فصل: باب القسمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شفاء الغليل في حل مقفل خليل



.باب الشفعة:

الشُّفْعَةُ أَخْذُ شَرِيكٍ ولَوْ ذِمِّيَّاً بَاعَ الْمُسْلِمَ لِذِمِّيٍّ كَذِمِّيَّيْنِ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا، أُوْ مُحَبِّساً لِيُحَبِّسَ كَسُلْطَانٍ لا مُحَبَّسٍ عَلَيْهِ، ولَوْ لِيُحَبِّسَ وجَارٍ ولَوْ مَلَكَ تَطَرُّقاً.
الشرح:
قوله: (ولَوْ ذِمِّيَّاً بَاعَ الْمُسْلِمَ لِذِمِّيٍّ) كذا هو فيما رأينا من النسخ، والأليق إدخال واو الحال عَلَى جملة باع أي: ولَو كَانَ الشريك الشفيع ذمياً، والحالة أن شريكه المسلم باع لذمي، وبهذا يظهر لك أنّه إنما خصّ البيع لذمي بالذكر؛ لأنه محل الخلاف الذي أشار إليه بلو، وأما البيع لمسلم فمسلم.

متن الخليل:
ونَاظِرِ وَقْفٍ، وكِرَاءٍ، وفِي نَاظِرِ الْمِيرَاثِ. قَوْلانِ مِمَّنْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ اللازِمُ اخْتِيَاراً بِمُعَاوَضَةٍ.
الشرح:
قوله: (ونَاظِرِ وَقْفٍ) بهذا قطع فِي التوضيح أن ليس لناظر وقف المسجد أن يأخذ بالشفعة، وزاد فِي "الشامل": عَلَى الأَصَحّ ولا أدري من أين نقله، و ليس يدخل ذلك فِي قول ابن رشد فِي رسم كتب من سماع ابن القاسم من كتاب: الشفعة: لَو أراد رجل أجنبي أن يأخذ بالشفعة للحبس كَانَ ذلك له عَلَى قياس ما تقدم فِي المحبس والمحبس عليهم إِذَا أرادوا الأخذ بالشفعة لإلحاقها بالحبس، وقد قبل هذا الإلزام أبو الحسن الصغير وابن عَرَفَة.

متن الخليل:
ولَوْ مُوصًى بِبَيْعِهِ لِلْمَسَاكِينِ عَلَى الأَصَحِّ والْمُخْتَارِ.
الشرح:
قوله: (وَلَوْ مُوصًى بِبَيْعِهِ لِلْمَسَاكِينِ عَلَى الأَصَحِّ والْمُخْتَارِ) اللخمي عن سحنون: إِذَا أوصى ببيع نصيبه ليصرف ثمنه فِي المساكين فلا شفعة للورثة فيه.
قال: لأنه كَانَ الميت باعه، والقياس أن يستشفع؛ لأن الميت أخّر البيع لبعد الموت، ولوقت لَمْ يقع البيع فيه إِلا بعد ثبوت الشركة، وذكر الباجي قول سحنون ثم قَالَ: والأَظْهَر عندي فِي هذه المسألة: ثبوت الشفعة؛ لأن الموصى لهم وإِن كانوا غير معينين فهم أشراك بائعون بعد ملك الورثة بقية الدار، وقد بلغني ذلك عن محمد ابن الهندي.

متن الخليل:
لا مُوصًى لَهُ بِبَيْعِ جُزْءٍ.
الشرح:
قوله: (لا مُوصًى لَهُ بِبَيْعِ جُزْءٍ) أشار بِهِ لقول اللخمي: وإذا أوصى الميت أن يباع نصيب من داره من رجلٍ بعينه، والثلث يحمله لَمْ يكن للورثة فيه شفعة؛ لأن قصد الميت أن يملكه إياه، فالشفعة ردٌّ لوصيته، ثم قَالَ: ولَو أوصى أن يباع من رجلٍ بعينه والشريك أجنبي كانت فيه الشفعة.

متن الخليل:
عَقَاراً، ولَوْ مُنَاقَلاً بِهِ، إِنِ انْقَسَمَ، وفِيهَا الإِطْلاقُ، وعُمِلَ بِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ ولَوْ دَيْناً، أَوْ قِيمَتِهِ بِرَهْنِهِ وضَامِنِهِ، وأُجْرَةِ دَلاَّلٍ، وعَقْدِ شِرَاءٍ وفِي الْمَكْسِ تَرَدُّدٌ، أَوْ قِيمَةِ الشِّقْصِ فِي كَخُلْعٍ، وصُلْحِ عَمْدٍ.
الشرح:
قوله: (عَقَاراً) منصوب عَلَى أنّه مفعول بأخذ شريك، وهو بيان لجنس المأخوذ بالشفعة، ومن لفظ الشريك يعلم أنّه أخذ جزء لا كلّ، فلا يحتاج لما فِي بعض النسخ من وصل لفظ جزء الذي قبله بِهِ منصوباً وجره بإضافته إليه.

متن الخليل:
وجَزَافِ نَقْدٍ، وبِمَا يَخُصُّهُ إِنْ صَاحَبَ غَيْرَهُ، ولَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَاقِي، وإِلَى أَجَلِهِ إِنْ أَيْسَرَ أَوْ ضَمِنَهُ مَلِيءٌ، وإِلا عُجِّلَ الثَّمَنُ، إِلا أَنْ يَتَسَاوَيَا عُدْماً عَلَى الْمُخْتَارِ، ولا يَجُوزُ إِحَالَةُ الْبَائِعِ بِهِ، كَأَنْ أَخَذَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مَالاً لِيَأْخُذَ ويَرْبَحَ، ثُمَّ لا أَخْذَ لَهُ، أَوْ بَاعَ قَبْلَ أَخْذِهِ.
الشرح:
قوله: (وَجَزَافِ نَقْدٍ) كذا فِي "الوجيز" و"الجواهر"، وعَلَيْهِ درج ابن الحَاجِب حيث قَالَ: فإن لَمْ يتقوم كالمهر والخلع وصلح العمد ودراهم جزافاً فقيمة الشِقْص يوم العقد، وقيل فِي المهر صداق المثل، وقيل: يبطل فِي الدراهم.
ابن عبد السلام: فِي صحة فرض دراهم جزافاً عَلَى المذهب نظر؛ لأن الدنانير والدراهم لا يجوز بيعها جزافاً، وإنما تبع ابن الحَاجِب فيه من تبع الشافعية.
ابن عَرَفَة: ظاهر قوله: فِي صحة فرضها عَلَى المذهب نظر. أن كلّ المذهب عَلَى المنع، وقد قَالَ ابن حارث وغيره: أجاز ابن عبد الحكم فِي الدراهم السكيّة الجزاف، وتقدم ما فيها من الخلاف. انتهى.
ولَمْ يتتبع بقية كلام ابن عبد السلام؛ لأنه أورد بعد هذا أن يقال: يحمل كلامه عَلَى ما إِذَا كَانَ التعامل بالوزن حيث يجوز الجزاف عَلَى قول، وانفصل بأن ذلك لا يصحّ؛ لأنه لَو كَانَ كذلك لرجع لقيمة الجزاف كما لَو وقع بصبرة طعام فقال فِي " التوضيح": "يمكن أن يقال: لا يلزم ما ذكره؛ لأن الطعام إِذَا قوّم بالعين يقوّم بما هو الأصل فِي التقويم بِخِلاف الدراهم؛ لأنك إما أن تقومها بعرضٍ أو عين موافق أو مخالف، ففي العرض يلزم منه مخالفة الأصل؛ إذ الأصل عدم تقويم العين بالعرض، وفِي العين الموافق أو المخالف يلزم البدل أو الصرف المستأخر.
ولهذا قيل فِي العين: إِن الشفعة تبطل، وهذا وإن كَانَ ممكناً من جهة القيمة، إِلا أن اللخمي نقل خلافه فقال: وإِن كَانَ الثمن جزافاً فقال محمد: إِن اشترى بحليٍ جزافاً فإن الشفيع يشفع بقيمته فإن كَانَ ذهباً قوّم بالفضة أو فضة قوم بالذهب، يريد: والقيمة فِي ذلك يوم الشراء لا يوم الأخذ بالشفعة، وكذلك كل ما اشترى بِهِ جزافاً فالقيمة يوم الشراء " انتهى نصّ "التوضيح" بلفظه. وليس ببين، وما نقله من نصّ اللخمي يحيل إمكانه. والله سبحانه أعلم.

متن الخليل:
بِخِلافِ أَخْذِ مَالٍ بَعْدَهُ لِيُسْقِطَ كَشَجَرٍ وبِنَاءٍ بِأَرْضِ حُبُسٍ، أَوْ مُعِيرٍ.
الشرح:
قوله: (بِخِلافِ أَخْذِ مَالٍ بَعْدَهُ لِيُسْقِطَ) أي بعد عقد البيع.

متن الخليل:
وقُدِّمَ الْمُعِيرُ بِنَقْضِهِ، أَوْ ثَمَنِهِ، إِنْ مَضَى مَا يُعَارُ لَهُ، وإِلا فَقَائِماً، وكَثَمَرَةٍ، ومَقَاثِِ، وبَاذِنْجَانٍ، ولَوْ مُفْرَدَةً، إِلا أَنْ تَيْبَسَ.
الشرح:
قوله: (وقُدِّمَ الْمُعِيرُ بِنَقْضِهِ، أَوْ ثَمَنِهِ، إِنْ مَضَى مَا يُعَارُ لَهُ، وإِلا فَقَائِماً) قَالَ فِي "المدونة": وإِذَا بنى رجلان فِي عرصة رجل بإذنه ثم باع أَحَدهمَا حصته من النقض فلرب الأرض أخذ ذلك النقض بالأقل من قيمته أو من الثمن الذي باعه بِهِ، فإن أبى فلشريكه الشفعة فيه بالضرر، والضرر أصل الشفعة.
عياض: لَمْ يختلف أن رب العرصة مقدم فِي الأخذ عَلَى الشفيع ليس للشفعة لكن لرفع الضرر، ولما جلب فِي "التوضيح" نص "المدونة" هذا نقل قول أبي الحسن الصغير: ظاهرها أنّه يكون عَلَى المعير قيمة النقض مقلوعاً، سواءً مضى زمن تعار تلك الأرض إِلَى مثله أم لا؛ لكن قيّدها أبو عمران بما إِذَا مضى زمن تعار فيه، وإِلا فله قيمة بنائه قائماً وقال: هكذا وقع لسحنون.
أبو الحسن الصغير: وهو مشكل؛ لأنه وإن لَمْ يمض أمد تعار إِلَى مثله فقد أسقط حقه فِي بقية المدة لما أراد الخروج فكان مثل ما إِذَا مضى أمد تعار إِلَى مثله". انتهى نقل "التوضيح"، وإليه أشار هنا، وما ذكره عن أبي الحسن الصغير قاله عند قوله فِي "المدونة" قبل النص المتقدم: ومن بنى فِي عرصة رجل بأمره، ثم أراد الخروج منها فلربّ العرصة أن يعطيه قيمة النقض أو يأمره بقلعه، فرأى المصنف أن لا فرق، وكأنه يقول هنا وقدم المعير بقيمة نقضه مقلوعاً أو ثمنه إِن مضى ما يعار له، وإِن لَمْ يمض ما يعار له فقيمته قائماً أو ثمنه. والله سبحانه أعلم.

متن الخليل:
وحُطَّ حِصَّتُهُا إِنْ أَزْهَتْ، أَوْ أُبِّرَتْ.
الشرح:
قوله: (وحُطَّ حِصَّتُهُا إِنْ أَزْهَتْ، أَوْ أُبِّرَتْ) أي: إِن كانت يوم البيع مزهية أو مأبورة وأخذ بالشفعة بعد يبسها فإنه لا شفعة له فِي الثمار، ويأخذ الأصل بالشفعة بحصته، ويحطّ عنه ما ينوب الثمرة؛ لأن لها حصة من الثمن، وأما إِن كانت غير مأبورة فلا يحط عنه من الثمن شيء، إذ لا حظَّ لها من الثمن.

متن الخليل:
وفِيهَا أَخْذُهَا مَا لَمْ تَيْبَسْ أَوْ تُجَذَّ. وهَلْ هُوَاخْتِلافٌ؟ تَأْوِيلانِ. وإِنِ اشْتَرَى أَصْلَهَا فَقَطْ أُخِذَتْ، وإِنْ أُبِّرَتْ ورَجَعَ بِالْمَؤُنَةِ.
الشرح:
قوله: (وفِيهَا أَخْذُهَا مَا لَمْ تَيْبَسْ أَوْ تُجَذَّ. وهَلْ هُوَاخْتِلافٌ؟ تَأْوِيلانِ) الأَظْهَر أن يكون معناه فِي موضع من "المدونة" أخذها ما لَمْ تيبس، وفي موضع آخر منها ما لَمْ تجذ، وكذا هو في الأمهات.
فقال عياض: قَالَ بعضهم فرق بينهما إِذَا اشتراها مَعَ الأصل فقال يأخذها ما لَمْ تجد، وإِذَا اشتراها بغير أصل قَالَ: الشفعة فيها ما لَمْ تيبس، وعَلَى هذا تأول مذهبه فِي الكتاب، وقَالَ آخرون هو اختلاف من قوله فِي الوجهين فمرة يقول: فِي الوجهين حتى تيبس: ومرة يقول: حتى تجد، وظاهر اختصار ابن أبي زمنين وابن أبي زيد وغيرهما التسوية بين هذه الوجوه، وأن الشفعة فيها ما لَمْ تيبس. لكن ابن أبي زمنين قَالَ: وفِي بعض الروايات فإن كَانَ بعد يبس الثمرة وجدادها، فنبه عَلَى الخلاف فِي الرواية بما ذكره لا غير. انتهى.
وأما أبو سعيد فإنه قَالَ فِي الموضع الأول ما لَمْ تيبس قبل قيام الشفيع، وقَالَ فِي الثاني: فإن قام بعد يبس الثمرة أو جدادها لَمْ يكن له فِي الثمرة شفعة.
قال أبو الحسن الصغير: هذه الرواية التي ذكرها عياض عن ابن أبي زمنين.
فإن قلت: فيما حملت عَلَيْهِ كلام المصنف تكرار مَعَ قوله أولاً: (إِلا أن تيبس)، ولعل المصنف إنما حاذى اختصار أبي سعيد فأشار لما فِي الموضع الأول بقوله: (إِلا أن تيبس) الأول ولما فِي الموضع الثاني بقوله: (وفيها أخذها ما لَمْ تيبس أو تجذ).
قلت: النسج عَلَى منوال الأمهات أصوب وأجرى مَعَ قوله: (وهل هو اختلاف؟ تَأْوِيلانِ)

متن الخليل:
وكَبِئْرٍ لَمْ تُقْسَمْ أَرْضُهَا، وإِلا فَلا، وأُوِّلَتْ أَيْضاً بِالْمُتَّحِدَةِ، لا عَرْضٍ، أَوْ كِتَابَةٍ ودَيْنٍ، وعُلْوٍ عَلَى سُفْلٍ وعَكْسِهِ.
الشرح:
قوله: (وكَبِئْرٍ لَمْ تُقْسَمْ أَرْضُهَا، وإِلا فَلا، وأُوِّلَتْ أَيْضاً بِالْمُتَّحِدَةِ) اختصر هنا بعض كلام ابن رشد إذ قَالَ فِي سماع يحيي: لا خلاف أعلمه فِي المذهب فِي إيجاب الشفعة فِي الماء إِذَا بيع مَعَ الأرض أو دونها ولم تقسم الأرض، واختلف فِي إيجاب الشفعة فيه إِذَا قسمت الأرض فقال فِي "المدونة": لا شفعة فيه قَالَ فِي هذه الرواية: إِن فيه الشفعة فذهب سحنون وابن لبابة إِلَى أنّ ذلك ليس باختلاف من القول إِلا أنهما اختلفا فِي تأويل الجمع بينهما فقال سحنون: معنى مسألة "المدونة" أنها بئر واحدة فلا شفعة فيها إذ لا تنقسم، ومعنى رواية يحيي هذه أنها آبار كثيرة؛ لأنها تنقسم لأن الشفعة تكون فيما ينقسم دون ما لا ينقسم.
وقال ابن لبابة معنى مسألة "المدونة": أنها بئر لا فناء لها ولا أرض، ومعنى رواية يحيي أن لها فناء وأرضا مشتركة يكون فيها القلد وذهب الباجي إِلَى أنّه اختلاف من القول جار عَلَى الخلاف فِي الشفعة فيما لا ينقسم كالنخلة أو الشجرة بين النفر، إذ لا تنقسم العين والبئر كما لا تنقسم النخلة والشجرة.
وكَانَ من أدركت من الشيوخ يقول: أنّه اختلاف من القول جارٍ عَلَى اختلاف قول مالك فيما هو متعلق بالأرض ومتشبث بها كالنقض والنخل دون الأرض، وكالكراء أو ما أشبه ذلك وهو أبين وأولى.
فإن حملنا المتحدة فِي كلام المصنف عَلَى غير المتعددة وغير ذات الفناء ولَو بنوع تجوّز كَانَ تلويحاً بقولي من جعله وفاقاً، كما أن مفهوم (أَيْضاً) تلويح بقولي من جعله خلافاً، وفِي الإشارة ما يغني عن الكلم.

متن الخليل:
وزَرْعٍ، ولَوْ بِأَرْضِهِ، وبَقْلٍ.
الشرح:
قوله: (وزَرْعٍ، ولَوْ بِأَرْضِهِ) قَالَ فِي "المدونة": ولم يكن له فِي الزرع شفعة؛ لأنه غير ولادة والثمرة ولادة.

متن الخليل:
وعَرْصَةٍ، ومَمَرٍّ قُسِمَ مَتْبُوعُهُ.
الشرح:
قوله: (وعَرْصَةٍ، ومَمَرٍّ قُسِمَ مَتْبُوعُهُ) ينبغي أن يرجع ضمير متبوعه لهما؛ ولكنه أفرده عَلَى ملاحظة ما ذكر.

متن الخليل:
وحَيَوَانٍ إِلا فِي كَحَائِطٍ وإِرْثٍ، وهبةٍ بِلا ثَوَابٍ، وإِلا فبه بَعْدَهُ، وخِيَارٍ إِلا بَعْدَ مُضِيِّهِ، ووَجَبَتْ لِمُشْتَرِيهِ، إِنْ بَاعَ نِصْفَيْنِ خِيَاراً ثُمَّ بَتْلا فَأَمْضَى، وبَيْعِ فَاسِدٍ، إِلا أَنْ يَفُوتَ، فَبِالْقِيمَةِ، إِلا بِبَيْعٍ صَحَّ، فَبِالثَّمَنِ فِيهِ.
الشرح:
قوله: (وحَيَوَانٍ إِلا فِي كَحَائِطٍ) فِي "المقدمات": "وأما رقيق الحائط والرحا ـ أي حجر الرحا ـ فإنما الاختلاف فِي وجوب الشفعة فيهما إِذَا بيعا مَعَ الأصل، فإذا انفرد البيع فيهما عن الأصل لَمْ يكن فيهما شفعة باتفاق" انتهى.
وله مثله فِي سماع عيسى.
ابن عَرَفَة: هذا خلاف قول اللخمي: اختلف فِي رحا الماء ورحا الدوابّ إِذَا بيعت بانفرادها أو مَعَ الأرض، ويختلف عَلَى هذا فِي رقيق الحائط ودوابّه إِذَا بيعت مَعَ الأصل أو بانفرادها.
ابن عَرَفَة: والرحا أشبه بالأرض من الحيوان الباجي عن "الموازية": لَو اقتسما الحائط، ثم باع أَحَدهمَا حظّه من الرقيق والآلة فلا شفعة فيه للآخر. أبو محمد عن "الموازية": "لو بيع شيء من ذلك عَلَى حدته ففيه الشفعة ما دام الأصل لَمْ ينقسم". انتهى.
وأما الشفعة فِي نفس دابّة بيت الرحا والمعصرة فلم أر من ذكرها، فانظر ما فائدة الكاف فِي قول المصنف: (كحائط).

متن الخليل:
وتَنَازُعٍ فِي سَبْقِ مِلْكٍ، إِلا أَنْ يَنْكُلَ أَحَدُهُمَا، وسَقَطَتْ إِنْ قَاسَمَ.
الشرح:
قوله: (وَتَنَازُعٍ فِي سَبْقِ مِلْكٍ، إِلا أَنْ يَنْكُلَ أَحَدُهُمَا) تصورها ظاهر، ونصّ عَلَيْهَا ابن شاس، وتبعه ابن الحَاجِب.
قال ابن عَرَفَة: لا أعرفها بنصها لأحد من أهل المذهب، وإنما هو نصّ " وجيز " الغزالي، فأضافها ابن شاس للمذهب، وأصول المذهب لا تنافيها، وهي كاختلاف المتبايعين فِي كثرة الثمن وقلته.

متن الخليل:
أَوِ اشْتَرَى، أَوْ سَاوَمَ، أَوْ سَاقَى.
الشرح:
قوله: (أَوِ اشْتَرَى) هذا المذهب، وذكر ابن شاس وابن الحَاجِب: أن أشهب يخالف فيه، وقَالَ ابن عبد السلام: لا يتصور فيه اختلاف؛ لأنه إِذَا اشترى منه فإن شفع بالصفقة الأولى فذلك يستلزم فسخ الثانية مَعَ إبطال الصفقة الأولى، ودليل الرضا بها موجود وإِن شفع بالصفقة الثانية فقد أبطلها أَيْضاً، ولا فائدة فِي الانتقال من الشراء الثاني إِلَى الشفعة بثمنه، وكذلك أنكر هذا الخلاف ابن عَرَفَة وقَالَ: العجب من شيخنا السّطي فِي عدم تعقبه ذلك عَلَى ابن شاس فِي مسائله التي تعقبها عَلَيْهِ.

متن الخليل:
أَوِ اسْتَأْجَرَ، أَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ أَوْ سَكَتَ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ.
الشرح:
قوله: (أَوِ اسْتَأْجَرَ) زاد فِي "التوضيح" ويؤخذ من إسقاطه فِي "المدونة" الشفعة بالكراء أن الشفيع إِذَا قاسم المبتاع الأرض للحرث أنّه تسقط شفعته؛ لأن كل واحد أكرى نصيبه من صاحبه، وقاله ابن عبد الغفور، ولو قاسمه الغلة فقال ابن القاسم: لا تسقط، وقَالَ أشهب: تسقط كما لَو قاسمه بالخرص فيما يخرص للحاجة، وأما إِن جذت الثمرة فاقتسماها بالكيل فلا يقطع ذلك الشفعة.

متن الخليل:
أَوْ شَهْرَيْنِ، إِنْ حَضَرَ الْعَقْدَ، وإِلا سَنَةً كَأَنْ عَلِمَ فَغَابَ، إِلا أَنْ يَظُنَّ الأَوْبَةَ قَبْلَهَا، فَعِيقَ، وحَلَفَ إِنْ بَعُدَ وصُدِّقَ إِنْ أَنْكَرَ عِلْمَهُ لا إِنْ غَابَ أَوَّلاً، أَوْ أَسْقَطَ لِكَذِبَ فِي الثَّمَنِ، وحَلَفَ.
الشرح:
قوله: (أَوْ شَهْرَيْنِ، إِنْ حَضَرَ الْعَقْدَ) يريد أن من سكت شهرين ثم قام بعدهما يطلب الشفعة فإن شفعته تسقط إِن كَانَ حضر عقد الشراء وكتب شهادته فيه، وهذه طريقة ابن رشد، فإنه قَالَ فِي رسم البزّ من سماع ابن القاسم: تحصيل هذه المسألة أنّه إِن لَمْ يكتب شهادته، وقام بالقرب مثل الشهر والشهرين كانت له الشفعة دون يمين، وإن لَمْ يقم إِلا بعد السبعة أو التسعة أو السنة عَلَى ما فِي "المدونة" كانت له الشفعة بعد يمينه أنّه لَمْ يترك القيام راضياً بإسقاطه حقه، وإِن طال الأمر أكثر من السنة لَمْ تكن له شفعة.
وأما إِن كتب شهادته وقام بالقرب العشرة الأيام ونحوها كانت له الشفعة بعد يمينه، وإِن لَمْ يقم إِلا بعد الشهرين لَمْ تكن له شفعة.
تنبيهان:
الأول: قد علمت من كلام ابن رشد هذا أن الوصف المعتبر فِي إسقاط شفعة الساكت شهرين هو كتب شهادته فِي رسم الشراء الذي هو أخص من حضور العقد، فلو قَالَ المصنف: إِن كتب شهادته فيه لكان أولى.
الثاني: قبل ابن عبد السلام تحصيل ابن رشد، وقال أبو الحسن الصغير وابن عَرَفَة: قول ابن رشد: إِن كتب شهادته ولم يقم إِلا بعد شهرين فلا شفعة له خلاف ظاهر "المدونة"؛ لأنه لَمْ يجعل فيها لكتب الشهادة فِي عقد الشراء تأثيراً إذ قَالَ فيها: والشفيع عَلَى شفعته حتى يترك أو يأتي من طول الزمان ما يعلم أنّه تارك لشفعته، وإِذَا علم بالاشتراء فلم يطلب شفعته سنة فلا يقطع ذلك شفعته وإِن كَانَ قد كتب شهادته فِي الاشتراء، ومثله فِي "التوضيح"؛ مَعَ أنّه قطع هنا بقول ابن رشد. وللمتيطي فِي المسألة كلام ينبغي أن يوقف عَلَيْهِ.

متن الخليل:
أَوْ فِي الْمُشْتَرَى، أَوْ فِي الْمُشْتَرِي، أَوِ انْفِرَادِهِ، عليه.
الشرح:
قوله: (أَوْ فِي الْمُشْتَرَى أَوْ فِي الْمُشْتَرِي) يغلب عَلَى الظن أن المصنف هكذا قاله بلفظين الأول اسم مفعول والثاني اسم فاعل لعود الضمير من قوله بعده: (أو انفراده عَلَيْهِ)، ولعل الناسخ من المبيضة ظن التكرار فأسقط أحد اللفظين.

متن الخليل:
أَوْ أَسْقَطَ وَصِيٌّ أَوْ أَبٌ بِلا نَظَرٍ.
الشرح:
قوله: (أَوْ أَسْقَطَ وَصِيٌّ أَوْ أَبٌ بِلا نَظَرٍ) قَالَ فِي "المدونة": ولو سلم من ذكرنا من أب أو وصي أو سلطان شفعة الصبي لزمه ذلك، ولا قيام له إِن كبر.
قال فِي: "الوثائق المجموعة " وغيرها: إِلا أن يكون الأخذ نظراً وسداداً فيكون له الأخذ، قَالَ أبو الحسن الصغير: وظاهر الكتاب سواءً كَانَ الآخذ نظراً أم لا، وبِهِ قَالَ أبو عمران فِي الأب والوصي دون السلطان، وسبب الخلاف: هل الشفعة استحقاق أو بمنزلة الشراء.

متن الخليل:
وشَفَعَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِيَتِيمٍ آخَرَ.
الشرح:
قوله: (وشَفَعَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِيَتِيمٍ آخَرَ) هكذا هو مصدَّر بالواو لا بأو، وأشار بِهِ لما فِي "النوادر" عن "الموازية"، وهو لعبد الملك فِي "المجموعة " أن الوصي إِذَا باع شِقْصا لأحد الأيتام فله الأخذ بالشفعة لبقائهم، لا يدخل فيه من بيع عَلَيْهِ، ولا حجة عَلَى الوصي بأنه بائع؛ لأنه باع عَلَى غيره. محمد: ولَو كَانَ له معهم شِقْص لدخل فِي تلك الشفعة أحب إلي، وينظر فإن كَانَ خيراً لليتيم أمضى وإِلا ردّ لتهمته أن يغتزي بالبيع رخصا لأخذه بالشفعة.
قال فِي " التوضيح": وكذلك إِذَا باع نصيب نفسه وأراد أخذه ليتيمه فلابد من نظر القاضي.
قال ابن عبد السلام: ولابد من مراعاة موجب بيع عقار اليتيم وأن يكون الشِقْص المبيع لليتيم لا يقلّ ثمنه إِذَا بيع مفرداً عمّا لَو بيع الجميع، وأما لَو كَانَ وهو الغالب عَلَى الرباع إِذَا بيع الجميع كَانَ أوفر لنصيب اليتيم لبيع الجميع.

متن الخليل:
أَوْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ وحَلَفَ وأَقَرَّ بَائِعُهُ، وهِيَ عَلَى الأَنْصِبَاءِ، وتُرِكَ لِلشَّرِيكِ حِصَّتُهُ، وطُولِبَ بِالأَخْذِ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ لا قَبْلَهُ، ولَمْ يَلْزَمْهُ إِسْقَاطُهُ، ولَهُ نَقْضُ وَقْفٍ كَهِبَةٍ، وصَدَقَةٍ والثَّمَنُ لِمُعْطَاهُ، إِنْ عَلِمَ شَفِيعُهُ، لا إِنْ وَهَبَ دَاراً فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهَا.
الشرح:
قوله: (أَوْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ وحَلَفَ وأَقَرَّ بَائِعُهُ) هذا من المسقطات فلعلّ الناقل من المبيضة وضعه فِي غير محله.

متن الخليل:
ومُلِكَ بِحُكْمٍ أَوْ دَفْعِ ثَمَنٍ، أَوْ إِشْهَادٍ.
الشرح:
قوله: (ومُلِكَ بِحُكْمٍ أَوْ دَفْعِ ثَمَنٍ، أَوْ إِشْهَادٍ) أصل هذا قول ابن شاس ما نصّه: "الباب الثالث فِي كيفية الأخذ والنظر فِي أطراف الأول فيما يملك بِهِ ويملك بتسليم الثمن وإِن لَمْ يرض المشتري ويقضي القاضي له بالشفعة عند الطلب وبمجرد الإشهاد عَلَى الأخذ وبقوله: "أخذت وتملكت ثم يلزمه إِن كَانَ علم بمقدار الثمن، وإِن لَمْ يكن علم لَمْ يلزمه " فقال ابن الحَاجِب فِي " اختصاره": ويملك بتسليم الثمن أو بالإشهاد أو بالقضاء، فقال ابن عبد السلام: يعني أن الشفعة يملكها الشفيع بأحد هذه الوجوه الثلاثة، ومراده بالإشهاد أنّه بمحضر المشتري وإِلا فلا معنى له.
ويصلح أن يفسر هذا الموضع بما نقل ابن يونس عن ابن المواز: أنّه إِذَا أخره السلطان بالثمن اليومين والثلاثة فلم يأت بِهِ إِلَى ذلك الأجل فالمشتري أحقّ بها، وقَالَ عن أشهب وهو لابن القاسم فِي "العتبية": أنّه إِذَا طلب التأخير بعد الأخذ فأخّر ثم بدا له وأبى المشتري أن يقيله فالأخذ قد لزم الشفيع، فإن لَمْ يكن له مال بيع حظه الذي استشفع فيه وحظه الأول حتى يتم للمشتري جميع حقّه ولا إقالة له إِلا برضى المشتري.
وقَالَ ابن رشد: يعني فِي سماع يحيي: "إِذَا وقّف الإمام الشفيع فلا يخلو من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يقول الشفيع قد أخذت، ويقول المشتري: وأنا قد سلّمت، فيؤجله الإمام فِي دفع المال للشفيع فلا يأتي بِهِ، فليس لأَحَدهمَا أن يرجع عما التزمه ويحكم عَلَى الشفيع بما قدمناه عن "العتبية " قَالَ:
والوجه الثاني: أن يوقفه الإمام فيقول قد أخذت ويسكت المشتري ويؤجله فِي الثمن فلا يأتي بِهِ فهذا إِن طلب المشتري أن يباع له فِي الثمن ملك الشفيع فذلك له، وإِن أحبّ أن يأخذ شقصه كَانَ له ذلك، ولا خيار للشفيع عَلَى المشتري، وهذا الوجه فِي "المدونة".
والثالث: أن يقول الشفيع: أنا آخذ ولا يقول قد أخذت، فيؤجله الإمام فِي الثمن، فاختلف فيه إِذَا لَمْ يأت بالثمن، فقيل: يرجع الشِقْص إِلَى المشتري إِلا أن يتفقا عَلَى إمضائه للشفيع وابتاعه بالثمن، وقيل: إِن أراد المشتري أن يلزم الشفيع الأخذ كَانَ ذلك له، ويباع ماله فِي الثمن، وإِن أراد الشفيع أن يردّ الشِقْص لَمْ يكن له ذلك، و هو قول ابن القاسم وأشهب، والأول أبين. " انتهى ما أشار ابن عبد السلام إِلَى أنّه يصلح أن يفسر بِهِ هذا المحل.
وقَالَ ابن عَرَفَة: لا أعلم هذا المعنى الذي قَالَ ابن شاس لأحدٍ من أهل المذهب، وتبع فيه " وجيز " الغزالي عَلَى عادته فِي إضافة كلام الغزالي للمذهب لظنه موافقته إياه، وهذا دون بيان لا ينبغي، وظاهر كلامهم أن المملوك بأحد هذه الوجوه هو نفس الأخذ بالشفعة لا نفس الشِقْص المشفوع فيه، وروايات المذهب واضحة بِخِلافه وأن ملك الآخذ نفسه، إنما هو بثبوت ملك الشفيع لشقص شائع من ربع واشتراء غيره شِقْصا آخر فهذا هو الموجب لاستحقاقه الأخذ؛ ولذا يكلفه القاضي إِذَا طلب منه الحكم له بالأخذ إثبات ذلك.
قال ابن فتّوح والمتيطي وغيرهما، واللفظ لابن فتّوح: "وإِذَا طلب الشفيع المبتاع بالشفعة عند السلطان لَمْ يقض له بها حتى يثبت عنده البيع والشركة أو يحضر البائع ويثبت عينه عنده، ويقرّ للشفيع بالبيع وبالشركة، ويقرّ المبتاع بالابتياع عَلَى الإشاعة، ويثبت أَيْضاً عينه عنده فيقضي عَلَيْهِ بالشفعة دون ثبوت الشركة والإشاعة، ولابد من ثبوت البيع أو إقرار البائع بِهِ فينظر السلطان حينئذٍ بينهما فِي الشفعة، ولا يحكم بإقرار المشتري والشفيع حتى يثبت عنده البيع، ومما يتم بِهِ تسجيل الحكم، ويوجب إنزال الشفيع أن يثبت عنده البيع عَلَى الإشاعة والشركة وملك البائع لما باعه من المبتاع ويثبت عنده الأعيان المذكورين.
قال ابن عَرَفَة: وأما ملك الشفيع الشِقْص المشفوع فيه فلا أعلم فيه نصاً جلياً إِلا ما تقدم من نصّ "المدونة"، كأنه يشير إِلَى قوله فيها: وإِذَا قَالَ الشفيع بعد الشراء: اشهدوا أنّي قد أخذت بشفعتي ثم رجع، فإن علم الثمن قبل الأخذ لزمه، وإِن لَمْ يعلم بِهِ فله أن يرجع.
قال: ونزلت عندنا هذه المسألة عام خمسين وسبعمائة فِي شفيع أخذ بشفعته فِي دارٍ يملك باقيها بشهادة عدلين دون أن يقف المشتري ويشهد عَلَيْهِ بذلك، ثم إِن الشفيع باع جميع الدار فقام المشتري فخاصم فِي الدار المذكورة لبيعها دون إشهاد الشفيع عَلَيْهِ بالأخذ، ولم يأت بشيءٍ لَو أتى بِهِ قبل البيع قدح فِي الشفعة عَلَيْهِ، فوقف القاضي فِي إمضاء البيع وفسخه، وشاور فِي ذلك شيخنا أبا عبد الله السطي فلم يذكر فِي ذلك شيئاً غير كلام ابن الحَاجِب، وما أشار إليه ابن عبد السلام من كلام ابن رشد.
وكنت أنا وبعض فقهاء الوقت وهو الفقيه أبو عبد الله بن خليل السكوني شهيدي النازلة، فعاتبنا القاضي فِي الشهادة فِي البيع، وكانت شهادتي فيها عاطفاً عَلَيْهِ؛ لاعتقادي فقهه وكونه من خواصّ القاضي المذكور، فاحتججت عَلَى القاضي بنصي المدونة الأول قوله فِي كتاب الخيار: "إِذَا اختار من له الخيار من المتبايعين وصاحبه غائب، وأشهد عَلَى ذلك جَازَ عَلَى الغائب. والشفيع بمنزلة من له الخيار من المتبايعين، فهذا يدلّ عَلَى صحة أخذه فِي غيبة المشتري " الثاني: قوله فِي كتاب الشفعة: "ولا يجوز بيع الشفيع الشِقْص قبل أخذه بالشفعة، فمفهوم قوله: (قبل أخذه) أنّه يجوز بعد أخذه، والعمل بمفهومات "المدونة" هو المعهود فِي طريقة ابن رشد وغيره من الشيوخ، وإِن كَانَ ابن بشير يذكر فِي ذلك خلافاً، فعمل الأشياخ الجلّة إنما هو عَلَى الأول.
وانفصل الخصمان بعد طول ومرافعة لأهل الأمر عَلَى صلحٍ وقع بينهما" انتهى.
وفِي استدلاله الثاني ضعف.
وأما المصنف ففسر قول ابن الحَاجِب بأن معناه يملك الشفيع الشِقص بأحد الأمور الثلاثة، وكذا قَالَ ابن راشد القفصي، ورأيت فِي " الكافي " لأبي عمر بن عبد البر ما نصّه: "والشفعة تجب بالبيع التامّ، وتستحقّ وتملّك بأداء الثمن"، وقد ذكر بعد هذا فِي هذا المختصر وجوه ابن رشد الثلاثة المنقولة من سماع يحيي.
فرع:
في الحمالة من تقييد أبي عمران العبدوسي: من وجبت له شفعة فأشهد فِي خفية أنّي عَلَى شفعتي، وسكت حتى جاوز الأمد المسقط حق الحاضر ثم قام لَمْ ينفعه هذا الإشهاد، قيدتها من أحكام الدبوسي بعد ما بحثت عن هذه الأحكام فلم أجدها إِلا بسبتة.

متن الخليل:
واسْتُعْجِلَ، إِنْ قَصَدَ ارْتِيَاءً أَوْ نَظَراً لِلْمُشْتَرَى إِلا كَسَاعَةٍ. وَلَزِمَ إِنْ أَخَذَ وعَرَفَ الثَّمَنَ فَبِيعَ لِلثَّمَنِ، والْمُشْتَرِيَ إِنْ سَلَّمَ، فَإِنْ سَكَتَ فَلَهُ نَقْضُهُ، وإِنْ قَالَ أَنَا آخُذُ أُجِّلَ ثَلاثاً لِلنَّقْدِ.
الشرح:
قوله: (وَاسْتُعْجِلَ، إِنْ قَصَدَ ارْتِيَاءً أَوْ نَظَراً لِلْمُشْتَرَى إِلا كَسَاعَةٍ) المشترَى بفتح الراء، وظاهر الاستثناء أنّه راجع للارتياء والنظر للمشترى، وهو ظاهر ما فِي سماع أشهب إذ قَالَ سئل عمن باع شِقْصاً فِي حائط غائب فقال: الشفيع: حتى أذهب وانظر إِلَى شفعتي وهي ليست معه فِي القرية؟ قَالَ: ليس ذلك له. فراجعه السائل فقال: إِن كَانَ الحائط عَلَى ساعة من نهار فذلك له، وإِلا فليس له ذلك يخرج فيقيم أَيْضاً عشرة أيام ثم يجيء.
قال ابن رشد: هذا مثل ما فِي كتاب ابن المواز، وظاهر ما فِي "المدونة" من أن الشفيع إنما يؤخر فِي النقد لا فِي الارتياء فِي الأخذ. انتهى.
فأنت ترى ابن رشد ساوى بين الارتياء والنظر للمشتري بعد تسليم استثناء الساعة، فلعلّ المصنف اعتمد عَلَى ذلك، وإِن كَانَ مخالفاً لقول المتيطي المشهور من المذهب.
والذي عَلَيْهِ العمل وانعقدت بِهِ الأحكام فيمن طلب التأخير لينظر ويستشير أنّه لا يؤخر ساعةً واحدة، ويجبره السلطان عَلَى الأخذ أو الترك وقاله مالك فِي "العتبية"، ونحوه فِي كتاب ابن المواز، وظاهر ما فِي "المدونة": أن الشفيع إنما يؤخر فِي النقد لا فِي الارتياء فِي الأخذ. انتهى.
فأنت ترى مخالفة المتيطي لنصّ "العتبية " فِي استثناء الساعة، بل نسب لها ما ليس فيها. والله تعالى أعلم.

متن الخليل:
وإِلا سَقَطَتْ.
الشرح:
قوله: (وَإِلا سَقَطَتْ) أي: وإن لَمْ يأت بالثمن فِي الثلاث سقطت شفعته.

متن الخليل:
وإِنِ اتَّحَدَتِ الصَّفْقَةُ وتَعَدَّدَتِ الْحِصَصُ والْبَائِعُ لَمْ تُبَعَّضْ.
الشرح:
قوله: (وإِنِ اتَّحَدَتِ الصَّفْقَةُ وتَعَدَّدَتِ الْحِصَصُ والْبَائِعُ لَمْ تُبَعَّضْ) أي فإذا اتحد البائع فأحرى كاتحاد الحصّة.
قال فِي "المدونة": ولَو اشترى رجل ثلاثة أشقاص من دار أو من دور فِي بلد أو بلدان من رجل أو رجال، وذلك فِي صفقةٍ واحدة وشفيع ذلك كلّه واحد فليس له أن يأخذ إِلا الجميع أو يسلم، وكذلك إِن اشترى من أحدهم حصّته من نخلٍ ومن آخر حصته من قرية، ومن آخر حصته من دار فِي صفقةٍ واحدة، أو كَانَ بائع ذلك كلّه واحداً أو وشفيع ذلك كله واحداً، فإما أخذ الجميع أو يدع.

متن الخليل:
كَتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي، عَلَى الأَصَحِّ.
الشرح:
قوله: (كَتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي، عَلَى الأَصَحِّ) هو قوله فِي "المدونة" بعد النصّ السابق: ولَو ابتاع ثلاثة ما ذكرنا من واحدٍ أو من ثلاثة فِي صفقةٍ والشفيع واحد فليس له أن يأخذ من أحدهم دون الآخر، وله أخذ الجميع أو يدع، فهو باقتصاره عَلَى مذهب "المدونة" مستغنٍ عن أن يقول عَلَى الأَصَحّ، فلو قَالَ عوضاً من هذا كله: ولَو تعدد المشتري لكان أبين وأوجز.

متن الخليل:
وَكَأَنْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ، أَوْ غَابَ أَوْ أَرَادَهُ الْمُشْتَرِي.
الشرح:
قوله: (أَوْ أَرَادَهُ الْمُشْتَرِي) أي أو أراد المشتري وحده التبعيض فلا يجبر عَلَيْهِ الشفيع كالعكس.

متن الخليل:
وَلِمَنْ حَضَرَ حِصَّتُهُ.
الشرح:
قوله: (وَلِمَنْ حَضَرَ حِصَّتُهُ) أي ولمن صار محاضراً بعد الغيبة، ولَو قَالَ: ولمن قدم كَانَ أبين.

متن الخليل:
وهَلِ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ.
الشرح:
قوله: (وَهَلِ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ) هكذا فِي بعض النسخ، وبِهِ تصحّ المسألة عَلَى ما ذكر ابن رشد فِي "المقدمات" إذ قَالَ: قَالَ أشهب: إِذَا غاب الشفعاء إِلا واحداً، فأخذ جميع الشفعة، ثم جاء أحد الغُيّب كَانَ مخيراً فِي كتب عهدته إِن شاء عَلَى المشتري، وإِن شاء عَلَى الشفيع لأنه كَانَ مخيراً فِي الأخذ فهو كمشترٍ من المشتري وإِن جاء ثالث كَانَ مخيراً إِن شاء كتب عهدته عَلَى المشتري وإِن شاء عَلَى الشفيع الأول، وإِن شاء عَلَيْهِ، وعَلَى الثاني فقيل: إِن قول أشهب هذا خلاف لمذهب ابن القاسم، وأنّه لا يكتب عهدته عَلَى مذهب ابن القاسم إِلا عَلَى المشتري، وليس ذلك عندي بصحيح؛ والصواب أن قول أشهب مفسر لمذهب ابن القاسم.
فقول المصنف: (وَهَلِ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي) هو التأويل الذي اختاره ابن رشد أن القادم مخير، فأو فيه للتخيير وقوله: (أو عَلَى المشتري فقط) هو التأويل الذي أنكره ابن رشد، ولكن بِهِ قطع عبد الحقّ فِي النكت، وعَلَى هذه الصورة ذكر التأويلين فِي " التوضيح.
فلعلّ بعض من نَسَخَ من المبيضة ظنّ تكرار إحدى الجملتين فأسقطها، وهذا محتملٌ؛ لأن مقتضاه أن التأويل الأول تعيين عهدة القادم عَلَى الشفيع الأول ولم أر من قاله.

متن الخليل:
كَغَيْرِهِ، ولَوْ أَقَالَهُ إِلا أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَهَا؟ تَأْوِيلانِ، وقُدِّمَ مُشَارِكُهُ فِي السَّهْمِ، وإِنْ كَأُخْتٍ لأَبٍ أَخَذَتْ سُدُساً.
الشرح:
قوله: (كَغَيْرِهِ، ولَوْ أَقَالَهُ إِلا أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَهَا) لا يخفى عَلَى من مارس اصطلاحه فِي هذا المختصر أن هذا التشبيه راجع للتأويل الثاني فقط، وأن قوله بعد ذلك: (تَأْوِيلانِ) راجع لأول الكلام.

متن الخليل:
ودَخَلَ عَلَى غَيْرِهِ كَذِي سَهْمٍ عَلَى وَارِثٍ، ووَارِثٌ عَلَى مُوصًى لَهُمْ، ثُمَّ الْوَارِثُ، ثُمَّ الأَجْنَبِيُّ، وأَخَذَ بِأَيِّ بَيْعٍ شَاءَ، وعُهْدَتُهُ عَلَيْهِ، ونُقِضَ مَا بَعْدَهُ، ولَهُ غُلَّتُهُ.
الشرح:
قوله: (ودَخَلَ عَلَى غَيْرِهِ) أي: ودخل الأخصّ عَلَى غيره من ذوي الفروض، وأما دخوله عَلَى الغاصب فمستفاد من قوله بعد: (كذي سهم عَلَى وارث) أي: عَلَى عاصب.

متن الخليل:
وفِي فَسْخِ عَقْدٍ كِرَائِهِ تَرَدُّدٌ، ولا يَضْمَنُ نَقْصَهُ.
الشرح:
قوله: (وفِي فَسْخِ عَقْدٍ كِرَائِهِ تَرَدُّدٌ) مبناه عَلَى الشفعة هل هي كالاستحقاق قاله القرطبيون أو كالبيع قاله الطليطليون، فالقاف للقاف، والياء للياء.

متن الخليل:
فَإِنْ هَدَمَ وبَنَى فَلَهُ قِيمَتُهُ قَائِماً، ولِلشَّفِيعِ النُّقْضُ إِمَّا لِغَيْبَةِ شَفِيعِهِ فَقَاسَمَ وَكِيلُهُ، أَوْ قَاضٍ عَنْهُ، أَوْ تَرَكَ لِكَذِبٍ فِي الثَّمَنِ، أَوِ اسْتُحِقَّ نِصْفُهَا، وحُطَّ مَا حُطَّ لِعَيْبٍ، أَوْ لِهِبَةٍ، إِنْ حُطَّ عَادَةً أَوْ أَشْبَهَ الثَّمَنَ بَعْدَهُ. وإِنِ اسْتُحِقَّ الثَّمَنُ، أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ بَعْدَهَا رَجَعَ الْبَائِعُ بِقِيمَةِ شِقْصِهِ، ولَوْ كَانَ الثَّمَنُ مِثْلِيَّاً إِلا النَّقْدَ، فَمِثْلُهُ، ولَمْ يَنْتَقِضْ مَا بَيْنَ الشَّفِيعِ والْمُشْتَرِي. وإِنْ وَقَعَ قَبْلَهَا بَطَلَتْ. وإِنِ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ فِيمَا يُشْبِهُ.
الشرح:
قوله: (فَإِنْ هَدَمَ وبَنَى فَلَهُ قِيمَتُهُ قَائِماً، ولِلشَّفِيعِ النُّقْضُ إِمَّا لِغَيْبَةِ شَفِيعِهِ فَقَاسَمَ وَكِيلُهُ، أَوْ قَاضٍ عَنْهُ، أَوْ تَرَكَ لِكَذِبٍ فِي الثَّمَنِ، أَوِ اسْتُحِقَّ نِصْفُهَا) قد عرفت وجه السؤال الوارد هاهنا، وقد انفصل المصنف عنه هنا بخمسة أجوبة:
أولها: أن يكون أحد الشريكين غاب ووكّل فِي مقاسمته شريكه، فباع شريكه نصيبه ثم قاسم الوَكِيل المشتري ولَمْ يأخذ بالشفعة.
وثانيها أن يكون الشفيع غائباً وله وكيل حاضر عَلَى التصرف فِي أمواله، فباع الشريك فلم ير الوَكِيل الأخذ بالشفعة، فقاسم المبتاع، وقد أشار إِلَى هذين معاً بقوله: (إما لغيبة شفيعه فقاسم وكيله).
وثالثها: أن يكون شريك البائع غائباً فيرفع المشتري إِلَى السلطان يطلب القسم، والقسم عَلَى الغائب جائز، فقسم عَلَيْهِ بعد الاستقصاء وضرب الأجل ثم لا يبطل ذلك شفعة الغائب، وإليه أشار بقوله: (أو قاض عنه).
ورابعها: أن يكون المشتري كذب فِي الثمن، فترك الشفيع الأخذ استغلاءً ثم قاسمه، وإليه أشار بقوله: (أو ترك لكذب فِي الثمن).
وخامسها: أن يكون قد اشترى الجميع فأنفق وبنى وغرس ثم استحقّ رجل نصف ذلك مشاعاً، وإليه أشار بقوله: (أو استحقّ نصفها).
فالثالث والخامس ذكرهما ابن يونس عن ابن المواز، وباقيها ذكره ابن شاس، وزاد سادساً وهو: أن يقول وهبت الشِقْص بغير ثواب ولم أشتره فتسقط الشفعة عَلَى إحدى الروايتين فيقاسمه ثم يثبت الشراء، فأما جوابا ابن المواز فصحيحان، إلا أن ابن عَرَفَة قَالَ فِي قسم القاضي: يريد أنّه قسم عَلَيْهِ عَلَى أنّه شريك غائب فقط لا عَلَى أنّه وجبت له الشفعة، ولَو علم ذلك لَمْ يجز له أن يقسم عَلَيْهِ إذ لَو جَازَ قسمه لكان كقسمه هو بنفسه، إذ لا يجوز أن يفعل الحاكم عن غائب إِلا ما يجب عَلَى الغائب فعله، فلو جَازَ قسمه عَلَيْهِ مَعَ علمه بوجوب الشفعة لما كانت له شفعة، ولما تقرر لغائبٍ شفعة لقدرة المشتري عَلَى إبطالها بهذا.
وأما أجوبة ابن شاس فقبلها ابن الحَاجِب وابن عبد السلام وابن هارون، واعترضها ابن عَرَفَة بأن الأول إِن كَانَ معناه أنه وكل فِي مقاسمته شريكه المعين لا فِي مقاسمته مطلق شريك فهذا راجع لأحد جوابي محمد؛ لأنه راجع للقسم عنه لظن القاسم صحته فبان خطؤه وإِن كَانَ معناه أنّه وكله فِي مقاسمة مطلق شريك فلا شفعة له، فامتنع كونه تصويراً للمسألة، والثاني واضح رجوعه لأحد جوابي محمد أَيْضاً؛ لأنه راجع للقسم عنه لظن القاسم صحته فبان خطؤه.
والرابع والسادس باطلان فِي أنفسهما؛ لأن كذب المشتري فِي دعوي الثمن الكثير وفِي دعوى الهبة يصيره متعدياً فِي بنائه كغاصب بيده عرصة بنى بها بناءً وهو يدعي أنّه مالك، فبان أنّه غاصب، فحكمه فِي بنائه حكم الغاصب المعلوم غصبه ابتداءً وقد استشكل فِي "التوضيح" هذين الجوابين أَيْضاً فقال: وانظر لَمْ لم يجعل حكم المشتري إِذَا كذب فِي الثمن أو ادعى صدقه ونحوها ثم تبين خلاف ذلك كالمتعدي، ولعله الأَظْهَر فلا يكون له إِلا قيمة النقض، ولعل كلامهم محمول عَلَى ما إِذَا كَانَ بإظهار أكثر من الثمن من غير المشتري". انتهى.
وهذا المحمل لا يقبله لفظ ابن شاس، ويقبله لفظ المصنف هنا، وزاد أبو الحسن الصغير جوابين آخرين فقال: أو يكون قسم مَعَ رجلٍ زعم أنّه وكيل الغائب أو تكون هذه الدار بين ثلاثة أحدهم غائب، فباع أحد الحاضرين نصيبه فقسم المشتري مَعَ الحاضر يظن أن ليس له لشريك غيره.

متن الخليل:
كَكَبِيرٍ يَرْغَبُ فِي مُجَاوِرَتِهِ وإِلا فَلِلشَّفِيعِ وإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا ورُدَّ إِلَى الْوَسَطِ.
الشرح:
قوله: (كَكَبِيرٍ يَرْغَبُ فِي مُجَاوِرَتِهِ) (يرغب) مبني للفاعل، و(مجاورته) بكسر الواو اسم فاعل، وهو كقوله فِي المدونة: إِلا أن يكون مثل هؤلاء الملوك يرغب أحدهم فِي الدار اللاصقة بِهِ.

متن الخليل:
وإِنْ نَكَلَ مُشْتَرٍ، فَفِي الأَخْذِ بِمَا ادَّعَى أَوِ أَدَّى قَوْلانِ، وإِنِ ابْتَاعَ أَرْضاً بِزَرْعِهَا الأَخْضَرِ فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهَا فَقَطْ واسْتَشْفَعَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الزَّرْعِ لِبَقَائِهِ بِلا أَرْضٍ.
الشرح:
قوله: (وَإِنْ نَكَلَ مُشْتَرٍ، فَفِي الأَخْذِ بِمَا ادَّعَى أَوِ أَدَّى قَوْلانِ). ليس هذا مفرعاً عَلَى اختلاف المشتري والشفيع بل هو عَلَى اختلاف البائع والمشتري، يظهر بأدنى تأمل، وأشار بِهِ لقول ابن يونس: قَالَ ابن المواز: فإن حلف البائع أنّه باع بمائتين ونكل المبتاع لزمه الشراء بمائتين وأخذها الشفيع بمائة؛ لأنّه الثمن الذي أقرّ بِهِ المشتري، وقَالَ: إِن البائع ظلمه وأخذ ما ليس له.
وقَالَ ابن عبد الحكم وأصبغ فِي " الواضحة": بل يأخذها بمائتين.
ابن يونس: لأن المشتري يقول إنما خلصت الشِقْص بهذه المائة الثانية، فصرت كأني ابتدأت الشراء بمائتين، لأني لَو حلفت لانتقض البيع ولَمْ تكن للشفيع شفعة.
وقَالَ اللخمي: قَالَ أشهب: عند محمد يأخذ الشفيع بمائة؛ لأنه الثمن الذي أقرّ بِهِ المشتري، وقَالَ ابن الماجشون وأصبغ عند ابن حبيب يستشفع بمائتين.

متن الخليل:
كَمُشْتَرِي قِطْعَةٍ مِنْ جِنَانٍ بِإِزَاءِ جِنَانِهِ لِيَتَوَصَّلَ لَهُ مِنْ جِنَانِ مُشْتَرِيهِ، ثُمَّ اسْتُحِقَّ جِنَانُ الْمُشْتَرِي، ورَدَّ الْبَائِعُ نِصْفَ الثَّمَنِ ولَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ، وخُيِّرَ الشَّفِيعُ أَوَّلاً بَيْنَ أَنْ يَشْفَعَ أَوْ لا فَيُخَيَّرُ الْمُبْتَاعُ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ.
الشرح:
قوله: (ثُمَّ اسْتُحِقَّ جِنَانُ الْمُشْتَرِي) هكذا هو فِي جميع النسخ التي رأينا وهو صواب، والجنان ـ بكسر الجيم ـ جمع جنة، كقصعة وقصاع. وبالله تعالى التوفيق.

.باب القسمة:

الْقِسْمَةُ تَهَايُؤٌ فِي زَمَنٍ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْراً، وسُكْنَى دَارٍ سِنِينَ كَالإِجَارَةِ، لا فِي غَلَّةٍ، ولَوْ يَوْماً، ومُرَاضَاةٌ فَكَالْبَيْعِ، وقُرْعَةٌ، وهِيَ تَمْيِيزُ حَقٍّ، وكَفَى قَاسِمٌ، لا مُقَوِّمٌ، وأَجْرُهُ بِالْعَدَدِ وكُرِهَ، وقُسِمَ الْعَقَارُ، وغَيْرُهُ بِالْقِيمَةِ، وأُفْرِدَ كُلُّ نَوْعٍ، وجُمِعَ دُورٌ وأَقْرِحَةٌ ولَوْ بِوَصْفٍ، إِنْ تَسَاوَتْ قِيمَةً ورَغْبَةً، وتَقَارَبَتْ كَالْمِيلِ، إِنْ دَعَا إِلَيْهِ أَحَدُهُمْ، ولَوْ بَعْلاً وسَيْحاً، إِلا مَعْرُوفَةً بِالسُّكْنَى، فَالْقَوْلُ لِمُفْرِدِهَا، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً بِخِلافِهِ، وفِي الْعُلْو والسُّفْلِ تَأْوِيلانِ وأُفْرِدَ كُلُّ صِنْفٍ كَتُفَّاحٍ، إِنِ احْتَمَلَ، إِلا كَحَائِطٍ فِيهِ شَجَرٌ مُخْتَلِفَةٌ، وأَرْضٍ بِشَجَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ.
الشرح:
قوله: (تَهَايُؤٌ فِي زَمَنٍ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْراً، وسُكْنَى دَارٍ سِنِينَ كَالإِجَارَةِ، لا فِي غَلَّةٍ، ولَوْ يَوْماً) هذه قسمة المنافع؛ ولهذا قيّدها بالزمن إذ لو كانت قسمة رقاب لتأبدت فإن قلت: قد قرر ابن رشد وعياض وابن شاس أن قسمة المهايأة ضربان مهايأة فِي الأعيان ومهايأة فِي الأزمان، فالضرب الأول: أن يأخذ أحد الشريكين داراً يسكنها، ويأخذ الآخر داراً يسكنها، وهذا أرضاً يزرعها و هذا أرضاً يزرعها، والضرب الثاني: أن تكون المهايأة فِي عينٍ واحدة بالأزمنة كدارٍ يسكنها هذا شهراً وهذا شهراً، أو أرض يزرعها هذا سنة وهذا سنة، وبذلك فسّر فِي "التوضيح" كلام ابن الحَاجِب، فما باله هنا اقتصر عَلَى الأزمان دون الأعيان حيث قَالَ (فِي زمن)؟
قلت: وكذلك ينبغي أن يحمل كلامه هنا عَلَى القسمين؛ لأن الزمن المعلوم لابد منه فيهما، وعَلَى هذا فقوله: (كخدمة عبد شهراً) يتناول صورتين إحداهما: أن يكون العبد الواحد بين الشريكين يستخدمه كل واحد منهما شهراً. والثانية: أن يكون لهما عبدان يستخدم أَحَدهمَا أحد العبدين شهراً والآخر كذلك، ولا تشترط مساواة المدّتين، وإنما يشترط حصرهما، وافهم مثل ذلك فِي السكنى جوازاً وفِي الغلة منعاً.
ومما يزيد هذا وضوحاً مناقشة ابن عَرَفَة لعياض إذ قَالَ: وقول عياض: هي ضربان، مقاسمة الزمان، ومقاسمة الأعيان، يوهم عروّ الثاني عن الزمان، وليس كذلك، ومحمله إِن كَانَ المشترك فيه واحداً فتعلّق القسم بالزمان لذاته وإِن كَانَ المشترك فيه متعدداً فتعلق القسم بالزمان لذاته، وإِن كَانَ المشترك فيه متعدداً فتعلق القسم بالزمان فيه بالعرض؛ لأن متعلقه بالذات بعض آحاد المشترك فيه، ولابد فيه من الزمان، إذ بِهِ يعلم قدر الانتفاع.
تنبيهان:
الأول: قَالَ الباجي وعبد الوهاب عن المذهب: إنما تجوز قسمة المهايأة و هي قسمة المنافع بالمراضاة لا بالإجبار والقرعة، وعلى هذا اقتصر ابن عَرَفَة وبه قطع عياض، والذي فِي "المقدمات": لا تجوز بالسهمة عَلَى مذهب ابن القاسم ولا يجبر عَلَيْهَا من أباها ولا تكون إِلا عَلَى المراضاة.
الثاني: قَالَ فِي "المقدمات": ومن هذا الباب قسمة الحبس للاغتلال فقيل: أنّه يقسم ويجبر عَلَى القسم من أباه وينفذ بينهم إِلَى أن يحدث بينهم من الموت أو الولادة ما يغيره زيادة أو نقصان، واحتجّ من ذهب إِلَى ذلك بقولهم فيمن حبس فِي مرضه عَلَى ولده وولد ولده: أن الحبس يقسم بينهم أعني عَلَى عدد الولد وولد الولد، وبغير ذلك من الظواهر الموجودة فِي مسائلهم، وقيل: أنّه لا يقسم بحال واحتجّ من ذهب إِلَى ذلك بقول مالك فِي "المدونة": إِن الحبس مما لا يقسم ولا يُجَزَّأ، وقيل أنّه لا يقسم إِلا أن يتراضي المحبس عليهم فِي قسمته قسمة اغتلال، فيجوز ذلك لهم". انتهى.
وقد عزا ابن سهل هذه الأَقْوَال لأشياخ الشورى قَالَ ابن عَرَفَة: والأقرب حمل القسم عَلَى ثمن المنفعة ومنعه عَلَى الربع المحبس نفسه.

متن الخليل:
وجَازَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، إِنْ جُزَّ، وإِنْ لِكَنِصْفِ شَهْرٍ، وأَخْذُ وَارِثٍ عَرْضاً، وآخَرَ دَيْناً، إِنْ جَازَ بَيْعُهُ، وأَخْذُ أَحَدِهِمَا قِطْنِيَّةً، والآخَرِ قَمْحاً.
الشرح:
قوله: (وجَازَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، إِنْ جُزَّ، وإِنْ لِكَنِصْفِ شَهْرٍ) لا خفاء أن هذه العبارة جيدة موافقة لقوله فِي "المدونة": "ولا بأس بقسمة الصوف عَلَى ظهر الغنم إِن جزاه الآن أو إِلَى أيامٍ قريبة يجوز بيعها إليها، ولا يجوز ما بعد، وفِي بعض النسخ: إِن لَمْ يجز، وكأنه إصلاح ممن لَمْ يفهم معناه.

متن الخليل:
وَخِيَارُ أَحَدِهِمَا كَالْبَيْعِ، وغَرْسُ أُخْرَى، إِنِ انْقَلَعَتْ شَجَرَتُكَ مِنْ أَرْضِ غَيْرِكَ، إِنْ لَمْ تَكُنْ أَضَرَّ كَغَرْسِهِ بِجَانِبِ نَهْرِكَ الْجَارِي فِي أَرْضِهِ.
الشرح:
قوله: (وَخِيَارُ أَحَدِهِمَا كَالْبَيْعِ) أي: فِي قدر زمانه وإلا كَانَ تشبيهاً ضائعاً لغير فائدة.

متن الخليل:
وحُمِلَتْ فِي طَرْحِ كُنَاسَتِهِ عَلَى الْعُرْفِ، ولَمْ تَطْرَحْ عَلَى شَجَرَةٍ، إِنْ وَجَدَتْ سِعَةً، وجَازَ ارْتِزَاقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لا شَهَادَتُهُ. وفِي قَفِيزٍ أَخَذَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَيْهِ، وَالآخَرُ ثُلُثَهُ، لا إِنْ زَادَ كَيْلاً أَوْ عَيْناً، لِدَنَاءَةٍ، وفِي كَثَلاثِينَ قَفِيزاً أَوْ ثَلاثِينَ دِرْهَماً أَخَذَ أَحَدُهُمَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وعِشْرِينَ قَفِيزاً إِنِ اتَّفَقَ الْقَمْحُ صِفَةً.
الشرح:
قوله: (وَحُمِلَتْ فِي طَرْحِ كُنَاسَتِهِ عَلَى الْعُرْفِ، ولَمْ تَطْرَحْ عَلَى شَجَرَةٍ، إِنْ وَجَدَتْ) أشار بِهِ لقوله فِي "المدونة": فإذا كنست نهرك حملت عَلَى سنة البلد فِي طرح الكناسة، فإن كَانَ الطرح بضفتيه لَمْ تطرح ذلك عَلَى أشجارهم إِن أصبت دونها من ضفتيه متسعاً، فإن لَمْ يكن فبين الشجر فإن ضاق عن ذلك طرحت فوق شجرهم إِذَا كانت سنة بلدهم طرح طين النهر عَلَى حافتيه. أبو الحسن الصغير: وأما إِن لَمْ تكن تلك سنتهم فعلى رب النهر حمله إِلَى حيث يطرح.

متن الخليل:
ووَجَبَتْ غَرْبَلَةُ قَمْحٍ، إِنْ زَادَتْ غَلَّتُهُ عَنْ الثُّلُثِ وإِلا نُدِبَتْ.
الشرح:
قوله: (وَوَجَبَتْ غَرْبَلَةُ قَمْحٍ، إِنْ زَادَتْ غَلَّتُهُ عَنْ الثُّلُثِ وإِلا نُدِبَتْ) كذا قَالَ ابن رشد فِي رسم شكّ من سماع ابن القاسم من كتاب: "السلطان " ونصه: "و أما غربلة القمح من التبن والغَلْث عند البيع فذلك واجب إِن كَانَ التبن والغَلْث فيه كثيراً يقع فِي أكثر من الثلث؛ لأن بيعه عَلَى ما هو عَلَيْهِ من الغرر، ومستحب إِذَا كَانَ التبن والغلث فيه يسيراً.
فائدة: يقال الغلث بالغين المعجمة وبالعين المهملة قاله عياض فِي كتاب القسم.
فرع:
فِي رسم إِن خرجت من سماع عيسى من جامع البيوع قَالَ مالك: لا بأس أن يجعل فِي الخلّ الماء الذي لا يصلح إِلا بِهِ.
قال ابن رشد: وكذلك الماء يجعل فِي اللبن لاستخراج زبده قاله مالك فِي أول رسم من سماع أشهب من كتاب "السلطان".

متن الخليل:
وجَمْعُ بَزٍّ، ولَو كَصُوفٍ، وحَرِيرٍ، لا كَبَعْلٍ، وذَاتِ بِئْرٍ أَوْ غَرْبٍ.
الشرح:
قوله: (وجَمْعُ بَزٍّ، ولَو كَصُوفٍ، وحَرِيرٍ) معطوف عَلَى فاعل جَازَ، عياض: البز ـ بفتح الباء ـ أطلقه فِي الكتاب فِي كلّ ما يلبس كَانَ صوفاً أو خزّاً أو كتّاناً أو قطناً أو حريراً، مخيطاً أو غير مخيط.

متن الخليل:
وثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، إِنْ لَمْ يَجُذَّاهُ كَقَسْمِهِ بِأَصْلِهِ.
الشرح:
قوله: (وثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، إِنْ لَمْ يَجُذَّاهُ) كأنه أشار بهذا لمفهوم قوله فِي "المدونة": ولا بأس بقسمة البلح الصغير بالتحري عَلَى أن يجدّاه مكانهما إِذَا اجتهدا حتى يخرجا من وجه الخطار، وإِن لَمْ تختلف حاجتهما إليه وإِن اقتسماه وفضل أَحَدهمَا صاحبه بأمر يعرف فضله جَازَ ذلك كما يجوز فِي البلح الصغير بلح نخلة ببلح نخلتين عَلَى أن يجداه مكانهما. ولمفهوم قوله قبله: ولا بأس بقسمة الزرع قبل أن يبدو صلاحه بالتحري عَلَى أن يحصداه مكانهما إِن كَانَ يستطاع أن يعدل بينهما فِي قسمه تحرياً؛ وكذلك القصب والتين، فإن تركا الزرع حتى صار حباً انتقض القسم وقسم ذلك كله كيلاً.

متن الخليل:
أَوْ قَتَّاً أَوْ زَرْعاً أَوْ فِيهِ فَسَادٌ كَيَاقُوتَةٍ، وكَخَفِينٍ، أَوْ فِي أَصْلِهِ بِالْخَرْصِ كَبَقْلٍ إِلا الثَّمَرَ أَوِ الْعِنَبَ إِذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ، وإِنْ بِكَثْرَةِ أَكْلٍ، أَوْ قَلَّ وحَلَّ بَيْعُهُ واتَّحَدَ بِبُسْرٍ ورُطْبٍ لا تَمْرٍ.
الشرح:
قوله: (أَوْ قَتَّاً) كذا فِي "المدونة" فِي الزرع، وأما الكتان ففي "النوادر" عن سحنون: لا يعتدل قسم الكتان قتاً وزريعته فيه أو بعد زوالها حتى يدق فيقسم. وعَلَى هذا اقتصر ابن عَرَفَة وزاد: وفِي كون القطن قبل زوال حبّه كذلك نظر، والأحوط منعه. وفِي "النوادر" أَيْضاً قَالَ ابن حبيب: يجوز قسم الكتان قائما لَمْ يجمع وحزماً قد جمع قبل إدخاله الماء وبعد إخراجه وقبل نفضه وبعده عَلَى التعديل والتحري أو الرضا بالتفاضل.
وقَالَ اللخمي: قَالَ مالك فِي كتاب ابن حبيب: كل ما يجوز فيه التفاضل فلا بأس بقسمه فِي شجره عَلَى التحري رطباً ويابساً أو بالأرض مصبراً مثل الفواكه الرطبة وثمر البحائر ومثل الكتان والخبط والنوى والتين تحرياً وإِن كَانَ الكتان أو الحناء قائماً قبل أن يجمع أو بعد ما جمع.
قال أبو الحسن الصغير: وانظر هل يقوم جواز قسم الكتان قتا من قوله فِي "المدونة": وكذلك القصب والتين.

متن الخليل:
وقُسِمَ بِالْقُرْعَةِ بِالتَّحَرِّي. كَالْبَلَحِ الْكَبِيرِ، وسَقَى ذُو الأَصْلِ.
الشرح:
قوله: (كَالْبَلَحِ الْكَبِيرِ) هو كالاستثناء من قوله: (وحل بيعه) وكذا قَالَ: هو فِي كلام ابن الحَاجِب قَالَ أبو الحسن الصغير: وقد ناقض بعضهم بينهما قَالَ: ولعلّه؟ إنما شرط الطيب هناك لكونه يجوز تأخيره بعد القسم إِلَى أن يصير تمراً ولا يبطل القسم، وأجاز هنا البلح إِذَا كانوا لا يتركونه إِلَى الطيب، وقبله فِي "التوضيح"، ومما يزيده بياناً أنّه قَالَ هناك فِي "المدونة": "أراد بعضهم تيْبيسه " وهنا إنما قَالَ يأكل هذا بلحاً و يبيع الآخر بلحاً فلو أراد بعضهم تيبيسه لَمْ يجز قسمه بلحاً.

متن الخليل:
كَبَائِعِهِ الْمُسْتَثْنِي ثَمَرَتَهُ، حَتَّى يُسَلِّمَ.
الشرح:
قوله: (كَبَائِعِهِ الْمُسْتَثْنِي ثَمَرَتَهُ) هذا تجوُّز فِي العبارة؛ إذ الحكم يوجب بقاء الثمرة المأبورة للبائع.

متن الخليل:
أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ، إِلا أَنْ يَقِلَّ، أَوْ لَبَنٍ فِي ضُرُوعٍ، إِلا لِفَضْلٍ بَيِّنٍ، أَوْ قَسَمُوا بِلا مَخْرَجٍ مُطْلَقاً، وصَحَّتْ، إِن سَكَتَا عَنْهُ، ولِشَرِيكِهِ الانْتِفَاعُ بِهِ ولا يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِ مَجْرَى الْمَاءِ، وقُسِمَ بِالْقِلْدِ.
الشرح:
قوله: (أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ، إِلا أَنْ يَقِلَّ) هذا الاستثناء للّخمي قَالَ: لأن هذا مما لابد منه ولا يتفق فِي الغالب أن تكون قيمة الدارين سواء.
ابن عَرَفَة: ظاهر الروايات منع التعديل فِي قسم القرعة بالعين.

متن الخليل:
كَسُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا، ولا يُجْمَعُ بَيْنَ عَاصِبَيْنِ، إِلا بِرِضَاهُمْ، إِلا مَعَ، كَزَوْجَةٍ، فَيُجْمَعُوا أَوَّلاً.
الشرح:
قوله: (كَسُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا) قَالَ فِي "المقدمات": وإِذَا اقتسم الشريكان الدار ولم يشترطا أن يقيما بينهما حاجزاً فلا يحكم بذلك عَلَيْهِمَا، ويقال لمن دعى إِلَى ذلك: استر عَلَى نفسك فِي حظك إِن شئت، وإِن اشترطا ذلك ولم يحدّاه أخذ من نصيب كلّ واحد منهما نصف بناء الجدار، وإِن كَانَ أَحَدهمَا أقلّ نصيباً من صاحبه، وكذلك تكون النفقة بينهما بالسواء إِلَى أن يبلغ مبلغ الستر إِذَا لَمْ يحدا فِي ذلك حداً، ولا اختلاف فِي هذا أعلمه. انتهى.
وانتحله المتيطي: ولَمْ يزد عَلَيْهِ.
وقَالَ اللخمي: الصواب أن يجعل كل واحد تحجيراً يستتر بِهِ عن صاحبه، ولا يجوز الرضا بغير تحجير؛ لأن فيه كشفاً لحريمهم فِي تصرفهم ودخول بعضهم عَلَى بعض. انتهى، وأما الجدار بين الرجلين يسقط فحصّل ابن رشد فِي بنائه أربعة أَقْوَال، وتكلّم عَلَيْهِ ابن عَرَفَة فِي باب الشركة.

متن الخليل:
كَذَوِي سَهْمٍ، ووَرَثَةٍ، وكَتَبَ الشُّرَكَاءَ، ثُمَّ رَمَى.
الشرح:
قوله: (كَذَوِي سَهْمٍ، ووَرَثَةٍ) أي: كما يجمع أصحاب السهم الواحد إِذَا قاسموا بقية الورثة، ولَو أسقط قوله: (وورثة) ما ضره ذلك.

متن الخليل:
أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ، وأَعْطَى كُلاًّ لِكُلٍّ، ومُنِعَ اشْتِرَاءُ الْخَارِجِ، ولَزِمَ، ونُظِرَ فِي دَعْوَى جَوْرٍ أَوْ غَلَطٍ، وحَلَفَ الْمُنْكِرُ.
الشرح:
قوله: (أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ، وأَعْطَى كُلاًّ لِكُلٍّ) معطوف عَلَى وصي لا عَلَى كتب الشركاء.

متن الخليل:
فَإِنْ تَفَاحَشَ أَوْ ثَبَتَ نُقِضَتْ.
الشرح:
قوله: (فَإِنْ تَفَاحَشَ أَوْ ثَبَتَ نُقِضَتْ) التفاحش ما ظهر لغير أهل المعَرَفَة، والثبوت شهادة أهل المعَرَفَة بالتغابن، قاله أبو الحسن الصغير.

متن الخليل:
كَالْمُرَاضَاةِ إِنْ أَدْخَلا مُقَوِّماً.
الشرح:
قوله: (كَالْمُرَاضَاةِ إِنْ أَدْخَلا مُقَوِّماً) كذا قَالَ أبو عمران.

متن الخليل:
وأُجْبِرَ لَهَا كُلٌّ، إِنِ انْتَفَعَ كُلٌّ.
الشرح:
قوله: (وَأُجْبِرَ لَهَا كُلٌّ، إِنِ انْتَفَعَ كُلٌّ) لما ذكر فِي "التوضيح" ما فيها من الخلاف قَالَ: وقيد الخلاف بوجهين:
أَحَدهمَا: أن تكون الدار للقنية أو من ميراث، وإِن كانت للتجارة لَمْ تقسم باتفاق؛ لأن فيها نقصاً للثمن، وهو خلاف ما دخلا عَلَيْهِ.
وثانيهما: إِن هذا إنما هو فِي قسمة القرعة، وأما قسمة المراضاة والمهايأة فلا يجبر عَلَيْهِمَا من أباهما، لأنهما راجعان إِلَى البيع والإجارة، ولا يجبر أحد عَلَيْهِمَا. انتهى، والثاني ظاهر، والأول قاله اللخمي وألزم عياض مثله فِي البيع، ويأتي إِن شاء الله تعالى.

متن الخليل:
ولِلْبَيْعِ إِنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مُفْرَدَةً لا كَرَبْعِ غَلَّةٍ أَوِ اشْتَرَى بَعْضاً، وإِنْ وَجَدَ عَيْباً بِالأَكْثَرِ فَلْيَرُدَّهَا.
الشرح:
قوله: (ولِلْبَيْعِ إِنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مُفْرَدَةً لا كَرَبْعِ غَلَّةٍ أَوِ اشْتَرَى بَعْضاً) ظاهره أنّه يجبر عَلَى بيع ما لا ينقسم لنقص حصة شريكه مفردة، ولو التزم قدر أداء النقص لشريكه عَلَى أن يبيع مفرداً، فتأمله مَعَ قول اللخمي فِي كتاب الوصايا الأول: ما نصّه: "وإِن أوصي بنيه الصغار إِلَى عبده، فدعا الكبار إِلَى البيع، فإن رضوا ببيع أنصبائهم خاصّة جَازَ، وبقي العبد عَلَى حاله فِي الوصية، وإِن دعوا إِلَى بيع الجميع؛ لأن فِي بيع أنصبائهم بانفرادها بخسا كَانَ ذلك لهم عَلَى قول مالك، إِلا أن يرى أن أخذ بقيته حسن نظر أو يدفع إِلَى الشركاء قدر ذلك البخس فلا يباع عَلَى الصغار أنصباؤهم." انتهى. ولَمْ يعرج عَلَيْهِ ابن عَرَفَة هنا مَعَ قوة عارضته.
وأما استثناء ربع الغلة فهو قول ابن رشد ونصّه فِي "الأجوبة": ولا يحكم ببيع ما لا ينقسم إِذَا دعى إِلَى ذلك أحد الأشراك إِلا فيما كَانَ فِي التشارك فيه ضرر بيّن كالدار والحائط، وأما مثل الحمام والرحا وشبه ذلك مما هو للغلة فلا.
قَالَ فِي "التنبيهات": كَانَ شيخنا القاضي أبو الوليد يذهب فِي رباع الغلات وما لا يحتاج للسكنى والانفراد إِلَى أن من أراد فِي مثل هذا بيع نصيبه أو مقاواته لَمْ يجبر شريكه. بِخِلاف ما يراد للسكنى والانفراد بالمنافع والسكنى فيه؛ لأن رباع الغلة إنما المراد منها الغلة، وقلما يحطّ ثمن بعضها إِذَا بيع عن بيع جملتها، بل ربما كَانَ الراغب فِي شراء بعضها أكثر من الراغب فِي شراء جميعها بِخِلاف دور السكنى، وما يريد أحد الأشراك الاختصاص بِهِ لمنفعة ما". انتهى.
ولابن رشد نسبه ابن عبد السلام بعد ما قرر أن المذهب الإطلاق.
وأما ابن عَرَفَة فنقل ما فِي التنبيهات ثم قَالَ: المعروف عادة أن شراء الجملة أكثر ثمناً فِي رباع الغلة وغيرها إِلا أن يكون ذلك عندهم بالأندلس، وإِن كَانَ فهو نادر، ويلزم عَلَى مقتضى قوله أن لا شفعة فيها. انتهى.
وجدت بخطّ بلدينا شيخ شيوخنا أبي القاسم ابن حبيب الخريشي المكناسي ناقلاً من كتاب أبي محمد عبد الله التادلي الموضوع عَلَى "المدونة": كَانَ الشيخ أبو الحسن اللخمي يفتي بأن الشريك إِذَا قَالَ: أنا أؤدي النقص الذي يناله شريكي فِي بيع نصيبه مفرداً فذلك له ولا مقال لشريكه؛ لأنّ الغلة قد ارتفعت بإزالة الضرر عنه بالنقص الذي يناله فِي بيع نصيبه". انتهى، ومنه يظهر أنّه لا خصوصية عند اللخمي للعبد الوصي المتقدم الذكر، وإِن كَانَ يحتمل أن يخصّه لئلا يكن عَلَى الإيصاء بالإبطال قال:
وكَانَ الشيخ عبد الحميد الصائغ يفتي أن الجبر عَلَى البيع إنما هو فيما كَانَ لطيف الثمن كالديار والحوانيت ونحوها، وأما الرباع الكثيرة الأثمان كالفنادق والحمامات التي بيع النصيب فيها أفضل وأرغب عند الناس من شراء جميعها، فإنه لا ينبغي أن يختلف فِي إفراد بيع نصيبه منها خاصّة إذ لا ينال شريكه فِي ذلك بخس؛ لأن كثيراً من الناس يرغب فِي شراء النصيب من الحمام والفندق لقلة ثمنه، ولا يرغب فِي شراء جميعه لكثرة ثمنه وتعذره " انتهى ومن تمام كلام عياض وما قاله شيخنا فِي رباع الغلات له وجه من النظر. انتهى.
وأما استثناء من اشترى بعضاً فقال فِي التنبيهات: يجب أن يكون هذا الجبر فيما يورث أو اشتراه الأشراك جملة، وفِي صفقة، وأما لَو اشترى كلّ واحدٍ منهم جزءاً مفرداً أو بعضهم بعد بعض لَمْ يجبر أحد منهم عَلَى إجمال البيع مَعَ صاحبه إِذَا دعا إليه؛ لأنه كما اشترى مفرداً لذلك يبيع مفرداً، ولا حجة له هنا فِي بخس الثمن فِي بيع نصيبه مفرداً؛ لأنه كذلك اشترى فلا يطلب الربح فيما اشترى بإخراج شريكه من ماله. انتهى.
وعنه نقله ابن عَرَفَة فكأنه لَمْ يسبق إليه، إِلا أنّه قَالَ قبله: والمعروف الحكم ببيع ما لا ينقسم بدعوى شريك فيه لَمْ يدخل عَلَى الشركة، وقيّده غير واحدٍ بنقص ثمن حظه مفرداً عن ثمنه فِي بيع كله.
وقال المتيطي فِي كتاب الشفعة: من أوصى بثلثه للمساكين فباع الوصي ثلث أرضه فلا شفعة فيه؛ لأن بيع الوصي له كبيع الميت قاله سحنون، وقَالَ غيره فيه الشفعة للورثة.
قال ابن الهندي: وهو الأَصَحّ لدخول الضرر عَلَى الورثة، وربما آل ذلك لإخراجه من ملكهم إِذَا دعى مشتريه إِلَى مقاسمتهم ولم يحتمل القسم.
ابن عَرَفَة: تعليله نصٌ فِي قبول دعوى البيع ممن دخل عَلَى الشركة. انتهى.
ورأيت بخطّ بعض المحققين، وأظنه شيخ شيوخنا أبا القاسم التازغدري ما نصّه: "طريقة عياض اشتراط اتحاد المدخل فِي دعوى الشريك إِلَى البيع، وطريقة اللخمي خلاف هذا، وأنّه لا يشترط؛ لأنه جعل الأصل فيما جعلت له الشفعة ما لا ينقسم خوف أن يدعو المشتري للبيع، والمشتري إنما دخل وحده، وقد جعله يدعوا إِلَى البيع، وتكرر هذا من كلامه فِي باب: تشافع الورثة والشركاء من كتاب الشفعة". انتهى.
على أن ابن عبد السلام عزا قول عياض للخمي فتأمله.
تنبيه:
قد تقدم للخمي أن الاختلاف فِي القسمة الجبرية إنما هو إِذَا كانت الدار ميراثاً أو للقنية، فإن كانت للتجارة لَمْ تقسم قولاً واحداً؛ لأن فيه نقصاً للثمن، وهو خلاف ما دخلا عَلَيْهِ.
قال عياض: فعلى قول اللخمي ما اشترى للتجارة لا يجبر عَلَى قسمه من أباه يجب ألا يجبر من أبي بيعه عَلَيْهِ؛ لأنه عَلَى الشركة دخل فيه حتى يباع جملة فقال ابن عَرَفَة: دخوله عَلَى بيعه جملة مؤكد لقبول دعواه بيعه جملة، فكيف يصحّ قوله: لا يجبر عَلَى البيع من أباه، وإنما يصحّ اعتبار ما دخلا عليه من شرائه للتجرة إذا اختلفا فِي تعجيل بيعه وتأخيره، والصواب فِي ذلك اعتبار معناه وقت بيع السلعة حسبما ذكره فِي القراض من "المدونة". انتهى.
ومن تمام كلام عياض وما قاله اللخمي فيما اشترى للتجارة صحيح.
فرعان:
الأول: قَالَ المتيطي فِي البيوع: إِن كانت دار مشتركة بين جماعة، فسكنها بعضهم، وبعضهم خارج عنها، فأراد الخارجون تسويقها وبيعها، وطلبوا إخلاءها لذلك، ودعى ساكنوها إِلَى غرم كرائها عَلَى الإباحة للتسويق، وأبى الخارجون؟ فأفتى ابن عتاب وحكى فتوى شيوخه بإخلائها لذلك إِلا أن يوجد من يكتريها من غير الشركاء بشرط التسويق، وشرط أمن ميله لبعض الشركاء وليس من ناحية بعضهم.
وقَالَ أبو عمر بن القطان: بقاء الدور دون كراء ضرر فِي التي يكرى مثلها، والصواب إِن ثبت أن تسويقها للبيع خالية أفضل منه مسكونة وأوفر لثمنها أخليت، وإِلا قيل لهم: تقاووها ليسكنها بعضكم، فإن أبيتم أخليت وأشهرت للكراء بشرط التسويق، وإِذَا وقفت عَلَى ثمن فلمن أراد سكناها منهم أخذها بذلك إِلا أن يزيد عَلَيْهِ بعض من شركه.
ابن عبد السلام: وأخبرني بعض قضاة بلدنا أنّه لا يحكم بالإخلاء فِي الحوانيت وشبهها، ويحكم بِهِ فِي الدور ونحوها.
ابن عَرَفَة: وحكاية بعضهم قصر الإخلاء عَلَى الدور هو مفهوم كلام الأندلسيين.
الفرع الثاني: قَالَ ابن عبد السلام: المذهب فِي هذا أن المبيع إِذَا وقف عَلَى ثمن بعد أن سوِّق جميعه، فمن أراد من الشريكين أخذه بذلك الثمن أخذه بِهِ، سواءً كَانَ طالب البيع أو طالب التمسك.
وقال الداودي: وعَلَيْهِ حمل مسألة "المدونة" أنّه لا يكون أحقّ بالمبيع منهما إِلا طالب التمسك وحده، ونفى أن يكون أحد قَالَ غير هذا. انتهى.
والذي فِي "المدونة": وإِذَا دعي أحد الشريكين إِلَى قسمة ثوب بينهما لَمْ يقسم، وقيل لهما: تقاوياه فيما بينكما أو بيعاه، فإذا استقر عَلَى ثمن فلمن أبى البيع أخذه، وإِلا بيع.
قال أبو الحسن الصغير: معنى تقاوياه: تزايدا فيه، يريد برضاهما ومعنى "بيعاه": عرِّضاه للمساومة، وفيها أَيْضاً: وإِذَا دعي أحد الأشراك إِلَى قسم ما ينقسم من ربع أو حيوان أو عرض، وشركتهم بمورث أو غيره أجبر عَلَى القسم من أباه، فإن لَمْ ينقسم ذلك فمن دعا إِلَى البيع أجبر عَلَيْهِ من أباه. ثم للآبي أخذ الجميع بما يعطي فيه.
قَالَ ابن عَرَفَة: فأخذوا منها أن ليس لطالب البيع أخذه إِلا بزيادة عَلَى ما وقف عَلَيْهِ من الثمن ومثله قول الباجي: إِن أرادوا المقاواة جَازَ ولا يجبر عَلَيْهَا من أبى، ومن دعي إِلَى البيع أجبر عَلَيْهِ من أبى، وقيل له خذ حظه بما أعطى وإِلا بع معه، ويحتمل أن يكون الشركاء فِي الأخذ بما بلغه المبيع من الثمن سواءً؛ لأن قوله فِي "المدونة": لمن أبى البيع الأخذ بذلك، أعم من كونه أباه أولاً أو أباه حين بلوغه الثمن المذكور، وهو ظاهر قول أبي عمر فِي " كافيه " ما نصّه:
وما كَانَ مثل الدابّة والعبد والسفينة وما لا يمكن قسمه بين الشركاء أجبروا عَلَى التقاوي أو البيع، وصاحبه أولى بِهِ بأقصى ما يبلغ فِي النداء إِن أراده. وذكر عياض ما حاصله: من قصد بدعواه للبيع إخراج شريكه والانفراد بالمبيع عنه فليس له أخذه بما وقف عَلَيْهِ من الثمن، وإِن لَمْ يقصد ذلك فله أخذه بذلك، قَالَ فِي أول كلامه: أنّه ظاهر مسائلهم. وفِي آخره قاله ابن القاسم، وبِهِ أفتى الشيوخ وعمل القضاة، وفِي لفظه إجمال حاصله عندي ما ذكرته، ففي كون الشريك أحقّ بما بلغ المشترك المبيع مُطْلَقاً وإِن لَمْ يكن الطالب بيعه.
ثالثها: إِن لَمْ يكن قصد إخراج شريكه لأخذ غير واحد منها ولأبي عمر ونقل عياض. انتهى.
وكأنه عكس عزو الأولين، وما ذكره عن أبي عمر هو نصّه فِي باب جامع القسمة، وقَالَ قبله: وإِن أراد أحدهم البيع وأبى الآخر أجبر الذي أبى البيع عَلَى البيع وقيل له: إما بعت وإما أخذت أنصباء شركائك بما تبلغ من الثمن، فإن امتنع من هذا وذا أجبر عَلَى البيع حتى يحصل الثمن فيتقاسمانه، ولما ذكر المتيطي آخر القسمة نصّ "المدونة" المتقدم اختصره بلفظ: وإِن كَانَ مما لا ينقسم بيع عليهم إِلا أن يريد من كره البيع أن يأخذ ذلك بما يعطي فيه، فيكون ذلك له.
ثم قَالَ: قَالَ: الباجي فِي " وثائقه": ويكون أحقّ بِهِ.
قال ابن عبدوس عن سحنون: فإن اختلفوا فِي أخذه بعد بلوغه فِي النداء ثمناً ما فقال بعضهم: أنا آخذ وقال الآخر: أنا آخذ فإنهما يتزايدان.
قال غيره فِي "المجموعة " فإن قَالَ بعضهم: نتزايد عَلَيْهِ وقَالَ بعضهم: يقوِّمه بيننا أهل المعَرَفَة والعدل فمن كَانَ دعى إِلَى المزايدة فذلك له.
قال بعض الفقهاء: إِذَا طلب أحدهم المزايدة والآخر البيع نودي عَلَى السلعة، فإذا بلغت ثمناً كَانَ لصاحب المزايدة أخذها بذلك، إِلا أن يزيد عَلَيْهِ الآخر فيتزايدوا فيها حتى يسلّمها أحدهم لصاحبه بالزيادة فتلزمه. انتهى.
وما ذكره عن بعض الفقهاء نقله ابن يونس عن بعض شيوخه آخر باب قسمة الطريق، ولعلّك لا تجد هذه النقول مجموعة فِي غير هذا التعليق. وبالله تعالى التوفيق.

متن الخليل:
فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ بِكَهَدْمٍ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهُ، ومَا رَدَّ بَيْنَهُمَا، ومَا بِيَدِهِ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ ومَا سَلِمَ بَيْنَهُمَا، وإِلا رَجَعَ بِنِصْفِ الْمَعِيبِ مِمَّا فِي يَدِهِ ثَمَناً، والْمَعِيبُ بَيْنَهُمَا.
الشرح:
قوله: (فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ بِكَهَدْمٍ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهُ، ومَا رَدَّ بَيْنَهُمَا) وفِي بعض النسخ: والمعيب بينهما، وكلاهما صحيح، وأما النسخ التي فيها: وما سلم بينهما كاللفظ الذي بعده فتصحّ باعتباره.

متن الخليل:
وإِنِ اسْتُحِقَّ نِصْفٌ أِوْ ثُلُثٌ خُيِّرَ لا رُبُعٌ، وفُسِخَتْ فِي الأَكْثَرِ.
الشرح:
قوله: (وإِنِ اسْتُحِقَّ نِصْفٌ أِوْ ثُلُثٌ خُيِّرَ لا رُبُعٌ، وفُسِخَتْ فِي الأَكْثَرِ) ابن يونس: بلغني عن بعض فقهائنا القرويين أنّه قَالَ: الذي يتحصّل عندي فِي وجود العيب أو الاستحقاق يطرأ بعد القسم أن ينظر، فإن كَانَ ذلك كالربع فأقل رجع بحصته ثمنا، وإِن كَانَ نحو النصف والثلث يكون بحصة ذلك شريكا فيما بيد صاحبه ولا ينتقض القسم، وإِن كَانَ فوق النصف انتقض القسم وابتدأه، واستحسن ابن يونس هذا التحصيل وقَالَ: ليس فِي الباب ما يخالفه إِلا مسألة واحدة ذكرها.
ولما ذكر عياض اختلاف أجوبة "المدونة" فِي هذه المسألة قَالَ: فبحسب ذلك اختلف فيها المتأولون وحار فيها المتأملون وكثر فيها كلام المدققين، وتعارضت فيها مذاهب المحققين، فذهب المشايخ القرويون إِلَى أن ذلك كلّه تفريق بين البيع والقسمة، فمذهبه المعلوم فِي البيع: أن الثلث فزائداً كثير يرد منه، وأن القسمة عَلَى ثلاث درجات تستوي فيها مَعَ البيع فِي اليسير الذي لا يردان منه، وذلك الربع فما دونه، وفِي الجلّ الذي يردّ منه البيع ويفسخ القسم ويفترقان فِي النصف والثلث ونحوهما فلا يفسخ عندهم فِي استحقاق النصف أو الثلث، ويكون بذلك شريكاً فيما بيد صاحبه، ثم ذكر ما ينقضه، وهذا نحو نقل ابن يونس.
فإن قلت: لَو أن المصنف درج عَلَى هذا ما خصّه بالاستحقاق دون العيب، ولا ذكر التخيير فِي النصف والثلث بل كَانَ يقطع بأنه يكون بحصة ذلك شريكاً فيما بيد صاحبه؟
قلت: لعلّه لَمْ يرد خصوصية الاستحقاق دون العيب، وإنما أراد ضابط الأقلّ والأكثر والمتوسط فيهما معاً بالنسبة لهذا الباب، ولعلّه فهم أن قول مشايخ القرويين: إِن كَانَ نحو النصف والثلث يكون بحصة ذلك شريكاً. معناه إِن شاء، وفيه نظر. والله تعالى أعلم.

متن الخليل:
كَطُرُوِّ غَرِيمٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى وَرَثَةٍ، أَوْ عَلَى وَارِثٍ، ومُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ، والْمَقْسُومُ كَدَارٍ، وإِنْ كَانَ عَيْناً، أَوْ مِثْلِيَّاً، رَجَعَ عَلَى كُلٍّ، ومَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا، وإِنْ دَفَعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ مَضَتْ كَبَيْعِهِمْ بِلا غَبْنٍ، واسْتَوْفَى مِمَّا وَجَدَ ثُمَّ تَرَاجَعُوا، ومَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا، وإِنْ طَرَأَ غَرِيمٌ، أَوْ وَارِثٌ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى وَارِثٍ اتَّبَعَ كُلاًّ بِحِصَّتِهِ.
الشرح:
قوله: (كَطُرُوِّ غَرِيمٍ... إِلَى قوله: اتبع كلّ بحصته) اشتمل عَلَى ثمانية أنواع من الأحد عشر نوعاً التي فِي "المقدمات"، وكأنه أسقط الثلاثة لرجوعها للثمانية كما أشار إليه فِي "المقدمات" ورتبها عَلَى ترتيب ابن الحَاجِب لأصولها، وكلام ابن عبد السلام كافٍ فِي أصولها فراجعه.

متن الخليل:
وأُخِّرَتْ، لا دَيْنٌ لِحَمْلٍ، وفِي الْوَصِيَّةِ قَوْلانِ، وقَسَمَ عَلَى صَغِيرٍ أِبٌ، أَوْ وَصِيٌّ ومُلْتَقِطٌ كَقَاضٍ عَنْ غَائِبٍ، لا ذِي شُرْطَةٍ أَوْ كَنَفَ أَخاً، أَوْ أَبٍ عَنْ كَبِيرٍ، وإِنْ غَابَ، وفِيهَا قَسْمُ نَخْلَةٍ، وزَيْتُونَةٍ إِنِ اعْتَدَلَتَا، وهَلْ هِيَ قُرْعَةٌ و جَازَتْ لِلْقِلَّةِ، أَوْ مُرَاضَاةٌ؟ تَأْوِيلانِ.
الشرح:
قوله: (وَأُخِّرَتْ، لا دَيْنٌ لِحَمْلٍ، وفِي الْوَصِيَّةِ قَوْلانِ) (لا دَيْنٌ) معطوف عَلَى الضمير فِي أخرت، وأشار بهذا الكلام لقول ابن رشد فِي المسألة الثالثة من سماع أشهب من كتاب القسمة، فقف علي هذه الثلاث مسائل، الدين يؤدى باتفاق ولا ينتظر وضع الحمل و التركة لا يقسمها الورثة باتفاق حتى يوضع الحمل والوصايا يختلف: هل يعجل انفاذها قبل وضع الحمل؟ أو لا يعجل حتى يوضع الحمل بعد إِن قَالَ: لا أعرف فِي الدين خلافاً إِلا ما ذكر فيه عن بعض الشيوخ من الغلط الذي لا يعدّ من الخلاف.
قال: وقد قَالَ الباجي: شهدت ابن أيمن فِي حكم ميّت مات وترك امرأته حاملا أنّه لا يقسم ميراثه ولا يؤدى دينه حتى يوضع الحمل فأنكرت عَلَيْهِ فقال: هذا مذهبنا.
ولَمْ يأت ابن أيمن بحجّة، والصحيح: أن يؤدى دينه ولا ينتظر وضع الحمل، ولا يدخل فِي هذا اختلاف قول مالك فِي تنفيذ الوصية قبل وضع الحمل؛ لأن العلّة فِي تأخير تنفيذ الوصية إِلَى أن يوضع الحمل عَلَى قول من رأى ذلك: هي أن بقية التركة قد تتلف فِي حال التوقيف قبل وضع الحمل، فيجب للورثة الرجوع عَلَى الموصى لهم بثلثي ما قبضوا، ولعلّهم معدمون أو غير معينين فلا يجدون عَلَى من يرجعون.
وأما تأخير الدين حتى يوضع الحمل فلا علّة توجبه، بل يجب ترك التوقيف وتعجيل أداء الدين مخافة أن يهلك المال فيبطل حقّ صاحب الدين من غير وجه منفعة فِي ذلك للورثة، وإذا وجب أن يقضي دين الغائب مما يوجد له من المال مَعَ بقاء ذمته إِن تلف المال الموجود له كَانَ أحرى أن يؤدى الدين عن الميّت من تركته لوجهين:
أَحَدهمَا: أن الميّت قد انقضت ذمته.
والثاني: أنّ الحمل لا يجب له فِي التركة حقٌّ حتى يولد حياً ويستهلّ صارخاً، ولَو مات قبل ذلك لَمْ يورث عنه نصيب، والغائب حقّه واجب فِي المال الموجود، ولَو مات ورثه عنه ورثته، فإذا لَمْ ينتظر الغائب مَعَ وجود المال الذي يؤدى منه الدين الآن له كَانَ أحرى أن لا ينتظر الحمل إذ لَمْ يجب له بعد فِي التركة حقّ. ومن قول ابن القاسم فِي "المدونة" وغيرها: أن من أثبت حقا عَلَى صغير قضي له عَلَيْهِ، ولم يُجعل للصغير وكيل يخاصم عنه فِي ذلك، فإذا قضى عَلَى الصغير بعد وضعه من غير أن يقام له وكيل فلا معنى لانتظار وضع الحمل بتأدية دين الميّت.
وهذا كلّه بيّن لا ارتياب فيه ولا إشكال، وقد نقله ابن عَرَفَة إِلَى قوله: من غير وجه منفعة فِي ذلك للورثة، ثم تعقّبه فقال فِي تغليطه ابن أيمن: وقوله: لا حجة له نظر، بل هو الأَظْهَر، وبِهِ العمل عندنا، ودليله من وجهين:
الأول: أن الدين لا يجوز قضاؤه إِلا بحكم قاضٍ، وحكمه متوقف عَلَى ثبوت موت المديان وعدد ورثته، ولا يتقرر عدد ورثته إِلا بوضع الحمل، فالحكم متوقف عَلَيْهِ، وقضاء الدين متوقف عَلَى الحكم، والمتوقف عَلَى متوقف عَلَى أمر متوقف عَلَى ذلك الأمر.
الثاني: أن حكم الحاكم بالدين متوقف عَلَى الإعذار لكلّ الورثة، والحمل من جملتهم، ولا يتقرر الإعذار فِي حقّه إِلا بوصيٍ عَلَيْهِ أو مقدم، وكلاهما يستحيل قبل وضعه. فتأمله.
ومن تمام كلام ابن رشد: "فإذا توفي الرجل وله زوجة وجب أن لا يعجل قسم الميراث حتى تسأل المرأة هل بها حمل أم لا؟، فإن قالت: أنا حامل وقفت التركة حتى تضع أو يظهر أنها ليس بها حمل بانقضاء أمد عدة الوفاة وليس بها حمل ظاهر، وإِن قالت: لست بحاملٍ قبل قولها وقسمت التركة، وإِن قالت لا أدري أخر قسم التركة حتى يتبين أنها ليس بها حمل؛ بأن تحيض حيضة، أو يمضي أمد العدة وليس بها ريبة من حمل.
قال ابن عَرَفَة: ظاهره أنّه لا يشترط فِي عدة الوفاة فِي ذات الحيض حيضتها فِي العدة، وقد تقدم ما فيه من الخلاف.
وفِي بعض التعاليق: أن القاضي ابن زرب بعث إليه القاضي ابن السليم بعَصَبَةِ ميّت وزوجةٍ له، ادعت أنها حامل، وأكذبها العصبة.
قال ابن زرب: فقلت لها: اتقي الله، ولا تدّعي الحمل، وليس بك حمل، وربما كانت علة فِي الجوف تسميها الأطباء الرحا، تظن المرأة أنها حامل ولا حمل بها، فقالت: أنا حامل، وما أرسلنا إليك ابن السليم إِلا عَلَى أنّك فقيه لا عَلَى أنك طبيب، فتبسمت ضاحكاً، وعجبت من حدتها، وتمادت عَلَى ادعاء الحمل إِلَى أن توفي القاضي ابن السليم، ووليت القضاء بعده، وتحاكموا عندي، فأمرت أن ينظرها القوابل، فنظرنها فقلن: لا حمل، فقضيت بقسم الميراث. قيل له: أو يجوز أن يُنظر إِلَى حرّةٍ؟ قَالَ: نعم؛ إِذَا بان اللدد، وهذه آخر مسألة فِي ديوان ابن عَرَفَة.
واسم هذه العلة الرحا مشارك لاسم رحاء الطحن فِي اللفظ، كذا هو فِي " ذخيرة " ثابت ابن قرة الحرَّاني وغيرها من تصانيف الطب.
وقال أبو الوليد طفيل ابن عاصم فِي رجزه:
يَعْرُضُ للنساء هذا الداء ** يدعى الرحا، وأصله الحساء

[من ورم صلب يرى فِي الرحم]
وبالله تعالَى التوفيق.