فصل: بَابُ الشَكِّ في الطَّلاقِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه



.فَصْلٌ عَاشِرٌ في التَّعْلِيقِ بالكَلامِ والإذْنِ:

فإنْ قَالَ: إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ، إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ، إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ، فإنْ كانَتْ غَيْر مَدْخُولٍ بِهَا طَلَقَتْ طَلْقَةً وَاحِدِةً، وإنْ كانَتْ مَدْخُولاً بِهَا، طَلَقَتْ طَلْقَتَيْن ومَتَى كَلّمَها قَبْلَ انْقِضَاءِ العِدّةِ طَلَقَتِ الثّالِثَةِ. وكَذَلِكَ إذا قَالَ: إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدّارَ فأنتِ طَالِقٌ طَلَقَتْ في الحالِ واحِدَةً، وإذا دَخَلَتِ الدارَ وَقَعَتِ الثانيةُ إنْ كانَتْ مَدْخُولاً بِهَا فإنْ قَالَ: إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ فَحَقِّقِي ذَلِكَ أو مُرِّي وَقَعَ الطّلاقُ فَحَقِّقِي ذَلِكَ أو مُرِّي، وَقَعَ الطّلاقُ في الحالِ.
فإنْ قَالَ: إن بدأتكِ بالكلامِ فأنتِ طَالِقٌ، فقالَتْ لَهُ: فإنْ بَدَأتَ بالكلام فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ كَلّمَها وكَلّمَتْهُ لَمْ يَقَعِ الطّلاقُ ولا العِتْقُ، وإنْ كَلّمَتْهُ ثُمَّ كَلّمَهَا وَقَعَ العِتْقُ وَلَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ، فَإِنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتِ رَجُلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ كَلَّمْتِ فَقِيْهاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ طَوِيْلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْ رَجُلاً فَقِيْهاً طَوِيْلاً طَلَقَتْ ثَلاَثاً.
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْتِ فُلاَناً فَكَلَّمَتْهُ مَيِّتاً أو نَائِماً أَو مُغْمًى عَلَيْهِ أو غَائِباً أو مَجْنُوناً، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: تَطْلُقُ، وحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ رضي الله عنه، وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ تَطْلُقُ.
فَإنْ كَلَّمَتْهُ وَهُوَ سَكْرَانٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وإِنْ كَلَّمَتْهُ وَهُوَ أَصَمُّ وَكَانَ الكَلاَمُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ لَوْ كَانَ سَمِيْعاً لَمْ يَحْنَثْ ويَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: أنَّهُ يَحْنَثُ.
فَإنْ كَلَّمَتْهُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ أو غَفْلَتِهِ عَنْهَا حَنَثَ، نَصَّ عَلَيْهِ.
فَإنْ كَاتَبَتْهُ أو رَاسَلَتْهُ طَلَقَتْ، فَإِنْ أَشَارَتْ إِلَيْهِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ.
فَإنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إِنْ كَلَّمْتُمَا هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاحِداً مِنَ الرَّجُلَيْنِ طَلَقَتَا، ويَتَخَرَّجُ: أَنْ لاَ يَقَعَ الطَّلاَقُ حَتَّى يُكَلِّمَا جَمِيْعاً كُلّ وَاحِدَةٍ مِنَ الرَّجُلَيْنِ.
فَإِنْ قَالَ: إِنْ أَمَرْتُكِ فَخَالَفْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: لا تُكَلِّمِي أَبَاكِ فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: لاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ، وعِنْدِي: أنَّهُ يَقَعُ إِنْ قَصَدَ أَنْ لاَ تُخَالِفَهُ، أو لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ حَقِيْقَةَ الأَمْرِ والنَّهْيِ، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ الطَّلاَقُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لأنَّ نَهْيَهُ أَمْرٌ بِتَرْكِ كَلاَمِهِ، وَقَدْ خَالَفَتْهُ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ خَرَجْتِ بِغَيْرِ إِذْنِي أو إِلاَّ بِإِذْنِي أو حَتَّى آذَنَ، فَأَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ عَادَتْ فَخَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ طَلَقَتْ، وَعَنْهُ: أنَّهَا لاَ تَطْلُقُ. وإِذْنُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً إِذْناً لها أَبَداً إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهَا تَسْتَأْذِنُهُ كُلَّ مَرَّةٍ، نَقَلَهَا عَبْدُ اللهِ.
فَإنْ أَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لاَ تَعْلَمُ فَخَرَجَتْ طَلَقَتْ، ويَحْتَمِلُ أنْ لا تَطْلُقَ عَلَى مَا قَالَهُ في عَزْلِ الوَكِيْلِ أنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْلَمَ.
فإِنْ أَذِنَ لها في الخُرُوجِ فَلَمْ تَخْرُجْ حَتَّى نَهَاهَا عَنِ الخُرُوجِ فَخَرَجَتْ احتَمَلَ أَنْ لاَ تَطْلُقَ؛ لأنَّهُ قَدْ أَذِنَ، واحْتَمَلَ أَنْ تَطْلُقَ؛ لأنَّ هَذَا الخُرُوجَ يَجْرِي مَجْرَى خُرُوجٍ ثَانٍ، وَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ إِلَى غَيْرِ الحَمَّامِ إِلاَّ بِإِذْنِي فَأنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ إِلَى الحَمَّامِ ثُمَّ عَدِلَتْ إِلَى غَيْرِ الحَمَّامِ، فَقِيَاسُ المَذْهَبِ: أَنَّهَا تَطْلُقُ؛ لأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لاَ تَمْضِيَ إِلَى غَيْرِ الحَمَّامِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، ويَحْتَمِلُ أنْ لاَ تَطْلُقَ؛ لأنَّ خُرُوجَهَا لَمْ يَكُنْ إِلَى غَيْرِ الحمَّامِ وإِنَّمَا أَضَافَتْ ذَلِكَ بَعْدَ الخُرُوجِ، فَإِنْ نَوَتْ في حَالِ خُرُوجِهَا الحَمَّامَ وغَيْرَهُ طَلَقَتْ.
فَإنْ حَلَفَ لِعَامِلٍ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَعُزِلَ لَمْ تَنْحَلَّ اليَمِيْنُ عَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا، ويَحْتَمِلُ أَنْ تَنْحَلَّ؛ لأنَّ قَصْدَهُ مَا دَامَتْ وِلاَيَتُهُ.

.بَابُ جَوَابَاتِ مَسَائِلَ يُعَايَا بِهَا في الطَّلاَقِ عَلَى وَجْهِ تَأْوِيْلِ الحَالِفِ ونِيَّتِهِ:

إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ في مَاءٍ: إِنْ أَقَمْتِ في هَذَا المَاءِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ خَرَجْتِ مِنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَ المَاءُ جَارِياً ولاَ نِيَّةَ لَهُ لَمْ تَطْلُقْ سَوَاءٌ خَرَجَتْ، أو أَقَامَتْ، فَإِنْ كَانَ المَاءُ رَكِداً فالحِيْلَةُ أنْ تَحْمِلَ في الحَالِ مُكْرَهَةً.
فإنْ كَانَتْ عَلَى سُلَّمٍ فَقَالَ لَهَا: إِنْ صَعَدْتِ فِيْهِ أو نَزَلْتِ أو أَقَمْتِ أو رَمَيْتِ نَفْسَكِ أو حَطَّكِ أَحَدٌ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى سُلَّمٍ آخَرَ.
فَإنْ كَانَ في فَمِهَا رطْبَةٌ، فَقَالَ: إِنْ أَكَلْتِهَا أو أَلْقَيْتِهَا أو أمْسَكْتِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهَا تَأْكُلُ نِصْفَهَا وتَرْمِي البَاقِيَ، ولاَ تَطْلُقُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا فَعَلَ، ولا يَفْعَلُ شَيْئاً ففَعَلَ بَعْضَهُ.
فَإنْ أَكَلَ رُطَباً كَثِيْراً ثُمَّ قَالَ لها: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ تُخْبِرِيْنِي بعَدَدِ مَا أَكَلْتُ، فَخَلاَصُهَا أَنْ تَعدَّ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى عَدَدٍ يَتَحَقَّقُ أَنَّ مَا أَكَلَهُ قَدْ دَخَلَ فِيْهِ، فَإِنْ أَكَلَ رُطَباً فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَى مَا أَكَلْتِ مِن نَوَى مَا أَكَلْتُ وَقَدِ اخْتَلَطَ، فَإِنَّها تُفْرِدُ كُلَّ نَوَاةٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنَّهَا لاَ تَطْلُقُ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ تُصَدِّقِيْنِي هَلْ سَرَقْتِ مِنِّي أَمْ لاَ؟ فَإِنَّهَا إِذَا قَالَتْ: سَرَقْتُ مِنْكَ مَا سَرَقْتُ مِنْكَ لَمْ تَطْلَقْ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَوْدَعَهَا كِيْساً فَجَحَدَتْهُ أو أَخَذَتْ مِنْهُ لَمْ تَطْلُقْ إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لاَ تَخُونَهُ في مَالِهِ، فَإِنْ قَالَ: مَنْ بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَأَخْبَرَتَاهُ زَوْجَتَاهُ بِقُدُومِهِ وَاحِدَةً بَعْدَ الأُخْرَى، فَإِنْ كَانَتَا صَادِقَتَيْنِ طَلَقَتْ الأَوَّلَةُ وَلَمْ تَطْلُقِ الثَّانِيَةُ، وإِنْ كَانَتَا كَاذِبَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا صَادِقَةً، طَلَقَتْ دُوْنَ الكَاذِبَةِ، فَإِنْ قَالَ: مَنْ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِهِ فَهِيَ طَالِقَةٌ فَقَالَ شَيْخُنَا: حُكْمُهَا حُكْمُ المَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وعِنْدِي: أَنَّهُمَا إِذَا أَخْبَرَتَاهُ وَقَعَ الطَّلاَقُ بِهِمَا عَلَى الأَحْوَالِ الثَّلاَثَةِ؛ لأَنَّ الخَبَرَ يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ والكَذِبُ، ويُسَمَّى خَبَراً وإِنْ تَكَرَّرَ. والبِشَارَةُ: القَصْدُ بِهَا السُّرُورُ، وإِنَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ مَعَ الصِّدْقِ ويَكُونُ مِنَ الأَوَّلِ لاَ غَيْرُ.
فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وكُلَّمَا أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَكَلْتِ رُمَّانَةً طَلَقَتْ ثَلاَثاً.
فَإنْ قَالَ: إِذَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ زَوْجَاتٍ فَاشْتَرَى لَهُنَّ خِمَارَيْنِ فَاخْتَصَمْنَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إِنْ لَمْ تَخْتَمِرْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ عِشْرِيْنَ يَوْماً في هَذَا الشَّهْرِ.
فَالوَجْهُ أَنْ تَخْتَمِرَ الكُبْرَى والوُسْطَى بالخِمَارَيْنِ عَشرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَدْفَعَ الكُبْرَى الخِمَارَ إِلَى الصُّغْرَى ويَبْقَى خِمَارُ الوُسْطَى إِلَى تَمَامِ عِشْرِيْنَ يَوْماً ثُمَّ تَأْخُذَ الكُبْرَى خِمَارَ الوُسْطَى إِلَى تَمَامِ الشَّهْرِ، ومِثْلُهَا إِذَا سَافَرَ بالنِّسْوَةِ سَفَراً قَدْرُهُ ثَلاَثُ فَرَاسِخَ ومَعَهُ بَغْلاَنِ فَاخْتَصَمْنَ عَلَى الرُّكُوبِ فَحَلَفَ بِالطَّلاَقِ لَتَرْكَبَنَّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ فَرْسَخَيْنِ، فَتَرْكَبُ الكُبْرَى والوُسْطَى فَرْسَخاً ثُمَّ تَتْرُكُ الكُبْرَى وتَرْكَبُ الصُّغْرَى مَوْضِعَهَا فَرْسَخاً، ثُمَّ تَتْرُكُ الوُسْطَى وتَرْكَبُ الكُبْرَى مَوْضِعَهَا تَمَامَ المَسَافَةِ، فَإِنْ حَمَلَ إِلَى بَيْتِهِ ثَلاَثِيْنَ قَارُورَةً: عَشْرَةٌ مَلأَى، وعَشْرَةٌ في كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُهَا، وعَشْرَةٌ فُرَّغٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ لأُقَسِّمَنَّهَا بَيْنَكُمْ بالسَّوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيْنَ عَلَى القِسْمَةِ بِمِيْزَانٍ ولاَ بِمِكْيَالٍ فَإِنَّهُ يَمْلأُ خَمْساً مِنَ المُصَنَّفَاتِ بالخَمْسَةِ الأُخَرِ، ثُمَّ يَدْفَعُ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةً مَمْلُوءةً وخَمْسَةً فُرَّغاً.
فَإنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُونَ نَعْجَةً فَنَتَجَتْ عَشْرَةٌ مِنْهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلاَثَ سَخْلاَتٍ، ونَتَجَتْ عَشْرَةٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَتَيْنِ، ونَتَجَتْ عَشْرَةٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَةً، ثُمَّ حَلَفَ بالطَّلاَقِ لَيُقَسِّمَنَّهَا بَيْنَهُنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلاَثِيْنَ رَأْساً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ شَيءٍ مِنَ السَّخْلاَتِ وأُمَّهَاتِهِنَّ، فَإِنَّهُ يُعْطِي أَحْدَاهُنَّ العَشْرَةَ الَّتِي نَتَجَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَتَيْنِ، ويَقْسِمُ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ مَا بَقِيَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةٌ مِمَّا نِتَاجُهَا ثَلاَثَةٌ، وخَمْسَةٌ مِمَّا نِتَاجُهَا سَخْلَةٌ وَاحِدَةٌ.
فَإنْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ بَيْضاً ثُمَّ رَأَى في كُمِّ إِنْسَانٍ شَيْئاً فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: شيءٌ للأَكْلِ، فَقَالَ: زَوْجَتُهُ طَالِقٌ لاَ بُدَّ مِمَّا آكُلُ مِنْهُ وإِذَا هُوَ بَيْضٌ، فَالحِيْلَةُ أَنْ يَعْمَلَ بِذَلِكَ البَيْضِ نَاطِفاً ويَأْكُلَ مِنْهُ فَلاَ يَحْنَثُ. وَكَذَلِكَ إِنْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ رُمَّاناً ولاَ تُفَّاحاً ولاَ سَفَرْجَلاً، ثُمَّ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِمَّا في كُمِّ زَيْدٍ فَإِذَا هُوَ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ مِنْهُ شَرَاباً أو لَعُوقاً ويَأْكُلُ مِنْهُ، فَإِنْ رَأَى مَعَ زَوْجَتِهِ إِنَاءً فِيْهِ مَاءٌ صَحَّ، فَقَالَ: أَسْقِيْنِيْهِ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ، فَحَلَفَ بالطَّلاَقِ لا شَرِبْتُ هَذَا المَاءَ ولاَ أَرَقْتِيْهِ وَلاَ تَرَكْتِيْهِ في الإِنَاءِ ولاَ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُكِ.
فالحِيْلَةُ أَنْ تَطْرَحَ في الإِنَاءِ ثَوْباً يَشْرَبُ المَاءَ ثُمَّ تُجَفِّفُهُ في الشَّمْسِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ شَرِيْكِهِ ثَمَانِيَةُ أَمْنَاءٍ دُهْناً في ظَرْفٍ ومَعَهُمَا ظَرْفَانِ يَسَعُ أَحَدَهُمَا خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ والآخَرُ ثَلاَثَةَ أَمْنَاءٍ فَارِغاً فَقَالَ لِشَرِيْكِهِ: اطْلُبْ مِكْيَالاً يُقْسَمُ بِهِ هَذَا الدُّهْنِ فَقَالَ: اطْلُبْ أَنْتَ فَحَلَفَ بالطَّلاَقِ لاَ بُدَّ أَنْ يُقْسِمَهُ بالسَّوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيْرَ مِكْيَالاً. فالوَجْهُ أَنْ يَكِيْلَ بالَّذِي يَسَعُ ثَلاَثَةً مَرَّتَيْنِ فَيَطْرَحَهُمَا في الَّذِي يَسَعُ خَمْسَةً فَيَبْقَى في الثُّلاَثِيِّ، ثُمَّ تَطْرَحُ مَا في الخُمَاسِيِّ في الثُّمَانِيِّ، ثُمَّ يَطْرَحُ المَنَّ في الخُمَاسِيِّ ويَكِيْلُ بالثُّلاَثِيِّ مِلأَهُ فَيَطْرَحُهُ في الخُمَاسِيِّ فَيَحْصُلُ فِيْهِ أَرْبَعَةٌ ويَبْقَى في الثُّمَانِيِّ أَرْبَعَةٌ.
فَإِنْ وَرَدَ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ زَوْجَتُهُ إِلَى شَّاطِئ نَهْرٍ لِيَعْبُرُوا فَلَمْ يَجِدُوا إِلاَّ سَفِيْنَةً لاَ تَحْمِلُ إِلاَّ نَفْسَيْنِ فَاخْتَلَفُوا في العُبُورِ، فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ بالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ لاَ تَرْكَبُ زَوْجَتِي مَعَ رَجُلٍ مِنْكُمْ، فَمَا زَادَ إِلاَّ وأَنَا مَعَهَا.
فَوَجْهُ الخَلاَصِ أَنْ يَعْبُرَ رَجُلٌ وامْرَأَتُهُ ثُمَّ يَصْعَدَ زَوْجُهَا مِنَ السَّفِيْنَةِ، وتَعُود امْرَأَتُهُ فَتَأْخُذَ امْرَأَةً أُخْرَى فَتَعْبُرَ مَعَهَا ثُمَّ تَصْعَدَ الأُوْلَى إِلَى زَوْجِهَا وتَعُودَ الثَّانِيَةُ فَتَأْخُذَ زَوْجَهَا فَتَعْبُرَ بِهِ فَيَصْعَدَ الزَّوْجُ ثُمَّ تَعُودَ امْرَأَتُهُ فَتَأْخُذَ المَرْأَةَ الثَّالِثَةَ فَتَعْبُرَ بِهَا ثُمَّ تَصْعَدَ الثَّانِيَةُ إِلَى زَوْجِهَا وتَعُودَ الثَّالِثَةُ فَتَأْخُذَ زَوْجَهَا فَتَعْبُرَ بِهِ فَيَصْعَدَ زَوْجُهَا ثُمَّ تَعُودَ، فَتَأْخُذَ الرَّابِعَةَ زَوْجها فَتَعبُرَ بِهَا، ثُمَّ تَصْعَدَ الثَّالِثَةُ إِلَى زَوْجِهَا وتَعُودَ الرَّابِعَةُ فَتَأْخُذَ زَوْجَهَا فَتَعْبُرَ بِهِ فَيَصْعَدَانِ مَعاً.
فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيْقَةِ فَيَتَخَلَّصُونَ وَلَوْ كَانُوا أَلْفاً، فَإِنْ كَانُوا ثَلاَثَةً، فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ: لاَ عَبَرْتِ جَانِب البَحْرِ وفِيْهِ رَجُلٌ إِلاَّ وأَنَا مَعَكِ، فَطَرِيْقُهُ: أَنْ تَعْبُرَ امْرَأَتَانِ فَتَصْعَدَ إِحْدَاهُمَا ثُمَّ تَرْجِعَ الأُخْرَى فَتَأْخُذَ امْرَأَةً ثَالِثَةً فَتَعْبُرَ مَعَهَا، ثُمَّ تَعُودَ فَتَصْعَدَ إِلَى زَوْجِهَا ويَنْزِلَ زَوْجَا المَرْأَتَيْنِ فَيَعْبُرَا إِلَيْهِمَا فَيَصْعَدَا ويَنْزِلَ الرَّجُلُ وامْرَأَتُهُ فَيَعْبُرا فَتَصْعَدَ المَرْأَةُ ويَنْزِلَ مَعَ الرَّجُلِ فَيَعْبُرَا ويَصْعَدَا وتَنْزِلَ المَرْأَةُ الثَّالِثَةُ فَتَعْبُرَ بالمَرأَتَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَتَصْعَدَ الثَّلاَثُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، ولاَ تُصَوَّرُ هَذِهِ الطَّرِيْقَةُ في أَكْثَرِ مِنْ ثَلاَثٍ.
فَإنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ لاَ أَبْصَرْتُكِ إِلاَّ وأَنْتِ لاَبِسَةٌ عَارِيَةٌ حَافِيَةٌ رَاجِلَةٌ رَاكِبَةٌ فَأَبْصَرَهَا، وَلَمْ تَطْلُقْ كَيْفَ كَانَ خَلاَصُهُ؟
فَالوَجْهُ تُجِيْبُهُ باللَّيْلِ عُرْيَانَةً حَافِيَةً رَاكِبَةً في السَّفِيْنَةِ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً}، وَقَالَ: {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْريهَا وَمُرْسَاهَا}، فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ وَلَدْتِ وَلَدَيْنِ ذَكَرَيْنِ أُنْثَيَيْنِ أو حَيَّيْنِ أَو مَيِّتَيْنِ، فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَلَمْ تَطْلُقْ. فَهَذِهِ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ ذَكَراً أَو أُنْثَى، أَحَدُهُمَا مَيِّتٌ والآخَرُ حَيٌّ، فإِنْ قَطَعَ عَلَيْهِ رِجَالٌ فَأَخَذُوا رَحْلَهُ فَعَرَفَهُمْ فَحَلَّفُوهُ بالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ أَنْ لاَ يُخْبِرَ بِهِمْ ولاَ يَغْمِزَ عَلَيْهِمْ ويُرِيْدُ أَخْذَ مَالِهِ فَمَا يَصْنَعُ؟ فَالحِيْلَةُ أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبُ السُّلْطَانِ كُلَّ مَنْ يَسْكُنُ بَلَدَ القَاطِعِيْنَ مِنَ الرِّجَالِ ثُمَّ يَقِفَ عَلَى بَابِ البَلَدِ ويَأْمُرَهُمْ بالدُّخُولِ، كُلَّمَا دَخَلَ رَجُلٌ قَالَ: سأَخَذَ مَالَكَ هَذَا، فَيَقُولُ: لا حَتَّى إِذَى مَرَّ بِهِ أَحَدُ القَاطِعِيْنَ وسَأَلَهُ سَكَتْ فَيَعْلَمُ السُّلْطَانُ مِنْ غَيْرِ إِخْبَارِهِ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ في شَعْبَانَ بالثَّلاَثِ أَنْ يُجَامِعَهَا في نَهَارٍ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَدَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فالحِيْلَةُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، فَإِنْ حَاضَتْ وَطِئَ وكَفَّرَ عَنْ كُلِّ وَطْءٍ في الحَيْضِ بِدِيْنَارٍ أَو نِصْفِ دِيْنَارٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ – في رَجُلٍ حَلَفَ: لا بُدَّ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ اليَوْمَ، فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ، قَالَ: لاَ يَطَأُ وتَطْلُقُ.
فَإنْ حَلَفَ رَجُلٌ بالطَّلاَقِ: أنِّي أُحِبُّ الفِتْنَةَ، وأَكْرَهُ الحَقَّ، وأَشْهَدُ بِمَا لَمْ تَرَ عَيْنِي، ولاَ أَخَافُ مِنَ اللهِ ولاَ مِنْ رَسُولِهِ، وأَنَا مُؤْمِنٌ عَدْلٌ مَعَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ. فَهَذَا رَجُلٌ يُحِبُّ المَالَ والوَلَدَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} ويَكْرَهُ المَوْتَ، وَهُوَ حَقٌّ، ويَشْهَدُ بالبَعْثِ والحِسَابِ، ولاَ يَخَافُ مِنَ اللهِ ولاَ مِنْ رَسُولِهِ الظُّلْمَ والجَوْرَ، فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَتَهُ بَعَثَتْ إِلَيْهِ، قَدْ حَرُمْتُ عَلَيْكَ وتَزَوَّجْتُ بِغَيْرِكَ وَأَوْجَبْتُ عَلَيْكَ أَنْ تُنْفِذَ لِي نَفَقَتِي وَنَفَقَةَ زَوْجِي وتَكُونَ هَذِهِ المَرْأَةُ عَلَى الحَقِّ في جَمِيْعِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ امْرَأَةٌ زَوَّجَهَا أَبُوهَا مِنْ مَمْلُوكَةٍ، ثُمَّ بَعَثَ المَمْلُوكَ في تِجَارَةٍ ومَاتَ الأَبُ، فَإِنَّ البِنْتَ تَرِثُهُ ويَفْسَخُ نِكَاحَ العَبْدِ، وتَقْضِي العدَّةَ، وتَتَزَوَّجُ بِرَجُلٍ فَتُنَفِّذُ إِلَيْهِ: ابْعَثْ مِنَ المَالِ الَّذِي مَعَكَ فَهُوَ لي، فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ: إِحْدَاهُمَا في الغُرْفَةِ، والأُخْرَى في الدَّارِ فَصَعِدَ في الدَّرَجِ فَقَالَتْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَيَّ فَحَلَفَ: لاَ صَعَدْتُ إِلَيْكِ ولاَ نَزَلْتُ إِلَيْكِ ولاَ أَقَمْتُ مَكَانِي سَاعَتِي هَذِهِ، فَإِنَّ الَّتِي في الدَّارِ تَصْعَدُ، والَّتِي في الغُرْفَةِ تَنْزِلُ، ولَهُ أَنْ يَصْعَدَ ويَنْزِلَ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.
فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ تَطْبَخَ لَهُ قِدْراً بِرَطْلَيْنِ مَاءً وتَطْرَحَ مَعَهُ كَيْلَجَةَ مِلْحٍ ويَأْكُلَ مِمَّا طَبَخَتْ، ولاَ يَجِدُ لَهُ طَعْمَ مِلْحٍ فَتَسْلُقَ لَهُ بَيْضاً في قِدْرٍ وتَطْرَحَ مَعَهُ كَيلَجَةَ مِلْحٍ ويَأْكُلَ مِمَّا طَبَخَتْ، ولاَ يَجِدُ لَهُ طَعْمٌ.
فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ: لاَ دَخَلَ بَيْتَكِ بَارِيَةٌ ولاَ وَطِئْتُكِ إِلاَّ عَلَى بَارِيَةٍ، ويُرِيْدُ أَنْ يَطَأَهَا في البَيْتِ ولاَ يَحْنَثُ، فالحِيْلَةُ أَنَّهُ يَحْمِلُ إلى بَيْتِهِ قَصَباً ويَنْسِجُ لَهُ الصَّانِعُ بَارِيَةً في بَيْتِهِ فَيَطَأَ عَلَيْهَا.
فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ لَيُجَامِعَهَا عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ فَإِنَّهُ يَثْقُبُ السَّقْفَ، ويُخْرِجُ مِنْهُ رَأْسَ رُمْحٍ قَلِيْلاً ثُمَّ يُجَامِعُهُ عَلَيْهِ.
فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ عَلَى زَوْجَتِهِ لاَ بُدَّ أَنْ تُخْبِرِيْنِي عَنْ شَيءٍ رَأْسُهُ في عَذَابٍ وأَسْفَلُهُ في شَرَابٍ ووَسَطُهُ في طَعَامٍ وَحَولَهُ سَلاَسِلُ وأَغْلاَلٌ وحبَسُهُ في بَيْتٍ مِنْ صفرٍ.
فَالجَوابُ: أنَّ ذَلِكَ فَتِيْلَةُ القِنْدِيْلِ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ في نَهَارِ يَوْمٍ، لاَ يَغْتَسِلُ فِيْهِ مِنْ جَنَابَةٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ المَاءِ ولاَ تَفُوتُهُ صَلاَةُ جَمَاعَةٍ مَعَ الإِمَامِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَ الإِمَامِ الفَجْرَ والظُّهْرَ والعَصْرَ، ويَطَأُ بَعْدَ العَصْرِ، فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ اغْتَسَلَ وصَلَّى مَعَ الإِمَامِ، فَإِذَا حَلَفَ المُكَلَّفُ المُقِيْمُ وَقَتَ الفَجْرِ ما افْتُرِضَ عَلَيَّ في يَوْمَي هَذَا إِلاَّ خَمْسَ عَشْرَةَ رَكْعَةً لَمْ يَحْنَثْ إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْنَا في يَوْمِنَا هَذَا تِسْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، فَهُوَ عِيْدٌ.
فَإِنْ حَلَفَ أَنِّي رَأَيْتُ رَجُلاً يُصَلِّي إِمَاماً بِنَفْسَيْنِ وهوَ صَائِمٌ، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَمِيْنِهِ، فَنَظَرَ إِلَى قَوْمٍ يَتَحَدَّثُونَ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وبَطَلَ صَوْمُهُ وصَلاَتُهُ، ووَجَبَ جَلْدُ المَأْمُوْمَيْنِ، ونَقْصُ المَسْجِدِ فَكَيْفَ كَانَ صِفَةُ ذَلِكَ؟ فَهَذَا رَجُلٌ تَزَوَّجَ بامْرَأَةٍ قَدْ غَابَ زَوْجُهَا وشَهِدَ المَأْمُومَانِ بِوَفَاتِهِ، وأَنَّهُ وَصَّى بِدَارِهِ أَنْ تُجْعَلَ مَسْجِداً، وكَانَ مُتَيَمِّماً صَائِماً فالتَفَتَ فَرَأَى زَوْجَ المَرْأَةِ قَدْ قَدمَ والنَّاسُ يَقُولونَ: خَرَجَ يَوْمَ العِيْدِ، وجَاءَ يَومُ العِيْدِ وهوَ لاَ يَعْلَمُ بأَنَّ هِلاَلَ شَوَّالٍ قَدْ رُئِيَ ورَأَى إِلى جَنْبِهِ مَاءً وعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً، فَإِنَّ المَرْأَةَ تَحْرُمُ بِقُدُومِ الزَّوْجِ، وصَوْمَهُ كَوْنُهُ صَوْمَ عِيْدٍ، وصَلاَتُهُ تَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ المَاءِ، ويُجْلَدُ الرَّجُلَيْنِ بِكَوْنِهِمَا شَاهِدَي زُورٍ. ويَجِبُ نَقْضُ المَسْجِدِ بأَنَّ الوَصِيَّةَ ما صَحَّتْ والدَّارُ لِمَالِكِهَا.
فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ تَمْرٌ وتِيْنٌ وزَبِيْبٌ وَزْنُ الجَمِيْعِ عِشْرُونَ رَطْلاً فَحَلَفَ أَنَّهُ بَاعَ التَّمْرَ كُلَّ رَطْلٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، والتِّيْنَ كُلَّ رَطْلٍ بدِرْهمَيْنِ، والزَّبِيْبَ كُلَّ رَطْلٍ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ فَجَاءَ ثَمَنُ الجَمِيْعِ عِشْرُونَ دِرْهَماً وصَدقَ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ التَّمْرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَطْلاً، والتِّيْنُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ، والزَّبِيْبُ رَطْلاً وَاحِداً.
فَإِنْ رَأَى ثَلاَثَةَ إِخْوَةٍ لأَبٍ وأُمٍّ، أَحَدُهُمْ عَبْدٌ، والآخَرُ مَوْلًى، والآخَرُ عَرَبِيٌّ، فَإنَّهُ عَرَبِيٌّ تَزَوَّجَ بأَمَةٍ فَأَوْلَدَها ابْناً فَهُوَ عَبْدٌ لِسَيِّدِهَا، ثُمَّ كَاتَبَهَا السَّيِّدُ فَوَفَّتِ الكِتَابَةَ فَانْعَتَقَتْ وهيَ حَامِلٌ بابْنٍ، فَتَبِعَهَا الابْنُ في العِتَاقِ فَكَانَ مَوْلًى، ثُمَّ ولَدَتِ ابْناً بَعْدَ أَنْ عُتِقَتْ فَهُوَ عَرَبِيٌّ كَأَبِيْهِ.
فَإنْ حَلَفَ أَنِّي رَأَيْتُ امرَأَةً زَنَى بِهَا خَمْسَةُ رِجَالٍ وَجَبَ عَلَى الأَوَّلِ القَتْلُ بالسَّيْفِ، وعَلَى الآخَرِ الرَّجْمُ، وعَلَى الثَّالِثِ الجَلْدُ، وعَلَى الرَّابِعِ نِصْفُ الجَلْدِ، ولَمْ يَجِبْ عَلَى الخَامِسِ شَيءٌ، فَإِنْ الأَوَّلَ كَانَ ذِمِّيّاً فَنَقَضَ العَهْدَ بِذَلِكَ الآخَرِ كَانَ مُحْصَناً، والثَّالِثَ كَانَ بِكْراً، والرَّابِعَ كَانَ عَبْداً، والخَامِسَ كَانَ حربياً وفي هَذَا كفاية.

.بَابُ جامِعِ الأَيمانِ:

مِمَّا يَشتَرِكُ فيهِ حُكمُ اليَمينِ بِاللهِ تَعَالَى وَبالطَّلاقِ والعِتَاقِ ويَرجِعُ في اليَمينِ إلى النِيَّاتِ.
فَإنْ كانَتْ بطَلاقٍ أَو عِتاقٍ دِيْنَ فِيمَا بَينَهُ وبينَ اللهِ تَعَالَى، وَهَل يُقبَلُ في الحُكمِ؟ عَلَى رِوايتَينِ.
فَإنْ لم يَنوِ رَجَعَ إلى سَبَبِ اليَمينِ ومَا أثارهَا، فَإنْ عُدِمَ السَبَبَ رُجِعَ إلى ما تَناولَهُ الاسْمُ، فَإنْ اجتَمعَ الاسمُ، والتَّعيينُ أوِ الصِّفَةُ والتَّعيينُ عَلَينَا التَّعيينُ.
فَإنِ اجتَمعَ الاسْمُ والعَرفُ فَقدِ اختَلفَ أَصحَابُنا فَتارَةً غَلَّبوا الاسُمَ وتَارَةً غلّبوا العُرفَ، وَسَنُوضِح ذَلِكَ في المسَائلِ إنْ شَاءَ اللهُ وهَذا البَابُ يَشتَمِلُ عَلَى فُصولٍ: أحدُها في اليَمينِ عَلَى سُكنَى الدَّارِ، وَدَخولِها إذا حَلَفَ بِاللهِ أو بالطَّلاقِ، أو العِتَاقِ لأَسكُنُ هَذهِ الدَّارِ، وَهوَ سَاكِنُها فَمَتى أَمكَنهُ الخُروجُ فلَم يَخرُجْ حَنَثَ، فَإنْ خَرجَ دونَ رَحلِهِ وأَهلِهِ حَنَثَ.
فَإنْ وَهَبَ رَحلَهُ أَو أَودَعَهُ، أو أعارَهُ وخَرَجَ لم يَحنَثْ فَإنِ امتَنعَتْ زَوجتُهُ مِنَ الخروجِ وَلمْ يُمكِنْهُ إخراجها لم يَحنَثْ فَإنْ أقامَ لِنَقلِ الأَمتعَةِ والرَّحْلِ، أو كَانَ لَيلاً فَخَشِىَ عَلَى نَفسِهِ إنْ خَرجَ، فأَقامَ حَتى طَلعَ الفَجرُ لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يُسَاكنُ فلانَاً في هَذهِ الدَّارِ، وفي هَذهِ القريَةِ فَعلَى مَا ذَكرنَا.
فَإنْ كَانَ في الدَّارِ حُجرَتانِ، يَستقِلُّ بكلِ وَاحِدِ منهُما بمَرافق وبَابٍ يخصها مَسكن كُلُّ وَاحِدٍ في حُجرَةٍ لم يَحنَثْ، وَإنْ تَشَاغَلا بقِسمَةِ الدَّارِ وَبنَيَا بينَهمَا حَائطاً وفتحَ كُلُّ وَاحدٍ مِنهُمَا بَابَاً، وَهُما مُتسَاكِنَانِ في مُدَةِ التَّشَاغُلِ بذلِكَ، فهل يَحنَثُ بِذَلِكَ أَم لا؟ عَلَى وَجهَينِ، فَإنْ حَلَفَ لَيرحَلَنَّ عَنْ هَذهِ الدَّارِ، وَلم يَنوِ وَقتَاً فَرحَلَ، فَهلْ يَجوزُ أنْ يَعودَ إليهَا بَعدَ وَقتٍ؟ نَقَلَ مُهَنَّا لا يَعودُ، وَنقلَ إسمَاعِيلُ بنُ سَعيدٍ فِيمَن حَلَفَ لَيخرُجَنَّ مِن بَغدادَ بالطَّلاقِ فَخَرجَ ثمَّ رَجعَ فقَالَ: مَضَتْ يَمِينُهُ ولا شَيءَ عَلَيهِ؛ لأنهُ حَلَفَ عَلَى الخُروجِ وَقَد خَرجَ.
فَعلَى هَذا التَّعليلِ، لَهُ أنْ يَعودَ إلى الدَّارِ، لأَنهُ حَلَفَ عَلَى الرَّحِيلِ وَقَد رَحَلَ فلا حَنَثَ عَلَيهِ إذا عَادَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ دَارَ فُلانٍ هَذهِ، فَدخَلَهَا وقَد خُرِبَتْ، وَصَارتْ فَضَاءً أو غُيِّرَتْ فَصُيرَتْ حَمَّامَاً أو مَسجِدَاً، حَنثَ إلاّ أن يكونَ لَهُ نية، وكَذلِكَ إنْ بَاعَهَا فُلانٌ ثم دَخلَها حَنَثَ، فَإنْ لَم يَدخُلْها لَكِنَّهُ دخَلَ سَطحَها حَنَثَ.
فَإنْ دَخَلَ طَاقَ البَابِ فَهل يَحنَثُ؟ يَحتَمِلُ وجهَينِ، فَإنْ كانَ دَاخِلَ الدَّارِ فَحلَفَ لا يَدخُلُها فَإنْ لَم يَخرَجْ في الحَالِ حَنَثَ. أَومَأ إليهِ أحمدُ – رَحِمَهُ اللهُ –، وَعندِي أَنهُ لا يَحنَثْ، إلا أنْ يَكونَ بَينَهُ مُفَارَقَةِ أَهلِ الدَّارِ أَو يَكونَ سَبَبُ يَمينِهِ يَقتَضِي ذَلِكَ، فَإنْ حَلَفَ لا دَخَلتُ بَابَ هَذهِ الدَّارِ، فَإنْ حُوِلَ بَابُها ودَخلَهَا حَنَثَ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ بَيتَاً فَدخَلَ المسجِدَ، أوِ الحمَّامَ، أو بَيتَاً مِن شَعرٍ، أو أَدَمٍ، حَنَثَ.
فَإنْ دخَلَ دِهليزَاً أو صفةً أو طرر، لم يَحنَثْ.
وإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ فأُدِخلَ فلانٌ عَلَيهِ فأقامَ مَعهُ حَنَثَ، ويحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثْ إلا أنْ يَنوِيَ أنْ لا يجتَمِعَ مَعَهُ في بَيتٍ، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ الدَّارَ فَحُمِلَ بغَيرِ أَمرِهِ فأُدِخِلَهَا، وَكانَ يُمكِنُهُ الامتِنَاعَ فلَم يَمتَنِعْ احتَملَ وَجهَينِ، أحدُهُما يَحنَثُ والآخَرُ لا يَحنَثْ.
فَعلَى هَذا الوَجهِ إنْ أَقَامَ بَعدَ دُخولِهِ فَهَل يَحنَثُ؟ يخرَجُ عَلَى مَسألةِ إذا حَلَفَ لا يَدخُل الدَّارَ، وَهوَ فِيهَا، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ دَارَ فلانٍ، فَدخَلَ دَارَاً يَسكُنُهَا فلانٌ بِالأجرَةِ يحنَثُ، إلا أنْ يَنوِيَ مَلكَهُ، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ عَلَى فُلانٍ بَيتَاً، فَدخَلَ بيتَاً هوَ فِيهِ، وَلم يَعلمْ كَونَهُ فيهِ يُخرجُ عَلَى روايتَينِ بِنَاءً عَلَى دُخولِهِ عَلَيهِ نَاسِياً فَإنْ دَخَلَ عَلَى جَماعَةٍ هوَ فِيهِمْ ويعلَمُ بِذلِكَ حَنَثَ.
فَإنْ نَوى بِدُخولِهِ عَلَى غَيرِهِ فَهلْ يَحنَثُ؟ يَحتَمِلُ وَجهَينِ، وَمِثلُ ذَلِكَ إنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُ فُلاناً، فَسَلَّمَ عَلَى جَماعَةٍ هوَ فيهِم يخرجْ عَلَى الأحوالِ الثَلاثةِ.
فَإنْ حَلَفَ لَيدخُلَنَّ الدَّارَ فأَدخَلَ بَعضَ جَسَدِهِ لم يَبرَّ، وإنْ حَلَفَ لا يَدخُلَها فَأَدخلَ بَعضَ جَسَدِهِ، فَعلَى روايتَينِ، أحدُهُما يَحنَثُ، اختَارَهَا شَيخُنَا وَالأخرى لا يَحنَثْ وَهوَ الأقوَى عِندِي.
فَإنْ حَلَفَ لا دَخَلتُ هَذهِ الدَّارَ ثمَّ قَالَ: نَوَيتُ اليومَ دِيْنَ، وَهَلْ يُقبَلُ في الحُكمِ؟ يُخرَّجُ عَلَى رِوايتَينِ.

.فَصلٌ ثَانٍ في اللبسِ وَالركوبِ:

إذا حَلَفَ لا يَلبسُ مِنْ غَزلِها، فَلبِسَ ثَوباً فِيهِ مِنْ غَزلهِا، فَنقلَ مهنّا أَنهُ يَحنثُ، وَنقَلَ أَبو الحارِثِ أَنَّهُ لا يَحنَثْ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَلبسُ ثَوباً نَسجَهُ زَيدٌ، فَلبِسَ ثَوباً نَسجَهُ زيدٌ وَعمرٌو، فَهَلْ يَحنَثُ؟ عَلَى روَايتَينِ، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَأكُلُ طَعامَاً اشترَاهُ زَيدٌ، أو طبَخهُ زَيدٌ، فأكَلَ طَعامَاً اشتَراهُ زَيدٌ وَعَمرٌو، صَفقَةً واحِدَةً أو قدراً طَبخَاهَا مَعاً فَهلْ يَحنَثُ؟ عَلَى رِوايتَينِ، فَإنْ حَلَفَ لا يَلبسُ مِنْ غَزلهِا يَقصِدُ بذلِكَ قَطعَ المنَّةِ فَإنْ بَاعَ الغَزلَ، واشتَرى بِثَمنِهِ ثَوباً فَلبِسَهُ حَنَثَ، وكَذلِكَ إذا امتَنَّ عَلَيهِ إنسَانٌ، فَحلَفَ لا يشرَبُ لَهُ هَذا الماءَ مِن عَطَشٍ فَإنَّهُ مَتى استَعَارَ ثَوبَهُ فَلِبسَهُ أو أكَلَ لَهُ خُبزَاً أو رَكِبَ لَهُ دابةً حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَلبسُ هَذا الثَّوبَ فَعلَى أيِّ وَجهٍ لَبسَهُ حَنَثَ سَواءٌ قَطعَهُ قَمِيصَاً أو إزَارَاً أو تَعمَّمَ بهِ فَإنْ كانَ الثَّوبُ قَمِيصَاً فَجعَلَهُ سَراويلاً أو قباءً حَنَثَ، وَعلَى هَذا إذا حَلَفَ لا يُكَلِّمَ هَذا الصَبِيَّ فَصَارَ شَيخَاً أو لا أَكلَ لَحمَ هَذا الحَملِ فَصَارَ كَبشَاً أو لا أَكَلَ هَذا الرُّطَبَ فَصَارَ تَمرَاً، أو دِبسَاً، أو خَلاً، أو حَيصَاً، أو مَا تَولَّدَ مِنهُ، أو لا يَأكُلُ هَذا اللبنَ، فَعُمِلَ كَامِخَاً، أو جُبنَاً، أو مصلاً، فَإنَّهُ يَحنَثُ بِأَكِلِهِ إلا أنْ يَنوِيَ ما دَامَ عَلَى تِلكَ الصِفَةِ، وعلى هَذا إذا حَلَفَ لا كَلَّمتُ زَوجَةَ فُلانٍ هَذهِ أو غَلامَهُ أو صَدِيقَهُ هَذا ثمَ كَلَّمَ الزَّوجَةَ بَعدَ الطَّلاقِ، أو الغُلامَ بعدَ صَرفِهِ أو الصَّدِيقَ بَعدَ عَداوتِهِ حَنَثَ، إلا أنْ يَكونَ لَهُ نِيَّةٌ، فَإنْ حَلَفَ عَلَيهَا أنْ لا لَبِستِ حلياً حَنَثَ، بأيِّ حلِيٍّ لَبِسَتْ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والجَوهَرِ وَالياقُوتِ فَإنْ لَبِسَتْ دَرَاهِمَ أو دَنانِيرَ في مرسلة فَهلْ يَحنَثُ؟ يَحتَمِلُ عَلَى وجهَينِ فَإنْ لَبِسَتْ العَقِيقَ أوِ السَّبجَ لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَلبسُ ثَوبَاً وَهوَ لابِسُهُ أو لا يَركَبُ دَابَّةً وَهوَ رَاكِبُهَا، فَإنْ استَدَامَ ذَلِكَ حَنَثَ، وَإنْ حَلَفَ لا يتَزوجُ، ولا يتَوضَأُ ولا يتَطيَّبُ وَهوَ مُتَزوِجٌ مَتَطهِرٌ مُتَطيِبٌ فَاستَدامَ ذَلِكَ لم يَحنَثْ، وَإنْ حَلَفَ لا يَلبَسُ شَيئَاً فَلبِسَ دِرعَاً، أو جَوشَناً، أو خُفَّاً، أَو نَعلاً حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَلبَسُ ثَوبَ عَبدِ فُلانٍ، ولا يَركَبُ دَابتَهُ، ولا يَدخُلُ دَارَهُ فَرَكِبَ دَابةً قَد جَعلَت ترسمّه، وَلَبسَ ثَوباً قد جعل يرسمه ودَخَلَ دَارَاً أسكَنَها حَنَثَ وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَركَبُ دَابَّةَ فُلانٍ فَركِبَ دَابَّةً استَأجَرَهَا فُلانٌ حَنَثَ فَإنْ رَكِبَ دَابَّةً استعَارَهَا فلانٍ لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَركَبُ دَابةَ فُلانٍ فَرَكبَ دَابَّةَ عَبدِهِ حَنَثَ، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا دَخَلَ دَارَ فلانٍ، فَدخَلَ دَاراً لَهُ مؤجرَةً، ذَكَرهُ شَيخُنَا، فَإنْ حَلَفَ لا ركِبتُ فَركِبَ في سَفِينتِهِ حَنَثَ إلا أنْ ينوِيَ.

.فَصلٌ ثَالِثٌ في الأَكْلِ وَالشُّربِ والشَمِّ:

إذا حَلَفَ لا يأكُلُ اللَحمَ، فَأَكلَ الشَّحمَ، أو المخَّ، أو الدَّماغَ أو الأليةَ، أو الكَبدَ، أو الطحالَ، أو القَلبَ، أو القَانصَةَ، أو الكرشَ، أو المصرانَ لم يَحنَثْ، فَإنْ أَكلَ لَحمَ السَّمَكِ أو الرَأسِ حَنَثَ، وَقَالَ ابنُ أبي مُوسَى في الإرشَادِ لا يَحنَثْ إلا أنْ يَكونَ نَواهُ باليَمينِ، فَإنْ أَكلَ مَرقَ اللحمِ، فقَالَ في رِوايَةِ صَالِحٍ لا يُعجِبُنِي، لأَنَّ طَعمَ اللحمِ قَد يُوجَدُ في المَرقِ وَهَذا عَلَى طَريقِ الورَعِ، وَالأَقوى أَنه لا يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الشَّحمَ فَأَكَلَ اللحمَ الأَحمَرَ وَحدَهُ لم يَحنَثْ، وَقالُ الخِرَقِيِّ يَحنَثُ.
وإنْ أكَلَ شَحمَ الظَّهرِ حَنَثَ فإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الرُؤوسَ، فَإنَّهُ يَحنَثُ بِأَكلِ رؤوسِ الأنعَامِ، وَالطيَّورِ والحيتَانِ، ذَكَرَهُ شَيخُنَا، وكَذلِكَ يخرجُ عَلَى قَولِهِ إذا حَلَفَ لا يأكُلُ بَيضَاً، تَناوَلَ بَيضَ السَّمَكِ، وَالجرَادِ، والطُّيورِ، وَعندِي لا يَحنَثْ، إلا بِأَكلِ رأسٍ جَرَتِ العَادَةُ أنْ يبَاعَ لِلأَكلِ مَنفَرِدَاً أو لا يدخُلُ فيه رُؤوسُ الطُيُورِ، وكَذلِكَ لا يَدخُلُ في البَيضِ بَيضَ مَا لا يُزايلُ بيَاضُهُ حَالَ الحَياةِ كبَيضِ السَّمَكِ وَالجَرادِ فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الزبدَ أو السَّمنَ فَأَكلَ اللبنَ لم يَحنَثْ وكَذلِكَ إن حَلَفَ لا يَأكُلُ لَبنَاً، فَأكَلَ زبدَاً، أو سَمنَاً أو مَصلاً، أو كشكاً، لم يَحنَثْ، نَصَّ عَلَيهِ.
وَكَذلِكَ إنْ أكَلَ جُبنَاً فَإنْ أكَلَ شِيرَازَاً حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ سَويقَاً فَشَرِبَهُ، أو لا يَشَربُهُ فَأكلَهُ فَقَالَ الخِرَقِيِّ يَحنَثُ وعلى ظَاهِرِ كَلامِهِ في رِوَايَةِ مُهنّا، فِيمَنْ حَلَفَ لا يَشرَبَ هَذا النَّبيذَ فثَرَدَ فِيهِ، وَأَكَلَهُ لا يَحنَثْ، وَعلَى هَذهِ الرِوَايَةِ، إذا حَلَفَ لا يَشرَبُ هَذا السَّوِيقَ وَأَكلَهُ لا يَحنَثْ وَعَليهَا يُخرَّجُ إذا حَلَفَ لا يَأكلُ هَذا الرُّطَبَ فَعُمِلَ دِبسَاً، أو خَلاً لم يَحنَثْ، وكَذلِكَ سَائرُ مَسَائلِ التَّعيينِ إذا تَغيَرَتِ الصِّفَاتُ، وَالمذهَبُ هُوَ الأَولُ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الدِّبسَ فَذَاقَهُ ولَمْ يَبلَعْهُ لم يَحنَثْ.
فَإنْ حَلَفَ لا ذَاقَهُ فأكَلَهُ حَنَثَ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَأكلُ سَمنَاً فأكَلَهُ بِالخُبزِ حَنَثَ، فَإنْ عَمِلَ بالسَّمنِ خَبِيصَاً، فَصَارَ مُستَهلَكَاً فِيهِ، فَأكَلَ مِنهُ يَحنَثُ، فَإنْ ظَهَرَ فِيهُ طعمُ السَّمنِ حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكلُ هَذهِ التَمْرَةَ فَاختَلطَتْ في التَّمرِ فَأَكلَهُ إلا وَاحِدةً لم يَحنَثْ.
وَالورَعُ أنْ لا يَقرَبَ زوجته حتَّى يَعلَمَ هَل أَكَلَ التَّمرَةَ أمْ لا؟ إن كَانَ يَمينُهُ بِالطَّلاقِ، فَإنْ حَلَفَ لا يأكلُ رُطَباً، فَأكلَ مذنباً حَنَثَ.
وإنْ أكَلَ تَمراً، أو بُسرَاً لم يَحنَثْ، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَأكلُ تَمرَاً فَأَكَلَ دبسَاً أو لا يأكُلُ دِبسَاً فَأكَلَ نَاطِفَاً، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ شَعِيرَاً فَأكَلَ حِنطَةً فِيهَا حَبَّاُت شَعيرٍ حَنَثَ، وتخرجَ أَنْ لا يَحنَثْ عَلَى مَسألَةِ السَّمنِ في الخَبيصِ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الفَاكِهَةَ فَأكَلَ الرُّطَبِ، والعِنَبَ، والرمَّانَ، وَالبطِّيخَ، واللوزَ حَنَثَ، كَمَا إذا أكَلَ التِّينَ والخَوخَ والأجَّاصَ، والكمثرَى وَالسَفرجَلَ، وَالعنابَ، فَإنْ أكلَ الخِيارَ والقثاء لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ أدَمَاً فأكَلَ الشَوِيَّ والبَيضَ والجُبنَ، والملحَ، والزَّيتونَ حَنَثَ.
كَمَا إذا أكَلَ مَا يَصطَنِعُ بهِ مِنَ الخَلِّ، وَاللبنِ، والمرَقِ، وَإنْ أَكَلَ التَّمرَ احتَمَلَ وَجهَينِ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الخَلَّ فشَرِبُهُ أو لا يشرَبُهُ فَأَكَلَهُ بِالخُبزِ لم يَحنَثْ، عَلَى روايَةِ مُهنّا وَعَلَى قَولِ الخِرَقِيِّ يَحنَثُ، وكَذلِكَ يخرجُ في كُلِّ ما حَلَفَ لا يَأكُلُه فَشَرِبَهُ، أو يَشرَبُهُ فَأكَلَهُ وإنْ حَلَفَ لا يَطعَمُهُ حَنَثَ، بالأَكلِ والشُّربِ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ السكَّرَ فتَركَهُ في فِيهِ حَتى ذَابَ خرجَ عَلَى الرِوايتَينِ، وإنْ مَضَغَهُ، وبَلَعَهُ حَنَثَ، روايةٌ واحدةٌ، فَإنْ حَلَفَ لا يَشرَبُ مِنْ دِجلَةَ فَغَرفَ بِإنَاءٍ وشَرِبَ حَنَثَ.
كمَا لو حَلَفَ لا يَشرَبُ مِنَ البئرِ، فَاستَقَا وشَرِبَ، أو لا يَشرَبُ مِنَ الشَّاةِ فَحلَبَ، وَشَرِبَ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَشرَبُ مَاءَ هَذا النَّهرِ فَشَرِبَ مِنهُ جرعةً حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لَيشرَبَنَّ هَذا الماءَ في غَدٍ فَتلفَ قَبلَ الغَدِ حَنَثَ، عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ الخِرَقِيِّ.
وَيخرجُ أنْ لا يَحنَثْ إذا تَلفَ بِغَيرِ اختيارِهِ، لأنَّهُ كَالمكرَهِ، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لَيضرِبَنَّ عَبدَهُ في غَدٍ فَماتَ العَبدُ قَبلَهُ فَإنْ حَلَفَ لَيشربَنَّ الماءَ الذي في الكُوزِ ولا مَاءَ فيهِ أو لَيأكُلَنَّ الخبزَ الذي في السَّلَّةِ ولا خُبزَ فِيها؛ تَنعَقِدُ بِيمينِهِ وكَذلِكَ إنْ حَلَفَ لَيقتُلَنَّ فلانَاً وَهوَ مَيِّتٌ وقَالَ شَيخُنَا: إنْ عُلِمَ بِموتِهِ حَنَثَ.
وَإنْ حَلَفَ لا يَشرَبُ مَاءَ هَذَا الكُوزِ فَشَرِبَ بَعضَهُ حَنَثَ عَلَى إحدَى الرِوايتَينِ ولم يَحنَثْ عَلَى الأخرَى، وَهوَ الأَقوى عِندِي وَإنْ حَلَفَ لَيشرَبنَّ ماءَ هَذَا الكُوزِ لم يَبرَّ حتى يَشرَبَ جَميعَهُ روايةٌ واحدةٌ فَإنْ حَلَفَ لا يَشُمُّ البنَفسَجَ فَشَمَّ دهنَهُ حَنَثَ، وَكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَشُمُّ الوَردَ فَشمَّ مَاءَ الوَردِ فَإنْ حَلَفَ لا يَشُمُّ الرَّيحَانَ فَشَمَّ الوَردَ والبنفسَجَ والياسمَينَ فَإنَّهُ يَحنَثُ، كَمَا لَو شَمَّ الرَّيحانُ الفَارِسيَّ ويَحتمِلُ أنْ لا يَحنَثْ، فَإنْ شَمَّ الفاكِهَةَ لم يَحنَثْ وَجهَاً وَاحِدَاً وَكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَشُمُّ الطِّيبَ فَشَمَّها.

.فَصلٌ رابِعٌ في البَيعِ والهبَةِ وَقَضَاءِ الحقُوقِ:

إذا حَلَفَ لا يَبيعُ شَيئَاً فَباعَ بَيعَاً فَاسِدَاً لم يَحنَثْ، ذَكَرهُ الخِرَقِيِّ، وَيحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثَ؛ لأَنهُ يقَعُ عَلَيهِ اسْمُ البَيعِ، فَإنْ بَاعَهُ بِشَرطِ الخِيارِ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا بَاعَ ثَوبَهُ مِنْ فُلانٍ بمئةٍ فَباعَهُ بِأقَّلَ حَنَثَ نَصَّ عَلَيهِ.
فَإنْ بَاعَهُ بِهذا الثَّمنِ فَباعَهُ بزِيادةٍ لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَهبُ لِفلانٍ أو لا يوصِي لَهُ أو لا يَهدِي لَهُ أو لا يَتَصرَّفُ عَلَيهِ ثم فَعلَ ذَلِكَ ولم يَقبَلِ المَحلُوفُ عَلَيهِ حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَهَبُ لَهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيهِ فَقَالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ وعِندِي لا يَحنَثُ وَهوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحمدَ رَحِمهُ اللهُ في رِوَايةِ حَنبَلٍ فِيمَنْ تَصدَّقَ عَلَى وَلدِهِ لا يَرجِعُ في شَيءٍ مِنَ الصَّدَقَةِ وَعِندَهُ أنَّ الألف تَرجِعُ في الهِبَةِ.
فَإنْ وصَّى لَهُ لم يَحنَثْ فَإنْ وقف عَلَيهِ حَنَثَ، وكَذلِكَ أن باعه بالمحاباة حَنَثَ، ويحتمل أن لا يَحنَثَ فَإنْ أَعارَهُ حَنَثَ، وقَالَ شَيخُنَا: لا يَحنَثُ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَتَصدَّقُ عَلَيهِ فَوهَبَ لَهُ لم يَحنَثْ فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ مما اشتَراهُ زَيدٌ فَأَكَلَ مِمَا اشتَراهُ زيدٌ وَعَمرٌو حَنَثَ وَيَحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثَ وَإنْ اشتَرى زَيدٌ شَيئاً وخلَطَهُ بما اشتَراهُ عَمرٌو أَكلَ مِنهُ فَإنْ كَانَ أكثرَ مِنْ مِقدَارِ ما اشترَاهُ زَيدٌ حَنَثَ وأنْ أكَلَ مِثلَهُ أو دونَهُ يحتَمِلُ وَجهَينِ فَإنْ استَردَّ مَـأكولاً كَانَ قَد بَاعَهُ بِالمقَابلةِ فَأكَلَ مِنهُ فَهلْ يَحنَثُ؟ عَلَى وَجهَينِ. بناءً عَلَى المقابَلَةِ هل هِيَ بَيعٌ أو فَسخٌ؟ فَإنْ اشتَرى شَيئاً سَلَماً أو أَخَذَهُ عَلَى وَجهِ الصُّلحِ حَنَثَ فَإنْ وَكَّلَ زَيدٌ مَنِ اشتَرى لَهُ ثمَّ أكَلَ مِنهُ المحلوفُ حَنَثَ، وَكَذلِكَ إنْ حَلَفَ لا يَبيعُ فَوكَّلَ بِبيعٍ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا يَبيِعُ الخَمرَ ثم باعَهَا فَهلْ يَحنَثُ؟ عَلَى وَجهَينِ فَإنْ حَلَفَ لا يتَزوجُ فَتزوَجَ بِلا وَليٍ ولا شُهودٍ أو تَزوجَ أُختَ امرأَتِهِ في عِدَّتِهَا فَهَل يَحنَثُ؟ عَلَى وَجهَينِ وإنْ حَلَفَ لا مَالَ لَهُ ولَهُ مَالٌ غَيرُ زَكاتِي أو دُيونٌ عَلَى النَّاسِ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لَيقضِينَّهُ حَقَّهُ فَقضَاهُ لِلوَرثَةِ لم يَحنَثْ، وقَالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ.
فَإنْ أبرأَهُ صَاحِبُ الحقِّ يخرجُ عَلَى وَجهَينِ، بِنَاءً عَلَيهِ إذا أُكرِهَ ومُنِعَ مِنَ القَضَاءِ في الغَدِ هَلْ يَحنَثُ؟ عَلَى رِوايتَينِ فَإنْ بَاعَهُ بمالِهِ عِندَهُ عروضَاً قبلَ أنْ يخرجَ الغَدُ وَقبضَهُ وخَرجَ الغَدِ لم يَحنَثْ، اختَارهُ ابنُ حَامِدٍ، وَقالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ مَعَ كَونهِ قَدْ قَضَاهُ دينَهُ فَإنْ حَلَفَ لَيقضِينَّهُ حَقَّهُ عِندَ رَأسِ الهِلالِ فقَضَاهُ عِندَ غُروبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَومٍ مِنَ الشَّهرِ لم يَحنَثْ وإنْ قَضَاهُ بعدَ ذَلِكَ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا فَارقْتُكَ حَتَّى أَستَوفِيَ حَقِّي مِنكَ فَفَرَّ مَنْ عَلَيهِ الحقُّ مِنهُ فَقالَ أَحمدُ رَحِمَهُ اللهُ في رِوايةِ محمدِ بنِ شَاكرٍ يَحنثُ وَقالَ الخِرَقِيِّ: لا يَحنَثُ.
فَإنْ فلَّسَهُ الحاكِمْ وحَكَمَ عَلَيهِ بِفِراقِهِ فَهلْ يَحنَثُ أَمْ لا؟ يتَخرَّجُ عَلَى رِوايتَينِ فَإنْ أعطَاهُ حَقَّهُ في الظَّاهِرِ فَفارقَهُ فَخَرجَ الذي أعطَاهُ فلوسَاً أو ردَّيةً فهَلْ يحنَثُ؟ يخرجُ عَلَى رِوايتَينِ. في النَّاسِي والجَاهِلِ فَإنْ أَحَالَهُ أحالهُ بالحقِّ فَقبِلَ الحَوالةَ وانصَرفَ حَنَثَ فَإنْ فَعلَ ذَلِكَ ظنَّاً مِنهُ أنهُ قَد بَرَّ فَهلْ يَحنَثُ أم لا؟ يخرجُ عَلَى رِوايتَينِ.
فان حَلَفَ لا افتَرَقْنَا حَتَّى استَوفيَ مِنكَ حَقِّي فَفرَّ مَنْ عَلَيهِ الحقُّ حَنَثَ، وَمِقدَارُ مَا يَقَعُ عَلَيهِ بهِ الفِراقُ مَا عَدَّهُ النَّاسُ فِرَاقاً، مِثلَ أنْ يَكونا في دَارٍ فَيخرُجَ المفَارِقُ عَنهَا أو في قَضَاءٍ فيُفَارِقَهُ عَنِ المكَانِ بمقدارِ فِرَاقِ المتتابعين.

.فَصلٌ خَامِسٌ في الكَلامِ المعلَّقِ بِمُدَةٍ مَجهولَةٍ:

إذا حَلَفَ لا يَتَكلَمُ فَقَرَأَ لم يَحنَثْ فَإنْ حَلَفَ لا يُكَلِمُهُ فَدَقَّ عَلَيهِ البَابَ فَقَالَ: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} يَقصِدُ تَنبيهَهُ بِالقُرآنِ لم يَحنَثْ وَإلا حَنَثَ.
فَإنْ حَلَفَ لا يُكلمُهُ حِينَاً فَإنْ لم تَكُنْ لَهُ نِيةٌ ( فَهوَ إلى سِتَّةِ أَشهُرٍ ) نَصَّ عَلَيهِ، قَالَ شَيخُنَا: وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يُكَلِّمُهُ زَمَاناً أو لا يُكَلمُهُ عُمْرَاً أو لا يُكَلِّمُهُ دَهرَاً وكَذلِكَ الحِينُ وَالزَّمَانُ.
فأمَّا إنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُهُ الدَّهرَ فَهوَ عَلَى الأَبَدِ. قَالَ: وإذا حَلَفَ لا يُكَلمُهُ مَليَّاً أو طَويِلاً وعِندِي أنَّ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ تَوقِيتٍ مِنْ ذَلِكَ رَجعَ إليهِ كَالحِينِ. نُقِلَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ( أَنهُ سِتةُ أشهرٍ )، فَأمَّا غَيرُ ذَلِكَ مِنَ الأَلفَاظِ فَإنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ نِيَّةٌ، وَإلا حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيهِ الاسْمُ مِنَ العُمرِ والدَّهرِ والزَّمَانِ، وكَذلِكَ في قَولِهِ: لا كَلَّمتُكَ بَعيدَاً أو مَلِيَّاً أَو طَوِيلاً فَأمَّا الحقبُ فَقِيلَ في التَّفسِيرِ عَلَى أَنهُ ثَمانونَ سَنَةً.
فَإنْ حَلَفَ لا يُكلِّمُهُ شُهوراً. فَقالَ شَيخُنَا: يُحمَلُ عَلَى اثني عَشَرَ شَهراً، وَعِندِي أَنهُ يُحمَلُ عَلَى ثَلاثَةِ أَشهُرٍ وَكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يُكَلِّمَهُ أَياماً يُحمَلُ عَلَى ثَلاثةِ أيَّامٍ. وَإنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمَهُ إلى حِينِ الحصَادِ أو إلى حِينِ الجَذاذِ. فَهلْ يَدخُلُ فيهِ جَميعُ زَمَانِ الحصَادِ والجَرادِ، أَو يَكونُ ابتِداءُ زَمانِ ذَلِكَ مُنتَهى يَمينِهِ؟ عَلَى رِوايتَينِ.
فَإنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُ إنسَاناً حَنَثَ بِكلامِ كُلِّ مَنْ يُسمَى إنسَاناً مِنْ ذَكَرٍ أَو أنثَى وَصَغيرٍ وَكَبيرٍ وَعَاقلٍ وَمَجنونٍ، فَإنْ زَجرَ إِنساناً فَقَالَ: تَنَحَّ أو اسكُتْ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا صَلَّى فَكَبَّرَ فَقالَ شَيخُنَا: يَحنُثُ وَعندِي لا يَحنَثْ حَتَّى يأتيَ برَكعَةٍ بَسَجدَتِها كَما لو حَلَفَ لا يَصُومُ فَإنَّهُ لا يَحنَثْ حَتى يَصُومَ يومَاً فَإنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُ إنسَاناً حَتَّى يَبدَأَهُ ذَلِكَ الإنسَانُ بِالكَلامِ فَتكَلَّمَا معَاً حَنَثَ.

.فَصْلٌ سَادِسٌ في الضَّربِ وَغَيرِهِ:

إذا حَلَفَ لا يَضرِبُها، فَعضَّهَا أو خَنقَهَا أو نَتَفَ شَعرَهَا حَنَثَ ويَحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثْ بِذَلِكَ إلا أَنْ يَنوِيَ أَنْ لا يُؤلِمهَا أَومَأَ إليهِ في رِوايَةِ مُهنّأ فَإنْ حَلَفَ أنْ يَضرِبَهُ مِئةَ سَوطٍ مُجمَعَةً وضَرَبهُ بها مَرَّةً وَاحِدَةً لم يَترُكْهَا لَو حَلَفَ أنْ يَضرِبَهُ مِئةَ سَوطٍ أَو ضَرَبهُ فَإنْ حَلَفَ لَيتزَوَجَنَّ عَلَى امرَأَتِهِ لم يَبرَّ حَتَّى يَتَزوجَ نَظيرَتَها أو يَدخُلَ بهَا وَيحتَمِلُ أَنهُ يَأتِي امرَأةً تزوج نكاحَاً صَحِيحَاً لم يَحنَثْ كَمَا لو حَلَفَ لا يأكُلُ رَأسَاً.
فَإنْ حَلَفَ لا يتَزَوَجُ فَوكلَ في التَّزويجِ حَنَثَ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَشتَرِي فَوطِئَ أَمتَهُ حَنَثَ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَستَخدِمُ إنسَانَاً سَمَّاهُ فَخدَمهُ وَهوَ سَاكِتٌ لَم يَنهَهُ فَقالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ وَيحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثَ.

.بَابُ الشَكِّ في الطَّلاقِ:

وَإذا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أمْ لا؟ لَم يقعْ بهِ الطَّلاقُ.
فَإنْ شَكَّ في عَدَدِ الطَّلاقِ بَنَى علَى اليقِينِ.
فَإنْ طَارَ طَائِرٌ فَقَالَ: إنْ كانَ غُراباً فَعَمرَةُ طَالِقٌ وإنْ كَانَ حَمامَاً فَزَينَبُ طَالِقٌ وَلَمْ يَعلَمْ مَا هوَ، لمَ تَطلَقْ وَاحِدَةٌ مِنهُما.
فَإنْ قَالَ: فَإنْ كَانَ غُرابَاً فَنِسَاؤهُ طَوالِقُ، وإنْ لم يَكُنْ غُرابَاً فَعَبيدُهُ أَحرَارٌ، وَلَم يَعلَمْ مَا كَانَ. أقرعَ بينَ النِّسَاءِ وَالعَبِيدِ، فَإنْ خَرجَتْ قُرعَةُ الطَّلاقِ طَلَقَ النِّسَاءُ، وإنْ خَرجَتْ قُرعَةُ العِتقِ عَتقَ العَبيدُ، وعَلَيهِ نَفقَةُ الجَمِيعِ إلى حِينِ خُروجِ القُرعَةِ.
فَإنْ رَأى رَجلانِ شَيخَاً مُقبِلاً فقَالَ أَحدُهُما: إنْ كَانَ هَذا زَيداً فَعبدِي حُرٌّ وقالَ الآخَرُ: إنْ لم يَكنْ زيداً فعَبدِي حُرٌّ وَغَابَ الرَّجُلُ فلَمْ يَعلَمَا مَنْ كَانَ.لَم يَتَعينِ الحنثُ في حَقِّ أَحدِهمَا فَإنِ اشتَرى أحدُهُما عَبدَ الآخَرِ عُتِقَ عَلَيهِ أَحَدُ العَبدَينِ فَأيُّهما يُعتَقُ؟ قَالَ شَيخُنَا: يُعتَقُ الذي اشتَراهُ. وَعندِي أَنهُ يقَرعُ بَينَ العبدَينِ مِمَّنْ خَرجَتْ قُرعتُهُ مِنَ العَبدَينِ عُتِقَ.
فَإنْ طلَّقَ أحدَ زَوجتَيهِ وأنسيها أَو قالَ: إحدَى زَوجَتيَّ طَالِقٌ أَقرعَ بَينَ الزَّوجتَينِ فَمنْ وقَعَ عَلَيهِا القُرعَةُ فَهِيَ المطَلَّقةُ.
فَإنْ ذَكرَ بَعدَ أنْ قَرعَ أنَّ المُطَلَّقةَ غَيرُ التي وَقَعَ عَليهَا القُرعَةُ. فَقالَ أَبو بكرٍ وَابنُ حَامِدٍ: تَطلَقُ الزَّوجَتَانِ. وَظَاهِرُ كَلامِ أَحمدَ رَحِمهُ اللهُ أنَّ التي وَقَعَتْ عَلَيهَا القُرعَةُ تَرجِعُ إلَيهِ إلا أنْ يَكونَ قَالَ: تَزَوجَتْ أو تَكونَ القُرعَةُ بحُكمِ حَاكِمٍ، فَإنَّهُ لا يَنقُضُ ذَلِكَ.
فَإنْ مَاتَ قَبلَ أَنْ يُقرِعَ أَقرَعَ الورَثةُ بَينَهُمَا فَمَنْ وَقعَتْ عَلَيهَا القُرعَةُ حُرمَتِ الميرَاثَ، وَكَذلِكَ إنْ مَاتَتِ الزَّوجتَانِ أو إحدَاهُما أقرعَ بينَهمَا فَإنْ وَقَعَتِ القُرعَةُ عَلَى الميتةِ حَرمنَاهُ مِيرَاثَهَا وَهَذا إذا كَانَ الطَّلاقُ بَائِناً فَإنْ قَالَ لِزَوجَتهِ وَأَجنَبيّةٍ: إحداكُما طَالِقٌ ثمَ قَالَ: أَرَدتُ الأَجنَبِيَةَ اسمها سَلمَى دِيْنَ وَهَلْ يُقبَلُ في الحُكمِ؟ يخرَجُ عَلَى روايتَينِ فَإنْ قَالَ: يَا سَلمَى، فأَجَابْتهُ زَوجَةٌ لَهُ أخرى تُسمَّى زينبَ فَقالَ: أَنتِ طَالِقٌ وَقالَ: ظَنَنتُها سَلمَى طَلقَتِ الزَّوجتَانِ في إحدى الرِّوايتَينِ وفي الأخرى تَطلَقُ سَلمَى وهيَ اختِيارُ ابنِ حَامِدٍ فَإنْ أشَارَ إلى سَلمَى وَقَالَ يَا زَينَبُ أَنتِ طَالِقٌ ثمَّ قَالَ: عَلِمْتُ أنَّ المشَارَ إليهَا سَلمَى، وَأَردتُ طَلاقَ زينبَ طَلَقَتَا رِوايَةٌ واحِدَةٌ فَإنْ لَقِيَ أجنَبيَةً فَقَالَ: أَنتِ طَالِقٌ ثمَ قَالَ: ظَنَنتُها زَوجَتي طلقَتْ زَوجتُهُ.
فَإنْ كَانَ لَهُ أَربَعُ نِسوَةٍ فقَالَ: زَوجَتي طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلاقُ بالأَربَعِ وَكَذلِكَ إذا قَالَ: أَمَتي حُرَّةٌ ولَهُ إمَاءٌ.

.بَابُ الطَّلاقِ في المرَضِ:

إذا طَلَّقَ الرَجُلُ زَوجَتهُ ثَلاثاً في الصّحَةِ لم يَتَوارَثا بِحالٍ. وإنْ كَانَ ذَلِكَ في مَرَضِ مَوتهِ وَرِثَتهُ ما دَامَتْ في العِدَّةِ روَايَةٌ واحِدَةٌ ولمْ يَرِثْها.
فَإنْ مَاتَ بَعدَ انقضَاءِ العِدَّةِ فَهَلْ تَرِثُهُ أَم لا؟ عَلَى رِوايتَينِ: أحدُهُما: أنها تَرِثُهُ مَا لَم تَتَزوجْ، وَالثَانيةُ: لا تَرِثُهُ.
فَإنْ طَلقَها طَلقةً رَجْعيةً وَهوَ صَحيحٌ فَماتَ أحَدُهُما في العِدَّةِ وَرِثَهُ اْلآخرُ، وَإنْ مَاتَ أَحدُهُما بَعْدَ اْنقَضاءِ العِدَّةِ لم يَرِثهُ اْلآخرُ.
فَإنْ كانَتْ الطَلقةُ في المَرضِ تَوارثا مَا دَامتْ في العِدَّةِ. فإِن مَاتَتْ بَعدَ اْنقَضاءِ العدةِ لَمْ يَرثْها، وإِنْ ماتَ الزوجُ وَرِثَتُه مَا لمْ تَتَزوجْ، فإِنْ كَانَ الطَّلاقُ في المَرضِ ثُم صَحَّ ثم مَرِضَ ومَاتَ كَانَ حُكمَهُ حُكمَ الطَلاقِ في الصِحَةِ وَقَدْ بَينا ذَلِكَ فَإنْ طَلَّقَ اْمرأَتَهُ الذِمَية أو الأَمَةُ ثَلاثاً في مَرضِهِ ثُمَّ أَسلَمَتِ الذِميةُ أو أُعتقَتِ الأَمَةُ قَبلَ أَنْ يَموتَ ثُمَّ مَاتَ، وَهُما في العِدَّةِ لمْ يَرِثاهُ. وإنْ كانَ طَلاقُهُ رَجعِياً وَرِثتاهُ ما دَامَتا في العدةِ في رُوايةٍ وَما لم يتَزوجا في الأُخرى، فإِنْ قَالَ لَها وَهوَ مَريضٌ: إِذا أُعتِقتِ فَأَنتِ طَالِقٌ ثلاثاً، فأَعتِقَتْ وَهوَ مريضٌ ثمُ ماتَ، ورِثَتْهُ ما لمْ تَتزوجْ في روايةٍ وَما لم تَنقَضِ العِدَّةُ في الأُخرى، فَإنْ قَالَ لَها سَيدُها: أَنتِ حُرَّةٌ في غَدٍ. وَقَال الزَوجُ: أَنتِ طَالِقٌ ثَلاثَاً بَعدَ غَدٍ، فإنْ كانَ يَعلمُ بِعتقِ السَيِدِ وَرِثَتهُ. وإِن لمْ يَعلَمْ بِعتقِهِ لَمْ تَرثهُ. فإِن سأَلتهُ الطَّلاقَ وَهوَ مريضٌ فَطَلَّقها ثَلاثاً فَهلْ تَرِثُ أَم لا؟ عَلَى روايتَينِ. وَكَذلِكَ إِنْ علَّقَ طَلاقَها عَلَى فِعلٍ لها مِنهُ بدٌّ مِثلُ دُخولِ الدارِ، وَكَلامِ أُختِهَا، وَالخرُوجِ فَفَعلتهُ فَهَل تَرثهُ أَم لا؟ عَلَى رِوايتَينِ فَإنْ عَلقَ طلاَقها عَلَى مَا لابدَّ لها مِن فِعلهِ مثلُ الصَّلاةِ والصِّيامِ ونحوِ ذَلِكَ فَفَعلتهُ وَرِثَتهُ روايةٌ واحدةٌ.
فَإنْ عَلَقَ الطلاقَ الثلاثَ عَلَى فِعلٍ منْ جهتهِ مثلُ أَن يَقولَ: إِنْ لم أَضربْ غُلامي، إِنْ لمْ أَدخُلِ الدَّارَ فأَنتِ طَالِقٌ ثَلاثاً، ثمَّ مَاتَ قَبلَ أّنْ يَفعلَ ذَلِكَ ورثَتهُ. وإِنْ مَاتَتْ هيَ قَبلَ ذَلِكَ لَمْ يَرِثْها. وإنْ مَاتَ الغُلامُ وَهوَ مَريضٌ طَلَقتْ وهَلْ تَرثهُ يخرجُ عَلَى الرِوايتَينِ.
فَإنْ قَالَ لها في الصِّحَةِ: أَنتِ طَالقٌ ثَلاثاً إنْ لم أَتزَوجْ عَلَيكِ فَماتَ قَبلَ أَن يَتزوجَ وَرِثتهُ، فَإنْ مَاتَتْ هِيَ لمْ يرِثْها نَصَّ عَلَى ذلكَ فَإنْ قَذَفَها في الصِحةِ وَلاعنَها في المرضِ وفُرِقَ بَينَها ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ تَرِثهُ؟ يُخرجُ عَلَى رِوايتَينِ.
فَإنْ قَالَ لَها إِذا جَاءَ رأسُ الشَهرِ، فَأَنتِ طَالقٌ ثَلاثاً، فَجاءَ رأسُ الشَّهرِ وَهوَ مَريضٌ ثمَّ مَاتَ. فَهلْ تَرِثُهُ؟ يخرج عَلَى رِوايتَينِ فَإنْ استَكرهَ رَجلٌ امرَأةَ أَبِيهِ فَوطأَهَا في مَرَضِ الأَبِ بانَتْ مِنَ الأَبِ ولمْ يَسقُطْ مِيراثُها إِذا مَاتَ الأَبُ فَإنْ طاوَعَتهُ فَهلْ تَرِثُ؟ يخرجُ عَلَى رِوايتَينِ. وَلَو أَنَّ امرَأَةً مَريضَةً قَبَّلتِ اْبنَ زَوجِهَا بِشَهوةٍ، أَو اْستَدخَلتْ ذَكَرهُ بانتْ مِنهُ وإِنْ مَاتَتْ ورِثهَا الزَّوجُ سَواءٌ كانَتْ في العدَّةِ أو لَم تَكنْ.
فَإنْ كانَ لَهُ أَربعُ نِسوةٍ فَطَلَّقَ إحداهُنَّ ثَلاثَاً في صِحتِه، وَتَزوجَ بِخامسَةٍ ومَاتَ ولم يَدرِ أيتَهِنَّ طَلقَ فَلِلخَامسَة رُبعُ مِيرَاثِ النِّسوةِ ويقرعُ بَينَ الأَربَعِ الأُوَلِ فَتخرُجُ المُطلقَةُ ويَكونُ الباقِي للثَّلاثِ.
فَإنْ طَلَّقَ إحداهُنَّ في المرَضِ؛ وَتَزوجَ الخامِسَةَ بَعدَ انقِضَاءِ العِدَّةِ المطلقة احتَمَلَ أَنْ يكونَ ميرَاثُ النِّسوَةِ بينَهنَّ أَخماسَاً واحتَمَلَ أَنْ لا تَرِثَ الخامِسَةُ مَعهُنَّ وعَلَى هَذا إذا كَانَ لَهُ أَربعُ زوجَاتٍ فَطلَّقهُنَّ في المرَضِ ثَلاثَاً واْنقضَتْ عِدَّتُهنَّ وتَزوجَ بأربعٍ ثمَّ مَاتَ، فَالمِيرَاثُ لِلمُطلَّقاتِ في أَحَدِ الوَجهَينِ وفي الوَجهِ الآخَرِ الميرَاثُ بَينَ الثَّمَانِ.