فصل: الركن الثاني: المحلوف به:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.كتاب الرجعة:

وفيه فصلان:

.الفصل الأول: في أركانها:

وهي ثلاثة:
المرتجع: وسبب الرجعة. ومحلها.

.(الركن) الأول: المرتجع:

وكل من له أهلية النكاح فله الرجعة، ولا يمنع منها المرض ولا الإحرام، وإن منعا من ابتداء النكاح. ولا تقف على إذن السيد في العبد ولا في الأمة.

.الركن الثاني: السبب:

وهو الصيغة، وما يجري مجراها.
فالصيغة كقوله: رجعت، وراجعت، وارتجعت. وقوله: رددتها إلى النكاح. وكذلك لفظ يحتمل الإمساك. وكل لفظ يحتمل الارتجاع إذا نواه به أفاده، كقوله: أعدت الحل، ورفعت التحريم، وشبهه.
ويجري مجرى الصيغة الفعل المقترن بالنية، كالوطء والاستمتاع وشبهه. فإن عري عن النية، فلا تحصل به الرجعة. وقيل: تحصل.
وفي حصولها بمجرد القول من غير نية قولان مبنيان على صحة نكاح الهزل، وهذا أولى بالصحة لأنه رد لما انثلم من النكاح، بخلاف ابتدائه.
ولا يشترط الإشهاد فيها. وإن استحب.
وقال القاضي بكر بن العلاء: يجب.
وتأوله أبو القاسم بن محرز على أن معناه أن لا تثبت الرجعة إلا بالبينة عليها.
قال أبو القاسم: وقال أشهب عن مالك: إذا قال: إذا كان غد فقد راجعتك، لم تكن هذه رجعة. قال أبو القاسم: مراده لا تكون رجعة الآن، لكن تكون رجعة في غد، وعلل بأنها حق له، فكان له تنجيزه وتعليقه بما شاء من مجيء غد، أو قدوم غائب، أو غيره.
ثم ذكر الخلاف في الشفعة، إذا علق أخذها بشرط بعد معرفته بالثمن، ثم قال: وفيه نظر، أنها معاوضة.

.الركن الثالث: المحل:

وهو المعتدة بعد الدخول بوطء جائز في نكاح صحيح عن طلاق تقاصر عن نهاية ما يملك منه الزوج، ابتدأ إيقاعه مجرداً عن العوض، وعن قصد البينونة، ولفظ يقتضيها على خلاف فيهما. ولم يشترط ابن الماجشون جواز الوطء.
فروع: حيث أوجبنا العدة بالخلوة ثبتت الرجعة إن تصادقا على الوطء. وإن ادعاه وأنكرته، ففي ثبوت الرجعة خلاف.
وإذا ادعت انقضاء العدة بوضع الحمل ميتاً أو حياً، ناقصاً أو كاملاً، صدقت إذا كان ذلك ممكناً. وإذا وضعت المعتدة انقضت العدة بوضعها. ويستوي في ذلك العلقة، والمضغة المخلقة، وغير المخلقة، وكل ما تعرف النساء أنه حمل. وإنما تقبل دعواها مع الإمكان.
وإمكان الولد الكامل إلى ستة أشهر من وقت إمكان الوطء. وإمكان انقضاء الإقراء إذا طلقت في الطهر مختلف فيه على الاختلاف في أقل الحيض، وأقل الطهر في العدد والاستبراء.
وروي عن سحنون في الحرة تقول: انقضت عدتي في شهر، قال: أقل ما تصدق فيه أربعون يوماً، ويقبل قولها في مدة الإمكان، على خلاف عادتها إذا لم يكن نادراً.
وفي قبوله في النادر خلاف.
وقال القاضي أبو بكر: عادة النساء عندنا مرة واحدة في الشهر، وقد قلت الأديان في الذكران، فكيف بالنسوان؟ فلا أرى أن تمكن المرأة المطلقة من التزويج إلا بعد ثلاثة أشهر من يوم الطلاق، ولا يسأل عن الطلاق. كان في أول الطهر، أو آخره.
وإذا وطئها بعد قرءين، استأنفت قروء ولا رجعة إلا في الأول منها.

.الفصل الثاني: في أحكام الرجعية:

وهي محرمة الوطء على المشهور، لكن لا حد في وطئها، وتصح مخالعتها، ويصح الإيلاء منها، والظهار، واللعان، والطلاق، ولا خفاء بجريان التوارث، ولزوم النفقة.
ولو قال: زوجاتي طوالق، اندرجت تحته.
وإذا ادعى أنه راجعها قبل انقضاء العدة وأنكرت، فالقول قولها، إذ الأصل عدم الرجعة، إلا أن تقوم له أمارة تصدقه من إقراره بذلك قبل انقضاء العدة، أو تصرفه إليها، أو مبيته عندها. فإن لم يكن ما يصدقه لم يقبل قوله وإن صدقته المرأة.
ثم تمنع إذا صدقته من الأزواج لإقرارها بثبوت العصمة، ولا يمكن من وطئها، وتجب لها النفقة عليه لأنها محبوسة بسببه. فإن قامت بحقها في الوطء، ففي تطليقها عليه بسبب ذلك قولان، سببهما أن حقها ثابت في الوطء، وهو ممنوع منه بالشرع.
قال أبو الحسن اللخمي: وإن أحب الزوج أن يعطيها ربع دينار ويحضر الولي جاز وله جبرها على ذلك.
قال: وإن كانت أمة واعترف سيدها بارتجاع الزوج بعد انقضاء العدة، لم يصدق السيد، ولم يملك الزوج الرجعة.
قال أشهب في كتاب محمد: إلا أن يشاء الزوج أن يدفع ثلاثة دراهم فتكون امرأته، شاء السيد أو أبى، لأنه اعترف أنها امرأته. ويجبر السيد على أن يعقد نكاحها منه.
ولو قال: راجعتك الآن، فقالت: انقضت عدتي بالأمس، فأنكر. أو قالت: انقضت عدتي، فقال: راجعتك بالأمس، فأنكرت، فالقول قولها.
وقال القاضي أبو بكر: لا يقبل قولها: انقضت عدتي، بعد قوله راجعتك، ويقبل قبل ذلك. ولو ارتجع وأشهد، فلما علمت قالت: أسقطت مضغة، فهي مصدقة.
ولو قالت: كنت حضت ثلاث حيض، فقال أشهب: تصدق في الأولى، وفي متى حاضتها، ثم يحسب ما بقي للحيضتين، فما أشبه صدقت فيه بغير يمين، وإن لم يشبه فرجعته رجعة.
فرع:
لو صدقناها في انقضاء عدتها بالحيض بعد دعواه الرجعة، فتزوجت، فاستمرت حاملاً، ووضعت لأقل من ستة أشهر، فلترد إلى الأول، وتكون رجعته رجعة، والولد ولده، وقد تبين كذبها، أو حاضت مع الحمل. ولا تحرم على الثاني، لأنه إنما وطئ ذات زوج.
بسم الله الرحمن الرحيم

.كتاب الإيلاء:

وهو الحلف بيمين، يلزم بالحنث فيها حكم، على ترك وطء الزوجة، أو ما يتضمن ترك الوطء زيادة على أربعة أشهر بمدة مؤثرة.
وفيه بابان:

.(الباب) الأول: في أركانه:

وهي أربعة:

.الركن الأول: المولي:

وهو كل زوج مسلم، مكلف، يتصور منه الوقاع، حراً كان أو رقيقاً، كانت رجعية، أو في صلب النكاح، كان الزوج مريضاً أو صحيحاً، ولا يصح إيلاء الخصي والمجبوب.
وقال أصبغ: يصح.
ولو آلى، ثم جب، انقطع الإيلاء. ولو قال لأجنبية: والله لا أجامعك سنة، ثم نكحها قبل مضي ثمانية أشهر صار مولياً.
فروع: في من يلتحق بالمولي.
الفرع الأول: من حلف على أمر ممكن ليفعلنه، كقوله: لأدخلن الدار، فإنه يكون مولياً، كالحالف على الوطء، ويفترقان في ابتداء الأجل، فإنه في حق هذا بعد الرفع حين الحكم، وفي حق الأول من حين الحلف.
وقال غيره: ذلك إذا تبين ضرره، وأما إن لم يمكنه فعل ما حلف عليه لم أحل بينه وبينها، ولا أضرب له أجلاً حتى يمكنه ذلك.
الفرع الثاني:
إنه يحكم أيضاً بالإيلاء على من ترك الوطء مضاراً، وعرف ذلك منه، وطالت به المدة، وأجله أيضاً من حين الحكم كالسابق. وقيل: يفرق بينهما من غير أجل.
وقيل: لا يكون بذلك مولياً، ولا يفرق به.
الثالث: إذا أطال المسافر الغيبة عامداً للضرار أمر بالقدوم على امرأته، فإن أبى وأضر بها ذلك، فطلبت الفراق، فرق بينهما، لأن العلة عدم الوطء، كالحالف والعنين، وغيرهما.

.الركن الثاني: المحلوف به:

وهو الله تعالى، أو صفة من صفاته النفسية، أو المعنوية، أو ما فيه التزام من عتق وطلاق، أو لزوم صدقة أو صوم، أو نحوه علق بالوطء، كل ذلك إيلاء.
فإذا قال: والله إن وطئت فهو مول. وكذلك إن قال: إن وطئت، فلله علي صدقة أو صوم، فهو مول.
ولو قال: إن جامعتك فعبدي حر، كان مولياً، فإن مات العبد أو زال الملك عنه، انحل الإيلاء. ولو اشتراه بعد، أو هب له فقبله، عاد الإيلاء عليه إن كان بقي من المدة ما يزيد على أربعة أشهر، ولو ورثه لم يعد الإيلاء عليه.
ولو قال لغير المدخول بها: إن وطئتك فأنت طالق واحدة، فهو مول، وتقع بالوطء طلقة رجعية، لترتب الطلاق على المسيس. رواه ابن سحنون عن أبيه.
ولو قال: إن وطئتك فضرتك طالق، فهو مول، فإن ماتت الضرة، انحلت اليمين وإن أبانها فكمثل. فإن جدد نكاحها عاد مولياً إن كان بقي من طلاق الملك المحلوف به شيء، وبقي من المدة ما يزيد على أربعة أشهر.
ولو قال: إن وطئت إحداكما، فالأحرى طالق، وأبي الفيئة، فالقاضي يطلق عليه إحداهما.
ولو قال لأربع نسوة: والله لا أجامعكن، فإن جامع واحدة، لم يكن مولياً على البواقي، والكفارة تجب بوطء واحدة.
ولو قال: والله لا أجامعك في السنة إلا مرة واحدة، فمضت منها أربعة أشهر ولم يطأ، فاختلف فيها قول ابن القاسم، فقال: يوقف إذا مضى من السنة أربعة أشهر، وقال: لا إيلاء عليه حتى يطأ. وقد بقى من السنة أكثر من أربعة أشهر.
ولو قال: لا أجامعك في هذه السنة إلا مرتين، فقال ابن القاسم: لا يكون مولياً، لأنه إذا شاء تركها أربعة أشهر ثم وطئها، ثم تركها أربعة أشهر، ثم وطئها، فلا يبقى من السنة إلا أربعة أشهر.
وقال أصبغ: هو مول. قال محمد: غلط أصبغ رحمه الله.
وإذا وطئ ما حلف عليه من مرة أو مرتين صار مولياً إن بقي من السنة زيادة على أربعة أشهر.
وكذلك إذا قال: والله لا أجامعك إلا عشر مرات أو مائة، فإذا استوفى العدد صار مولياً إن بقيت المدة.
ولو آلي عن امرأته، ثم قال لأخرى: أشركتك معها، ونوى الإيلاء، صار مولياً منهما.
ولو قال: والله لا أجامعك إن شئت، فقالت: شئت، صار مولياً.
والإيلاء ينعقد في حال الغضب وغيره، ولا ينعقد بمثل قوله: إن وطئت فأنا زان أو يهودي، أو نصراني، أو أنت زانية، إذ لا يتعرض بسببه للزوم.

.الركن الثالث: المدة:

وهي ما زاد على أربعة أشهر مدة مؤثرة، فلو قال: والله لا أجامعك ثلاثة أشهر، أو أربعة أشهر، لم يكن مولياً. فلو أعاد اليمين في آخر الأشهر مرة أخرى، لم يكن أيضاً مولياً. فإن آلى خمسة أشهر كان مولياً. وكذلك ما زاد على أربعة أشهر، فلو آلى ثمانية أشهر، فرفعته بعد أربعة أشهر فلم يف، فطلق عليه، ثم ارتجع، فإن انقضت بقية المدة قبل تمام العدة، كانت رجعية ثابتة.
ولو حلف أن لا يطأها خمسة أشهر، ثم حلف ألا يطأها بعد الخمسة خمسة، فبخلاف الحالف أن لا يطأها عشرة أشهر، هذا إيلاء واحد، ووقف واحد. والأول يوقف مرتين، فإن طلق عليه في الإيلاء الأول، ثم ارتجع، فلم تتم العدة حتى مضت أربعة أشهر من الخمسة الباقية، فعليه إيقاف ثان، وإن انقضت العدة قبل ذلك، فلا إيقاف عليه.
ولو قال: والله لا أطأك حتى ينزل عيسى، أو يخرج الدجال، أو يقدم فلان. وهو على مسافة يعلم تأخر قدومه عن أربعة أشهر، فهو مول.
ولو قال: حتى يدخل زيد الدار، فمضت أربعة أشهر، ولم يدخل، كان لها إيقافه عند انقضائها. ولو قال: إلى أن أموت، أو تموتي، فهو مول. ولو قال: إلى أن يموت زيد، فهو كالتعليق بدخول زيد الدار.

.الركن الرابع: المحلوف عليه:

وهو الجماع. فكل يمين منعت من الجماع فهو بها مول، كقوله: لا جامعتك، أو لا اغتسلت منك، أو لا دنوت منك، ونحو ذلك مما يتضمن ترك الجماع.
فإن أتى بلفظ يحتمل غيره، كقوله: لا وطئتك، ثم قال: أردت بقولي الوطء بالرجل، أو شبه ذلك. قيل له: إن كنت صادقاً فحقق صدقك بالوطء، فإن امتنع حمل على الوطء وكان مولياً به.
ولو قال: لا أجامعك في الحيض أو النفاس، أو في حالة إرضاعك لولدك، فليس بمول.

.الباب الثاني: في أحكامه:

وهي أربعة:

.الحكم الأول: ضرب المدة:

فإذا قال: والله لا أجامعك، أمهلناه أربعة أشهر من يوم حلفه، فإن لم يطأ رفعته إلى القاضي إن شاءت ليأمره بالفيئة، فإن أبى وأصرت على المطالبة، طلق القاضي عليه. ولا تحتاج المدة إلى ضرب القاضي، بخلاف العنة، والإيلاء الحكمي كما تقدم فيهما. وتربص الأمة عن الحر أربعة أشهر كالحرة، والتربص عن العبد شهران.
وقيل: هو كالحر يتربص عنه أربعة أشهر.

.الحكم الثاني: المطالبة:

ولها ذلك إذا مضت المدة من غير قاطع، فإن رضيت لم يبطل حقها، وكان لها العود، بخلاف العنة، بل هذا كرضاها بالمعترض وبإعسار الزوج، فإنها ترجع إلى طلب.
ولا مطالبة لولي الصغيرة والمجنونة، ولا يسقط حقها منه إلا بإسقاطها، وهذا بخلاف سيد الأمة، فإن له الطلب وإن رضيت هي بتركه.
ولا مطالبة للمريضة التي تحتمل الوقاع، ولا للرتقاء، ولا للحائض حالة الحيض.
وإن كان للرجل مانع طبيعي كالمرض فلها مطالبته بالفيئة بالوعد واللسان وتكفير اليمين، وإن كان شرعياً كالظهار والصوم والإحرام فلها المطالبة، وعليه أن يطلق، إلا أن يعصي بالوطء. وقيل: لا تحصل الفيئة بالوطء المحرم.
ولو كانت فيئته تقتضي وقوع الطلاق الثلاث عليه في التي آلى عنها كقوله: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثاً، فروى أكثر الرواة أنه لا يمكن من الفيء بالوطء، إذ باقي وطئه لا يجوز. وروي أيضاً أن السلطان يطلق عليه حين ترافعه، ولا يضرب له أجل المولي، ولا يمكن من الفيئة.
وقاله ابن القاسم. واستحسنه سحنون.
وقال ابن القاسم أيضاً: يمكن من الوطء. وله أن يتمادى حتى ينزل، وأحب إلي أن لا يفعل.
وقال غيره: ينزع بعد التقاء الختانين، ولا يتعدى ذلك.

.الحكم الثالث: في ما يجب على الزوج:

وهو الوطء، أو الطلاق، فإن أبى، فالقاضي يطلق عليه: فإن استمهل، فإن كان لعذر ينتظر زواله، أمهل، وإن لم يكن له عذر لم يمهل، فإن قال: أنا أفيء، لم يعجل عليه بالطلاق، واختبر مرة وثانية، فإن تبين كذبه طلق عليه.

.الحكم الرابع: في ما به الفيئة:

وهو تغييب الحشفة في القبل إن كانت ثيباً، والافتضاض إن كانت بكراً. وفي كتاب الرجم: إذا جامع في الدبر حنث، وزال عنه الإيلاء، إلا أن يكون نوى القبل، فلا كفارة وعليه وهو مول بحاله. قال الشيخ أبو محمد: طرحه سحنون، ولم يقرأه.
ولا تحصل الفيئة بوطئه مكرهاً. ولو جن فوطئ، لم ينحل الإيلاء بوطئه.
وإذا جن الرجل، لم تنقطع المدة، ولكن لا يطالب قبل الإفاقة، لأنه ليس امتناعه لأجل اليمين.
ولو قال الرجل: وطئت قبل انقضاء المدة، فأنكرت، فالقول قوله، كما في العنة، على خلاف قياس الخصومات، بكراً كانت أو ثيباً. وحكى الشيخ أبو عمران: أن القول قولها إن كانت بكراً.
بسم الله الرحمن الرحيم

.كتاب الظهار:

وفيه بابان:

.الباب الأول: في أركانه:

وهي أربعة:

.الركن الأول: المظاهر:

وهو كل مسلم عاقل بالغ. فلا يصح ظهار الذمي. ويصح ظهار السيد عن الأمة التي يباح له وطؤها. وفي لزومه في المكاتبة إذا عجزت فعادت خلاف.
فأما السكران الطافح والمراهق فظهارهما كطلاقهما. ولا يلزم المجنون ظهار.
وفي لزوم ظهار من لا يقدر على الوطء أو لا يمكنه، وإنما يقدر على أوائله خلاف، منشؤه: هل الظهار تحريم لجملة المرأة، أو للوطء خاصة؟

.الركن الثاني: المظاهر عنها:

وهي كل امرأة كان وطؤها جائزاً لمن ظاهر عنها، أو كانت ممن يلحقها طلاقه، حرة كانت أو أمة، مسلمة أو كتابية.

.الركن الثالث: اللفظ:

وهو قسمان: صريح، وكناية.
فالصريح ما تضمن ذكر الظهر في محرم من النساء، كقوله: أنت علي كظهر أمي، أو أختي، أو عمتي، أو أمي من الرضاعة أو خنتني.
والكناية نوعان:
ظاهرة، وهي ما تضمن ذكر الظهر في غير المحرم، أو التشبيه بالمحرم من غير ذكر الظهر، كقوله: أنت علي مثل أمي، أو حرام كأمي، أو مثل أمي، أو كفخذها، أو بعض أعضائها. وكقوله: أنت علي كظهر فلانة لأجنبية، هي متزوجة أو غير متزوجة. وخفية، وهي ما لا يقتضي الظهار بوجه، كقوله: ادخلي الدار، أو اخرجي، أو تقنعي، وشبهه.
فأما الصريح فظهار، فإن أراد به الطلاق لم يكن طلاقاً. وروي عن ابن القاسم أنه يكون طلاقاًَ ثلاثاً، ولا ينوي في أقل من ذلك.
وقال سحنون: ينوي في دون الثلاث إن ادعى أنه أراده.
وأما الكناية الظاهرة، فهي ظهار أيضاً، إلا أن يريد به التحريم، فتكون عليه حراماً، ولا يقبل قوله أنه لم يرد به شيئاً لا طلاقاً ولا ظهاراً.
وأما الكناية الخفية، فإن أراد بها الظهار لزمه، وإلا لم يلزمه به شيء.
ولو ترك الصلة فقال: أنت كظهر أمي، فهو كما لو قال: أنت طالق، ولم يقل: مني، أما لو قال: كعين أمي أو روحها، أو كأمي، وأراد الكرامة، فليس بظهار. وإن قصد الظهار فهو ظهار. ولو قال يدك، أو نصفك علي كظهر أمي، فهو ظهار.

.الركن الرابع: المشبه بها:

وهي الأم، ويلحق بها كل محرمة على التأبيد بنسب أو رضاع أو صهر. ولو شبه بمحرمة لا على التأبيد، فإن ذكر الظهر، فهي الكناية الظاهرة، وقد تقدم حكمها، وإن لم يذكر الظهر، فقال أشهب: هو ظهار، إلا أن يريد به الطلاق.
وقال عبد الملك عكسه. وقيل: ظهار وإن أريد به الطلاق. وقيل: عكسه.
قال ابن القاسم: ولو قال: أنت علي كظهر ابني، أو غلامي، فهو مظاهر.
وقاله أصبغ.
وقال ابن حبيب: لا يلزمه ظهار ولا طلاق، وإنه لمنكر من القول. قال ابن القاسم: وإن قال: كابني أو كغلامي، فهو تحريم.
ويقبل الظهار التعليق، فلو قال: إذا ظاهرت عن فلانة الأجنبية، فأنت علي كظهر أمي، صح، فإذا نكح الأجنبية فظاهر عنها حنث.
وإن قال: إن ظاهرت عنها، وهي أجنبية، فإن أراد بذلك التعليق كقوله: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، حنث بوجوده. وكذلك إن أراد مجرد وجود الصيغة، وإلا فلا تحرم.
ولو قال: أنت حرام علي كظهر أمي، وأراد مجرد الطلاق، أو مجرد الظهار، كان كما نوى. وأطلق القاضي أبو محمد أنه طلاق، ولم يشترط نية. ولو لم تكن له نية لكان ظهاراً.
ولو نواهما جميعاً، وقدم الظهار في نيته كان مظاهراً، ثم مطلقاً، فإن عادت إلى النكاح لم يطأ حتى يكفر.
ولو خاطب بذلك أجنبية معلقاً لهما على وجود العصمة لزماه جميعاً، سواء قدم في لفظة الطلاق أو الظهار.
وقال ابن القاسم: ولو قدم الظهار لكان أبين، وهو بخلاف الزوجة، لأنه في الأولى ظاهر من مطلقة، ولم يرد أنه إذا تزوجها وقع عليها ذلك، بخلاف هذه المسألة، فإنه صرح بهذا فيها. نعم لو قال للزوجة: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً، وأنت علي كظهر أمي، فدخلت الدار، لزماه جميعاً لوقوعهما معاً.
ولو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً، ثم أنت علي كظهر أمي، لم يلزمه الظهار للترتيب بثم، بخلاف الواو، فإنها لا ترتب، فيقعان معاً.

.الباب الثاني: في حكم الظهار:

وله حكمان:

.أحدهما (الحكم الأول): تحريم الجماع والاستمتاع:

تحريماً ممدوداً إلى التكفير، سواء كانت الكفارة بإطعام أو بغيره.
وقال سحنون وأصبغ: يحرم الجماع فقط، ولا يحرم الاستمتاع، وإنما ينهى عنه خوف الذريعة.
قال أبو القاسم بن محرز: والأول قول البغداديين. قال: وهو مقتضى الكتاب في إلزام الظهار في الرتقاء، إذ ليس فيها إلا التلذذ.
وسبب الخلاف: هل الظهار تحريم للزوجة بالكلية؟ أو إنما هو عبارة عن الركوب للوطء خاصة فلا تحرم أوائله؟
وعلى الخلاف في ذلك ينبني تفسير العود ما هو، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وإذا فرعنا على الأول، فلو ظاهر الشيخ الكبير الذي لا حراك عنده، ومن هو مقطوع الذكر، فإن الظهار يلزمه، لأنه يتعلق بما يتأتى له فعله من أنواع التلذذ.
وعلى مذهب سحنون وأصبغ لا يكون مظاهراً.

.الحكم الثاني: وجوب الكفارة بالعود:

.والنظر في العود والكفارة.

.النظر الأول: في بيان العود:

والعود هو العزم على الإمساك والوطء معاً في رواية. وهي مذهب الموطأ واختيار القاضي أبو بكر. والعزم على الإمساك خاصة في أخرى، وعلى الوطء خاصة في ثالثة، وهي مذهب الكتاب. وفي رواية رابعة، أن العود الوطء نفسه.
فروع:
الأول: لو قال: أنت علي كظهر أمي خمسة أشهر، لصح مؤيداً كالطلاق. وروي أنه يصح مؤقتاً.
ولو قال: أنت علي كظهر أمي بعد خمسة أشهر، تنجز عليه الظهار كالطلاق. وقيل: يتأجل. وفرق بأنه تحريم يرتفع بالكفارة، فلم يكن فيه شبه بنكاح المتعة.
الثاني: لو قال لأربع نسوة: أنتن علي كظهر أمي، فلو عاد في الكل أجزأته كفارة واحدة، كما لو عاد في واحدة فقط. ولو ظاهر عنهن بأربع كلمات على التوالي وعاد في الجميع لزمه أربع كفارات. ولو كرر لفظ الظهار على واحدة متوالياً، كقوله: أنت علي كظهر أمي، أنت علي كظهر أمي، أنت علي كظهر أمي، فليس عليه إلا كفارة واحدة وإن نوى تكرار الظهار. إلا أن ينوي بذلك ثلاث كفارات، فتكون عليه ثلاث كفارات، كاليمين بالله تعالى.
قال القاضي أبو الوليد: هذا كله ما لم تلزمه الكفارة الأولى بالوطء، فلو وطئ ثم ظاهر منها مرة أخرى، ففي مختصر ابن عبد الحكم: عليه كفارة ثانية.
فرع:
إذا قلنا: إن تكرار الظهار بمعنى تكرار الكفارة يوجب عليه الكفارة، فهل يجب تقديم جميعها على الوطء كالأولى، أم لا؟. قولان للشيخ أبي محمد وللشيخين أبي الحسن وأبي عمران.
الثالث: إذا قال: إن لم أتزوج عليك، فأنت علي كظهر أمي، فإنما يصير مظاهراً عند اليأس أو العزيمة على ترك التزويج، إلا أن ينوي إلى مدة معلومة فيحنث بمضيها.
ولو قال: إن دخلت الدار، فأنت علي كظهر أمي، ثم أعتق عن الظهار قبل الدخول لم يجزئه، كما لو قال: إن دخلت الدار فوالله لا أكلمك، ثم أعتق قبله، لم يجزئه.

.النظر الثاني: في بيان الكفارات:

وهي ثلاث خصال:

.(الخصلة) الأولى: العتق:

ولا يجزي في الظهار إلا ما يجزي في الصيام والأيمان من كونها كاملة غير ملفقة، مؤمنة سليمة محررة، وتحريرها: أن يبتدئ إعتاقها من غير أن يكون مستحقاً بوجه سابق. ونعني بالسليمة السالمة من العيوب القادحة.
والعيوب ثلاثة أنواع:
الأول: ما يمنع من الكسب أو كماله، فهو قادح يمنع الإجزاء، وهذا كالمريض المزمن، والأقطع، والأعمى، والأبكم، والمجنون، والهرم العاجز، والمريض الذي لا يرجى برؤه.
الثاني: ما لا يمنع الكسب، ولا يشين، فليس بقادح، ولا يمنع الإجراء، وهذا كالمرض الخفيف، والعرج الخفيف، وقطع الأنملة.
الثالث: ما يشين ولا يمنع الكسب، ففي منعه الإجزاء خلاف ينبني على الشهادة بأنه قادح أو غير قادح، وذلك كاصطلام الأذن، والصم، والعور، والمرض الكثير الذي لم يبلغ إلى السياق، والبرص الخفيف، والعرج البين، والخصاء، وقطع الأصبع.
شرح الخلاف:
أما الاصطلام، فقال في الكتاب: لا يجزئ. قال أبو الحسن اللخمي: وعلى قول أشهب يجزئ.
وأما الصمم، فقال مالك في الكتاب: لا يجزئ، وقال أشهب: يجزئ.
وأما العور فقال مالك والمصريون: يجزئ.
وقال عبد الملك: لا يجزئ. وهو قول مالك في المبسوط.
وأما المرض الكثير: فقال محمد: يجزئ ما لم ينازع.
وقاله عبد الملك. واستقرأ أبو الحسن اللخمي من قول الغير في الكتاب: إذا كان البرص خفيفاً، ولم يكن مرضاً، أن المرض يمنع الإجزاء.
وأما البرص، فقال ابن القاسم في الكتاب: لا يجزئ.
وقال عبد الملك: إذا كان خفيفاً ولم يكن مرضاً أجزأ.
وقال أيضاً أشهب.
وأما العرج البين، ففي الكتاب نفي الإجزاء.
وقال أشهب في كتاب محمد: يجزئ. وروي أيضاً عن مالك.
وأما الخصاء فكرهه ابن القاسم في الكتاب وقال أيضاً: لا يجزئ. قال: ولو كان خصياً غير مجبوب ما أجزأ.
وقال أشهب في كتاب محمد: يجزئ، ورواه في العتبية عن مالك.
وأما قطع الأصبع، ففي الكتاب لابن القاسم: لا يجزئ.
وقال في غيره: يجزئ ويجزئ عتق الصغير وإن كان عاجزاً عن الكسب لصغره، ولكن الكبير أحب. ولا يجزئ عتق الجنين.
وأما كمال الرق، فاحترزنا به عمن فيه عقد حرية، كالمعتقة إلى أجل، والمستولدة، والمكاتبة، والمدبرة، والتي بعضها حر. فإن اشترى المدبر أو المكاتب فأعتقه عن ظهار لم يجزئه.
وقيل: بالإجزاء، بناء على قول من قال: إن من اشترى أحدهما فأعتقه مضى العتق، ولم ينقض البيع. فإن قلنا بنقضه، فلا يجزئ عتقهما ها هنا.
ولو كانت الرقبة مشتركة بينه وبين غيره، فأعتق جميعها عن ظهاره، ففي الإجزاء قولان، المشهور عدمه. ولو أعتق البعض وأكمل عليه الباقي، فالمنصوص أنه لا يجزيه. ولو كان مالكاً للجميع، فأعتق البعض، لم يجزئه. وقيل: بالإجزاء.
ولو علق عتق عبد على شرائه، ثم اشتراه، فأعتقه عن ظهاره، لم يجزئه. ولو قال: إن اشتريته فهو حر عن ظهاري، ففي ثبوت الإجزاء ونفيه خلاف بين ابن القاسم ومحمد مبني على أن الحرية يتخيل وقوعها قبل كمال الملك أو معه، أو إنما تقع مترتبة على الملك. ولو اشترى من يعتق عليه، فأعتقه عن الظهار، لم يجزئه.
واستثنى بعض المتأخرين صورة واحدة، وهي ما لو كان عليه دين، فكان للغرماء أن يمنعوه، فأذنوا له أن يعتقه عن الظهار، قال: فإنه يجزئ، لأن الملك قد استقر عليه.
وأما عتق المرهون والجاني إن نفذاه فيجزئ. وعتق نصفين من عبد واحد في دفعتين مختلف فيه، والمشهور نفي الإجزاء. وعتق نصفي عبدين غير مجزئ. ولو أعتق عبدين عن كفارتين، وقال: عن كل واحدة نصف من كل عبد لم يجزئه. والعبد الغائب المنقطع الخبر لا يجزئ. والعبد المغصوب يجزئ.
وأما قولنا: خالية عن شوائب العوض فأردنا به: لو أعتقه عن كفارته على أن يرد ديناراً، عتق لا عن الكفارة.
ولو قال لغيره: أعتق عبدك عن كفارتك، ولك علي ألف، لم ينصرف إلى الكفارة، وعتق.
وفي إجزاء ما أعتق عنه الغير ونفيه ثلاثة أقوال:
الإجزاء ونفيه لابن القاسم وأشهب.
وفرق عبد الملك في الثالث، فقال: يجزيه مع الإذن، ولا يجزيه مع عدمه.
وقال ابن القاسم أيضاً: يجزيه ما لم يدفع إليه في ثمنه شيئاً على ذلك.
قال الشيخ أبو محمد: يريد كأنه اشتراه بشرط العتق.
ومنشأ الخلاف في القولين الأولين، هل استقر الملك أولاً، ثم وقع العتق بعده، أو لم يستقر الملك عليه إذا لم يتملكه إلا إلى حرية.
وأما اعتبار الإذن، فبناء على وجوب نية العتق في الكفارة، وهو المشهور من المذهب. وقيل: لا تجب.

.الخصلة الثانية: الصيام:

ولا يجوز العدول إليه، وإلا لمن عجز عن العتق، فلو ملك رقبة لم يكن له الانتقال إلى الصوم مع وجودها، وإن كان محتاجاً إلى خدمتها لمرضه أو لمنصبه الذي يأبى مباشرة الأعمال، أو لغير ذلك.
ولو تظاهر من أمته وهو لا يملك غيرها، لم يجزئه الصيام، وهي تجزئه نفسها إن أعتقها عن ظهاره، فإن تزوجها حلت له.
قال أبو الحسن اللخمي: يجزيه عتقها على القول: إن العود العزم على الإمساك، وأنه إن طلق بعد ذلك أو ماتت، لم تسقط عنه الكفارة.
قال: ويجزيه أيضاً على القول أنه إذا ابتدأ بالكفارة، والزوجة في العصمة، وأتمها بعد انقضاء العدة، أنها تجزيه، وهو قول ابن نافع.
قال: ولا تجزيه على القول: إن من شرطها أن تكون بموضع يستبيح به الإصابة، لأن عتقها خلاف العزم على الإصابة. قال: فلا يجزيه العتق لهذا، ولا يجزيه الصوم، لأنه مالك لرقبة.
ولو ملك داراً لا فضل فيها، أو ملك من العروض أو غيرها ما يشتري بثمنه رقبة، لم ينتقل إلى الصوم.
والاعتبار بوقت الأداء. وقيل: بوقت الوجوب إن كان فيه موسراً.
وقال بعض القرويين: إنما ذلك لمن وطئ فلزمته الكفارة بالعتق ليسره، فلم يكفر حتى أعسر فصام. فأما إن لم يطأها حتى أعسر فصام، ثم أيسر، فلا يلزمه العتق.
ثم حيث قلنا: ينتقل إلى الصوم، فلو شرع في الصوم ثم أيسر، لم يلزمه العتق، وقيل: إن كان إنما صام يوماً أو يومين، أعتق.
وقال في الكتاب: أرى أن ذلك حسناً أن يرجع إلى العتق. ولست أرى ذلك بالواجب عليه، ولكنه أحب ما فيه إلي.
فرع:
فإن أفسد هذا الصوم، بوطئ امرأته بعد أن يبق عليه إلا يوم واحد، وكان حينئذ واجداً للرقبة، وجب عليه عتقها، ولا يجزيه الصوم.
ومن قال: كل مملوك أملكه إلى عشر سنين حر، ثم لزمه ظهار وهو موسر، فطالبته امرأته، ففرضه الصيام. ولو لم تطالبه لما أجزأه الصوم، وصبر إلى انقضاء الأجل فأعتق.
ولو تكلف المعسر الإعتاق، جاز ذلك، وأجزأ عنه. والعبد وإن كان يملك، فلا يصح منه التكفير بالإعتاق لمعنيين:
أحدهما: حق السيد.
والثاني: أن الولاء لا يقع له، وإن أذن السيد في العتق، وذلك يمنع وقوع العتق عنه، ولسيده منعه من الصوم إذا أضر ذلك به في خدمته، إلا أن يكون يؤدي الخراج فقوي على عمله وصومه، فلا يمنع منه.
وقال ابن الماجشون: ليس له منعه وإن أضر به في الخدمة. قال في الكتاب: وأحب إلي أن يصوم، وإن أذن له سيده في الإطعام.
قال ابن القاسم: والصيام عليه، وهو الذي فرضه الله على من قوي عليه. وليس يطعم أحد يستطيع الصيام.
واعتذر أبو القاسم بن محرز عن مالك بأن مقصوده الكلام على ما إذا منعه السيد الصيام، وأباح له العتق أو الإطعام، فتوفق مالك، هل له ذلك أم لا؟، فاستحب الصيام لأجل تردده،
ولو جزم بأن السيد ليس له منعه من الصيام، لجزم بأن الواجب عليه الصيام كما قال ابن القاسم، وإنما خرج كلامه على التردد.
ومن نصفه حر ونصفه رقيق فهو كالرقيق.
أما حكم الصوم، فهو أنه تجب فيه نية الكفارة ونية التتابع. وإذا مات لم يصم عنه وليه. ويصوم شهرين بالآهلة، فإن انكسر الشهر صام أحد الشهرين بالهلال، وتمم الكسر ثلاثين. وينقطع التتابع بوطء المظاهر ليلاً أو نهاراً، ولو في اليوم الأخير أو ليلته، ويجب الاستئناف.
والحيض لا يقطع التتابع، وكذلك المرض، ويقطعه الفطر في السفر من غير ضرورة.
وإن أفطر ساهياً أو مخطئاً، لم ينقطع تتابعه.. وقيل: ينقطع بهما. وقيل: ينقطع بالخطأ دون السهو. ولا خلاف في بطلان تتابعه بالفطر متعمداً من غير عذر.
وكذلك لو ابتدأ قاصداً في وقت يعلم أن أيام الأضحى تمر به، فإن كان هذا لجهل، ففي قطع التتابع به خلاف.
ثم إذا قلنا: لا ينقطع التتابع بذلك، فإنه يفطر أيام الأضحى، ويقضيها متتابعة متصلة بما قبلها.
فرعان: الأول: لو صام شعبان ورمضان لكفارته وفريضته لم يجزئه رمضان عن واحد منهما، ولزمه قضاء ثلاثة أشهر.
الفرع الثاني:
لو جمع أربعة أشهر للصوم عن ظهارين، ثم ذكر يومين لا يدري هما من الشهرين الأولين أو من الثانيين أو منهما؟. ولا يدري هل هما مجموعان أو مفترقان؟ فإن قلنا: إن النسيان لا يضر، والتفرقة كذلك، فيأتي بيومين لا غير.
وإن قلنا: إن كلا هذين مضر ومبطل للصوم، فروى سحنون عن ابن القاسم: أنه يصوم يومين يصلهما بآخر صيامه، خيفة أن يكونا من الشهرين الأخيرين، ثم يأتي بشهرين قضاء عن الأولين.
وقال ابن سحنون عن أبيه في ذكره ليومين متتابعين، أنه يصوم يوماً وشهرين يصل ذلك بصيامه، لأن الشهرين تنوب عن ذلك، وإنما أشد ما يقدر أنه ترك يوماً من آخر الشهرين الأولين، ويوماً من أول الشهرين الأخيرين. فيأتي بيوم تداركاً للأخيرين وشهرين قضاء عن الأولين.
قال أبو محمد: يعني سحنون: أنه لو أيقن أنهما من إحدى الكفارتين لم يكن عليه غير شهرين فقط.
قال أبو محمد: يظهر أن قول ابن القاسم أشبه، لأنه وإن أيقن أنهما من إحدى الكفارتين، فلا ينبغي له أن يخرج من كفارة هو فيها حتى يتمها بيقين، بأن يضيف إليها يومين، ثم يقضي الكفارة الأخرى. وكذلك إن لم يدر هل هما من إحدى الكفارتين، أو من آخر تلك وأول هذه، أن واحدة قد بطلت، غير أنه لا ينتقل من هذه التي هو فيها إلا بيقين من إصلاحها بيومين وذلك أكثر ما يمكن أن يكون عليه منها، كمن ذكر سجدة من إحدى ركعتين، فلا بد أن يصح هذه التي هو فيها بسجدة، وإن كان لا بد أن يعيد الأولى، إلا شيء رواه البرقي عن أشهب، أنه قال: يأتي بركعة، ولا يصلح هذه بشيء.

.الخصلة الثالثة: الإطعام:

فينتقل إليه من عجز عن الصيام عاجلاً وآجلاً، فلو غلب على ظنه القدرة في المستقبل، فقال ابن القاسم: ينتظر القدرة ولا يطعم.
وقال أشهب: يطعم ولا ينتظر.
ثم النظر في القدر والجنس:
أما القدر:
فهو إطعام ستين مسكيناً، ويشترط فيهم ما يشترط في من تصرف الزكاة إليه من المساكين، ويراعي العدد، فلا يجزيه أن يطعم ذلك المقدار لدون هذا العدد.
واختلف في مقدار ما يعطى لكل مسكين. فروي: مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابن حبيب: مد يده صلى الله عليه وسلم. وفي الكتاب مد بمد هشام. ثم اختلف في مقداره.
فروى العراقيون عن معن بن عيسى، أنه مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم. واستصح ذلك القاضي أبو الوليد بوجهين:
أحدهما: أن معنا مدني، فهو أعرف به.
والثاني: أن ذكر أنه شاهده، قال: وهو موجود إلى اليوم، وهو كيل السراة وغيرهم من العرب.
وقال ابن حبيب: جعله هشام لفرض الزوجات وهو مد وثلث.
وقال ابن القاسم: مد وثلثان.
وأما الجنس، فهو جنس زكاة الفطر، ويجب فيه التمليك.
وقال ابن الماجشون: إن غداهم وعشاهم خبزاً وإداماً أجزأه. قال أبو الحسن اللخمي: فجعله ككفارة اليمين بالله تعالى.
وهل يعتر عيش الكفر أو عيش أهل بلده؟ يخرج على ما تقدم في كفارة اليمين وزكاة الفطر من الخلاف في ذلك.
ولو أعطى لدون الستين فليحتسب بذلك العدد، ويبني عليه، وإن قدر على استرداد الزائد، فله استرداده.
ولو أعطى لأكثر من الستين، فإن أكمل لمن أعطاه أجزأه. وله استرداد ما دفع لمن زاد على الستين. وإن لم يقدر على الإكمال أتم الستين أو ابتدأ.
ولو تناهبها المساكين، فإن كانوا أكثر من الستين ابتدأ الجميع. وإن كانوا ستين فأقل بنى على واحد وأتم عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم

.كتاب اللعان:

وفيه مقدمة وثلاثة أبواب:

.المقدمة: في ما يبيح اللعان، ونفي النسب:

فنقول: الزوج كالأجنبي في القذف، إلا في أمور:
منها: أنه قد يباح له ذلك، وقد يجب عليه لضرورة دفع النسب.
ومنها: دفع العقوبة عن نفسه باللعان.
ومنها: إيجاب عقوبة الزنى على المرأة.
قال القاضي أبو بكر: ولا يمنعه من ذلك وجدان البينة، ولفظ الآية خارج مخرج الغالب، بل مخرج المعتاد، فإنه لم يحد أحد في الإسلام ببينة، ولا يحد في وطء أبداً، لما أراد الله من الستر على الخلق حتى يحكم فيه بحكمه. فذلك من قول الله تعالى صفة للحال، لا شرط في الحكم.
ثم للمرأة الدفع بلعانها. ويباح للزوج القذف إذا استيقن أنها زنت في نكاحه، وإن لم يكن ثم ولد للتشفي إذا ادعى الرؤية، فإن اقتصر على مجرد القذف من غير دعوى الرؤية، فروي أنه يلاعن، وروي أنه لا يلاعن، ويحد للقذف، وعليه أكثر الرواة.
أما نفي الولد باللعان، فيصبح إذا قال: لم أصبها منذ كذا، لأمد لا يلحق فيه الولد، أو لم أصبها بعدما وضعت ولداً كان قبل هذا، مما يعلم أنه بطن ثان، أو يقول: ليس ولدي، أو لم تلديه، أو يجمع بين الاستبراء والرؤية في دعواه، وتأتي به لستة أشهر فصاعداً بعد الرؤية.
ورأى أبو القاسم السيوري: أنه ليس له نفيه بذلك. وذكر الداودي عن المغيرة مثله.
وإذا فرعنا على المشهور فتكفي حيضة واحدة.
وقال عبد الملك: ثلاث حيض، ورواه.
فأما لو اقتصر على أحد الأمرين، الاستبراء أو الرؤية، إذا أتت به لستة أشهر فأكثر بعد الرؤية، ففي صحة النفي بذلك روايتان.
واختلف أيضاً، وإن كانت حين الرؤية ظاهرة الحمل، أو لم تكن ظاهرته، وأتت به لأقل من ستة أشهر منها، هل يكتفي بادعاء الرؤية وإن لم يدع الاستبراء أم لا؟
ولو كان يعزل عنها، لم يعول في النفي على العزل.
ولا يجوز النفي بمجرد مشابهة الولد لغيره في الخلق والقبح. ولو كان الأبوان في غاية البياض، والولد في غاية السواد، أو بالعكس، لم يجز النفي بذلك.
وإذا نكح المشرقي مغربية، وأتت بولد لستة أشهر، فلا حاجة إلى اللعان فإنه لا يلحقه إذ لا إمكان. ولو أتت بالولد لزمان الإمكان، ولكن رآها تزني، وأراد اللعان دون نفي الولد فله ذلك.

.الباب الأول: في أركان اللعان:

وهي أربعة:
القذف، والأهل، واللفظ، والثمرة.

.الركن الأول: القذف:

وهو نسبتها إلى وطء حرام في القبل أو الدبر، فلو نسبها إلى زنى وهي مستكرهة فيه، التعن هو لنفي الولد، ولم تلتعن هي إذا ثبت الغصب، إذ يمكن أن يكون منه. ويشترط أن لا يطأها بعد الرؤية وأن يقول في القذف واللعان: رأيها تزني، على إحدى الروايتين. وكذلك يقول استبرأتها في نفي الولد. وروي أن ذلك لا يشترط فيهما.
ثم اختلف الرواية في اشتراط ذكر الصفة على رواية اشتراط الرؤية.

.الركن الثاني: الملاعن:

وله شرطان:
أحدهما: أهلية اليمين:
فتصح من كل مكلفين، وإن كانا مملوكين، أو فاسقين، أو أحدهما، ويستثني الكافر.
غير أن الذمية تلاعن لتدفع العار عنها، وينقطع النكاح بلعانها، فإن أبت فهما على الزوجية، وترد إلى أهل دينها بعد العقوبة، لأجل خيانة زوجها في فراشه، وإدخالها الإلباس في نسبه.
الشرط الثاني: الزوجية، فلا لعان للأجنبي، نعم يلتحق بصحيح النكاح فاسدة. قال في كتاب محمد: وكل نكاح يلحق فيه الولد ففيه اللعان وإن فسخ. والطلاق الرجعي لا يمنع اللعان قبل الرجعة. وإن قذفها ثم أبانها لاعن لدفع النسب إن كان، وإلا فيلاعن لدفع الحد. وإن قذف بعد البينونة لاعن إن كان ولد، وإلا فلا، ويحد. وإن قذفها في عدتها من الطلاق البائن بالرؤية لاعن، وإن لم يكن بها حمل.
وقال ابن المواز وسحنون: يحد ولا يلاعن. وإن قذفها في النكاح لم يلاعن وحد.
فروع: لو لاعن ثم أبانها فقذفها بتلك الزنية فلا حد ولا لعان. وفي الكتاب عن ربيعة: يحد لها.
وإن قذفها بزنية أخرى، فإن كانت لم تلاعن وحدت، لم يجب الحد لسقوط حصانتها بتلك الزنية بموجب لعانه، وإن لاعنت وجب الحد إذ بقيت حصانتها بلعانها.
وإن كان القذف من أجنبي، فإيجاب الحد أولى، لأن أثر لعان الزوج لا يتعدى إلى غيره.
الثاني: إذا قذف أجنبية، ثم نكحها وقذفها فلاعن، اندفع الحد الثاني. أما الأول فيستوفي، لأن اللعان لا مدخل له في قذف متقدم على الزوجية، لأنه في حالة لا يلحق فيها نسب.
الثالث: لا ينتفي نسب ملك اليمين باللعان، فو اشترى زوجته، ثم ظهر بها حمل،
فإن علم أنها كانت يوم الشراء حاملاً لم ينفه إلا بلعان، إلا أن يكون وطئها بعد رؤيته للحمل، فلا ينفيه.
وإن لم يعلم أكانت حاملاً يوم الشراء أم لا؟ حتى ظهر الحمل، وأنت به الأقل من ستة أشهر، فالولد للنكاح، ما لم يطأها بعد الشراء.
قال الشيخ أبو محمد: قوله: لم يطأها بعد الشراء، يريد إذا أتت به لأكثر من ستة أشهر.
وقد روى ابن سحنون: أنها إذا لم يطأها بعد الشراء بحيضتين قال: ولو وطئها بعد الشراء فلا ينفيه لعان ولا بغيره، استبرأها بعد الوطء، أو لم يستبرئها. إلا أن يدعي أنه استبرأها بعد أن وطئها فهذا ينظر.
فإن ولدته لأقل من ستة أشهر فهو للنكاح، ولا ينفيه إلا بلعان، وإن ولدته لستة أشهر فأكثر، فله نفيه بغير لعان، وإن ادعى استبراء بعد الوطء الذي هو بعد الشراء. وإن لم يدع استبراء فهو منه.
قال ابن المواز: قال ابن عبد الحكم عن مالك فيمن تزوج أمة ثم لاعنها، ثم اشتراها، قال: لا تحل له أبداً.