاً أو حَرَاماً، فَإِنْ كَانَتْ المَوْطُوءةُ مَيِّتَةً أو صَغِيْرَةً لاَ يُوطَأُ مِثْلُهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ بَاشَرَهَا أو نَظَرَ إِلى فَرْجِهَا أَو خَلا بِهَا لِشَهْوَةٍ، فَهَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فَإنْ تَلَوَّطَ بِغُلاَمٍ فَحُكْمُهُ في تَحْرِيْمِ المُصَاهَرَةِ حُكْمُ المَرْأَةِ، يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمَّهَاتِهِ وبَنَاتِهِ وتَحْرُمُ عَلَى الغُلاَمِ أُمَّهَاتُ الوَاطِئ وبَنَاتُهُ عِنْدَ أًصْحَابِنَا، وعِنْدِي: أًنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ المُبَاشَرَةِ فِيْمَا دُوْنَ الفَرْجِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، ومَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا بالنَّسَبِ حَرُمَ بالرَّضَاعِ، ويَحْرُمُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ اليَمِيْنِ أَيْضاً.
فَأَمَّا المُحَرَّمَاتُ إِلَى الأَمَدِ: فَإِذَا تَزَوَّجَ بامْرَأَةٍ أو كَانَتْ في عِدَّةٍ مِنْهُ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وعَمَّتِهَا وخَالَتِهَا مِنْ نَسَبٍ أَو رِضَاعٍ، فَإِنْ طَلَّقَهَا وانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أُبيحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِنَّ، فَإِنِ اشْتَرَى أُخْتَ زَوْجَتِهِ وَخَالَتِهَا وعَمَّتِهَا صَحَّ الشِّرَاءُ ولاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ إِحْدَاهُنَّ حَتَّى يُطَلِّقَ الزَّوْجَةَ، فَإِنْ تَزَوَّجَهُنَّ في عَقْدٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، فَإِنِ اشْتَرَاهُنَّ في عَقْدٍ صَحَّ الشِّرَاءُ، ولاَ يَحِلُّ وَطْءُ إِحْدَاهُنَّ حَتَّى تَحْرُمَ الأُخْرَى بإخراج عَنْ مِلْكِهِ، أو تَزْوِيْجٌ، وَعَنْهُ: إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مَعَ الكَرَاهَةِ. فَإِنِ اسْتَفْرَشَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ. ذَكَرَهُ أَبو بَكْرٍ، وظَاهِرُ كَلاَمِهِ في رِوَايَةِ أَحْمَدَ وحَرْبٍ: يَصِحُّ النِّكَاحُ ولاَ يَحِلُّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَحْرُمَ المَوْطُوءةُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لأنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَزَوَّجَهَا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا، فَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ أُخْتَهَا فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَحْرُمَ إِحْدَاهُمَا بالإِخْرَاجِ عَنْ مِلْكِهِ فَصَحِيْحٌ اجْتِمَاعُ النِّكَاحِ مَعَ مِلْكِ اليَّمِيْنِ ومُنِعَ مِنَ الوَطْءِ حَتَّى تَحْرُمَ الأُخْرَى، ويَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ مَنْ طَلَّقَها ثَلاَثاً حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ويَدْخُلَ بِهَا ويُطَلِّقَهَا ويَقْضِيَ العِدَّةَ، وَكَذَلِكَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ كُلُّ امرَأَةٍ في عِدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى تَقْضِيَ العِدَّةَ، ويَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ المَزْنِيِّ بِهَا حَتَّى تَتُوبَ وتَقْضِيَ عِدَّتَهَا. والإِحْرَامُ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ، وهَلْ يَمْنَعُ مِنَ الرَّجْعَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ويَحْرُمُ عَلَى المُسْلِمِ نِكَاحُ المَجُوسِيَّةِ والمُرْتَدَّةِ والوَثَنِيَّةِ، ومَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهَا مَجُوسِيٌّ أو وَثَنِيٌّ أو مُرْتَدٌّ إِلَى أَنْ يُسْلِمْنَ فَيَحِلَّ نِكَاحِهِنَّ ويَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الكِتَابِ، وهَلْ يَحْرُمُ نِكَاحُ إِمَائِهِنْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ويَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ اليَمِيْنِ، ولاَ يَجُوزُ وَطْءُ المَجُوسِيَّاتِ بِملْكِ اليَمِيْنِ، ويَحْرُمُ عَلَى الحُرِّ نِكَاحُ الأَمَةِ إِلاَّ أَنْ يَخَافَا العَنَتَ ولاَ يَجِدُ طَوْلَ حُرَّةٍ ولاَ ثَمَنَ أَمَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَعِفُّهُ أَمَةُ جَازُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ثَانِيَةً وثَالِثَةً ورَابِعَةً، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ لاَ تَعِفُّهُ وَلَمْ يَجِدْ طَوْلاً لِحُرَّةٍ أُخْرَى جَازَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً، وَعَنْهُ: لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَمَةٍ، ولاَ يَتَزَوَّجُ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ، فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَتَزَوَّجَ بِحُرَّةٍ، فَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الأَمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ إِذَا وَجَدَ طَوْلَ حُرَّةٍ فَهَلْ تَبْطُلُ نكاح الأَمَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فَإنْ كَانَ تَحْتَ عَبْدٍ حُرَّةٌ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فَإنْ تَزَوَّجَ الحُرُّ بِحُرَّةٍ وأَمَةٍ في عَقْدٍ وَاحِدٍ بَطَلَ نِكَاحُ الأَمَةِ، وهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الحُرَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا العَبْدُ في عَقْدٍ صَحَّ نِكَاحُهَا، وَهَذَا التَّفْرِيْعُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: (إِنَّ فَقْدَ الكَفَاءةَ لاَ يُبْطِلُ النِّكَاحَ، وإِنَّ الحُرِّيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ الكَفَاءةِ، ويَحْرُمُ عَلَى الحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بأَمَةِ وَلَدِهِ، ولاَ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى العَبْدِ، ولاَ يَحْرُمُ عَلَى الابنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بأَمَةِ أَبِيْهِ، ويَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بأَمَتِهِ، وعَلَى العَبْدِ أنْ يَتَزَوَّجَ بِسَيِّدَتِهِ، وإِذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الأَمَةَ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا، فَإِنِ اشْتَرَاهَا لابْنِهِ، فَهَلْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
وتَحْرُمُ المُلاَعَنَةُ عَلَى المُلاَعِنِ، فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ويَحْرُمُ عَلَى الحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَر مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وعَلَى العَبْدِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَر مِنْ زَوْجَتَيْنِ.

.بَابُ الشَّرْطِ في النِّكَاحِ:

الشُّرُوطُ في النِّكَاحِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
شَرْطٌ صَحِيْحٌ لاَزِمٌ: وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ زِيَادَةً عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا مَعْلُومَةً أو نَقْداً مُعَيَّناً، أَو أَنْ لاَ يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، ولاَ يَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، وأَنْ لاَ يُسَافِرَ بِهَا، ولاَ يَنْقُلَهَا عَنْ دَارِهَا أو عَلَى طَلاَقِ ضَرَّتِهَا، فَهَذَا شَرْطٌ ثَابِتٌ إِنْ وَفَّى بِهِ وإلاَّ فَلَهَا الخِيَارُ في فَسْخِ النِّكَاحِ.
والضَّرْبُ الثَّانِي: شَرْطٌ فَاسِدٌ يَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ:
القِسْمُ الأَوَّلُ: يُبْطِلُ النِّكَاحَ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ نِكَاحَ الشِّغَارِ، وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ وَلِيَّتَهُ لِرَجُلٍ بِشَرْطِ أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ولَيَّتَهُ، ولاَ مَهْرَ بَيْنَهُمَا، وسَوَاءٌ قَالَ: وَتَضَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرَ الأُخْرَى أو لَمْ يَقُلْ.
فَإنْ سَمُّوا مَعَ ذَلِكَ مَهْراً صَحَّ النِّكَاحِ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الخِرَقِيُّ: لا يَصِحُّ أَيْضاً.
ونِكَاحُ المُحلِّلِ: وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أنَّهُ إِذا أَحَلَّهَا للأَوَّلِ فَلاَ نِكَاحَ بَيْنَهُمَا أو إِذَا أَحَلَّهَا لَهُ طَلَّقَهَا، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ وَلَمْ يَشْرُطْ، فَنَقَلَ حنبل أنَّهُ لا يَصِحُّ نِكَاحُهُ أَيْضاً. ونَقَلَ حَربٌ أنَّهُ كَرَّهَهُ، وظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ مَعَ الكَرَاهِيَةِ.
ونِكَاحُ المُتْعَةِ: وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِلَى مُدَّةٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بَاطِلٌ.
وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِيْهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أنَّهُ مَكْرُوهٌ ويَصِحُّ، نَقَلَهَا ابنُ مَنْصُوْرٍ، وَعَنْهُ: أنَّهُ سَأَلَ هَلْ للعَامِّيِّ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ يُفْتي بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ؟ فَقَالَ: يَجْتَنِبُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ، ومَعْنَاهُ الأَوَّلُ أَنْ لاَ يُقَلِّدَهُ؛ لأَنَّ المُتْعَةَ تَجُوزُ عِنْدَهُ أو تُحْمَلُ عَلَى أنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَطَلَ التَّأْقِيْتُ وصَحَّ النِّكَاحُ ويَجْتَنِبُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ.
ونِكَاحٌ عُلِّقَ انْعِقَادُهُ إلَى وَقْتٍ مِثْل أنْ يَقُوْلَ: زَوَّجْتُكَ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وإِذَا رَضِيَتْ أُمُّهَا، ونَحْو ذَلِكَ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ: أنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ وَهُوَ بَعِيْدٌ.
والقِسْمُ الثَّانِي: يَبْطُلُ الشَّرْطُ ويَصِحُّ العَقْدُ، مِثْل أَنْ يَشْرُطَ أَنْ لا مَهْرَ لها، أو إِنْ أُصْدقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بالصَّدَاقِ أو أَنْ لاَ يُنْفِقَ عَلَيْهَا أو يَشْرُطَ عَلَيْهِ أنْ لاَ يَطَأَهَا أو أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا، أو يَشْرُطَ أَنْ يُقْسِمَ لَهَا لَيْلَةً ولِزَوْجَتِهِ الأخرى ثَلاَثُ لَيَالٍ، ونَحْو ذَلِكَ، والشَّرْطُ بَاطِلٌ والنِّكَاحُ صَحِيْحٌ.
والقِسْمٌ الثَّالِثُ: بُطْلاَنُ الشَّرْطِ وفي صِحَّةِ النِّكَاحِ رِوَايَتَانِ قُبَيْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ الخِيَارِ وإِنْ جَاءهَا بالمَهْرِ وَقْتَ كَذَا وإِلاَّ فَلاَ نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، فالنِّكَاحُ جَائِزٌ، والشَّرْطُ بَاطِلٌ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ الأَثْرَمِ، وعلى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يتخَرَّجُ: أنْ يَصِحَّ نِكَاحُ المُحَلِّلِ ونِكَاحُ الشِّغَارِ ويَبْطُلُ الشَرْطُ، ونَقَلَ عَنْهُ ابْنَاهُ وحَنْبَلٌ نِكَاح المُتْعَةِ حَرَامٌ، وكُلُّ نِكَاحٍ فِيْهِ وَقْتٌ أو شَرْطٌ فَاسِدٌ، وهذا يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ إِذَا شَرطَ الخِيَارَ أو غَيْرَهُ مِنَ الشُّرُوطِ الفَاسِدَةِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ.

.بَابُ الرَّدِّ بالعَيْبِ في النِّكَاحِ وخِيَارِ الفَسْخِ:

العُيُوبُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا خِيَارُ الفَسْخِ إِذَا قَارَنَتِ النِّكَاحَ تَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ يَخْتَصُّ بالرِّجَالِ، وَهُوَ ثَلاَثَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُلُ مَجْبُوباً قَدْ قُطِعَ جَمِيْعُ ذَكَرِهِ أَو بَقَى مِنْهُ مَا لاَ يُمْكِنُ الجِمَاعُ بِهِ، فَإِنْ بَقَى مِنْهُ مَا يُمْكِنُ الجِمَاعُ بِهِ فَادَّعَى أنَّهُ يُجَامِعُ بِهِ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ المَرْأَةُ فَلاَ خِيَارَ لها، وإِنْ كَذَّبَتْهُ فالقَوْلُ قَوْلُهَا. وَكَذَلِكَ إنِ اخْتَلَفَا في الثَّانِي هَلْ يُمْكِنُ الاجْتِمَاعُ بِهِ ويَحْتَمِلُ أَنْ يَكُوْنَ القَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا قُلْنَا: لَوْ ادَّعَى الجِمَاعَ في العِنَّةِ، والثَّانِي: أَنْ يَكُوْنَ عِنِّيْناً لاَ يُمْكِنُهُ الإِيْلاَءُ، فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الزَّوْجُ أو قَامَتِ البَيِّنَةُ عَلَى إِقْرَارِهِ بِهِ أجَّلَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ المُحَاكَمَةِ وإِنْ جَحَدَ ولاَ بَيِّنَةَ، فَالقَوْلُ قَوْلُهُ وهَلْ تَحْلِفُ أو لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فإنْ جَامَعَهَا وَلَوْ بإِيْلاَجِ الحَشَفَةِ فِي الفَرْجِ سَقَطَتِ العِنَّةُ، وإِنِ ادَّعَى أنَّهُ وَطِئَهَا وقَالَتْ: إِنِّي عَذْرَاء، أو شَهِدَ بِمَا قَالَتِ امْرَأَةٌ عَدْلَةٌ: أجل سَنَةً، فَإِنْ قَالَ: أَزَلْتُ بِكَارَتَهَا بالوَطءِ وعَادَتْ فَالقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِيْنِهَا، وإِنْ كَانَتْ ثَيِّباً فالقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ، وَعَنْهُ: القَوْلُ قَوْلُهَا، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: يُخْلَى مَعَهَا ويُكَلَّفُ إِخْرَاج مائِهِ عَلَى شَيءٍ، فَإِنِ ادَّعَتْ أنَّهُ لَيْسَ بِمَنِيٍّ جُعِلَ عَلَى النَّارِ فَإِنْ ذَابَ فَهُوَ مَنِيٌّ وَسَقَطَ قَوْلُهَا، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا رَضِيَتْ بِعِنَّتِهِ فِي وَقْتٍ فَلاَ خِيَارَ لَهَا بِحَالٍ، وإِنْ ثَبَتَ أنَّهُ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ أو وَطِئَ غَيْرَهَا لَمْ يَزَلْ حُكْمُ العِنَّةِ. ويخرج عَلَى قَوْل الخِرَقِيّ أنَّهُ يزول حكم العنَّة و الثَّالِثُ: أَنْ يَكُوْنَ خَصْيّاً: وَهُوَ مَنْ قُطِعَتْ خِصْيَتُهُ، أو كَانَ مَسْلولاً: وَهُوَ مَنْ سُلَّتْ بَيْضَتَاهُ، أو مَوْجُوءً: وَهُوَ مَنْ رُضَّتْ بَيْضَتَاهُ، فَهَلْ يَثْبُتُ لَهَا الخِيَارُ بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
والقِسْمُ الثَّانِي: يَخْتَصُّ بالنِّسَاءِ، وَهُوَ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: الرَّتْقُ: وَهُوَ أَنْ يَكُوْنَ الفَرْجُ مَسْدُوداً يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الذَّكَرِ فِيْهِ. وفي مَعْنَاهُ القرنُ والعَفَلُ؛ لأنَّهُ لَحْمٌ يَحْدُثُ في الفَرْجِ فَيَسُدَّهُ، وَقِيْلَ: إنَّ القرنَ عَظْمٌ في الفَرْجِ يَمْنَعُ.
وَقَالَ أبو حَفْصٍ: العَفَلُ هُوَ كَالرِّغْوَةِ في الفَرْجِ تَمْنَعُ لَذَّةَ الوَطْءِ.
والثَّانِي: الفتقُ، وَهُوَ إنخرَاقُ مَا بَيْنَ القُبُلِ والدُّبُرِ، وَقِيْلَ: بَلْ إِنخرَاقُ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ البَوْلِ ومَخْرَجِ المَنِيِّ، وأَيُّهُمَا كان أَوْجَبَ الخِيَارِ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا.
والقِسْمُ الثَّالِثُ: يَشْتَرِكُ فِيْهِ الرِّجَالُ والنِّسَاءُ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: الجُنُونُ ولاَ فَرْقَ بَيْنَ المُطبقِ وبَيْنَ أَنْ يَحِسَّ في بَعْضِ الأَوْقَاتِ.
والثَّانِي: الجُذَامُ، وَهُوَ أَنْ يَتَنَاثَرَ بِهِ اللَّحْمُ.
والثَّالِثُ: البَرَصُ، وَهُوَ بَيَاضٌ يَظْهَرُ عَلَى الجِلْدِ، فَهَذِهِ الثَّلاَثَةُ تُثْبِتُ خِيَارَ الفَسْخِ، رِوَايَةٌ واحِدَةٌ.
والرَّابِعُ: البَخَرُ، واخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيْهِ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ وابنُ حَامِدٍ: هُوَ عَيْبٌ يُثْبِتُ الخِيَار، واخْتَلَفَا في صِفَتِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ نَتَنٌ في الفَمِ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: هُوَ نَتَنٌ في الفَرْجِ يَثُورُ عِنْدَ الوَطْءِ، وظَاهِرُ كَلاَمِ الخِرَقِيِّ وأَبِي حَفْصٍ العُكْبُرِيِّ: أنَّهُ عَيْبٌ لاَ يَثْبُتُ الخِيَارُ بِهِ.
والخَامِسُ: اسْتطَلاَقُ البَوْلِ والنَّجْوِ، قَالَ أَبو بَكْرٍ: هُوَ مُثْبِتٌ للخِيَارِ. ويُتَخَرَّجُ عَلَيْهِ النَّاصُورُ والبَاسُورُ والقَرْحُ السَّيَّالَةُ في الفَرْجِ، وتُسَمَّى مَنْ لاَ يَنْحَبِسُ بَوْلُهَا المَاشُوكَةُ، ومَنْ لا يَنْحَبِسُ نَجْوُهَا الشَّرِيْمُ، ومَنِ انْخَرَقَ مَسْلَكَاهَا المُفْضَاةُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَثْبُتَ الفَسْخُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ؛ لأنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الاسْتِمْتَاعَ ولاَ يَخْشَى مِنْ تَعَدِّيْهِ.
والسَّادِسُ: أَنْ يَجِدَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ خُنْثَى مُشْكلاً، فَذَكَرَ أَبو بَكْرٍ عَنْ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ – أنَّهُ لاَ يَصِحُّ نِكَاحُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ. وذَكَرَ الخِرَقِيُّ: أنَّهُ إِذَا قَالَ: أنا رَجُلٌ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ، وإِذَا قَالَ: أنَا امْرَأَةٌ لَمْ تُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ الرِّجَالِ.
فَعَلَى هَذَا إنْ عَادَ بَعْدَ أَنْ زُوِّجَ وادَّعَى أنَّهُ بِضِدِّ مَا أَخْبَرَنَا في الأَوَّلِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وإِذَا وَجَدَهُ الآخَرُ خُنْثَى وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ فَلَهُ خِيَارُ الفَسْخِ في أَظْهَرِ الوَجْهَيْنِ، وعَلَى الوَجْهِ الآخَرِ: لاَ يَمْلِكُ الفَسْخ، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا بالآخَرِ عَيْباً بِهِ مِثلهُ أو حَدَثَ العَيْبُ بِأَحَدِهِمَا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ، فَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الفَسْخِ أَمْ لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وإنْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بالعَيْبِ بَعْدَ العَقْدِ فَسَكَتْ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ الرِّضَا، أو مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ التَّمَكُّنِ مِنَ الوَطْءِ ونَحْوِهِ، ولاَ يَجُوزُ الفَسْخُ إِلاَّ بِحُكْمِ الحَاكِمِ، فَإِذَا وَقَعَ الفَسْخُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ والخَلْوَةِ يَسْقُطُ المَهْرُ، وإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ والخَلْوَةِ وَجَبَ المَهْرُ، وهَلْ يَجِبُ المُسَمَّى أو يَسْقُطُ ويَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وهَلْ يَجِبُ أَنْ تَرْجِعَ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ مِنَ الوَلِيِّ أو المرأَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الحُرَّةِ والصَّغِيْرَةِ ولاَ لسَّيِّدِ الأَمَةِ تَزْوِيْجُهُنَّ مِمَّنْ بِهِ شَيءٌ مِنَ العُيُوبِ، فَإِنْ أَرَادَتِ المَرْأَةُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمَجْنُونٍ أو مَجْذُومٍ، فَهَلْ للوَلِيِّ مَنْعُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهَا أَنْ لَهُ مَنْعَهَا، وإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِعِنِّيْنٍ أَو مَجْبُوبٍ لَمْ يَكُنْ له مَنْعُهَا، وإِنْ حَدَثَ العَيْبُ بالزَّوْجِ فَرَضِيَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهَا إِجْبَارُهَا عَلَى الفَسْخِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَخَرَجَتْ كِتَابِيَّةً فَلَهُ الخِيَارُ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ فَخَرَجَتْ مُسْلِمَةً فَلاَ خِيَارَ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لَهُ الخِيَارُ، فإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَخَرَجَتْ أَمَةً وَهُوَ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ الإِمَاءِ فَهُوَ بالخِيَارِ، وإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا أَمَةٌ فَخَرَجَتْ حُرَّةً فلاَ خِيَارَ.
فَإنْ تَزَوَّجَتْهُ عَلَى أنَّهُ حُرٌّ فَخَرَجَ عَبْداً، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: تَصِحُّ ولَهَا الخِيَارُ، فَإِنْ فُسِخَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ أو الخَلْوَةِ فَلاَ مَهْرَ لَهَا، وإنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ أو الخَلْوَةِ فَلَهَا المَهْرُ عَلَى كِلْتا الرِّوَايَتَيْنِ.
وإِذَا أُعْتِقَتِ الأَمَةُ وزَوْجهَا حُرٌّ فَلاَ خِيَارَ لَهَا في الفَسْخِ، ونَقَلَ الكَوْسَجُ إِذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ فَقَدْ عُتِقَتْ وتُخيَّرُ وَلَمْ يُفَرّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُوْنَ الزَّوْجُ حُرّاً أو عَبْداً، وإِنْ عُتِقَتْ وزَوْجُهَا عَبْدٌ فَلَهَا الخِيَارُ الفَسْخ، روايَةٌ وَاحِدَةٌ، وتَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ وَجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بالمَقَامِ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى عَتَقَ الزَّوْجُ أَو مَكَّنَتْهُ مِنْ وَطْئِهَا بَطَلَ خِيَارُهَا. فإِنِ ادَّعَتِ الجَهْلَ بالعِتْقِ وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَحِقَّا عَلَيْهَا فالخِيَارُ بِحالِه، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ: لَمْ أَعْلَمْ أنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لي الخِيَار بالعِتْقِ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: إِذَا مَكَّنَتْهُ مِنْ وَطْئِهَا بَطَلَ خِيَارُهَا سَوَاءٌ عَلِمْتَ أَنَّ الخِيَارَ لَهَا أو لَمْ تَعْلَمْ، وَيَجُوزُ أَنْ تفسَخ بالعِتْقِ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، فَإِنْ فُسِخَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ أو الخَلْوَةِ فَلَهَا المهر، وإِنْ فُسِخَتْ قَبْلَهَا فَلاَ مَهْرَ لَهَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ، فَإِنْ عُتِقَتْ وَهِيَ في عِدَّةٍ مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ فَلَهَا الفَسْخُ، فَإِنْ لَمْ تَفْسَخْ واخْتَارَتِ المقَامَ فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُهَا أَمْ لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فَإنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ صَغِيْرَةٌ أو مَجْنُونَةٌ ثَبَتَ لَهَا الخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ وعَقِلَتْ ولاَ يَخْتَارُ وَلِيُّهَا عَنْهَا، فإنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أنْ تَخْتَارَ الفَسْخَ وَقَعَ الطَّلاَقُ، وَقِيْلَ: يَقِفُ الحُكْمُ، فإِنْ فسختْ تَبَيَّنَّا أنَّهُ لَمْ يَقَعْ، وإنْ لَمْ تَفْسَخْ تَبَيَّنَّا أنَّهُ وَقَعَ.
وإِذَا كَانَتِ الأَمَةُ لاثْنَيْنِ فَعَتَقَ أَحَدهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ: لا خِيَارَ لَهَا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَثْبُتُ لَهَا الخِيَارُ، وحَكَاهُ نَصّاً عَنْ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ –، فَإِنْ وَجَدَ عَتَقَ العَبْدَ والأَمَةَ في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَنْفَسِخِ النِّكَاحُ وَلَمْ يَثْبُتِ الخِيَارُ إلاَّ عَلَى رِوَايَةِ الكَوْسَجِ. ونَقَلَ يَعْقُوبُ بنُ بختان أنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهمَا بالعِتْقِ في الحَالِ.

.بَابُ نِكَاحِ الكُفَّارِ:

أنْكِحَةُ الكُفَّارِ صَحِيْحَةٌ تَتَعَلَّقُ بِهَا أحْكَامُ الصِّحَّةِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلاقِ والظِّهَارِ والإيْلاءِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ والمَهْرِ والقَسْمِ والإبَاحَةِ لِلزَّوْجِ الأوَّلِ والإحْصَانِ وغيرِ ذلكَ. ويُحَرَّمُ فيها ما يُحَرَّمُ في أنْكِحَةِ المُسْلِمِينَ مِنْ نِكَاحِ ذَوَاتِ المَحَارِمِ والمَجُوسِيَّاتِ والنِّكَاح في العَدُوِّ بِلا وَلِيٍّ ولا شُهُودٍ وغيرِ ذلكَ.
إلاَّ أنَّهُمْ يُقِرُّونَ على الأنْكِحَةِ المُحَرَّمَةِ بِشَرْطَينِ، أحَدُهُمَا: أنْ يَعْتَقِدُوا إبَاحَتَهَا في شَرْعِهِمْ، والثَّانِي: أنْ لا يَرْتَفِعُوا إلَيْنَا نَصَّ عليهِ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ ومُهَنَّا، ونَقَلَ مُهَنَّا في مَوْضِعٍ آخَرَ في مَجُوسِيٍّ تَزَوَّجَ كِتابِيَّةً أو اشْتَرَى نَصْرَانِيَّةً قالَ: يُحَالُ بَيْنَها وبَيْنَهُ، قيلَ مَنْ يَحُولُ؟ قالَ: الإمَامُ يَخْرُجُ عَلَى هَذا أنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وبينَ ذَوَاتِ المَحَارِمِ وبينَ كُلِّ عَقْدٍ لاَ مَسَاغَ لهُ فِي الإسْلامِ، فإنْ قُلْنَا: إنَّهُمْ يُقِرُّونَ إذا لمْ يَرْتَفِعُوا فَمَتَى ارْتَفَعُوا إلَيْنَا فَظَاهِرُ كَلامِ أحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهِ – أنَّ الحَاكِمَ مُخَيَّرٌ بَينَ أنْ يَحْكُمَ بَينهُمْ أوْ يترك الحكمُ وسَوَاءٌ كَانُوا أهْلَ مِلَّةٍ أو مِلَّتَينِ فإنِ اخْتَارَ الحكمُ نَظَرْنَا فإنْ تَحَاكَمُوا في ابْتِدَاءِ العَقْدِ فَلاَ يَجُوزُ العَقْدِ إلاَّ على الوَجْهِ الذي يُعْقَدُ عليهِ نِكَاحُ المُسْلِمِينَ، وأنْ تَحَاكَمُوا في اسْتِدَامَةِ العَقْدِ، لم نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ عَقْدِهِمْ لكنْ نَنْظُرُ في الحَالِ فإنْ كانَتْ المَرْأةُ مِمَّنْ يَجُوزُ له أنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا ابْتِداءاً أقَرَّ على نِكَاحِهَا، وإنْ كَانتْ مِمَّنْ لا يَجُوزُ لهُ العَقْدُ عَلَيْهَا ابْتَداءاً كَذَاتِ مَحْرَمَةٍ ومَنْ هِيَ في عِدَّةٍ لم يُقِرَّهُ على نِكَاحِهَا.
فأمَّا المَهْرُ فإنْ كانَ مُسَمّىً صَحِيحاً اسْتَقَرَّ، وإنْ كانَ فَاسِداً ولمْ يَقْبِضْهُ فَرَضَ لَها مَهْرَ المِثْلِ، وإنْ كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْهُ لمْ يَوجِبْ لَها مَهْراً غَيْرَهُ، وإذا أسْلَمَتْ زَوْجَةُ الكِتَابِيِّ أو أسْلَمَ أحَدُ الزَّوْجَيْنِ الوَثَنِيَّيْنِ أو المَجُوسِيَّيْنِ، فإنْ كانَ ذلكَ قَبْلَ الدُّخُولُ تعجلت الفُرْقَةُ ولا مَهْرَ لَها، إنْ كَانَتْ هيَ المُسْلِمَةُ وإنْ كَانَ هو المُسْلِمُ، فَنَقَلَ أحْمَدُ وحَرْبٌ: أنَّهُ لا مِهْرَ لَها أيْضاً، ونَقَلَ مُهَنَّا أيضاً وابنُ مَنْصُورٍ: لَهَا نِصْفُ المَهْرِ وهِيَ اخْتِيارُ عَامَّةِ أصْحَابِنَا فَعَلَى هَذِهِ إن اخْتَلَفَا في السَّابِقِ فَقَالَ الزَّوْجُ: أسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ فَسَقَطَ وقالتْ الزَّوْجَةُ: بلْ أسْلَمَ الزَّوْجُ أولاً فَلِي نِصْفُ المَهْرِ، فالْقَوْلُ قَولُهَا، وكذلكَ إنْ قَالا: أحَدُنَا أسْلَمَ أوّلاً ولا نَعْلَمُ عَيْنَهُ فَلَهَا نِصْفُ المَهْرِ.
فإنْ قالَ الزَّوجُ: أسْلَمْنَا مَعاً فَنَحْنُ على النِّكَاحِ، وقالَتِ الزَّوْجَةُ: بلْ سَبَقَ أحَدُنَا بالإسْلاَمِ فانْفَسَخَ النَّكَاحُ، قُدِّمَ قَولُ الزَّوْجَةِ لأنَّ الظَّاهِرَ مَعَها، اختَارَهُ شَيْخُنَا ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَا على النِّكَاحِ لأنَّ الأصْلَ بَقَاؤُهُ، وإنْ كانَ الإسْلامُ بِغَيْرِ الدُّخُولِ تَعَجَّلَتِ الفُرْقَةُ أيضاً في إحْدَى الرِّوَايتينِ، وفي الأخْرَى: تَقِفُ الفُرْقَةُ على انْقِضَاءِ العِدَّةِ، فإنْ أسْلَمَ الآخَرُ قَبْلَ أنْ تنْقَضِيَ العِدَّةُ فَهُمَا على نِكاحِهِما. وإن انْقَضَتْ ولَمْ تُسْلِمْ وَقَعَتْ الفُرْقَةُ مِنْ حِينِ الإسْلاَمِ الأَوَّلِ، فَعَلَى هذهِ الرِّوَايَةِ إنْ كَانَتْ المَرأةُ هيَ المُسْلِمَة فَلَهَا نَفَقَةُ العِدَّةِ وإنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ المُسْلِمُ سَقَطَتْ عنهُ نَفَقَةُ العِدَّةِ، فإن اخْتَلَفَا وقَدْ أسْلَمَ أحدُهُمَا بَعْدَ الآخَرِ فادَّعَى الزَّوْجُ أنَّهُ أسْلَمَ أوَّلاً، وأنَّ الزَّوْجَةَ أقَامَتْ على الشِّرْكِ فَلا نَفَقَةَ لَها فإن ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ عَكْسَ ذلكَ كانَ القَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِيْنِهَا في إحْدَى الوَجِهَيْنِ. وفي الآخَرِ نُقَدِّمُ قَوْلَ الزَّوْجِ فإنْ وَطِئَهَا في العِدَّةِ ولمْ يُسْلِم الثَّانِي منهما فَلَهَا مَهْرُ المِثْلِ لِلْوَطءِ. وإنْ أسْلَمَ في العِدَّةِ فلا مَهْرَ لَهَا.
فإنْ أسْلَمَ الزَّوْجَانِ وبينَهُمَا نِكَاحُ مُتْعَةٍ أوْ نِكَاحُ شَرْطٍ فيهِ خَيَارُ الفَسْخِ مَتَى شَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُما، لَمْ يُقَرَّا عليهِ، وإنْ أسْلَمَا وقد تَزَوَجَهَا فَلا وَلِيّ ولا شُهُود أقُرَّا عليهِ فإنْ تَزَوَّجَهَا في عِدَّةٍ فأسْلَمَا قَبلَ انْقِضَائِهِمَا لمْ يُقَرَّا عليهِ، وكذلكَ إنْ تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ خَيَارِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فأسْلَمَا قبلَ انْقِضَائِهَا فأما إنْ أسْلَمَا بعدَ انْقَضَاءِ العِدَّةِ ومُدَّةِ الخَيَارِ أقُرَّا عليه.
فإنْ قَهرَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً فَوَطِئَهَا أو طَاوَعَتْهُ ثمَّ أسْلَمَا لَمْ يُقَرَّا على ذلكَ، فإن اعْتَقَدَا أنَّ ذلكَ نِكَاحٌ أُقِرَّا عليهِ، فإنْ لَمْ يَعْتِقِدَاهُ نِكَاحاً لمْ يُقَرَّا عليهِ.
فإنْ طَلَّقَهَا في حَالِ الكُفْرِ ثَلاثاً ثُمَّ اسْتَدامَ نِكَاحَهَا وأسْلَمَا لمْ يُقَرَّا عليهِ، فإنِ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ أو أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ نِكاحهُمَا، وعَلَيْهُ نِصْفُ المَهْرِ إنْ كَانَ هوَ المُرْتَدُّ أوَّلاً، وإنْ كَانَتْ هِيَ المُرْتَدَّةُ فَلا مَهْرَ لَها فإنْ كَانَت الرِّدَّةُ بعدَ الدُّخُولِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: تَقَعُ الفُرْقَةُ في الحَالِ أيضاً والثَّانِيَةُ على انْقِضَاءِ العِدَّةِ.
فإنْ أسْلَمَا قَبلَ انْقِضَائِهَا فَهُمَا على نِكَاحِهِمَا والمَهْرُ يَجِبُ على كِلْتَا الرِّوَايَتَينِ. فإن انْتَقَلَ أحَدُهُمَا إلى دِيْنٍ لا يقر عليهِ أهْلهُ كَعِبَادَةِ الأوْثَانِ والزَّنْدَقَةِ لم يُقَرَّ عليهِ.
والذي يُقْبَلُ مِنهُ على ثَلاثِ رِوَايَاتٍ إحداهَا: الإسْلامُ، والثَّانِيَةُ: الإسْلامُ أو الدِّينُ الذي كانَ عليهِ، والثَّالِثَةُ: الإسْلامُ أو الدِّينُ الذي كانَ عليهِ أو دِينٌ يقر أهله عليهِ. فإن انْتَقَلَ إلى دِينٍ يقر أهلهُ عليهِ فَعَلَى ثَلاثِ رِوَايَاتٍ، إحداهَا: يقرُّ، وهي اخْتِيارُ الخَلاّلِ فَيَكُونَا على النِّكَاحِ إلاّ أنْ يَنْتَقِلَ إلى دَيْنِ المَجُوسِيَّةِ فَيُفَرَّقُ بينَهُما. والثَّانِيَةُ: لا يقر ولا يُقْبَلُ منهُ إلا الإسْلامُ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ المُرْتَدِّ. والثَّالِثَةُ: إنِ انْتَقَلَ إلَى دِيْنٍ أَكْمَلُ مِنْ دِينِهِ أُقِرَّ وإلاَّ فَلا يُقَرُّ عليهِ.
وإذا أسْلَمَ الحُرُّ وتَحْتَهُ أكْثَرُ من أرْبَعِ نِسْوَةٍ فأسْلَمْنَ مَعَهُ أو كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ اخْتَارَ مِنْهُنَّ أرْبَعاً، وإنْ لمْ يخْتَرْ أُجْبِرَ عليهِ وأُلْزِمَ نَفَقَتَهُنَّ إلى أنْ يَخْتَارَ، فإنْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ أو وَطِئَهَا كانَ ذَلِكَ اخْتِياراً لَهَا.
فإنْ طَلَّقَ الجَمِيعَ ثَلاثاً أقْرَعْنَا بينَهُنَّ فإذا وَقَعَتِ القُرْعَةُ على أرْبَعٍ مِنْهُنَّ كُنَّ المُخْتَاراتِ وكانَ لهُ أنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ على البَوَاقِي، وإنْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ أو آلَى فَهَلْ يَكُونُ اخْتِياراً؟ يَحتَمِلُ وَجْهَينِ.
فإنْ مَات ولم يخْتَرِ فَعَلى الجَمِيعِ عِدَّةُ الوَفاةِ اختارَهَا شَيْخُنا. ويُحْتَمَلُ أنْ تَجِبَ عِدَّةُ الوَفاةِ في حَقِّ أرْبَعٍ مِنْهُنَّ وفي حَقِّ البَوَاقِي تِجِبُ عِدَّةُ الوَطءِ، فَيَجِبُ على جَمِيْعِهِنَّ الاعْتِدَادُ بأطْوَلِ الأمَدَيْنِ مِنْ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ وعَشْرٍ أو ثَلاثَةِ أَقْراء ليَحْصُلَ قَضَاءُ عِدَّتِهِنَّ.
فأمَّا المِيْراثُ فَيسْتَحِقُّهُ أرْبَعٌ مِنْهُنَّ بالقُرْعَةِ.
فإنْ أسْلَمَ وتَحْتَهُ أمٌّ وبِنْتٌ لمْ يَدْخُلْ بِهَا انْفَسَخَ نِكَاحُ الأمِّ، وإنْ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا، وإنْ دَخَلَ بالبِنْتِ وَحْدَها انْفَسَخَ نِكَاحُهُما وحُرِّمَتَا عَليهِ على التَّأْبِيْدِ.
فإنْ أسْلَمَ وتَحْتَهُ امرَأَةٌ وأُخْتُهَا أو عَمَّتُهَا أو خَالَتُهَا، فَلهُ أنْ يَخْتَارَ أيَّهُمَا شَاءَ، ويَنْفَسِخُ نِكَاحُ الأخْرَى سَواءٌ كانَ ذلكَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهِما أَوْ بعده.
فإنْ أسْلَمَ وتَحْتَهُ أرْبعُ إمَاءٍ فأسْلَمْنَ معهُ فإنْ كانَ في حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ في الإسلامِ مِمَّنْ لا يَحِلُّ لهُ نِكَاحُ الإمَاءِ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ، وإنْ كانَ مِمَّنْ يَحِلُّ لهُ نِكَاحُ الإمَاءِ اخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، فإنْ لمْ تَعْفُهُ إلاَّ الأرْبَعُ والشَّرْطانِ فيهِ جَازَ لهُ إمْسَاكُهُنَّ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى لا يَجُوزُ لهُ أنْ يَمْسِكَ إلاَّ وَاحِدةً.
فإنْ أسْلَمَ وتَحْتَهُ إمَاءٌ قَدْ دَخَلَ بِهِنَّ وهُوَ مُوسِرٌ فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتّى أعْسَرَ، فإنْ على الرِّوَايَةِ التِي تَقُولُ: تَقِفُ الفُرْقَةُ على انْقِضَاءِ العِدَّةِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أسْلَمَ وهُوَ مِمَّنْ يَحِلُّ لهُ الإمَاءُ، فإنْ أسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ مِنَ الإمَاءِ بعدَ إسْلاَمِهِ ثمَّ أعْتِقَتْ ثمَّ أسْلَمَ البَوَاقِي كانَ لهُ الاخْتِيارُ مِن الكُلِّ، وبِمِثْلِهِ لَوْ أعْتِقَتْ ثمَّ أسْلَمَتْ وأسْلَمْنَ لَمْ يَكُنْ لهُ التَّخَيُّرُ في الإمَاءِ؛ لأنَّهَا في حَالَةِ الاجْتِمَاعِ مَعَهُ في الإسْلاَمِ كَانَتْ حُرَّةً، وفي التي كانِتْ قَبْلَهَا كانَتْ حَالَ الاجْتِمَاعِ أمَةً، وعلى هذا إذا أسْلَمَ وتَحْتَهُ إمَاءٌ وحُرَّةٌ، فإنْ أسْلًمَتِ الحُرَّةُ مَعَهُ انْقَطَعَ نِكَاحُ الإمَاءِ، فإنْ أسْلَمن الإمَاءُ ولم تُسْلِم الحُرَّةُ فإنْ قُلْنَا: الفُرْقَةُ تَقَعُ باخْتِلافِ الدِّينِ فَقَدْ انفسخ نكاح الحرة ويَخْتارُ مِنَ الإمَاءِ، وإنْ قُلْنَا: تَقِفُ الفُرْقَةُ على انْقِضَاءِ العِدَّةِ وَقْفٌ أم لا على إسْلامِ الحُرَّةِ، فإنْ أسْلَمَتْ في العِدَّةِ لزم نكاحها وانفسخ نكاحهن وإن لَمْ يسلم حَتَّى انقضت العدة كانَ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لا حُرَّةَ تَحْتَهُ.
فإنْ أسْلَمَ عَبْدٌ وتَحْتَهُ أرْبَعُ نِسْوَةٍ فأسْلَمْنَ مَعَهُ اخْتَارَ مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ، فإنْ أسْلَمَ وأعْتَقَ ثمَّ أسْلَمْنَ وكُنَّ حَرَائِراً وإمَاءً فأعْتِقْنَ فَلَهُ إمْسَاكُ الجَمِيْعِ.
فإنْ سُبِيَ الزَّوْجَانِ فَهُمَا على نِكَاحِهِمَا فإنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا، فقالَ شَيْخُنَا: يَنْفَسِخُ ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَنْفَسِخَ.

.كِتَابُ الصَّدَاقِ:

الصَّدَاقُ مَشْرُوعٌ في النِّكَاحِ، ولا يُسْتَحَبُّ أنْ يُعَرَّى النِّكَاحُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ فإنْ أخَلَّ بِتَسْمِيَتِهِ انْعَقَدَ النِّكَاحُ وَوَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ ويُسْتَحَبُّ تَخْفِيْفُهُ ولا يُسْتَحّبُّ الزِّيَادَةُ على صَدَاقِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وبَنَاتِهِ؛ وذلكَ خَمْسُ مِئَةِ دِرْهَمٍ ولا يَتَقَدَّرُ المَهْرُ، بلْ كُلُّ ما جَازَ أنْ يَكونَ ثَمَناً جَازَ أنْ يَكُونَ صَدَاقاً، وهَلْ يَصِحُّ أن يَجْعَلَ تَعْلِيمَ القُرآنِ صَدَاقاً؟ على رِوَايَتَيْنِ، أصَحُّهُمَا: لا يَجُوزُ ويَرْجِعُ إلَى مَهْرِ المِثْلِ، والثَّانِيَةُ: يَجُوزُ فَعَلَى هذا يَفْتَقِرُ إلى تَعْيينِ السُّورَةِ وتَعْلِيمِهَا وتَعَلُّمِهَا، واحْتَمَلَ أنْ لاَ يَصِحَّ.
فَإِنْ تَعَلمتِ السُّورَةُ مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ تَعَذَّرَ تَسْلِيْمُ مَا عَيَّنَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ ذَلِكَ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَلْقِيْنُ نِصْفِ سُوْرَةٍ، ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَجبَ نِصْفَ أُجْرَةِ تَعْلِيْمِ السُّوْرَةِ.
فَإِنْ طَلَّقَهَا وَقَدْ لَقَّنَهَا السُّوْرَةَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ أُجْرَةِ تَعْلِيْمِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا على تَعَلُّمِ قَصِيْدَةٍ مِنَ الشِّعْرِ المُبَاحِ صَحَّ. رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ.
فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مُسَمًّى مُحَرَّمٍ كَالخَمْرِ والخِنْزِيْرِ والمَالِ المَغْصُوبِ صَحَّ النِّكَاحُ وبَطَلَ المُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ.

ونَقَلَ المِرْوَذِيُّ: إِذَا تَزَوَّجَ عَلَى مَالٍ بِعَيْنِهِ غَيْرِ طَيِّبٍ فَكَرِهَهُ وأَعْجَبَهُ اسْتِقْبَالُ النِّكَاحِ، وهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَصِحَّ وهوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ.
وقَالَ شَيْخُنَا: هَذَا عَلَى طَرِيْقِ الاسْتِحْبَابِ، فَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ النِّكَاحِ لَزِمَهُ مَهْرُ المِثْلِ، ويَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى عَيْنٍ مُشَاهدَةٍ وغَائِبَةٍ مَوْصُوفَةٍ، وعَلَى دَيْنٍ يُسَلَّمُ فِيْهِ، وعَلَى مَهْرٍ مُعَجَّلٍ ومُؤَجَّلٍ إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَحَلَّ الأَجَلِ، فَعِنْدِي: أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ ويَرْجِعُ إِلَى مَهْرِ المِثْلِ.
وقَالَ أَصْحَابُنَا: ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ – أَنَّهُ يَصِحُّ ويَكُونُ مَحَلُّهُ الفرْقَةَ بِطَلاَقٍ أَوْ مَوْتٍ، وفِيْهِ نَظَرٌ.
ويَفِيْدُ أَنَّ لَهَا مَنْعَ نَفْسِهَا في العَاجِلِ حَتَّى تَقْبِضَهُ، وعَلَيْهَا تَسْلِيْمُ نَفْسِهَا في الآجَلِ قَبْلَ مَحَلِّهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ مُلْكِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّ، وإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، والأُخْرَى: لاَ يَصِحُّ.
وقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ كَانَتْ خِدْمَةً مَعْلُومَةً كَخِيَاطِةِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ أَو بِنَاءِ حَائِطٍ صَحَّ، وإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً كَشَرْطِهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بعْبدِهَا الآبِقُ أَيْنَ كَانَ، أَوْ يَخْدِمَهَا في أَيِّ شَيءٍ أَرَادَتْ سَنَةً أو سَنَتَيْنِ لَمْ تَصِحَّ ووَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ.
فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صِدَاق ألفٍ إِنْ كَانَ أَبُوهَا حَيّاً، وعَلَى أَلْفَيْنِ إِنْ كَانَ مَيّتاً، أو تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ، وعَلَى أَلْفَيْنِ إِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ، فنَصَّ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - في الأُوْلَة علَى أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ، وفي الثَّانِيَةِ عَلَى تَسْمِيَةِ الصِّحَّةِ، فَتُخَرَّجُ في المَسْأَلتين رِوَايَتَانِ:
إحدَاهُمَا: فَسَادُ التَّسْمِيَةِ، ووُجُوبِ مَهْرِ المِثْلِ.
والثَّانِيَةُ: صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ فِيْهِمَا، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ.
فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا مِنْهَا أَلِفاً أو يُزَوِّجَهَا عَلَى أَلفٍ لَهَا، وأَلفٍ لأَبِيْهَا، أو عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا أَلِفاً ويُعْطِيَ أَبَاهَا أَلِفاً صَحَّ النِّكَاحُ وَكَانتِ الأَلِفَانِ مَهْرَهَا حَتَّى إنَّهُ إنْ أَعْطَى ذَلِكَ وطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الأَلِفَيْنِ.
فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الأَبِ مِنَ القَرَابَاتِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ لِغَيْرِهَا وكَانَ جَمِيْعُ المُسَمَّى لَهَا.
فَإِنْ تَزَوَّجَها عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيْدِهِ صَحَّ وكَانَ لَهَا أَحَدُهُمْ بالقُرْعَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ مُهَنَّا واخْتَارَهَا شَيْخُنَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فَرَجَعَ إِلَى مَهْرِ المِثْلِ.
وتَأَوَّلَ رَاوِيْهِ مُهَنَّا عَلَى أَنَّهُ عَيْنُ العَبْدِ، ثُمَّ أَشْكَلَ عَلَيْهِ، وعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ إِذَا أَصْدَقَهَا قَمِيْصاً مِنْ قُمْصَانِهِ، أو عِمَامَةً مِنْ عَمَائِمِهِ، أو دَابَّةً مِنْ دَوَابِّهِ، أو حِمَاراً مِنْ حُمُرِهِ.
فَأَمَّا إِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يَصِحُّ هَاهُنَا ويَكُونُ لَهَا الوَسَطُ مِنَ العَبِيْدِ، وهوَ والسِّنْدِيُّ عَلَى ظَاهِرِ رِوَايَةِ مُهَنَّا.
والصَّحِيْحُ هَاهُنَا أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بِحَالٍ ويَكُونُ لَهَا مَهْرُ المِثْلِ؛ لأَنَّهُ يُبْعِدُ الوُصُولُ إِلَى الوَسَطِ كَمَا يُبْعِدُ في ثَوْبٍ وحَيَوَانٍ وشَجَرَةٍ، فَإِنْ جَاءهَا بِقِيْمَةِ العَبْدِ أو تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مَوْصُوفٍ فَجَاءهَا بِقِيْمَتِهِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يَلْزَمُهَا قَبُولُ ذَلِكَ، وعِنْدِي: لاَ يَلْزَمُهَا قَبُولُهُ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى طَلاَقِ زَوْجَةٍ لَهُ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ واسْتَحَقَّتْ مَهْرَ المِثْلِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وفي الأُخْرَى: يَصِحُّ ذَلِكَ، فَإِنْ فَاتَ طَلاَقُهَا بِمَوْتِهَا فَقِيَاسُ المَذْهَبِ أنَّهَا تَسْتَحِقُّ مَهْرَ المُتْعَةِ.
فَإِنْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ في عَقْدٍ وَاحِدٍ عَلَى أَلِفٍ صَحَّتِ التَّسْمِيَةُ وقُسِّمَتِ الأَلْفُ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِنَّ عَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ وشَيْخِنَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ أَرْبَاعاً، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ سِرّاً وعَقَدَ في العَلاَنِيَّةِ بِمَهْرٍ غَيْرِهِ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ: يُؤْخَذُ بالعَلاَنِيَّةِ، وإِنْ كَانَ السِّرُّ يُعْقَدُ بهِ النِّكَاحُ، وهوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ- في رِوَايَةِ الأَثْرَمِ وغَيْرِهِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: إِنْ تَصَادَقَا عَلَى نِكَاحِ السِّرِّ بِمَهْرِ السِّرِّ لَمْ يَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ، وحُمِلَ كَلاَمُ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ – والخِرَقِيُّ عَلَيْهِ إذَا اخْتَلَفَا، فَإِنْ قَالَتِ المَرْأَةُ تَزَوجني بينِكَاحَيْنِ فَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِ المَهْرَيْنِ، وَقَدْ قَامَتِ البَيِّنَةُ بالعَقْدَيْنِ، وَقَالَ الزَّوْجُ: بَلْ هوَ نِكَاحٌ وَاحِدٌ أسْرَرْتُهُ ثُمَّ أَظْهَرْتُهُ، فالقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِيْنِهَا؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ أنَّ العَقْدَيْنِ صَحِيْحَانِ، فَإِنْ زَوَّجَ الأَبُ ابْنَتَهُ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ النِّكَاحُ وثَبَتَ المُسَمَّى، وإِنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ.
وإِنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ الأَبِ بِذَلِكَ بِإِذْنِهَا صَحَّ ولَمْ يَكُنْ لِبَقِيَّةِ الأَوْلِيَاءِ الاعْتِرَاضُ، وإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا بهِ صَحَّ النِّكَاحُ وَوَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ، ويَحْتَمِلُ أنْ لاَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ غَيْرُ المُسَمَّى، ويَلْزَمُ الوَلِيَّ تَمَامُ مَهْرِ المِثْلِ كَمَا لوْ وَكَّلَتْهُ فِي بيع أَمَتِهَا فبَاعَهَا بِدُونِ الثَّمَنِ يَصِحُّ ويَلْزَمُ الوَكِيْلَ تَمَامُ الثَّمَنِ.
فَإِنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا صَحَّ العِتْقُ ويَكُونُ صَدَاقَاً ولَمْ يَجِبْ لَهَا مَهْراً غَيْرَهُ، فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا، وقُلْنَا: لَمْ يَنْعَقِدِ النِّكَاحُ بِقَوْلِهِ الأَوَّلِ فَلَهُ عَلَيْهَا قِيْمَةُ نَفْسِهَا، فَإِنْ قَالَتِ السَّيِّدَةُ لِعَبْدِهَا: أعْتقتكَ عَلَى أَنْ تَزَوِّجَ بِي، فَلاَ يُلْزِمْهُ ذَلِكَ، وهوَ حُرٌّ ولاَ يَلْزَمْهُ قِيْمَةُ نَفْسِهِ وكَذَلِكَ إذَا قالَ لَهَا: اعْتِقِيْنِي عَلَى أنْ أَتَزَوَّجَ بكِ فعَتِقَتْهُ.
فإنْ زَوّجَ ابْنَهُ الصَّغِير بأكْثَرَ مِنْ مَهْرِ المِثْلِ صحَّ ولَزِمَ ذِمَّةَ الابْنِ، فإنْ كانَ الابْنُ مُعْسِراً فَهَلْ يَضْمَنُ الأبُ المَهْرَ أم لا؟ على رِوَايَتَيْنِ.
واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في الِّذي بِيَدِهِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ، فَعَنْهُ: أنَّهُ الزَّوْجُ فَيَعْفُوا عَمّا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إذا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ. وعنهُ أنَّهُ الأبُ فَيَعْفُو عَنْ نِصْفِ صَدَاقِ ابْنَتِهِ الصَّغِيْرَةِ إذا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فإذا وَهَبَتِ المَرْأةُ صَدَاقَهَا لِزَوْجِها ثمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ نَظَرْنَا.
فإنْ كانَ الصَّدَاقُ عَيْناً أو دَيْناً قَبِضَتْهُ مِنْهُ ثَمَّ وَهَبْتْهُ لهُ فَلَهُ أنْ يَرْجِعَ عَلَيْها بِنِصْفِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: لا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وإنْ كَانَ دَيْناً لمَ تَقْبِضْهُ فأبْرأتْهُ منهُ ثمَّ طَلَّقَها، فإنْ قُلْنَا لا تَرْجِعُ هُنَاكَ فأوْلَى أنْ لا تَرْجِعَ هَا هُنَا وإنْ قُلْنا: تَرْجِعُ هُنَاكَ فَهَلْ تَرْجِعُ هَاهُنَا؟ على وَجْهَيْنِ.
فإنْ وَهَبَتْ لهُ الصَّدَاقَ ثمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِجَمِيْعِ بَذْلِ الصَّدَاقِ أمْ لا؟ على الرِّوَايَتَيْنِ في نِصْفِ الصَّدَاقِ، ويَجِبُ المُسَمَّى بالدُّخُولِ والخَلْوَةِ في النَّكَاحِ الفَاسِدِ، كَمَا يَجِبُ في الصَّحِيْحِ وعَنْهُ: يَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ.
وإذَا تَزَوَّجَ العِبْدُ بإذْنِ سَيِّدِهِ صَحَّ نِكَاحُهُ على مَا سَمَّاهُ، وهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أو بِذِمَّةِ السَّيِّدِ على رِوَايَتَيْنِ. وإنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ اذْنِهِ فالنَّكَاحُ فَاسِدٌ، فإنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ في رَقَبَتِهِ خُمْسا المُسَمَّى في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهَا الخِرَقِيُّ، وفي الأخْرَى يَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ اخْتَارَهَا أبُو بَكْرٍ.
وإذا زَوَّجَ أمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ وَجَبَ عَلَى العَبْدِ مَهْرُ المِثْلِ ثمَّ سَقَطَ وقالَ شَيْخُنَا: لا يَجِبُ مَهْرٌ أصْلاً، فإنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِحُرَّةٍ على صَدَاقٍ ثمَّ بَاعَهَا العَبْدُ بِثَمَنٍ في الذِّمَّةِ تَحَوَّلَ جَمِيعُ صَدَاقِهَا إلى ثَمَنِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، ونِصْفَهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فإنْ بَاعَهَا إيّاهُ بالصَّدَاقِ الذي عَلَيْهِ صَحَّ الشِّرَى سَواء كانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ وإذا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ في قدرِ المَهْرِ، ولا بَيِّنَةَ لَهُمَا فالقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِيْنِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ، وفي الأخرى: القَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ المِثْلِ مِنْهُمَا.
فإن ادَّعَى الزَّوْجُ دُونَ مَهْرِ المِثْلِ وادَّعَت الزَّوْجَةُ زِيَادَةً على مَهْرِ المِثْلِ رُدَّ إلى مَهْرِ المِثْلِ، ولا يَجِبُ الثَّمَنُ في الأحْوَالِ كُلِّهَا على قَوْلِ شَيْخِنَا. وعَنْدِي: إنَّهُ يَجِبُ الثَّمَنُ في الأحْوَالِ كُلِّهَا لإسْقَاطِ الدَّعْوَى. وفي كَلامِ أحْمدَ -رَحِمَهُ اللهُ- ما يَدُلُّ على الوَجْهَيْنِ.
وهَكَذَا الحُكْمُ إذا اخْتَلَفَا في عَيْنِ المَهْرِ فَقَالَت الزَّوْجَةُ: تَزَوَّجَنِي على هَذِهِ الأمَة، وقالَ: بلْ تَزَوَّجْتُكِ على هذا العَبدِ، يُخَرَّجُ على الرِّوَايَتَيْنِ.
فإن اخَتَلَفَا في نِصْفِ المَهْرِ فالقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ أنَّها لمْ تقبضْهُ ولا شَيئاً منهُ وتَسْتَحِقُّهُ سَواء كانَ ذلكَ قَبْلَ الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ.وإنْ اخْتَلَفَا فِيما يستَقِرُّ بهِ المَهْرُ مِن الخَلْوَةِ والمَسِيسِ فالقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. ولِلأبِ قَبْضُ مَهْرِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِكُلِّ حَالٍ، فأمَّا البِكْرُ البَالِغَةُ العاقِلَةُ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: أحَدُهُمَا لهُ قَبضُهُ أيضاً، والثَّانِيَةُ لا يَقْبِضُهُ إلاَّ بإذْنِهَا وهيَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا ولِلْمَرأةِ مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ مَهْرَهَا فإنْ تَبَرَّعَتْ بِتَسْلِيمِ نَفسِهَا فَهَلِ لَهَا الامْتَناعُ بعدَ ذلكَ حَتَّى تَقْبِضَ؟ قالَ ابنُ حَامِدٍ: لَها ذلكَ، وقالَ ابنُ شَاقْلا وابنُ بَطَّةَ: ليسَ لَهَا ذلِكَ.