فصل: بَابُ المُوْصِي والمُوْصَى لَهُ والمُوْصَى إِلَيْهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه



.بَابُ المُوْصِي والمُوْصَى لَهُ والمُوْصَى إِلَيْهِ:

لا يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ في صِحَّةِ وَصِيَّةِ البَالِغِ العَاقِلِ، سواءٌ كَانَ عَدْلاً أو فَاسِقاً.
فأمَّا غَيْرُ العَاقِلِ كالْمَجْنُونِ والطِّفْلِ والمُبَرْسَمِ فَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ.
فأمَّا غَيْرُ البَالِغِ فإذا عْقَلَ الوَصِيَّةَ صَحَّتْ مِنْهُ، وَقَالَ أبُو بَكْرٍ لا يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ ان مَنْ لَهُ دُوْنَ سَبْعِ سِنِيْنَ لا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ومَنْ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ فَصَاعِداً تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، ومَا فَوْقَ السَّبْعِ ودُونَ العَشْرِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ القَاضِي أَبُو عَلِيِّ بنِ أبي مُوسَى في "الإرْشَادِ"، لا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الغُلاَمِ لِدُونِ العَشْرِ، والجَارِيَةِ لِدُونِ التِّسْعِ قَوْلاً وَاحِداً، فأمَّا ما زَادَ عَلَى ذَلِكَ فيَصِحُّ في المَنْصُوصِ وفيه وَجْهٌ أنَّهُ لا يَصِحُّ إلاَّ بَعْدَ البُلُوغِ. وأمَّا السَّكْرَانُ فَهَلْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ.
وأمَّا المَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ فَهَلْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

.فَصْلٌ: في شروط المُوْصَى إِلَيْهِ:

ولا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ إلاّ إِلَى عَاقِلٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ، وإنْ كَانَ عَبْداً أو مُرَاهِقاً، وَعَنْهُ في الفاسِقِ رِوَايَة أخْرَى أنَّهُ تَصِحُّ الوَصِيَّةُ إِلَيْهِ، ويَضُمُّ الحَاكِمُ إِلَيْهِ أمِيناً.
فإنْ كَانَ حِينَ الوَصِيَّةِ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ ثُمَّ وجدت الصفات عِنْدَ المَوْتِ فَهَلْ تَصِحُّ الوَصِيَّةُ إِلَيْهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
وإذا أوْصَى إِلَى رَجُلٍ ثُمَّ بَعْدَهُ إِلَى آخَرَ، فَهُمَا شَرِيْكَانِ فِي الوَصِيَّةِ إلاّ أنْ يَخْرُجَ الأوَّلُ مِنْهُمَا، وَلاَ يصِحُّ لأحَدِهِمَا أنْ يَنْفَرِدَ بالتَّصَرُّفِ.
فإنْ مَاتَ أحَدُهُمَا نَصَبَ الحَاكِمُ بَدَلَهُ أمِيْناً، ويَصِحُّ قَبُولُ الوصي لِلْوَصِيَّةِ في حَالِ حَيَاةِ المُوصِي وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِذَا قَبِلَ فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ، وذَكَرَ في "الإرْشَادِ" رِوَايَةً أُخْرَى أنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ، ولِلْمُوْصِي عَزْلُهُ مَتَى شَاءَ، ولا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ إلاَّ في شَيْءٍ يَمْلِكُ المُوْصِي فِعْلَهُ، مِثْلُ قَضَاءِ الدُّيُونِ وأداءِ الحَجِّ، والنَّظَرِ في أمْرِ الأطْفَالِ، وتَزْوِيجِ البَنَاتِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وتَفْرِيْقُ الثُّلُثِ.
وإذا أوْصَى إِلَيْهِ في شَيْءٍ خَاصٍ، لَمْ يَصِرْ وَصِياً في غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُوْصي أنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ اليَتِيْمِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ ذَلِكَ بِشَرْطَينِ، أحَدُهُمَا: أنْ يُوَكِّلَ رَجُلاً، والثَّانِي: أنْ يَسْتَقْصِيَ الثَّمَنَ بالنِّدَاءِ في الأسْوَاقِ، وهل لِلْوَصِيِّ أنْ يُقْرِضَ مَالَ اليَتِيْمِ ويُضَارِبَ بِهِ ويُزَوِّجَ عَبِيْدَهُ وإمَاءَ هُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وهَلْ لِلْوَصِيِّ أنْ يُوْصِي بِمَا وَصَّى بِهِ إِلَيْهِ أم لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَإِذَا أوْصَى إِلَيْهِ بإخْرَاجِ ثُلثهُ فامْتَنَعَ الوَرَثَةُ مِنْ إخْرَاجِ ثُلُثِ مَا فِي أيْدِيْهِمْ، فَلِلْوَصِيِّ أنْ يُخْرِجَ الثُّلُثَ كُلَّهُ مِنَ المالِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَعَنْهُ يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، ويَحْبِسُ البَاقِي حَتَّى يُخْرِجُوا ثُلُثَ مَا فِي أيْدِيْهِمْ، فإنْ وَصَّى إِلَيْهِ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ وعَيَّنَهَا لَهُ فأبَى الوَرَثَةُ أنْ يَقْضُوا فَهَلْ لَهُ أنْ يَقْضِيَ مِمّا فِي يَدِهِ بِغَيْرِ عِلْمِ الوَرَثَةِ؟ قَالَ في رِوَايَةِ أبي داوُدَ يُلْزِمُ الوَصي أنْ ينفذَ ذَلِكَ ولا يَحِلُّ لَهُ إنْ لَمْ ينفذْهُ، ونَقَل عَنْهُ بَكْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أنَّهُ لا يَقْضِي، ويُعْلَمُ القَاضِي بِالقَضِيَّةِ.
فإنْ مَنَعَهُ فَلاَ يُعْطِيْهِ وَهِيَ اخْتِيَارُ أبِي بَكْرٍ، ونَقَلَ عَنْهُ أبو طَالِبٍ فِيْمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ أنْ يَقْضِيَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَمْ يَخَف المُطَالَبَةَ قَضَاهُ وإنْ عَلِمَ بِهِ غرمَ، فأجازَ لَهُ القَضَاءُ فِيْمَا بَيْنَهُ وبينَ اللهِ تَعَالَى وَلَمْ يَجُزْ لَهُ في الحُكْمِ، ولِلْوَصِي أنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ اليَتِيْمِ عِنْدَ الفَقْرِ بَقَدَرِ عَمَلِهِ في مَالِهِ وهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ ذَلِكَ عِنْدَ الإيْسَارِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ يُخْرَجُ لِلْنَّاظِرِ في الوَقْفِ.
ويَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أنْ يُقْعِدَ اليَتِيْمَ في المَكْتَبِ، ويُؤَدِي عَنْهُ الأُجْرَةَ مِنْ مَالِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. ونَقَلَ عَنْهُ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ أنَّهُ يَشْتَرِي لِلْيَتِيْمِ أُضْحِيَةً إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ، وهذا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الأُضْحِيَةِ، وحَمَلَ ذَلِكَ شَيْخُنَا عَلَى وَجْهِ التَّوْسِعَةِ في العِيدِ، إِذَا كَانَ لَهُ مالٌ كَثِيْرٌ، ويَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ العَقَارَ عَلَى الصِّغَارِ والكِبَارِ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أنْ يَكُوْنَ بالصِّغَارِ حَاجَةٌ إِلَى البَيْعِ، وفي البَيْعِ قدر حُقُوقِهِمْ نَقْصٌ في الثَّمَنِ أَوْ يَكُون عَلَى الميت دين وفي الورثة صغار وكبار وفي بيع بعضه نقص فِي الثمن، وَإِذَا ادَّعَى الوَصِيُّ دفْعَ المَالِ إِلَى اليَتِيمِ بَعْدَ البُلُوغِ، فالقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ، وَكَذَلِكَ الأبُ والشَّرِيْكُ والحاكِمُ، وَوَصِيُّ الأبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الجد وغيره من العَصَبَاتِ.

.فَصْلٌ: في الوصية لجماعة:

وَإِذَا وصَى لِجَمَاعَةٍ مَعْينين يُمْكِنُ حُضُورُهُمْ، وَجَبَ اسْتِيعَابُهُمْ والتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، ويُشْتَرَطُ قَبُولُ جَمِيْعِهِمْ في الاسْتِحْقَاقِ.
فإنْ قَبِلَ بَعْضُهُمْ سَلَّمَ إِلَيْهِ حِصَّتَهُ ورُدَّتْ حِصَّةُ البَاقِي إِلَى وَرَثَةِ المُوصِي، فإنْ لَمْ يَمكُنْ حُضُورُهُمْ كالهَاشِمِيينَ وبنَي تَمِيمٍ والفُقَرَاءِ والمَسَاكِيْنِ صَحَّت الوَصِيَّةُ. ويَجْزِي الدَّفْعُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ وفي الآخَرِ لا يَجْزِي أقَلَّ مِنْ ثلاثةٍ مِنْهُمْ.
ويَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فإنْ وَصَّى لأقَارِبِهِ أو لِذَوِي قَرَابَةِ فُلانٍ، اخْتَصَّ بالوَصِيَّةِ قَرَابَتَهُ مِنْ جِهَةِ أبِيْهِ إِلَى أرْبَعَةِ آبَاءٍ، ويُسَوِّي فِيْهَا بَيْنَ غَنِيِّهِمْ وفَقِيْرِهِمْ، وذَكَرِهِمْ وأُنْثَاهُمْ، وَعَنْهُ أنَّهُ يُجَاوزُ بِهَا أرْبَعَةَ آباءٍ ذَكَرَ ذَلِكَ في "الإرْشَادِ"، فَعَلَى هَذَا يُعطي من يُعطي بِقَرَابَتِهِ مثلَ أنْ يَكُوْنَ مِنْ وِلْدِ المَهْدِيِّ فَيُعْطِي كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى المَهْدِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ وابن القاسِمِ، إنْ كَانَ يَصِلُ قَرَابتَهُ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ في حَيَاتِهِ دَخَلُوا في وَصِيَّتِهِ وإلاَّ فَلا، فإنْ وَصَّى لأقْرَبِ قَرَابَةِ فُلانٍ أو أقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ لَمْ يدْفَعْ إِلَى الأبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الأقْرَبِ فإن اجْتَمَعَ أبُوهُ وابنُهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفي الآخَر تَقَدَّمَ الابْنُ، وكَذَا إن اجْتَمَعَ الأخُ والجَدُّ تَسَاوَيَا، وَقِيْلَ يقَدَّمُ الأخُ، فإن اجْتَمَعَ أخٌ لأبَوِيْنِ وأخٌ لأبٍ قُدِّمَ الأخُ للأَبَوَيْنِ. فإن اجْتَمَعَ أخٌ لأبٍ وأخٌ لأُمٍّ فإنَّهُمَا سَواءٌ، فإنْ وَصَّى لأهْلِ بَيْتِهِ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ لِقَرَابَتِي نَصَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الخِرَقِيُّ: يُسَوَّى فِيْهِ قَرَابَةُ الأبِ والأُمِّ.
وَكَذَلِكَ إنْ وَصَّى لِقَوْمِهِ أو لِنِسَائِهِ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ أهْلِ بَيْتهِ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ.
فإنْ وَصَّى لِعِتْرَتِهِ فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ – رَحِمَهُ اللهُ –، فَيُحْتَمَلُ أن يدخل فِي ذَلِكَ عشيرته وأولاده ويحتمل أن يَخْتَصَّ مِنْ كان منْ وَلَدهِ، فإنْ وَصَّى لَوَلَدِ وَلَدِهِ فَقَالَ أصْحَابُنَا: لا يَدْخُلُ فِيْهِ وَلَدُ البَنَاتِ؛ لأنَّهُ قَالَ في الوَقْفِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ لا يَدْخُلُ فِيْهِ وَلَدُ البَنَاتِ، وعندي يَدْخُلُ فِيْهِ وَلَدُ البَنَاتِ، فإنَّهُ قَدْ قَالَ إِذَا وَصَّى لِذُرِّيَّتِهِ ونَسْلِهِ دَخَلَ فِيْهِ وَلَدُ البَنَاتِ، وَكَذَلِكَ إِذَا وَصَّى لوَلَدِ فُلانٍ دَخَلَ فِيْهِ وَلَدُ فُلانٍ فَكَذَلِكَ وَلَدُ وَلَدِهِ.
فإنْ وَصَّى لِذِي رَحِمِهِ فَهُوَ لكلِّ مَنْ بَيْنَهُ وبينَهُ رَحِمٌ مِنْ جِهَةِ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ بالسَّوِيَّةِ، فإنْ وَصَّى للأيَامَى مِنْ أهْلِهِ، فَهُوَ لِمَنْ لا زَوْجَ لَهُ مِنَ الرِجَالِ والنِّسَاءِ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ لِلْعزَابِ، فإنْ وَصَّى لِمَوَالِيْهِ فَهُوَ لِلْمَوْلَى مِنْ فَوْقِ ومِنْ أسْفَلِ، فإنْ وَصَّى لجِيْرَانِهِ، دَخَلَ فِيْهِ في الوَصِيَّةِ أرْبَعُونَ دَاراً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ قِيْلَ مُسْتَدَارُ أرْبَعِيْنَ دَاراً.
فإنْ وَصَّى لأهْلِ سِكَّتِهِ فَهُوَ لأهْلِ دَرْبِهِ، فإنْ وَصَّى لِبَنِي فُلانٍ، فإنْ كَانَ قَدْ صَارُوا قَبِيْلَةً كَبَنِي تَمِيْمٍ وبَنِي بَكْرٍ، دَخَلَ في الوَصِيَّةِ الإنَاثُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ اخْتَصَّ بِهَا الذُّكُورُ.
فإنْ وَصَّى مُسْلِمٌ لأهْلِ قَرْيَتِهِ أو لِقَرَابَتِهِ لَمْ يَدْخُلْ فيهم الكُفَّارُ إلاَّ أنْ يُسَمِّي فَيَقُولُ: مُسْلِمُهُمْ وكَافِرُهُمْ، فإنْ وَصَّى كَافِرٌ لأهْلِ قَرْيَتِهِ أو لِقَرَابَتِهِ فَهَلْ يَدْخُلُ في ذَلِكَ المُسْلِمُونَ مِنْهُمْ؟ عَلَى وَجْهَينِ فإنْ أوْصَى لِحَرْبِيٍّ أو مُرْتَدٍّ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ. وذَكَرَ فِي "الإرْشَادِ" أنَّهُ لاَ تَصِحُّ الوَصِيَّةُ لِلْمُرْتَدِّ، فإنْ وَصَّى لِقَاتِلِهِ صَحَّت الوَصِيَّةُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى لاَ تَصِحُّ، وعِنْدي أنَّ ظَاهِرَ كَلامِ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ –، إنَّ وَصِيَّتَهُ لَهُ بَعْدَ الجُرْحِ صَحَّتْ، وإنْ وَصَّى لَـهُ ثُمَّ جَرَحَـهُ بَطَلَتْ، فإنْ وَصَّى بِحَمْلِ امرأتِهِ بعَيْنِهَا، دَفَعَ إِلَى مَنْ يَعْلَمُ أنَّهُ كَانَ مَوْجُوداً حالَ الوَصِيَّةِ، وَهُوَ أنْ تَضَعَهُ لأقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أشْهُرٍ، وَهِيَ ذاتُ زَوْجٍ يطأُهَهَا لَمْ تَصِحَّ الوَصِيَّةُ، فإنْ كَانَتْ ثَيِّباً صَحَّت الوَصِيَّةُ إِذَا لَمْ تُجَاوِزْ أربَعَ سِنِينَ مِنْ حيْن الفرقةِ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفي الآخَرِ لا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ.
فإنْ وَصَّى لِعَبْدِهِ بثُلُثِ مالِهِ عُتِقَ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ عتقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، فإنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ بَعْدَ عِتْقِهِ دُفِعَ إِلَيْهِ.
فإنْ وَصَّى بِمَئَةٍ مِنْ مَالِهِ أو بِمعينِ لَمْ تَصِحَّ الوَصِيَّةُ لأنَّهُ ينتقلُ إِلَى الوَرَثَةِ وحَكَى في "الإرْشَادِ" رِوَايَةً أخْرَى أنَّهُ تَصِحُّ الوَصِيَّةُ، فإنْ كَانَتْ لِمُكَاتِبِهِ ومُدَبِّرِهِ وأمِّ وَلَدِهِ صَحَّت الوَصِيَّةُ. وإنْ وَصَّى لِعَبْدِ غَيْرِهِ فَقَبِلَ، يُدْفَعُ إِلَى سَيِّدِهِ، فإنْ وَصَّى لِلرِّقَابِ، دُفِعَ إِلَى المُكاتبينَ. وإن اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ رِقَاباً يَعْتِقُهُمْ جَازَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأخْرَى لا يَجُوزُ.
فإنْ وَصَّى لِلْغَارِمِينَ، دُفِعَ إِلَى الغَارِمِ، ولإصْلاحِ ذَاتِ البَيْنَ. وإنْ كَانَ غَنِياً، وإلى المَدِينِ لإصْلاحِ شَأْنِهِ إنْ كَانَ فَقِيْراً وصَارَ في سَبِيلِ الله صرفَ إِلَى الغُزَاةِ مِنْ أهْلِ الصَّدَقَاتِ.
فإنْ وَصَّى في أبْوَابِ البِرِّ جُعِلَ أربَعَةُ أجْزَاءٍ:
- فَيَصْرِفُ جُزْءاً إِلَى أقارِبِهِ غَيْر الوارِثينَ.
- وجُزْءاً في الجِهَادِ.
- وجُزْءاً في الفُقَرَاءِ والمَسَاكِيْنِ.
- وجُزْءاً في الحَجِّ.
وَعَنْهُ أنَّ الجُزْءَ الرَّابِعَ يُدْفَعُ إِلَى فِدَى الأَسَارَى.
فإنْ وصَّى لِلْمَسْجِدِ صَحَّتِ الوَصِيَّةُ، وصُرِفَ في مَصَالِحِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ وَصَّى لكُتُبِ القُرآنِ والفِقْهِ صَحَّ، فإنْ وَصَّى بِهِ لِبِنَاءِ كَنِيْسَةٍ أو بَيْعَةٍ، أو كُتُبِ القُرْآنِ والإنْجِيلِ لَمْ تَصِحَّ الوَصِيَّةُ.
ونَقَلَ عَبْدُ اللهُ عَنْهُ ما يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الوَصِيَّةِ.
فإنْ وَقَفَ فَرْساً وَوَصَّى بألْفٍ تُنْفَقُ عَلَيْهِ فَمَاتَ الفَرَسُ، رُدَّت الأَلْفُ، أو ما بَقِيَ مِنْهَا إِلَى الوَرَثَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُنْفِقَ عَلَى فَرَسٍ مُحْبَسٍ في سَبِيلِ اللهِ، ولا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ لِمَيِّتٍ.
فَإِنْ وصَّى بثلثهِ لرجلينِ فإذا أحدُهُما ميتٌ كَانَ للحيِّ نصفُ الثلثِ، فإنْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِفُلانٍ ولِلْحَائِطِ أو لِجِبْرِيلَ عليه السلام، فالثُّلُثُ كُلُّهُ لِفُلانٍ ثُمَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُوْنَ لِفُلانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ، كَمَا قُلْنَا في المَيِّتِ، وعندِي أنَّهُ إِذَا عَلِمَهُ مَيتاً كَانَ جَمِيْعُ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ وظَاهِرُ تَعلِيلِ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ -، فإنَّهُ لَمَّا ألْزَمَ الحَائِطَ عَلَى المَيِّتِ قَالَ: الحَائِطُ لا يَمْلِكُ، وهذا مَوْجُودٌ في المَيِّتِ، وَإِذَا وَصَّى لوَارِث كالأخِ، فَصَارَ عِنْدَ المَوْتِ غَيْرُ وَارِثٍ بأنْ يُولَدَ لِلْمُوْصِي ابنٌ نَفَذَت الوَصِيَّةُ في الثُّلُثِ ومَا زَادَ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الابْنِ وبعْكسِهِ لَوْ وَصَّى لِغَيْرِ الوَارِثِ فَصَارَ عِنْدَ المَوْتِ وَارِثاً لَمْ تَنْفُذ الوَصِيَّةُ لأنَّ الاعْتِبَارَ في الوَصِيَّةِ بِحَالِ المَوْتِ وَإِذَا وَصَّى بِثُلُثِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ جَحَدَ الوَصِيُّ الوَصِيَّةَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُجُوعاً، واللهُ المُوَفِّقُ.

.بَابُ المُوْصَى بِهِ:

تنْفُذُ وَصِيَّةُ الإنْسَانِ لِغيْرِ وَارِثِهِ فِيْمَا يَحْتَمِلُهُ ثُلُثُ مَالِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ. ولا يَنْفُذُ فِيْمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلاَّ أنْ يَجيْزَهَا الوَرَثَةُ، وتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بالمَجْهُولِ كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيْدِهِ وشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ، ويُعْطَى مِنْ ذَلِكَ ما يَخْتَارُهُ الوَرَثَةُ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِهِ يَعْنِي ابنَ مَنْصُورٍ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: يُعْطى أحَدُهُمْ بالقُرْعَةِ.
فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبِيْدٌ ولا غَنَمٌ لَمْ تَصِحِّ الوَصِيَّةُ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفي الآخَرِ تَصِحُّ الوَصِيَّةُ ويَشْتَرِي مِنْ مَالِهِ ما يَقَعُ عَلَيْهِ اسمُ عَبْدٍ وشَاةٍ فإنْ مَاتَ العَبِيْدُ والغَنَمُ إلاَّ وَاحِداً تَعَيَّنَت فِيْهِ الوَصِيَّةُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ فإنْ قَتَل العَبِيدَ كُلَّهُمْ دَفَعَ إِلَيْهِ قَيْمَةَ أحَدِهِمْ فإنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ، ولآخَر بِمَنفَعَتِهِ صَحَّتْ الوَصِيَّةُ وكانَ لِمَنْ أوْصَى لَهُ بالمَنْفَعَةِ اسْتِخْدَامُهُ حَضَراً وسَفَراً وإجَارَتَهُ وإعَارَتَهُ ولِصَاحِبِ العَيْنِ قِيْمَةُ بَيْعِهِ وعِتْقِهِ وتَسْتَوْفِي المَنْفَعَةُ مِنْهُ، وَقِيْلَ لا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلاَّ لِمَالِكِ المَنْفَعَةِ، فأمَّا نَفَقَتُهُ، فيُحْتَمَلُ أنْ تَكُوْنَ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تكُوْنَ عَلَى مَالِكِ المَنفَعَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَجِبَ في كَسْبِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ كَانَتْ عَلَى بَيْتِ المَالِ، فإنْ قَبِلَ اشْتَرَى بِقِيْمَتِهِ رَقَبَةً تَقُومُ مَقَامَهُ، وَقِيْلَ: تُدفَعُ القِيْمَةُ إِلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ، فإنْ كَانَتْ بَدَلُ العَبْدِ في الوَصِيَّةِ أمَةٌ فإنَّهَا إِذَا أتَتْ بولدٍ مِنْ زَوْجٍ أو زِناً كَانَ حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ رَقبَتُهُ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ ومَنْفَعَتُهُ لِمَالِكِ المَنْفَعَةِ فإنْ وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فأتَتْ بِوَلَدٍ فالمَهْرُ لِمَالِكِ المَنْفَعَةِ والوَلَدُ حُرٌّ وتَجِبُ قِيْمَتُهُ يومَ وَضْعتهُ عَلَى أبِيْهِ، ويكونُ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ عَلَى أحَدِ الوَجْهَيْنِ وعلى الآخَرِ يَشْتَرِي بِهِ عَبْداً تكُوْنُ رَقَبَتُهُ لِمالِكِ الرَّقَبَةِ ومَنْفَعَتَهُ لِمَالِكِ المَنْفَعَةِ فإنْ وَصَّى بِمَنْفَعَةِ عَبِيْدِهِ لِرَجُلٍ فَقَالَ شَيْخُنَا: تُعْتَبَرُ قِيْمَةُ المَنْفَعَةِ مِنَ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مِثْلَ أنْ يَقُوْلَ وَصَّيْتُ لَكَ بِخِدْمَتِهِ سَنَةً، أو مَجْهُولَةً فَيَقُولُ وَصَّيْتُ لَكَ بِمَنْفَعَتِهِ ما بَقَيَ، ويعرفُ ذَلِكَ بأنْ يُقَالَ كم قِيْمَتُهُ مَعَ مَنْفَعَتِهِ؟ فَيُقَالُ: ألْفُ مِثْقَالٍ، فيُقَالُ: وكَمْ قِيْمَتُهُ مَسْلُوبُ المَنْفَعَةِ؟ فيُقَالُ: مِئَةٌ، فتُعْتَبَرُ التِّسْعُمِئَةٍ مِنَ الثُّلُثِ فإنْ خَرجَتْ وإلاَّ سَلَّمَ إِلَيْهِ بَقَدْرِ ما يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ، وَقِيْلَ: إنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيْمَةَ الرَّقَبَةِ بِمَنَافِعِها مِنَ الثُّلُثِ، لأنَّ المَنْفَعَةَ مَجْهُولَةٌ لا يُمْكِنُ تَقْوِيْمُهَا، وَقِيْلَ: إنْ وَصَّى بالمَنْفَعَةِ عَلَى التَّأْبِيْدِ قُوِّمَت الرَّقَبَةُ والمَنْفَعَةُ مِنَ الثُّلُثِ لأنَّ عَبْداً لا مَنْفَعَةَ فِيْهِ لا قِيْمَةَ لَهُ غَالِباً، وإنْ كَانَت الوَصِيَّةُ بِمُدَّةٍ مَعْلُوْمَةٍ اعْتُبِرَتْ المَنْفَعَةُ مِنْ جَميعِ الثُّلُثِ، وعلى ما ذَكَرْنا يُخَرَّجُ إِذَا وَصَّى بِثَمَرَةِ شَجَرَةٍ فإنَّهُ يَصِحُّ، فإنْ عَيّنَ عَاماً اعْتَبَرَ ثَمَرَةَ ذَلِكَ العَامِ مِنَ الثُّلُثِ فإنْ لَمْ يُثْمِرْ في العَامِ المُعَيَّنِ بَطَلَت الوَصِيَّةِ، وإنْ لَمْ يَعْتَبِر العَام لَكِنْ قَالَ: أوَّلُ عَامٍ يُثْمِرُ شَجَرِي فإنَّهُ يَعْتَبِرُ ذَلِكَ العَامَ مِنَ الثُّلُثِ، فإنْ وَصَّى بِمَا يُثَمِّنُ شَجَرَهُ أبداً، فَعَلَى ما ذَكَرْنَا مِنَ الأوْجُهِ الثُّلُثِ، وَكَذَلِكَ الحُكْمُ إِذَا وَصَّى لَهُ بِحَمْلِ جَارِيَتِهِ، وتَجُوزُ الوَصِيَّةُ بِمَا لا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ كالجَمَلِ الشَّارِدِ والعَبْدِ الآبِقِ والطَّيْرِ في الهَوَاءِ، فإنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أخَذَهُ إنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، وإنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بَطَلَت الوَصِيَّةُ، وتَجُوزُ الوَصِيَّةُ بِمَا لا يَمْلِكُهُ كالوصية بِمِئَةِ دِيْنَارٍ لا يَمْلِكُهَا، ومَتَى خَرَجَتْ مِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ أو مَا خَرَجَ مِنْهَا أخَذَهُ المُوْصَى لَهُ، وتَصِحُّ الوَصِيَّةُ بِمَا فِيْهِ مَنْفَعَةٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ كالسِّرْجِينِ النَّجِسِ والزَّيْتِ النَّجِسِ والكِلابِ.
وَإِذَا وَصَّى بِكَلْبِ وله كلبُ مَاشِيَةٍ أو صَيْدٍ فَلَهُ أخْذُهَا بالقُرْعَةِ عَلَى قَوْلِ الخِرَقِيِّ، وعلى رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ يُعْطُوهُ الوَرَثَةُ ما يَخْتَارُونَ مِنْهَما فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ كَلْبٍ فَلَهُ ثُلُثُهُ، فإنْ كَانَ لَهُ مَعَ الكَلْبِ مَالٌ فَلِلْمُوصَى لَهُ جَمِيْعُ الكَلْبِ.
ولا يُعْتَبَرُ خُرُوْجُهُ مِنَ الثُّلُثِ؛ لأنَّهُ لاَ قِيْمَةَ لَهُ، وَقِيْلَ: لِلْمُوْصَى لَهُ ثُلُثُ الكَلْبِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ كَلْبٌ بَطَلَت الوَصِيَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلاَّ كَلْبُ الهِرَاشِ فإنْ وَصَّى لَهُ بِنَجَاسَةٍ لاَ مَنْفَعَةَ لَهُ فِيْهَا كالمَيْتَةِ والخَمْرِ لَمْ تَصِحَّ الوَصِيّةُ، فإنْ وَصَّى بِطَبْلٍ وله طَبْلٌ للحَرْبِ وطَبْلٌ للَّهْوِ انْصَرَفَت الوَصِيَّةُ إِلَى طَبْلِ الحَرْبِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلاَّ طبُولُ لَهْوٍ لَمْ تَصِحَّ.
فإنْ وَصَّى لَهُ بِقَوْسٍ وله قَوْسَانِ: نَشَّابٌ وقَوْسٌ عَرَبِيٌّ وَهُوَ قَوسُ النَّبْلِ، وقَوْسُ جُلامِقَ وَهِيَ قَوْسُ البُنْدُقِ وَقَوْسِ نَدْفِ القُطْنِ انْصَرَفَت الوَصِيَّةُ إِلَى قَوْسِ النَّشَابِ والنَّبْلِ عَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا، ثُمَّ يُعْطَى أحَدُهَا بالقُرْعَةِ أو باخْتِيَارِ الوَرَثَةِ عَلَى مَا بَيَّنّا مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ وعِنْدِي أنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الوَصِيَّةِ دَلالَةُ حَالٍ فإنَّ الوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إِلَى الجَمِيْعِ وتَدْفَعُ وصيةُ الورثةِ ما تساوا، أو وَاحِدٌ بالقُرْعَةِ عَلَى رِوَايَةِ الخِرَقِيِّ.
فإنْ وَصَّى لَهُ بِجَمَلٍ لَمْ يُعْطَ إلاَّ الذَّكَرَ، وإنْ وَصَّى بِبَعِيْرٍ انْصَرَفَ إِلَى الذَّكَرِ والأنْثَى، فإنْ وَصَّى بِبَقَرَةٍ أو نَاقَةٍ لَمْ يُعْطَ إلاَّ أُنْثَى، فإنْ وَصَّى بِثَوْرٍ انْصَرَفَ إِلَى الذَّكَرِ والأنْثَى، ويُحْتَمَلُ في الثَّوْرِ والبَعِيرِ لا يَنْصَرِفُ إلاَّ إِلَى الذَّكَرِ.
فإنْ وَصَّى بِدَابَّةٍ انْصَرَفَ إِلَى الذَّكَرِ والأنْثَى مِنَ الخَيْلِ والبِغَالِ والحَمِيْرِ.
وفي الجُمْلَةِ أنَّ لَفْظَ المُوصِي إِذَا كَانَ مِنْهُمَا رَجَعَ في التَّفْسِيْرِ إِلَى الوَرَثَةِ، وإن احْتَمَلَ واحِدٌ مِنْ جِنْسٍ، فَهَلْ يَخْرُجُ وَاحِدٌ مِنَ الجِنْسِ بالقُرْعَةِ. أو يَرْجِعُ إِلَى اخْتِيَارِ الوَرَثَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وإن احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ، وَقِيْلَ يرجع: عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقِيْلَ: يحملُ عَلَى أظْهَرِهِمَا وإن احْتَمَلَ نَوْعَي عَدَدٍ حُمِلَ عَلَى الأقَلِّ؛ لأنَّهُ هُوَ اليَقِينُ.
فإنْ أوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيءٍ ثُمَّ بَاعَهُ أو وَهَبَهُ بَطَلَت الوَصِيَّةُ.
فإنْ عَرَّضَهُ لِزَوَالِ المِلْكِ بأنْ دَبَرَهُ أو كَاتَبَهُ كَانَ رُجُوعاً في الوَصِيَّةِ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، والآخَرُ لا يَكُونُ رُجُوعاً، فإنْ أخَذَ المُوصَى بِهِ أو كَانَتْ أمَةً فَزَوَجَها لَم تَبْطُلِ الوَصِيَّةُ، فإنْ وَصَّى بِشَيْءٍ ثُمَّ أزَالَ اسْمَهُ بأنْ كَانَ حبّاً فَطَحَنَهُ دَقِيقاً أو دَقِيقاً فَخَبَزَهُ أو غَزْلاً فَنَسَجَهُ أو سَاجاً فَجَعَلَهُ بَاباً أو نُقْرَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ لَمْ يَكُنْ رُجُوعاً في الوَصِيَّةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُوْنَ رُجُوعاً بأنْ وَصَّى بِدَارٍ يَتْبَعُهَا ما يَتْبَعُ في البَيْعِ، فإن انْهَدَمَ بَعْضُ الدَّارِ قَبْلَ مَوتِ المُوصِي فَهَلْ يَدْخُلُ في الوَصِيَّةِ بَعْدَ الَمَوتِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أحَدُهُمَا: يسْتَحقُّهُ المُوصَى لَهُ، والآخَرُ: لا يسْتَحِقُّهُ، وَكَذَلِكَ إنْ زَادَ في الدَّارِ بِعِمَارَةٍ فَهَلْ يَسْتَحِقُّهَا؟ عَلَى الوَجْهَيْنِ، فإنْ وَصَّى بِطَعَامٍ فَخَلَطَهُ بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعاً، ويَجُوزُ تَعْلِيقُ الوَصِيَّةِ بِشَرْطٍ في حَالِ الحَيَاةِ وبَعْدَ المَوتِ نَحْوَ قَوْلِهِ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَصَّيْتُ كَذَا، فإنْ مَاتَ في مَرَضِهِ وإلاَّ بَطَلَتْ. ونَحْوَ قَوْلِهِ: إنْ مِتُّ بَعْدَ خَمْسِ سِنِيْنَ فَتَصَدَّقُّوا بِكَذا، فإنْ ماتَ قَبْلَ الخَمْسِ سِنِيْنَ بَطَلَت الوَصِيةُ نَصَّ عَلَيْهِ.
فإنْ قَالَ: وَصَّيْتُ لَكَ بِثُلُثِ مَالِي فإنْ قَدمَ زَيْدٌ فَهُوَ لَهُ، فإنْ قدمَ زَيْدٌ في حالِ حياةِ المُوصِي فَهُوَ لَهُ، وإنْ قدمَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: الوَصِيَّةُ للأوَّلِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُوْنَ لِلْقَادِمِ فإن وصى بألْفٍ يُحَجُّ بِهَا عَنْهُ، وصُرِفَ في كُلِّ حَجَّةٍ مِقْدَارَ نَفَقَةِ الحَاجِّ أو أُجْرَتَهُ عَلَى اخْتِلافِ الرِّوَايَتَيْنِ حَتَّى يَنْفَدَ الألْفُ، فإنْ وَصَّى أن يَحُجَّ عَنْهُ زَيْدٌ حَجَّةً بألْفٍ أو مِقْدَارِ الألْفِ، نَفَقَةُ الحَجَّةِ أو أجْرتُهَا مِئةُ، فالتِّسْعُمِئَةٍ وَصِيَّةٌ لِزَيْدٍ يَسْتَحِقُّهَا أو ما يخْرُجُ مِنْهَا مِنَ الثُّلُثِ إِذَا حَجَّ مَعَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بالحَجَّةِ، فإنْ أبَى أنْ يَحُجَّ وطَالَبَ بالتِّسْعِمِئة لَمْ يَسْتَحِقُّهَا ويَطْلُبُ الوَصِيَّةِ، فإنْ قَالَ يَحُجُّ عَنِّي حَجَّةً بألْفٍ، فَمَا فَضَلَ عن نَفَقَةِ الحَجَّةِ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ ذَكَرَهُ الخِرَقِيُّ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُوْنَ لِمَنْ حَجَّ عَنْهُ الحَجَّةَ.
وَإِذَا وَصَّى بَوَصَايَا يَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْهَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى كُلّ وَصِيَّةٍ بِمِقْدَارِهَا وَلَمْ يَبْطُلْ بَعْضُهَا، وسيأتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللهُ.
وَإِذَا وَصَّى بالثُّلُثِ ولهُ مَالٌ حَاضرٌ وغائِبٌ و عَيْنٌ ودَيْنٌ أعْطَى المُوصَى لَهُ ثُلُثَ الحَاضِرِ وثُلُثَ العَيْنِ وكُلَّمَا حَضَرَ مِنَ الغَائِبِ شَيءٌ أو قُبِضَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْء، دُفِعَ إِلَى المُوصَى لَهُ ثُلُثُهُ والبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِذَا قَالَ ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْتَ أو أعْطِهِ لِمَنْ شِئْتَ أو افْعَلْ بِهِ مَا شِئْتَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أخْذُهُ ولا دَفْعُهُ إِلَى وَلَدِهِ إلاَّ أنْ يُصَرِّحَ لَهُ بِذَلِكَ ويُنَفِّذَ الوَصِيَّةَ فِيْمَا عَلِمَ بِهِ مِنْ مَالِهِ وما لَمْ يَعْلَمْ.