فصل: فصل القيام وبدله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شفاء الغليل في حل مقفل خليل



.فصل في ستر العورة:

هَلْ سَتْرُ عَوْرَتِهِ بِكَثِيفٍ وإِنْ بِإِعَارَةٍ، أَوْ طَلَبَ، أَوْ نَجِسٍ وحْدَهُ، كَحَرِيرٍ. وهُوَمُقَدَّمٌ شَرْطٌ إِنْ ذَكَرَ وقَدَرَ، وإِنْ بِخَلْوَةٍ لِلصَّلاةِ؟ خِلافٌ.
الشرح:
قوله: (وإن بإعارة) أي دون طلب؛ ولذا لَمْ يقل باستعارة، ويدلُّ عَلَى ذلك عطف الطلب عليه.

متن الخليل:
وهِيَ مِنْ رَجُلٍ وأَمَةٍ وإِنْ بِشَائِبَةٍ وحُرَّةٍ مَعَ امْرَأَةٍ بَيْنَ سُرَّةٍ ورُكْبَةٍ ومَعَ أَجْنَبِيٍّ - غَيْرُ الْوَجْهِ والْكَفَّيْنِ.
الشرح:
قوله: (بَيْنَ سُرَّةٍ ورُكْبَةٍ) حقيقة البينية تعطي أنهما غير داخلتين وهو الذي اختار من الخلاف فِي المسائل الثلاث، وإن كان بعضها أوكد، زاد فِي "التوضيح": واعلم أنه إِذَا خشي من الأمة الفتنة وجب الستر لرفع الفتنة، لا لأن ذلك عورة.

متن الخليل:
وأَعَادَتْ لِصَدْرِهَا، وأَطْرَافِهَا، بِوَقْتٍ، كَكَشْفِ أَمَةٍ فَخْذاً، لا رَجُلٍ، ومَعَ مَحْرَمٍ غَيْرُ الْوَجْهِ والأَطْرَافِ، وتَرَى مِنَ الأَجْنَبِيِّ مَا يَرَاهُ مِنْ مَحْرَمِهِ، ومِنَ الْمَحْرَمِ كَرَجُلٍ مَعَ مِثْلِهِ، ولا تُطْلَبُ أَمَةٌ بِتَغْطِيَةِ رَأْسٍ.
الشرح:
قوله: (وأَعَادَتْ لِصَدْرِهَا، وأَطْرَافِهَا، بِوَقْتٍ) يريد وكذا لشعرها كما فِي "المدوّنة"، والوقت فِي الظهرين للاصفرار، وفِي العشاءين الليل كلّه عَلَى مذهب "المدوّنة".
فإن قلت: فلم سكت عن الشعر وأجمل الوقت؟
قلت: لأنه سيقول بعد: (وأَعَادَتْ إنْ رَاهَقَتْ لِلِاصْفِرَارِ كَكَبِيرَةٍ إنْ تَرَكَتْ الْقِنَاعَ)، وفيه تلويح ببيان الوقت لاتحاد الباب وتصريح بمسألة الشعر.
فائدة:
المعيدون فيها ثلاثون: عشرة للاصفرار، وعشرة للغروب وعشرة لآخر المختار، وقد كنت نظمت أصولهم فِي ثلاث أبيات فقلت:
لِوَقْتِ الاصْفِرَارِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ** طُهْرَانِ لَيْسَ قبلة مبينة

ومطلق العُذرِ إِلَى الغروب ** كالْعَجزِ عن طُهْرٍ وكالترتيب

ولاختيار مقتدٍ بِمُبْتَدِعِ ** ومُطْلَقُ الْمَسْح ففصل تطلع

أي: فصل الطهرين لخمسة وهي:
من توضأ بماء مختلف فِي نجاسته، ومن تيمم عَلَى موضعٍ نجس، ومن صلى ومعه جلد ميتة ونحوه، ومن صلى بثوبٍ نجس، ومن صلى عَلَى مكانٍ نجس.
وفصّل الُلبس بضم اللام، وهو اللباس لثلاثة وهي:
الحرة إِذَا صلّت بادية الشعر أو الصدر أو ظهور القدمين، ومن صلى بثوب حرير، ومن صلى بخاتم ذهب.
وفصّل القبلة لاثنين:
من أخطأ القبلة، ومن صلى فِي الكعبة أو فِي الحجّر فريضة. فهذه عشرة.
وفصّل مطلق العذر لسبعة وهي:
الكافر يسلم، والصبي يحتلم، والمرأة تحيض و تطهر، والمصاب يفيق أو عكسه، والمسافر يقدم أو عكسه، ومن صلى فِي السفر أربعاً، ومن عسر تحويله إِلَى القبلة.
وفصّل الترتيب إِلَى اثنين هما:
من صلى صلوات وهو ذاكر لصلاة، وتارك ترتيب المفعولات إلى العاجز عن طهر الخبث، كمن صلى بثوبٍ نجس لا يجد غيره، فهذه عشرة.
وفصّل مطلق المسح لتسعة وهي:
من تيمم إِلَى الكوعين، وناسي الماء فِي رحله، والخائف من سبعٍ ونحوه، والراجي، والموقن إِذَا تيمم أول الوقت، واليائس إِذَا وجد الماء الذي قدره، والمريض الذي لا يجد مناولاً، والماسح عَلَى ظهور الخفين دون بطونهما، والمستجمر بفحمٍ ونحوه، والمقتدي بالمبتدع، فهذه عشرة، فالمجموع ثلاثون، وإطلاق الإعادة فِي جميعهم تغليب.

متن الخليل:
ونُدِبَ سَتْرُهَا بِخَلْوَةٍ ولأُمِّ ولد، وصَغِيرَةٍ، سَتْرٌ وَاجِبٌ عَلَى الْحُرَّةِ، وأَعَادَتْ إِنْ رَاهَقَتْ لِلاصْفِرَارِ، كَكَبِيرَةٍ، إِنْ تَرَكَتِ الْقِنَاعَ، كَمُصَلٍّ بِحَرِيرٍ، وإِنِ انْفَرَدَ، أَوْ بِنَجِسٍ بِغَيْرٍ أَوْ بِوُجُودِ مُطَهِّرٍ.
الشرح:
قوله: (ونُدِبَ سَتْرُهَا بِخَلْوَةٍ) أي: وندُب ستر العورة فِي غير الصلاة فِي الخلوة،وأما فِي الصلاة فقد تقدّم، ولا يليق أن يحمل كلامه إلاّ عَلَى هذا.

متن الخليل:
وإِنْ ظَنَّ عَدَمَ صَلاتِهِ وصَلَّى بِطَاهِرٍ لا عَاجِز صَلَّى عُرْيَاناً.
الشرح:
قوله: (لا عَاجِزٌ صَلَّى عُرْيَاناً) هذا قول ابن القاسم فِي سماع عيسى: أنه لا يعيد إن وجد ثوباً فِي الوقت، ولَمْ يحك ابن رشد غيره، وقال المازري: المذهب يعيد فِي الوقت.
قال ابن عرفة: وتبعوه. انتهى، ولَمْ يتبعه المصنف.

متن الخليل:
وتَلَثُّمٌ كَكَشْفِ مُشْتَرٍ صَدْراً أَوْ سَاقاً وصَمَّاءُ بِسَتْرٍ وإِلا مُنِعَتْ كَاحْتِبَاءٍ لا سَتْرَ مَعَهُ وعَصَى.
الشرح:
قوله: (كَكَشْفِ مُشْتَرٍ صَدْراً أَوْ سَاقاً) يعني: أنه يكره لمشتري الأمة كشف صدرها أو ساقها للتقليب، ذكره اللخمي عن مالك فِي "الواضحة": أنه يكره للرجل أن يكشف من الأمة عند استعراضه إياها شيئاً، لا معصماً ولا صدراً ولا ساقاً، وفِي بعض النسخ (مسدل) عوض (مشتر) والمعروف فِي اللغة سادل من سدل ثلاثًيا.
متن الخليل:
وَصَحَّتْ إِنْ لَبِسَ حَرِيراً، أَوْ ذَهَباً، أَوْ سَرَقَ، أَوْ نَظَرَ مُحَرَّماً فِيهَا، وإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلا سِتْراً لأَحَدِ فَرْجَيْهِ فَثَالِثُهَا يُخَيَّرُ، ومَنْ عَجَزَ صَلَّى عُرْيَاناً، فَإِنِ اجْتَمَعُوا بِظَلامٍ فَكَالْمَسْتُورِينَ، وإِلا تَفَرَّقُوا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صَلَّوْا قِيَاماً، غَاضِّينَ، إِمَامُهُمْ وَسَطَهُمْ، فَإِنْ عَلِمَتْ فِي صَلاةٍ بِعِتْقٍ مَكْشُوفَةُ رَأْسٍ أَو وَجَدَ عُرْيَانٌ ثَوْباً اسْتَتَرَا، إِنْ قَرُبَ، وإِلا أَعَادَا بِوَقْتٍ، وإِنْ كَانَ لِعُرَاةٍ ثَوْبٌ صَلَّوْا أَفْذَاذاً، أَوْ لأَحَدِهِمْ، نُدِبَ لَهُ إِعَارَتَهُمْ.
الشرح:
قوله: (أَوْ نَظَرَ مُحَرَّماً) ظاهره: حتى عورة إمامه، وعورة نفسه خلافاً لابن عيشون الطليطلي، إذ نقل عنه ابن عرفة وغيره: أن من نظر عورة إمامه أو نفسه بطلت صلاته بخلاف غيرهما ما لَمْ يشغله ذلك أو يتلذذ به. انتهى. فقف عَلَى جعله النظر إِلَى عورة نفسه محرماً وقادحاً، إلاّ أن هذا فِي الصلاة، وأمّا فِي غيرها فغاية ما ذكر أبو عبد الله بن الحاجّ فِي المدخل: أن من آداب الأحداث أن لا ينظر إِلَى عورته ولا إِلَى الخارج منها إلا لضرورة. والله سبحانه أعلم.

.فصل في استقبال القبلة:

ومَعَ الأَمْنِ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ، فَإِنْ شَقَّ فِفِي الاجْتِهَادِ نَظَرٌ، وإِلا فَالأَظْهَرُ جِهَتُهَا اجْتِهَاداً، كَإِنْ نُقِضَتْ.
الشرح:
قوله: (وإِلا فَالأَظْهَرُ جِهَتُهَا اجْتِهَاداً) ظاهره أن هذا الاستظهار لابن رشد، ولَمْ أجده له فِي "البيان" ولا فِي "المقدمات"، وإنما وجدته لابن عبد السلام، وهو ظاهر كلام غير واحد.

متن الخليل:
وَبَطَلَتْ إِنْ خَالَفَهَا، وإِنْ صَادَفَ. وصَوْبُ سَفَرِ قَصْرٍ لِرَاكِبِ دَابَّةٍ فَقَطْ. وإِنْ بِمَحْمِلٍ بَدَلٌ فِي نَفْلٍ، وإِنْ وِتْراً، وإِنْ سَهُلَ الابْتِدَاءُ لَهَا.
الشرح:
قوله: (وبَطَلَتْ إِنْ خَالَفَهَا) وجدت معلقاً عليه بخطّ شيخنا الفقيه الحافظ أبي عبد الله القوري: صوابه إن خالفه، أي: إن خالف اجتهاده.

متن الخليل:
لا سَفِينَةٍ فَيَدُورُ مَعَهَا إِنْ أَمْكَنَ، وهَلْ إِنْ أَوْمَأَ أَوْ مُطْلَقاً؟ تَأْوِيلانِ،، ولا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ غَيْرَهُ. ولا مِحْرَاباً إِلا لِمِصْرٍ، وإِنْ أَعْمَى وسَأَلَ عَنِ الأَدِلَّةِ، وقَلَّدَ غَيْرُهُ مُكَلَّفاً عَارِفاً أَوْ مِحْرَاباً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَوْ تَحَيَّرَ مُجْتَهِدٌ تَخَيَّرَ، ولَوْ صَلَّى أَرْبَعاً لَحَسُنَ واخْتِيرَ وإِنْ تَبَيَّنَ خَطَأٌ بِصَلاةٍ قَطَعَ غَيْرُ أَعْمَى ومُنْحَرِفٍ يَسِيراً فَيَسْتَقْبِلانِهَا، وبَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ، وهَلْ يُعِيدُ النَّاسِي أَبَداً؟ خِلافٌ. وجَازَتْ سُنَّةٌ فِيهَا، وفِي الْحِجْرِ لأَيِّ جِهَةٍ لا فَرْضٌ فَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ وأُوِّلَ بِالنِّسْيَانِ وبِالإِطْلاقِ.
الشرح:
قوله: (وهَلْ إِنْ أَوْمَأَ أَوْ مُطْلَقاً؟ تَأْوِيلانِ) قد يتبادر من لفظه أن التأولين راجعان للدوران ومفرعان عليه، وإنما هما فِي وجه منع النفل فِي السفينة إيماءً حيثما توجّهت به؛ وذلك أنه قال فِي "المدوّنة": ولا يتنفل فِي السفينة إيماءً وحيثما توجهت به مثل الدابة. فتَرَدُّدٌ الشيوخ فِي السبب الذي من أجله منع لك هل لكونه يصلي إيماءً؟ أو لكونه يصلي حيث ما توجهت به.
قال عبد الحقّ فِي "التهذيب": ذكر عن ابن التبان أن ذلك لمن يصلّي إيماءً كما شرط، فأما من يركع ويسجد فيجوز له أن يصلي حيثما توجهت به، وخالفه أبو محمد وقال: ليست كالدابّة ولا يتنفل فيها إلا إِلَى القبلة وإن ركع وسجد. انتهى.
وقد خرج منه أن التأويلين متفقان عَلَى أنه لا يجوز فِي مذهب "المدوّنة" التنفل فِي السفينة إيماءً، وقد صرّح بذلك الشارمساحي فقال: وفِي التنفل فِي المركب إِلَى غير القبلة للضرورة قَوْلانِ؛ لكن عَلَى الجواز لابد أن يسجد بخلاف الدابة فإنه يوميء. انتهى. وعبارة المصنف هنا تنبوا عن هذا، فمن اغترّ بلفظه ولَمْ يأخذ العلم من أصوله فهم الشيء عَلَى غير وجهه.
وقد يمكن ردُّ كلامه إِلَى الصواب، بصرف التأويلين لمجرد المنع المدلول عليه بقوله: (لا سفينة). فتدبره. وبالله تعالى التوفيق.

متن الخليل:
وبَطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا كَالرَّاكِبِ إِلا لالْتِحَامٍ، أَوْ خَوْفٍ مِنْ كَسَبُعٍ، وإِنْ لِغَيْرِهَا، وإِنْ أَمِنَ أَعَادَ الْخَائِفُ بِوَقْتٍ، وإِلا لِخَضْخَاضٍ لا يُطِيقُ النُّزُولَ بِهِ، أَوْ لِمَرَضٍ، فَيُؤَدِّيهَا عَلَيْهَا كَالأَرْضِ فَلَهَا، وفِيهَا كَرَاهَةُ الأَخِيرِ.
الشرح:
قوله: (وبطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا) فيه ثلاث نكت:
الأولى: ظاهره ولو كان بين يديه قطعة من سطحها وهو صحيح، فإن أهل المذهب لا يفصلون فِي ذلك خلافاً لأبي حنيفة.
ولله درّ ابن عرفة حيث قال: ونقل ابن شاس عن المازري عن أشهب: إن كان بين يديه قطعة من سطحها فكجوفها، واتباع ابن الحاجب وشارحيه له وهم؛ إنما نقله المازري عن أبي حنيفة، لا يقال إجراءه عَلَى السمت يوجب بقاء جزء من سطحها، وإلا فلا سمت؛ لأن شاذروانه منه فهواؤه سمت. انتهى.
وقد وقفت عليه فِي "شرح التلقين" منسوباً لأبي حنيفة لا لأشهب، وممن تبع ابن شاس فِي ذلك القرافي فِي "ذخيرته".
الثانية: ظاهره أيضاً أن النفل عَلَى ظهرها صحيح وفاقاً لابن الجلاب خلافاً لابن حبيب.
الثالثة: الفرض فِي مطمورة فِي جوفها أحرى بالبطلان، فقد قال فِي "الطراز": لو جوّزنا الصلاة فِي الكعبة أو عَلَى ظهرها لَمْ تجز فِي سرب تحتها أو مطمورة؛ لأن البيوت شأنها أن ترفع وليس شأنها أن تنزل؛ ولذلك حكمنا بأن سطوح المساجد كالمساجد فِي الأحكام، بخلاف ما لو حفر تحتها بيتاً فإنه يجوز أن تدخله الحائض والجنب.

.فصل فَرَائِضُ الصَّلاةِ:

تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ وقِيَامٌ لَهَا إِلا لِمَسْبُوقٍ فتَأْوِيلانِ، وإِنَّمَا يُجْزِئُ اللهُ أَكْبَرُ، وإِنْ عَجَزَ سَقَطَ، ونِيَّةُ الصَّلاةِ الْمُعَيَّنَةِ، ولَفْظُهُ وَاسِعٌ، وإِنْ تَخَالَفَا فَالْعَقْدُ والرَّفْضُ مُبْطِلٌ، كَسَلامٍ أَوْ ظَنِّهِ فَأَتَمَّ بِنَفْلٍ إِنْ طَالَتْ أَوْ رَكَعَ، وإِلا فَلا، كَأَنْ لَمْ يَظُنَّهُ أَوْ عَزُبَتْ أَوْ لَمْ يَنْوِ الرَّكْعَاتِ أَوِ الأَدَاءَ أَوْ ضِدَّهُ، ونِيَّةُ اقْتِدَاءِ الْمَأْمُومِ، وجَازَ لَهُ دُخُولٌ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الإِمَامُ.
وبَطَلَتْ بِسَبْقِهَا إِنْ كَثُرَ وإِلا فَخِلافٌ وفَاتِحَةٌ بِحَرَكَةِ لِسَانٍ عَلَى إِمَامٍ وفَذٍّ وإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ، وقِيَامٌ لَهَا فَيَجِبُ تَعَلُّمُهَا إِنْ أَمْكَنَ، وإِلا ائْتَمَّ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنَا فَالْمُخْتَارُ سُقُوطُهُمَا.
ونُدِبَ فَصْلٌ بَيْنَ تَكْبِيرِهِ ورُكُوعِهِ، وهَلْ تَجِبُ الْفَاتِحَةُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَوِ الْجُلِّ؟ خِلافٌ، وإِنْ تَرَكَ آيَةً مِنْهَا سَجَدَ، ورُكُوعٌ تَقْرُبُ رَاحَتَاهُ فِيهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ونُدِبَ تَمْكِينُهُمَا، ونَصْبُهُمَا،ورَفْعٌ مِنْهُ، وسُجُودٌ عَلَى جَبْهَتِهِ.
وأَعَادَ لِتَرْكِ أَنْفِهِ بِوَقْتٍ، وسُنَّ عَلَى أَطْرَافِ قَدَمَيْهِ، ورُكْبَتَيْهِ كَيَدَيْهِ عَلَى الأَصَحِّ، ورَفْعٌ مِنْهُ، وسُجُودٌ لِسَلامٍ، وسَلامٌ، عُرِّفَ بِأَلْ، وفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْخُرُوجِ بِهِ خِلافٌ.
وأَجْزَأَ فِي تَسْلِيمَةِ الرَّدِ سَلامٌ عَلَيْكُمْ، وعَلَيْكُمُ السَّلامُ، وطُمَأْنِينَتُهُ، وتَرْتِيبُ أَدَاءٍ واعْتِدَالٌ عَلَى الأَصَحِّ.
والأَكْثَرُ عَلَى نَفْيِهِ. وسُنَنُهَا سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الأُولَى والثَّانِيَةِ، وقِيَامٌ لَهَا، وجَهْرٌ أَقَلُّهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ ومَنْ يَلِيهِ، وسِرٌّ بِمَحَلِّهِمَا، وكُلُّ تَكْبِيرَةٍ، إِلا الإِحْرَامَ وسَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لإِمَامٍ وفَذٍّ، وكُلُّ تَشَهُّدٍ، والْجُلُوسُ الأَوَّلُ، والزَّائِدُ عَلَى قَدْرِ السَّلامِ مِنَ الثَّانِي وعَلَى الطُّمَأْنِينَةِ، ورَدُّ مُقْتَدٍ عَلَى إِمَامِهِ، ثُمَّ يَسَارِهِ، وبِهِ أَحَدٌ، وجَهْرٌ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ فَقَطْ، وإِنْ سَلَّم عَلَى يَسَارِهِ ثُمَّ تَكَلَّمَ لَمْ تَبْطُلْ، وسُتْرَةٌ لإِمَامٍ وفَذٍّ، إِنْ خَشِيَا مُرُوراً بِطَاهِرٍ ثَابِتٍ، غَيْرِ مُشْغِلٍ، فِي غِلْظِ رُمْحٍ، وطُولِ ذِرَاعٍ، لا دَابَّةٍ وحَجَرٍ واحد وخَطٍّ، وأَجْنَبِيَّةٍ، وفِي الْمَحْرَمِ قَوْلانِ وأَثِمَ مَارٌّ لَهُ مَنْدُوحَةٌ، ومُصَلٍّ تَعَرَّضَ.
الشرح:
قوله: (وَجَازَ لَهُ دُخُولٌ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الإِمَامُ) هذا ـ والله سبحانه أعلم ـ خاص بمسألة الجمعة والظهر، ومسألة السفر والإقامة.
أمّا الأولى فقال فيها اللخمي: أجاز أشهب فِي "كتاب محمد" أن يدخل عَلَى نية الإمام وإن لَمْ يعلم فِي أي صلاة هو، فقال فيمن صلى مع الإمام وهو لا يدري أهو يوم الجمعة أو يوم الخميس؟: يجزيه ما صادف من ذلك. وأصله إهلال عليٍّ وأبي موسى ـ رضي الله تعالى عنهما ـ فِي حجة الوداع بما أهلّ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأما الثانية: فقال فيها ابن رشد فِي رسم القبلة من سماع ابن القاسم: ولو دخل خلفهم ينوي صلاتهم وهو لا يعلم إن كانوا مقيمين أو مسافرين لأجزأته صلاته قولاً واحداً، وحجته حديث عليّ وأبي موسى المتقدم ـ رضي الله تعالى عنهما وقال ابن عرفة: قوله: قولاً واحداً. خلاف قول المازري وابن بشير فِي لزوم نية عدد الركعات قَوْلانِ. انتهى.
وقد ذكره ابن يونس بزيادة بيان فِي الثانية؛ وذلك أنه حكى عن أشهب عدم الإجزاء فيمن ظنّ الخميس جمعة وعكسه، ثم قال ما نصّه: "ولو أنه حين دخل نوى صلاة إمامه ما صادف من ذلك أجزأه، سحنون مثله"، وقال فِي مقيم أو مسافر دخل مع إمام لا يدري ما هو، ونوى صلاة إمامه: أجزأه، وإن خالفه، ويتم المقيم بعد المسافر ويتم المسافر مع المقيم. انتهى.
وقد أغفله ابن عرفة، واقتصر عَلَى نقل اللخمي وابن رشد المتقدمين.

.سنن الصلاة ومكروهاتها:

وَإِنْصَاتُ مُقْتَدٍ، ولَوْ سَكَتَ إِمَامُهُ. ونُدِبَتْ إِنْ أَسَرَّ كَرَفْعِ يَدَيْهِ مَعَ إِحْرَامِهِ حِينَ شُرُوعِهِ وتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ صُبْحٍ، والظُّهْرُ تَلِيهَا، وتَقْصِيرُهَا بِمَغْرِبٍ وعَصْرٍ، كَتَوَسُّطٍ بِعِشَاءٍ، وثَانِيَةٍ عَنْ أُولَى، وجُلُوسُ أَوَّلٍ، وقَوْلُ مُقْتَدٍ وفَذٍّ: رَبَّنَا ولَكَ الْحَمْدُ، وتَسْبِيحٌ بِرُكُوعٍ وسُجُودٍ، وتَأْمِينُ فَذٍّ مُطْلَقاً، وإِمَامٍ بِسِرٍّ، ومَأْمُومٍ بِسِرٍّ، أَوْ جَهْرٍ إِنْ سَمِعَهُ عَلَى الأَظْهَرِ، وإِسْرَارُهُمْ بِهِ، وقُنُوتٌ سِرَّاً بِصُبْحٍ فَقَطْ، وقَبْلَ الرُّكُوعِ، ولَفْظُهُ وهُوَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ إِلَى...آخِرِهِ، وتَكْبِيرُهُ فِي الشُّرُوعِ، إِلا فِي قِيَامِهِ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَلاسْتِقْلالِهِ والْجُلُوسُ كُلُّهُ بِإِفْضَاءِ الْيُسْرَى لِلأَرْضِ، والْيُمْنَى عَلَيْهَا وإِبْهَامِهَا لِلأَرْضِ.
الشرح:
قوله: (وإِنْصَاتُ مُقْتَدٍ، ولَوْ سَكَتَ إِمَامُهُ) ظاهره أن إنصات المقتدي بالإمام فِي الجهرية سنة، ولو كان إمامه ممن يسكت بين التكبير والفاتحة أو بعد الفاتحة، وهو خلاف ما له فِي "التوضيح" فإنه قال فيه ما نصه: والقراءة مع الإمام فيما يجهر فيه مكروهة، وهذا إِذَا كان الإمام يصل قراءته بالتكبير، فإن كان الإمام ممن يسكت بعد التكبير سكتة، ففي "المجموعة" من رواية ابن نافع عن مالك: يقرأ من خلفه فِي سكتته أم القرآن وإن كان قبل قراءته.
قال الباجي: ووجه ذلك أن اشتغاله بالقراءة أولى من تفرغه للوسواس وحديث النفس، إِذَا لَمْ يقرأ الإمام قراءة ينصت لها ويتدبر معها. قال المصنف: وعَلَى هذا إِذَا كان الإمام ممن يسكت بعد الفاتحة كما يفعل الشافعية فيقرؤها المأموم. انتهى.
فظاهر ما فِي "التوضيح": أنه جعل رواية ابن نافع تفسيراً، وظاهر ما هنا أنه جعلها خلافاً، وأشار لها بلو، وقد اقتصر ابن عرفة عَلَى نقل هذه الرواية من طريق الباجي، ولَمْ يتناول لكونها تقييداً للإطلاقات أو خلافاً لها. والله تعالى أعلم.

متن الخليل:
وَوَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِرُكُوعِهِ، ووَضْعُهُمَا حَذْوَأُذُنَيْهِ أَوْ قُرْبَهُمَا بِسُجُودٍ، ومُجَافَاةُ رَجُلٍ فِيهِ بَطْنَهُ فَخْذَيْهِ، ومِرْفَقَيْهِ رُكْبَتَيْهِ، والرِّدَاءُ، وسَدْلُ يَدَيْهِ، وهَلْ يَجُوزُ الْقَبْضُ فِي النَّفْلِ، أَوْ إِنْ طَوَّلَ؟ وهَلْ كَرَاهَتُهُ فِي الْفَرْضِ لِلاعْتِمَادِ، أَوْ خِيفَةَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ، أَوْ إِظْهَارِ خُشُوعٍ؟ تَأْوِيلاتٌ. وتَقْدِيمُ يَدَيْهِ فِي سُجُودِهِ، وتَأْخِيرُهُمَا عِنْدَ الْقِيَامِ، وعَقْدُ يُمْنَاهُ فِي تَشَهُّدَيْهِ الثَّلاثَ، مَادَّاً السَّبَّابَةَ والإِبْهَامَ، وتَحْرِيكُهُمَا دَائِماً، وتَيَامُنٌ بِالسَّلامِ، ودُعَاءٌ بِتَشَهُّدٍ ثَانٍ، وهَلْ لَفْظُ التَّشَهُّدِ والصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سُنَّةٌ أَوْ فَضِيلَةٌ؟ خِلافٌ.
الشرح:
قوله: (ووَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِرُكُوعِهِ) يكفي عنه قوله قبل: (وندب تمكينهما منهما)؛ ولذلك يوجد فِي بعض النسخ بإسقاط لفظ (بِرُكُوعِهِ) وخفض لفظ (وَضْعُ) عطفاً عَلَى قوله: (بِإِفْضَاءِ الْيُسْرَى)، فيكون من تمام صفة الجلوس وكأنه اصلاح.

متن الخليل:
ولا بَسْمَلَةَ فِيهَ وجَازَتْ كَتَعَوُّذٍ بِنَفْلٍ.
وكُرِهَا بِفَرْضٍ كَدُعَاءٍ قَبْلَ قِرَاءَةٍ، وبَعْدَ فَاتِحَةٍ، وأَثْنَاءَهَا وأَثْنَاءَ سُورَةٍ، ورُكُوعٍ، وقَبْلَ تَشَهُّدٍ، وبَعْدَ سَلامِ إِمَامٍ، وتَشَهُّدٍ أَوَّلَ، لا بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ، ودَعا بِمَا أَحَبَّ، وإِنْ لِدُنْيَا، وسَمَّى مَنْ أَحَبَّ، ولَوْ قَالَ يَا فُلانُ فَعَلَ اللهُ بِكَ كَذَا، لَمْ تَبْطُلْ، وكُرِهَ سُجُودٌ عَلَى ثَوْبٍ لا حَصِيرٍ، وتَرْكُهُ أَحْسَنُ، ورَفْعُ موميء مَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ، وسُجُودٌ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ طَرْفِ كُمٍّ، ونَقْلُ حَصْبَاءَ مِنْ ظِلٍّ لَهُ بِمَسْجِدٍ، وقِرَاءَةٌ بِرُكُوعٍ وسُجُودٍ، ودُعَاءٌ خَاصٌّ أَوْ بِعْجَمِيَّةٍ لِقَادِرٍ، والْتِفَاتٌ بِلا حَاجَةٍ، وتَشْبِيكُ أَصَابِعَ، وفَرْقَعَتُهَا، وإِقْعَاءٌ، وتَخَصُّرٌ وتَغْمِيضُ بَصَرِهِ، ورَفْعُهُ رِجْلاً، ووَضْعُ قَدَمٍ عَلَى أُخْرَى، وإِقْرَانُهُمَا وتَفَكُّرٌ بِدُنْيَوِيٍّ، وحَمْلُ شَيْءٍ بِكُمٍّ أَوْ فَمٍ، وتَزْوِيقُ قِبْلَةٍ، وتَعَمُّدُ مُصْحَفٍ فِيهِ لِيُصَلِّيَ لَهُ، وعَبَثٌ بِلِحْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ غَيْرِ مُرَبَّعٍ، وفِي كُرْهِ الصَّلاةِ بِهِ قَوْلانِ.

.فصل القيام وبدله:

يَجِبُ بِفَرْضٍ قِيَامٌ، إِلا لِمَشَقَّةٍ ولِخَوْفِهِ بِهِ فِيهَا، أَوْ قَبْلُ ضَرَراً كَالتَّيَمُّمِ كَخُرُوجِ رِيحٍ، ثُمَّ اسْتِنَادٌ لا لِجُنُبٍ وحَائِضٍ، ولَهُمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ جُلُوسٌ كَذَلِكَ، وتَرَبَّعَ كَالْمُتَنَفِّلِ، وغَيَّرَ جِلْسَتَهُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ، ولَوْ سَقَطَ قَادِرٌ بِزَوَالِ عِمَادٍ بَطَلَتْ، وإِلا كُرِهَ، ثُمَّ نُدِبَ عَلَى أَيْمَنَ، ثُمَّ أَيْسَرَ، ثُمَّ ظَهْرٍ.
الشرح:
قوله: (وَلا بَسْمَلَةَ فِيهَ) أي: فِي التشهد. قال فِي "المدوّنة" قال مالك: ولا أعرف فِي التشهد {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} كذا اختصره أبو سعيد وغيره بزيادة: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وأما البسملة فِي القراءة فقد نبّه عليها بقوله: (وكرها بفرض).

متن الخليل:
وأَوْمَأَ عَاجِزٌ إِلا عَنِ الْقِيَامِ.
الشرح:
قوله: (وأَوْمَأَ عَاجِزٌ إِلا عَنِ الْقِيَامِ) أي: أن من عجز عن غير القيام من ركوع وسجود وجلوس، ولَمْ يقدر إلّا عَلَى القيام فإنه يوميء من القيام للركوع والسجود قال فِي "المدوّنة": وإن لَمْ يقدر إلاّ عَلَى القيام كانت صلاته كلّها قياماً ويوميء بالسجود أخفض من الركوع.

متن الخليل:
وَمَعَ الْجُلُوسِ أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ مِنْهُ، وهَلْ يَجِبُ فِيهِ الْوُسْعُ ويُجْزِئُ إِنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ؟ تَأْوِيلانِ، وهَلْ يُومِئُ بِيَدَيْهِ أَوْ يَضَعُهُمَا عَلَى الأَرْضِ، وهُوَالْمُخْتَارُ كَحَسْرِ عِمَامَتِهِ بِسُجُودٍ؟ تَأْوِيلانِ، وإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكُلِّ، وإِنْ سَجَدَ لا يَنْهَضُ، أَتَمَّ رَكْعَةً ثُمَّ جَلَسَ وإِنْ خَفَّ مَعْذُورٌ انْتَقَلَ لِلأَعْلَى، وإِنْ عَجَزَ عَنْ فَاتِحَةٍ قَائِماً جَلَسَ.
الشرح:
قوله (ومَعَ الْجُلُوسِ أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ مِنْهُ) أي: وإن لَمْ يقدر إلا عَلَى القيام مع الجلوس، فإنه يوميء للسجود من الجلوس، وأما الركوع فيوميء له من القيام كالذي تقدّم.
وقال فِي "المدوّنة": وإن قدر عَلَى القيام ولَمْ يقدر عَلَى الركوع قام وأومأ لركوعه ومدّ يديه إِلَى ركبتيه فِي إيمائه، ويجلس ويسجد إن قدر وإلاّ أومأ بالسجود جالساً، وظاهر قوله: أومأ للسجود جالساً أن ذلك فِي السجدتين، وبه قطع اللخمي، وهو الذي اعتمده المصنف فأطلق فِي قوله: (أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ مِنْهُ). وذهب أبو إسحاق التونسي النظار إِلَى: أنه يوميء للسجدة الأولى من انحطاطه بعد الركوع؛ لأنه لا يجلس قبلها، فإن تعذر جلس ثم أومأ بها، وعزاه ابن بشير للأشياخ، وهو عَلَى الخلاف فِي الحركة إِلَى الأركان.
متن الخليل:
وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إِلا عَلَى نِيَّةٍ، أَوْ مَعَ إِيمَاءٍ بِطَرْفٍ، فَقَالَ وغَيْرُهُ لا نَصَّ، ومُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ، وجَازَ قِدْحُ عَيْنٍ أَدَّى لِجُلُوسٍ، لا اسْتِلْقَاءٍ، فَيُعِيدُ أَبَداً، وصُحِّحَ عُذْرُهُ أَيْضاً، ولِمَرِيضٍ سَتْرُ نَجِسٍ بِطَاهِرٍ، لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ كَالصَّحِيحِ عَلَى الأَرْجَحِ.
الشرح:
قوله: (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إِلا عَلَى نِيَّةٍ، أَوْ مَعَ إِيمَاءٍ بِطَرْفٍ، فَقَالَ وغَيْرُهُ لا نَصَّ، ومُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ) فاعل (قال) هو المازري، والمراد بـ: (غيره) ابن بشير وأتباعه، وقد جعلهما المصنف هنا، وفِي "التوضيح" متواردين عَلَى محلٍ واحد وليس كذلك، بل تكلّم ابن بشير عَلَى الذي لا يقدر إلاّ عَلَى النية، وتكلّم المازري عَلَى من يقدر عَلَى النية مع الإيماء بالطرف، وجوابهما مختلفٌ، عَلَى ما تقف عليه إن شاء الله تعالى من نصّهما.
أما المازري فقال فِي "شرح التلقين" ما نصّه: إِذَا لَمْ يستطع المريض أن يوميء برأسه للركوع والسجود فمقتضى المذهب فيما يظهر ليّ: أنّه يوميء بطرفه وحاجبه ويكون مصلياً به مع النية، وبه قالت الشافعية، وقال أبو حنيفة: لا يصلّي فِي هذه الحال وتسقط.
وأمّا ابن بشير فقال: أمّا العاجز فقد ذكرنا حكمه فِي التكبير والقراءة، وأمّا غيرهما من الأركان فإن عجز عن جميعها بالمرض أو ما فِي معناه فلا يخلو من أن يقدر عَلَى حركة بعض الأعضاء من رأس أو يدّ أو حاجب.. أو غير ذلك من الأعضاء، فهذا لا خلاف أنه يصلّي ويوميء بما قدر عَلَى حركته، فإن عجز عن جميع ذلك سوى النية بالقلب فهل يصلي أو لا؟
هذه الصورة لا نصّ فيها فِي المذهب، وأوجب الشافعي القصد إِلَى الصلاة، ومذهب أبي حنيفة إسقاط الصلاة عمن وصل إِلَى هذه الحال، وأمّا نحن فقد طال بحثنا عن المذهب فلم نجد فيها نصاً، والذي ينتحله أصحابنا فِي المذاكرات ما قالته الشافعية، مع العجز عن نصٍّ أو دليل يقتضيه، والاحتياط مذهب الشافعي، والرجوع إِلَى براءة الذمة مذهب أبي حنيفة، ولا يبعد أن يختلف فيها المذهب إن وجد فيها نصّ. انتهى مختصراً.
وسلك مسلكه غير واحد كابن الحاجب إذ قال: فلو عجز عن كلّ أمرٍ سوى نيته فلا نصّ، وعن الشافعي وجوب القصد، وعن أبي حنيفة سقوطه. وبعد ما نقل المصنف فِي "توضيحه" كلام المازري المتقدّم قال: وعليه فقول ابن الحاجب: عجز عن كلّ أمرٍ سوى نيته ليس بجيّد؛ لأنه يقتضي أنه لو قدر عَلَى تحريك عينيه لزمته الصلاة بلا إشكال، وهو محمل عدم النصّ عَلَى ما قاله المازري. انتهى.
فقد جعل كلام المازري وابن بشير فِي معرضٍ واحد، كما فعل فِي " مختصره"، وشبهته فِي ذلك أنهما معاً نسبا الوجوب للشافعي والسقوط لأبي حنيفة، وأنت إِذَا تأملت ذلك بان لك أن المازري تكلّم عَلَى الذي يقدر عَلَى بعض الإيماء وذلك بطرفه أو حاجبه مع النية، ولَمْ يصرّح بنفي وجوده فِي المذهب جملة، بل قال: مقتضى المذهب الوجوب، وابن بشير صرّح بأن القادر عَلَى الإيماء بحاجبٍ أو غيره لا خلاف ـ أي فِي المذهب ـ أنه يصلّي ويوميء، وإنما نفى النصّ عن العاجز عن جميع ذلك سوى النية بالقلب، ولَمْ يقل مقتضى المذهب الوجوب، بل أقرّ بالعجز عن دليلٍ يقتضيه.
ومما يزيد فِي بيان ذلك ما يأتي إن شاء لله تعالى لابن عبد السلام من الاحتمال فيمن تحت الهدم، ولله در ابن عرفة حيث فرّق بين المحلّين، فعزا إلحاق الطرف بالظهر والرأس للمازري قائلاً: وفيها الإيماء بظهره أو رأسه، المازري: أو الطرف لمن عجز عن غيره، وعزا نفي النص فِي العجز عن غير النية لابن بشير وأتباعه كما يأتي. إن شاء الله تعالى.
تكميل:
ناقش المحققون من المتأخرين ابن بشير وأتباعه فِي نفي النصّ فِي مسألة العاجز عن غير النية، فقال العلّامة أبو عبد الله بن عبد السلام إن عنى نصّ الدلالة ـ كما هو غالب اصطلاح الأصوليين ـ فهو كذلك؛ لكنه غير اصطلاح الفقهاء، وإن عنى أنه لا نصّ فِي المسألة ـ ولو عَلَى عادة الفقهاء فِي استعمال لفظ النص فيما أفاد من الألفاظ معنى مع الاحتمال المرجوح أو نفيه ـ فليس كذلك؛ إذ النصّ بهذا التفسير فِي كتاب ابن الجلاب إذ قال فيه: ولا تسقط عنه الصلاة ومعه شيٌ من عقله، ونحوه فِي "الرسالة". انتهى.
قال غيره: ولابن بشير وأتباعه أن يمنعوا أن تكون هذه صلاة، ولعل سبب الخلاف بين الحنفي والشافعي: هل النية شرط؟ فلا تجب كسقوط الوضوء عنه بسقوط الصلاة، أو ركن؟ فتجب.
وقال الإمام ابن عرفة: قول ابن بشير ومن تبعه: لا نصّ فِي فاقد غير النية، والشافعي يوجب قصدها، والحنفي يسقطها والأول أحوط ـ قصور؛ لقول ابن رشد، يعني فِي أول سماع أشهب فِي القوم تنكسر بهم المركب، فيتعلقون بالألواح ونحوها، اختلف إن لَمْ يقدروا عَلَى الصلاة أصلاً بإيماءٍ ولا غيره حتى خرج الوقت، فقيل: إن الصلاة تسقط عنهم وهي رواية معن ابن عيسى عن مالكٍ فِي الذين يكتفهم العدو فلا يقدرون عَلَى الصلاة، وقيل إنها لا تسقط عنهم، وعليهم أن يصلّوا بعد الوقت، وهو قوله فِي "المدوّنة" فِي الذين ينهدم عليهم البيت.
قال ابن عرفة: والظاهر نصّ فقهي، وقال ابن عبد السلام أيضاً فِي قول ابن الحاجب آخر باب: التيمم وفيها: ومن تحت الهدم لا يستطيع الصلاة يقضي. إنما ذكر مذهب "المدوّنة" هنا لأنه محتمل أن يؤخذ منه مذهب أصبغ فِي مسألة من لَمْ يجد ماءً ولا تراباً؛ لأنه فِي هذه الحالة يحتمل أن يكون عَلَى غير طهارة ويستطيع أن يحرك أشفار عينيه وشبه ذلك، فيكون المانع له من الصلاة وعدم استطاعته لها إنما هو لعدم استطاعته للطهارة.
وتحتمل المسألة غير هذا أن يكون عَلَى طهارة ولا يكون قادراً عَلَى حركة المضطجع والمريض، لكن يقدر عَلَى ما دون ذلك، كالحركة بأشفار عينيه، فترك الصلاة عَلَى هذه الحالة فيقضي، ويحتمل أن يكون مذهبه فِي المريض الذي لا يستطيع الحركة البتة: القضاء، إِذَا ترك الصلاة بقلبه عَلَى ما هو ظاهر كلام ابن الجلاب. انتهى.
وإنما اغترفا معاً من كلام ابن رشد فِي أول سماع أشهب، وفِي سماع أبي زيد، وكلّ الصيد فِي جوف الفرا.
وأما كلام المازري فِي الإيماء بالطرف فقد تلقاه ابن عبد السلام وابن عرفة بالقبول، كما دلّ عليه ما تقدّم من كلامهما؛ لكن تأمله مع كلام ابن رشد فِي المكتوف ومن انكسر به المركب، فإنهما غير عاجزين عن الإيماء بالعيون والحواجب. وبالله سبحانه التوفيق.

متن الخليل:
ولِمُتَنَفِّلٍ جُلُوسٌ ولَوْ فِي أَثْنَائِهَا إِنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الإِتْمَامِ، لا اضْطِجَاعٌ، وإِنْ أَوَّلاً.
الشرح:
قوله: (لا اضطجاع وإن أولاً) أي: ليس له الاضطجاع فِي النافلة وإن دخل عليه أولاً وابتدأها به.