فصل: كِتَابُ الصِّيَامِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه



.باب مَا يَلْزَمُ في الفِطْرَةِ:

الوَاجِبُ في صَدَقَةِ الفِطْرِ صَاعٌ قَدَرُهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وثُلُثٍ بالعِرَاقِيِّ يُخْرَجُ مِنَ التَّمْرِ والزَّبِيْبِ والبُرِّ والشَّعِيْرِ ودَقِيْقِهِمَا وسُوَيْقِهِمَا، فأَمَّا الأَقِطُ فَعَنْهُ: أنَّهُ لاَ يُخْرَجُ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الأَصْنَافِ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يُخْرَجُ عَلَى الإِطْلاَقِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ، وما عَدَا هَذِهِ الأَصْنَافِ فَلاَ يُجْزِيء إِخْرَاجُهُ مَعَ وُجُوْدِهَا سَواءٌ كَانَتْ قُوْتَهُ وقُوتَ بَلَدِهِ، أو لَمْ تَكُنْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الأَصْنَافَ المَنْصُوصَ عَلَيْهَا، فَقَالَ ابن حَامِدٍ: يُخْرِجُونَ مِمَّا يَقْتَاتُونَ. وَقَالَ أبو بَكْرٍ عَبْد العزيز: يُحْتَمَلُ أنْ يُجْزِيَهُ كُلُّ مَكِيْلٍ مَطْعُومٍ، وَيُحْتَمَلُ أنْ لاَ يُجْزِيَهُ غَيْرُ المَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَدَمَهُ أَعْطَى مَا قَامَ مَقَامَ ذَلِكَ، وَقَالَ: وَهُوَ الأَقْيَسُ عِنْدَهُ ويُجْزِي إِخْرَاجُ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ عَنِ المَنْصُوصِ، ولاَ يُخْرِجُ في الفِطْرَةِ حَبّاً مَعِيْباً ولاَ خُبْزاً، وأَفْضَلُ المُخْرَجِ التَّمْرُ، ثُمَّ الزَّبِيْبُ، ثُمَّ البُرُّ، ثُمَّ الشَّعِيْرُ.

.باب أَحْكَامِ الصَّدَقَةِ وإِخْرَاجِهَا:

لاَ يَجُوزُ تَأْخِيْرُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا مَعَ القُدْرَةِ عَلَى الإِخْرَاجِ، فَإِنْ تَلَفَ المَالُ قَبْلَ إمْكَانِ الإِخْرَاجِ وبَعْدَ حُلُولِ الحَوْلِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ. فَإِنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ جَاحِداً لِوُجُوبِهَا كُفِّرَ وأُخِذَتْ مِنْهُ وقُتِلَ، وإِنْ مَنَعَهَا بُخْلاً بِهَا وقَدَرَ الإِمَامُ عَلَى أَخْذِهَا أَخَذَهَا مِنْهُ وعَزَّرَهُ، وإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهَا إِمَّا بِأَنْ يُقَاتِلَهُ أَوْ يُغَيِّبَ المَالَ أَمَرَهُ بِإِخْرَاجِهَا، وَاسْتُتِيْبَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ تَابَ وأَخْرَجَ وإِلاَّ قُتِلَ وأُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، وكَذَلِكَ يُسْتَتَابُ مَنْ تَرَكَ الصِّيَامَ والحَجَّ تَهَاوُناً ثَلاَثاً، فَإِنْ تَابَ وإلاَّ قُتِلَ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ إذا امْتَنَعَ وَقَاتَلَ الإِمَامَ عَلَى الزَّكَاةِ كُفِّرَ، وإِذَا غَلَّ مَالَهُ وَهُوَ أنْ يَكْتُمَهُ حَتَّى لاَ يَأْخُذَ الإِمَامُ زَكَاتَهُ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلاً بِتَحْرِيْمِ ذَلِكَ؛ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بالإِسْلاَمِ عُرِّفَ ذَلِكَ، وإِنْ كَانَ عَالِماً بالتَّحْرِيْمِ عَزَّرَهُ الإِمَامُ وأَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَأْخُذُهَا وشطْرَ مَالَهُ.
وإِذَا طَالَبَهُ السَّاعِي بالزَّكَاةِ، فَقَالَ: مَا حَالَ عَلَى المَالِ الحَوْلُ، أَوْ لَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ إلاَّ مُنْذُ شَهْرٍ، أو هَذَا المَالُ في يَدِي وَدِيْعَةً إلى أَمْسِنَا اشْتَرَيْتُهُ، أو قَالَ: قَدْ بِعْتُهُ في بَعْضِ الحَوْلِ وعُدْتُ اشْتَرَيْتُهُ، وما أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِيْنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ صَالِحٍ، وابنِ مَنْصُوْرٍ.
والنِّيَّةُ شَرْطٌ في أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ أنَّهَا زَكَاةُ مَالِهِ، أو زَكَاةُ مَنْ تُخْرَجُ عَنْهُ كالصَّبِيِّ والمَجْنُوْنِ، والأَوْلَى أنْ يُقَارِنَ النِّيَّةَ حَالَ الدَّفْعِ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَلَى حَالَ الدَّفْعِ بالزَّمَانِ اليَسِيْرِ جَازَ، وَإِذَا دَفَعَ المَالَ إلى وَكِيْلِهِ، فَإِنْ نَوَيَا مَعاً أنَّهَا زَكَاةٌ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِيَا لَمْ يَجُزْ، وإن نوى رب المال وَلَمْ ينوِ الوكيل جاز وإن نوى الوكيل وَلَمْ ينو رب المال لَمْ يَجُزْ وإِذَا دَفَعَهَا إلى الإِمَامِ ونَوَاهَا، وَلَمْ يَنْوِ الإِمَامُ جَازَ، وإِنْ نَوَى الإِمَامُ وَلَمْ يَنْوِ رَبُ المَالِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يُجْزِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الخِرَقِيِّ، وعِنْدِي أنَّهُ لاَ يُجْزِي؛ لأنَّهُ لاَ يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُوْنَ الإِمَامُ وكِيْلَهُ، أو وَكِيْلَ الفُقَرَاءِ، ووَكِيْلُ أَيُّهُمَا كَانَ لاَ تَجْزِي نِيَّتُهُ عَنْ نِيَّةِ رَبِّ المَالِ.
وَإِذَا دَفَعَ زَكَاتَهُ اسْتُحِبَّ لَهُ أنْ يَقُوْلَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَماً ولاَ تَجْعَلْهَا مَغْرَماً.
ويَقُولُ الآخِذُ: آجَرَكَ اللهُ فِيْمَا أَعْطَيْتَ، وبَارَكَ لَكَ فِيْمَا أَبْقَيْتَ، وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُوْراً.
وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دَيْنُ آدَمِيٍّ وَلَمْ تَفِ التَّرِكَةُ اقْتَسَمُوا بالحِصَصِ نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ ابنِ القَاسِمِ. ويَجُوزُ تَقْدِيْمُ الزَّكَاةِ عَلَى الحَوْلِ إِذَا كَمَّلَ النِّصَابَ، ولاَ يَجُوزُ تَقْدِيْمِهَا لأَكْثَرَ مِنْ حَوْلٍ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى يَجُوزُ.
وإِذَا عَجَّلَهَا فَتَمَّ الحَوْلُ والنِّصَابُ نَاقِصٌ مِقْدَارَ مَا عَجَّلَ أَجْزَأَتْهُ زَكَاتُهُ، وإِذَا مَلَكَ مِئَتَيْنِ مِنَ الغَنَمِ، فَجَعَلَ زَكَاتَهَا شَاتَيْنِ، ثُمَّ تَمَّ الحَوْلُ وَقَدْ نَتَجَتْ سَخْلَةً، لَزِمَهُ إِخْرَاجُ شَاةٍ ثَالِثَةٍ.
وَإِذَا عَجَّلَ زَكَاةَ مَالِهِ، ثُمَّ هَلَكَ المَالُ قَبْلَ الحَوْلِ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى المَسَاكِيْنِ في قَوْلِ أبي بَكْرٍ وشَيْخِنَا أَبُو يَعْلَى، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهَا زَكَاتُهُ أَوْ يُطْلِقَ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: لَهُ أَنْ يُرَجِّعَ، فَإِنْ عَجَّلَهَا إلى فَقِيْرٍ فَاسْتَغْنَى أَوْ مَاتَ أَو ارْتَدَّ قَبْلَ تَمَامِ الحَوْلِ، وتَمَّ الحَوْلُ أَجْزَأَتْ عَنِ المُزَكِّي، وإِذَا تَسَلَّفَ الإِمَامُ الزَّكَاةَ فَهَلَكَتْ في يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهَا، وكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الفُقَرَاءِ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ سَأَلَهُ الفُقَرَاءُ ذَلِكَ، أو سَأَلَهُ رَبُّ المَالِ، أو لَمْ يَسْأَلْهُ الجَمِيْعَ؛ لأنَّ يَدَهُ كَيَدِ الفُقَرَاءِ.
وإِذَا كَانَ مَعَهُ نِصَابٌ فَعَجَّلَ زَكَاتَهُ وَزَكَاةَ ما يَسْتَفِيْدُهُ في الحَوْلِ، أَجْزَأَهُ عَنِ النِّصَابِ، وَلَمْ يُجْزِهِ عَنِ الزِّيَادَةِ.
وإِذَا عَجَّلَ عُشْرَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الطَّلْعِ والحِصْرَمِ، أو عُشْرَ الزَّرْعِ قَبْلَ نبات الزرع لَمْ يُجْزِهِ.
وإِذَا عَجَّلَ زَكَاتَهُ فَدَفَعَهَا إلى غَنِيٍّ فَافْتَقَرَ عِنْدَ الوُجُوبِ لَمْ يُجْزِهِ، فَإِنْ دَفَعَهَا إليهِ ثُمَّ بَانَ أنَّهُ كَافِرٌ أو عَبْدٌ أو مِنْ ذَوِي القُرْبَى لَمْ يُجْزِهِ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ وَهُوَ يَظُنُّهُ فَقِيْراً ثُمَّ عَلِمَ أنَّهُ غَنِيٌّ أَجْزَأَهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ يُجْزِيْهِ.
ويَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أنْ يَتَوَلَّى تَفْرِقَةَ الزَّكَاةِ بِنَفْسِهِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كالمَوَاشِي والزُّرُوعِ وبَيْنَ البَاطِنَةِ كَالنَّاضِّ والتِّجَارَةِ والمَعْدَنِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا إلى الإِمَامِ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ صَالِحٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ، وعِنْدِي: أنَّ دَفْعَهَا إلى الإِمَامِ العَادِلِ أَفْضَلُ؛ لأنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الخِلاَفِ وتَزُوْلُ عَنْهُ التُّهْمَةُ.
ولاَ يَجُوزُ نَقْلُ الصَّدَقَةِ عَنْ بَلَدٍ إلى بَلَدٍ تُقْصَرُ فِيْمَا بَيْنَهُمَا الصَّلاَةُ، فَإِنْ فَعَلَ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لاَ يُجْزِيْهِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ ابنِ حَامِدٍ وشَيْخِنَا.
والأُخْرَى: تُجْزِيْهِ، وَهِيَ الصَّحِيْحَةُ عِنْدِي.
وإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ المَالِ في بَلَدِهِ، ومَالُهُ في بَلَدٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ يُفَرِّقُهَا في بَلَدِ المَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الفِطْرِ، ومَالُهُ في بَلَدٍ آخَرَ، فَرَّقَهَا في بَلَدِ بَدَنِهِ. وإِنْ حَالَ عَلَيْهِ الحَوْلُ ومَالُهُ بِبَادِيَةٍ فَرَّقَهَا عَلَى أَقْرَبِ البِلاَدِ إِلَيْهِ.
وإِذَا حَصَلَ عِنْدَ الإِمَامِ مَاشِيَةٌ، فَالمُسْتَحَبُّ أنْ يَسِمَ الإِبِلَ والبَقَرَ في أُصُولِ أَفْخَاذِهَا، والغَنَمَ في آذَانِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنَ الزَّكَاةِ كَتَبَ ( زَكَاةً) أو ( للهِ)، وإِنْ كَانَتْ مِنَ الجِزْيَةِ كَتَبَ ( صَغَاراً) أو ( جِزْيَةً).

.باب ذِكْرِ الأَصْنَافِ ومَنْ تَجُوْزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ ومَنْ لاَ يَجُوْزُ:

الأَصْنَافُ الَّذِيْنَ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ ثَمَانِيَةٌ:
أَحَدُهَا: الفُقَرَاءُ، وهُم: الَّذِيْنَ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى ما يَقَعُ مَوْقِعاً مِنْ كِفَايَتِهِمْ، وهُمْ أَشَدُّ حَاجَةً مِنَ المَسَاكِيْنِ، فَيَدْفَعُ إِلَيْهِمْ مَا يَسُدُّ حَاجَتَهُمْ، وَلاَ تُدْفَعُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يحَصَلَ بِهِ الغِنَى، فَإِنِ ادَّعَى الفَقْرَ مَنْ عُرِفَ بالغِنَى لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ إلاَّ بِبَيِّنَةٍ.
والثَّانِي: المَسَاكِيْنُ، وهم: الَّذِيْنَ يَقْدِرُونَ عَلَى مُعْظَمِ كِفَايَتِهِمْ، فَيُدْفَعُ إِليْهِمْ مَا تَتِمُّ بِهِ الكِفَايَةُ، فَإِنَّ رِآهُ جَلِداً، وذَكَرَ أنَّهُ لاَ كَسْبَ لَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ؟ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ يَمِيْنٍ، بَعْدَ أنْ يُخْبِرَهُ: أنَّهُ لاَ حَظَّ فِيْهَا لِغَنِيٍّ ولاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ. فَإِنِ ادَّعَى أنَّ لَهُ عِيَالاً قُلِّدَ في ذَلِكَ وأُعْطِيَ.
والثَّالِثُ: العَامِلُ عَلَيْهَا، ومِنْ شَرْطِهِ: أنْ يَكُونَ بَالِغاً عَاقِلاً أَمِيْناً، وإِنْ كَانَ غَنِيّاً أَوْ كَافِراً أَو عَبْداً أو مِنْ ذَوِي القُرْبَى؛ لأنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً مَعْلُومَةً يُقَاطِعُهُ الإِمَامُ عَلَيْهَا. فَإِنْ تَلِفَتِ الزَّكَاةُ في يَدِهِ أَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ المَالِ، وَعَنْهُ: لاَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ كَافِراً، اخْتَارَهَا شَيْخُنَا.
والرَّابِعَةُ: المُؤَلَّفَةُ، وهُمْ: السَّادَةُ المُطَاعُونَ فِي عَشَائِرهِمْ، وهُمْ ضَرْبَانِ: كُفَّارٌ ومُسْلِمُونَ، فَأَمَّا الكُفَّارُ فَضَرْبَانِ: مَنْ يُرْجَى إِسْلاَمُهُمْ، ومَنْ يُخَافُ شَرُّهُ، فَيَجُوزُ أَنْ تَتَأَلَّفَهُمْ بِمَالِ الزَّكَاةِ، إِنْ كَانَ في ذَلِكَ مَصْلَحَةُ الإِسْلاَمِ في أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. ونَقَلَ حَنْبَلٌ: أنَّ حُكْمَهُمْ قَدِ انْقَطَعَ.
وَأَمَّا مُؤَلَّفَةُ المُسْلِمِيْنَ فَعَلَى ضُرُوبٍ: مِنْهُمْ مَنْ لَهُ شَرَفٌ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ إِسْلاَمُ نَظِيْرِهِ، ومِنْهُمْ: مَنْ يُشَكُّ في حُسْنِ إِسْلاَمِهِ ويُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ الإِيْمَانِ مِنْهُ والمُنَاصَحَةُ في الجِهَادِ، ومِنْهُمْ: قَوْمٌ في طَرَفِ بِلاَدِ الإِسْلاَمِ إِنْ أُعْطُوا دَفَعُوا عَنِ المُسْلِميْنَ، ومِنْهُمْ: قَوْمٌ إِنْ أُعْطُوا مِنْهَا جَبَوا الزَّكَاةَ مِمَّنْ لاَ يُعْطِيْهَا إلاَّ أَنْ يَخَافَ. فَكُلُّ هَؤُلاَءِ يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ.
والخَامِسُ: الرِّقَابُ، وهُمُ المُكَاتِبُونَ فَقَطْ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مَا يُؤَدُّوْنَ دُفِعَ إِلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يُؤَدُّونَ، ولاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أنَّهُ مُكَاتِبٌ إلاَّ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ المَوْلَى، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. ويَجُوزُ للسَّيِّدِ أنْ يَدْفَعَ مِنْ زَكَاتِهِ إلى مُكَاتِبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ المَرْوَذِيِّ.
وأَمَّا الرِّوَايَةُ الأُخْرَى: فَالرِّقَابُ جَمِيْعُ الرَّقِيْقِ مِنَ المُكَاتِبِيْنَ وغَيْرِهِمْ، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ زَكَاتِهِ رَقَبَةً فَيَعْتِقَهَا إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ لاَ تُعْتَقُ عَلَيْهِ بالرَّحِمِ، ويَجُوزُ أَنْ يَفُكَّ بِزَكَاتهِ أَسِيْراً مُسْلِماً في يَدِ المُشْرِكِيْنَ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ.
والسَّادِسُ: الغَارِمُونَ، وهُمْ ضَرْبَانِ:
ضَرْبٌ غَرِمَ؛ لإِصْلاَحِ ذَاتِ البَيْنِ، فَيُدْفَعُ إِلَيْهِ وإِنْ كَانَ غَنِيّاً.
وضَرْبٌ غَرِمَ؛ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ في مُبَاحٍ، فَيُعْطَى مَعَ العَجْزِ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ، ولاَ يُعْطَى مَعَ الغِنَى.
ولاَ يُقْبَلُ أنَّهُ غَارِمٌ إلاَّ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الغَرِيْمُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ غَرِمَ في مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ حَتَّى يَتُوبَ.
ولاَ يُزَادُ الغَارِمُ والمُكَاتِبُ عَلَى مَا يَقْضِي دَيْنَهُمَا.
والسَّابِعُ: في سَبِيْلِ اللهِ، وهُمْ الغُزَاةُ الَّذِيْنَ لاَ حَقَّ لَهُمْ في الدِّيْوَانِ، فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمْ مَا يَكْفِيْهِمْ لِغَزْوِهِمْ وإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَغْزُوا اسْتُرْجِعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ. واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في الحَجِّ، فَنَقَلَ عَبْدُ اللهِ وغَيْرُهُ: أنَّهُ مِنَ المُسْلِمِيْنَ فَيُدْفَعُ إِلَيْهِ مَا يَحُجُّ بِهِ أو يُعِيْنُهُ في حِجَّتِهِ وهَذَا مَعَ الفُقَرَاءِ، ونَقَلَ عَنْهُ صَالِحٌ وغَيْرُهُ: أنَّهُ لاَ يُصْرَفُ مِنَ الزَّكَاةِ في الحَجِّ.
والثَّامِنُ: ابنُ السَّبِيْلِ، وَهُوَ: المُسَافِرُ المُنْقَطِعُ بِهِ دُوْنَ المُنْشِئ للسَّفَرِ مِنْ بَلَدِهِ، فَيُعْطَى بِقَدَرِ مَا يُوصِلُهُ إلى بَلَدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. ولاَ يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ في مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ شَيءٌ، ولاَ يُعْطَى حَتَّى تَثْبُتَ حَاجَتُهُ، وإِذَا فَضَلَ مَعَهُ بَعْدَ وُصُوْلِهِ إلى بَلَدِهِ شَيءٌ مِمَّا أَخَذَ اسْتُرْجِعَ مِنْهُ.
والمُسْتَحَبُّ أنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلى جَمِيْعِ الأَصْنَافِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا، قَالَ: لأَنَّ اللهَ تَعَالَى بَيَّنَ بالآيَةِ الجِهَاتِ الَّتِي تُصْرَفُ إِلَيْهَا الزَّكَاةُ، والأُخْرَى: لاَ تُجْزِيْهِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ.
وإِذَا قُلْنَا لَهُ: أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِسْكِيْناً وَاحِداً، فَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَقْتَصِرُ، فَلاَ يُجْزِيْهِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إلاَّ العَامِلَ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً فَيَجُوْزُ أنْ يَكُوْنَ وَاحِداً.
والمُسْتَحَبُّ أنْ تُصْرَفَ صَدَقَتُهُ إلى أَقَارِبِهِ الَّذِيْنَ لاَ تَلْزِمُهُ نَفَقَتُهُمْ، وإنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدَرِ حَاجَتِهِمْ، فَأَمَّا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَهُوَ: مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أو تَعْصِيْبٍ فَلاَ يَجُوزُ أنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ زَكَاتَهُ وَلاَ كَفَّارَتَهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلى جَمِيْعِ أَقَارِبِهِ إلاَّ الوَالِدَيْنِ وإنْ عَلَوْا، والوَلَدَ وَإِنْ سَفَلَ.
ولاَ يَجُوزُ للرَّجُلِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلى زَوْجَتِهِ، وهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ دَفْعُ زَكَاتِهَا إلى زَوْجِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ولاَ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلى فَقِيْرَةٍ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ. ولاَ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلى بَنِي هَاشِمٍ ولاَ إلى مَوَالِيْهِمْ، وهَلْ يَجُوْزُ دَفْعُهَا إلى بَنِي المُطَّلِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ويَجُوزُ أنْ يَأْخُذُوا مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، ومِنَ الوَصَايَا لِلْفُقَرَاءِ، ومِنَ النُّذُورِ ويُخَرَّجُ لأَحَدِهِمْ في الكَفَّارَةِ وَجْهَانِ.
وأمَّا الغِنَى المَانِعُ مِنَ أَخْذِ الزَّكَاةِ فَهُوَ: أنْ يَكُوْنَ لَهُ كِفَايَةٌ عَلَى الدَّوَامِ، إمَّا مِنْ تِجَارَةٍ، أو صِنَاعَةٍ، أو أُجْرَةِ عَقَارٍ، أو غيرِ ذَلِكَ. فَإِنْ مَلَكَ خَمْسِيْنَ دِرْهَماً أو قِيْمَتَهَا مِنَ الذَّهَبِ، وَهِيَ لاَ تَقُومُ بِكِفَايَتِهِ جَازَ لَهُ الأَخْذُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، نَقَلَهَا مُهَنَّأٌ – وَهِيَ الصَّحِيْحَةُ عِنْدِي – ونَقَلَ عَنْهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ: لاَ يَجُوزُ لَهُ الأَخْذُ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ وشَيْخِنَا. وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ أنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ عُرُوضٌ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ أو أَكْثَرَ لاَ تَقُومُ بِكِفَايَتِهِ أنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وكُلُّ مَنْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِ الزَّكَاةَ مِنْ ذَوِي القُرْبَى وغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا؛ لِكَوْنِهِ غَازِياً أو عَامِلاً أو مُؤَلَّفاً أو لإِصْلاَحِ ذَاتِ البَيْنِ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ.

.بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ:

تُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ في جَمِيْعِ الأَوْقَاتِ، ويُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنْهَا في شَهْرِ رَمَضَانَ، وأَمَامَ الحَاجَاتِ، ويُتُصَدَّقُ بالفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ وكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ عَلَى الدَّوَامِ، فَإِنْ خَالَفَ فَتَصَدَّقَ وأَضَرَّ بِنَفْسِهِ أو بأَهْلِهِ أَثِمَ، وإِذَا أَرَادَ أنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيْعِ مَالِهِ نَظَرَ في حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وقُوَّةَ النَّفْسِ والصَّبْرَ عَلَى المَسْأَلَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وإن لَمْ يثق من نفسهِ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، ويُكْرَهُ لِمَنْ لا صَبْرَ لَهُ عَلَى الإِضَاقَةِ أَنْ يُنْقِصَ نَفْسَهُ عَنِ الكِفَايَةِ التَّامَةِ.

.كِتَابُ الصِّيَامِ:

يَجِبُ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ الهِلاَلِ، فَإِنْ لَمْ يُرَ مَعَ الصَّحْوِ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِيْنَ يَوْماً، ثُمَّ صَامُوا، فَإِنْ حَالَ دُوْنَ مَطْلَعِهِ غَيْمٌ أو قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلاَثِيْنَ وَجَبَ صَوْمُهُ نِيَّةَ رَمَضَانَ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ وَهِيَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا، والثَّانِيَةِ: لا يَجِبُ صَوْمُهُ، والثَّالِثَةِ: النَّاسُ تَبَعُ الإِمَامِ، فَإِنْ صَامَ صَامُوا، فَإِنْ رَأَى الهِلاَلَ بالنَّهَارِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ المُقْبِلَةِ عَلَى قَوْلِ الخِرَقِيِّ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ: قَبْلَ الزَّوَالِ وبَعْدَهُ، وقَالَ شَيْخُنَا: إِنْ رَأَى قَبْلَ الزَّوَالِ في أَوَّلِ رَمَضَانَ، فَهُوَ للمَاضِيَةِ.
وإِنْ كَانَ في آخِرِهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: هُوَ للمَاضِيَةِ أَيْضاً، والثَّانِيَةُ: هُوَ للمُقْبِلَةِ.
وإِذَا رَأَى الهِلاَلَ أَهْلُ بَلَدٍ لَزِمَ جَمِيْعَ البِلاَدِ الصَّوْمُ. ويُقْبَلُ في هِلاَلِ رَمَضَانَ عَدْلٌ وَاحِدٌ، ولاَ يُقْبَلُ في سَائِرِ الشُّهُورِ إلاَّ عَدْلاَنِ. وَإِذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ الوَاحِدِ ثَلاَثِيْنَ يَوْماً فَلَمْ يَرَوا الهِلاَلَ لَمْ يَفْطُرُوا وَقِيْلَ يفطروا فإن صاموا بشهادة إثنين فطروا وجهاً واحداً وإن صاموا لإجل الغيم لَمْ يفطروا. ولاَ يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ إلاَّ عَلَى المُسْلِمِ البَالِغِ العَاقِلِ القَادِرِ عَلَى الصَّوْمِ، فَأَمَّا الكَافِرُ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أصْلِيّاً أو مُرْتَدّاً، وأَمَّا الصَّبِيُّ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ إِذَا أطَاقَهُ، ويُضْرَبُ عَلَيْهِ؛ لِيعْتَادَهُ. ومَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَإِنْ أَسْلَمَ الكَافِرُ وبَلَغَ الصَّبِيُّ وأَفَاقَ المَجْنُونُ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ، لَزِمَهُمْ إِمْسَاكُ ذَلِكَ اليَوْمِ وقَضَاؤُهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ. فَإِنْ طَهُرَتِ الحَائِضُ والنُّفَسَاءُ وأَفَاقَ المَجْنُوْنُ وقَدِمَ المُسَافِرُ أو قَامَتِ البَيِّنَةُ بالرُّؤْيَةِ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَزِمَهُمْ القَضَاءُ رِوَايَةً واحِدَةً، وفي وُجُوبِ الإِمْسَاكِ رِوَايَتَانِ.
فَإِنْ نَوَى المُرَاهِقُ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ بَلَغَ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ بالاحْتِلاَمِ أو السِّنِّ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يُتِمُّ ولاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وعِنْدِي: عَلَيْهِ القَضَاءُ، كَمَا لَوْ بَلَغَ في أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ.
وأَمَّا مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ ويَعْجِزُ عَنِ الصِّيَامِ لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لاَ يُرْجَى بَرْؤُهُ، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، و يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْناً مُدّاً مِنْ بُرٍّ، أو نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أو شَعِيْرٍ.
وَإِذَا أَشْتَبَهَتِ الشُّهُورُ عَلَى الأَسِيْرِ تَحَرَّى وَصَامَ، فَإِنْ وَافَقَ الشَهْرَ أو مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ، وإِنْ وَافَقَ مَا قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ.
ومَنْ رَأَى هِلاَلَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ فَرَدَّ الحَاكِمُ شَهَادَتَهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ، ورَوَى عَنْهُ حَنْبَلٌ: لاَ يَلْزِمُهُ الصَّوْمُ، فَإِنْ رأَى هِلاَلَ شَوَّالَ وَحْدَهُ لَمْ يَفْطُرْ.
والمَرِيْضُ إذا خَافَ الضَّرَرَ والمُسَافِرُ اسْتُحِبَّ لَهُمَا الفِطْرُ. فَإِنْ صَامَا كُرِهَ لَهُمَا ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُمَا. وَلاَ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَصُومَا في رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ. ومَنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ جَازَ لَهُ أنْ يَفْطُرَ، وَعَنْهُ: لاَ يَجُوزُ لَهُ إِفْطَارُ ذَلِكَ اليَوْمِ. والحَامِلُ والمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا، وإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وعَلَيْهِمَا القَضَاءُ وإِطْعَامُ مِسْكِيْنٍ.
وإِذَا نَوَى قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أو جُنَّ جَمِيْعُ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وإِنْ أَفَاقَ جُزْءً مِنَ النَّهَارِ فَصَوْمُهُ صَحِيْحٌ، وإِنْ نَامَ جَمِيْعَ النَّهَارِ فَصَوْمُهُ صَحِيْحٌ، ويَلْزَمُ المُغْمَى عَلَيْهِ القَضَاءُ، ولاَ يَلْزَمُ المَجْنُونَ القَضَاءُ، وَنقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٌ: أنَّ المَجْنُونَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ، وإنْ أَفَاقَ بَعْدَ خُرُوجِهِ.
وَإِذَا أكل مُعْتَقِداً أنَّهُ لَيْلٌ ثُمَّ بَانَ أنَّهُ نَهَارٌ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وإِنْ أَكَلَ شَاكّاً في طُلُوعِ الفَجْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ القَضَاءُ، وإِنْ أَكَلَ شَاكّاً في غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَهُ القَضَاءُ.

.باب نِيَّةِ الصِّيَامِ:

ولاَ يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ ولاَ غَيْرُهُ مِنَ الصِّيَامِ الوَاجِبِ إلاَّ بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ لِكُلِّ يَوْمٍ، وَعَنْهُ في صَوْمِ رَمَضَانَ: أَنَّهُ تُجْزِىء نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيْعِ الشَّهْرِ. ويَجِبُ تَعْيِيْنُ النِّيَّةِ في كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ: وَهُوَ أنْ يَعْتَقِدَ أنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ، أو مِنْ كَفَّارَاتِهِ، أو مِنْ نَذْرِهِ. وَلاَ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ فَرِيْضَةً، وقَالَ ابنُ حَامِدٍ: يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: لاَ يَجِبُ تَعْيِيْنُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ.
ويَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وبَعْدَهُ، واخْتَارَ شَيْخُنَا في "المجردِ": أنَّهُ لاَ تُجْزِئُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ بَعْدَ الزَّوَالِ، ويُحْكَمُ لَهُ بالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ المُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ لاَ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ، وإِذَا نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ إِنْ كَانَ غَداً مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِي، وإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ نَفْلٌ، لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَقْطَعَ بِأَنَّهُ غَداً صَائِمٌ مِنْ رَمَضَانَ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يُجْزِيْهِ ذَلِكَ مِنْ رَمَضَانَ. ومَنْ نَوَى الخُرُوجَ مِنَ الصِّيَامِ بَطَلَ صَوْمُهُ.

.باب مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ ومَا يُوْجِبُ الكَفَّارَةَ:

ومَنْ أَكَلَ أو شَرِبَ أو اسْتَعَطَّ أو اكْتَحَلَ بِمَا يَصِلُ إلى جَوْفِهِ، أَو قَطَرَ في أُذُنِهِ فَوَصَلَ إلى دِمَاغِهِ، أو دَاوَى المَأْمُومَةَ، أو الجَائِفَةَ بِمَا يَصِلُ إلى جَوْفِهِ، أو احْتَقَنَ، أو احتَجَمَ، أو حَجَمَ، أو اسْتَقَاءَ، أو اسْتَمْنَى ذَاكِراً للصَّوْمِ عَالِماً بالتَّحْرِيْمِ بَطَلَ صَوْمُهُ، وعَلَيْهِ أنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ويَقْضِي، وإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِياً أو جَاهِلاً بالتَّحْرِيْمِ أو مُكْرَهاً لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ.
وإِذَا قَطَرَ في إِحْلِيْلِهِ أو طَارَ إلى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أو غُبَارٌ، أو أَصْبَحَ وفي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ. وإنْ تَمَضْمَضَ أو اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ المَاءُ إلى جَوْفِهِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ فِيْهِمَا أو بَالَغَ في الاسْتِنْشَاقِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.
وإِذَا طَلَعَ عَلَيْهِ الفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ، وإِنْ نَزَعَ فَكَذَلِكَ أَيْضاً عَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ وشَيْخِنَا، وَقَالَ أبو حَفْصٍ: لاَ قَضَاءَ ولاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وإِذَا جَامَعَ في الفَرْجِ بَطَلَ صَوْمُهُمَا سَوَاءٌ كَانَا ذَاكِرَيْنِ مُخْتَارَيْنِ أو نَاسِيَيْنِ مُكْرَهَيْنِ، فَأَمَّا الكَفَّارَةُ فَإِنمَا تَلْزَمُ الرَّجُلَ مَعَ زَوَالِ العُذْرِ، وهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَ الإِكْرَاهِ والنِّسْيَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وأمَّا المَرْأَةُ فَلاَ تَلْزَمُهَا الكَفَّارَةُ مَعَ العُذْرِ، وهَلْ تَلْزَمُهَا مَعَ المُطَاوَعَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ونَقَلَ عَنْهُ ابنُ القَاسِمِ: كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ولاَ غَيْرُهُ، وهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِ القَضَاءِ والكَفَّارَةِ مَعَ الإِكْرَاهِ والنِّسْيَانِ. وإِذَا بَاشَرَ دُوْنَ الفَرْجِ أو قَبَّلَ أو لَمَسَ أو كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمنى، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وفي الكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ.
وإِذَا أَوْلَجَ في بَهِيْمَةٍ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وفي الكَفَّارَةِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الحَدِّ. وإِذَا لمَسَّ فَأمْذَى فَعَلَيْهِ القَضَاءُ.
وَإِذَا فَكَّرَ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمُهُ، وَقَالَ أبو حَفْصٍ البَرْمَكِيُّ: يُفْسِدُ. وإِذَا جَامَعَ في يَوْمٍ رَأَى الهِلالَ في لَيْلَتِهِ ورُدَّتْ شَهَادَتُهُ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ، وإِذَا نَوَى الصِّيَامَ في سَفَرِهِ ثُمَّ جَامَعَ، فَفِي الكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ. فَإِنْ جَامَعَ وَهُوَ صَحِيْحٌ ثُمَّ مَرِضَ أو جُنَّ في أَثْنَاءِ اليومِ لَمْ تَسْقُطِ الكَفَّارَةُ عَنْهُ، وإِذَا وَطِئَ ثُمَّ كَفَرَ ثُمَّ عَادَ فَوَطِئَ في يَوْمِهِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - وكَذَلِكَ إِذَا أَصْبَحَ لاَ يَنْوِي الصِّيَامَ أو أَكَلَ ثُمَّ جَامَعَ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الكَفَّارَةُ. وإِذَا جَامَعَ في يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَتْ كَفَّارَتَانِ في اخْتِيَارِ شَيْخِنَا وابنِ حَامِدٍ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
وكَفَّارَةُ الجِمَاعِ عَلَى التَّرْتِيْبِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيْمَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّيْنَ مِسْكِيْناً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَقَطَتْ عَنْهُ، وَعَنْهُ: أنَّهَا عَلَى التَّخْيِيْرِ بَيْنَ العِتْقِ والصِّيَامِ والإِطْعَامِ، فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ أَجْزَأَهُ.

.باب مَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ وحُكْمُ القَضَاءِ:

يُكْرَهُ لِمَنْ تُحَرِّكُ القُبْلَةُ شَهْوَتَهُ أَنْ يُقَبِّلَ وَهُوَ صَائِمٌ، ومَنْ لاَ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ويُكْرَهُ لِلصَّائِمِ مَضْغُ العِلْكِ: وَهُوَ المُومياءُ واللُّبَانُ الَّذِي كُلَّمَا مَضَغَهُ قَوِيَ فَأَمَّا مَا يُتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ مَضْغُهُ، ومَتَى مَضَغَهُ وَوَجَدَ طَعْمَهُ في حَلْقِهِ أَفْطَرَ. ويُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَعَنْهُ: لاَ يُكْرَهُ. وهَلْ يُكْرَهُ السِّوَاكُ بِالعُوْدِ الرَّطْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ولاَ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الاغْتِسَالُ، ويُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ رِيْقَهُ فَيَبْلَعَهُ، وهَلْ يَفْطُرُ؟ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. ويُكْرَهُ أَنْ يَذُوقَ الطَّعَامَ، فَإِنْ فَعَلَ فَوَجَدَ طَعْمَهُ في حَلْقِهِ أَفْطَرَ. ويَنْبَغِي أنْ يُنَزِّهَ صَوْمَهُ عَنِ الكَذِبِ والغِيْبَةِ والشَّتْمِ، فَإِنْ شُتِمَ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. ويُسْتَحَبُّ لَهُ تَعْجِيْلُ الإِفْطَارِ إِذَا لَحِقَ غُرُوبَ الشَّمْسِ، وتَأْخِيْرُ السّحُوْرِ مَا لَمْ يَخْشَ طُلُوْعَ الفَجْرِ. ويُسْتَحَبُّ أنْ يُفْطِرَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى المَاءِ. ويُسْتَحَبُّ أنْ يَدْعُوَ عِنْدَ إِفْطَارِهِ بِمَا رَوَاهُ أَنَسٌ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا صَامَ أَحَدُكُمْ فَقَدَّمَ عَشَاءهُ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ لَكَ صِمْتُ، وعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، سُبْحَانَكَ وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ».
ويُسْتَحَبُّ التَّتَابِعُ في قَضَاءِ رَمَضَانَ، ولاَ يَجُوزُ تَأْخِيْرُ القَضَاءِ إلى رَمَضَانَ آخَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ أَخَّرَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ ويُطْعِمَ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْنَا، فَإِنْ أَخَّرَ القَضَاءَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ كَانَ التَّأْخِيْرُ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أو سَفَرٍ فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ التَّأْخِيْرُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْناً ولاَ يُصَامُ عَنْهُ. وإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، وَجَبَ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيْرَيْنِ.
فَإِنْ مَاتَ وعَلَيْهِ صَومٌ مَنْذُوْرٌ أو حَجٌّ مَنْذُوْرٌ أو اعْتِكَافٌ مَنْذُوْرٌ، فَعَلَ ذَلِكَ عَنْهُ المَوْلَى. فَإِنْ مَاتَ وعَلَيْهِ صَلاَةٌ مَنْذُوْرَةٌ، فَهَلْ يَفْعَلُهَا عَنْهُ الوَلِيُّ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

.باب صَوْمِ النُّذُوْرِ والتَّطَوُّعِ:

ومَنْ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَصُمْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ وَكَفَّارَةُ يَمِيْنٍ، وإِنْ لَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ كَالْمَرَضِ ونَحْوِهِ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وفي الكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ. فَإِنْ صَامَ قَبْلَ الشَّهْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَمْ يُجْزِهِ. فَإِنْ جُنَّ جَمِيْعَ الشَّهْرِ المُعْين لَمْ يَلْزَمْهُ القَضَاءُ.
وَإِذَا نَذَرَ أنْ يَصُوْمَ يَومَ يَقْدُمُ فُلاَنٌ، فَإِنَّهُ نَذْرٌ صَحِيْحٌ، فَإِنْ قَدِمَ فُلاَنٌ في ذَلِكَ اليَوْمِ والنَّاذِرُ مُمْسِكٌ، لَزِمَهُ صِيَامُ ذَلِكَ اليَومِ ويَقْضِي ويُكَفِّرُ، وَعَنْهُ: أنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ إلاَّ صِيَامُ ذَلِكَ اليَوْمِ. فَإِنْ كَانَ النَّاذِرُ قَدْ أَكَلَ في ذَلِكَ اليَوْمِ، لَزِمَهُ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ يَلْزَمُهُ شَيءٌ. فَإِنْ وَافَقَ قُدُوْمُهُ يَوْماً مِنْ رَمَضَانَ لَزِمَهُ القَضَاءُ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: لاَ يَلْزَمُهُ شَيءٌ.
ومَنْ نَذَرَ صِيَامَ يَوْمِ العِيْدِ لَمْ يَصُمْهُ، ويَقْضِي ويُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِيْنٍ، نَقَلَهَا أبو طَالِبٍ، ونَقَلَ حَنْبَلٌ: أنَّهُ يُكَفِّرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَهُوَ الصَّحِيْحُ عِنْدِي. ونَقَلَ مُهَنَّا كَلاماً يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ إِنْ صَامَهُ صَحَّ صَوْمُهُ ولاَ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَةُ أنَّهُ لاَ يَصِحُّ صِيَامُ يَوْمَي العِيْدَيْنِ، وأَيَّامِ التَّشْرِيْقِ نَفْلاً، وأَمَّا صَوْمُهُمَا عَنِ الفَرْضِ فَقَدْ بَيَّنَا أنَّ في العِيْدَيْنِ وأَيَامِ التَّشْرِيْقِ رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، والأُخْرَى: لاَ يَصِحُّ.
ويُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ أَنْ يُتْبِعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وإِنْ فَرَّقَهَا، ويُسْتَحَبُّ لَهُ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وآكَدُهَا يَومُ التَّرْوِيَةِ وعَرَفَةٍ؛ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ حَاجّاً، فَيَكُونُ الأَفْضَلُ لَهُ الفِطْرُ؛ لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ. ويُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ المُحَرَّمِ، وآكَدُهَا تَاسُوعَاءُ وعَاشُورَاءُ. ويُسْتَحَبُّ صِيَامُ الأَيَّامِ البِيْضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وصَوْمُ الاثْنَيْنِ والخَمِيْسِ. وصِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْماً ويُفْطِرُ يَوْماً.
ويُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ، قَالَ أَحْمَدُ-رَحِمَهُ اللهُ -:وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ فِيْهِ يَوْمَي العِيْدَيْنِ وأَيَّامَ التَّشْرِيْقِ.ويُكْرَهُ لَهُ الوِصَالُ في الصومِ، واسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ باليَوْمِ واليَوْمَيْنِ. ويُكْرَهُ إفْرَادُ رَجَبٍ بالصَّوْمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وفي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ:ويُكْرَهُ إفْرَادُ يَومِ الْجُمُعَةِ ويَومِ السَّبْتِ ويَوْمِ النَّيْرُوزِ وَيَومِ المِهْرَجَانِ ويومِ الشَّكِّ بالصَّوْمِ إلاَّ أنْ يُوافِقَ عَادَةً لَهُ. ولا يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ صَومٌ فَرْضٌ أنْ يَتَطَوَّعَ بالصَّوْمِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. والأُخْرَى يَجُوزُ، ومَنْ دَخَلَ في صَوْمِ تَطَوُّعٍ أو صَلاةِ تَطَوُّعٍ اسْتَحَبَّ لَهُ إتْمَامُهَا، فإنْ خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ القَضَاءُ. ومَنْ دَخَلَ في حِجِّ تَطَوُّعٍ أو عُمْرَةِ تَطَوُّعٍ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا، فإنْ أفْسَدَهَا أو فَاتَ وَقْتُ الحَجِّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ القَضَاءُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وتُطْلَبُ لَيْلَةُ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأخيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وفي لَيَالِي الوِتْرِ أَكْثَرُ وَأَرْجَاهَا وآكَدُهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرِيْنَ مِنْهُ؛ ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِيْهَا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنْ وَافَقْتُهَا بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: « قُوْلِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».

.كِتَابُ الاعْتِكَافِ:

والاعْتِكَافُ مُسْتَحَبٌّ، ولاَ يَجِبُ إِلاَّ بالنَّذْرِ، ولاَ يَصِحُّ في حَقِّ الرِّجَالِ إِلاَّ في مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيْهِ الجَمَاعَةُ، ويَصِحُّ مِنَ النِّسَاءِ في سَائِرِ المَسَاجِدِ غَيْرِ مَسْجِدِ بُيُوتِهِنَّ، فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ في المَسْجِدِ الحَرَامِ، أو مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أو المَسْجِدِ الأَقْصَى؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ. وإِنْ عَيَّنَ غَيْرَهَا مِنَ المَسَاجِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ الاعْتِكَافُ فِيْهَا. فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ في المَسْجِدِ الأَقْصَى جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ في المَسْجِدِ الحَرَامِ ومَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ومَنْ نَذَرَ الاعْتِكَافَ في المَسْجِدِ الحَرَامِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيْهِمَا؛ لأنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمَا.
ويَفْتَقِرُ الاعْتِكَافُ إلى النِّيَّةِ والأَفْضَلُ أَنْ يَكُوْنَ في الجَامِعِ إِذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ يَتَخَلَّلُهُ جُمُعَةٌ، ويَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ، وَعَنْهُ: لا يَصِحُّ إِلاَّ بِصَوْمٍ، فَعلَى هَذَا لاَ يَصِحُّ لَيْلَةً مُنْفَرِدَةً ولاَ يَصِحُّ بَعْضُ يَوْمٍ، وإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ اللَّيْلَةِ الَّتِي مِنْهُمَا، وكَذَلِكَ إِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ لَزِمَهُ اليَوْمُ الَّذِي بَيْنَهُمَا، وإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعْكِفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الشَّهْرِ ويَخْرُجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهِ. فَإِنْ نَذَرَهُ مُطْلَقاً لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ مُتَتَابِعٍ أَيْضاً، فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ ثَلاَثِيْنَ يَوْماً لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ قِيَاساً عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ رضي الله عنه: إِذَا نَذَرَ صَوْمَ ثَلاَثِيْنَ يَوْماً جَازَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَهُا، وإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ لَزِمَهُ التَّتَابُعُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ في الاعْتِكَافِ ولاَ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ في الصَّوْمِ. وإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فَخَرَجَ لِمَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنَ الأَكْلِ والشُّرْبِ، وَقَضَاءِ حَاجَةِ الإِنْسَانِ، والحَيْضِ والنِّفَاسِ، والاغْتِسَالِ مِنَ الجَنَابَةِ، وأَدَاءِ شَهَادَةٍ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ، ومَرَضٍ شَدِيْدٍ، وخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ فِتْنَةٍ وقَعَتْ، وجِهَادٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، وصَلاَةٍ الجُمُعَةِ، وسُلْطَانٍ أَحْضَرَهُ، وعِدَّةِ الوَفَاةِ؛ لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ وإن خَرَجَ لما لَهُ مِنْهُ بدٌ من عبادةٍ وزيارةٍ وصلاة جنازة بطل اعتكافه إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ شَرَطَ ذَلِكَ في بَلَدِهِ، وإِنْ خَرَجَ إِلَى مَنَارَةٍ خَارِجِ المَسْجِدِ للأَذَانِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَقِيْلَ: لا يَبْطُلُ؛ لأَنَّ مَنَارَةَ المَسْجِدِ كَالمُتَّصِلَةِ بِهِ، فَإِنْ خَرَجَ لِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ فَسَأَلَ عَنِ المَرِيْضِ في طَرِيْقِهِ وَلَمْ يُعَرِّجْ جَازَ لَهُ، وكَذَلِكَ إِنْ دَخَلَ مَسْجِداً في طَرِيْقِهِ فَأَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيْهِ، وإِذَا خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ في الاعْتِكَافِ المُتَتَابِعِ بَطَلَ مَا مَضَى مِنِ اعْتِكَافِهِ واسْتَأْنَفَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ، ويَتَخَرَّجُ أَنْ يَقْضِيَ مَا خَرَجَ فِيْهِ ويُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِيْنٍ، وأَصْلُ الوَجْهَيْنِ إِذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَأَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ يَسْتَأْنِفُ أو يَقْضِي ما تَرَكَ ويُكَفِّرُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وإِذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمَ يَقْدُمُ فُلاَنٌ فَقَدِمَ لَيْلاً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيءٌ، فَإِنْ قَدِمَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ البَاقِي وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ مَا قَدْ مَضَى مِنَ اليَومِ، وَإِذَا وَطِئَ المُعْتَكِفُ فِي الفَرْجِ بَطلَ اعْتِكَافُهُ وإنْ كَانَ نَاسِياً ويَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ إِذَا كَانَ نَذْراً، واخْتَلَفَ أصْحَابُنَا فِي الكَفَّارَةِ وَقَالَ شَيْخُنَا فِي "الخِلافِ": تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ – فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ فِي "التَّنْبِيْهِ": يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ ويَمِيْنٌ، وعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بالوَطْءِ، وإنْ وَطِئَ دُوْنَ الفَرْجِ فأنْزَلَ بَطُلَ اعْتِكَافُهُ وإنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ. ولا يَعْتَكِفُ العَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، ولا المَرْأَةُ بِغَيْرِ إذِنِ زَوْجِهَا، فإنْ أذِنَا ثُمَّ أرَادَا تَحْلِيْلَهُمَا فَلَهُمَا ذَلِكَ إنْ كَانَ تَطَوُّعاً وإنْ كَانَ نَذْراً لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَحْلِيلَهُمَا، ويَجُوزُ لِلْمُكَاتِبِ أن يَعْتَكِفَ ويَحُجَّ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلاهُ نَصَّ عَلَيْهِ، ومَنْ نِصْفَهُ حُرٌّ، إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ مُهَايَأَةٌ، جَازَ أنْ يَعْتَكِفَ في يَوْمِهِ وإنْ لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةٌ فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ. ويُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ أنْ يَتَشَاغَلَ بِفِعْلِ القُرَبِ، ويَتَجَنَّبَ ما لا يَعْنِيهِ مِنَ الأقْوَالِ والأفْعَالِ وذَكَرَ أصْحَابُنَا أنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ لَهُ إقْرَاءُ القُرْآنِ وتَدْرِيسُ العِلْمِ ومُنَاظَرَةُ الفُقَهَاءِ، وعندِي أنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ إِذَا قَصَدَ بِهِ طَاعَةَ اللهِ تَعَالَى لا الْمُبَاهَاةِ.

.كِتَابُ الْحَجِّ:

الحَجُّ والعُمْرَةُ فَرِيْضَتَانِ تَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حُرِّ عاقِلٍ بَالِغٍ مُسَتَطِيعٍ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فأمَّا الكَافِرُ والمَجْنُونُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِمَا ولا تَصِحُّ مِنْهُمَا وأمَّا العَبْدُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ وتَصِحُّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إلا أنَّهُ إنْ كَانَ مُمَيِّزاً أحْرَمَ بإذْنِ الوَلِي وإنْ كَانَ غَيْر مُمَيِّزٍ أحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وفَعَلَ عَنْهُ ما لا يَتَأَتَّى فِعْلُهُ مِنْهُ وَنَفَقَةُ الحَجِّ وما يَلزَمُهُ مِنَ الكَفَّارَةِ في مَالِهِ، وَعَنْهُ أنَّهُ في مالِ الوَلِيِّ وَهُوَ الصَّحِيْحُ عندي. فإنْ عُتِقَ العَبْدُ وبَلَغَ الصَّبِيُّ قَبْلَ الوُقُوفِ في الحَجِّ، وقَبْلَ الطَّوَافِ في العُمْرَةِ أجْزَأَهُمَا عَنْ حَجَّةِ الإسْلامِ وعُمْرَتِهِ، وأمَّا المُسْتَطِيعُ فَعَلَى حَالَتَيْنِ، حَالَةٌ يستطيع بِنَفْسِهِ، وحَالَةٌ بِغَيْرِهِ؛ فَالمُسْتَطِيعُ بِنَفْسِهِ أنْ يَكُوْنَ صَحِيْحاً يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، واجِداً لِلزَّادِ ثَمَنَ المِثْلِ أو بِزِيَادَةٍ لاَ تُجْحِفُ بِمَالِهِ قَادِراً عَلَى المَالِ وعَلَفِ البَهَائِمِ فِي المَنَازِلِ الَّتِي يَنْزِلُهَا فِي ذَهَابِهِ ورُجُوعِهِ، وأنْ يَجِدَ رَاحِلَةً تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ إِذَا كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيْهَا الصَّلاةِ ويَجِدُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ من رَحْلِهَا وآلةٍ تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ مِنْ مَحْمَلٍ أو رَاحِلَةٍ أو قَتَبٍ، لأنَّهُ قَدْ يَكُوْنُ شَيْخاً أو ضَعِيفاً لاَ يُمْكِنُهُ الرُّكُوبَ عَلَى القَتَبِ ويُمْكِنُهُ الرُّكُوبَ فِي المَحْمَلِ، وأنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ فَاضِلاً عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وخَادِمٍ إن احْتَاجَ إِلَيْهِ، ونَفَقَةِ عَيالِهِ إِلَى أن يَعُودَ، وقَضَاءِ دَيْنٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ، وأنْ يَكُوْنَ لَهُ إِذَا رَجَعَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ مِنْ عَقَارٍ أو بِضَاعَةٍ أو صِنَاعَةٍ، وأنْ يَجِدَ طَرِيْقاً آمِناً من غَيْرِ خَفَارَةٍ تَلْزَمُهُ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: إِذَا كَانَت الخَفَارَةُ في مِمَّا لا تُجْحِفُ بِمَالِهِ لَزِمَهُ الحَجُّ، وأنْ يَكُوْنَ في الوَقْتِ سَعَةً يَتَمَكَّنُ فِيْهِ مِنَ السَّيْرِ لأدائِهِ، وإنْ كَانَت امْرأةٌ فإنْ يَكُونْ مَعَهَا ذو رَحِمٍ محرم كالأَبِ والأَخِ والعَمِّ والزَّوْجِ، فأمَّا العَبْدُ فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِسَيِّدَتِهِ. وأمَّا المُسْتَطِيعُ لِغَيْرِهِ فإنْ يَجِدْ مَنْ لا يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِزَمَانَةٍ أو كِبَرٍ مالاً يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَبَذَلَ لَهُ نَسِيْبُهُ أو صَديْقُهُ الطَّاعَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ فرْضُ الحَجِّ، ولا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الحَجُّ والعُمْرَةُ أنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ فإنْ أخَّرَهُ أثِمَ فإنْ لَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى مَاتَ وَجَبَ قَضَاؤُهُ مِنْ جَمِيْعِ تَرِكَتِهِ كالزَّكَاةِ والدَّيْنِ، ولا يَجُوْزُ لمَنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الحَجِّ أنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لا يَنْتَفِلُ بالحَجِّ ولا يُؤَدِّي الحَجَّ المَنْذُورَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الإسْلاَمِ، فإنْ خَالَفَ وَفَعَلَ انْصَرَفَ إِلَى حَجَّةِ الإسْلامِ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى ينْعَقِدُ الحَجُّ عَنْ غَيْرِهِ وعَنْ نَذْرِهِ ونَافِلَتِهِ، ويَجُوزُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الحَجِّ بِنَفْسِهِ أنْ يَسْتَنِيْبَ في حَجِّ التَّطَوِّعِ وَعَنْهُ لا يَجُوزُ، ويَجُوزُ الإحْرَامُ بالحَجِّ والعُمْرَةِ في جَمِيْعِ السَّنَةِ إلاّ أنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ أن يُحْرِمَ بالحَجِّ في غَيْرِ أشْهُرِ الحَجِّ وَهِيَ: شَوَّالٌ وذُو القِعْدَةِ وعَشَرَةُ أيَّامٍ من ذِيْ الحِجَّةِ، والإنْسَانُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أنْ يَتَمَتَّعَ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ وبينَ أنْ يُفْرِدَ العُمْرَةَ عَن الحَجِّ وبينَ أن يُقرن بَيْنَهُمَا وأفْضَلُهُمَا التَّمَتُّعُ ثُمَّ الإفْرَادُ ثُمَّ القِرَانُ، ونَقَلَ عَنْهُ الْمَرْوَذِيُّ: إنَّ سَاقَ الهَدْيَ فَالْقِرانُ أفْضَلُ من التَّمَتُّعِ والإفْرَادِ، وإنْ لَمْ يَسُقْ فالتَّمَتُّعُ أفْضَلُ. وصِفَةُ التَّمَتُّعِ أن يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أشْهُرِ الحَجِّ ويَفْرُغُ مِنْهَا ثُمَّ يُحْرِمُ بالحِجِّ مِنْ مَكَّةَ في عَامِهِ.
والإفْرَادُ أنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَخْرُجَ إِلَى أدنَى الحِلِّ ويُحْرِمَ بالعُمْرَةِ.
والقِرَانُ أنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا في الإحْرَامِ مِنَ المِيْقَاتِ أو يُهِلَّ بالعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الحَجُّ قَبْلَ الطواف ثُمَّ يقتصر عَلَى أفعال الحج في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِي وشَيْخِنَا والأُخْرَى لا يُسْقِطُ عَنْهُ القِرَانُ فِعْلَ العُمْرَةِ بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ أن يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ وَهِيَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ وأبي حَفْصٍ وَمَنْ أَهَلَّ بالحَجِّ ثُمَّ أدْخَلَ عَلَيْهِ العُمْرَةَ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِرْ قَارِناً، ويَجُوزُ لِلْمُفْرِدِ والقَارِنِ أنْ يَفْسَخَا نُسُكَهُمَا إِلَى العُمْرَةِ بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أنْ لا يَكُوْنَا قَدْ وَقَفا بِعَرَفَةَ، والثَّانِي: أنْ لا يَكُوْنا قَدْ سَاقا مَعَهُمَا هَدْياً، وصِفَةُ ذَلِكَ أنْ يَفْسَخَا بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ، وَيَنْوِيا إحْرَامَهُمَا ذَلِكَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ فإذَا فَرَغَا مِنْهَا إحْرَاماً بالحَجِّ لَيَصِيْرَا مُتَمَتِّعَينِ، والأفْضَلُ أنْ يُحْرِمَ يومَ التَّرْوِيَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ اليَومُ الثَّامِنُ من ذِي الحِجَّةِ، ويَجِبُ عَلَى القَارِنِ والْمُتَمَتِّعِ دَمُ نُسُكٍ ولا يَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ إلاّ بِسِتَّةِ شَرَائِطَ:
- أنْ يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أشْهُرِ الحَجِّ.
- ويَحُجَّ مِنْ سَنَتِهِ.
- ويَنْوِي في ابْتِدَاءِ العُمْرَةِ أو أثْنَائِهَا أنَّهُ مُتَمَتِّعٌ.
- ولا يَخْرُجُ إِلَى الميْقَاتِ أو مَوْضِعٍ بَيْنَهُ وبينَ مَكَّةَ ما يقْصرُ فِيْهِ الصَّلاَةُ فيُحْرِمُ مِنْهُ بالحَجِّ.
- ولا يَكُوْنُ من حاضِرِي الْمَسْجِدِ الحَرَامِ، وحاضِرُوا المَسْجِدِ الحَرَامِ: أهْلُ الحَرَمِ ومَنْ كَانَ مِنْهُ عَلَى مَسَافَةٍ لا يقْصرُ فِيْهَا الصَّلاةُ.
ولا يَجِبُ عَلَى القَارِنِ الدَّمُ إلاَّ أنْ يَكُوْنَ مِنْ غَيْرِ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، ويَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ والقِرَانِ والصَّوْمِ عَنْهُمَا بِطُلُوعِ الفَجْرِ مِنْ يَومِ النَّحْرِ، وَرَوَى ابن القَاسِمِ عَنْهُ: إنَّ ذَلِكَ يَجِبُ إِذَا أحْرَمَ بالحَجِّ.
ولا يَجُوزُ نَحْرَ هَدْيِهِمَا قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ، فإنْ لَمْ يَجِدْ الهَدْيَ في مَوْضِعِهِ جَازَ لَهُ الانْتِقَالُ إِلَى صِيَامِ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ إِذَا أحْرَمَ بالعُمْرَةِ وسَبْعَةٍ إِذَا فَرَغَ مِنَ الحَجِّ وإنْ كَانَ وَاجِداً لِلْهَدْيِ في بَلَدِهِ. ولا يَجِبُ التَّتابُعُ في الصِّيَامِ عَنِ الهَدْيِ وَإِذَا شَرَعَ في الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الهَدْيَ لَمْ يَلْزَمْهُ الانْتِقَالُ إِلَيْهِ، فإنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّومُ فَلَمْ يَشْرَعْ فِيْهِ حَتَّى وَجَدَ الهَدْيَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الانْتِقَالُ إِلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أصَحُّهُمَا أنَّهُ لا يَلْزَمُهُ الانْتِقَالُ أَيْضاً والثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ. فإنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الهَدِيُ فأخَّرَهُ لِعُذْرٍ مِثْل إنْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ أو وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ فَلَمْ يَصُم الثَّلاَثَةَ الأيَّامِ في الحجِّ لِعُذْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ فِعْلِ ذَلِكَ، وإنْ أخَّرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُما: لا يَلْزَمُهُ غَيْرُ فِعْلِ ذَلِكَ، والثَّانِية: يَلْزَمُهُ مَعَ الفِعْلِ دَمٌ. وَقَالَ شَيْخُنَا: يخرجُ في الصَّوْمِ كَذَلِكَ، وعِنْدِي لا يَلْزَمُهُ مَعَ الصَّومِ دَمٌ بِحَالٍ واللهُ أعْلَمُ.

.باب الْمَوَاقِيْتِ:

والمَوَاقِيْتُ خَمْسَةٌ:
- ذُو الْحُلَيْفَةِ: مِيْقَاتُ أهْلِ المَدِيْنَةِ.
- والْجُحْفَةُ: مِيْقَاتُ أهْلِ الشَّامِ ومِصْرَ والمَغْرِبِ.
- ويَلَمْلَمُ: مِيْقَاتُ أهْلِ اليَمَنِ.
- وقَرَنُ: مِيْقَاتُ أهْلِ نَجْدٍ.
- وذَاتُ عِرْقٍ: مِيْقَاتُ أهْلِ العِرَاقِ وخُرَاسَانَ والمَشْرِقِ.
فَهَذِهِ المَوَاقِيتُ لأهْلِهَا ولِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أهْلِهَا مِمَّنْ أرَادَ النُّسُكَ أو أرَادَ دخول مَكَّة لحاجة لاَ تتكرر فإن اراد دُخُولَهَا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ أو مِنْ خَوفٍ أو مِنْ حَاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ كَالْمُحْتَطِبِ والْمُحْتَشِّ لَمْ يَلْزَمْهُ الإحْرَامُ، ومَنْ كَانَ أهلُهُ دُوْنَ المِيْقَاتِ فَمِيْقَاتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، ومَنْ سَلَكَ طَرِيْقاً لا مِيْقَاتَ فِيْهِ أحْرَمَ إِذَا حَاذَى أقْرَبَ المَوَاقِيْتِ إِلَيْهِ.
ومَنْ كَانَ دَارُهُ فَوْقَ المِيْقَاتِ فأحْرَمَ مِنْهَا جَازَ، والمُسْتَحَبُّ أنْ لا يُحْرِمَ إلاّ مِنَ المِيْقَاتِ، ومَنْ جَاوَزَ المِيْقَاتَ لا يُرِيْدُ النُسُكَ ثُمَّ أَرَادَهُ أحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ، ومَنْ جَاوَزَهُ مِمَّنْ يُرِيْدُ النُّسُكَ وأحْرَمَ دُونَهُ فَعَلِيْهِ دَمٌ سَوَاء عَادَ إِلَى المِيْقَاتِ أَوْ لَمْ يعد فإن عاد إِلَى الميقات غَيْرُ مُحْرِمٍ فأحْرَمَ مِنْهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.

.باب الإِحْرَامِ والتَّلْبِيَةِ:

ويُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الإحْرَامَ أنْ يَغْتَسِلَ ويَتَنَظَّفَ فإنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ يَتَيَمَّمُ ويَتَجَرَّدُ عَنِ المَخِيْطِ في إزَارٍ ورِدَاءٍ أبْيَضَين نَظِيْفين ويَتَطَيَّبُ ويُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ويُحْرِمُ عَقِبَيْهِمَا، وَعَنْهُ أنَّ إحْرَامَهُ عَقِيْبَ الصَّلاَةِ وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ بَدَأَ بالسَّيْرِ سَوَاء، ويَنْوِي الإحْرَامَ بِقَلْبِهِ ويُلَبِّي فإنْ لَبَّى أو سَاقَ الهَدْيَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ، ويُسْتَحَبُّ أن يُعَيِّنَ ما أحْرَمَ بِهِ ويَشْتَرِطَ، فَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيْدُ النُّسُكَ الفُلانِي فَيَسِّرْهُ لي، وتَقَبَّلْ مِنِّي وَمَحلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي).
فإنْ أحْرَمَ مُطْلَقاً ثُمَّ صَرَفَهُ إِلَى حَجٍّ أو عُمْرَةٍ جَازَ، وإنْ أحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أو عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ بإحْدَيْهِمَا، فإنْ أحْرَمَ بِنُسُكٍ ثُمَّ نَسِيَه، فَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ – أنَّهُ يَجْعَلُهُ عُمْرَةً، وَقَالَ شَيْخُنَا: هُوَ مُخَيَرٌ بَيْنَ أنْ يَجْعَلَهُ حَجّاً أو عُمْرَةً.
فإنِ اسْتَنَابَهُ رَجُلانِ في الحَجِّ فأحْرَمَ عَنْ إحْدَيْهِمَا لا بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إِلَى إحْدَيهِمَا وَوَقَعَ عَن نَفْسِهِ وَعِنْدِي أنَّ لَهُ صَرْفُهُ إِلَى أيِّهِمَا شَاءَ. والمُسْتَحَبُّ أن يَنْطِقَ بِمَا أحْرَمَ بِهِ ولا يُسْتَحبُّ أنْ يَذْكُرَهُ في تَلْبِيَتِهِ، والتَّلْبِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وصِفَتُهَا: ( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لا شَرِيْكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ والنِّعْمَةَ، لَكَ والْمُلْكَ لا شَرِيْكَ لَكَ)، ويرْفَعُ صَوْتَهُ بالتَّلْبِيَةِ ولا يُسْتَحَبُّ تَكْرِيْرُهَا، ويُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ عَقِيْبَ الصَّلَواتِ وفي إقْبَالِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ وَإِذَا الْتَقَتَ الرِّفَاقُ وَإِذَا عَلاَ نَشْزاً أو هَبَطَ وَادِياً أو سَمِعَ مُلَبِياً وفي جَمِيْعِ مَسَاجِدِ الحَرَمِ وبِقَاعِهِ ولا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُ التَّلْبِيَةِ في الأمْصَارِ ومَسَاجِدِ الأمْصَارِ وطَوَافِ القُدُومِ ولا يكْرَهُ الزِّيَادَةُ في التَّلْبِيَةِ وَإِذَا فَرَغَ مِنَ التَّلْبِيَةِ صلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعَا بِمَا أحَبَّ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ والمَرْأةُ كالرَّجُلِ فِيْمَا ذَكَرْنَا إلاّ أنَّهَا لا تُجَرَّدُ مِنَ المَخِيْطِ ولا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بالتَّلْبِيَةِ إلاّ بِقَدْرِ ما تَسْمَعُ رفقتها.

.باب ما يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ ومَا أُبِيْحَ لَهُ:

وَإِذَا أحْرَمَ الرَّجُلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَغْطِيَةُ رأْسِهِ وفي تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ رِوَايَتَانِ ولا يَلْبَسُ المَخِيطَ والخُفَّيْنِ، فإنْ فَعَلَ شَيْئاً منْ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الفِدْيَةُ فإنْ لَمْ يَجِدْ إزَاراً ولا نَعْلَيْنِ لبسَ السَّرَاوِيلَ والنَّعْلَيْنِ ولا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فإنْ لَبِسَ خُفّاً مَقْطُوعاً مِنْ تَحْتِ الكَعْبَيْنِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلِ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ، فإنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بالحنَّاءِ أو طَيَّبَهُ أو عَصَبَهُ لِوَجَعٍ أو كَانَ بِرَأسِهِ جُرْحٌ فَجَعَلَ عَلَيْهِ خِرْقَةً أو قِرْطَاساً فِيْهِ دَوَاءٌ، أو ظَلَّلَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الفِدْيَةُ وَعَنْهُ لا يَلْزَمُهُ في التَّظْلِيْلِ فِدْيَةٌ، وَعَنْهُ أنَّهُ يفرقُ بَيْنَ الزَّمَانِ اليَسِيْرِ والكّبِيْرِ فإنْ حَمَلَ عَلَى رأْسِهِ شَيْئاً أو نَصَبَ حِيَالَهُ ثَوْباً يَقِيهِ الشَّمْسَ أو البَرْدَ أو جَلَسَ في خَيْمَةٍ في ظِلِّ شَجَرَةٍ أو تَحْتَ سَقْفٍ فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِ ويَجُوزُ لَهُ أنْ يَتَّشِحَ بالرِّدَاءِ والقَمِيْصِ ولا يَعْقِدَهُ ويَتَّزِرَ بالإزَارِ ويَعْقِدَهُ، فإنْ طَرَحَ عَلَى كَتِفِهِ القَبَاءَ فَعَلَيْهِ الفِدْيَةُ وأنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ في كُمَّيْهِ لإن ذَلِكَ العادة فِي لبسهِ، وَقَالَ الخِرَقِيّ: لاَ فدية إلا أن يدخل يديه كميه ويَلْبَسَ الْهِمْيَانَ ويُدْخِلَ السّيُورَ بَعْضَهَا في بَعْضٍ، ولا يَعْقِدَهَا فإنْ لَمْ تَثْبُتْ عَقَدَهَا، ولا يَلْبَسُ المِنْطَقَةَ فإنْ لَبِسَهَا افتدى نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ الأثْرَمِ ويَحْرُمُ عَلَيْهِ الطيبِ في بَدَنِهِ وثِيَابِهِ فإنْ لَبِسَ ثَوْباً كَانَ مُطَيَّباً وانْقَطَعَ رِيْحُ الطِّيْبِ مِنْهُ نَظَرَ فإنْ كَانَ إِذَا رش فِيْهِ ما فَاحَ مِنْهُ رِيْحُ الطِّيبِ مِنْهُ لَزِمَهُ الفِدْيَةُ بِلُبْسِهِ ويُحَرَّمُ عَلَيْهِ شَمُّ الأدْهَانِ المُطَيِّبَةِ وأَكْلُ ما فِيْهِ طِيْبٌ يَظْهَرُ رِيْحُهُ أو طَعْمُهُ، وشَمُّ المِسْكِ والكَافُورِ والعَنْبَرِ والزَّعْفَرَانِ والوَرْسِ، فأمَّا شَمُّ الوَرْدِ أَوْ البنفسج أو النَّيْلُوفَرِ واليَاسَمِيْنَ والخَيْرِيِّ والرَّيْحَان الفَارِسِيِّ والنَّرْجِسَ والمَرْزَنْجُوشَ والبَرَمِ وما أشْبَهَهُ فَفِيْهِ رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ شَمُّهُ، والأُخْرَى: لا يَجُوزُ.
وأمَّا الفَواكِهُ كالسَّفَرْجَلِ والتُّفَّاحِ والخَوْخِ والبِطِّيْخِ والأُتْرُجِّ فَمُبَاحٌ لَهُ شَمُّهُ، وَكَذَلِكَ الشِّيْحُ والقَيْصُومُ والإذْخِرُ.
واخْتَلَفَت الرِّوَايَةُ فِيْمَا لَيْسَ بمُطَيِّبٍ مِنَ الأدْهَانِ كالشَّيْرَقِ والزَّيْتِ ودُهْنِ البَانِ والسَّمْنِ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ: لا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ، وَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ جُوَازُ اسْتِعْمَالِهِ ولا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَسَّ مِنَ الطِّيْبِ ما يعلقُ بِيَدِهِ كالغَالِيَةِ ومَاءِ الوَرْدِ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ الفِدْيَةُ وإنْ مَسَّ ما لا يعلقُ بِيَدِهِ كالمِسْكِ غَيْرِ المَسْحُوقِ وأقْطَاعِ الكَافُورِ والعَنْبَرِ فَلاَ فِدْيَةَ فإنْ شَمَّهُ فَعَلِيْهِ الفِدْيَةُ لأنَّهُ يستعملُ هكذا، وإنْ شَمَّ العُوْدَ فَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وإنْ جَلَسَ عِنْدَ العَطَّارِ قَصْداً لِشَمِّ الطِّيْبِ أو دَخَلَ الكَعْبَةَ في وَقْتِ تَطْيِيْبِهَا لِيَشُمَّ طِيْبَهَا فَعَلَيْهِ الفِدْيَةُ.
ويُحَرَّمُ عَلَيْهِ تَقْلِيْمُ الأظَافِرِ، وحَلْقُ الشَّعْرِ إلاَّ لِعُذْرٍ فإذَا حَلَقَ ثَلاَثَ شَعَرَاتٍ أو قَلَّمَ ثَلاَثَةَ أظْفَارٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعَنْهُ لا يَجِبُ الدَّمُ إلاّ في أرْبَعٍ مِنَ الشَّعْرِ والأظْفَارِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ، فإنْ حَلَقَ دُوْنَ الثلاث أَوْ دون الأرْبَعِ عَلَى الرِّوَايَةِ الأُخْرَى فَفَي كُلِّ شَعْرَةٍ أو ظُفْرٍ مُدٍّ مِنْ طَعَامٍ، وَعَنْهُ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ، وَعَنْهُ دِرْهَمٌ أو نِصْفُ دِرْهَمٍ، فإنْ حَلَقَ مِنْ شَعْرِ رأْسِهِ وبَدَنِهِ ما يَجِبُ الدَّمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا انْفَرَدَ فَعِنْدِي يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ لَبسَ في رَأْسِهِ وبَدَنِهِ لأنَّ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ – قَالَ في رِوَايَةِ سِنْدِي: شَعْرُ الرأْسِ واللِّحْيَةُ والإِبِطُ سَواءٌ لا أعْلَمُ أحَداً فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَعَنْهُ أنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ، ولا تَدْخُلُ فِدْيَةُ أحَدِهِمَا في الآخَرِ وَهِيَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا أبي يَعْلَى، فإنْ خَرَجَ في عَيْنهِ شَعْرٌ يُؤْلِمُهُ فأزَالَهُ أو تَرَكَ شَعْرَهُ فَغَطَّى عَيْنَيه فَقَصَّ مِنْهُ ما نزل عَلَى عَيْنَيْهِ، أو انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَصَّ ما انْكَسَرَ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وإنْ قَلَعَ جِلْدَةً مِنْ رَأْسِهِ أو بَدَنِهِ وعَلَيْهَا شَعْرٌ فَلاَ فِدْيَةَ، وإنْ كَرَّرَ المَحْظُورَ مِثْلَ أنْ حَلَقَ ثُمَّ حَلَقَ أو وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ أو لَبسَ ثُمَّ لَبِسَ أو تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ما لَمْ يُكَفِّرْ عَن الأوَّلِ قَبْلَ فِعْلِ الثَّانِي وَعَنْهُ أنَّهُ إنْ كَرَّرَهُ لأسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ مِثْل أنْ لَبِسَ في أوَّلِ النَّهَار لِلْبَرْدِ والظُّهْرِ لِلْحَرِّ وآخِرَهُ لِمَرَضٍ فَكَفَّارَتُهُ وِاحدةٌ، فإنْ قَتَلَ صَيْداً بَعْدَ صَيْدٍ فَكَفَّارَتَانِ، ورُوِيَ عَنْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وإنْ فَعَلَ مَحْظُوْراً مِنْ أجْنَاسٍ فَحَلَقَ ولِبِسَ وتَطَيَّبَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ وَعَنْهُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أبِي بَكْرٍ. ولا يَصِحُّ أنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ ولا لِغَيْرِهِ وَعَنْهُ في ارتِجَاعِ زَوْجَتِهِ وعَقْدِ النِّكَاحِ لِغَيْرَهِ رِوَايَتَانِ أصَحُّهُمَا الجَوَازِ وتُكْرَهُ لَهُ الخِطْبَةُ والشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ وتَحْرُمُ عَلَيْهِ المُبَاشَرَةُ في الفَرْجِ ودُونَ الفَرْجِ بِشَهْوَةٍ، والإسْتِمْنَاءُ فإنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الكَفَّاَرَةُ ويَحْرُمُ عَلَيْهِ تِكْرَارُ النَّظَرِ فإنْ كَرَّرَ فأمْنَى فَعَلَيْهِ الكَفَّاَرَةُ ويَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّيْدُ المْأْكُولُ وما تولدَ مِنْ مَأْكُولٍ وغَيْرِ مأْكُولٍ، فإنْ مَاتَ في يَدِهِ أو أتْلَفَهُ أو أتْلَفَ جُزْءاً مِنْهُ لَزِمَهُ الجَزَاءُ وتَحَرَّمَ عَلَيْهِ أكْلُ ما صِيْدَ لأجْلِهِ أو أشَارَ عَلَيْهِ أو دَلَّ عَلَيْهِ أو أعانَ عَلَى ذَبْحِهِ أو كَانَ لَهُ أثَرٌ في ذَبْحِهِ مِثْلُ أنْ يُعِيْرَهُ سِكِّيْناً، وَإِذَا ذَبَحَ الصَّيْدَ حَرُمَ عَلَيْهِ وعلى غَيْرِهِ أكْلُهُ وَإِذَا أحْرَمَ وفي مِلْكِهِ صَيْداً لَمْ يَزُلْ مِلْكَهُ عَنْهُ ويَجِبُ عَلَيْهِ إزَالَةُ يَدِهِ المشاهدة عَنِ الصَّيْدِ دُوْنَ يَدِهِ الحكميَّةِ، فإنْ لَمْ يَفْعَلْ فأرْسَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ قَهْراً فَلاَ ضَمَانَ عَلَى المُرسِلِ، فإن اصْطَادَ المُحْرِمُ صَيْداً لَمْ يَمْلِكْهُ فإنْ تَرَكَهُ في يَدِهِ حَتَّى تَحَلَّلَ فَتَلِفَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وإنْ ذِبَحَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَقَالَ شَيْخُنَا: يَكُوْنُ مَيْتَةً، وعندي: أنَّهُ يُبَاحُ أكْلُهُ وَعَلَيْهِ ضَمَانُه ولا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بالبَيْعِ والهِبَةِ ويَمْلِكُهُ بالإرْثِ وَقِيْلَ لا يَمْلِكُهُ بِهِ أَيْضاً وَإِذَا صَالَ الصَّيْدُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ دَفْعاً عَنْ نَفْسِهِ فَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابن حامد وَقَالَ أبو بكر عَلَيْهِ الجزاء، فإنْ خَلَّصَ صَيْداً مِنْ سَبْعٍ أو مِنْ شَبَكَةٍ قَاصِداً لإتْلافِهِ فَتَلِفَ قَبْلَ أنْ يُرْسِلَهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَقِيْلَ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فإنْ نَقَلَ بَيْضَ صَيْدٍ فَجَعَلَهُ تَحْتَ صَيْدٍ آخَرَ فَفَسدَ فَعَلَيْهُ ضَمَانُهُ ولا تَأْثِيْرَ للإحْرَامِ ولا لِلْحَرَمِ في تَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنَ الحَيَوَانِ الإنْسِيِّ، وأمَّا الوَحْشِيُّ فيُبَاحُ قَتْلُ ما فِيْهِ مَضَرَّةٍ مِثْل الحَيَّةِ والعَقْرَبِ والكَلْبِ العَقُورِ والسَّبُعِ والنَّمِرِ والذِّئْبِ والفَهْدِ والفَأْرَةِ والغُرَابِ والحَدَأةِ والبازِي والصَّقْرِ والشَّاهِيْن والبَاشِقِ والزُّنْبُوْرِ والبُرْغُوْثِ والبَقِّ والبَعُوض والقُرَاد والوَزَغ وسَائِرِ الحَشَرَاتِ والذُّبَابِ، ويَقْتُلُ القَمْلَ إِذَا آذَاهُ فأمَّا القَمْلُ والصِّئْبَانُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ قَتْلِهِ ورُوِيَ عَنْهُ لا يَقْتُلُهُ، فإنْ فَعَلَ فأي شَيْءٍ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ خَيْراً مِنْهُ، فإن احْتَاجَ إِلَى لِبْسِ المَخِيْطِ لِبَردٍ أو تَغْطِيَةِ رأْسِهِ لِحَرٍّ أو إِلَى الطيبِ والحَلْقِ وذَبْحِ الصَّيْدِ ولِلْمَجَاعَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ، وَإِذَا اصْطَادَ الجَرَادَ فَفِيْهِ رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا: أنّه مِنْ صَيْدِ البَحْرِ فَلاَ جَزَاءَ فِيْهِ، والثَّانِيَةُ: هُوَ مِنْ صَيْدِ البَرِّ فَفَيْهِ الجَزَاءُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إن افْتَرَشَ في طَرِيْقِهِ فَقَتَلَهُ بالْمَشي عَلَيْهِ فَفِي الجَزَاءِ وَجْهَانِ، وَإِذَا تَطَيَّبَ أو لَبِسَ المَخِيْطَ أو قَلمَ أظْفَارَهُ أو حَلَقَ شَعْرَهُ أو قَتَلَ الصَّيْدَ نَاسِياً فَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ وَعَنْهُ في الطِّيْبِ واللِّبْسِ، والصَّيْدِ لا كَفَّاَرةَ إلاَّ في العَمْدِ، ويخرجُ في الحَلْقِ والتَّقْلِيمِ مثل ذَلِكَ قِياساً عَلَى الصَّيْدِ. وإنْ حُلِقَ رَأْسُهُ مُكْرَهاً أو نَائِماً وجَبَتْ الفِدْيَةُ عَلَى الحَالِقِ وَإِذَا حَلَقَ المُحْرِمُ شَعْرَ حلالٍ أو مُحْرِمٍ بإذْنِهِ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا غَسَلَ المُحْرِمُ رَأْسَهُ بالسِّدْرِ والخِطْمِيِّ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ الفِدْيَةُ، ويَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لِبْسُ المُعَصْفَرِ والكُحْلِيِّ، وأنْ يَخْتَضِبَ بالحِنَّاءِ ويَنْظُرَ في المِرْآةِ ولا يُصْلِحَ شَعْثاً، ويَجُوزُ لِلْمَرْأةِ لِبْسُ القَمِيْصِ والسَّرَاوِيلِ والخِمَارِ والخُفِّ ولا يَجُوزُ لها لِبْسُ القُفَّازيْنِ والبُرْقُعِ والنِّقَابِ، فإنْ أَرَادَتْ سِتْرَ وَجْهِهَا سَدَلَتْ عَلَيْهِ ما يَسْتُرُهُ ولا يَقَعُ عَلَى البَشَرَةِ، وَإِذَا رَفَضَ الإحْرَامَ فَتَطَيَّبَ ولَبِسَ وحَلَقَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ وعَنْهُ تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وقَلِيْلُ اللِّبْسِ وكَثِيْرُهُ سَوَاءٌ ولا فَرْقَ بَيْنَ تَطْيِيْبِ عُضْوٍ أو بَعْضِ عُضْوٍ.