فصل: باب المزارعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شفاء الغليل في حل مقفل خليل



.باب الشركة:

الشَّرِكَةُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا.
الشرح:
قوله: (الشَّرِكَةُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا) بهذا عرّفها ابن الحاجب قال ابن عرفة: وقد قبلوه ويبطل طرده بقول من ملك شيئاً لغيره: أذنت لك فِي التصرف فِيهِ معي، وقول الآخر له مثل ذلك، وليس بشركة؛ لأنه لو هلك ملك أحدهما لَمْ يضمنه الآخر، وهو لازم الشركة ونفي اللازم ينفي الملزوم ويبطل عكسه بخروج شركة الجبر كالورثة وشركة المبتايعين شيئاً بينهم، وقد ذكرهما إذ لا إذن فِي التصرف لهما؛ ولذا اختلف فِي كون تصرف أحدهما كغاصب أم لا.
ثم استدل بما فِي سماع ابن القاسم فِي ضرب أحد السيّدين العبد بغير إذن شريكه ونظائر ذلك، ثُمَّ قال: وحكمها الجواز كجزئيهما البيع والوكالة، وعروض وجوبها بعيد بِخِلاف عروض موجب حرمتها وكراهتها.

متن الخليل:
وإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ والتَّوَكُّلِ.
الشرح:
قوله: (وإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ والتَّوَكُّلِ) أصل هذا " للوجيز" وتبعه ابن شاس وابن الحاجب وقبله شراحه، فزاد ابن عرفة: أهلية البيع؛ لأن كلّ واحدٍ منهما بائع من صاحبه نصف ماله، ولا تستلزمها أهليّة الوكالة؛ لجواز توكيل الأعمى اتفاقاً وتوكله مع الخلاف في صحة كونه بائعاً انتهى.
فليتأمل.

متن الخليل:
ولَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفاً كَاشْتَرَكْنَا بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ إِنِ اتَّفَقَ صَرْفُهُمَا، وبِهِمَا مِنْهُمَا، وبِعَيْنٍ وبِعَرْضٍ، وبِعَرْضَيْنِ مُطْلَقاً.
الشرح:
قوله: (ولَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفاً) يأتي الكلام إن شاء الله تعالى عَلَى لزومها عند قوله: (وله التبرع والسلف والهبة بعد العقد).

متن الخليل:
وكُلٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أُحْضِرَ، لا فَاتَ، إِنْ صَحَّتْ، إِنْ خَلَطَا ولَوْ حُكْماً وإِلا فَالتَّالِفُ مِنْ رَبِّهِ، ومَا ابْتِيعَ بِغَيْرِهِ فَبَيْنَهُمَا.
الشرح:
قوله: (وكُلٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أُحْضِرَ، لا فَاتَ، إِنْ صَحَّتْ) توهم هذه العبارة أن المعتبر فِي الفاسدة القيمة يوم الفوت، وعبارة ابن الحاجب أبين منها إذ قال: فلو وقعت فاسدة فرأس ماله ما بيع به عرضه.
وقال الصقليان عبد الحقّ وابن يونس: فإن لَمْ يعرفا ما بيعت به سلعتاهما فلكلّ واحدٍ قيمة عرضه يوم البيع، وحمله عَلَى هذا بعيد.

متن الخليل:
وعَلَى الْمُتْلِفِ نِصْفُ الثَّمَنِ، وهَلْ إِلا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وعَلَيْهِ؟ أَوْ مُطْلَقاً إِلا أَنْ يَدَّعِيَ الأَخْذَ لَهُ؟ تَرَدُّدٌ.وَلَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا إِنْ لَمْ يَبِعْدُ ولَمْ يُتَّجَرْ لِحُضُورِهِ لا بِذَهَبٍ وبِوَرِقٍ، وبِطَعَامَيْنِ، ولَوِ اتَّفَقَا، ثُمَّ إِنْ أَطْلَقَا التَّصَرُّفَ وإِنْ بِنَوْعٍ، فَمُفَاوَضَةٌ.
ولا يُفْسِدُهَا انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ، ولَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ إِنِ اسْتَأْلَفَ بِهِ أَوْ خَفَّ، كَإِعَارَةِ آلَةٍ، ودَفْعِ كِسْرَةٍ، ويُبْضِعَ، ويُقَارِضَ ويُودِعَ لِعُذْرٍ، وإِلا ضَمِنَ، ويُشَارِكَ فِي مُعَيَّنٍ، ويُقِيلَ، ويُوَلِّيَ، ويَقْبَلَ الْمَعِيبَ وإِنْ أَبَى الآخَرُ، ويُقِرُّ بِدَيْنٍ لِمَنْ لا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ، ويَبِيعَ بِالدَّيْنِ، لا الشِّرَاءُ بِهِ، كَكِتَابَةٍ. وعِتْقٍ عَلَى مَالٍ، وإِذْنٌ لِعَبْدٍ فِي تِجَارَةٍ ومُفَاوَضَةٍ.وَاسْتَبَدَّ آخِذُ قِرَاضٍ، ومُسْتَعِيرُ دَابَّةٍ بِلا إِذْنٍ، وإِنْ لِلشَّرِكَةِ، ومُتَّجِرٌ بِوَدِيعَةٍ بِالرِّبْحِ والْخُسْرِ، إِلا أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِتَعَدِّيهِ فِي الْوَدِيعَةِ.
الشرح:
قوله: (وعَلَى الْمُتْلِفِ نِصْفُ الثَّمَنِ) كأنه أطلق المتلف عَلَى الذي تلف ماله سواءً كَانَ بسببه أو بغير سببه.

متن الخليل:
وكُلٌّ وَكِيلٌ، فَيُرَدُّ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ، كَالْغَائِبِ إِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ، وإِلا انْتُظِرَ، والرِّبْحُ والْخُسْرُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ، وتَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ.
الشرح:
قوله: (وكُلٌّ وَكِيلٌ، فَيُرَدُّ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ كَالْغَائِبِ إِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ، وإِلا انْتُظِرَ) أصل ما أشار إليه قوله فِي أواخر كتاب: الشركة من "المدونة": ومن ابتاع عبداً من أحدهما فظهر عَلَى عيبٍ فله ردّه بالعيب عَلَى بائعه إن كَانَ حاضراً، وإن كَانَ غائباً غيبةً قريبةً كاليوم ونحوه فلينتظر لعلّ له حجة، وإن كانت غيبته بعيدة، فأقام المشتري بينة أنّه ابتاع بيع الإسلام وعهدته؛ نظر فِي العيب، فإن كَانَ قديماً لا يحدث مثله ردّ العبد عَلَى الشريك الآخر، وإن كَانَ يحدث مثله فعلى المبتاع البينة أن العيب كَانَ عند البائع، وإِلا حلف الشريك بالله ما أعلم أن هذا العيب كَانَ عندنا وبرئ، وإن نكل حلف المبتاع عَلَى البت أنّه ما حدث عنده ثُمَّ رده عَلَيْهِ.
فمعنى كلامه فبسبب أنّ كلّ واحدٍ وكيل للآخر يردّ واحد العيب عَلَى حاضر لَمْ يتول البيع لتعذر وجود الغائب الذي تولاّه حالة كون هذا الردّ كالردّ عَلَى كلّ غائب فِي افتقار المشتري الرادّ إلى إثبات أنّه ابتاع بيع الإسلام، وعهدته، ثُمَّ نبّه عَلَى أنّ الرد عَلَى الحاضر الذي لَمْ يتول إنما هو إن بعدت غيبة شريكه الغائب، وإلا انتظر، فالشرط راجع للمشبه لا للمشبه به، وبهذا التشبيه يكون كلامه مطابقاً لما فِي "المدونة" متضمناً لنصوص نصها، فلله درّه ما ألطف إشارته.
فإن قلت: وأين تقدم له الغائب الذي أحال عَلَيْهِ؟
قلت: فِي قوله فِي خيار النقيضة: (ثُمَّ قضى إن أثبت عهدة مؤرخة وصحة الشراء).
فإن قلت: عود الضمير فِي قوله: (غيبته) عَلَى الغائب المشبه به يغير فِي وجه هذه التمشية؟
قلت: إن سلمنا عوده عَلَيْهِ ولم نرده للغائب من الشريكين المفهوم من السياق فقصاراه أنّه من باب: عندي درهم ونصفه، وقد قيل بنحو هذا فِي قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} [العنكبوت:62] وفِي قوله سبحانه: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فاطر:11]. والله تعالى أعلم.

متن الخليل:
ولِكُلٍّ أَجْرُ عَمَلِهِ لِلآخَرِ.
الشرح:
قوله: (ولِكُلٍّ أَجْرُ عَمَلِهِ لِلآخَرِ) كأنه أطلق أجر العمل عَلَى حقيقته ومجازه، فحقيقته الأجرة التابعة للعمل، ومجازه الربح التابع للمال، وسهل له هذا قرينة قوله: (ولكل)؛ لدلالته عَلَى الجانبين.

متن الخليل:
ولَهُ التَّبَرُّعُ، والسَّلَفُ، والْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ، والْقَوْلُ لِمُدَّعِي التَّلَفِ والْخُسْرِ، ولآخِذٍ لائِقٍ لَهُ.
الشرح:
قوله: (ولَهُ التَّبَرُّعُ، والسَّلَفُ، والْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ) مثله لابن الحاجب، وفسّره ابن عبد السلام بأن اختلاف نسبة الربح والعمل مع رأس المال إنما يفسد الشركة إن كَانَ شرطاً فِي عقدها، ولو تبرع به أحدهما بعده جَازَ.
قال: وهو بيّن فِي شركة الأموال؛ لأن المذهب لزومها بالعقد دون الشروع، واختلف فِي شركة الحرث: هل هي كشركة الأموال؟ وهو قول سحنون، أو لا تلزم إِلا بالعمل وهو قول ابن القاسم، ففي هذه يصعب التبرع بعد العقد وقبل الشروع، وإن كَانَ ظاهر نصوصهم أن ذلك لا يقدح فِي صحتها.
قال ابن عرفة: قول ابن عبد السلام: إن المذهب لزوم الشركة بالعقد دون الشروع وهو مقتضى قول ابن الحاجب: يجوز التبرع بعد العقد. خلاف قول ابن رشد فِي سماع ابن القاسم أنها من العقود الجائزة، وهو مقتضى مفهوم السماع أنّه إن شرط ذلك بعد العقد لا يجوز، ونحوه قوله فِي "المقدمات": هي من العقود الجائزة لكلّ منهما أن ينفصل عن شريكه متى شاء. ولهذه العلّة لَمْ تجز إِلا عَلَى التكافؤ والاعتدال؛ لأنه إن فضل أحدهما صاحبه فِيمَا يخرجه فإنما سمح بذلك رجاء بقائه معه عَلَى الشركة فصار غرراً.
وجاز فِي المزارعة كون قيمة ما يخرجه أحدهما أكثر مما يخرجه الآخر عَلَى قول سحنون؛ لأن المزارعة تلزم بالعقد، وقاله ابن الماجشون وابن كنانة وابن القاسم فِي كتاب ابن سحنون، ولا يجوز ذلك فِيهَا عَلَى قول من يرى أنها لا تلزم بالعقد، وهو معنى قول ابن القاسم فِي "المدونة" ونص سماع أصبغ. انتهى.
وذكر فِي "التوضيح" أول الباب ما فِي "المقدمات"وَقال نحوه للخمي، ونسب لابن يونس وعياض و"مفيد الحكام " أنها تلزم بالعقد، وتأوله باعتبار الضمان أي: إِذَا هلك شيء بعد العقد يكون ضمانه منهما وإن لَمْ يخلطا قال: فإن قيل يلزم منه مخالفة قوله فِي "المدونة": وإن بقيت كلّ صرة بيد صاحبها حَتَّى ابتاع بها أمة عَلَى الشركة فالأمة بينهما والصرة من ربها.
فالجواب: قد قيّد اللخمي ذلك بما إِذَا كانت الصرة فِيهَا حق توفِيهِ من وزن أو انتقاد، وقال: "أما لو وزنت وانتقدت وبقيت عند صاحبها عَلَى وجه الشركة فضاعت لكانت مصيبتها منهما؛ لأن الخلط عنده ليس بشرطٍ في الصحة"، هذا نصّ اللخمي، وهو يدل لما قلناه، وأَيْضاً فلجعله الأمة بينهما. انتهى ما فِي "التوضيح" فليتأمل.

متن الخليل:
ولِمُدَّعِي النِّصْفِ.
الشرح:
قوله: (وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ) لعلّه أشار بها لقول ابن يونس: وإذا أشرك من ماله ممن يلزمه أن يشركه ثُمَّ اختلفا فقال: أشركتك بالربع، وقال: الآخر بالنصف، وقالا: نطقنا به، أو قالا: أضمرناه بغير نطق، فالقول قول من ادعى منهما النصف وإن لَمْ يدعه أحدهما رد إليه؛ لأنه أصل شركتهما فِي القضاء، وإن كانوا ثلاثة فعلى عددهم ما كانوا، ثُمَّ قال: وأما إن أشرك رجلاً فِي سلعة اشتراها ممن لا يلزمه أن يشركه، ثُمَّ اختلفا هكذا فإن كَانَ ذلك فِيمَا نويا ولم ينطقا به كانت بينهما نصفين أَيْضاً، وإن كانوا أكثر فعلى عددهم.
وقال قبل ذلك: ولو أقرّ أن فلاناً الغائب شريكه، ثُمَّ زعم بعد ذلك أنّه شريكه عَلَى الربع، وإنما هو شريكه فِي مائة دينار فإنه شريكه عَلَى النصف". انتهى ما قصدنا نقله من كلام ابن يونس مما يمكن أن يكون المصنف قصد الإشارة إليه، فإن قلت: فهو عَلَى هذا تكرار مع قوله آخر فصل الخيار: (وإِنْ أَشْرَكَهُ حُمِلَ إنْ أُطْلِقَ عَلَى النِّصْفِ).
قلت: تكراره مع ما طال وتنوسي أهون من تكراره مع ما يليه.

متن الخليل:
وحُمِلَ عَلَيْهِ فِي تَنَازُعِهِمَا، والاشْتِرَاكِ فِيمَا بِأَيْدِيهِمَا. إِلا لِبَيِّنَةٍ عَلَى كَإِرْثِهِ، وإِنْ قَالَتْ لا نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ لَهَا إِنْ شُهِدَ بِالْمُفَاوَضَةِ، ولَوْ لَمْ يُشْهَدْ بِالإِقْرَارِ بِهَا عَلَى الأَصَحِّ.
الشرح:
قوله: (وحُمِلَ عَلَيْهِ فِي تَنَازُعِهِمَا) تبع فِي هذا ابن الحاجب إذ قال: وإِذَا تنازعا فِي قدر المالين حمل عَلَى النصف. وهذا قول أشهب فِي "الموازية" لكن بشرط أن يحلفا معاً، وقال ابن القاسم فِي "الموازية" أَيْضاً: إِذَا قال أحدهما لك الثلث ولي الثلثان وقال الآخر المال بيننا نصفين وليس المال بيد أحدهما: فلمدعي الثلثين النصف، ولمدعي النصف الثلث، ويقسم السدس بينهما نصفين.
قال ابن عرفة: فما قاله ابن الحاجب خلاف قول أشهب؛ لإسقاطه اليمين، وخلاف قول ابن القاسم، ونقل خلاف نصوص المذهب عن المذهب لا يجوز. انتهى.
قال ابن عبد السلام قول أشهب: بعد أيمانهما. ظاهره أنّه يحلف كلّ واحد منهما وحلف من ادعى أن الثلثين له ثُمَّ يأخذ النصف لا تحتمله الأصول، وتبعه فِي "التوضيح"، وانفصل عنه ابن عرفة بما حصله: أن أشهب لَمْ يبن عَلَى رعي دعواهما، وإِلا لزم أن يقول كما قال ابن القاسم؛ وإنما بنى عَلَى رعي تساويهما فِي الحوز والقضاء فالحوز يستقل الحكم به دون يمين الحائز، فوجبت بيمين كلّ منهما؛ لأن الحكم له إنما هو لحوزه؛ ولهذا قال ابن يونس ما نصّه: "وحجّة أشهب أنهم تساووا فِي الحيازة واليمين، وإنما تفاضلوا فِي الدعوى، وذلك لا يوجب زيادة فِي الحيازة.

متن الخليل:
ولِمُقِيمِ بَيِّنَةٍ بِأَخْذِ مِائَةٍ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ، إِنْ أَشْهَدَ بِهَا عِنْدَ الأَخْذِ، أَوْ قَصُرَتِ الْمُدَّةِ.
الشرح:
قوله: (ولِمُقِيمِ بَيِّنَةٍ بِأَخْذِ مِائَةٍ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ، إِنْ أَشْهَدَ بِهَا عِنْدَ الأَخْذِ، أَوْ قَصُرَتِ الْمُدَّةِ) أشهد هنا رباعي أي: أشهد بها البينة قاصداً للتوثق كمسألة المودع، وقد تنازل لهذا فِي "توضيحه" تابعاً لابن عبد السلام.

متن الخليل:
كَدَفْعِ صَدَاقٍ عَنْهُ فِي أنّه مِنَ الْمُفَاوَضَةِ إِلا أَنْ يَطُولَ كَسَنَةٍ، إِلا بِبَيِّنَةٍ بِكَإِرْثٍ، وإِنْ قَالَتْ: لا نَعْلَمُ، وإِنْ أَقَرَّ وَاحِدٌ بَعْدَ تَفَرُّقٍ أَوْ مَوْتٍ فَهُوَشَاهِدٌ فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ، وأُلْغِيَتْ نَفَقَتُهُمَا وكُسْوَتُهُمَا، وإِنْ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيِ السِّعْرِ كَعِيَالِهِمَا، إِنْ تَقَارَبَا، وإِلا حَسَبَا كَانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِهِ.
الشرح:
قوله: (كَدَفْعِ صَدَاقٍ عَنْهُ فِي أنّه مِنَ الْمُفَاوَضَةِ إِلا أَنْ يَطُولَ كَسَنَةٍ، إِلا بِبَيِّنَةٍ بِكَإِرْثٍ، وإِنْ قَالَتْ: لا نَعْلَمُ) نصّ هذا الفرع عَلَى ما وقفت عَلَيْهِ فِي كتاب الشركة من أصل "النوادر" عن ابن سحنون: "كتب شجرة إلى سحنون، فِي رجلٍ دفع عن أخيه وهو شريكه مفاوضة صداق امرأته، ولم يذكر أنّه من ماله ولا من مال أخيه حَتَّى مات الدافع، فقام فِي ذلك ورثته وقالوا: هو من مال ولينا؟ فكتب إليه: "إن دفع وهما متفاوضان، ثُمَّ أقام سنين كثيرة فِي مفاوضهما لا يطلب أخاه بشيء من ذلك فهذا ضعيف وإن كَانَ بحضرة ذلك فذلك بينهما شطرين، ويحاسب به إِلا أن يكون للباقي حجة". انتهى.
فمعنى كلام المصنف: أن القول لمن ادعى فِي المسألة أن الصداق المدفوع من المفاوضة إِلا فِي وجهين:
أحدهما: أشار إليه بقوله: (إِلا أن يطول كسنة)؛ وكأنه اعتمد فِي التحديد بالسنة عَلَى مفهوم قول سحنون: وإن كَانَ بحضرة ذلك فذلك بينهما، ورأى أن ما عارض هذا المفهوم من قوله: فِي مقابله سنين كثيرة غير مقصود.
وثانيهما: أشار إليه بقوله: (وإِلا ببينة بكارثة وإن قالت: لا نعلم) وهكذا هو فِي عدة نسخ بالواو العاطفة قبل إِلا، وهو كالتفسير لقول سحنون: إِلا أن يكون للباقي حجة، فإن الباقي من الأخوين إِذَا قامت له بينة أن الصداق المدفوع كَانَ من إرث آخر مثلاً، كَانَ ذلك له حجة، وإن قالت: البينة: لا نعلم تقدم هذا الإرث عَلَى المفاوضة ولا تأخر عنها، فهذا أمثل ما انقدح لنا فِي تشقيق كلامه. والله سبحانه أعلم.

متن الخليل:
وإِنِ اشْتَرَى جَارِيَةً لِنَفْسِهِ، فَلِلآخَرِ رَدُّهَا، إِلا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ، وإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً لِلشِّرْكَةِ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وحَمَلَتْ قُوِّمَتْ، وإِلا فَلِلآخَرِ إِبْقَاؤُهَا، أَوْ مُقَاوَاتُهَا، وإِنِ اشْتَرَطَا نَفْيَ الاسْتِبْدَادِ فَعِنَانٌ.
الشرح:
قوله: (وَإِنِ اشْتَرَى جَارِيَةً لِنَفْسِهِ، فَلِلآخَرِ رَدُّهَا، إِلا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ وإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً لِلشِّرْكَةِ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وحَمَلَتْ قُوِّمَتْ، وإِلا فَلِلآخَرِ إِبْقَاؤُهَا، أَوْ تقويمها).
درج هنا عَلَى ما بسط فِي "توضيحه" أن لشراء الجارية ثلاثة أوجه:
الأول: أن يشتريها لنفسه للوطء أو للخدمة ولم يطأها، ولشريكه ردّها فِي الشركة أو إجازتها له، وإليه أشار بقوله: (وإن اشترى جارية لنفسه فللآخر ردّها)
الثاني: أن يشتريها للوطء بإذن شريكه، فلا شكّ أن شريكه أسلفه نصف ثمنها فله نماؤها وعَلَيْهِ تواها، وإليه أشار بقوله: (إِلا للوطء بإذنه).
الثالث: أن يكون إنما اشتراها للشركة ثُمَّ وثب عَلَيْهَا فوطأها، وهذا الثالث فِي نفسه عَلَى ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يكون وثوبه عَلَيْهَا بإذن شريكه فهذه محللة فيتعين تقويمها سواءً حملت أو لَمْ تحمل، وإليه أشار بقوله: (وإن وطئ جارية للشركة بإذنه) أي: قومت وليس ذلك مقيداً بحملها كما ظنّ بعضهم.
وثانيها: أن يكون ذلك بغير إذن شريكه؛ ولكنها حملت منه، فيجب تقويمها، وإليه أشار بقوله: (أو بغير إذنه وحملت قومت).
وثالثها: أن يكون بغير إذنه ولم تحمل فقال عياض فِي كتاب: "أمهات الأولاد": معروف مذهب مالك فِي "المدونة" فِي هذا الكتاب وغيره: تخيير غير الواطئ فِي التقويم والتماسك". انتهى، وهو كقوله فِي "الرسالة": فإن لَمْ تحمل فالشريك بالخيار بين أن يتماسك أو تقوم عَلَيْهِ. وإليه أشار بقوله: (وإِلا فللآخر إبقاؤها أو تقويمها) والتقويم:
تفعيل من القيمة، وكذا هو فِي هذا القول، وأما المقاواة التي هي المزايدة وهي مفاعلة من القوة ففي قولٍ آخر غير هذا.
تنبيه:
وقع فِي بعض النسخ: إِلا بالوطء أو بإذنه بجرّ اللفظين بالباء وعطف أحدهما عَلَى الآخر بأو بدل قوله: (إِلا للوطء بإذنه)، وهو أتمّ فائدة حسبما يظهر بالتأمل إِلا أن الآخر هو الجاري مع لفظ "التوضيح".

متن الخليل:
وجَازَ لِذِي طَيْرٍ وذِي طَيْرَةٍ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشِّرْكَةِ فِي الْفِرَاخِ، واشْتَرِ لِي ولَكَ، فَوَكَالَةٌ. وجَازَ وانْقُدْ عَنِّي.إِنْ لَمْ يَقُلْ وأَبِيعُهَا لَكَ، ولَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا، إِلا أَنْ يَقُولَ واحْبِسْهَا، فَكَالرَّهْنِ، وإِنْ أَسْلَفَ غَيْرَ الْمُشْتَرِي جَازَ، إِلا لِكَبَصِيرَةِ الْمُشْتَرِي، وأُجْبِرَ عَلَيْهَا، إِنِ اشْتَرَى شَيْئاً بِسُوقِهِ، لا لِكَسَفَرٍ أَوْ قِنْيَةٍ، وغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ تُجَّارِهِ، وهَلْ وفِي الزُّقَاقِ لا كَبَيْتِهِ؟ قَوْلانِ.
الشرح:
قوله: (وجَازَ لِذِي طَيْرٍ وذِي طَيْرَةٍ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشِّرْكَةِ فِي الْفِرَاخِ) كذا فِي "النوادر" من "العُتْبِيَّة" والموازية عن ابن القاسم عن مالك: إِذَا جاء الرجل بحمام ذكر وآخر بأنثى عَلَى أنّ ما أفرخا بينهما، فلا بأس به، وأرجو أن يكون خفيفاً والفراخ بينهما؛ لأنهما يتعاونان فِي الحضانة. وقبله ابن يونس، ولم يذكر غيره، ونصّها فِي سماع سحنون من شركة "العُتْبِيَّة" قال سحنون: "وأخبرنا ابن القاسم عن مالك فِي الرجل يأتي بحمامة أنثى، ويأتي الآخر بذكر عَلَى أن تكون الفراخ بينهما: أنّ الفراخ بينهما لأنهما يتعاونان جميعاً عَلَى الحضانة. إِلا أن ظاهر كلام ابن رشد: أن هذا بعد الوقوع والفوات؛ لأنه قال: هذا عَلَى قياس قوله فِي أنّ الزرع فِي المزارعة الفاسدة يكون لصاحب العمل والأرض، يريد ويرجع صاحب الحمامة الأنثى عَلَى صاحب الحمامة الذكر بمثل بيض حمامته، ويأتي عَلَى قياس القول: بأن الزرع فِي المزارعة الفاسدة لصاحب البذر أن الفراخ تكون لصاحب الحمامة الأنثى؛ لأن البيض له ولصاحب الحمامة الذكر قيمة ما أعان به من الحضانة" انتهى.
تكميل:
زاد فِي السماع المذكور: "وإن جاء رجل ببيضٍ إلى رجل فقال له: اجعله تحت دجاجتك، فما كَانَ من فراخ فبيني وبينك، فالفراخ فِي هذا لصاحب الدجاجة، وعَلَيْهِ لصاحب البيض مثله، وهو كمن جاء بقمح إلى رجل فقال له: ازرعه فِي أرضك بيننا، فإنما له مثله، والزرع لربّ الأرض".

متن الخليل:
وجَازَتْ بِالْعَمَلِ، إِنِ اتَّحَدَ، أَوْ تَلازَمَ، وتَسَاوَيَا فِيهِ، أَوْ تَقَارَبَا، وحَصَلَ التَّعَاوُنُ، وإِنْ بِمَكَانَيْنِ، وفِي جَوَازِ إِخْرَاجِ كُلٍّ آلَةً واسْتِئْجَارِهِ مِنَ الآخَرِ، أَوْ لا بُدَّ مِنْ مِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ؟ تَأْوِيلانِ كَطَبِيبَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الدَّوَاءِ، وصَائِدَيْنِ فِي الْبَازَيْنِ.وَهَلْ وإِنِ افْتَرَقَا؟ رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا، وحَافِرَيْنِ بِكَرِكَازٍ، ومَعْدِنٍ، ولَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ، وأَقْطَعَهُ الإِمَامُ، وقُيِّدَ بِمَا لَمْ يَبْدُ ولَزِمَهُ مَا يَقْبَلُهُ صَاحِبُهُ وضَمَانُهُ وإِنْ تَفَاصَلا.
الشرح:
قوله: (وَجَازَتْ بِالْعَمَلِ، إِنِ اتَّحَدَ، أَوْ تَلازَمَ) قال ابن عبد السلام: "قال أبو عبد الله الذكي: لو كَانَ المعلمان أحدهما قاريء والآخر حاسب، واشتركا عَلَى أن يقسما عَلَى قدر عمليهما؛ لجرى ذلك مجرى جمع الرجلين سلعتيهما فِي البيع، وعَلَى هذا تجوز الشركة بين مختلفي الصنعة إِذَا كانت الصنعتان متلازمتين" انتهى.
وقبله فِي "التوضيح"، وذكر عَلَى إثره كلام اللخمي فِي الحائكين وطالبي اللؤلؤ.
وأما ابن عرفة فقال: وقول أبي عبد الله الذكي فِي مسائله: لو اشترك قاريء وحاسب عَلَى أن يقتسما عَلَى قدر عملهما يجري ذلك عَلَى جمع الرجلين سلعتيهما فِي البيع، يردُّ بقوة الغرر فِي الشركة؛ لجهل قدر عمل كلّ واحد منهما وقدر عوضه، والمجهول فِي السلعتين قدر العوض فقط، ولا يتخرج عَلَى قول اللخمي: لو اشترك حائكان بأموالهما، أحدهما يتولى النسج والآخر لا يحسنه، ويتولى الخدمة والبيع والشراء، وقيمة عملهما سواء، جَازَ؛ لأن معمولهما لا يتمّ إِلا بعملهما معاً كالشريكين فِي استخراج اللؤلؤ، أحدهما يغوص، والآخر يقذف أو يمسك عَلَيْهِ.

متن الخليل:
وأُلْغِيَ مَرَضُ كَيَوْمَيْنِ وغَيْبَتُهُمَا، لا إِنْ كَثُرَ، وفَسَدَتْ بِاشْتِرَاطِهِ كَكَثِيرِ الآلَةِ، وهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ تَرَدُّدٌ، وبِاشْتِرَاكِهِمَا بِالذِّمَمِ أَنْ يَشْتَرِيَا بِلا مَالٍ.
الشرح:
قوله: (وَأُلْغِيَ مَرَضُ كَيَوْمَيْنِ وغَيْبَتُهُمَا) الضمير المثنى لليومين، وهو من الإضافة المقدرة بفي كقوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33] عَلَى رأي ابن مالك.

متن الخليل:
وهُو َبَيْنَهُمَا، وكَبَيْعِ وَجِيهٍ مَالَ خَامِلٍ بِجُزْءٍ مُنْ رِبْحِهِ، وكَذِي رَحًى وذِي بَيْتٍ، وذِي دَابَّةٍ لِيَعْمَلُوا، إِنْ لَمْ يَتَسَاوَالْكِرَاءُ.
الشرح:
قوله: (وهُوَبَيْنَهُمَا) أي: ما اشترياه أو أحدهما فِي شركة الذمم فهو بينهما، وهذا هو المشهور، وقال سحنون: من اشترى شيئاً فهو له.

متن الخليل:
وتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ، وتَرَادُّوا الأَكْرِيَةَ، وإِنِ اشْتُرِطَ عَمَلُ رَبِّ الدَّابَّةِ فَالْغَلَّةُ لَهُ، وعَلَيْهِ كِرَاؤُهُمَا.
الشرح:
قوله: (وتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ) قابل لأن يكون بياناً لفرض المسألة كما قبله، أو تقريراً لحكمها بعد الوقوع كما بعده؛ فكأنه من النوع المسمى عند البيانيين بالتوجيه كقول الشاعر فِي خياطٍ أعور:
خَاطَ لِي عَمْرٌو قَبَاءً ** لَيْتَ عَيْنَيْهِ سَوَاءُ

فَسَلِ الْنَاسَ جَمِيعَاً ** أمَدِيحَاً أمْ هِجَاءُ

وحمْلُه عَلَى تقرير الحكم أولى، وأما فرض المسألة فمفهوم من قوة الكلام كما فِي قوله قبل: (وهو بينهما).

متن الخليل:
وقُضِيَ عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لا يَنْقَسِمُ أَنْ يُعَمِّرَ أَوْ يَبِيعَ كَذِي سُفُلٍ، إِنْ وَهَى وعَلَيْهِ التَّعْلِيقُ والسَّقْفُ، وكَنْسُ مِرْحَاضٍ لا سُلَّمٌ، وبِعَدَمِ زِيَادَةِ الْعُلُوِّ، إِلا الْخَفِيفَ وبِالسَّقْفِ لِلأَسْفَلِ، وبِالدَّابَّةِ لِلرَّاكِبِ، لا مُتَعَلِّقٍ بِلِجَامٍ، وإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمْ رَحًى إِنْ أَبَيَا، فَالْغَلَّةُ لَهُمْ ويَسْتَوْفِي مِنْهَا مَا أَنْفَقَ، وبِالإِذْنِ فِي دُخُولِ جَارِهِ لإِصْلاحِ جِدَارِهِ ونَحْوِهِ.
الشرح:
قوله: (وقُضِيَ عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لا يَنْقَسِمُ أَنْ يُعَمِّرَ أَوْ يَبِيعَ) ظاهره بيع جميع نصيبه كما فهم ابن عبد السلام من ظاهر إطلاقاتهم لا بقدر ما يعمر كما قال ابن الحاجب وقبله ابن هارون، وقد جلب ابن عرفة ما فِيهَا من الأسمعة، فعليك به.

متن الخليل:
وبِقِسْمَتِهِ، إِنْ طُلِبَتْ لا بِطُولِهِ عَرْضاً، وبِإِعَادَةِ السَّاتِرِ لِغَيْرِهِ، إِنْ هَدَمَهُ ضَرَراً، لا لإِصْلاحٍ أَوْ هَدْمٍ وبِهَدْمِ بِنَاءٍ بِطَرِيقٍ، ولَوْ لَمْ يَضُرَّ وبِجُلُوسِ بَاعَتِهِ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ لِلْبَيْعِ إِنْ خَفَّ.
الشرح:
قوله: (وبِقِسْمَتِهِ، إِنْ طُلِبَتْ لا بِطُولِهِ عَرْضاً) أي: ويقضي بقسمة الجدار إن طلبت، ولا يقضي بقسمة طوله عرضاً، فإذا كَانَ الجدار مثلاً جارياً من المشرق إلى المغرب عَلَى صورة سور له شرافات وممشى لَمْ يقض عَلَيْهِما بقسمته عَلَى أن يأخذ أحدهما جهة الشرفات، والآخر جهة الممشى، ولكن عَلَى أن يأخذ أحدهما الجهة الشرقية بشرافاتها وممشاها، والآخر الجهة الغربية بشرفاتها وممشاها، فلفظ (عرضاً) عَلَى هذا متعلّق بالمضاف المحذوف، ويجوز أن يتعلّق بلفظ (قسمة) الظاهر.
ولذلك يقع فِي بعض النسخ: وبقسمته إن طلبت عرضاً لا بطوله، وهو فِي المعنى راجع للأول، وعَلَى كلّ تقدير فهو يحوم عَلَى إثبات الصفة التي قال بها اللخمي وابن الهندي، وحكاها ابن العطار عن ابن القاسم، وعَلَى نفي الصفة التي تأولها أبو إبراهيم الفاسي عَلَى "المدونة"، وحكاها ابن العطار عن عيسى بن دينار، ويتمّ هذا بالوقوف عَلَى نصوصهم.
وذلك أنّه قال فِي كتاب القسم من "المدونة": ويقسم الجدار إن لَمْ يكن فِيهِ ضرر، فقال أبو الحسن الصغير: يعني بالقرعة، وإما بالتراضي، فيجوز وإن كَانَ فِيهِ ضرر، ويأتي الاعتراض الذي فِي قسم الساحة بعد قسم البيوت؛ لأنه قد يقع لأحدهما الجهة التي تلي الآخر إِلا أن يقتسماه عَلَى أنّ من صار ذلك له يكون للآخر عَلَيْهِ الحمل.
وقال اللخمي: صفة القسم فِيهِ إِذَا كَانَ جارياً من المشرق إلى المغرب أن يأخذ أحدهما طائفة مما يلي المشرق والآخر طائفة مما يلي المغرب، وليست القسمة أن يأخذ أحدهما مما يلي القبلة والآخر مما يلي الجوف؛ لأن ذلك ليس بقسمة؛ لأن كل ما يضعه عَلَيْهِ أحدهما من خشب فثقله ومضرته عَلَى جميع الحائط، وليس يختصّ الثقل والضرر بما يليه، إِلا أن يريد أن يقسما الأعلى، مثل أن تكون أرضه شبرين فيبني كل واحد عَلَى أعلاه شبراً مما يليه لنفسه، ويكون ذلك قسمة للأعلى، وجملة الحائط عَلَى الشركة الأولى أو يكونا أرادا قسمته بعد انهدامه فيقتسمان أرضه ويأخذ كلّ واحد نصفه مما يليه.
ابن عرفة: فصفة قسمه عند اللخمي أن يقسم طولاً لا عرضاً، وقال أبو إبراهيم: ظاهر "المدونة" قسمه عرضاً؛ لقوله: وكان ينقسم.
قال: وأما طولاً فينقسم وإن قلّ، وقال ابن فتّوح فِي باب: الإرفاق: قال أحمد بن سعيد ـ وهو ابن الهندي ـ: سنّة قسم الحائط أن يقسم بخيطٍ من أعلاه إلى أسفله فيقع جميع الشطر لواحد و جميع الشطر لواحد إِلا أن يتفقا عَلَى قسمة عرضه عَلَى طوله.
وقال محمد بن أحمد ـ وابن العطار ـ: قال عيسى بن دينار: يقسم بينهما عرضاً، يأخذ كل واحد منهما نصفه مما يليه، فإن كَانَ عرض الجدار شبرين أخذ هذا شبراً مما يلي داره، وهذا شبراً مما يلي داره، ولا تصلح القرعة فِي مثل هذه القسمة.
قال ابن العطار وابن فتّوح فِي باب: الإرفاق، والمتيطي فِي باب القسم عن ابن القاسم: "يُمدّ الحبل بينهما فِيهِ طولاً لا ارتفاعاً من أوله إلى آخره، ويُرشم موقف نصف الحبل ويقرع بينهما، ويكون لكلّ واحد منهما الجانب الذي تقع قرعته عَلَيْهِ. زاد ابن فتّوح: إلى ناحية بعينها، ولا تصحّ قسمة القرعة فِيهِ إِلا هكذا". انتهى، وإِذَا طوى الحبل المذكور حقق نصفه.
وإِذَا عرفت أن الطول والعرض يعقلان نسبة وإضافة أمكنك الجمع بين عبارة المصنف وابن عرفة وغيرهما، وظهر لك أنّ قول اللخمي وابن الهندي راجعٌ لما حكاه ابن العطار عن ابن القاسم، وهو الذي أثبت المصنف، وأن تأويل أبي إبراهيم عَلَى "المدونة" راجع لما حكاه ابن العطار عن عيسى، وهو الذي نفاه المصنف.
تكميل:
قال فِي "المدونة": "وإن كَانَ لكلّ واحد عَلَيْهِ جذوع لَمْ يقسم وتقاوياه.
قال اللخمي: وليس هذا بالبين؛ لأن الحمل الذي عَلَيْهِ لا يمنع القسم كما لا تمنع قسمة العلّو والسفل، وحمل العلّو عَلَى السفل، وأرى أن يقسم طائفتين، عَلَى أنّ من صارت له طائفة كانت له وللآخر عَلَيْهِ الحمل، وقد أجاز ابن القاسم المقاواة، وإنما تصح المقاواة عَلَى أنّ من صار إليه الحائط كَانَ ملك له، وللآخر عَلَيْهِ الحمل، فإذا جازت المقاواة عَلَى هذه الصفة كانت القسمة أولى".
فقال ابن عرفة: ظاهر قول ابن القاسم أنهما يتقاويانه كما لا ينقسم من العروض والحيوان أنّه لا حمل فِيهِ عَلَى من صار له.

متن الخليل:
ولِلسَّابِقِ كَمَسْجِدٍ، وبِسَدِّ كُوَّةٍ فُتِحَتْ أُرِيدَ سَدٌّ خَلْفَهَا، وبِمَنْعِ دُخَّانِ كَحَمَّامٍ، ورَائِحَةِ كَدِبَاغٍ وأَنْدَرٍ قَبْلَ بَيْتٍ، ومُضِرٍّ بِجِدَارٍ.
الشرح:
قوله: (ولِلسَّابِقِ كَمَسْجِدٍ) فِي كتاب السلام من صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا قام أحدكم من مجلس ثُمَّ رجع إليه فهو أحقّ به» قال عياض فِي "الإكمال": إِذَا كَانَ أولى به بعد القيام فأحرى قبله، ثُمَّ إن رجع عن بُعد فليس بأحقّ، وإن رجع عن قربٍ فقيل هو أحقّ به وجوباً؛ لأنه اختصّ به وملك الانتفاع به فكان أحقّ به حَتَّى يفرغ من غرضه.
وحمله مالك عَلَى الندب؛ وعَلَى هذا فهو عامّ فِي كلّ مجلس، وحمله محمد بن مسلمة عَلَى مجلس العلم قال: هو أولى به إذا قام لحاجة، وإن قام تاركاً فليس بأولى، وقد اختلف فيمن اتسم بموضع من المسجد لتدريسٍ أو فتيا أو إقراء؟ فقال مالك: هو أحقّ به إِذَا عُرف به.
وقال الجمهور هو أحقّ به استحساناً لا وجوباً، ولعلّه مراد مالك، وكذلك اختلف فيمن قعد من الباعة بموضعٍ من أقبية الطرقات غير المتملّكة، ثُمَّ قام ونيته الرجوع من غد؟ فقيل: هو أحقّ به حَتَّى يتمّ غرضه حكاه الماوردي عن مالك قطعاً للنزاع، وقيل: هو وغيره فِيهِ سواء، فمن سبق كَانَ أولى به، وأما إن لَمْ يقم فهو أحقّ به ما دام فِيهِ". انتهى.
وهو الذي اختصر المصنف حيث قضى للسابق للأفنية بها، ثُمَّ شبّه به السابق للمسجد، وكَانَ شيخنا الفقيه الحافظ أبو عبد الله القوري يحكي عن " العوفية": أن من وضع بمحلٍ من المسجد شيئاً يحجره به حَتَّى يأتي إليه يتخرج عَلَى مسألة: هل يعرف ملك التحجير إحياء.

متن الخليل:
واصْطَبْلٍ.
الشرح:
قوله: (واصْطَبْلٍ) هو من جملة المعاطيف عَلَى دخان، وكأنه أشار به لقول صاحب المفيد تبعاً لابن فتوح: يُمنع من إحداث اصطبل عند بيت جاره؛ لما فِيهِ من الضرر ببول الدوابّ وزبلها ببيت جاره، وحركتها فِي الليل والنهار المانعة من النوم، فتأمله مع ما يأتي فِي الأصوات.

متن الخليل:
أَوْ حَانُوتٍ قُبَالَةَ بَابٍ، وبِقَطْعِ مَا أَضَرَّ مِنْ شَجَرَةٍ بِجِدَارٍ، إِنْ تَجَدَّدَتْ، وإِلا فقَوْلانِ، لا مَانِعِ ضَوْءٍ، وشَمْسٍ، ورِيحٍ، إِلا لأَنْدَرٍ.
الشرح:
قوله: (أَوْ حَانُوتٍ قُبَالَةَ بَابٍ) كذا هو فِي كثيرٍ من النسخ معطوفاً بأو لا بالواو، وذلك يقتضي أن قوله: (قبالة باب) يرجع للاصطبل والحانوت عَلَى التعاقب؛ لكن لم أقف عَلَى نصّ فِي إحداث اصطبل فِي مقابلة الباب بل عَلَى نصّ المفيد المذكور فوقه، وفِي بعض النسخ: وحانوت بالواو عطفاً عَلَى دخان، وعَلَى كلّ حال فكلامه هنا محمول عَلَى السكة غير النافذة لقوله فِي مقابله: (وباب بسكة نافذة) عَلَى أنّ ما هنا مستغنى عنه بمفهوم قوله آخراً: (إِلا باباً إن نكب؛ لأنه فِي غير النافذة) وما ذكر من التفصيل هو الذي فِي آخر كتاب القسم من "المدونة".
وقال ابن رشد فِي سماع زونان من كتاب: "السلطان": يتحصّل فِي فتح الباب وتحويله فِي الزقاق غير النافذ ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّه لا يجوز إِلا بإذن أهل الزقاق.
قاله ابن زرب، وبه جرى العمل بقرطبة.
والثاني: أنّ ذلك جائز فِيمَا لَمْ يقابل باب جاره ولا قرب منه فقطع مرفقاً قاله ابن القاسم فِي "المدونة" وابن وهب هنا.
والثالث: أنّ له تحويل بابه عَلَى هذه الصفة إِذَا سدّ الباب الأول، وليس له أن يفتح باباً لَمْ يكن قبل بحال قاله أشهب. انتهى.
ابن عرفة: ولم يحك المتيطي إِلا منع إحداثه وتحويل القديم بقرب باب جاره بحيث يضرّه ذلك، ثُمَّ قال ولو حوّله عن بعد من باب جاره لَمْ يكن عَلَيْهِ لهم قيام؛ لأنه لَمْ يزدهم شيئاً عَلَى ما كَانَ عَلَيْهِ ثُمَّ قال ابن رشد: "ويتحصّل فِي فتح الرجل باباً أو حانوتاً فِي مقابلة جاره فِي السكّة النافذة ثلاثة أقوال:
الأول: أنّ ذلك له جملةً من غير تفصيل، وهو قول ابن القاسم فِي "المدونة" وأشهب فِي "العتبية".
والثاني: ليس له ذلك جملةً " إِلا أن ينكب، وهو قول سحنون.
والثالث: له ذلك إِذَا كانت السكّة واسعة، وهو قول ابن وهب فِي "العتبية"، والواسعة سبعة أذرع انتهى، وعَلَيْهِ اقتصر ابن عات.
وفِي " أجوبة " ابن رشد: أنّه سئل: عن رجلين متجاورين بينهما زقاق نافذ، فأحدث أحدهما فِي داره باباً وحانوتين يقابل باب دار جاره، ولا يخرج أحد من داره ولا يدخل إِلا عَلَى نظرٍ من الذين يجلسون فِي الحانوتين المذكورين لعمل صناعتهم، وذلك ضرر بين يثبته صاحب الدار، وكشفة عياله بينة؟
فجاوب: إِذَا كَانَ الأمر عَلَى ما وصفت فيؤمر أن ينكب ببابه وحانوتيه عن مقابلة باب جاره، فإن لَمْ يقدر عَلَى ذلك ولا وجد إليه سبيلاً ترك ولم يحكم عَلَيْهِ بغلقها". انتهى بنصّه وقبله ابن عرفة.

متن الخليل:
وعُلُوِّ بِنَاءٍ.
الشرح:
قوله: (وعُلُوِّ بِنَاءٍ) مجرور عطفاً عَلَى مانع، أشار به لقوله آخر كتاب القسم من "المدونة": ومن رفع بنيانه فجاوز به بنيان جاره ليشرف عَلَيْهِ لَمْ يمنع من رفع بنيانه، ومنع من الضرر، ثُمَّ ذكر الرفع المانع. واللام فِي قوله: "ليشرف " لام الصيرورة، قال معناه أبو الحسن الصغير.

متن الخليل:
وصَوْتِ كَكَمْدٍ، وبَابٍ لِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ.
الشرح:
قوله: (وصَوْتِ كَكَمْدٍ) مجرور بالعطف عَلَى المنفي فِي قوله: (لا مانع ضوء) قال فِي كتاب: "كراء الدور" من "المدونة": ومن اكترى داراً فله أن يدخل فِيهَا ما شاء من الدوابّ والأمتعة، وينصب فِيهَا الحدادين والقصارين والأرحاء ما لَمْ يكن ضرراً عَلَى الدار، أو تكون داراً لا ينصب ذلك فِي مثلها؛ لارتفاعها، ويمنع مما يتعارف الناس منعه.
وقال ابن فتّوح: ويمنع من أحدث اصطبلاً عند بيت جاره لما فِيهِ من الضرر ببول الدوابّ وزبولها لبيت جاره، وحركتها فِي الليل والنهار والمانعة من النوم.
وكذلك المطاحن وكير الحداد قال ابن عات: قال ابن عبد الغفور وعَلَى ما فِي "المدونة": يكون لصاحب الدار أن ينصب فِي داره ما شاء من الصناعات ما لَمْ يضر بحيطان جاره، وأما أن يمنع من وقع ضرب أو دوّي رحا أو كمد لصوته فلا، وكذلك ما أشبه ذلك، وقال المشاور بمثله كله، وقال: لأن الصوت لا يخرق الأسماع ولا يضر بالأجسام، فإن أضرّ الضرب بالجدارات منع، وذلك بِخِلاف أن يحدث فِي داره أو حانوته دباغاً، أو يفتح بقرب جاره مرحاضاً ولا يغطيه أو ما تؤذيه رائحته؛ لأن الرائحة المنتنة تحرق الخياشيم، وتصل إلى المَعِي وتؤذي الإنسان؛ ولذلك قال عَلَيْهِ السلام «من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا، يؤذينا بريح الثوم». فكلّ رائحة ٍ تؤذي يمنع منها لهذا قال: وبه العمل وفِي " المجالس " وقضى شيوخ الفتيا بطليطلة بمنع الكمادين إِذَا استضرّ بهم الجيران وقلقوا من ذلك؛ لاجتماع وقع ضربهم، والأول أولى إن شاء الله تعالى. انتهى نصّ " الاستغناء"، وفي ضرر الأصوات، طرق استوفاها ابن عرفة فِي إحياء الموات.
والمفهوم من كلام المصنف فِي الرحا وشبهها المنع إن أضرّت بالجدارات لقوله: (ومضر بجدار) لا بالأسماع لقوله: (وصوت ككمد)، وحينئذ يكون قوله:(واصطبل) كالمستغنى عنه؛ لأنه باعتبار رائحته داخل فِي قوله: (و رائحة كدباغ)، وباعتبار مضرة الجدارات داخل فِي قوله: (ومضر بجدار) وباعتبار مجرد الصوت ملغي لقوله: (وصوت ككمد)، وأما باعتبار مقابلة الباب فلم أر من ذكره كما تقدم وهو ضعيف. والله تعالى أعلم.

متن الخليل:
ورَوْشَنٍ وسَابَاطٍ لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ، بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ، وإِلا، فَكَالملْكِ لِجَمِيعِهِمْ، إِلا بَاباً إِنْ نُكِّبَ.
الشرح:
قوله: (ورَوْشَنٍ وسَابَاطٍ لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ، بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ، وإِلا، فَكَالملْكِ لِجَمِيعِهِمْ) أصل التفصيل فِي هذا بين النافذة وغيرها لأبي عمر فِي " كافِيهِ " قال: لا يحدث فِي غير النافذة عسكراً وهو الذي يدعى التابوت والجناح والأسقفة، فإن أذن بعضهم فِي ذلك وأبى بعضهم؛ فإن كَانَ الذين أذنوا آخر الزقاق وممرهم إلى منازلهم عَلَى الموضع المحدث فإذنهم جائز. ونقله المتيطي عنه، وعَلَيْهِ اقتصر ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام وابن هارون والمصنف.
وأما ابن عرفة فقال: "لا أعرفه لأقدم من أبي عمر ابن عبد البر، وظاهر سماع أصبغ عن ابن القاسم فِي الأقضية خلافه، ولم يقيده ابن رشد بالطريق النافذة فتأمله". انتهى.
ولم أجدها فِي سماع أصبغ؛ ولكن بعده فِي نوازل سحنون قال فيمن له داران بينهما طريق: له أن يبني عَلَى جداريهما غرفة أو مجلساً فوق الطريق، وإنما يمنع من الإضرار بتضييق الطريق.
ابن رشد: هذا إن رفع بناءه رفعاً يجاوز رأس المارّ راكباً، ونحوه فِي " الزاهي " وكذا الأجنحة.
تنبيه:
في قوله: (فَكَالملْكِ لِجَمِيعِهِمْ) ولم يقل ملك، إشارة إلى أنها ليست بملكٍ تامّ لهم، وإِلا كَانَ لهم أن يحجروها عَلَى الناس بغلق، قاله ابن عبد السلام فِي عبارة ابن الحاجب وهي نحو هذه، وزاد ظاهر كلام بعض الشيوخ: أن ليس لهم ذلك، وبه حكم بعض قضاة بلدنا، وهدّ ذلك عَلَى من فعله، وقبله فِي "التوضيح"، وهو دليل عَلَى إرادته هنا.

متن الخليل:
وصُعُودِ نَخْلَةٍ.
الشرح:
قوله: (وصُعُودِ نَخْلَةٍ) بالجرّ عطفاً عَلَى لا مانع.

متن الخليل:
وأَنْذَرَ بِطُلُوعِهِ، ونُدِبَ إِعَارَةُ جِدَارِهِ لِغَرْزِ خَشَبَةٍ، وإِرْفَاقٌ بِمَاءٍ، وفَتْحُ بَابٍ ولَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وفِيهَا إِنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَتَهُ.وَفِي مُوَافَقَتِهِ ومُخَالَفَتِهِ تَرَدُّدٌ.
الشرح:
قوله: (وأَنْذَرَ بِطُلُوعِهِ) فِي " أجوبة " ابن رشد: أنّ عياضا سأله عن صومعةٍ أحدثت فِي مسجد فشكى منها بعض الجيران أن الكشف عَلَيْهِ، هل له فِي ذلك مقال؟، وقد أباح أئمتنا لمن فِي داره شجرة الصعود فِيهَا لجمع ثمرتها مع الإنذار بطلوعه وأوقات الطلوع للأذان معلومة، وفِي مدّة قصيرة، وإنما يتولاها فِي الغالب أهل صلاح ومن لا يقصد مضرةً إن شاء الله تعالى.
فأجاب: "ليست الصومعة فِي المسجد كالشجرة فِي دار الرجل؛ لأن الطلوع لجني الثمرة نادر، والصعود فِي الصومعة للأذان يتكرر مراراً فِي كلّ يوم، والرواية فِي سماع أشهب عن مالك بالمنع من الصعود فِيهَا: والرقي عَلَيْهَا منصوصة عَلَى علمك والمعنى فِيهَا صحيح، فِبهَا أقول: وإن كَانَ يطلع منها عَلَى الدور من بعض نواحيها دون بعض، فيمنع من الوصول منها إلى الجهة التي يطلع منها بحاجز يبنى و بين تلك الجهة وغيرها من الجهات". انتهى.
والرواية عن سحنون فِي سماع أشهب من كتاب الصلاة يمنع الصعود فِيهَا، قال ابن رشد: هناك هذا صحيح عَلَى أصل مذهب مالك فِي أنّ الإطلاع من الضرر البيّن الذي يجب القضاء بقطعه، وكذلك يجب عنده عَلَى مذهب من يرى من أصحاب مالك أن من أحدث فِي ملكه اطلاعاً عَلَى جاره لا يقضى عَلَيْهِ بسدّه. ويقال لجاره استر عَلَى نفسك فِي ملكك، والفرق بين الموضعين عَلَى مذهبهم أنّ المنار ليس بملك للمؤذن؛ وإنما يصعد فِيهِ ابتغاء الخير والثواب، والاطلاع عَلَى حرم الناس محظور ولا يحلّ الدخول فِي نافلة من الخير بمعصية، وسواءً كانت الدور عَلَى القرب أو البعد إِلا البعد الكثير الذي لا تستبين معه الأشخاص ولا الهيئات ولا الذكور من الإناث، فلا يعتبر الاطلاع معه.
وقد كَانَ بعض الشيوخ يستدلّ عَلَى هذا بقول عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ «إن كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلّي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس». والله تعالى المستعان.

.باب المزارعة:

لِكُلٍّ، فَسْخُ الْمُزَارَعَةِ، إِنْ لَمْ يُبْذَرْ، وصَحَّتْ، إِنْ سَلِمَا مِنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ، وقَابَلَهَا مُسَاوٍ، وتَسَاوَيَا.
الشرح:
قوله: (وَتَسَاوَيَا) كأنّه أعمّ من قوله قبل: (وقابلها مساوٍ) فيغني عنه.

متن الخليل:
إِلا لِتَبَرُّعٍ بَعْدَ الْعَقْدِ، وخَلْطُ بَذْرٍ إِنْ كَانَ، ولَو بِإِخْرَاجِهِمَا.
الشرح:
قوله: (إِلا لِتَبَرُّعٍ بَعْدَ الْعَقْدِ) أي بعد العقد الحاصل بالبذر فـ (أل) عهدية.

متن الخليل:
فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بِذْرُ أَحَدِهِمَا وعُلِمَ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ، إِنْ غَرَّ. وعَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ النَّابِتِ. وإِلا فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ بَذْرِ الآخَرِ، والزَّرْعُ لَهُمَا.
الشرح:
قوله: (فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بِذْرُ أَحَدِهِمَا وعُلِمَ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ، إِنْ غَرَّ. وعَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ النَّابِتِ، وإِلا فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ بَذْرِ الآخَرِ، والزَّرْعُ لَهُمَا) أصل هذا ما نقله ابن يونس عن بعض القرويين وهو أبو اسحاق ونصّه: "قال بعض القرويين: وعند ابن القاسم خلطا أو لَمْ يخلطا الشركة جائزة، وإِذَا صحّت الشركة فِي هذا فنبت زرع أَحَدهمَا ولم ينبت الآخر، فإن غرّ منه صاحبه وقد علم أنّه لا ينبت فعَلَيْهِ مثل نصف بذر صاحبه لصاحبه، والزرع بينهما ولا عوض له فِي بذره.
وإِن لَمْ يعلم أنّه لا ينبت، ولم يغره فإن علم الذي نبت بذره أن يغرم لصاحبه مثل نصف بذره، عَلَى أنّه لا ينبت ويأخذ منه نصف بذره الذي نبت والزرع بينهما عَلَى الشركة غرّه أو لَمْ يغره، ولو علم ذلك فِي إبان الزراعة، وقد غرّ هذا صاحبه، فأخرج زريعة يعلم أنها لا تنبت فلم تنبت فضمانها منه، وعَلَيْهِ أن يخرج مكيلتها من زريعة تنبت فيزرعها فِي ذلك القليب وهما عَلَى شركتهما ولا غرم عَلَى الآخر للغارّ، وإن لَمْ يكن غرّ ولا علما فليخرجا جميعاً قفيزٍاً آخر فيزرعاه فِي القليب إن أحبّا وهما عَلَى شركتهما.
قال ابن عبد السلام: سكت فِي الرواية عن رجوع المغرور على الغارّ بنصف قيمة العمل فيما لَمْ ينبت إِن كَانَ العمل عَلَى المغرور، وينبغي أن يكون له الرجوع عَلَيْهِ بذلك؛ لأنه غرور بالفعل، وقبله فِي " التوضيح"، وزاد وينبغي أن يرجع عَلَيْهِ بنصف قيمة كراء الأرض التي غرّه فيها.
وأما ابن عَرَفَة فقال: هو كما قال فِي الرواية هنا؛ ولكن ذكر ابن يونس فِي الردّ بالعيب ما يدل عَلَى الخلاف فِي ذلك قال ما نصّه: "قال ابن حبيب: لَو زارع بما لا ينبت فنبت شعير صاحبه دون شعيره، فإن دلّس رجع عَلَيْهِ صاحبه بنصف مكيلته من شعيرٍ صحيح ونصف كراء الأرض الذي أبطل عَلَيْهِ، وقاله أصبغ: وقال ابن سحنون مثله إِلا الكراء لَمْ يذكره".
قال ابن عَرَفَة: فظاهر قول ابن سحنون سقوط الكراء، وهو ظاهر قول ابن القاسم فِي "المدونة" فيمن غرّ فِي إنكاح غيره أمة أنّه يغرم للزوج الصداق، ولا يغرم له ما يغرمه الزوج من قيمة الولد، ونحوه قوله فِي كتاب: "الجنايات": من باع عبداً سارقاً دلّس فيه، فسرق من المبتاع فردّه عَلَى سيّده بالعيب، فذلك فِي ذمته إِن عتق يوماً ما، وأظن فِي " نوازل " الشعبي: من باع مطمورة دلّس فيها بعيب التسويس، فخزّن فيها المبتاع؛ فاستاس ما فيها أنّه لا رجوع له عَلَى البائع بما استاس فيها، قال: ولَو إكراها لرجع عَلَيْهِ.

متن الخليل:
كَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْجَمِيعِ، أَوْ قَابَلَ بَذْرَ أَحَدِهِمَا عَمَلٌ أَوْ أَرْضُهُ وبَذْرُهُ، أَوْ بَعْضُهُ، إِنْ لَمْ يَنْقُصْ مَا لِلْعَامِلِ عَنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ.
الشرح:
قوله: (كَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْجَمِيعِ... إِلَىآخره) تمثيل لما تصحّ فيه الشركة.

متن الخليل:
أَوْ لأَحَدِهِمَا الْجَمِيعُ، إِلا الْعَمَلَ، إِنْ عَقَدَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ، لا الإِجَارَةِ، أَوْ أَطْلَقَا.
الشرح:
قوله: (أَوْ لأَحَدِهِمَا الْجَمِيعُ، إِلا الْعَمَلَ، إِنْ عَقَدَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ، لا الإِجَارَةِ، أَوْ أَطْلَقَا) أشار بِهِ لما فِي " أجوبة " ابن رشد حيث سئل عن رجلين اشتركا فِي الزرع عَلَى أن جعل أَحَدهمَا الأرض والبذر والبقر، والثاني العمل، ويكون الربع للعامل بيده والثلاثة الأرباع لصاحبه هل يجوز ذلك أم لا.
فأجاب:" لا يخلو الأمر فيها من ثلاثة أوجه أحدها: أن يعقداها بلفظ الشركة، والثاني: أن يعقداها بلفظ الإجارة، والثالث: أن لا يسميا فِي عقدهما شركةً ولا إجارة؛ فإن عقداها بلفظ الشركة جازت، وإن عقداها بلفظ الإجارة لَمْ تجز، وإن لَمْ يسميا فِي عقدهما شركة ولا إجارة، وإنما قال له: أدفع إليك أرضي وبذري وبقري، وأنت تتولى العمل، ويكون لك ربع الزرع أو خمسه أو جزء من أجزائه، يسميانه فحمله ابن القاسم عَلَى الإجارة فلم يجزه، وإليه ذهب ابن حبيب، وحمله سحنون عَلَى الشركة فأجازها، هذا تحصيل القول عندي فِي هذه المسألة، وقد كَانَ من أدركنا من الشيوخ لا يحصلونها هذا التحصيل، ويذهبون إِلَى أنها مسألة اختلاف جملة من غير تفصيل، وليس ذلك عندي بصحيح". انتهى.
وقد قال اللخمي: اختلف إِذَا كَانَ البذر من عند صاحب الأرض والعمل، وكانت البقر من عند الآخر، فأجازه سحنون، ومنعه محمد وابن حبيب فقال سحنون إِذَا اشتركا عَلَى ذلك، عَلَى أن ما أخرج الله تعالى من شيء فلصاحب الأرض و البذر ثلثه، ولصاحب العمل ثلثه، وحقّ البقر الثلث، وكانت القيم كذلك جَازَ.
اللخمي: ومثله إِذَا كانت البقر من عند صاحب الأرض والبذر ومن عند الآخر العمل، عَلَى أن له الثلث والقيم في ذلك أثلاثاً فهو جائز.
وقال محمد فِي مثل هذا هو فاسد، وقد كَانَ يكون عَلَى أصله جائز إِلا أنه قال: إِذَا سلم المتزارعان من أن تكون الأرض لواحدٍ والبذر لواحد جازت الشركة إِذَا تساويا، وقال ابن حبيب: إِن نزل ذلك كَانَ الزرع لصاحب الأرض والبذر وللآخر أجرة عمله إِلا أن يقول، تعالى نتزارع عَلَى أن يكون نصف أرضي ونصف بذري ونصف بقري كراءً لنصف عملك، فيكون الزرع بينهما؛ لأن هذا قبض نصف البذر فِي أجرته وضمنه، والصواب فِي جميع هذا الجواز ـ كما قال سحنون: إِذَا دخلا عَلَى وجه الشركة، وأن يعمل البذر عَلَى أملاكهما، وإِن كَانَ عَلَى أنّه يعمل عَلَى ملك صاحب البذر وللآخر ثلث ما يخرج كَانَ فاسداً قولاً واحداً؛ لأنه أجر نفسه بمجهول ما يكون بعد الخروج.
قال ابن عَرَفَة: قوله: فسدت قولاً واحداً. نصٌّ فِي أن إجازة سحنون إنما هي إِذَا كَانَ عَلَى أن يعمل البذر عَلَى أملاكهما.
قال ابن عبد السلام: هذه مسألة الخماس ببلدنا، وقد قال فيها ابن رشد: إِن عقداها بلفظ الشركة جاز اتفاقاً، وإِن كَانَ بلفظ الإجارة لَمْ يجز اتفاقاً، فإن عرى العقد من اللفظين فمحلّ الخلاف. ورأي ابن رشد أن هذا تحقيق المذهب، قال ابن عَرَفَة: زعمه أن مسألة عرفنا هي مسألة سحنون ومحمد، فيه نظر من وجوه:
الأول: أن مسألتيهما ليس فيها اختصاص ربّ الأرض والبذر بشيء من غلة الحرث، ومسألة عرفنا بإفريقية فِي زمانه وقبله وبعده إنما هي عَلَى أنّ كلّ التبن لربّ الأرض والبذر.
الثاني: أن مسألة سحنون ومحمد أن المنفرد بالعمل أخرج معه البقر، ومسألة عرفنا لا يأتي العامل فيها إِلا بعمل يد ه فقط، و في كونه كذلك يصيره أجيراً ويمنع كونه شريكاً، ودلالة كلام ابن رشد فِي المسألة التي سئل عنها عَلَى خلاف ما قلناه، وكذلك قول اللخمي ومثله إِن كَانَ من عند أَحَدهمَا العمل فقط يردّ بمخالفته لأَقْوَال أهل المذهب، وقول ابن يونس: أراهم أنهم جعلوا إِذَا لَمْ يخرج العامل إِلا عمل يده فقط أنّه أجيراً وإِن كافأ عمله ما أخرج صاحبه، وإِن أخرج العامل شيئاً من المال إما بقراً أو بعض الزريعة وإِن قلّ وكافأ ذلك عمل يده ما أخرج الآخر فإنهما شريكان، وهم أهدى للصواب.
ابن عَرَفَة: فحقيقة الشركة عدم انفراد أَحَدهمَا بإخراج المال والآخر بإخراج العمل، والإجارة بعكس ذلك.
الثالث: ظاهر أَقْوَال أهل المذهب أن شرط الشركة كون العمل فيها مضموناً لا فِي عمل عامل معين، ومسألة عرفنا إنما يدخلون فيها عَلَى أن العمل معين بنفس العامل والحامل عَلَى هذا خوف الاغترار بقوله: فيعتقد فِي مسألة عرفنا قول بالصّحة وليس كذلك. فتأمله منصفاً.
ولقد أجاد ونصح شيخ شيوخنا الفقيه أبو عبد الله محمد بن شعيب بن عمر الهنتاتي الهسكوري حيث سئل عن مسألة الخماس فِي الزرع بجزءٍ معين هل يجوز أم لا؟، وهل ينتهض عذر فِي إباحته بتعذر من يدخل عَلَى غير هذا؟
فأجاب: بأنها إجارة فاسدة وليست شركة؛ لأن الشركة تستدعي الاشتراك فِي الأصول التي هي مستند الأرباح وعدم المساعد عَلَى ما يجوز من ذلك لا ينهض عذراً؛ لأن علة الفساد فِي ذلك وأمثاله إنما هي من إهمال حملة الشريعة، ولَو تعرضوا لفسخ عقود ذوي الفساد لما استمروا عَلَى فسادهم، فإن حاجة الضعيف للقوي أشدّ قال الله العظيم { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف: 6-8]. انتهى مختصراً، ونقلناه فِي: "تكميل التقييد وتحليل التعقيد " أشبع من هذا.
تفريع:
قال المتيطي: وإِن شرط ربّ الأرض هدايا فِي العيدين والنيروز والمهرجان وساوى ذلك مَعَ عمل العامل كراء الأرض فهو جائز، ولا يجوز أن يشترط عَلَى العامل جزوراً مذبوحة ولا تيساً خصياً ولا بيضاً ولا حيواناً لا يراد إِلا للحم، ويدخل ذلك كلّه في كراء الأرض بالطعام. ومن الموثقين من يعقد هذه الهدايا عَلَى الطوع بعد الصفقة، ومنهم من يعقدها فِي صفقة أخرى، ويجعل ذلك عوضاً من كراء الدار التي يسكنها لعمارة الملك، ومنهم من يعقدها شرطاً فِي الصفقة عَلَى ما قدمناه.
قال بعض الموثقين: وهو أولى إِذَا كَانَ ذلك كلّه مَعَ عمل العامل مساوياً لكراء الأرض أو يفضل عَلَيْهِ بقليل، وأما الدار إِن سكتا عنها فِي صفقة المزارعة فهما يحملان فيها عَلَى عرف المكان إِذَا طلب ربها كراءها.
تكميل:
إذا فرعنا عَلَى جواز شركة الخماس فما حكم ما يعطي من جلّابيّه ومأكله؟ ذُكر أن فقهاء فاس سئلوا عنها، فأفتى أبو العباس القباب بالمنع وهو الظاهر فتفسد العقدة باشتراطه، وأفتى أبو عمران العبدوسي بالجواز، وزعموا أنّه وجده لابن العطار، وأفتى أبو موسى عيسى بن علال بأنه يمكن إجراؤها عَلَى إعانة المغارسة، كما أفتى بمنع المزارعة فِي القطن لأعوام لأنها مساقاة ومزارعة.

متن الخليل:
كَإِلْغَاءِ أَرْضٍ، وتَسَاوَيَا غَيْرَهَا.
الشرح:
قوله: (كَإِلْغَاءِ أَرْضٍ، وتَسَاوَيَا غَيْرَهَا) التشبيه راجع لقوله: (لا الإجارة) قال فِي "المدونة" فِي المتزارعين يشتركان فيخرج أَحَدهمَا أرضاً لها قدر من الكراء فيلغيها لصاحبه ويعتدلان فيما بعد ذلك من العمل والبذر فلا يجوز إِلا أن يخرج صاحبه نصف كراء الأرض، ويكون جميع العمل والبذر بينهما بالسوية أو تكون أرضاً لا خطب لها فِي الكراء كأرض المغرب وشبهها فيجوز أن يلغى كراؤها لصاحبه، ويخرجا ما بعد ذلك بينهما بالسوية.
أبو الحسن الصغير: لعلّ أرض المغرب كانت فِي وقته لا خطب لها؛ لقلّة عمارتها، أو أراد أرض برقة، ولم يسثن هنا ما لا خطب له من الأرض لاعتقاده أن استثناء التافه لا يختصّ بالأرض لقوله فِي " توضيحه": لعلّ ابن الحَاجِب خصص الأرض تبعاً للمدونة، وإِلا فينبغي أن التطوع بالتافه مُطْلَقاً كذلك، وعَلَيْهِ تدل "الرسالة"؛ لأن فيها: "ولَو كانا اكتريا الأرض والبذر من عند واحد وعَلَى الآخر العمل جَازَ إِذَا تقاربت قيمة ذلك". انتهى؛ مَعَ أنّه لَمْ ينبه هنا عَلَى استثناء التافه جملة.

متن الخليل:
أَوْ لأَحَدِهِمَا أَرْضٌ رَخِيصَةٌ وعَمَلٌ عَلَى الأَصَحِّ.
الشرح:
قوله: (أَوْ لأَحَدِهِمَا أَرْضٌ رَخِيصَةٌ وعَمَلٌ عَلَى الأَصَحِّ) الظاهر أنّه معطوف عَلَى قوله: (كإلغاء الأرض) فهو أَيْضاً مشبه بقوله: (لا الإجارة) وعن هذا عبّر فِي "توضيحه" بقوله: "إِذَا أخرج أَحَدهمَا البذر والآخر العمل والأرض، فإن كانت الأرض لها خطب لَمْ يجز، وإِن لَمْ يكن لها خطب فقَوْلانِ، الجواز لسحنون، وهو مبني عَلَى جواز التطوع بالتافه فِي العقد، والمنع لابن عبدوس، ورأى أنّه يدخله كراء الأرض بما يخرج منها.
ابن يونس: وهو الصواب". انتهى.
فلعلّ قوله: (عَلَى الأَصَحّ) مصحّف من الأَرْجَح.

متن الخليل:
وإِنْ فَسَدَتْ وتَكَافَآ عَملاً، فَبَيْنَهُمَا، وتَرَادَّا غَيْرَهُ، وإِلا فَلِلْعَامِلِ، وعَلَيْهِ الأُجْرَةُ، كَانَ لَهُ بَذْرٌ مَعَ عَمَلٍ، أَوْ أَرْضٌ، أَوْ كُلٌّ لِكُلٍّ.
الشرح:
قوله: (وَإِنْ فَسَدَتْ وتَكَافَآ عَملاً، فَبَيْنَهُمَا، وتَرَادَّا غَيْرَهُ، وإِلا فَلِلْعَامِلِ، وعَلَيْهِ الأُجْرَةُ، كَانَ لَهُ بَذْرٌ مَعَ عَمَلٍ، أَوْ أَرْضٌ، أَوْ كُلٌّ لِكُلٍّ) تصوّر أوله ظاهر، واشتمل آخره عَلَى ثلاث صور:
الأولى: أن يضيف العامل البذر إِلَى عمله، وإليها أشار بقوله: (كَانَ له بذر مَعَ عمل) وفرض الكلام فِي العامل مغنٍ عن قوله: (مَعَ عمل).
الثانية: أن يضيف الأرض إِلَى عمله، وإليه أشار بقوله: (أو أرض) وهو مرفوع عطفاً عَلَى بذر.
الثالثة: أن يكون الكلّ من عندهما إِلا العمل، فمن أَحَدهمَا وإليها أشار بقوله: (أو كل لكل) وفهم منه أنّ العامل إِذَا لَمْ يضف لعمله شيئاً كالخماس عندنا لا يكون له الزرع، وإنما له أجرة المثل فِي عمله، وهذا الذي اقتصر عَلَيْهِ هنا عقد فيه قول ابن يونس.
قال ابن المواز من قول مالك وابن القاسم: إِن الزرع كلّه فِي فساد الشركه لمن تولى القيام بِهِ كَانَ مخرج البذر صاحب الأرض أو غيره، وعَلَيْهِ إِن كَانَ هو مخرج البذر كراء أرض صاحبه، وإِن كَانَ صاحبه مخرج البذر فعَلَيْهِ له مثل بذره.
وإِن وليا العمل جميعاً غرم هذا لهذا مثل نصف بذره، وهذا لهذا مثل كراء نصف أرضه، وكَانَ الزرع بينهما.
قال ابن عَرَفَة فِي نقل ابن يونس: هذا يدلّ عَلَى أن من ولي القيام بِهِ إنما وليه بعمل يده مَعَ شيءٍ آخر، بقر أو بذر، ثم نقل ابن يونس فِي باب بعد هذا عن أبي محمد بن أبي زيد أنّه قال: الذي ذكر محمد عَلَى أصل ابن القاسم أن الزرع لصاحب العمل إِذَا أسلمت الأرض إليه ويغرم مثل البذر لمخرجه، وكراء الأرض لربها، وإِن بعض القرويين اعترضه بأنه لَمْ يوجد لابن القاسم أن من انفرد بالعمل وحده بدون شيء آخر معه يكون له الزرع إنما جعل له الزرع إِذَا انضاف إِلَى ذلك أرض أو بذر". انتهى.
وقد أشار إليه فِي "توضيحه" فدلّ أنّه قصده هنا.

.باب الوكالة:

صِحَّةُ الْوَكَالَةِ فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ مِنْ عَقْدٍ وفَسْخٍ، وقَبْضِ حَقٍّ وعُقُوبَةٍ، وحَوَالَةٍ، وإِبْرَاءٍ وإِنْ جَهِلَهُ الثَّلاثَةُ وحَجٍّ، ووَاحِدٍ فِي خُصُومَةٍ، وإِنْ كَرِهَ خَصْمُهُ، لا إِنْ قَاعَدَ خَصْمَهُ كَثَلاثٍ، إِلا لِعُذْرٍ وحَلَفَ فِي كَسَفَرٍ، ولَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ عَزْلُهُ، ولا لَهُ عِزْلَ نَفْسِهِ، ولا الإِقْرَارُ، إِنْ لَمْ يُفَوِّضْ لَهُ، أَوْ يَجْعَلْ لَهُ ولِخَصْمِهِ اضْطِرَارُهُ إِلَيْهِ قَالَ: وإِنْ قَالَ أَقِرَّ عَنِّي بِأَلْفٍ، فَإِقْرَارٌ، لا فِي كَيَمِينٍ، ومَعْصِيَةٍ كَظِهَارٍ بِمَا يَدُلُّ عُرْفاً.
الشرح:
قوله: (كظهار) كذا قَالَ ابن شاس: لا تصحّ بالظهار؛ لأنه منكر من القول وزور. وخرّج عَلَيْهِ ابن هارون الطلاق.
وقال ابن عبد السلام: الأقرب عندي فِي الظهار أنّه كالطلاق، وتعقبه ابن عَرَفَة بما يوقف عَلَيْهِ فِي " مختصره".

متن الخليل:
لا مُجَرَّدَ وَكَّلْتُكَ، بَلْ حَتَّى يُفَوِّضَ.
الشرح:
قوله: (لا مُجَرَّدَ وَكَّلْتُكَ) ابن عبد السلام: اتفق مالك والشافعي عَلَى عدم إفادة الوكالة المطلقة، واختلفا فِي الوصية المطلقة؟ فقال الشافعي: هي فِي مثل الوكالة المطلقة.
وقال مالك: هي صحيحة، ويكون للوصي أن يتصرف فِي كلّ شيء لليتيم كوكالة التفويض، ولعلّ الفرق بينهما قرينة الموت، فإن اليتيم محتاج؛ لأن يتصرف له فِي كلّ شيء، فإذا لَمْ يوص عَلَيْهِ أبوه غير هذا الوصي ولم يستثن عَلَيْهِ شيئاً، والسبب الذي لأجله أوصى عَلَيْهِ وهو الحاجة إِلَى النظر عام وجب عموم المسبب ولا كذلك الوكالة، فإن الموكلّ قادر عَلَى التصرف فِي كلّ شيء مما له التصرف فيه ولا بد له من أمرٍ يستبدّ بِهِ عادة فاحتيج من أجل ذلك إِلَى تقييد الوكالة بالتفويض أو بغيره وقد ذكرت هنا فروق ليست بالبينة.
وقَالَ ابن عَرَفَة: فلو أتى بلفظ التوكيل مُطْلَقاً كـ: أنت وكيلي، أو وكلتك؛ فطريقان.
ابن بشير وابن شاس: لغو، وهو قول ابن الحَاجِب، وقبله ابن عبد السلام وابن هارون، وقَالَ ابن رشد فِي رسم أسلم من سماع عيسى ما نصّه: "وإنما تكون الوكالة مفوضة فِي كلّ شيء إِذَا لَمْ يسم فيها شيئاً، وكذلك الوصية إِذَا قَالَ الرجل: فلان وصيي ولم يزد عَلَى ذلك كَانَ وصياً له فِي كلّ شيء: فِي ماله وأبضاع بناته؛ ولهذا المعنى قالوا فِي الوكالة: إنها إِذَا طالت قصرت وإِذَا قصرت طالت.
ابن عَرَفَة: فظاهر قوله أنّه إِذَا قَالَ: أنت وكيلي أو وكلتك عمّ ذلك وصحّ، وكان تفويضاً.

متن الخليل:
فَيَمْضِي النَّظَرُ، إِلا أَنْ يَقُولَ وغَيْرُ النَّظَرِ، إِلا فِي الطَّلاقِ، وإِنْكَاحِ بِكْرِهِ، وبَيْعِ دَارِ سُكْنَاهُ وعَبْدِهِ، أَوْ يُعَيِّنَ بِنَصٍّ أَوْ قَرِينَةٍ، وتَخَصَّصَ، وتَقَيَّدَ بِالْعُرْفِ، فَلا يَعْدُهُ إِلا عَلَى بَيْعٍ، فَلَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ وقَبْضُهُ، أَوِ اشْتِرَاءٍ فَلَهُ قَبْضُ الْمَبِيعِ ورَدُّ الْمَعِيبِ، إِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ مُوَكِّلُهُ، وطُولِبَ بِثَمَنٍ ومُثْمَنٍ، مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَرَاءَةِ كَبَعَثَنِي فُلانٌ لِتَبِيعَهُ، لا لأَشْتَرِي مِنْكَ، وبِالْعُهْدَةِ، مَا لَمْ يَعْلَمْ، وتَعَيَّنَ فِي الْمُطْلَقِ نَقْدُ الْبَلَدِ ولائِقٌ بِهِ، إِلا أَنْ يُسَمِّيَ الثَّمَنَ، فَتَرَدُّدٌ، وثَمَنُ الْمِثْلِ وإِلا خُيِّرَ، كَفُلُوسٍ، إِلا مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ لِخِفَّتِهِ، وكَصَرْفِ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ إِلا أَنْ يَكُونَ الشَّأْنُ، وكَمُخَالَفَتِهِ مُشْتَرًى عُيِّنَ، أَوْ سُوقاً، أَوْ زَمَاناً أَوْ بَيْعِهِ بِأَقَلَّ، أَوِ اشْتِرَائِهِ بِأَكْثَرَ كَثِيراً.
الشرح:
قوله: (فَيَمْضِي النَّظَرُ، إِلا أَنْ يَقُولَ وغَيْرُ النَّظَرِ) كذا لابن بشير، وتبعه ابن شاس وابن الحَاجِب وابن عبد السلام وابن هارون.
قال فِي " التوضيح": وفيه نظر؛ إذ لا يأذن الشرع فِي السفه، فينبغي أن يضمن الوكيل إذ لا يحلّ لهما ذلك.
وقال ابن عَرَفَة: مقتضى المذهب منع التوكيل عَلَى غير وجه النظر؛ لأنه فساد، وفِي البيوع الفاسدة من "المدونة": تقييد بيع الثمر قبل بدو صلاحه بقوله: إِذَا لَمْ يكن فساداً، ونقل اللخمي عن المذهب منع توكيل السفيه.

متن الخليل:
لا كَدِينَارَيْنِ فِي أَرْبَعِينَ وصُدِّقَ فِي دَفْعِهِمَا وإِنْ سَلَّمَ، مَا لَمْ يَطُلْ، وحَيْثُ خَالَفَ فِي اشْتِرَاءٍ لَزِمَهُ، إِنْ لَمْ يَرْضَهُ مُوَكِّلُهُ، كَذِي عَيْبٍ، إِلا أَنْ يَقِلَّ، وهُوَفُرْصَةٌ، أَوْ فِي بَيْعٍ، فَيُخَيَّرُ مُوَكِّلُهُ.
الشرح:
قوله: (لا كَدِينَارَيْنِ فِي أَرْبَعِينَ) كذا فِي بعض النسخ بلا النافية دون الاستثنائية؛ وهو أصوب.

متن الخليل:
ولَو رِبَوِيَّاً بِمِثْلِهِ، إِنْ لَمْ يَلْتَزِمِ الْوَكِيلُ الزَّائِدَ عَلَى الأَحْسَنِ لا إِنْ زَادَ فِي بَيْعٍ، أَوْ نَقَصَ فِي اشْتِرَاءٍ، أَوِ اشْتَرِ بِهَا فَاشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ ونَقَدَهَا وعَكْسُهُ، أَوْ شَاةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى بِهِ اثْنَتَيْنِ لَمْ يُمْكِنْ إِفْرَادُهُمَا وإِلا خُيِّرَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ أَخَذَ فِي سَلَمِكَ حَمِيلاً، أَوْ رَهْناً وضَمِنَهُ قَبْلَ عِلْمِكَ بِهِ، ورِضَاكَ.
الشرح:
قوله: (ولَو رِبَوِيَّاً بِمِثْلِهِ) أصل هذا قوله فِي كتاب السلم الثاني من "المدونة": وإِن وكلت رجلاً عَلَى بيع طعام أو عرض، فباعه بغير العين من عرض أو طعام أو غيره، وانتقد فأحبّ إِلَى أن يضمن المأمور حين باع بغير العين إِلا أن يجيز الآمر فعله ويأخذ ما باع به.
عياض: قيل معنى المسألة: باع الطعام بالعرض أو العرض بالطعام، وأما لَو باع الطعام بالطعام لَمْ يصح تخييره؛ لأنه كَانَ يصير طعاماً بطعام فيه خيار، وحمل بعض القرويين المسألة عَلَى وجهها، وأنّه جائز أن يقبل ما اشترى، ويجيز فعله ولم يعتبر الخيار، وهذا أصل مختلف فيه.
وقَالَ اللخمي: اختلف إِذَا باع الطعام بالطعام، فأجاز ابن القاسم للآمر أن يأخذ الطعام الثاني، ومنعه أشهب وقَالَ: ليس للآمر إِلا مثل طعامه، ويباع له الثاني إِن كان فيه فضل، وهذا لئلا يربح الغاصب والمتعدي. انتهى.
فقوله فِي " التوضيح": مثاله لَو قَالَ بعها بقمح، فباعها بفول أو بدراهم، فباعها بذهب، صوابه لَو قَالَ: بع القمح بدراهم، فباعه بفول أو اشتر بالعين سلعة، فصرف العين بعين وجاءه بها.

متن الخليل:
وفِي ذَهَبٍ فِي بِدَرَاهِمَ، وعَكْسِهِ، قَوْلانِ، وحَنِثَ بِفِعْلِهِ فِي لا أَفْعَلُهُ إِلا بِنِيَّةٍ.
الشرح:
قوله: (وفِي ذَهَبٍ فِي بِدَرَاهِمَ) كذا فِي بعض النسخ بإدخال (فِي) عَلَى الباء الجارة لـ(دراهم) عَلَى سبيل الحكاية، وهو صواب.

متن الخليل:
ومُنِعَ ذِمِّيٌّ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ وعَدَوٌّ عَلَى عَدُوِّهِ، والرِّضَا بِمُخَالَفَتِهِ فِي سَلَمٍ، إِنْ دَفَعَ لَهُ الثَّمَنَ، وبَيْعُهُ لِنَفْسِهِ ومَحْجُورِهِ بِخِلافِ زَوْجَتِهِ ورَقِيقِهِ إِنْ لَمْ يُحَابِ. واشْتِرَاءُ مَنْ يَعْتَقَ عَلَيْهِ إِنْ عَلِمَ ولَمْ يُعَيِّنْهُ مُوَكِّلُهُ وعَتَقَ عَلَيْهِ، وإِلا فَعَلَى آمِرِهِ، وتَوْكِيلُهُ إِلا أَنْ لا يَلِيقَ بِهِ أَوْ يَكْثُرَ، فَلا يَنْعَزِلُ الثَّانِي بِعَزْلِ الأَوَّلِ.
الشرح:
قوله: (ومُنِعَ ذِمِّيٌّ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ) أصله فِي كتاب السلم الثاني من "المدونة" لا يجوز لمسلمٍ أن يستأجر نصرانياً إِلا للخدمة، فأما لبيعٍ أو شراءٍ أو تقاضٍ أو ليبضع معه فلا يجوز، وكذلك عبده النصراني.
ابن يونس: لعملهم بالربا واستحلالهم له.
قال بعض القرويين: لأنه فِي وكالته على الاقتضاء يتسلط عَلَى المسلمين بتسليط الوكالة، ويغلظ عليهم إِن منعوه، فكره ذلك لئلا يذل المسلمين.
ابن الحَاجِب: وفيها لا يوكل الذمي عَلَى مسلم. فناقشه ابن عبد السلام وابن عَرَفَة بأنه ليس فيها كونه عَلَى مسلم.

متن الخليل:
وفِي رِضَاهُ إِنْ تَعَدَّى بِهِ تَأْوِيلانِ.
الشرح:
قوله: (وفِي رِضَاهُ إِنْ تَعَدَّى بِهِ تَأْوِيلانِ) يريد فِي سلم.

متن الخليل:
ورِضَاهُ بِمُخَالَفَتِهِ فِي سَلَمٍ إِنْ دَفَعَ الثَّمَنَ بِمُسَمَّاهُ.
الشرح:
قوله: (ورِضَاهُ بِمُخَالَفَتِهِ فِي سَلَمٍ إِنْ دَفَعَ الثَّمَنَ بِمُسَمَّاهُ) (ورضاه) عطف عَلَى نائب (منع) وبمخالفته متعلق (برضاه) وَ(بمسماه) متعلق (بمخالفته) فالمخالفة هنا فِي المسمى فليس بتكرار مَعَ قوله قبل: (والرضا بمخالفته فِي سلم إِن دفع له الثمن) لأن المخالفة هناك فِي الجنس أو النوع، وقد ذكرهما معاً فِي السلم الثاني من "المدونة".

متن الخليل:
أَوْ بِدَيْنٍ إِنْ فَاتَ، وبِيعَ، فَإِنْ وفَّى بِالْقِيمَةِ أَوِ التَّسْمِيَةِ، وإِلا غَرِمَ، وإِنْ سَأَلَ الْوَكِيلُ غُرْمَ التَّسْمِيَةِ، أَوِ الْقِيمَةِ، ويَصْبِرَ لِقَبْضِهَا، ويَدْفَعَ الْبَاقِي جَازَ، إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَهَا فَأَقَلَّ، وإِنْ أَمَرَ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ فَأَسْلَمَهَا فِي طَعَامٍ أُغْرِمَ التَّسْمِيَةَ أَوِ الْقِيمَةِ، واسْتُؤْنِيَ بِالطَّعَامِ لأَجْلِهِ فَبِيعَ وغَرِمَ النَّقْصَ، والزِّيَادَةُ لَكَ.
الشرح:
قوله: (أَوْ بِدَيْنٍ) الوجه عطفه عَلَى (بمخالفته) ويحتمل عَلَى (بمسماه).

متن الخليل:
وضَمِنَ، إِنْ أَقْبَضَ ولَمْ يُشْهِدْ أَوْ بَاعَ بِكَطَعَامٍ. نَقْداً مَا لا يُبَاعُ بِهِ وادَّعَى الإِذْنَ، فَنُوزِعَ، أَوْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ، فَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ، فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّلَفِ كَالْمِدْيَانِ، ولَو قَالَ غَيْرُ الْمُفَوَّضِ: قَبَضْتُ وتَلِفَ، بَرِئَ ولَمْ يَبْرَإِ الْغَرِيمُ، إِلا بِبَيِّنَةٍ، ولَزِمَ الْمُوَكِّلَ غُرْمُ الثَّمَنِ إِلَى أَنْ يَصِلَ لِرَبِّهِ، إِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ لَهُ.
الشرح:
قوله: (وَضَمِنَ، إِنْ أَقْبَضَ ولَمْ يُشْهِدْ) كذا فِي بعض النسخ بحذف مفعول (أَقْبَضَ) فيعمّ الدين والمبيع.

متن الخليل:
وصُدِّقَ فِي الرَّدِّ كَالْمُودَعِ، فَلا يُؤَخِّرُ لِلإِشْهَادِ.
الشرح:
قوله: (وصُدِّقَ فِي الرَّدِّ كَالْمُودَعِ، فَلا يُؤَخِّرُ لِلإِشْهَادِ) تبع فِي عدم التأخير للإشهاد ابن الحَاجِب إذ قَالَ: والمصدق فِي الرد ليس له التأخير لعذر الإشهاد.
وقال فِي " توضحيه " تبعاً لابن عبد السلام وابن هارون لَو قيل إِن للوكيل والمودع تأخير الدفع حتى يشهد لكان حسناً؛ لأنهما يقَوْلانِ إِذَا لَمْ نشهد تتوجه علينا اليَمِين. قلنا: التأخير لتسقط اليَمِين ولا سيما الوَكِيل للخلاف الذي فيه.
وأما ابن عَرَفَة فقال بعد كلام طويل: الحقّ أن لا تعقّب عَلَى ظاهر لفظ ابن الحَاجِب؛ لأنه يصدق بحمله عَلَى الصور التي يصدق فيها الدافع بغير يمين كالوَكِيل عَلَى قبض شيء يطلبه منه موكله بعد قبضه بمدة طويلة - يصدق فيها الوَكِيل دون يمين.

متن الخليل:
ولأَحَدِ الوَكِيليْنِ الاسْتِبْدَادُ، إِلا لِشَرْطٍ، وإِنْ بِعْتَ وبَاعَ، فَالأَوَّلُ، إِلا بِقَبْضٍ، ولَكَ قَبْضُ سَلَمِهِ لَكَ، إِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، والْقَوْلُ لَكَ إِنِ ادَّعَى الإِذْنَ، أَوْ صِفَةً لَهُ، إِلا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ، فَزَعَمْتَ أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِغَيْرِهِ، وحَلَفَ كَقَوْلِهِ أَمَرْتَ بِبَيْعِهِ بِعَشَرَةٍ، وأَشْبَهَتْ، وقُلْتَ بِأَكْثَرَ، وفَاتَ الْمَبِيعُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ، أَوْ لَمْ يَفُتْ، ولَمْ تَحْلِفْ. وإِنْ وَكَّلْتَهُ عَلَى أَخْذِ جَارِيَةٍ فَبَعَثَ بِهَا فَوُطِئَتْ، ثُمَّ قَدِمَ بِأُخْرَى، وقَالَ هَذِهِ لَكَ، فَالأُخْرَى وَدِيعَةٌ، وإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وحَلَفَ أَخَذَهَا، إِلا أَنْ تَفُوتَ بِكَوَلَدٍ أَوْ تَدْبِيرٍ، إِلا لِبَيِّنَةٍ، ولَزِمَتْكَ الأُخْرَى، وإِنْ أَمَرْتَهُ بِمِائَةٍ، فَقَالَ: أَخَذْتُهَا بِمِائَةٍ وخَمْسِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفُتْ خُيِّرْتَ فِي أَخْذِهَا بِمَا قَالَ، وإِلا لَمْ يَلْزَمْكَ إِلا الْمِائَةُ، وإِنْ رْدَّتْ دَرَاهِمُكَ لِزَيْفٍ، فَإِنْ عَرَفَهَا مَأْمُورُكَ لَزِمَتْكَ وهَلْ، وإِن قَبَضْتَ؟ تَأْوِيلانِ وإِلا فَإِنْ قَبِلَهَا، حَلَفَتْ وهَلْ مُطْلَقاً؟ أَوْ لِعُدْمِ الْمَأْمُورِ مَا دَفَعْتَ إِلا جِيَاداً فِي عِلْمِكَ ولَزِمَتْهُ؟ تَأْوِيلانِ.
الشرح:
قوله: (ولأَحَدِ الوَكِيليْنِ الاسْتِبْدَادُ، إِلا لِشَرْطٍ) كذا قَالَ ابن الحَاجِب، تبعاً لابن شاس فقال ابن عبد السلام: يعني أنّ أمر الوَكِيلين مخالف للوصيين فإنه لا يجوز لأَحَدهمَا الاستبداد. ونحوه لابن هارون فقال ابن عَرَفَة: لا أعرفه لغيرهم، وكذا تعقبه المصنف فِي "توضيحه" فيشبه أن يكون قَالَ هنا: ولا لأحد الوَكِيلين بزيادة لا النافية عطفاً عَلَى قوله: (فلا يؤخر للإشهاد) ولكن سقط للناقل لفظ لا، ويمكن أن يكون اتبع من ذكرنا منشداً بلسان حاله:
وهَلْ أنا إلاّ مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ ** غَوَيْتُ، وإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ


متن الخليل:
وإِلا حَلَفْتَ كَذَلِكَ، وحَلَفَ الدافع، وفِي الْمُبَدَّإِ تَأْوِيلانِ. وانْعَزَلَ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ، إِن عَلِمَ، وإِلا فَتَأْوِيلانِ، وفِي عَزْلِهِ بِعَزْلِهِ. ولَمْ يَعْلَمْ خِلافٌ وهَلْ لا تَلْزَمُ، أَوْ إِن وَقَعَتْ بِأُجْرَةٍ أَوْ جُعْلٍ، فَكَهُمَا، وإِلا لَمْ تَلْزَمْ؟ تَرَدُّدٌ.
الشرح:
قوله: (وَإِلا حَلَفْتَ كَذَلِكَ، وحَلَفَ الدافع) كذا هو فِي أكثر النسخ أي: وإِن لَمْ يقبلها المأمور ولا عرفها حلفت أيها الموكل ما دفعت إِلا جياداً فِي علمك؟ وحلف أَيْضاً الدافع الذي هو الوَكِيل، وهو راجع لما فِي "المدونة". والله تعالى أعلم.