فصل: فَصْلٌ: في الشهود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه



.بَابُ الكِتَابَةِ:

الكِتَابَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَعَنْهُ: أنَّهَا وَاجِبَةٌ إِذَا دَعَا العَبْدُ الصَّدُوقُ المُكْتَسِبُ إِلَيْهَا سَيِّدَهُ أَجْبَرَهُ الحَاكِمُ عَلَيْهَا، ولاَ تَصِحُّ إِلاَّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، فَإِنْ كَاتَبَ المُمَيِّزُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ صَحَّ ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ تَصِحَّ، وهَلْ يُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لاَ كَسْبَ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وإِذَا كَاتَبَ الإِنْسَانُ عَبْدَهُ الصَّبِيَّ المُمَيِّزَ المُكْتَسِبَ صَحَّ، ولاَ تَجُوزُ الكِتَابَةُ إِلاَّ عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ في الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ لَمْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، ويَصِحُّ عَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا ونَدْفَعُ إِلَيْهِ عَبْداً وَسَطاً، ولاَ يَجُوزُ إِلاَّ عَلَى عِوَضٍ مُنَجَّمٍ نَجْمَيْنِ فَصَاعِداً يَعْلَمُ قَدْرَ مَا يُؤَدِّي كُلُّ نَجْمٍ، وَقِيْلَ: يَصِحُّ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ، ويَصِحُّ أَنْ نُكَاتِبَهُ عَلَى مَالٍ وخِدْمَةٍ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ تَقْدِيْمَ الخِدْمَةِ عَلَى المَالِ أو تَأْخِيْرَهَا، وتُعْتَبَرُ الكِتَابَةُ في الصِّحَّةِ مِنْ رَأْسِ المَالِ، وفي المَرَضِ مِنَ الثُّلُثِ، وتَنْعَقِدُ الكِتَابَةُ بِقَوْلِهِ: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا، وإِنْ لَمْ يَقُلْ فَإِذَا أَتَيْتَ إِلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ في التَّدْبِيْرِ، ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَصِحَّ حَتَّى يَقَوْلِ ذَلِكَ أو يَنْوِيَهُ والمكاتبة تجمع مُعَاوَضَةً وصِفَةً عَلَى ضَرْبَيْنِ:
صَحِيْحَةٌ وفَاسِدَةٌ، فَالصَّحِيْحَةُ يَغْلُبُ فِيْهَا حُكْمُ المُعَاوضَةِ في أَحْكَامٍ تُحَالُ فِيْهَا الفَاسِدَةُ ويَغْلِبِ فِيْهَا حُكْمُ الصِّفَةِ مِنْ ذَلِكَ أنَّهُ في الصَّحِيْحَةِ يُعْتَقُ بالإِبْرَاءِ مِنْ مَالِ الكِتَابَةِ، وإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَنْفَسِخِ الكِتَابَةُ بَلْ إِذَا أَدَّى إِلَى وَارِثِهِ عُتِقَ ومَا يَكْسِبُهُ قَبْلَ الأَدَاءِ لاَ يُمَلِّكُهُ السَّيِّدُ التَّصَرُّفَ فِيْهِ ومَا يَفْضُلُ في يَدِهِ بَعْدَ الأَدَاءِ يَكُوْنُ لَهُ دُوْنَ سَيِّدِهِ.
وإذا جُنَّ السَّيِّدُ أَو حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ لَمْ تَبْطُلِ الكِتَابَةُ ويَقَعُ العَقْدُ لاَزِماً، لاَ يَلْزَمُ السَّيِّدُ فَسْخَهُ مَا لَمْ يَعْجِزِ السَّيِّدُ، وعَجْزُهُ يَحْصُلُ بِأَنْ نَجَمَ فَلاَ يُؤَدِّيهِ، وَعَنْهُ: لاَ يَعْجِزُ إِلاَّ أَنْ يَحِلَّ نَجْمَانِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ وأَبِي بَكْرٍ، وَعَنْهُ: لاَ يَعْجِزُ حَتَّى يَقُوْلَ: قَدْ عَجَزْتُ، فَأَمَّا العَبْدُ فَلاَ يَمْلِكُ تَعْجِيْزَ نَفْسِهِ إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي، وَعَنْهُ: أنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: أَنْ يُعْتَقَ بِمِلْكِ الوَفَاءِ، ذَكَرَهَا الخِرَقِيُّ فَأَمَّا الفَاسِدَةُ فَلاَ يَقَعُ العِتْقُ فِيْهَا بالإِبْرَاءِ أو بِالأَدَاءِ إِلَى الوَارِثِ إِلاَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بالأَدَاءِ إِلَى الوَارِثِ ومَا في يَدِهِ قَبْلَ الأَدَاءِ يَمْلِكُ السَّيْدُ أَخْذَهُ والتَّصَرُّفَ فِيْهِ ومَا يَفْضُلُ في يَدِهِ بَعْدَ القَضَاءِ يَكُوْنُ للسَّيِّدِ، وإِذَا جُنَّ أَو حُجِرَ عَلَيْهِ انْفَسَخَتِ الكِتَابَةُ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لاَ تَنْفَسِخُ ولاَ يَلْزَمُ العَقْدُ فِيْهَا وكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ فَسَخَهُ، فأَمَّا الأَوْلاَدُ فَيَتْبَعُونَ في الصَّحِيْحَةِ، وهَلْ يَتْبَعُونَ في الفَاسِدَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
ويَجُوزُ للأَبِ والوَلِيِّ أَنْ يُكَاتِبَا عَبْدَ الصَّغِيْرِ ويَعْتِقَاهُ عَلَى مَالٍ إِذَا رَأَيَا المَصْلَحَةَ في ذَلِكَ، ولاَ تَنْعَقِدُ الكِتَابَةُ إِلاَّ بالقَوْلِ، ولاَ يَجُوزُ عَقْدُ الكِتَابَةِ عَلَى صِفَةٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ، ولاَ عَلَى شَرْطِ خِيَارٍ، ويَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ عَبْدِهِ، فَإِذَا أَدَّى إِلَيْهِ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ عُتِقَ جَمِيْعُهُ، فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يُكَاتِبَ أَحَدَهُمَا حِصَّتَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيْكِهِ، ويَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى التَّسَاوِي والتَّفَاضُلِ، وإِذَا أَدَّى إِلَى أَحَدِهِمَا مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ عُتِقَ نَصِيْبُهُ. وَكَذَلِكَ إِنْ أَبْرَأَهُ عَنْ حصته إن كَانَ معسراً وإن كَانَ موسراً عتق جميعه ويضمن حصة شَرِيْكِهِ، فَإِنْ كَاتَبَاهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً وأَدَّى إِلَى أَحَدِهِمَا مِقْدَارَ حَقِّهِ بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيْكِهِ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيءٌ، فَإِنْ أَدَّى بِإِذْنِ شَرِيْكِهِ فَهَلْ يَعْتِقُ نَصِيْبَ المُؤَدَّى إِلَيْهِ؟ يحتمل وَجْهَيْنِ، وإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَمَةٌ فَكَاتَبَاهَا ثُمَّ وَطِئَاهَا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا، فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئ الأَوَّلِ، وأَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئ الثَّانِي أُلْحِقَ الوَلَدُ بالأَوَّلِ وعَلَيْهِ نِصْفُ قِيْمَتِهَا، وهَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وهَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيْمَةِ الوَلَدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وإن وطِئَهَا أَحَدُهُمَا عَقِيْبَ وَطْئ الآخَرِ أُرِي القَافَةَ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِأَحَدِهِمَا فَالحُكْمُ عَلَى مَا مَضَى، وإِنْ أَلْحَقُوهُ بِهِمَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهَما، ولاَ يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطْؤُهَا إِلاَّ أَنْ يَعْتِقَ أَحَدُهُمَا نَصِيْبَهُ فَيَتَزَوَّجَهَا الآخَرُ، وإِذَا كَاتَبَ جَمَاعَةٌ عَبِيْدَهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً صَحَّ، ويَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَاتِباً بِقَدْرِ قِسْطِهِ مِنَ المَالِ، فَإِذَا أَدَّاهُ عُتِقَ، وإِنْ عَجَزَ فُسِخَتِ الكِتَابَةُ في حَقِّهِ خَاصَّةً، ويُعْرَفُ القِسْطُ بِقِسْمَةِ مَالِ الكِتَابَةِ عَلَى قِيْمَتِهِمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ يُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِهِمْ ولا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يُؤَدُّوا جَمِيْعَ مَالِ الكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدُّوا مَالَ الكِتَابَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ: مَنْ كَثُرَتْ قِيْمَتُهُ أَدَّيْنَا عَلَى قَدْرِ قِيَمِنَا، وَقَالَ: مَنْ قَلَّتْ قِيْمَتُهُ أَدَّيْنَا عَلَى قَدْرِ رُؤُوْسِنَا، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: القَوْلُ قَوْلُ مَنْ قَلَّتْ قِيْمَتُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، والآخَرُ يَدَّعِي أنَّهُ وَزْنُ زِيَادَةٍ يَلْزَمُ السَّيِّدَ أو المُكَاتِبَيْنِ مَعَهُ، والأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ، وعَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ: القَوْلُ قَوْلُ مَنْ كَثُرَتْ قِيْمَتُهُ؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، والآخَرُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ، ولاَ يَصِحُّ ضَمَانُ الحُرِّ مَالَ الكِتَابَةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وتَصِحُّ فِي الأُخْرَى، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِنْ ضَمِنَ المال بَعْضُ المُكَاتِبَيْنِ عَنْ بَعْضٍ صَحَّ عَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لا يَصِحُّ.
وإِذَا حَكَمْنَا بِفَسَادِ الضَّمَانِ وَكَانَ مشروطاً في عَقْدٍ الكِتَابَةِ لَمْ تفسد الْكِتَابَة في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، ويَفْسُدُ في الآخَرِ، وَكَذَلِكَ الحُكْمُ في سَائِرِ الشُّرُوطِ الفَاسِدَةِ في عَقْدِ الكِتَابَةِ.
وإذا مَاتَ المُكَاتِبُ انْفَسَخَتِ الكِتَابَةُ، وإِنْ خَلَفَ وَفَاءً في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ويَكُونُ مَا خَلَفَهُ لِسَيِّدِهِ، وعَلَى الأُخْرَى لاَ تَنْفَسِخُ الكِتَابَةُ إِذَا خَلَفَ وَفَاءً بَلْ يُعْتِقُ عِنْدَ مِلْكَ الوَفَاءِ ويَعْطِي سَيِّدَهَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، ومَا فَضَلَ كَانَ لِوَارِثِهِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وخَلَفَ وأَرَشَ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيْبَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ حَقِّهِ عَتَقَ نَصِيْبَهُ ويَقُومُ عَلَيْهِ نَصِيْبُ شَرِيْكِهِ إِنْ كَانَ مُوسِراً.
فَإنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ مُكَاتِبِهِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَنْفَسِخَ مَا لم يَعْجَزْ، ويَجُوزُ للسَّيِّدِ بَيْعُ المُكَاتَبِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَيَكُونُ عِنْدَ المُشْتَرِي عَلَى كِتَابَتِهِ، فَإِنْ أَدَّى عُتِقَ ووَلاَؤُهُ للمُشْتَرِي، وإِنْ عَجَزَ عَادَ قُنّاً للمُشْتَرِي.
ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا في ذِمَّتِهِ مِنْ نَجُومِ الكِتَابَةِ، ويَجُوزُ أَنْ يُوصَى بالمُكَاتَبِ وبالمَالِ الَّذِي في ذِمَّتِهِ، فَإِنْ أَوْصَى بالرُّقْبةِ لإِنْسَانٍ أَدَّى إِلَى المُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وعُتِقَ وكَانَ الوَلاَءُ للمُوْصَى لَهُ، وإِنْ عَجَزَ عَادَ رَقِيْقاً للمُوْصَى لَهُ، فَإِنْ أَوْصَى بِمَالِ الكِتَابَةِ لإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيْهِ إِلَيْهِ ويُعْتَقُ ويَكُونُ الوَلاَءُ للسَّيِّدِ يَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ، وإِنْ عَجَزَ فَلِلْوَرَثَةِ الفَسْخُ ويَعُودُ رَقِيْقاً لَهُمْ، فَإِنْ أَوْصَى بِمَالِ الكِتَابَةِ لِرَجُلٍ وبالرُّقبة لآخَرِ فَمَتَى عَجَزَ صَحَّتِ الوَصِيَّتَانِ، فَإِنْ أَدَّى إِلَى المُوْصَى لَهُ بالمَالِ عُتِقَ وبَطَلَتِ الوَصِيَّةُ بالرُّقْبة، وإِنْ عَجَزَ فَسَخَ المُوصَى لَهُ بالرُّقْبةِ وبَطَلَتِ الوَصِيَّةُ بالمَالِ ويُمَلَّكُ المُكَاتَبُ بِعَقْدِ الكِتَابَةِ مَنَافِعَهُ وأَكْسَابَهُ، فَلَهُ أَنْ يَبِيْعَ ويَشْتَرِيَ ويُؤَجِّرَ ويَسْتَأْجِرَ ويُسَافِرَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُسَافِرَ ولاَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ صَحَّ الشَّرْطُ، وعَنْهُ يَبْطُلُ الشَّرْطُ ولاَ يَتَزَوَّجُ ولاَ يَتَسَرَّى ولاَ يُقْرِضُ ولاَ يَهَبُ ولاَ يُحَابِي ولاَ يُعْتِقُ ولاَ يُكَاتِبُ إِلاَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، ويَكُونُ وَلاَءُ مَنْ يَعْتِقُهُ ويُكَاتِبُهُ إِذَا أَدَّى للسَّيِّدِ الأَوَّلِ، ولاَ يُكَفَّرُ بالمَالِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: يُكَفَّرُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وهَلْ يَرْهَنُ ويُضَارِبُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، ولاَ يَشْتَرِي مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ أَقَارِبِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ السَّيَّدِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يَجُوزُ لَهُ الشِّرَاءُ، وذَكَرَ أنَّهُ نَصُّ أَحْمَدَ والخِرَقِيِّ وكلاَمُهُمَا: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ دَخَلَ مَعَهُ في الكِتَابَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِلْكَهُ بِغَيْرِ الشِّرَاءِ مِنَ الهِبَةِ والوَصِيَّةِ، أَو الشِّرَاءِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وفي الجُمْلَةِ إِذَا مَلَكَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ ويَأْخُذُ كَسْبَهُ، وحُكْمُهُ حكم في عتق بالأَذَى، وإِنْ عَجَزَ عَادَ قِنّاً، وإِذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ أُجْبِرَ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابَتُهُ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ ويُنْفِقُ مِنْ مَالِ الكِتَابَةِ عَلَى نَفْسِهِ ووَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ ويُخْرِجُ فِطْرَتَهُمْ، وإِذَا اسْتَوْلَدَ أَمَتَهُ فَالوَلَدُ مَمْلُوكٌ يُعْتَقُ بِعِتْقِهِ وتَصِيْرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَقِيْلَ: لاَ تَصِيْرُ، فَإِنْ أَتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ مِنْ نِكَاحٍ أو زناً فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا، وإِذَا اشْتَرَى المُكَاتِبُ زَوْجَتَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، وإِذَا كَاتَبَ أَمَتَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْؤُهَا إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ في العَقْدِ، فَإِنْ وَطِئَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَزِمَهُ المَهْرُ لَهَا، فَإِنْ أَجَّلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، فَإِنْ أَدَّتْ الكِتَابَةُ عُتِقَتْ ولَهَا كَسْبُهَا، وإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عُتِقَتِ بالاسْتِيْلاَدِ، وكَانَ الكَسْبُ لِوَرَثَةِ السَّيِّدِ، فَإِنْ دَبَّرَ المُكَاتِبُ فَأَدَّى صَارَ حُرّاً، وإِنْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ عُتِقَ إِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، وكَانَ بَاقِيْهِ عَلَى الكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ الحُكْمُ إِذَا كَاتَبَ المُدَبَّرُ، وإِذَا عَجَّلَ المُكَاتِبُ مَالَ الكِتَابَةِ قَبْلَ مَحَلِّهَا لَزِمَ السَّيِّدُ أَخْذَهُ ويُعْتِقُ عَلَيْهِ في الحَالِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: لاَ يُعْتَقُ بِمِلْكِ الوَفَاءِ عَلَى ظَاهِرِ كَلاَمِ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ – ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَلْزَمَهُ قَبُولُهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ في قَبْضِهِ ضَرَرٌ كَمَا قُلْنَا في تَعْجِيْلِ المسَّلَم فِيْهِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: أُعَجِّلُ لَكَ وتَضَع عَنِّي بَعْضَ مَالِ الكِتَابَةِ فَفَعَلَ السَّيِّدُ فَلاَ بَأْسَ، ويَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُعْطِيَ المُكَاتِبَ رُبُعَ مَالِ الكِتَابَةِ إِنْ شَاءَ قَبْلَ الإستيفاء وإن شَاءَ بَعْدَهُ، فَإِنْ دَفَعَ المُكَاتِبُ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ المَالِ وبَقَى عَلَيْهِ الرُّبُعُ فَعَجَزَ عَنْ تَأْدِيَةٍ لَمْ يَجُزْ للسَّيِّدِ الفَسْخُ، ذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ، وإِذَا اخْتَلَفَ السَّيِّدُ والمُكَاتِبُ في مِقْدَارِ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِيْنِهِ، وَعَنْهُ: أَنَّ القَوْلَ قَوْلُ المُكَاتِبِ، فَإِنِ ادَّعَى العَبْدُ وفَاءَ مَالِ الْكِتَابَةِ وجَحَدَ السَّيِّدُ فَأَقَامَ شَاهِداً حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وعَتَقَ، وإِذَا حَبَسَ السَّيِّدُ المُكَاتِبَ مُدَّةً لَزِمَهُ أَرْفَقُ الأَمْرَيْنِ بالمُكَاتِبِ مِنْ أُجْرَةِ المِثْلِ أو تَأْخِيْرٍ مِثْلِ المُدَّةِ، فَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ لَزِمَهُ أَرْشُ جِنَايَتِهِ، فَإِنْ جَنَى المُكَاتِبُ عَلَى السَّيِّدِ جِنَايَةً خَطَأً فَدَى نَفْسَهُ بِأَقَلِّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيْمَتِهِ أَوْ أَرْشِ الجِنَايَةِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ أَرْشُ الجِنَايَةِ بَالِغاً مَا بَلَغَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ للمَوْلَى فَسْخُ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ جِنَايَةَ خَطَأً أَو عَمْداً واخْتَارَ الأَجْنَبِيُّ المَالَ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَدَى نَفْسَهُ بِأَقَلِّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيْمَتِهِ وأَرْشِ الجِنَايَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وأَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يَفْدِيَهُ بذلك فَعَلَ وإِلاَّ اْنَفسَخَتِ الْكِتَابَةُ وبِيْعَ في الجِنَايَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ بِقَدْرِ أَرْشِ الجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ مِنْهَا ويَقْدمُ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْر: فِيْهِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُمَا يَتَحاصّان فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بالمُكَاتِبِ دُيُونٌ فَإِنَّهَا تُعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ العِتْقِ بِخِلاَفِ المَأْذُونِ، فَإِنْ جَنَى جِنَايَاتٍ فَعَتَقَهُ السَّيِّدُ لَزِمَهُ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيْمَتِهِ أَوْ أَرِشِ جَمِيْعِ الجِنَايَاتِ، وَكَذَلِكَ إِنِ اخْتَارَ السَّيِّدُ أَنْ يَفْدِيَهُ ولاَ يَعْتِقَهُ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يَلْزَمُهُ إِذَا اخْتَارَ فداءه أَرْشَ جَمِيْعِ الجِنَايَاتِ، وَكَذَلِكَ إِن أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ فَعَتَقَ هَلْ يَلْزَمُهُ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ أَو أَرْشُ جَمِيْعِ الجِنَايَاتِ؟ يَخْرُجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنَّ كَانَ للمُكَاتِبِ عَبيْدٌ فَجَنَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عَمْداً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ إِلاَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَيْنِ فَاشْتَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السَّيِّدُ صَحَّ شِرَاءُ الأَوَّلِ وبَطَلَ شِرَاءُ الثَّانِي، فَإِنْ جَهِلَ السَّابِقَ مِنْهُمَا بَطَلَ البَيْعَانِ وبَقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى كِتَابَتِهِ وَإِذَا كاتبه عَلَى عِوَضٍ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ وعَتَقَ فوَجَدَ السَّيِّدُ بِالعِوَضِ عَيْباً، واخْتَارَ الرَّدَّ لَمْ يَرْتَفِعْ العِتْقُ وَكَانَ لَهُ قِيْمَةُ العِوَضِ وأَرْشُ العَيْبِ مَعَ إِمْسَاكِهِ.

.بَابُ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ:

مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ، أو أَمَةً يَمْلِكُ بَعْضَهَا، أَو أَمَةَ ابْنِهِ فَأَوْلَدَهَا فَالوَلَدُ حُرٌّ والأَمَةُ أُمُّ وَلَدِهِ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مِنْ جَمِيْعِ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ أَوْلَدَ أَمَةَ أَجْنَبِيٍّ بِنِكَاحٍ أَو زِناً فَالوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ الأمَةِ ولاَ تَصِيْرُ الأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ مِمَّنْ يُعْتَقُ بِمَوْتِهِ إِذَا مَلَكَهَا، ونَقَلَ القَاضِي الشَّرِيْفُ عَنْهُ: أَنَّهَا تَصِيْرُ أُمُّ وَلَدٍ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ وَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا أَمَتَهُ، فَالوَلَدُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ قِيْمَتُهُ لِسَيِّدِ الأَمَةِ، فَإِنْ مَلَكَهَا فَهَلْ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الأَمَةَ فَوَلَدَتْ لأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حَقُّ العِتْقِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَتَتْ بِهِ لأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَإِنْ وَطِئَ الغَانِمُ جَارِيَةً مِنَ المَغْنَمِ فَأَوْلَدَهَا صَارَتْ أُمُّ وَلَدِهِ، والوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيْمَتُهَا تُرَدُّ فِي المَغْنَمِ، وهَلْ يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا وقِيْمَةُ الوَلَدِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، ومَا أَتَتْ بِهِ مِنَ الأَوْلاَدِ بَعْدَ اسْتِيْلاَدِ السَّيِّدِ لَهَا فإنهم يُعْتَقُونَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ سَوَاءٌ عُتِقَتِ الأُمُّ أَو مَاتَتْ قَبْلَ سَيِّدِهَا، وإِنَّمَا تَصِيْرُ أُمَّ وَلَدٍ إِذَا وَضَعَتْ مَا تَبَيَّنَ فِيْهِ خَلْقُ الإِنْسَانِ مِنْ رَأْسٍ أَو يَدٍ أَو تَخْطِيْطِ خَلْقِ الإِنْسَانِ، فَأَمَّا إِنْ وَضَعَتْ جِسْماً لاَ تَخْطِيْطَ فِيْهِ فَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحَارِثِ فِي الأَمَةِ إِذَا أَلْقَتْ دَماً تَمُسُّهُ القَوَابِلُ فَيَعْلَمْنَ أنَّهُ لَحْمٌ فَاحتاطَ بالعِتْقِ للأَمَةِ واحتاط للعِدَّةِ بأُخْرَى مَعْنَاهُ بَعْدَ أُخْرَى، وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحداهمَا: تَصِيْرُ أُمَّ وَلَدٍ، والأُخْرَى: لا تَصِيْرُ.
ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ أُمِّ الوَلَدِ ولاَ هِبَتُهُا ولاَ رَهْنُهَا ولاَ الوَصِيَّةُ بِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ، ورَوَى عَنْهُ صَالِحٌ: أَكْرَهُ بَيْعَهُنَّ، وَقَدْ بَاعَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وظَاهِرُهُ أنَّهُ يَصِحُّ البَيْعُ مَعَ الكَرَاهِيَةِ، والصَّحِيْحُ الأَوَّلُ، ويَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا واسْتِخْدَامُهَا وتَزْوِيْجُهَا وإِجَارَتُهَا، وإِذَا جُنَّتْ فَدَاهَا بِأَقَلِّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيْمَتِهَا أَو أَرْشِ الجِنَايَةِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أُخْرَى: أنَّهُ يَفْدِيْهَا بِأَرْشِ الجِنَايَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، فَإِنْ جُنَّتْ بعدَ الفِدَاءِ فَدَاهَا كَما جُنَّتْ عَلَى ما ذَكَرْنَا. وعنهُ أنَّهُ يَتَعلَّقُ ذلكَ بِذِمَّتِهَا يتبع به العِتْقِ.
فإنْ قَتَلَتْ سَيِّدَها عَمْداً كانَ للأوْلِيَاءِ القِصَاصُ وكانَ لَهُم العَفْوُ عَلَى مالٍ، ويكونُ ذلِكَ أقلَّ الأمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أو دِيَّتهِ، وكَذلِكَ إنْ قَتَلَتْهُ خَطَأً وَكَذَلِكَ حُكْمُ المدبرة إذا قَتَلَتْ سَيِّدَهَا وحَكَمْنَا بِعِتْقِهَا.
وإذا أسْلَمَتْ أمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ أحِيلَ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا وأنْفقَ عَلَيْهَا مِنْ كَسْبِهَا إنْ كانَ لَهَا كَسْبٌ، وإنْ لمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ أنْفَقَ السَّيِّدُ عَلَيْهَا إِلَى أنْ يَمُوتَ وتُعْتَقُ. وعِنْدِي أنَّها يُسْتَسْعَى في قِيْمَتِهَا ثمَّ تُعْتَقُ.
وإذا أعْتَقَ السَّيِّدُ أُمَّ وَلَدِهِ اعْتَدَّتْ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ، وكَذَلكَ إنْ مَاتَ عَنْهَا في إحْدَى الرِّوَايتينِ، والأُخْرَى: تَعْتَدُّ بِأرْبَعَةِ أشْهُرٍ وعَشْر.
فإنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الأَقْرَاءِ كانَ عِدَّتُهَا عن العِتْقِ بِثَلاَثَةِ أشْهُرٍ، وَكَذَلِكَ عن الوفاةِ في رِوَايَةٍ، وفي الأُخْرَى: أرْبَعَةَ أشْهَرٍ وعَشْراً، وعِندي: أنَّهَا تَعْتَدُّ عن العِتْقِ والوَفَاةِ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ مَقَامَ حَيضَةٍ.
فإنْ مَاتَ سَيِّدهَا وهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَهَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لأجْلِ الحَمْلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وتَصِحُّ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ لأُمِّ وَلَدِهِ، وقَاذِفُ أُمِّ الوَلَدِ كَقَاذِفِ الأمَةِ عَلَيهِ التَعزِيرُ، ونَقَلَ أبو طَالِبٍ: عَلَيْهِ الحَدُّ. وهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا تَغْطِيَةُ رَأسِها في الصَّلاةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

.كِتَابُ النِّكَاحِ:

.بَابٌ في مُقَدِّمَاتِ النِّكَاحِ:

النِّكَاحُ وَاجِبٌ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الزِّنَا، فإنْ لَمْ يَخَفْ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحداهمَا: يَجِبُ أيضاً وَهِيَ اخْتِيارُ أبي بَكْرٍ، والأُخْرَى: يُسْتَحَبُّ فَعَلى هذهِ الرِّوَايَةِ التَّشَاغُلُ بهِ أفْضَلُ مِنَ التَّشَاغُلِ بِنَفْلِ العِبَادَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ التَّشَاغُلُ بِنَفْلِ العِبَادَةِ أفْضَلُ مِنْهُ، ويُسْتَحَبُّ لهُ تَخَيُّرُ الحَسِيْبَةِ الأجْنَبِيَّةِ البِكْرِ، وأنْ تَكُونَ مِنْ نِسَاءٍ يُعْرَفْنَ بِكَثْرَةِ الوِلادَةِ، والأَوْلَى: أنْ لا يَزِيْدَ عَلَى امْرَأَةٍ واحِدَةٍ، ويَجُوزُ لِمَنْ أرَادَ أنْ يَتَزَوَّجَ بامْرَأةٍ أنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجهِهَا، وعنهُ: أنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى ما يَظْهَرُ مِنْهَا غَالِباً: كالوَجْهِ والرَّقَبَةِ واليَدَيْنِ والقَدَمَينِ إِذَا أمِنَ مِنْ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ، ويَجُوزُ لهُ النَّظَرُ إِلَى مِثْلِ ذلكَ مِنَ الأمَةِ المُسْتَامَةِ، ويَزِيدُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى رَأْسِهَا وسَاقَيْهَا وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى ذَوَاتِ المَحَارِمِ وعنهُ لا يَجُوزُ أنْ يَنْظُرَ مِنْ ذَوَاتِ المَحَارِمِ إلاَّ إِلَى الوَجهِ، وفي الكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ.
ولا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ النَّظَرُ إلاَّ أنْ يَكُوْنَ شَاهِداً فَيَنْظُرَ إِلَى وَجْهِ المَشْهُودِ عَلَيْهَا، أو مُبْتاعاً فَيَنْظُرَ إِلَى وَجْهِ البائِعَةِ، أو طَبِيباً فيَنْظُرَ إِلَى ما تَدْعُو الحَاجَةُ إِلَى نَظَرِهِ مِنْ بَدَنِهَا أو صَبِيّاً مُمَيِّزاً لا شَهْوَةَ لهُ فَيَنْظُرَ إِلَى ما عَدا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ، فإنْ كانَ لهُ شَهْوَةٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ذِي المحرمِ في النَّظَرِ، وعنهُ: إنَّهُ كالأجْنَبِيِّ، أو يَكُوْنُ عَبْداً فَيَنْظُر من مَولاتِهِ إِلَى الوجْهِ والكَفَيْنِ لِلْحَاجَةِ، وسَوَاءٌ في ذلكَ الفَحْلُ والمَجْبُوبُ والشَّيْخُ والعِنِّينُ والمُخَنَّثُ، فأمَّا المَمْسُوخُ الخَصِيُّ فَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ – أنَّهُ كَذَلِكَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُبَاحَ لهُ مِنَ النَّظَرِ ما يُبَاحُ لِذَوِي مَحَارِمِهَا.
فأمَّا المَرأةُ الكَافِرَةُ فهِيَ في حَقِّ المُسْلِمَةِ كالأجْنَبِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ، وعنهُ أنَّها كالمُسْلِمَةِ وحُكْمُ المُسْلِمَةِ معَ المُسْلِمَةِ والرَّجُلَ معَ الرَّجُلِ جَوَازُ النَّظَرِ إِلَى ما عَدَا ما بينَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ، ويحرمُ النَّظَرُ إِلَى الأمْرَدِ معَ الشَّهْوَةِ ويُبَاحُ مَعَ عَدَمِهَا.
فإنْ خَافَ ثَوَرَانَ الشَّهْوَةِ احْتَمَلَ وَجْهَينِ.
ويحرمُ عَلَى المَرْأةِ أنْ تَنْظُرَ من الرَّجُلِ ما يحرمُ عَلَيْهِ أنْ يَنْظُرَ مِنها، وعنهُ أنَّهُ يَجُوزُ لَها أنْ تَنْظُرَ منهُ ما لَيسَ بِعَوْرَةٍ، ويَجُوزُ لِكُلِّ وَاحدٍ مِنَ الزَّوْجَينِ أنْ يَنْظُرَ إِلَى جَمِيعِ جَسَدِ الآخَرِ ويلمسه، وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ سُرِّيَّتِهِ.
ولا يَجُوزُ لأحَدٍ أنْ يعرضَ بخِطْبَةِ الرَّجْعِيَّةِ، ويَجُوزُ ذلكَ في عِدَّةِ الوَفَاةِ، وهلْ يَجُوزُ في عِدَّةِ البَائِنِ؟ عَلَى وَجهَينِ. والتَّعْرِيضُ أنْ يَقُولَ: إنِّي في مِثْلِكِ لَرَاغِبٌ وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ فأعْلِمِينِي، وتُجِيبَهُ: ما يرغبُ عنكَ وإنْ قُضِيَ شَيءٌ كانَ. وما أشْبَهَ ذلكَ، وَإِذَا جَرَتِ الإجَابَةُ مِنهَا حُرِّمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتَهَا، وإنْ حَصَلَ الرَّدُّ أُبيحَ لِغَيْرِهِ خِطْبَتهَا، وإنْ لمْ يعلمْ هلْ أجَابَتْ أمْ لا فَهَلْ تُبَاحُ الخِطْبَةُ عَلَى وَجْهَينِ.
والتَّعْوِيلُ في الإجَابَةِ والرَّدِّ عَلَى المَرأةِ إنْ لمْ تَكُنْ مُجْبَرةً، وعلى الوَلِيِّ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً. ويُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ في يَومِ الجُمعَةِ، والمَسَاءُ بِهِ أوْلَى، ويُسَنُّ أن يَخْطِبَ ثُمَّ يَقَعَ التَّوَاجبُ عقيبَ الخِطْبَةِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بينَ أنْ يَعْقِدَ لِنَفْسِهِ أو يوكلَ مَنْ يَعقدُ لهُ. ولا يوكلُ إلاَّ مَنْ يَصِحُّ أنْ يقبلَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ، فإنْ وَكَّلَ عَبْداً جَازَ وإنْ وَكَّلَ صَبِيّاً مُمَيِّزاً فَهَلْ يَصِحُّ أم لا؟ عَلَى وجهينِ.
وَإِذَا وقع العَقْدُ اسْتُحِبَّ أنْ يُقَالَ لهُ: (بارَكَ اللهُ لَكَ وبَارَكَ عليكَ، وجَمَعَ بَيْنَكُمَا في خَيْرٍ وعَافِيَةٍ).
وإذا زُفَّتْ إِلَيْهِ قَالَ: (اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ خَيْرَهَا، وخَيْرَ ما جَبِلْتَهَا عَلَيْهِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ ما جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ).

.بَابُ شَرَائِطِ النِّكَاحِ وأرْكَانِهِ:

ومِنْ شَرْائطِ عَقْدِ النِّكَاحِ: الوَلِيُّ والشُّهُودُ والكَفَاءةُ والخُلُوُّ مِنَ المَوَانِعِ.
وأَرْكَانُهُ: الإِيْجَابُ والقَبُولُ.
فَأَمَّا الوِلاَيَةُ فَتُسْتَفَادُ بالأُبُوَّةِ والتَّعَصّيبِ والمِلْكِ والوَلاَءِ والسَّلْطَنَةِ والوَصِيَّةِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: لاَ تُسْتَفَادُ وِلاَيَةُ النِّكَاحِ بالوَصِيَّةِ.
وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ لَهَا عُصْبَةٌ لَمْ تَصِحَّ الوَصِيَّةُ بِنِكاحِهَا، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَها عَصَبَةٌ صَحّتِ الوَصيّةُ بِهِ.
فأمّا الأبُ فَيَمْلِكُ تَزْوِيجَ أوْلادِهِ الصِّغَارِ والمَجَانِينَ وبَنَاتِهِ الأبْكَارِ البُلَّغِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ. ونَقَلَ عَنْهُ ابنُهُ عَبْدُ اللهِ: إنَّ بِنْتَ تِسْعِ سِنينَ لا يُزَوِّجُها الأبُ ولا غَيرُهُ إلا بإذنها، ولا يَجُوزُ لَهُ تَزْويج الثَّيِّبِ المُكَلَّفَةِ إلاّ بإذنِهَا. فأمّا الصَّغِيرَةُ الثَّيِّبُ فَعَلى وَجهَينِ.
ولا فَرْقَ بينَ حُصُولِ الثُّيُوْبَةِ بِوَطءٍ مُبَاحٍ أو مُحَرّمٍ، فأمّا زَوَالُ البِكَارِةِ بِوَثْبَةٍ أو إصبعٍ فَلاَ تَتَغَيَّرُ صِفَةُ الإذْنِ. وإذْنُ البِكْرِ الصٌّماتُ، وإذْنُ الثَّيِّبِ النُّطْقُ.
وأمّا العَصَباتُ – كالجَدِّ والأُخْوَةِ والأعْمَامِ وبَنُوهمْ – فَلاَ يَملِكُونَ تَزْوِيجَ البُلَّغِ إلاَّ بإذنِهِنَّ، ولا يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الصِّغَارِ بِحَالٍ. ونَقَلَ عَنْهُ عبدُ اللهُ: إِذَا زُوِّجَتِ اليَتِيْمَةُ فَلَها الخَيارُ إِذَا بَلَغَتْ. وهذه الرِّوَايَةُ تدُلُّ عَلَى صِحَّةِ تَزْوِيجِ العَصَبَاتِ لَها.
وأمّا الابنُ فَلَهُ تَزْوِيجُ أُمِّهِ بإذْنِهَا، فإنْ كَانَتْ مجْنُونَةً فلهُ تَزْوِيجُهَا إِذَا ظَهَرَ مِنْهَا شَهْوَةُ الرِّجَالِ. وَكَذَلِكَ بَقِيّةُ العَصَباتِ في حَقِّ المَجْنُونَةِ.
فأمّا المالِكُ فلهُ تَزْويجُ إمَائِهِ الأبْكَارِ والثُّيَّبِ بِغَيْرِ إذْنِهِنَّ، إلاّ المُكاتبةِ والمُعْتَقُ بَعْضُهَا. ولهُ تَزْوِيجُ عَبِيدِهِ الصِّغَارِ نَصَّ عَلَيْهِ، وليسَ لَهُ إجْبَارُ عَبِيدِهِ الكِبَارِ عَلَى النِّكَاحِ. ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَمْلِكَ تَزْوِيجَ الصِّغَارِ أَيْضاً. فأمّا الأولى: فَحُكْمُهَا حُكْمُ العَصَباتِ.
وأمّا السُّلْطَانُ فلهُ ولايةُ النِّكَاحِ عِنْدَ عَدَمِ الأوْلِياءِ مِمَّنْ ذَكَرْنا وعندَ عَضْلِهِمْ وغَيْبَتِهِمْ المُنْقَطِعَةِ.
وأمَّا الوَصِيُّ فَيَقُومُ مَقامَ مَنْ وَصَّى إِلَيْهِ، إِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الوَصِيَّةِ، وكلُّ وَاحِدِ مِمّنْ ذَكَرْنَا يَصِحُّ أنْ يوكلَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ في عَقْدِ النِّكَاحِ.
ولا عِبَارَةَ لِلْمَرْأةِ في تَزْوِيجِ نَفْسِهَا ولا تَزْوِيجِ غَيْرِهَا في المَشْهُورِ مِنَ المَذْهَبِ فَعَلى هَذَا يُزَوِّجُ أمَتَهَا ومَوْلاتَهَا مَنْ يَتولّى تَزْوِيجَها. وَعَنْهُ: إنَّهُ يَصِحُّ أنْ تُزَوِّجَ أمَتَهَا ومُعْتَقَها، وهذا يدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عِبَارَتِهَا في النِّكَاحِ، فَيَتخَرَجُ مِنْهُ تَزْوِيجَها لِنَفْسِهَا بإذْنِ وَلِيِّهَا وتَزْوِيجَ غَيْرِهَا بالوكالةِ، فأمَّا إقْرَارُهَا عَلَى نَفْسِهَا بالنِّكَاحِ فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وأمّا إقرارُ الوَلِيِّ عَلَيها فإنْ كانَ مِمَّنْ يَمْلِكُ إجْبَارَها صَحَّ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا وإلاَّ فَلاَ يُشْتَرَطُ في الوَلِيِّ أنْ يَكُونَ عَاقِلاً حُرّاً، وهَلْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ وعَدَالَتُهُ أم لا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. والأبُ مُقَدَّمٌ عَلَى جَمِيعِ الأوْلِياءِ ثُمَّ الابْنُ ثُمَّ الجَدُّ ثُمَّ الأخُ وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الجَدُّ عَلَى الابْنِ وَعَنْهُ الجَدُّ والأخُ سَواءٌ، وَكَذَلِكَ الأخُ مِنَ الأبَوَينِ والأخُ مِنَ الأبِ سَوَاءٌ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: الأخُ مِنَ الأبَوَينِ أوْلَى ثُمَّ ابنُ الأخِ ثُمَّ العَمُّ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ المَوْلَى المُعْتَقُ وعَصَبَاتُهُ الأقْرَبُ فالأقْرَبُ ثُمَّ السُّلْطانُ.
فإنْ زَوَّجَ الأبْعَدُ معَ حُضُورِ الأقْرَبِ لَمْ يَصِحَّ، وعنهُ أنَّهُ يَصِحُّ ويَقِفُ لُزُومُهُ عَلَى إجَازَةِ الأقرَبِ. وَكَذَلِكَ إِذَا زَوَّجَ الأجْنَبِيُّ فَهَلْ يَنْعَقِدُ ويَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الوَلِيِّ أم لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فإنْ عَضَلَ الأجْنَبِيَّ قُرْبٌ أو جُنَّ انتَقَلَتِ الوِلايَةُ إِلَى الأبْعَدِ، وعنهُ فِي العَضْلِ: أنَّ الولايَةَ تَنْتَقِلُ إِلَى الحَاكِمِ فَيَتَخَرَّجُ فِي الغَيْبَةِ مِثْلُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ غابَ الأقْرَبُ غَيْبةً مُنْقَطِعةً وَقَدْ زَوَّجَ الأبْعَد. وَقَدْ حدَّ الخِرَقِيُّ فِي الغَيْبَةِ بِمَوضِعٍ لاَ يَصِلُ إِلَيْهِ الكِتَابُ أو يصِلُ إِلَيْهِ فَلاَ يُجِيبُ. وحَدَّهَا أبو بَكْرٍ بِما لاَ يَبْلُغُ إلا بِكُلْفَةٍ ومَشَقّةٍ. وحَدَّها شَيخُنا بِمَسَافَةٍ لاَ تَقْطَعُهَا القَافِلَةُ فِي السنَّةِ إلاّ كَرّةً. ونَقَلَ عَنْهُ أبو الحَارِثِ: إِذَا كَانَ الأبُ بعيدَ السَّفَرِ يُزَوِّجُ الأخُ فَظَاهِرُ هَذَا أنَّ حَدَّهَا بِما جَعلَهُ الشَّرْعُ بَعِيداً وعَلّقَ عَلَيْهِ رخص السَّفَرِ.
وَإِذَا اسْتَوَى الأولياءُ في الدَّرَجَةِ فالأولى أن يُقَدِّمَ أعْلَمَهُمْ، فإن استَوَوْا فأسَنُّهُمْ فإن تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَ بالقُرْعَةِ فهُوَ أوْلَى.
فإنْ سَبَقَ غَيْرَهُ فَزَوَّجَ صَحَّ النِّكَاحُ في أقْوَى الوجْهَينِ.
فإنْ زَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ولمْ يَعْلَمِ السَّابِقُ أو عَلِمَ ونَسِيَ فُسِخَ نِكاحُ الجَمِيعِ وزُوِّجَتْ مِمَّنْ تَخْتَارُهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرى: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ فَهُوَ الزَّوْجُ ويأمُرُ الحَاكِمُ البَاقِينَ بالطَّلاقِ، فإن امْتَنَعُوا طَلّقَ عَلَيْهِمْ، فإنْ تَصَوّرَ وُقُوعَ الأنْكِحَةِ حَالةً وَاحِدَةً فَجَمِيْعُهَا لا تَصِحُّ.
ويَلِي الذِّمِّيُّ نِكَاحَ ابْنَتِهِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ ذِمِّيٍّ ومُسْلِمٍ وَقَالَ شَيْخُنَا: لا يلي نِكَاحَهَا مِنْ مُسْلِمٍ. وهلْ يلي سيدُ أمِّ الوَلَدِ الذِّمِّي نِكَاحَهَا إِذَا اسْلَمَتْ؟ عَلَى وَجْهَينِ.
ولا يَلِي المُسْلِمُ نِكَاحَ ذِمِّيَّةٍ إلاّ أنْ يَكُوْنَ حَاكِماً أو سيِّدَ أمَةٍ أو يَكُوْنَ لِوَلِيَّتِهِ ذِمية فَيُزَوِّجَها بإذنِها.
ولا يَجُوزُ لأحدٍ أنْ يَتَوَلّى طَرَفَي النِّكَاحِ إلاّ السَّيِّدُ يُزَوِّجُ أمَتَهُ من ابْنِهِ الصَّغِيرِ.
فأمَّا ابنُ العَمِّ والسُّلْطَانُ والوَكِيلُ والمَوْلَى إِذَا أرادَ واحِدُهُمْ أن يَتَزَوَّجَها وَهُوَ وَلِيُّهَا فأذِنَتْ لَهُ أنْ يَعْقِدَ لِنَفْسِهِ عَلَيْهَا فَهلْ يَصِحُّ أن يَتَوَلّى طَرَفَي العَقْدِ أم لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. إحداهُما تَصِحُّ، والثَّانِيَةُ: لا تَصِحُّ حتّى يوكلَ مَنْ يُوجِب لَهُ ويَقْبَلَ هُوَ، وَكَذَلِكَ السيدُ إِذَا قَالَ لأمَتِهِ: أعْتَقْتُكِ وجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ يَحْضُرُهُ شَاهِدَينِ فإنّهُ يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ النِّكَاح، وَعَنْهُ: لا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ ويُسْتأْنَفُ العَقْدُ بإذْنِها وَهُوَ الصَّحِيحُ.

.فَصْلٌ: في الشهود:

ولا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إلا بِحُضُورِ شَاهِدَينِ ذَكَرَينِ عَدْلَينِ، وَعَنْهُ أنَّهُ يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَينِ وبِرَجُلٍ وامرأتَينِ وإنْ تَوَاصَوا بِكِتْمَانِهِ، وسَواء في ذَلِكَ الأحْرارُ والعَبيدُ، وَعَنْهُ: أنّ التَّوَاصي بِكِتْمَانِهِ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ اختارها أبو بَكرٍ، ولا ينعَقِدُ بِحُضُورِ الصِّبْيَانِ وَعَنْهُ أنَّهُ يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ مُرَاهِقَينِ عَاقِلَينِ، ولا يَنْعَقِدُ نِكاحُ المُسْلمِيْنَ بِشَهَادَةِ أهلِ الذِّمَّةِ ويَتَخَرَّجُ أنْ يَنْعَقِدَ بِنِكَاحِ ذِمِّيّةٍ بِمُسْلِمٍ بِحُضُورُ ذِمِّيَّيْنِ ويَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِ ضَرِيْرَيْنِ ولا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ أصَمَّيْنِ ولا أخْرَسَينِ، وهلْ يَنْعَقِدُ بِشَهَادَة عدوينِ وابنَي الزَّوْجَينِ أو أحَدِهِمَا؟ عَلَى وَجْهَينِ، ونقلَ عَنْهُ: أن الشَّهَادَةَ ليسَتْ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ.

.فَصْلٌ: في الكفاءة:

فأمَّا كَونُ الرَّجُلِ كَفُوءاً فَهُوَ شَرْطٌ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ حَتَّى لَو رَضوا الأوْلِياءُ والزَّوْجَةُ بِغَيرِ الكَفُوءِ لَمْ يَنْعَقِدِ النِّكَاحُ. وفي الأُخْرَى ليسَتْ بِشَرْطٍ، فإذا رَضِيَ الزَّوْجَةُ والوَلِيُّ بِغَيرِ الكَفوءِ صَحَّ النِّكَاحُ فإنْ رَضِيَ أحَدُهُمْ دُوْنَ بَعْضٍ كَانَ لِمَنْ يَرْضَى الفَسْخَ فإنْ زَوّجَ الأبُ بِغَيرِ الكَفُوءِ فَرَضِيَتِ البِنْتُ كَانَ للإِخوةِ الفَسْخُ نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ مُهَنّا والكَفَاءةُ في الدِّينِ والمَنْصِبِ والحُرِّيَّةِ والصِّنَاعَةِ واليَسارِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وفي الأُخْرَى هِيَ في الدينِ والمَنْصِبِ وَهِيَ اختيارُ الخِرَقِيِّ.
ولا يُزَوِّجُ عَفِيفَةً بِفَاجِرٍ، ولا عَرَبِيَّةً بِعَجَمِيٍّ، ولا قُرَشِيَّةً بِغَيرِ قُرَشِيٍّ، ولا هَاشِمِيَّةً بغَيرِ هَاشِمِيٍّ، وَعَنْهُ: أنَّ العَرَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، وَكَذَلِكَ العَجَمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، ولاَ يُزَوِّجُ حُرَّةً بِعَبْدٍ، ولاَ بِنْتَ بَزَّازٍ بِحَجَّامٍ، ولاَ بِنْتَ تَانِئ بِحَائِكٍ، ولاَ مُوسِرَةً بِمُعْسِرٍ عَلَى الرِوَايَةِ الأُوْلَة خَاصَّةً.
وأمَّا الخُلُوُّ مِنَ المَوَانِعِ فَإِنْ لاَ يَكُوْنَ بَيْنَهُمَا سَبَبٌ ولا نَسَبٌ ولا اخْتِلاَفُ دِيْنٍ يحرُمَ، وسَنَذْكُرُ المُحَرَّمَاتِ بالأَنْسَابِ والأَسْبَابِ والدِّيْنِ، وأَنْ لاَ يَكُوْنَا في جِنْسِ عِدَّةٍ أَو لِحَرَامٍ، وأَنْ يَكُوْنَ الزَّوْجَانِ مُعَيَّنَيْنِ في حَالِ العَقْدِ، فَأَمَّا إِنْ قَالَ: زَوْجَتُكَ إِحْدَى بَنَاتِي أَو أَنْكَحْتُكَ ابْنَتِي، ولَهُ بَنَاتٌ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُشِيْرَ إِلَيْهَا أَوْ يُسَمِّيَهَا أو يَصِفَهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ، وإِنْ كَانَتْ لَهُ بِنْتُ وَاحِدَةٌ صَحَّ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ وَضَعَتْ زَوْجَتِي أَو أَمَتِي بِنْتاً فَقَدْ زَوَّجْتُكَ، فَقَبِلَ: فَوَضَعَتْ بِنْتاً لَمْ يَنْعَقِدِ النِّكَاحُ.