فصل: باب الحجّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شفاء الغليل في حل مقفل خليل



.باب الاعتكاف:

الاعْتِكَافُ نَافِلَةٌ، وصِحَّتُهُ لِمُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ بِمُطْلَقِ صَوْمٍ، ولَوْ نَذْراً ومَسْجِدٍ.
الشرح:
قوله: (ومَسْجِدٍ) معطوف عَلَى صوم لا عَلَى مطلق؛ ولذا لَمْ يعد الباء أي: وصحته بمطلق مسجد، جامعاً كان أو غير جامع، بدليل الاستثناء بعده.

متن الخليل:
إِلا لِمَنْ فَرْضُهُ الْجُمُعَةُ، وتَجِبُ بِهِ، فَالْجَامِعُ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وإِلا خَرَجَ.
الشرح:
قوله: (إِلا لِمَنْ فَرْضُهُ الْجُمُعَةُ، وتَجِبُ بِهِ) أي: وهي تجب فِي زمان الاعتكاف، فالباء ظرفية ومجرورها للاعتكاف بحذف المضاف، والجملة حالية ذات واو ينوي بعدها المبتدأ كأنه قال: والحالة هذه.

متن الخليل:
وبَطَلَ كَمَرَضِ أَبَوَيْهِ، لا جَنَازَتِهِمَا مَعاً.
الشرح:
قوله: (كَمَرَضِ أَبَوَيْهِ، لا جَنَازَتِهِمَا مَعاً) فِي سماع ابن القاسم: يخرج لمرض أحد أبويه، وفِي" الموطأ": لا يخرج لجنازتهما.
وفرّق الباجي بأنهما إِذَا كانا حيين لزمه طلب مرضاتهما واجتناب سخطهما فيجمع بين الأمرين بر أبويه بالخروج إليهما والإتيان باعتكافه بأن يبتدأه، ولا يلزم عَلَى ذلك ترك حضور جنازتهما؛ إذ لا يعرفان حضوره فيرضيهما ذلك، ولا يعلمان بتخلّفه فيسخطهما، فاعترض بأن ذلك من حقوقهما، وألزم عَلَيْهِ الخروج إِذَا مات أحدهما، فإن عدم خروجه له يسخط الآخر. كذا فِي "التوضيح".
وغايته أنه إلزام لا نصّ فالتزم هنا ذلك فقال: "لا جنازتهما معاً " ولَمْ يقل ذلك فِي مرضهما إذ لا فرق بين مرضهما معاً ومرض أحدهما، ولَمْ يعرج ابن عرفة عَلَى الإلزام فضلاً عن الالتزام.

متن الخليل:
كَشَهَادَةٍ وإِنْ وَجَبَتْ، ولْتُؤَدَّ بِالْمَسْجِدِ، أَوْ تُنْقَلُ عَنْهُ، وكَرَدَّةٍ، وكَمُبْطِلٍ صَوْمَهُ وكَسُكْرِهِ لَيْلاً، وفِي إِلْحَاقِ الْكَبَائِرِ بِهِ تَأْوِيلانِ وبِعَدَمِ وَطْءٍ، وقُبْلَةِ شَهْوَةٍ، ولَمْسٍ، ومُبَاشَرَةٍ وإِنْ لِحَائِضٍ أَوْ نَائِمَةٍ، وإِنْ أَذِنَ لِعَبْدٍ أَوِ امْرَأَةٍ فِي نَذْرٍ فَلا مَنْعَ كَغَيْرِهِ، إِنْ دَخَلا وأَتَمَّتْ مَا سَبَقَ مِنْهُ، أَوْ عِدَّةٍ.
الشرح:
قوله: (كَشَهَادَةٍ) كذا هو بإسقاط الواو راجع للمنفي فِي قوله: (لا جنازتهما) أي: لا يخرج لجنازتهما كما لا يخرج للشهادة، يدلّ عَلَيْهِ: ولتؤد بالمسجد.

متن الخليل:
إِلا أَنْ تُحْرِمَ، وإِنْ بِعِدَّةِ مَوْتٍ فَيَنْفُذُ، ويَبْطُلُ، وإِنْ مَنَعَ عَبْدَهُ نَذْراً، فعَلَيْهِ إِنْ عَتَقَ ولا يُمْنَعُ مُكَاتِبٌ يَسِيرَهُ، ولَزِمَ يَوْمٌ إِنْ نَذَرَ لَيْلَةً، لا بَعْضَ يَوْمٍ وتَتَابُعُهُ فِي مُطْلَقِهِ.
الشرح:
قوله: (إِلا أَنْ تُحْرِمَ، وإِنْ بِعِدَّةِ مَوْتٍ فَيَنْفُذُ، ويَبْطُلُ) الفاعل (بتحرم) ضمير يعود عَلَى المعتدة المدلول عَلَيْهَا بقوله: (أو عدة) وإنما غيّاها بعدة الموت؛ لأنها أشد من عدة الطلاق لما يلزم فِيهَا من الإحداد، والفاعل بينفذ يعود عَلَى الإحرام، والفاعل بـ(يبطل)يعود عَلَى لفظ ما من قوله: (وأتمّت ما سبق منه أو عدة) و(ما) واقعة عَلَى العدة؛ لأنها السابقة فِي هذه الصورة فظاهره أن العدة تبطل برمتها، وليس هذا بمراد؛ وإنما يبطل منها مبيتها فِي بيتها، فالكلام بحذف مضاف. أي: يبطل مبيت ما سبق وهو العدة - هذا عَلَى النسخ التي فِيهَا يبطل بالياء المثناة من أسفل.
وفِي بعض النسخ تبطل بالمثناة من فوق، فالضمير للعدة وهو أَيْضاً بحذف مضاف أي: ويبطل مبيت العدة، وسبك كلامه: إلّا أن تحرم المعتدة وإن كانت فِي عدة موت فينفذ إحرامها بعد وقوعه، وإن كانت عاصية فِي إنشائه بعد العدة فتخرج فيه ويبطل مبيت عدتها، فهو مطابق لقوله فِي باب: العدة: (أو أحرمت وعصت)، وهذا معنى ما لأبي عمران الفاسي، وقد اعتمده أبو الحسن الصغير فقال فِي قوله فِي كتاب العدة وطلاق السنة: (وأما إِذَا أحرمت فلتنفذ قربت أم بعدت): ظاهره وجبت العدة قبل الإحرام أو بعد ما أحرمت.
والجواب فيهما واحد، إلّا أنها إن أحرمت وهي معتدة تكون عاصية، قاله أبو عمران قال: وتعتد بقية عدتها بعد الرجوع إن بقي منها شئ، وأما المعتكفة تحرم بالحجّ فيلزمها ما أحرمت له من الحجّ؛ ولكن لا تخرج إلى الحجّ حتى ينقضي اعتكافها.
قال أبو عمران: والفرق بين المعتدة والمعتكفة: أنّ المعتدة لا تبطل بالحجّ عدتها كلها، ولا تخل بجميع شروطها، وإنما تخلّ بوجه منها وهو المقام فِي الموضع الذي تعتدّ به فقط، والمعتكفة يخلّ الحجّ بجميع شروط اعتكافها، إذ لا يصحّ الاعتكاف إلّا فِي المساجد، فإِذَا خرجت إِلَى الحجّ زال عنها حكم الاعتكاف وهي فِي الحجّ تبتدئ عدتها، ولا يخلّ حجها بعدتها كإخلال حجّ المعتكفة باعتكافها؛ لما وصفناه. انتهى.
فإن قلت: لَمْ يعرج هنا عَلَى أن المعتكفة إِذَا أنشأت الإحرام بعد الاعتكاف تتم اعتكافها.
قلت: إِذَا كان معنى كلامه: إلّا أن تحرم المعتدة فمفهوم الصفة أن المعتكفة إِذَا أحدثت الإحرام بخلاف ذلك.
فإن قلت: ظاهر ما اعتمده أبو الحسن الصغير من قول أبي عمران أنه مخالف لقول ابن رشد فِي رسم مرض من سماع ابن القاسم إِذَا سبق الطلاق أو الموت الاعتكاف أو الإحرام لَمْ يصح لها أن تحرم ولا أن تعتكف حتى تنقضي العدة لأنها قد لزمتها فليس لها أن تنقضها.
قلت: إنما قال لَمْ يصح لها أن تحرم، أي تبتدئ الإحرام، ولَمْ يتكلم عَلَى ما إِذَا خالفت، ووقع منها الإحرام، وهو الذي زاده أبو عمران، وإِلَى هذا يرجع قوله فِي "التوضيح" ويحمل قوله فِي البيان: لا يصح. عَلَى معنى: لا يجوز. والله تعالى أعلم.

متن الخليل:
ومَنْوَيُّهُ حِينَ دُخُولِهِ كَمُطْلَقِ الْجِوَارِ، لا النَّهَارِ فَقَطْ فَبِاللَّفْظِ ولا يَلْزَمُ فِيهِ حِينَئِذٍ صَوْمٌ، وفِي يَوْمِ دُخُولِهِ تَأْوِيلانِ، وإِتْيَانُ سَاحِلٍ لِنَاذِرِ صَوْمٍ بِهِ مُطْلَقاً، والْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ فَقَطْ لِنَاذِرِ عُكُوفٍ بِهَا وإِلا فَبِمَوْضِعِهِ وكُرِهَ أَكْلُهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ واعْتِكَافُهُ غَيْرَ مَكْفِيٍّ، ودُخُولُهُ مَنْزِلَهُ وإِنْ لِغَائِطٍ، واشْتِغَالُهُ بِعِلْمٍ وكِتَابَتُهُ وإِنْ مُصْحَفاً إِنْ كَثُرَ، وفِعْلُ غَيْرِ ذِكْرٍ وصَلاةٍ وتِلاوَةٍ كَعِيَادَةٍ وجَنَازَةٍ، ولَوْ لاصَقَتْ.
الشرح:
قوله: (وَمَنْوَيُّهُ حِينَ دُخُولِهِ كَمُطْلَقِ الْجِوَارِ، لا النَّهَارِ فَقَطْ فَبِاللَّفْظِ، ولا يَلْزَمُ فِيهِ حِينَئِذٍ صَوْمٌ) أي: ولزمه الاعتكاف المنوي الذي ليس بمنذور وقت دخوله فيه، كما يلزمه مطلق الجوار بالدخول أَيْضاً بخلاف الجوار المقيّد بالنهار فقط، فإنه لا يلزم إلّا باللفظ، ولا يلزم حينئذ فيه صوم، قال فِي "المدوّنة": والذي يجب به الاعتكاف أن يدخل معتكفه وينوي أيّاماً، فما نوى من ذلك لزمه، وإن نذر أيّاماً يعتكفها لزمته، والجوار كالاعتكاف إلّا من جاور نهاراً بمكة، وانقلب ليلاً إِلَى أهله فلا يصوم فيه، ولا يلزمه بدخوله، ونيته إلّا أن ينذره بلفظه.
عياض: الجوار بالكسر والضم، من المجاورة.
ابن يونس: وإنما كان يلزمه ما نوى من الاعتكاف بالدخول فيه بخلاف من نوى صوماً متتابعاً فلا يلزمه بالدخول فيه إلّا اليوم الأول منه؛ لأن الاعتكاف ليله ونهاره سواء، فهو كاليوم الواحد وصوم الأيام المتتابعة يتخللها الليل، فصار فاصلاً بين ذلك، وإنما يشبه الصوم جوار مكة الذي ينقلب فيه فِي الليل إِلَى منزله؛ لكون الليل فاصلاً.

متن الخليل:
وَصُعُودُهُ لأذَانٍ بِمَنَارٍ أَوْ سَطْحٍ.
الشرح:
قوله: (وَصُعُودُهُ لأذَانٍ بِمَنَارٍ أَوْ سَطْحٍ) ظاهره جواز إِذَان المعتكف بلا صعود، ومثله استقراء عياض من "المدوّنة" والمصنف من كلام ابن الحاجب، وقال ابن عرفة فِي إِذَانه في المسجد طريقان:
الأول للخمي: أنه جائز.
الثانية لعياض: إن كان يرصد الأوقات أو يؤذن بغير معتكفه من رحاب المسجد فيخرج إِلَى بابه كره وإلّا فظاهر "المدوّنة" جوازه وكرهه فِي "العتبية"، وقال فضل بن مسلمة: اختلف قول مالك فيه. عياض: وهذا يشعر بالخلاف فِي مجرد الإِذَان.
وقال اللخمي: لا بأس أن يقيم فِي مكانه، ويختلف فِي سعيه وتماديه بالإقامة إِلَى موضع الإمام فكره ذلك فِي "المدوّنة"، ويجوز عَلَى أحد قوليه فِي "المدوّنة" فِي إباحة صعود المنار، ثم قال: فِي سعيه فِي الإقامة: واسع؛ لأن له أن يطلب فضيلة الصفّ الأول فلا يضره أن يكون حينئذ فِي إقامة.

متن الخليل:
وَتَرَتُّبُهُ لِلإِمَامَةِ. وإِخْرَاجُهُ لِحُكُومَةٍ إِنْ لَمْ يَلِدَّ بِهِ، وجَازَ إِقْرَاءُ قُرْآنٍ، وسَلامُهُ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِ وتَطَيُّبُهُ، وأَنْ يَنْكِحَ ويُنْكِحَ بِمَجْلِسِهِ، وأَخْذُهُ إِذَا خَرَجَ لِكَغُسْلِ جُمُعَةٍ ظُفُراً، أَوْ شَارِباً، وانْتِظَارُ غَسْلِ ثَوْبِهِ أَوْ تَجْفِيفِهِ، ونُدِبَ إِعْدَادُ ثَوْبٍ، ومَكْثُهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ، ودُخُولُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ. وصَحَّ إِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ، واعْتِكَافُ عَشَرَةٍ، وبِآخِرِ الْمَسْجِدِ وبِرَمَضَانَ، وبِالْعَشْرِ الآخِرِ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ الْغَالِبَةِ بِهِ، وفِي كَوْنِهَا بِالْعَامِ أَوْ بِرَمَضَانَ خِلافٌ، وانْتَقَلَتْ.
الشرح:
قوله: (وتَرَتُّبُهُ لِلإِمَامَةِ) مفهومه أن الإمامة بلا ترتب لا تكره، والذي فِي "الرسالة": ولا بأس أن يكون إمام المسجد. ظاهره مُطْلَقاً ومثله للخمي، وزاد: اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم – أنه لَمْ يستخلف فِي حين اعتكافه. وفِي "التنبيهات " عن مُطرِّف: له أن يؤم، وعن ابن وضّاح عن سحنون: لا يجوز أن يؤم فِي فرض لا نفل. ثم قال: إن كان لا يمشي مَعَ المؤذنين فلا بأس. وفِي "الإكمال": منع سحنون فِي أحد قوليه إمامته فِي فرض أو نفل، والكافة عَلَى خلافه.

متن الخليل:
والْمُرَادُ بِكَسَابِعَةٍ مَا بَقِيَ.
الشرح:
قوله: (والْمُرَادُ بِكَسَابِعَةٍ مَا بَقِيَ) فِي هذا ثلاث طرق؛ الطريقة الأولى لابن عطية: قال: هي مستديرة فِي أوتار العشر الأواخر من رمضان، هذا هو الصحيح المعمول عَلَيْهِ، وهي فِي الأوتار بحسب الكمال والنقصان فِي الشهر، فينبغي لمرتقبها أن يرتقبها من ليلة عشرين فِي كلّ ليلة إِلَى آخر الشهر؛ لأن الأوتار مَعَ كمال الشهر ليست الأوتار مَعَ نقصانه، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لثلاثةٍ تبقى لخامسةٍ تبقى لسابعةٍ تبقى» وقال: «التمسوها فِي الثالثة والخامسة والسابعة والتاسعة».
قال مالك: يريد بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين.
قال ابن حبيب: يريد مالك إِذَا كان الشهر ناقصاً. فظاهر هذا أنه - عليه السلام - احتاط فِي كمال الشهر ونقصانه، وهذا لا تتحصّل معه الليلة إلّا بعمارة العشر كله.
الطريقة الثانية لابن رشد: فِي "المقدمات" قال: اختلف فِي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فالتمسوها فِي التاسعة والسابعة والخامسة» قيل: إنها معدودة من أول العشر، وأن المراد بذلك فِي الخامسة والسابعة والتاسعة؛ لأن الواو لا ترتب، فالتاسعة ليلة تسعٍ وعشرين، والسابعة ليلة سبع وعشرين، والخامسة ليلة خمسٍ وعشرين، وقيل إنها معدودة من آخر العشر، وأن التاسعة ليلة إحدى وعشرين والسابعة ليلة ثلاث وعشرين، والخامسة ليلة خمس وعشرين، وإِلَى هذا ذهب مالك فِي "المدوّنة" ودليله أن الأظهر فِي الواو الترتيب، ولا يختلف نقصان الشهر وكماله؛ لأن من حسب ذلك عَلَى نقصان الشهر عدّ التاسعة والسابعة والخامسة، ومن حسب ذلك عَلَى كمال الشهر لَمْ يعد التاسعة والسابعة والخامسة وقال: معنى ذلك " لتاسعة تبقى ولسابعةٍ تبقى ولخامسة تبقى".
وحسابه عَلَى نقصان الشهر أظهر؛ لأن الشهر تسعة وعشرون يوماً، واليوم الثلاثون ليس من الشهر بتيقن، قد يكون وقد لا يكون، ولا يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يحسب ذلك عَلَى كمال الشهر، ولا عَلَى ما ينكشف من نقصانه أو كماله؛ لأنه لو أراد أن يحسب عَلَى كماله لكان ذلك منه حضاً عَلَى التماسها فِي غير الأوتار، وإنما هو حضٌّ عَلَى تحرّيها فِي كلّ وتر عَلَى ما جاء فِي غير هذا الحديث، ولو أراد أن يحسب عَلَى ما ينكشف عَلَيْهِ الشهر من نقصانه وتمامه لكان قد أمر بما لا يصحّ الامتثال به إلّا بعد فواته، فلم يبق إلّا أنّه أراد أن يحسب ذلك عَلَى نقصانه إلّا أن يقال إنه - صلى الله عليه وسلم - أبهم مراده من ذلك لتلتمس الليلة فِي جميع ليالي العشر وهو بعيد، إذ لابد أن يكون لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «التمسوها فِي التاسعة والسابعة والخامسة» زيادة فائدة عَلَى قوله: «التمسوها فِي العشر الأواخر».
على أنّ ابن حبيب ذهب إِلَى تحرّيها فِي جميع ليالي العشر عَلَى نقصان الشهر وكماله، وروي ذلك عن ابن عبّاس أنه كان يحيي ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين.
وقال أَيْضاً: إنها لسبع بقين تماماً، يريد لسبعٍ بقين عَلَى تمام الشهر وهي ليلة أربع وعشرين التي كان يحييها.
الطريقة الثالثة: أنّها فِي أشفاع هذه الأفراد قال ابن العربي فِي " القبس": ادعت ذلك الأنصار فِي تفسير قوله: "اطلبوها فِي تاسعةٍ تبقي " قالوا هي ليلة اثنتين وعشرين، وقالوا نحن أعلم بالعدد منكم.

متن الخليل:
وبَنَى بِزَوَالِ إِغْمَاءٍ، أَوْ جُنُونٍ كَأَنْ مُنِعَ مِنَ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ أَوْ عِيدٍ وخَرَجَ وعَلَيْهِ حُرْمَتُهُ وإِنْ أَخَّرَهُ بَطَلَ، إِلا لَيْلَةَ الْعِيدِ ويَوْمِهِ، وإِنِ اشْتَرَطَ سُقُوطَ الْقَضَاءِ لَمْ يُعِدْهُ.
الشرح:
قوله: (كَأَنْ مُنِعَ مِنَ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ) عن هذا عبّر ابن الحاجب بقوله: ولو طرأ ما يمنعه الصيام فقط دون المسجد كالمريض إن قدر، والحائض تخرج ثم تطهر. وبه تفهم صورة المسألة. وبالله تعالى التوفيق.

.باب الحجّ:

للمصنف ـ رحمه الله تعالى ـ تأليف عجيب فِي مناسك الحجّ أجاد فيه ما شاء.
فُرِضَ الْحَجُّ، وسُنَّتِ الْعُمْرَةُ مَرَّةً، وفِي فَوْرِيَّتِهِ وتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ خِلافٌ، وصِحَّتُهُمَا بِالإِسْلامِ فَيُحْرِمُ وَلِيٌّ عَنْ رَضِيعٍ، وجُرِّدَ قُرْبَ الْحَرَمِ، ومُطْبِقٍ لا مُغْمًى، والْمُمَيِّزُ بِإِذْنِهِ، وإِلا فَلَهُ تَحْلِيلُهُ، ولا قَضَاءَ بِخِلافِ الْعَبْدِ. وأَمْرُهُ مَقْدُورُهُ وإِلا نَابَ عَنْهُ، إِنْ قَبِلَهَا كَطَوَافٍ، لا كَتَلْبِيَةٍ، ورُكُوعٍ، وأَحْضَرَهُمُ الْمَوَاقِفَ وزِيَادَةُ نَفَقَةٍ عَلَيْهِ، إِنْ خِيفَ ضَيْعَةٌ، وإِلا فَوَلِيُّهُ كَجَزَاءِ صَيْدٍ، وفِدْيَةٍ بِلا ضَرُورَةٍ، وشَرْطُ وَجُوبِهِ كَوُقُوعِهِ فَرْضاً حُرِّيَّةٌ وتَكْلِيفٌ وَقْتَ إِحْرَامِهِ بِلا نِيَّةِ نَفْلٍ، ووَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ بِلا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ وأَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ ومَالٍ، ِلا لأَخْذِ ظَالِمٍ مَا قَلَّ لا يَنْكُثُ عَلَى الأَظْهَرِ، ولَوْ بِلا زَادٍ ورَاحِلَةٍ لِذِي صَنْعَةٍ تَقُومُ بِهِ، وقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ كَأَعْمَى بِقَائِدٍ، وإِلا اعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا، وإِنْ بِثَمَنِ وَلَدِ زِناً، أَوْ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفَلَّسِ، أَوْ بِافْتِقَارِهِ، أَوْ تَرْكِ وَلَدِهِ، لِلصَّدَقَةِ، إِنْ لَمْ يَخْشَ هَلاكاً، لا بِدَيْنٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ سُؤَالٍ مُطْلَقاً، واعْتُبِرَ مَا يُرَدُّ بِهِ، إِنْ خَشِيَ ضَيَاعاً، والْبَحْرُ كَالْبَرِّ، إِلا أَنْ يَغْلِبَ عَطْبُهُ، أُوْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلاةٍ لِكَمِيْدٍ.
الشرح:
قوله: (لا لأَخْذِ ظَالِمٍ مَا قَلَّ لا يَنْكُثُ عَلَى الأَظْهَرِ) الظهور راجع لنفي السقوط بأخذ ما قلّ لا لعدم النكث؛ فإن الظالم إِذَا عرف بالنكث لا يختلف فِي السقوط، وقد وجّه ابن يونس القول بالسقوط بأنه لا يؤمن أن يخفرهم، والقول بعدمه بأن الغالب عدم خفره. قال أبو اسحاق: وهذا أشبه، وبه قطع اللخمي فِي القليل وزاد أن ظاهر كلام عبد الوهاب أنه لا يسقط بكثير لا يجحف.
وأما ابن رشد فلم أجده له فِي "المقدمات" ولا فِي " البيان " ولا فِي "الأجوبة"، ولا عزاه له ابن عرفة ولا المصنف فِي " مناسكه " ولا فِي "توضيحه"؛ وإنما قال فِي قول ابن الحاجب: "وفِي سقوطه بغير المجحف قَوْلانِ، أظهرهما عدم السقوط": وهو قول الأبهري واختاره ابن العربي وغيره.

متن الخليل:
والْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، إِلا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ، ورُكُوبِ بَحْرٍ، إِلا أَنْ تَخْتَصَّ بِمَكَانٍ، وزِيَادَةِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ. كَرُفْقَةٍ أُمِنَتْ بِفَرْضٍ، وفِي الاكْتِفَاءِ بِنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ، أَوْ بِالْمَجْمُوعِ تَرَدُّدٌ.
الشرح:
قوله: (وزِيَادَةِ مَحْرَمٍ) مراده بالزيادة أنه زائد عَلَى ما ذكر فِي الرجل، كما قال ابن الحاجب: والمرأة كالرجل وزيادة استصحاب زوج أو ذي محرم، إلّا أن ابن الحاجب صدّر به المستثنيات، فكان أمكن، فلو قال المصنف وصحبة محرم لكان أولى.
تنبيه:
قال فِي "التوضيح": المحرم يشمل النسب والصهر والرضاع، لكن كره مالك سفرها مَعَ ربيبها؛ إما لفساد الزمان لضعف مدرك التحريم عند بعضهم، وعَلَى هذا فيلحق به سائر محارم الصهر ومحارم الرضاع، وإما لما بينهما من العداوة فسفرها معه تعريض لضيعتها، وهذا هو الظاهر، وقد صرّح ابن الجلاب وصاحب "التلقين" بجواز سفر المرأة مَعَ محرمها من الرضاع فِي باب: الرضاع.

متن الخليل:
وصَحَّ بِالْحَرَامِ وعَصَى، وفُضِّلَ حَجٌّ عَنْ غَزْوٍ، إِلا لِخَوْفٍ، ورُكُوبٌ، ومُقَتَّبٌ وَتَطَوُّعُ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ كَصَدَقَةٍ، ودُعَاءٍ، وإِجَارَةُ ضَمَانٍ عَلَى بَلاغٍ، فَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهِ، وتَعَيَّنَتْ فِي الإِطْلاقِ كَمِيقَاتِ الْمَيِّتِ، ولَهُ بِالْحِسَابِ إِنْ مَاتَ ولَوْ بِمَكَّةَ، أَوْ صُدَّ والْبَقَاءُ لِقَابِلٍ، واسْتُؤْجِرَ مِنَ الانْتِهَاءِ ولا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عَلَيْهِ، وصَحَّ إِنْ لَمْ يُعَيَّنِ الْعَامَ، وتَعَيَّنَ الأَوَّلُ وعَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ، وعَلَى الْجَعَالَةِ، وحَجَّ عَلَى مَا فُهِمَ، وجَنَى إِنْ وَفَّى دَيْنَهُ ومَشَى، والْبَلاغُ إِعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءاً وعَوْداً بِالْعُرْفِ، وفِي هَدْيٍ وفِدْيَةٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبَهُمَا، ورُجِعَ بِالسَّرَفِ، واسْتَمَرَّ إِنْ فَرَغَ أَوْ أَحْرَمَ، ومَرِضَ وإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَهُ رَجَعَ، وإِلا فَنَفَقَتُهُ عَلَى آجِرِهِ، إِلا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلاغِ، فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ ولَوْ قُسِمَ، وأَجْزَأَ إِنْ قُدِّمَ عَلَى عَامِ الشَّرْطِ أَوْ تَرَكَ الزِّيَارَةَ، ورُجِعَ بِقِسْطِهَا أَوْ خَالَفَ إِفْرَاداً لِغَيْرِهِ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمَيِّتُ، وإِلا فَلا كَتَمَتُّعٍ بِقَرَانٍ أَوْ عَكْسِهِ.
الشرح:
قوله: (وصَحَّ بِالْحَرَامِ وعَصَى)
أنشد المصنف فِي مناسكه لبعضهم:
إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتُ ** فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ

قال ابن جماعة الكناني فِي " رقائق الحجّ" قيل: إنه لأحمد بن حنبل، وبعده:
لا يقبل الله إلا كلّ طيبة ** ما كلّ من حجّ بيت الله مبرور

وسُحت بـ: ضم الحاء عَلَى إحدى اللغتين، وهما قراءتان.

متن الخليل:
أَوْ هُمَا بِإِفْرَادٍ أَوْ مِيقَاتاً شُرِطَ.
الشرح:
قوله: (أَوْ مِيقَاتاً شُرِطَ) هو فِي حيز المنفيات، فإن جرّ فبالعطف عَلَى ما بعد الكاف، وإن نصب فبإضمار فعل ولا يصح عطفه عَلَى أفراداً؛ إذ هو فِي حيّز المثبتات.

متن الخليل:
وَفُسِخَتْ إِنْ عُيِّنَ الْعَامُ، وعُدِمَ.
الشرح:
قوله: (وفُسِخَتْ إِنْ عُيِّنَ الْعَامُ، وعُدِمَ) أي: وفسخت الإجارة إن عين العام وعدم فيه الحجّ، فالضمير فِي عدم للحجّ، والواو الداخلة عَلَيْهِ واو العطف أو واو الحال عَلَى تقدير: قد، والدليل عَلَى أن هذا مراده أنه قال في: "مناسكه"، واختلف إِذَا عينت السنة، هل تتعين وتنفسخ الإجارة بعدم الحجّ فِيهَا أم لا؟ فاقتصر هنا عَلَى القول بأنها تتعين إِذَا عينت.

متن الخليل:
كَغَيْرِهِ، وقَرَنَ، أَوْ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ وأَعَادَ، إِنْ تَمَتَّعَ، وهَلْ يُفْسَخُ إِنِ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ فِي الْمُعَيَّنِ، أَوْ إِلا أَنْ يَرْجِعَ لِلْمِيقَاتِ، فَيُحْرِمَ عَنِ الْمَيِّتَ فَيُجْزِيهُ؟ تَأْوِيلانِ ومُنِعَ اسْتِنَابَةُ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ، وإِلا كُرِهَ كَبَدْءِ مُسْتَطِيعٍ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ وإِجَارَةِ نَفْسِهِ، ونَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنَ الثُّلُثِ، وحُجَّ عَنْهُ حِجَجٌ إِنْ وَسِعَ وقَالَ يُحَجُّ بِهِ لا مِنْهُ، وإِلا فَمِيرَاثٌ كَوُجُودِهِ بِأَقَلَّ، أَوْ تَطَوَّعَ غَيْرٌ، وهَلْ إِلا أَنْ يَقُولَ يُحَجُّ عَنِّي بِكَذَا فَحِجَجٌ؟ تَأْوِيلانِ، ودُفِعَ الْمُسَمَّى، وإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَتِهِ لِمُعَيَّنٍ لا يَرِثُ فُهِمَ إِعْطَاؤُهُ لَهُ، وإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ وَارِثٍ ولَمْ يُسَمِّ زِيدَ، إِنْ لَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ثُلُثُهَا ثُمَّ تُرُبِّصَ.
الشرح:
قوله: (كَغَيْرِهِ) أي: كما تنفسخ إِذَا تولى الفعل غير الأجير. قال فِي "توضيحه" لما ذكر القولين فِي تعلق الفعل بذمة الأجير: قد يخرج عليهما موت الأجير فِي الطريق، فعلى تعلقها بنفسه تنفسخ. انتهى. وأقرب منه لعبارته هنا قوله فِي " مناسكه"، وعَلَى التعيين فتبطل لغيره.
فإن قلت: يغني عن هذا قوله بعد: (ولَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ). قلت: هذا أصرح فِي الفسخ.
فإن قلت: لعلّ مراده وفسخت إجارة مخالف الميقات المشترط إن عين العام وعدم العام أي: فات كغيره أي: كحجه فِي غير العام المعين؛ فإن ذلك لا يمنع من فسخ الإجارة.
قلت: هذا المحمل ربما يعضد بمطابقته لما فِي "الذخيرة" إذ قال فِيهَا ما نصّه: "ولو شرط عَلَيْهِ ميقاتاً فأحرم من غيره فظاهر المذهب لا يجزيه ويرد المال فِي الحجّ المعين إن فاته.
وقال الشافعي: لا يردّ وإن أحرم من الأقرب؛ لأن المقصود هو الحجّ.
لنا القياس عَلَى ما إِذَا استؤجر لسنة معينة فحجّ فِي غيرها. ولكن المحمل الأول أظهر لمحاِذَاته لما فِي " مناسكه"، فيفسر كلامه بكلامه؛ ولأن استعمال لفظ عدم فوات الحجّ أمكن من استعماله فِي فوات العام، ثم غير الأجير يشمل نائبه وأجير الوصي المخالف لمن عينه الميت، وعَلَى الثاني حمل ابن راشد قول ابن الحاجب، فإن قلنا يتعين بطلت لغيره. وهو ظاهر والله تعالى أعلم.

متن الخليل:
ثُمَّ أُوجِرَ لِلضَّرُورَةِ فَقَطْ، غَيْرُ عَبْدٍ وصَبِيٍّ، وإِنِ امْرَأَةً ولَمْ يَضْمَنْ وَصِيٌّ دَفَعَ لَهُمَا مُجْتَهِداً، وإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَا سَمَّى مِنْ مَكَانِهِ حُجَّ مِنَ الْمُمْكِنِ ولَوْ سَمَّاهُ.
الشرح:
قوله: (ثُمَّ أُوجِرَ لِلضَّرُورَةِ فَقَطْ، غَيْرُ عَبْدٍ وصَبِيٍّ) عطفه بثم يعطي أنه من تمام ما قبله، ويعلم ضرورة عموم حكمه إذ لا وجه للخصوصية.

متن الخليل:
إِلا أَنْ يَمْنَعَ فَمِيرَاثٌ.
الشرح:
قوله: (إِلا أَنْ يَمْنَعَ فَمِيرَاثٌ) إشارة لما ذكره ابن رشد فِي رسم الجواب من سماع عيسى: أنّ أشهب وأصبغ قالا: يحجّ عنه من حيث وجد إلّا أن يقول: لا يحجّ عني إلّا من كذا، كأن المصنف حمله عَلَى التفسير، ولَمْ يذكر هذه الزيادة فِي "توضيحه" ولا فِي "مناسكه".

متن الخليل:
وَلَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ لا الإِشْهَادُ، إِلا أَنْ يُعْرَفَ.
الشرح:
قوله: (ولَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ) ظاهره وإن لَمْ يعينه الميت بنص أو قرينة حال من صلاح أو علم، وهو الذي استظهر به فِي "مناسكه".

متن الخليل:
وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ (فِي مَنْ) يَأْخُذُهُ فِي حَجِّهِ، ولا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حَجَّ عَنْهُ، ولَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ والدُّعَاءِ، ورُكْنُهُمَا الإِحْرَامُ، ووَقْتُهُ لِلْحَجِّ شَوَّالٌ لآخِرِ ذِي الْحِجَّةِ وكُرِهَ قَبْلَهُ كَمَكَانِهِ وفِي رَابِغٍ تَرَدُّدٌ، وصَحَّ ولِلْعُمْرَةِ أَبَداً إِلا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ فَلِتَحَللّهِ، وكُرِهَ بَعْدَهُمَا وقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ ومَكَانُهُ لَهُ لِلْمُقِيمِ مَكَّةُ.
ونُدِبَ الْمَسْجِدُ كَخُرُوجِ ذِي التَّفْثِ لِمِيقَاتِهِ، ولَهَا ولِلْقِرَانِ الْحِلُّ، والْجِعِرَّانَةُ أَوْلَى، ثُمَّ التَّنْعِيمُ، وإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَعَادَ طَوَافَهُ وسَعْيَهُ بَعْدَهُ، وأَهْدَى إِنْ حَلَقَ، وإِلا فَلَهُمَا ذُو الْحُلَيْفَةِ، والْجُحْفَةُ، ويَلَمْلَمُ، وقَرْنٌ، وذَاتُ عِرْقٍ، ومَسَاكِنُ دُونَهَا، وحَيْثُ حَاذَى وَاحِداً، أَوْ مَرَّ ولَوْ بِبَحْرٍ، إِلا كَمِصْرِيٍّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَهُوَأَوْلَى وإِنْ لِحَيْضٍ رُجِيَ رَفْعُهُ كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ، وإِزَالَةِ شَعَثِهِ، وتَرْكِ اللَّفْظِ بِهِ، والْمَارُّ بِهِ إن لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ، أَوْ كَعَبْدٍ فَلا إِحْرَامَ عَلَيْهِ، ولا دَمَ، وإِنْ أَحْرَمَ إِلا الضَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ، فتَأْوِيلانِ. ومُرِيدُهَا إِنْ تَرَدُّدٌ أَوْ عَادَلَهَا لأَمْرٍ، فَكَذَلِكَ، وإِلا وَجَبَ الإَحْرَامُ، وأَسَاءَ تَارِكُهُ، ولا دَمَ وإِنْ لَمْ يِقْصِدْ نُسُكاً، وإِلا رَجَعَ، وإِنْ شَارَفَهَا ولا دَمَ ولَوْ عَلِمَ، مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتاً، فَالدَّمُ كَرَاجِعٍ بَعْدَ إِحْرَامِهِ، ولَوْ أَفْسَدَ، لا فَاتَهُ.
الشرح:
قوله: (وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي مَنْ يَأْخُذُهُ فِي حَجِّهِ) الأظهر أنه يشير به لقول القرافي فِي " ذخيرته": ولو كان الحجّ مضموناً لا معيناً مثل قوله: من يأخذ كذا فِي حجّة، ثم مات الآخذ ولَمْ يحرم، قام وارثه مقامه كسائر الإجارات، فإن مات بعد الإحرام فللوارث أن يحرم إن لَمْ تفت السنة المعينة أو فاتت غير المعينة، ويحرم من موضع شرط المستأجر أو من ميقاته، ولا يحتسب بما فعل مورثه.
وقال الشافعي فِي الجديد: مثلنا، وفِي القديم يبني كبناء الولي عَلَى أفعال الصبي، والفرق أن الولي لَمْ يجدد إحراماً، وإنما ناب فِي بعض الأفعال. انتهى، وكأنه يقول: وقام وارثه مقامه فِي قول المؤجر: من يأخذ كذا فِي حجة، فينبغي أن يكتب (فيمن) بقطع لفظ (فِي) عن لفظ (من) الواقعة عَلَى من يعقل.

متن الخليل:
وإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ.
الشرح:
قوله: (وإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ) تمامه فِي قوله: (مَعَ قولٍ أو فعل تعلقا به) وهذه طريقة ابن بشير وأتباعه، قال ابن عرفة: وفيه بمجرد النية طرق المازري وابن العربي وسند: ينعقد بها. اللخمي: كاليمين بها.
ابن بشير: المذهب لا ينعقد بها، وفِي "المدوّنة": من قال: أنا محرم يوم أكلم فلاناً فهو يوم يكلمه محرم. فقول ابن عبد السلام: لَمْ أر لمتقدم فِي انعقاده بمجرد النية نصاً: قصور.

متن الخليل:
وَإِنْ خَالَفَهَا لَفْظُهُ، ولا دَمَ.
الشرح:
قوله: (وإِنْ خَالَفَهَا لَفْظُهُ، ولا دَمَ) يشير به لقول ابن شاس: ولو اختلف العقد والنطق فالمعتبر العقد، وروى ما يشير إِلَى اعتبار النطق، فروى ابن القاسم فيمن أراد أن يهلّ بالحجّ مفرداً، فأخطأ فقرن أو تكلّم بالعمرة، فليس ذلك بشئ، وهو عَلَى حجّه. قال فِي "العتبية": ثم رجع مالك فقال: عَلَيْهِ دم وقاله ابن القاسم، زاد المصنف فِي " مناسكه": ولعلّه لما حصل من الخلل بعدم المطابقة، والأول أقيس، ولابن يونس عن "العتبية" قال مالك: عَلَيْهِ دم. ويقع فِي بعض نسخ "النوادر" محوقاً عَلَيْهِ قاله ابن عرفة وابن عبد السلام، وزاد فإيجابه الدم كالدليل عَلَى اعتبار القران، إذ لا موجب له فِي الظاهر إلّا ذلك، ثم جوز احتمال عدم المطابقة وغير ذلك، وذكر المسألة فِي رسم صلي نهارا من سماع ابن القاسم، ولَمْ يذكر فِيهَا رجوعاً.

متن الخليل:
وَإِنْ بِجِمَاعٍ مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تَعَلَّقَا بِهِ بَيَّنَ أَوْ أَبْهَمَ، وصَرَفَهُ لِحَجٍّ والْقِيَاسُ لِقَرَانٍ.
الشرح:
قوله: (وإِنْ بِجِمَاعٍ) هذا راجع لقوله: (وإنما ينعقد بالنية) يعني أنه ينعقد بالنية، وإن وقعت فِي حال الجماع وكذا قال سند، وزاد: ويلزمه التمادي والقضاء، قال القرافي: وفِي كلامه ما يدل عَلَى أنه متفق عَلَيْهِ بين أهل المذهب.
تنبيه:
سلّم المصنف هذا مَعَ أنه يقول: لا ينعقد بمجرد النية بل لابد معها من قول أو فعل تعلّقا به، فتأمله.

متن الخليل:
وَإِنْ نُسِيَ فَقِرَانٌ، ونَوَى الْحَجَّ وبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ.
الشرح:
قوله: (وإِنْ نُسِيَ فَقِرَانٌ، ونَوَى الْحَجَّ وبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ) أي: إِذَا أحرم بمعين ثم نسي ما أحرم به أهو عمرة أم إفراد أم قران؛ فإنه يأخذ بالأحوط فيعمل عَلَى أنه قران، فإن كان الواقع فِي نفس الأمر العمرة فقد انطوى عَلَيْهَا الحجّ، وإن كان الواقع الإفراد فصورته وصورة القران واحدة، وإن كان الواقع القران فهو المأتي به، ثم لا يقنع بهذا حتى يحدث نية الحجّ الآن ليتمّ القران، إن كان الواقع فِي نفس الأمر هو العمرة، فيكون عَلَى هذا التقدير قد أردف الحجّ عَلَى العمرة قبل الطواف، وهو معنى قوله ونوى الحجّ.
فما ذكر من العمل عَلَى القران قاله أشهب، وما ذكر من زيادة إحداث نية الحجّ قاله أحمد بن مُيسّر، واختاره أبو اسحاق، وقال ابن يونس: صواب.
وقال ابن بشير: هو نفس قول أشهب.
وقال اللخمي هذا لمثل المدنيين لخروجهم مرة للعمرة ومرة للحج، وأما المغربي فلا يعرف غير الحجّ، وأما قوله: (وبرىء منه فقط) فظاهره أن ذمته لا تبرأ، وإن جاء بهذا الاحتياط إلا من الحجّ دون العمرة، وكأنه عَلَى هذا فهم قول ابن الحاجب: عمل عَلَى الحجّ والقران. إذ قال مفسراً له: أي يحتاط لهما، بأن ينوي الحجّ إذ ذاك ويطوف ويسعى بناءً عَلَى أنه قارن، ويهدي للقران ويأتي بالعمرة لاحتمال أن يكون إنما أحرم أولاً بعمرة. وتبعه فِي "الشامل" فقال: ولو نسي ما أحرم به نوى الحجّ وتمادى قارناً فطاف وسعى، وإِذَا أتم اعتمر. انتهى فليتأمل.

متن الخليل:
كَشَكِّهِ أَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ، وأَلْغَى عُمْرَةٌ عَلَيْهِ كَالثَّانِي فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ، ورَفْضُهُ، وفِي كَإِحْرَامِ زَيْدٍ تَرَدُّدٌ، ونُدِبَ إِفْرَادٌ، ثُمَّ قِرَانٌ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا وقَدَّمَهَا، أَوْ يُرْدِفَهُ بِطَوَافِهَا، إِنْ صَحَّتْ.
الشرح:
قوله: (كَشَكِّهِ أَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ) ليس بمثال لأصل المسألة؛ فإن الذي قبله نسي ما أحرم به من كلّ الوجوه، وهذا جزم أنه لَمْ يحرم بعمرة ولا قران، وشكّ هل أحرم بالإفراد أو التمتع، فإنما شبّهه به فِي الأخذ بالأحوط، ونحو هذا لابن عبد السلام فِي تشبيه ابن الحاجب، فيحتاط بأن يطوف ويسعى لأنهما يشترك فيهما الحجّ والعمرة، ولا يحلق لاحتمال أن يكون أحرم بحجّ، فيكون حلاقه قبل رمي جمرة العقبة، ثم عَلَيْهِ هدي لتأخير الحلاق؛ لاحتمال أن يكون فِي العمرة.
قال ابن الحاجب: وينوي الحجّ.
قال ابن عبد السلام: يعني بعد فراغه من السعي، ثم قال: وهذا لا يحتاج إليه باعتبار قصد براءة الذمة؛ لأنه إن كان فِي نفس الأمر فِي حج فهو متمادٍ عَلَيْهِ، وإن كان فِي عمرة فالمطلوب إنما هو تصحيحها، وقد حصل جميع أركانها وإنما أمره بذلك ندباً ليوفي ما نواه إن كان قد نواه وهو التمتع؛ لأنه حينئذ يكون قد أتى بأحد جزئيّ التمتع وهو العمرة، وبقي الجزء الآخر وهو الحجّ؛ ولهذا لما فرض اللخمي المسألة فيمن شكّ هل أفرد أو اعتمر؟ لَمْ يذكر إنشاء الحجّ، وتبعه عَلَى ذلك غير واحد.

متن الخليل:
وكَمَّلَهُ، ولا يَسْعَى وتَنْدَرِجُ.
الشرح:
قوله: (وكَمَّلَهُ، ولا يَسْعَى) أي: إِذَا أردفه فِي طواف العمرة الصحيحة فإنه يكمل الطواف ولا يسعي؛ لأن من أنشأ الحجّ من مكة لا يسعى إلا بعد طواف الإفاضة.

متن الخليل:
وكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لا بَعْدَهُ، وصَحَّ بَعْدَ سَعْيٍ، وحَرُمَ الْحَلْقُ وأَهْدَى لِتَأْخِيرِهِ ولَوْ فَعَلَهُ، ثُمَّ تَمَتُّعٌ بِأَنْ يَحُجَّ بَعْدَهَا وإِنْ بِقِرَانٍ، وشَرْطُ دَمِهِمَا عَدَمُ إِقَامَةٍ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى وَقْتَ فِعْلِهِمَا وإِنْ بِانْقِطَاعٍ بِهَا أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ، لا انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا، أَوْ قَدِمَ بِهَا يَنْوِي الإِقَامَةَ، ونُدِبَ لِذِي أَهْلَيْنِ، وهَلْ إِلا أَنْ يُقِيمَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيُعْتَبَرُ؟ تَأْوِيلانِ.
الشرح:
قوله: (وكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لا بَعْدَهُ) النفي راجع للإرداف فهو مقابل لقوله: (أو يردفه بطوافها) وليس براجع للكراهة، فقد صرّح فِي "المدوّنة" أن من أردف الحجّ بعد أن طاف وركع ولَمْ يسع، أو سعى بعض السعي كره له ذلك فإن فعل مضى عَلَى سعيه ثم يحل ويستأنف الحجّ. قال يحيي بن عمر: إن شاء.

متن الخليل:
وحَجَّ مِنْ عَامِهِ، ولِلْمُتَمَتِّعِ عَدَمُ عَوْدٍ لِبَلَدِهِ أَوْ مِثْلِهَا ولَوْ بِالْحِجَازِ لا أَقَلَّ، وفِعْلُ بَعْضِ رُكْنِهَا فِي وَقْتِهِ، وفِي شَرْطِ كَوْنِهِمَا عَنْ وَاحِدٍ تَرَدُّدٌ، ودَمُ الْمُتَمَتِّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، وأَجْزَأَ قَبْلَهُ، ثُمَّ الطَّوَافُ لَهُمَا سَبْعاً بِالطُّهْرَيْنِ، والسَّتْرِ، وبَطَلَ بِحَدَثٍ بِنَاءٌ، وجَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ وخُرُوجِ كُلِّ الْبَدَنِ عَنِ الشَّاذِرْوَانِ، وسِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ، ونَصَبَ الْمُقَبِّلُ قَامَتَهُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، وابْتَدَأَ إِنْ قَطَعَ لِجَنَازَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ إِنْ فَرَغَ سَعْيُهُ، وقَطَعَهُ لِلْفَرِيضَةِ.
الشرح:
قوله: (وحَجَّ مِنْ عَامِهِ) الأوجه فيه أن يكون مصدراً منوناً مرفوعاً عطفاً عَلَى قوله: (عدم إقامة).

متن الخليل:
ونُدِبَ كَمَالُ الشَّوْطِ، وبَنَى إِنْ رَعَفَ،، أَوْ عَلِمَ بِنَجِسٍ، وأَعَادَ رَكْعَتَيْهِ بِالْقُرْبِ، وعَلَى الأَقَلِّ إِنْ شَكَّ، وجَازَ بِسَقَائِفَ لِزَحْمَةٍ، وإِلا أَعَادَ، ولَمْ يَرْجِعْ لَهُ، ولا دَمَ، ووَجَبَ كَالسَّعْيِ قَبْلَ عَرَفَةَ إِنْ أَحْرَمَ مِنَ الْحِلِّ ولَمْ يُرَاهِقْ، ولَمْ يُرْدِفْ بِحَرَمٍ، وإِلا سَعَى بَعْدَ الإِفَاضَةِ، وإِلا فَدَمٌ إِنْ قَدَّمَ ولَمْ يُعِدْ.
الشرح:
قوله: (وبَنَى إِنْ رَعَفَ) لو قال: كإن رعف. بزيادة الكاف لكان أعم فائدة.

متن الخليل:
ثُمَّ السَّعْيُ سَبْعاً بَيْنَ الصَّفَا والْمَرْوَةِ مِنْهُ الْبَدْءُ مَرَّةً والْعَوْدُ أُخْرَى، وصِحَّتُهُ بِتَقْدِيمِ طَوَافٍ، ونَوَى فَرْضِيَّتَهُ، وإِلا فَدَمٌ، ورَجَعَ إِنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ مُحْرِماً، وافْتَدَى لِحَلْقِهِ، وإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِحَجٍّ، فَقَارِنٌ كَطَوَافِ الْقُدُومِ إِنْ سَعَى بَعْدَهُ، واقْتَصَرَ، والإِفَاضَةَ إِلا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ، ولا دَمَ حِلاً إِلا مِنْ نِسَاءٍ وصَيْدٍ، وكُرِهَ الطِّيبُ وَاعْتَمَرَ، والأَكْثَرُ إِنْ وَطِئَ، ولِلْحَجِّ حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ سَاعَةً لَيْلَةَ النَّحْرِ، ولَوْ مَرَّ إِنْ نَوَاهُ، أَوْ بِإِغْمَاءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ. أَوْ أَخْطَأَ الْجَمُّ بِعَاشِرٍ فَقَطْ لا الْجَاهِلُ كَبَطْنِ عُرْنَةَ، وأَجْزَأَ بِمَسْجِدِهَا بِكُرْهٍ وصَلَّى ولَوْ فَاتَ.
والسُّنَّةُ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ، ولا دَمَ ونُدِبَ بِالْمَدِينَةِ لِلْحُلَيْفِيِّ، ولِدُخُولِ غَيْرِ حَائِضٍ مَكَّةَ بِذِي طُوًى، ولِلْوُقُوفِ ولُبْسُ إِزَارٍ ورِدَاءٍ ونَعْلَيْنِ، وتَقْلِيدُ هَدْيٍ، ثُمَّ إِشْعَارُهُ، ثُمَّ رَكْعَتَانِ، والْفَرْضُ مُجْزِئٍ يُحْرِمُ الرَّاكِبُ إِذَا اسْتَوَى، والْمَاشِي إِذَا مَشَى، وتَلْبِيَةٌ وجُدِّدَتْ لِتَغَيُّرِ حَالٍ، وخَلْفَ صَلاةٍ، وهَلْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلطَّوَافِ؟ خِلافٌ وإِنْ تُرِكَتْ أَوَّلَهُ فَدَمٌ إِنْ طَالَ، وتَوَسُّطٌ فِي عُلُوِّ صَوْتِهِ، وفِيهَا، وعَاوَدَهَا بَعْدَ سَعْيٍ وإِنْ بِالْمَسْجِدِ لِرَوَاجِ مُصَلَّى عَرَفَةَ ومُحْرِمُ مَكَّةَ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ ومُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ وفَائِتِ الْحَجِّ لِلْحَرَمِ ومِنَ الْجِعِرَّانَةِ والتَّنْعِيمِ لِلْبُيُوتِ ولِلطَّوَافِ الْمَشْيُ، وإِلا فَدَمٌ لِقَادِرٍ لَمْ يُعِدْهُ، وتَقْبِيلُ حَجَرٍ بِفَمٍ أَوَّلَهُ، وفِي الصَّوْتِ قَوْلانِ.
الشرح:
قوله: (مِنْهُ الْبَدْءُ مَرَّةً والْعَوْدُ أُخْرَى) كأنه يحوم بهذا عَلَى إفادة حكمين أحدهما: أن الابتداء من الصفا. والثانية: أن البدء شوط والعود شوط، فكأنه قال: منه البدء فِي حال كونه مرة ثم استأنف فقال: والعود إليه مرة أخرى، فالعود مبتدأ وأخرى خبر، وهو كقوله فِي " المناسك": يعدّ البداءة شوطاً، والرجعة شوطاً فذلك أربع وقفات عَلَى الصفا وأربع عَلَى المروة.

متن الخليل:
ولِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ، ثُمَّ عَوْدٍ ووَضْعاً عَلَى فِيهِ، ثَّم كَبَّرَ والدُّعَاء بِلا حَدٍّ، ورَمَلُ رَجُلٍ فِي الثَّلاثَةِ الأُوَلِ، ولَوْ مَرِيضاً، وصَبِيَّاً حُمِلا، ولِلزَّحْمَةِ الطَّاقَةُ، ولِلسَّعْيِ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ ورُقِيُّهُ عَلَيْهِمَا كامْرأَةٍ إن خَلا وإِسْرَاعٌ بَيْنَ الأَخْضَرَيْنِ فَوْقَ الرَّمَلِ، ودُعَاءٌ وفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ ووُجُوبِهِمَا تَرَدُّدٌ ونُدِبَا كَالإِحْرَامِ بِالْكَافِرُونَ والإِخْلاصِ، وبِالْمَقَامِ، ودُعَاءٌ بِالْمُلْتَزَمِ.
الشرح:
قوله: (وَلِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ، ثُمَّ عَوْدٍ ووَضْعاً عَلَى فِيهِ، ثَّم كَبَّرَ) مقتضى عطفه التكبير بثم أنه لا يأتي به إلا عند تعذر ما قبله، وعَلَى هذا حمل فعلى هذا لا يجمع بين الاستلام والتكبير، وكأنه نسبه فِي "التوضيح" لظاهر "المدوّنة" وليس كذلك، بل قال فِيهَا: ولا يدع التكبير كلما حإِذَاهما فِي طواف واجب أو تطوع.
وفي الرسالة: ويستلم الركن كلما مر به كما ذكرنا ويكبر. وكذا فِي غيرهما.
تكميل:
في بعض نسخ ابن الحاجب: بخلاف الركنين اللذين يليان الحجّر فإنه يكبّر فقط، هكذا بزيادة التكبير.
فقال ابن عرفة: وقول ابن الحاجب: يكبّر لهما لا أعرفه.

متن الخليل:
واسْتِلامُ الْحَجَرِ والْيِمِانُيِّ بَعْدَ الأَوَّلِ، واقْتِصَارٌ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
الشرح:
قوله: (واسْتِلامُ الْحَجَرِ والْيِمِانُيِّ بَعْدَ الأَوَّلِ) أي: بعد الشوط الأول منهما معاً، فإنه سنة وكذا فِي "الجواهر" وإليه رد فِي "التوضيح" ما فِي "المدوّنة" من القطع باستلامهما فِي الشوط الأول والتخيير فيما بعده منهما عَلَى أن المصنف سقط له ذكر اليماني فِي السنة.

متن الخليل:
ودُخُولُ مَكَّةَ نَهَاراً، والْبَيْتِ، ومِنْ كِدَاءٍ لِمَدَنِيٍّ.
الشرح:
قوله: (والْبَيْتِ) أي: وندب دخول البيت، زاد فِي " مناسكه " وليحذر أمرين:
أحدهما: أن بعضهم وضع فِي وسط البيت مسماراً أسموه سرة الدنيا، وحملوا العامة عَلَى أن يكشف أحدهم سرته ثم يضعها عَلَيْهِ، وربما فعلت ذلك المرأة الجسيمة.
والثاني: أنهم وضعوا فِي الجدار المقابل للباب شيئاً سموه العروة الوثقى، وهو عال يقاسي عَلَيْهِ العوام مشقة حتى يصلوا إليه، ويركب بعضهم فوق بعض، وربما كان ذلك بين النساء والرجال ـ قاتل الله فاعلهما ـ ونبهنا عَلَى هذا، وإن كانا قد بطلا فِي هذا الزمان والحمد لله؛ خوفاً أن يعاد.

متن الخليل:
وَالْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، وخُرُوجُهُ مِنْ كُدًى.
الشرح:
قوله: (والْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) زاد فِي " مناسكه": ويستحب أن يستحضر عند رؤية البيت ما أمكنه من الخشوع والتذلل. وعن الشبلي أنه غشي عَلَيْهِ عند رؤية البيت فأفاق فأنشد:
هَذِهِ دَارُهُمْ وأَنْتَ مُحِبٌّ ** مَا بَقَاءُ الدُّمُوعِ فِي الآمَاقِ


متن الخليل:
وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ وبِالْمَسْجِدِ، ورَمَلُ مُحْرِمٍ مِنْ كَالتَّنْعِيمِ أَوِ بِالإِفَاضَةِ لِمُرَاهِقٍ، لا تَطَوُّعٍ ووَدَاعٍ.
الشرح:
قوله: (ورُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ) تصوره ظاهر، وصيغة العموم فِي الطواف هنا، وفِي قوله قبل: (وفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْنِ لِلطَّوَافِ أو وجوبهما تَرَدُّدٌ). تقتضي شمول طواف التطوع، وقد بنى القرافي فِي "ذخيرته" عَلَى هذا نكتة بديعة فإنه قال: قال اللخمي: ويركع الطائف لطواف التطوع كالفرض، فإن لَمْ يركع حتى طال أو انتقض وضوءه استأنفه، فإن شرع فِي أسبوع آخر قطعه وركع، فإن أتمه أتى لكل أسبوع بركعتين وأجزأه؛ لأنه أمر اختلف فيه، ومقتضى المذهب أن أربعة أسابيع طول تمنع الإصلاح وتوجب الاستئناف ثم قال القرافي: فهذا الكلام من اللخمي وإطلاقه الإجزاء ووجوب الاستئناف يشعر بأن الشروع فِي طواف التطوع يوجب الإتمام كالصلاة والصوم، وهو ظاهر من المذهب وكلام شيوخه، وعَلَى هذا تكون المسائل التي يجب التطوع فِيهَا بالشروع سبعاً: الحجّ، والعمرة، والصلاة، والصوم، والاعتكاف، والإئتمام، والطواف، ولا يوجد لها ثامن، وقول المالكية: يجب تكميله محمول عَلَى هذا، وقد نصّوا عَلَى أن الشروع فِي تجديد الوضوء وغيره من قراءة القرآن وبناء المساجد والصدقات... وغيرها من القربات لا يجب إتمامها بالشروع فِيهَا. انتهى.
وأنشد شيخنا الأستاذ أبو عبد الله الصغير قال: أنشدنا الفقيه أبو عبد الله العكرمي قال: أنشدنا الإمام ابن عرفة:
صَلاةٌ وصَوْمٌ ثمَّ حَجٌ وعُمْرَةٌ ** عُكُوفٌ طَوافٌ وائتِمَامٌ تحتَّمَا

وفي غَيْرِهَا كَالْوقْفِ والطُّهْرِ خَيّرْن ** فَمَن شَاءَ فلْيَقْطَعْ ومَنْ شَاءَ تَمْمَا

يعني بالوقف: بناء الأوقاف كالمساجد والقناطر والسقّايات وحفر الآبار... وغير ذلك، إلّا أن ما نسب القرافي للخمي من أن مقتضى المذهب: أن أربعة أسابيع طول: فيه نظر حسبما بسطناه فِي: "تكميل التقييد وتحليل التعقيد " وحسبي الله ولا أزيد.

متن الخليل:
وَكَثْرَةُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ، ونَقْلُهُ ولِلسَّعْيِ شُرُوطُ الصَّلاةِ، وخُطْبَةٌ بَعْدَ ظُهْرِ السَّابِعِ بِمَكَّةَ وَاحِدَةٌ يُخْبِرُ بِالْمَنَاسِكِ وخُرُوجُهُ لِمِنىً قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ، وبَيَاتُهُ بِهَا، وسَيْرُهُ لِعَرَفَةَ بَعْدَ الطُّلُوعِ، ونُزُولُهُ بِنَمِرَةَ، وخُطْبَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ، ثُمَّ أُذِّنَ، وجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ إِثْرَ الزَّوَالِ، ودُعَاءٌ وتَضَرُّعٌ لِلْغُرُوبِ، ووُقُوفُهُ بِوُضُوءٍ، ورُكُوبُهُ بِهِ، ثُمَّ قِيَامٌ إِلا لِتَعَبٍ، وصَلاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ، وبَيَاتُهُ بِهَا، وإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فَالدَّمُ، وجَمَعَ وقَصَرَ، إِلا لأَهْلَهَا، كَمِنىً وعَرَفَةَ، وإِنْ عَجَزَ فَبَعْدَ الشَّفَقِ، إِنْ نَفَرَ مَعَ الإِمَامِ، وإِلا فَكُلٌّ لِوَقْتِهِ، وإِنْ قُدِّمَتَا عَلَيْهِ أَعَادَهُمَا، وارْتِحَالُهُ بَعْدَ الصُّبْحِ، مُغَلِّساً، ووُقُوفُهُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يُكَبِّرُ ويَدْعُو للإِسْفَارِ واسْتِقْبَالُهُ بِهِ.
الشرح:
قوله: (وكَثْرَةُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ، ونَقْلُهُ) معطوفان عَلَى المندوبات لا عَلَى المنفي قبلهما، أما شربه فذكره غير واحد، وفِي "الذخيرة" عن ابن حبيب: استحبّ الإكثار من شرب ماء زمزم والوضوء منه ما أقام به.
قال ابن عباس: وليقل إِذَا شرب: اللهم إنّي أسألك علماً نافعاً وشفاءً من كلّ داء، قال: وهو لما شرب له، وقد جعله الله تعالي لإسماعيل عَلَيْهِ السلام ولأمه هاجر طعاماً وشراباً. انتهي.
ومن الغرائب ما حدثنا به شيخنا الفقيه الحافظ أبو عبد الله القوري المكناسي قال: حدثنا الحاجّ أبو عبد الله بن (غزوان) المكناسي أنه سمع الإمام الأوحد الرباني أبا عبد الله البلالي بالديار المصرية يرجح حديث " الباذنجان لما أكل له " عَلَى حديث: "ماء زمزم لما شرب له". قال: وهذا خلاف المعروف، وأما نقل ماء زمزم ففي " مسلك السالك فِي عمل المناسك " لقاسم بن أحمد الحضرمي الطرابلسي: يستحبّ أن يتزود منه إِلَى بلده؛ لما فِي الترمذي عن عائشة ـ رضي الله تعالي عنها ـ أنها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر أنه عَلَيْهِ الصلاة والسلام كان يحمله.

متن الخليل:
وَلا وُقُوفَ بَعْدَهُ ولا قَبْلَ الصُّبْحِ، وإِسْرَاعٌ بِبَطُّنِ مُحَسِّرٍ، ورَمْيُهُ الْعَقَبَةَ حِينَ وَصُولِهِ وإِنْ رَاكِباً، والْمَشْيُ فِي غَيْرِهَا، وحَلَّ بِهَا غَيْرُ نِسَاءٍ وصَيْدٍ، وكُرِهَ الطِّيبُ وتَكْبِيرُهُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وتَتَابُعُهَا، ولَقْطُهَا، وذَبْحٌ قَبْلَ الزَّوَالِ، وطَلَبُ بَدَنَتِهِ لَهُ لِلْحَلْقِ، ثُمَّ حَلْقُهُ ولَوْ بِنَوْرَةٍ، إِنْ عَمَّ رَأْسَهُ، والتَّقْصِيرُ مُجْزٍ، وهُوَسُنَّةُ الْمَرْأَةِ تَأْخُذُ قَدْرَ الأُنْمُلَةِ، والرَّجُلُ مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ، وَحَلَّ بِهِ مَا بَقِيَ، إِنْ حَلَقَ، وإِنْ وَطِئَ قَبْلَهُ فَدَمٌ، بِخِلافِ الصَّيْدِ كَتَأْخِيرِ الْحَلْقِ لِبَلَدِهِ، أَوِ الإِفَاضَةِ لِلْمُحْرِمِ، ورَمْيُ كُلِّ حَصَاةٍ أَوِ الْجَمِيعِ لِلَّيْلِ، وإِنْ لِصَغِيرٍ لا يُحْسِنُ الرَّمْيَ، أَوْ عَاجِزٍ، ويَسْتَنِيبُ فَيَتَحَرَّى وَقْتَ الرَّمْيِ، ويُكَبِّرُ، وأَعَادَ إِنْ صَحَّ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْغُرُوبِ مِنَ الرَّابِعِ، وقَضَاءُ كُلٍّ إِلَيْهِ، واللَّيْلُ قَضَاءٌ، وحُمِلَ مُطِيقٌ، ورَمَى، ولا يَرْمِي فِي كَفِّ غَيْرِهِ، وتَقْدِيمِ الْحَلْقِ أَوِ الإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ لا إِنْ خَالَفَ فِي غَيْرٍ، وعَادَ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى فَوْقَ الْعَقَبَةِ ثَلاثاً، وإِنْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ فَدَمٌ، أَوْ لَيْلَتَيْنِ إِنْ تَعَجَّلَ.
الشرح:
قوله: (ولا وُقُوفَ بَعْدَهُ) أي: بعد الإسفار.

متن الخليل:
وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ أَوْ مَكِّيَّاً قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنَ الثَّانِي فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الثَّالِثِ، ورُخِّصَ لِرَاعٍ بَعْدَ الْعَقَبَةِ أَنْ يَنْصَرِفَ، ويَأْتِيَ الثَّالِثَ فَيَرْمِي لِيَوْمَيْنِ.
الشرح:
قوله: (فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الثَّالِثِ) كذا ذكره ابن المواز رواية عن مالك قال أبو محمد:
وقول ابن حبيب: يرمي له إثر رميه للذي قبله. خلاف قول مالك وأصحابه.

متن الخليل:
وتَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ فِي الرَّدِّ لِلْمُزْدَلِفَةِ، وتَرْكُ التَّحْصِيبِ لِغَيْرِ مُقْتَدًى بِهِ، ورَمَى كُلَّ يَوْمٍ الثَّلاثَ، وخَتَمَ بِالْعَقَبَةِ مِنَ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ.
الشرح:
قوله: (وتَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ فِي الرَّدِّ لِلْمُزْدَلِفَةِ) جاءت الرخصة فِي الحديث فِي تقديم الضعفة فِي محلين أحدهما: من عرفة إِلَى المزدلفة، والآخر من المزدلفة إِلَى منى، وقد ترجم لهما البخاري معاً فقال: باب: "من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إِذَا غاب القمر"، ثم خرّج عن سالم كان عبد الله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك فإِذَا قدموا رمووا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص فِي أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وعن ابن عباس: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - من جمع بليل.
وعنه أنا ممن قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة فِي ضعفة أهله.
وعن عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي، فصلّت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: لا، فصلت ساعة ثم قالت: يابني هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت فارحلوا فرحلنا، فمضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح بمنزلها فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلّا قد غلّسنا فقالت: يا بني إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن.
و عن عائشة قالت: استأذنت سودة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة جمع وكانت ثقيلة ثبطة فأذن لها.
وعن عائشة أَيْضاً: نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سودة أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة بطيئة فأذن لها، فدفعت قبل حطمة الناس وأقمنا حتى أصبحنا نحن ثم دفعنا بدفعه، فلأن أكون استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به.
وخرّج مسلم عن أم حبيبة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بها من جمع بليل.
وأكثر هذه الأحاديث فِي الدفع من مزدلفة إِلَى منى، وهذا هو المطروق عند أهل المذهب كما قال فِي "المدوّنة": ويستحبّ للرجل أن يدفع من المشعر الحرام بدفع الإمام لا يتعجّل قبله، وواسع للنساء والصبيان أن يتقدموا أو يتأخروا.
وأما الدفع من عرفة إِلَى المزدلفة فهو الذي تعطيه عبارة المصنف إذ قال: (للمزدلفة) ولَمْ يقل من المزدلفة، وهو غير مطروق عند أهل المذهب حتى قال سحنون معللاً للفرق؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدّم ضعفة بني هاشم من المزدلفة ولَمْ يقدمهم من عرفة؛ فدل أن الوقوف بعرفة ليلاً فرض. انتهى.
فلعلهم لَمْ يأخذوا بحديث ابن عمر، و ردّوه بالتأويل إلي هذا، ولئن سُلّم ما قاله المصنف، فلابد أن يقيد بأن يكون تقديمهم بعد إدراك جزءٍ من الليل، واللام فِي قوله: (لِلْمُزْدَلِفَةِ) لانتهاء الغاية تتعلق بتقديم أو بالرد، ولعلنا تعدينا هنا طورنا، وجهلنا قدرنا فلنمسك العنان. والله تعالى المستعان.

متن الخليل:
وَصِحَّتُهُ، بِحَجَرٍ كَحَصَى الْخَذْفِ، ورَمْيٍ وإِنْ بِمُتَنَجِّسٍ عَلَى الْجَمْرَةِ، وإِنْ أَصَابَتْ غَيْرَهَا، إِنْ ذَهَبَتْ بِقُوَّةٍ، لا دُونَهَا وإِنْ أَطَارَتْ غَيْرَهَا من الحصيات، ولا طِينٍ ومَعْدِنٍ، وفِي إِجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ، وبِتَرَتُّبِهِنَّ وأَعَادَ مَا حَضَرَ بَعْدَ الْمَنْسِيَّةِ، ومَا بَعْدَهَا فِي يَوْمِهَا فَقَطْ ونُدِبَ تَتَابُعُهُ، فَإِنْ رَمَى بِخَمْسٍ خَمْسٍ، يُعْتَدَّ بِالْخَمْسِ الأُوَلِ، وإِنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ، اعْتُدَّ بِسِتٍّ مِنَ الأُولَى، وأَجْزَأَ عَنْهُ وعَنْ صَبِيٍّ آخَرَ ولَوْ حَصَاةً حَصَاةً، ورَمَى الْعَقَبَةَ أَوَّلَ يَوْمٍ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وإِلا إِثْرَ الزَّوَالِ قَبْلَ الظُّهْرِ، ووُقُوفُهُ إِثْرَ الأُوْلَيَيْنِ قَدْرَ إِسْرَاعِ الْبَقَرَةِ، وتَيَاسُرُهُ فِي الثَّانِيَةِ وتَحْصِيبُ الرَّاجِعِ لِيُصَلِّيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، وطَوَافُ الْوَدَاعِ إِنْ خَرَجَ لِكَالْجُحْفَةِ، لا كَالتَّنْعِيمِ، وإِنْ صَغِيراً، وتَأَدَّى بِالإِفَاضَةِ والْعُمْرَةِ، ولا يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى، وبَطَلَ بِإِقَامَةِ بَعْضِ يَوْمٍ بِمَكَّةَ لا بِشُغْلٍ خَفَّ، ورَجَعَ لَهُ، إِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ، وحُبِسَ الْكَرِيُّ، والْوَلِيُّ لِحَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ وقَدْرُهُ، وقُيِّدَ إِنْ أَمِنَ.
الشرح:
قوله: (وصِحَّتُهُ، بِحَجَرٍ كَحَصَى الْخَذْفِ، ورَمْيٍ وإِنْ بِمُتَنَجِّسٍ عَلَى الْجَمْرَةِ، وإِنْ أَصَابَتْ غَيْرَهَا، إِنْ ذَهَبَتْ بِقُوَّةٍ، لا دُونَهَا وإِنْ أَطَارَتْ غَيْرَهَا لَهَا، ولا طِينٍ ومَعْدِنٍ) أي: وشرط صحة الرمي أن يكون بحجّر لا بغيره و أن يكون الحجّر مثل حصى الخذف فِي القدر، وأن يرمي به رمياً، ولا يضعه وضعا، فلفظ رمى بالجر عطفاً عَلَى حجر، ويجزئ الحجر وإن كان متنجساً، وأن يقع الحجر عَلَى الجمرة، ولا يشترط أن يصيب أصل أرض الجمرة بل يجزئ وإن وقع عَلَى ما عَلَيْهَا من الحصى، كما يجزئ إِذَا أصابت غير الجمرة بشرط أن تذهب بقوة الرمي، ولا تجزئ إِذَا وقعت دون الجمرة كما قال: (لا دونها وإن أطارت غيرها من الحصيات).
أي: للجمرة ولا يجزئ الطين والمعدن. وفِي "الذخيرة": ظاهر المذهب منع الطين والمعادن المتطرقة كالحديد وغير المتطرقة كالزرنيخ، وقاله الشافعي وابن حنبل، وقال أبو حنيفة: يجوز بكلّ ما هو من الأرض، وسلم منع الدراهم والدنانير، وجوّزه داود الظاهري بكلّ شئ حتى بالعصفور الميت. انتهى.
وإنما شققت كلام المصنف هنا، وإن لَمْ يكن فيه إشكال لسقوطه من بعض نسخ الشارح.

متن الخليل:
والرِّفْقَةُ، فِي كَيَوْمَيْنِ، وكُرِهَ رَمْيٌ بِمَرْمِيٍّ بِهِ كَأَنْ يُقَالُ لِلإِفَاضَةِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، أَوْ زُرْنَا قَبْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
الشرح:
قوله: (والرِّفْقَةُ، فِي كَيَوْمَيْنِ) فِي "الموازية" عن مالك إن كان مثل يومين حبس كريهاً ومن معه، وإن كان أكثر فكريها فقط.

متن الخليل:
ورُقِيُّ الْبَيْتِ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى مِنْبَرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِنَعْلٍ، بِخِلافِ الطَّوَافِ والْحِجْرِ، وإِنْ قَصَدَ بِطَوَافِه نَفْسَهُ مَعَ مَحْمُولِهِ، لَمْ يُجِزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وأَجْزَأَ السَّعْيُ عَنْهُمَا كَمَحْمُولَيْنِ فِيهِمَا.
الشرح:
قوله: (وَرُقِيُّ الْبَيْتِ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ مِنْبَرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِنَعْلٍ) رقي البيت صعوده، وعَلَيْهِ أي: عَلَى ظهره، وكأنه عبّر بالرقي دون الدخول ليشعر باجتناب النعلين فِي ابتداء الصعود له أو لظهره أو للمنبر.