فصل: آيات صفات الغضب والسخط والكراهية والبغض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح العقيدة الواسطية **


 آيات صفات الغضب والسخط والكراهية والبغض

ذكر المؤلف رحمه الله في هذه الصفات خمس آيات‏:‏

وقوله‏:‏ ‏{‏ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه‏}‏‏(‏1‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

‏(‏1‏)‏ الآية الأولى‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏ومن يقتل مؤمناً متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 93‏]‏‏.‏

* ‏{‏ومن‏}‏‏:‏ شرطية‏.‏ و‏(‏من‏)‏ الشرطية تفيد العموم‏.‏

* ‏{‏مؤمناً‏}‏‏:‏ هو من آمن بالله ورسوله، فخرج به الكافر والمنافق‏.‏

لكن من قتل كافراً له عهد أو ذمة أو أمان، فهو آثم، لكن لا يستحق الوعيد المذكور في الآية‏.‏

وأما المنافق، فهو معصوم الدم ظاهراً، ما لم يعلن بنفاقه‏.‏

* وقوله ‏{‏متعمدا‏}‏‏:‏ يدل على إخراج الصغير وغير العاقل، لأن هؤلاء ليس لهم قصد معتبر ولا عمد، وعلى إخراجا لمخطئ، وقد سبق بيانه في الآية التي قبلها‏.‏

فالذي يقتل مؤمناً متعمداً جزاؤه هذا الجزاء العظيم‏.‏

* ‏{‏جهنم‏}‏‏:‏ اسم من أسماء النار‏.‏

* ‏{‏خالداً فيها‏}‏، أي‏:‏ ماكثاً فيها‏.‏

* ‏{‏وغضب الله عليه‏}‏‏:‏ الغضب صفة ثابتة لله تعالى على الوجه اللائق به، وهي من صفاته الفعلية‏.‏

* ‏{‏ولعنه‏}‏‏:‏ اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله‏.‏

* فهذه أربعة أنواع من العقوبة، والخامس‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏وأعد له عذاباً عظيماً‏}‏‏.‏

خمس عقوبات، واحدة منها كافية في الردع والزجر لمن كان له قلب‏.‏

ولكن يشكل على منهج أهل السنة ذكر الخلود في النار، حيث رتب على القتل، والقتل ليس بكفر، ولا خلود في النار عند أهل السنة إلا بالكفر‏.‏

وأجيب عن ذلك بعدة أوجه‏:‏

الوجه الأول‏:‏ أن هذه في الكافر إذا قتل المؤمن‏.‏

لكن هذا القول ليس بشيء، لأن الكافر جزاؤه جهنم خالداً فيها وإن لم يقتل المؤمن‏:‏ ‏{‏إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً ‏(‏64‏)‏ خالدين فيها أبدا لا يجدون ولياً ولا نصيرا‏}‏ ‏[‏الأحزاب، 64-65‏]‏‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ أن هذا فيمن استحل القتل، لأن الذي يستحل قتل المؤمن كافر‏.‏

وعجب الإمام أحمد من هذا الجواب، قال‏:‏ كيف هذا‏؟‏‏!‏ إذا استحل قتله، فهو كافر وإن لم يقتله، وهو مخلد في النار وإن لم يقتله‏.‏

ولا يستقيم هذا الجواب أيضاً‏.‏

الوجه الثالث‏:‏ أن هذه الجملة على تقدير شرط، أي‏:‏ فجزاؤه جهنم خالداً فيها إن جازاه‏.‏

وفي هذا نظر، أي فائدة في قوله‏:‏ ‏{‏فجزاؤه جهنم‏}‏، ما دام المعنى إن جازاه‏؟‏‏!‏ فنحن الآن نسأل‏:‏ إذا جازاه، فهل هذا جزاؤه‏؟‏ فإذا قيل‏:‏ نعم، فمعناه أنه صار خالداً في النار، فتعود المشكلة مرة أخرى، ولا نتخلص‏.‏

فهذه ثلاثة أجوبة لا تسلم من الاعتراض‏.‏

الوجه الرابع‏:‏ أن هذا سبب، ولكن إذا وجد مانع، لم ينفذ السبب، كما نقول‏:‏ القرابة سبب للإرث، فإذا كان القريب رقيقاً، لم يرث، لوجود المانع وهو الرق‏.‏

ولكن يرد علينا الإشكال من وجه آخر، وهو‏:‏ ما الفائدة من هذا الوعيد‏؟‏

فنقول‏:‏ الفائدة أن الإنسان الذي يقتل مؤمناً متعمداً قد فعل السبب الذي يخلد به في النار، وحينئذ يكون وجود المانع محتملاً، قد يوجد، وقد لا يوجد، فهو على خطر جداً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً‏)‏ (1)‏.‏ فإذا أصاب دماً حراماً والعياذ بالله، فإنه قد يضيق بدينه حتى يخرج منه‏.‏

وعلى هذا، فيكون الوعيد هنا باعتبار المال، لأنه يخشى أن يكون هذا القتل سبباً لكفره، وحينئذ يموت على الكفر، فيخلد‏.‏

فيكون في هذه الآية على هذا التقدير ذكر سبب السبب، فالقتل عمداً سبب لأن يموت الإنسان على الكفر، والكفر سبب للتخليد في النار‏.‏

وأظن هذا إذا تأمله الإنسان، يجد أنه ليس فيه إشكال‏.‏

الوجه الخامس‏:‏ أن المراد بالخلود المكث الطويل، وليس المراد به المكث الدائم، لأن اللغة العربية يطلق فيها الخلود على المكث الطويل كما يقال‏:‏ فلان خالد ف الحبس، والحبس ليس بدائم‏.‏ ويقولون‏:‏ فلا خالد خلود الجبار، ومعلوم أن الجبال ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً‏.‏

وهذا أيضاً جواب سهل لا يحتاج إلى تعب، فنقول‏:‏ إن الله عز وجل لم يذكر التأبيد، لم يقل‏:‏ خالداً فيها أبداً بل قال‏:‏ ‏{‏خالداً فيها‏}‏، والمعنى‏:‏ أنه ماكث مكثاً طويلاً‏.‏

الوجه السادس‏:‏ أن يقال إن هذا من باب الوعيد، والوعيد يجوز إخلافه، لأنه انتقال من العدل إلى الكرم، والانتقال من العدل إلى الكرم كرم وثناء وأنشدوا عليه قول الشاعر‏:‏

وإني وإن أوعدته أو وعدته ** لمخلف إبعادي ومنجز موعدي

أوعدته بالعقوبة، ووعدته بالثواب، لمخلف إبعادي ومنجز موعدي‏.‏

وأنت إذا قلت لابنك‏:‏ والله، إن ذهبت إلى السوق، لأضربنك بهذا العصا‏.‏ ثم ذهب إلى السوق، فلما رجع، ضربته بيدك، فهذا العقاب أهون على ابنك، فإذا توعد الله عز وجل القاتل بهذا الوعيد، ثم عفا عنه، فهذا كرم‏.‏

ولكن هذا في الحقيقة فيه شيء من النظر، لأننا نقول‏:‏ إن نفذ الوعيد، فالإشكال باق، وإن لم ينفذ، فلا فائدة منه‏.‏

هذه ستة أوجه في الجواب عن الآية، وأقربها الخامس، ثم الرابع‏.‏

مسألة‏:‏ إذا تاب القاتل، هل يستحق الوعيد‏؟‏

الجواب‏:‏ لا يستحق الوعيد بنص القرآن، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ‏(‏68‏)‏ يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهاناً ‏(‏69‏)‏ إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 68-70‏]‏، وهذا واضح، أن من تاب ـ حتى من القتل ـ، فإن الله تعالى يبدل سيئاته حسنات‏.‏

والحديث الصحيح في قصة الرجل من بني إسرائيل، الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً، فألقى الله في نفسه التوبة، فجاء إلى عابد، فقال له‏:‏ إن قتل تسعاً وتسعين نفساً، فهل له من توبة‏؟‏‏!‏ فالعابد استعظم الأمر، وقال‏:‏ ليس لك توبة‏!‏ فقتله، فأتم به المائة‏.‏ فدل على عالم، فقال‏:‏ إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة‏؟‏‏!‏ ولكن هذه القرية ظالم أهلها، فاذهب إلى القرية الفلانية، فيها أهل خير وصلاة، فسافر الرجل، وهاجر من بلده إلى بلد الخير والصلاة، فوافته المنية في أثناء الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة الرحمة وملائكة العذاب، حتى أنزل الله بينهم حكماً، وقال‏:‏ قيسوا ما بين القريتين، فإلى أيتهما كان أقرب، فهو من أهلها، فكان أقرب إلى أهل القرية الصالحة فقبضته ملائكة الرحمة (2).‏

فأنظر كيف كان من بني إسرائيل فقبلت توبته، مع أن الله جعل عليهم آصاراً وأغلالاً، وهذه الأمة رفع عنها الآصار والأغلال، فالتوبة في حقها أسهل، فإذا كان هذا في بني إسرائيل، فكيف بهذه الأمة‏؟‏‍‍

فإن قلت‏:‏ ماذا تقول فيما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ أن القاتل ليس له توبة (3)؟‏‍

فالجواب‏:‏ من أحد الوجهين‏:‏

1- إما أن ابن عباس رضي الله عنهما استبعد أن يكون للقاتل عمداً توبة، ورأى أنه لا يوفق للتوبة، وإذا لم يوفق للتوبة، فإنه لا يسقط عنه الإثم، بل يؤاخذ به‏.‏

2- وإما أن يقال‏:‏ إن مراد ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ أن لا توبة له فيما يتعلق بحق المقتول، لأن القاتل عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق‏:‏ حق الله، وحق المقتول، والثالث لأولياء المقتول‏.‏

أ- أما حق الله، فلا شك أن التوبة ترفع، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 53‏]‏، وهذه في التائبين‏.‏

ب- وأما حق أولياء المقتول، فيسقط إذا سلم الإنسان نفسه لهم، أتى إليهم وقال‏:‏ أنا قتلت صاحبكم، واصنعوا ما شئتم فهم غما أن يقتصوا، أو يأخذوا الدية، أو يعفوا، والحق لهم‏.‏

جـ- وأما حج المقتول، فلا سبيل إلى التخلص منه في الدنيا‏.‏

وعلى هذا يحمل قول ابن عباس أنه لا توبة له، أي‏:‏ بالنسبة لحق المقتول‏.‏

على أن الذي يظهر لي أنه إذا تاب توبة نصوحاً، فإنه حتى حق المقتول يسقط، لا إهداراً لحقه، ولكن الله عز وجل بفضله يتحمل عن القاتل ويعطي المقتول رفعة درجات في الجنة أو عفواً عن السيئات، لأن التوبة الخالصة لا تبقي شيئاً، ويؤيد هذا عموم آية الفرقان‏:‏ ‏{‏والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 70‏]‏‏.‏

وفي هذه الآية من صفات الله‏:‏ الغضب، واللعن وإعداد العذاب‏.‏

وفيها من الناحية المسلكية التحذير من قتل المؤمن عمداً‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه‏}‏‏(‏1‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

‏(‏1‏)‏* الآية الثانية‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 28‏]‏‏.‏

* ‏{‏ذلك‏}‏‏:‏ المشار إليه ما سبق، والذي سبق هو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ‏(‏27‏)‏ ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 27-28‏]‏، يعني‏:‏ فكيف تكون حالهم في تلك اللحظات إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت‏؟‏‍

* ‏{‏ذلك‏}‏، أي‏:‏ ضرب الوجوه والأدبار‏.‏

* ‏{‏بأنهم‏}‏، أي‏:‏ بسبب، فالباء للسببية‏.‏

* ‏{‏اتبعوا ما أسخط الله‏}‏، أي‏:‏ الذي أسخط الله، فصاروا يفعلون كل ما به سخط الله عز وجل من عقيدة أو قول أو فعل‏.‏

* أما ما فيه رضي الله، فحالهم فيه قوله‏:‏ ‏{‏وكرهوا رضوانه‏}‏، أي كرهوا ما فيه رضاه، فصارت عاقبتهم تلك العاقبة الوخيمة، أنهم عند الوفاة تضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم‏.‏

وفي هذه الآية من صفات الله‏:‏ إثبات السخط والرضى‏.‏

وسبق الكلام على صفة الرضى، وأما السخط، فمعناه قريب من معنى الغضب‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏لما آسفونا انتقمنا منهم‏"‏‏(‏1‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

‏(‏1‏)‏ الآية الثالثة‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏فلما آسفونا انتقمنا منهم‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 55‏]‏‏.‏

* ‏{‏آسفونا‏}‏، يعني‏:‏ أعضبونا وأسخطونا‏.‏

* ‏{‏فلما‏}‏‏:‏ هنا شرطية، فعل الشرط فيها‏:‏ ‏{‏آسفونا‏}‏، وجوابه‏:‏ ‏{‏انتقمنا منهم‏}‏‏.‏

ففيها رد على من فسروا السخط والغضب بالانتقام، لأن أهل التعطيل من الأشعرية وغيرهم يقولون‏:‏ إن المراد بالسخط والغضب الانتقام، أو إرادة الانتقام، ولا يفسرون السخط والغضب بصفة من صفات الله يتصف بها هو نفسه، فيقولون‏:‏ غضبه، أي انتقامه، أو بالإرادة لأنهم يقرون بها، ولا يفسرونه بأنه صفة ثابتة لله على وجه الحقيقة تليق به‏.‏

ونحن نقول لهم‏:‏ بل السخط والغضب غير الانتقام، والانتقام نتيجة الغضب والسخط، كما نقول‏:‏ إن الثواب نتيجة الرضى، فالله سبحانه وتعالى يسخط على هؤلاء القوم ويغضب عليهم ثم ينتقم منهم‏.‏

وإذا قالوا‏:‏ إن العقل يمنع ثبوت السخط والغضب لله عز وجل‏.‏

فإننا نجيبهم بما سبق في صفة الرضى، لأن الباب واحد‏.‏

ونقول‏:‏ بل العقل يدل على السخط والغضب، فإن الانتقام من المجرمين وتعذيب الكافرين دليل على السخط والغضب، وليس دليلاً على الرضى، ولا على انتفاء الغضب والسخط‏.‏

ونقول‏:‏ هذه الآية‏:‏ ‏{‏فلما آسفونا انتقمنا منهم‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 55‏]‏‏:‏ ترد عليكم، لأنه جعل الانتقام غير الغضب، لأن الشرط غير المشروط‏.‏

مسألة‏:‏

بقي أن يقال‏:‏ ‏{‏فلما آسفونا‏}‏‏:‏ نحن نعرف أن الأسف هو الحزن والندم على شيء مضى على النادم لا يستطيع رفعه، فهل يوصف الله بالحزن والندم‏؟‏

الجواب‏:‏ لا، ونجيب عن الآية بأن الأسف في اللغة له معنيان‏:‏

المعنى الأول‏:‏ الأسف بمعنى الحزن، مثل قول الله تعالى عن يعقوب‏:‏ ‏{‏يا أسفى على يوسف واببضت عيناه من الحزن‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 84‏]‏‏.‏

الثاني‏:‏ الأسف بمعنى الغضب، فيقال‏:‏ أسف عليه باسم، بمعنى‏:‏ غضب عليه‏.‏

والمعنى الأول‏:‏ ممتنع بالنسبة لله عز وجل‏.‏ والثاني‏:‏ مثبت لله، لأن الله تعالى وصف به نفسه، فقال‏:‏ ‏{‏فلما آسفونا انتقمنا منهم‏}‏‏.‏

وفي الآية من صفات الله‏:‏ الغضب، والانتقام‏.‏

ومن الناحية المسلكية‏:‏ التحذير مما يغضب الله تعالى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم‏}‏‏(‏1‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

‏(‏1‏)‏ الآية الرابعة‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 46‏]‏‏.‏

* يعني بذلك المنافقين الذين لم يخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات، لأن الله تعالى كره انبعاثهم، لأن عملهم غير خالص له، والله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك، ولأنهم إذا خرجوا، كانوا كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو خرجوا فيكم ما ذادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 47‏]‏، وإذا كانوا غير مخلصين، وكانوا مفسدين، فإن الله سبحانه وتعالى يكره الفساد ويكره الشرك‏:‏ فـ‏{‏كره الله انبعاثهم فثبطهم‏}‏، يعني‏:‏ جعل هممهم فاترة عن الخروج للجهاد‏.‏

{‏وقيل اقعدوا مع القاعدين‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 46‏]‏‏:‏ قيل‏:‏ يحتمل أن الله قال ذلك كوناً‏.‏ ويحتمل أن بعضهم يقول لبعض‏:‏ اقعد مع القاعدين، ففلان لمع يخرج، وفلان لم يخرج، ممن عذرهم ز وجل، كالمريض والأعمى والأعرج، ويقولون‏:‏ إذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم اعتذرنا إليه واستغفر لنا وكفانا‏.‏

ويمكن أن جمع بين القولين، لأنه إذا قيل لهم ذلك، وقعدوا، فهم ما قعدوا إلا يقول الله عز وجل‏.‏

وفي الآية هنا إثبات أن الله عز وجل يكره، وهذا أيضاً ثابت في الكتاب والسنة‏:‏

- قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 23-38‏]‏‏.‏

- وكما في هذه الآية التي ذكها المؤلف‏:‏ ‏{‏ولكن كره الله انبعاثهم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 46‏]‏‏.‏

- وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله كره لكم قيل وقال‏)‏ (4).‏

فالكراهة ثابتة بالكتاب والسنة، أن الله تعالى يكره‏.‏

وكراه الله سبحانه وتعالى للشيء تكون للعمل، كما في قوله‏:‏ ‏{‏ولكن كره الله انبعاثهم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 46‏]‏، وكما في قوله‏:‏ ‏{‏كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 38‏]‏‏.‏

وتكون أيضاً للعامل، كما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى إذا أبغض عبداً، نادى جبريل، إني أبغض فلاناً، فأبغضه‏)‏ (5).‏

وقوله‏:‏ ‏{‏كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون‏}‏‏(‏1‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

‏(‏1‏)‏ الآية الخامسة‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون‏}‏ ‏[‏الصف‏:‏ 3‏]‏‏.‏

* ‏{‏كبر‏}‏، بمعنى‏:‏ عظم‏.‏

* ‏{‏مقتا‏}‏‏:‏ تمييز محول عن الفاعل، والمقت أشد البغض، وفاعل ‏{‏كبر‏}‏ بعد أن حول الفاعل إلى تمييز‏:‏ ‏(‏أن‏)‏ وما دخلت عليه في قوله‏:‏ ‏{‏أن تقولوا ما لا تفعلون‏}‏‏.‏

وهذه الآية تعليل للآية التي قبلها وبيان لعاقبتها‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ‏(‏2‏)‏ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون‏}‏ ‏[‏الصف‏:‏ 2-3‏]‏، فإن هذا من أكبر الأمور أن يقول الإنسان ما لا يفعل‏.‏

ووجه ذلك أن يقال‏:‏ إذا كنت تقول الشيء ولا تفعلها، فأنت بين أمرين‏:‏ إما كاذب فيما نقول، ولكن تخوف الناس، فنقول لهم الشيء وليس بحقيقة‏.‏ وإما أنك مستكبر عما تقول، تأمر الناس به ولا تفعله، وتنهى الناس عنه وتفعله‏.‏

وفي الآية من الصفات‏:‏ المقت، وأنه يتفاوت‏.‏

ومن الناحية المسلكية‏:‏ التحذير من أن يقول الإنسان مالا يفعل‏.‏