فصل: المقدمة الثانية: النكاح مندوب إليه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.كتاب الأطعمة:

وفيه بابان:

.الباب الأول: في حال الاختيار:

وجميع المطعومات ضربان:
حيوان: ويحتاج بعضه إلى الذكاة على التفصيل المتقدم.
ونبات غيره من الجامدات والمائعات: ولا يحتاج شيء منه إلى ذكاة.
فما لا يحتاج إلى الذكاة من جميع الأطعمة المعتادة، فأكله جائز، ما لم يكن نجساً بنفسه، أو بمخالطة نجس له، ثم ما تخالطه النجاسة قسمان:
مائع، فيطرح جميعه لوقوع النجاسة فيه.
وجامد، فتطرح النجاسة وما حولها منه، ولا يلزم طرح سائر. وما خرج عن المعتادة فكان نجساً أو مضراً، فلا يؤكل. وقد كره ابن المواز أكل الطين، وقال ابن الماجشون: أكله حرام، وما كان طاهراً ولا ضرر في أكله، فلا بأس به.
وأما الحيوان فنوعان: بحري وبري.
فأما البحري، فيؤكل جميعه، وفي كراهية خنزيره وكلبه خاصة خلاف.
ثم لا يحتاج شيء منه إلى الذكاة على المشهور كما تقدم، تلف بنفسه أو بسبب مسلم أو مجوسي، طفا أو رسب.
وأما البري: فبهيمة الأنعام والوحش كله مباح، ما عدا الخنزير فإنه محرم، والسباع فإنها مكروهة على الإطلاق من غير تمييز ولا تفصيل، في رواية العراقيين، وظاهر الكتاب موافق لها. وأما الموطأ فظاهره أنها حرام.
وقال ابن حبيب: لم يختلف المدنيون في تحريم السباع العادية: الأسد والنمر والكلب. فأما غير العادية كالضب والثعلب والضبع والهر الوحشي والإنسي، فيكره أكلها دون تحريم.
وروى عبد الرحمن بن دينار عن ابن كنانة قال: كل ما يفترس ويأكل اللحم فلا يؤكل، وما كان سوى ذلك من دواب الأرض وما يعيش من نباتها، فلم يأت فيه نهي.
وأما الإنسي من ذوات الحافر، فالخيل مكروهة، دون كراهية السباع. وقيل: محرمة. وحكى الشيخ أبو الطاهر فيها قولاً بالإباحة.
والبغال والحمير مغلظة الكراهية جداً، وقيل: محرمة بالسنة؛ إذ روي أنه صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية والبغال في معنى الحمر.
وإن اختلف في أنه ممسوخ، كالفيل والدب والقنفذ والقرد والضب، فقد حكى أبو الحسن اللخمي أنه اختلف في جواز أكله وتحريمه لذلك.
وقد قال ابن المواز: لا يحل ثمن القرد ولا كسبه، قال: وما سمعت من ناحية مالك ولا أصحابه شيئاً. قال: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمنه. وجلب من الشام إلى المدينة قرد، فأمر به عمر أن يخرج إلى الموضع الذي جلب منه.
وقال ابن شعبان: لا يباع القرد، وقد سئل عنه، فقال: ليس من بهيمة الأنعام، قال: وقد أجاز بعض أصحابنا ثمنه وأكله، إذا كان يرعى الكلأ. وفي الواضحة: أنه محرم.
وقال القاضي أبو الوليد: الأظهر عندي من مذهب مالك وأصحابه أنه ليس بحرام، واحتج بعموم الآية،قال: وإن كانت كراهة، فالاختلاف العلماء.
وأما غير ذلك من الحيوانات، فالمستقذرات منها يحكي المخالفون عن المذهب جواز أكلها، قال الشيخ أبو الطاهر: والمذهب على خلاف ذلك.
والطير كله مباح، ذو المخلب وغيره.
وقال الشيخ أبو إسحاق: روى أبو بكر بن أبي أويس عن مالك أنه قال: لا يؤكل كل ذي مخلب، وهو المستعمل عندنا. ووقع في المدونة كراهية الخطاف وما في معناه. قال الشيخ أبو الطاهر: ولعل هذا لأنها لا كثير لحم فيها، فدخلت في باب تعذيب الحيوان لغير فائدة.
وقال الأستاذ أبو بكر: يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النمل والدود، وما بين ذلك، إلا الآدمي والخنزير. قال: هذا عقد المذهب في إحدى الروايتين. وهي رواية العراقيين، قال: إلا أن منه مباحاً مطلقاً، ومنه مكروهاً.

.الباب الثاني: في حال الاضطرار:

ولا خفاء بأن الميتة تباح في حال الضرورة، ولكن النظر في حد الضرورة وحد المستباح وجنسه، وحد الضرورة: أن يخاف على نفسه الهلاك.
ولا شك أنه لا يشترط أن يصبر حتى يشرف على الموت، فإن الأكل بعد ذلك لا ينعش، والظن كالعلم ها هنا كما في المكره على الائتلاف.
أما قدر المستباح، فلا يتقدر بسد الرمق، بل يشبع ويتضلع. وإن خاف العدم فيما يستقبل، تزود منها. فإن وجد عنها غنى طرحها.
وقال ابن حبيب وابن الماجشون: إن كانت المخمصة دائمة تزود وشبع، وإن كانت نادرة وقعت له اقتصر على سد الرمق.
وأما جنس المستباح، فكل ما يرد عنه جوعاً أو عطشاً فيدفع الضرورة أو يخففها، كالأطعمة النجسة والميتة من كل حيوان غير الآدمي، وكالدم وشر بالمياه النجسة وغيرها من المائعات سوى الخمر، فإنها لا تحل إلا لإساغة الغصة، على خلاف فيها. فأما الجوع والعطش فلا؛ إذ لا يفيد ذلك، بل ربما زادت العطش، وقيل: تباح، فإنها تفيد تخفيف ذلك على الجملة ولو لحظة.
وقال الشيخ أبو بكر: إن ردت الخمر عنه جوعاً أو عطشاً شربها، واختاره القاضي أبو بكر.
فأما التداوي بالخمر، فالمشهور من المذهب أنه لا يحل. قال القاضي أبو بكر: ولا يأكل ابن آدم، وإن مات. قاله علماؤنا.
فروع: الأول: إذا ظفر بطعام من ليس مضطراً، فيطلبه منه بثمن في ذمته ويظهر له حاجته إليه، فإن أبى استطعمه، فإن أبى أعلمه أنه يقاتله عليه، فإن امتنع غصبه منه، فإن دفعه جاز له دفع المالك، ولو أدى إلى القتل، ويكون دمه حينئذ مهدراً، ولو قتله المالك وجب القصاص، فإن بذله له بثمن المثل لزمه شراؤه.
وإن امتنع أن يبيع إلا بأكثر من ثمن المثل، فاشتراه للضرورة، فهو كالمجبر.
والمالك إذا أوجر المضطر طعامه قهراً، استحق القيمة عليه، إن كان قصدها.
الثاني: إذا وجد ميتة وطعام الغير، أكل طعام الغير، إذا أمن أن يعد سارقاً.
ثم حيث قلنا: يأكل فإنه يضمن القيمة، وقيل: لا ضمان عليه.
الثالث: لو وجد المحرم الصيد والميتة أكل الميتة.
وقال محمد بن عبد الحكم: لو نابني ذلك لأكلت الصيد.
الرابع: لو وجد لحم الصيد، فهو أولى من الميتة، لأن تحريمه خاص.
الخامس: إذا كان العصيان سبب الاضطرار، كالمتلبس بسفر المعصية يضطر فيه، هل يترخص بأكل الميتة، أم لا؟ قال القاضي أبو الوليد: المشهور من المذهب أنه يجوز له الأكل، قال: ففرق بينه وبين القصر والفطر.
وقال بعض علمائنا: لا نص فيها عن مالك. قال: وأصحابنا يقولون: يجوز له الأكل. قال: وقال القاضي أبو الحسن: والأمر عندي محتمل.
وقال الشيخ ابن القاسم: لا يؤكل منها حتى يفارق المعصية.
وقال القاضي أبو بكر: الصحيح أنه لا يباح له مع التمادي على المعصية بحال، فإن أراد الأكل فليتب، ثم يأكل. قال: وعجبنا ممن يبيح ذلك له مع التمادي على المعصية، وما أظن أحداً يقوله، فإن قاله أحد فهو مخطئ قطعاً.
السادس: إذا وجد ميتة وخنزيراً، حكى القاضي أبو الوليد أنه يأكل الميتة.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا وآله وسلم تسليماً.

.كتاب الأشربة:

ولا يحرم من الأشربة إلا ما أسكر، فيحرم كثيره وقليله، من أي نوع كان، من عنب أو زبيب أو تمر أو رطب أو بسر أو حنطة أو شعير أو غير ذلك، نيا كان أو مطبوخاً، وشرب الخليطين مما ذكرناه وانتباذهما مكروه. والانتباذ فيما عدا الدباء والمزفت جائز، وفيهما مكروه.
وشرب العصير جائز،وكذلك العقيد الذي ذهب منه قوة الإسكار، قال مالك: وكنت أسمع أنه إذا ذهب ثلثاه لم يكره. وروى ابن المواز: لا حد في طبخ العصير بذهاب ثلثيه، وإنما النظر إلى السكر، قال أشهب: وإن نقص تسعة أعشار. قال ابن المواز: وليس ذهاب وإنما النظر إلى السكر، قال أشهب: وإن نقص تسعة أعشار. قال ابن المواز: وليس ذهاب الثلثين في كل بلد، ولا عن كل عصير، فأما المواضع المعروفة بذلك فلا بأس به.
وشرب السوبية حلال ما لم تدخلها الشدة المطربة فتحرم. وتخليل الخمر مكروه، وليرقها من ملكها من المسلمين، ولا يمسكها ليخللها، فإن فعل بها ما تخللت به فخلها طاهر حلال.
وكره عبد الملك وسحنون أكله، قال الأستاذ أبو بكر: وصورة المسألة: إذا حللت بشيء طرح فيها كالخل والملح والماء الحار وشبهه. قال: فأما لو تركت حتى تخللت بنفسها، مع العلم بتحريمها، فلا خلاف في جواز أكلها.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا وآله وسلم تسليماً.

.كتاب النكاح:

والنظر فيه تحصره خمسة أقسام:
القسم الأول: في المقدمات.
والثاني: في مصححات العقد من الأركان والشرائط.
والثالث: في موانع العقد من الكفر، والرق، والنسب، والمصاهرة وغيره.
والرابع: في الأسباب المثبتة للخيار فيه.
والخامس: في لواحق الكتاب وتوابعه.
ويشتمل على فصول متفرقة شدت عن هذه الأقسام.

.القسم الأول: في المقدمات:

وهي ثلاثة:

.(المقدمة) الأولى: خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قال القاضي أبو بكر: وقد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحكام لم يشركه فيها أحد في باب الفرض والتحريم والتحليل، منها متفق عليه، ومنها مختلف فيه.
فخص من الواجبات بتسع: الضحى والأضحى، والتهجد، والوتر. قال: وهو يدخل في قسم التهجد، والسواك، وتخيير نسائه بين اختيار زينة الدنيا أو اختياره، وقضاء دين من مات معسراً، ومشاورة ذوي الأرحام في غير الشرائع، وأنه إذا عمل عملاً أثبته.
ومن المحرمات بعشر، فحرم عليه وعلى آله الزكاة، وحرم عليه أيضاً صدقة التطوع، وفي آله تفصيل باختلاف، وأكل الثوم وغيره من الأطعمة الكريهة الرائحة، والأكل متكئاً، والتبدل بأزواجه، وإمساك من كرهت نكاحه، ونكاح الكتابية، ونكاح الأمة، وخائنة الأعين، وهي أن يظهر بخلاف ما يضمر، أو ينخدع عما يجب، وحرم عليه إذا لبس لأمته أن يخلعها، أو يحكم بينه وبين محاربه.
ومن التخفيفات والمباحات: بإباحة الوصال في الصوم، ودخول مكة بغير إحرام، وفي حقنا فيه اختلاف، والقتال فيها، وأنه لا يورث. قال القاضي أبو بكر: وإنما ذكرته في قسم التحليل لأن الرجل إذا قارب الموت بالمرض زال عنه أكثر ماله، ولم يبق له إلا الثلث، وبقي ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته، والاستبداد بخمس الخمس، أو الخمس، والزيادة على أربع نسوة، وينعقد نكاحه بلفظ الهبة منها، وبغير المهر، وإذا وقع بصره على امرأة ورغب فيها، وجب على الزوج طلاقها لينكحها، قال: هكذا قال إمام الحرمين وقد بينا الأمر في قصة زيد بن حارثة كيف وقع. وفي انعقاد نكاحه بغير ولي وبغير صداق، وفي حالة الإحرام. وأعتق صفية وجعل عتقها صداقها وفيه اختلاف. ولم يجب عليه القسم في زوجاته، ونساؤه بعد وفاته محرمات على غيره، لأنهن أمهات المؤمنين، وفي بقاء نكاحه عليهن أو انقطاعه خلاف.
قال القاضي أبو بكر: وببقاء الزوجية أقول، ثم على القول بانقطاعها في وجوب العدة ونفيها خلاف أيضاً، منشؤه النظر إلى كونهن زوجات توفي عنهن زوجهن، وهي عبادة، أو النظر إلى أنها مدة تربص لا تنتظر بها الإباحة. واختلف أيضاً في مطلقته، هل تبقى حرمته عليها، فلا تنكح؟.

.المقدمة الثانية: النكاح مندوب إليه:

لمن تاقت إليه نفسه، إذا كان مستطيعاً. قال الشيخ أبو محمد: وفي الواضحة وغيرها روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالباءة فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. وحض على نكاح الأبكار ورغب في نكاح الولود.
قال القاضي أبو بكر: ولينظر إلى المخطوبة قبل العقد، ففي الحديث: أن المغيرة خطب امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «انظر إليها فإنه أحرى أن يودم بينكما»، ولا ينظر إلا إلى وجهها وكفيها. ويحتاج إلى إذنها في رواية ابن القاسم، وكره فيها أن يستغفلها.
وروى محمد بن يحيى في المدنية: لا بأس أن ينظر إليها وعليها ثيابها.
قال القاضي أبو الوليد: يحتمل أن يريد أن ينظر إليها مغتفلاً لها إذا علم أن عليها ثيابها، ويحتمل أن يريد أن ينظر إليها بعد إعلامها. والنكاح والملك فيمن يبيح وطئها يبيحان النظر إلى الفرج من الجانبين.
وقيل: يكره النظر إلى الفرج من ناحية الطب، إذ قيل: إنه يضعف البصر.
ويباح النظر إلى وجه المرأة لتحمل الشهادة، ويباح أيضاً إلى الفرج لتحمل شهادة الزنا في ظاهر المذهب.

.المقدمة الثالثة: الخطبة مستحبة:

والتصريح بخطبة المعتدة حرام، والتعريض جائز وهو القول المفهم لمقصود الشيء ليس بنص فيه، مأخوذ من عرض الشيء وهو ناحيته كأنه يحوم على النكاح ولا يسف عليه، ويمشي حوله ولا ينزل به. والتصريح هو التنصيص عليه، والإفصاح بذكره.
قال القاضي أبو بكر: والذي مال إليه مالك في التعويض أن يقول: إني بك لمعجب، ولك محب، وفيك راغب، قال: وهذا عندي أقوى التعريض، وأقرب إلى التصريح.
قال: والذي أراه أن يقول لها: إن الله سبحانه سائق إليك خيراً، وأبشري، وأنت نافقة.
فإن قال لها أكثر من ذلك فهو أقرب إلى التصريح.
وتحرم الخطبة على خطبة الغير بعد الإجابة والتراكن كالإجابة.
ثم هل يقف التحريم على تقرير الصداق، أو يحصل بمجرد التراكن والتقارب في الرضى وإن لم يتفقا على صداق؟ قولان: الأول لابن نافع. والثاني رواه ابن حبيب عن ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم ومطرف وابن الماجشون.
قال القاضي أبو بكر: والأول أصح، لأن السكوت عن الصداق نادر وهو أصل الاتفاق، فما لم يذكر فليس بركون مقاربة، ثم قال: قال علماؤنا: هذا إذا كانا شكلين، فإن لم يكن الزوجان متشاكلين جاز للمشاكل أن يدخل عليه، قال: وهذا مما لا ينبغي أن يكون فيه خلاف.
وقال ابن القاسم في العتبية: لا أرى على من دخل في مثل هذا شيئاً، ولا أرى الحديث إلا في الرجلين المتقاربين، وأما فاسق وصالح فلا.
فرعان:
الأول: لو اقتحم النهي وخطب أثم، وأدب، فإن عقد لم يفسخ عقده، قاله ابن القاسم وعبد الملك. وروى ابن مزين عن ابن نافع: يفسخ قبل الدخول، وروى عنه ابن حبيب: أن يفسخ بكل حال. قال القاضي أبو بكر: والصحيح عدم الفسخ.
وقال القاضي أبو محمد: الظاهر من المذهب الفسخ.
الفرع الثاني:
وهو مرتب: إذا قلنا: لا ينفسخ، فقد روى العتبي عن عيسى عن ابن وهب: أنه يستحب لهذا العاقد أن يتوب من فعله ويعرضها على الخاطب أولاً، فإن حلله رجوت له في ذلك مخرجاً، فإن أبى فليفارقها، فإن نكحها الأول، وإلا فلهذا أن يأتنف معها نكاحاً، قال عيسى: وقال ابن القاسم: إن لم يحلله فليستغفر الله تعالى، ولا شيء عليه. ويجوز الصدق في ذكر مساوي الخاطب ليحذر، وتستحب الخطبة، بضم الخاء، عند الخطبة بالكسر، وعند العقد.

.القسم الثاني من الكتاب في الأركان:

وهي أربعة: الصيغة، والمحل، والصداق، والعاقد.

.الركن الأول: الصيغة:

وهي كل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد في حال الحياة كالإنكاح، والتزويج، والتمليك، والبيع، والهبة، وما في معناها. قال القاضي أبو الحسن: ولفظ الصدقة أيضاً.
وقال الأستاذ أبو بكر في لفظ الإباحة: قال أصحابنا: إن قصد بها النكاح صح، وتضمن المهر.
ويكفي أن يقول الزوج: قبلت، إذا تقدم من الولي الإيجاب، ولا يشترط أن يقول: قبلت نكاحها.
وينعقد النكاح بالاستيجاب والإيجاب، فلو قال لأبي البكر، أو لأبي الثيب، وقد آذنت له أن يزوجها: زوجني فلانة، فقال: قد فعلت، أو قال: زوجتك، فقال الخاطب: لا أرضى فقد لزمه النكاح.
ولو قال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، وبضع كل واحدة صداق الأخرى، لم يصح، لأنه الشغار المنهي عنه، لأنه اشتراك في البضع.
ولو قال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، ولم يجعلا بضع كل واحدة صداقا للأخرى، فسخ بعد البناء على المشهور من المذهب، وقبله بلا خلاف فيه.
ولو سمي لكل واحدة منهما صداق، فلا يفسخ بعد البناء، ويفسخ قبله، وقيل: لا يفسخ. ولا يجوز تأقيت النكاح، وهو المتعة.

.الركن الثاني: المحل:

وهو المرأة الخلية عن الموانع التي تقتضي تحريمها، والتحريم ضربان: مؤبد، وغير مؤبد.
فالمؤبد يرجع إلى عين المرأة، فلا تحل بوجه، وذلك بوجهين: أحدهما أصل، والآخر بمعنى طارئ على العين يحظرها بعد إباحتها. وجملته خمسة أشياء: نسب، ورضاع، وصهر، ولعان، ووطء في العدة على خلاف وتفصيل في هذا القسم يذكر عند بسط الكلام على هذه الموانع.
فالأصل هو النسب، والفرع ما عددنا معه، فهذا قسم التحريم المتأبد.
وأما التحريم غير المؤبد، فهو الذي يكون لعارض يزول بزواله، وذلك بأن تكون المرأة ذات زوج، أو في عدة من زوج، رجعية كانت أو بائنة، أو تكون مستبرأة من غير النكاح، أو حاملاً حملاً لا يلحق به، كان لاحقاً بالواطئ أو غير لاحق، أو تكون مرتدة أو كافرة غير كتابية، أو تكون أمة كافرة أو تكون أمته، أو أمة ولده، أو تكون سيدته، أو أم سيده، أو تكون في حال إحرام، أو تكون المرأة أمة مسلمة والناكح حر يجد الطول أو لا يخشى العنت، أو يكون عند الزوج من ذوات محارم المرأة من لا يجوز الجمع بينه وبينها، أو يكون جامعاً بين أربع، أو تكون مريضة يحجر عليها فيه ويشتد الخوف عليها، أو تكون قد ركنت إلى غيره وتعهد الأمر بينها وبينه ولم يبق إلا العقد أو شبيه به، أو تكون يتيمة غير بالغ على أظهر الروايات وأصحها.

.الركن الثالث: الصداق:

وهو مستحق في عقد النكاح، لا يجوز التراضي على إسقاطه، ولا النكاح المشترط فيه سقوطه. نعم، لا يلزم التنصيص عليه في العقد، بل يستوي كونه مذكوراً فيه أو مسكوتاً عنه غير منفي في صحة العقد، وسيأتي تفصيل القول في أحكامه مستقصى في كتابه إن شاء الله.

.الركن الرابع: العاقد:

وهو الزوج والولي، إذ لا تعقد المرأة النكاح على نفسها ولا على غيرها، بكراً كانت أو ثيباً، شريفة أو دنيئة، رشيدة أو سفيهة، حرة أو أمة، أذن لها وليها، أو لم يأذن، لا يجوز ذلك بوجه.
قال القاضي أبو محمد: ولا خلاف من قول أصحابنا أنها لا تكون ولية في عقد النكاح على امرأة. قال: وروي عن ابن القاسم في العتبية: أنها تلي العقد على عبدها، أو من هي وصية عليه من أصاغر الذكور دون الإناث. قال: ووجه التفرقة بينهما من ثلاثة أوجه.
أحدها: ما ذكره ابن القاسم وهو أن الصبي من أهل العقد على نفسه بعد البلوغ، وكذلك العبد بعد العتق أو الإذن، بخلاف الأنثى.
والثاني: أن الصبي قادر على رفع العقد إن كرهه بخلاف الأنثى.
والثالث: أنه لا ولاية عليه في طلب الكفاءة، وليس كذلك الأنثى، وتجوز مباشرة المرأة للعقد على من يعقد على نفسه بوكالته لها في ذلك.
فروع: يجب للمدخول بها في النكاح بلا ولي مهرها المسمى، ولا حد في الدخول للشبهة، ويفسخ النكاح بعد العقد وبعد الدخول، وبعد الطول والولادة.
قال القاضي أبو بكر: ويصلح أن يركب عليه تكرير البطلان في الحديث. وهل يفسخ بطلاق أو بغير طلاق، روايتان لابن القاسم وابن نافع.
هذا تمام الأركان، وليس الإشهاد بركن في العقد ولا شرط فيه، نعم هو شرط في كمال العقد وجواز الدخول، والمقصود إعلان النكاح وإشهاره ليتميز من السر الذي هو الزنا. وإنما شرع الإشهاد لرفع الخلاف المتوقع بين الزوجين، وإثبات حقوقهما، فكانت كسائر الحقوق، لا تشترط الشهادة فيها شرعاً، وعلى هذا جرت أنكحة الصحابة رضي الله عنهم، ما كانت قط بشهادة وإنما كانوا يعلنون لأمنهم التدارؤ بينهم،، بل تقول: لو أشهد المتناكحان وتواصوا بالكتمان لفسخ العقد، وكان نكاح السر المنهي عنه في القول المشهور. وقيل: نكاح السر ما لم يشهد فيه.

.وفي بيان أحكام الولاية بابان:

في الولي، والمولى عليه.

.الباب الأول: في الولي:

وفيه فصول:

.الفصل الأول: في أسباب الولاية:

والولاية قسمان: خاصة وعامة.
فأما الخاصة، فأسبابها خمسة:
الأول: الأبوة، وتفيد الولاية الإجبار، وهي معلولة بعلتين: الصغر والبكارة، فيجبر الأب الصغير وإن كانت ثيباً، والبكر وإن كانت بالغاً، لوجود إحدى العلتين، ولا يجبر الثيب البالغ لعدمهما. فإن عنست البكر اختلف في دوام الإجبار عليها وانقطاعه عنها على روايتين لمحمد وابن وهب.
والعانس هي التي طال مكثها في منزل أهلها بعد إدراكها ولم تتزوج، وبرز وجهها، وباشرت الأمور بنفسها، وعرفت مصالحها. وقد اختلف في مقدار سنها، ففي رواية ابن وهب في المدنية: الثلاثون، والخمس والثلاثون. وفي رواية عيسى عن ابن القاسم: الأربعون والخمس والأربعون، ثم حيث أجبرنا البكر البالغ، فيستحب استئذانها.
والمعتبر في الثيوبة المانعة من الإجبار الوطء الحلال دون الحرام، وقيل: هما في ذلك سيان، ولا أثر لزوال الجلدة بالسقطة ونحوها.
فرع:
لو تزوجت البكر وأدخلت على الزوج، ثم فارقها قبل أن يسمها، لم يكن لأبيها أن يجبرها بعد ذلك إن طالت إقامتها مع الزوج وشهدت مشاهد النساء، لأنها تخبر بذلك مواضع حظوظها وتعرف مصالحها، فيقوم ذلك مقام الثيوبة.
واختلف في تحديد هذا الطول المذكور، فقيل بتحيده السنة ونحوها، وقيل ينفي التحديد بزمن معين، ورده إلى ما يشهد العرف بكونه طولاً. وإن كان أمراً قريباً فلا يمنعه من إجبارها. وحكي عن عبد الحكم أنه قال: يزوجها بغير رضاها وإن طالت إقامتها ما لم تمس.
ولو التمست البكر الكبيرة البالغ التزويج وجبت الإجابة، وإن كانت مجبرة، فإن عضل الولي زوج السلطان. ويصير الولي عاضلاً إذا عينت كفؤاً فرده، إلا الأب في ابنته البكر، فإنه لا يكون برد أول خاطب أو خاطبين عاضلاً.
والكفء الذي عينت المالكة لأمرها أولى ممن عينه الولي.
السبب الثاني: خلافة الأبوة.
فإذا فوض الأب الولاية في إنكاح بناته إلى الوصي ثبتت له الولاية وكان أحق من الولي.
قال في الكتاب: لا نكاح للأولياء مع الوصي، والوصي ووصي الوصي أولى من الأولياء.
ولو رضيت الجارية، والأولياء، والوصي ينكر فلا نكاح لها، ولا لهم بالوصي، فإن اختلفوا في ذلك نظر السلطان فيما بينهم.
وأما الثيب فلو زوجها الأولياء برضاها جاز، وإن أنكر الوصي.
وكذلك إن أنكحها الوصي بإذنها جاز، وإن أنكر الأولياء.
قال القاضي أبو محمد: الوصي في البكر أولى من سائر الأولياء بإذنها، وهو في الثيب واحد منهم.
وقال ابن حبيب: إن قال له: زوج ابنتي من فلان، أو ممن ترضى، نزل في ذلك منزلته، وكان له أن يزوجها قبل بلوغها وبعد بلوغها بغير أمرها، قال: وإنما يكون أحق بتزويجها من الأولياء بعد بلوغها ومؤامرتها، إذا قال: فلان وصيي فقط، أو قال: فلان وصيي على بضع بناتي، قال: وسواء كانت أبكاراً أو ثيباً.
وقال ابن الماجشون في مختصر ما ليس في المختصر ومحمد بن عبد الحكم: لا تزويج لوصي إلا أن يكون ولياً.
وقال سحنون في السليمانية: قال غير ابن القاسم من أصحابنا: الأولياء أولى بالعقد من الوصي.
قال أبو الحسن اللخمي: وهذا القول أحسن، لأن الوصي أجنبي، وإنما هو وكيل على المال.
السبب الثالث: العصوية: كالبنوة، والإخوة، والجدودة، والعمومة، ولا تفيد إلا تزويج العاقلة البالغة برضاها الصريح إن كانت ثيباً، وبسكوتها إن كانت بكراً.
واستحب مالك في رواية ابن الماجشون، أو تعلم البكر أن إذنها صماتها، لئلا تجهل ذلك فتصمت في الكراهية.
وقال الشيخ أبو إسحاق: يقال لها ذلك ثلاث مرات: إن رضيت فاصمتي، وإن كرهت فانطقي. قال القاضي أبو محمد: وليس ذلك شرطاً في صحة الإذن. وحكي عن عبد الملك بن الماجشون أنه قال: وإن لم يفعل الولي ذلك مضى الأمر على ظاهره، وجاز النكاح.
فرعان: الأول: إذا تقدم العقد على الإذن في صحة النكاح وبطلانه ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث، فيصحح إذا تعقبه على قرب، ويبطل إذا تراخى.
وقال القاضي أبو محمد: الصحيح أنه لا يجوز وإن تعقبته الإجازة.
الفرع الثاني:
البلوغ المعتبر في التزويج هو الحيض. قال ابن حبيب: أو بلوغ ثماني عشرة سنة. واختلف في الإنبات، ثم إن زوجت به، فقال ابن حبيب: يفسخ قبل البناء وبعده، وقال محمد: لا يفسخ إذا أنبتت.
السبب الرابع: الولاء، فالمولى الأعلى كالعصابات عند عدمها، فيعقد المعتق، وتستخلف المعتقة من يعقد.
ولا ولاية للأسفل، قال الشيخ أبو عمر: وقيل: إن له مدخلاً في الولاية، ثم قال: وليس بشيء.
السبب الخامس: التولية، وإنما يزوج السلطان البالغة عند عدم الولي أو عضله أو غيبته، وليس له أن يزوج الصغيرة، ولا يزوجها غير الأب من سائر الأولياء، فإذا كانت يتيمة فلا تزوج أصلاً حتى تبلغ. وروي: أن لسائر الأولياء تزويجها، ولها الخيار إذا بلغت. وروي: إن دعتها ضرورة، ومستها حاجة وكان مثلها يوطأ، ولها في النكاح مصلحة جاز تزويجها. قال الأستاذ أبو بكر: والأول هو المذهب الصحيح.
وقال القاضي أبو محمد: أظهر الروايات وأصحها والمعمول بها والذي به نفتي أنه لا يزوجها غير الأب على أي وجه كان حتى تبلغ. قال: وإلى ذلك رجع مالك، ذكره محمد بن عبد الحكم.
وقال الشيخ أبو الطاهر: وأما ما كانت ممن يخالف عليها الفساد، فلم يختلف أحد من المتأخرين أنها تزوج، وإن كان إطلاق الروايات يقتضي منع التزويج.
وإذا فرعنا على الرواية الصحيحة فزوجت، فروي: يفسخ النكاح ولا يقران عليه وإن بلغت، ما لم يدخل بها، وهذا مقتضى القول بالمنع من التزويج. وقيل: ينظر فيه الحاكم، فإن رآه صواباً أمضاه، وإلا فسخه. وقيل: الخيار لها، فإن رضيت مضى، وإلا فسخ. قال: وإنما يكون ذلك بعد بلوغها، هذا حكم الولاية الخاصة.
فأما العامة، فسببها الدين، والأصل في ثبوتها قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}، ولا يقدم على العقد بها مع الخاصة، فإن أقدم عليه بها معها: فإن كانت الخاصة ولاية إجبار، كالأب والسيد، فسخ النكاح على كل حال، وليس للأب ولا للسيد إجازته. وحكى القاضي أبو محمد: إن في إجازة السيد روايتين، وإن كانت الولاية الخاصة ليست بولاية إجبار، كالأب في الثيب، وسائر العصبة في البكر والثيب، فقال ابن القاسم في الكتاب: إن أجازه الولي قبل البناء أو بعده جاز، وإن رده قبل البناء أو بعده رد، ما لم يطل ويكن صواباً.
وقد توقف مالك في الجواب عنه إذا أجازه الولي بالقرب، وقال ابن نافع وعلي بن زياد: لا يجوز وإن أجازه الولي.
وقال القاضي أبو محمد: إن زوجها الأجنبي مع القدرة على ولي بالنسب أو بالحكم، ففيها روايتان:
إحداهما: أن ذلك غير جائز.
والثانية: أنه ماض إذا تزوجت كفؤاً.
فرعان: الأول: إذا قلنا: لا يجوز ذلك في ذات الحال فهل يجوز في الدنية؟ قال القاضي أبو محمد: في ذلك روايتان، إلا أن الأظهر أن النكاح جائز، فإن لم تكن ولاية خاصة سوى ولاية الحكم، ففي الموازية من رواية أشهب في الدنية تولي رجلاً ينكحها نهى عن ذلك، وقال: إذا عمل بهذا ضاعت الفروج.
وروى ابن وهب في المرأة لا ولي لها وتكون في البادية يجوز لها ذلك إذا لم تضع نفسها في دناءة، وليس كل امرأة تقدر على رفع أمرها إلى السلطان.
وروى ابن القاسم في الواضحة في الدنية في الحال والموضع، لا ولي لها بقرابة ولا ولاء، يزوجها أجنبي دون الإمام.
وأنكر ابن الماجشون رواية ابن القاسم، وقال: إنما قال مالك وعلماؤنا في مثل الأعجمية الوغدة تستند إلى الرجل ذي الحال فيصير لها كنفاً ومستنداً، ويأخذ لها القسم ويجري عليها النفقة ويلي منها ما يلي من مولاته، فلا بأس أن يعقد عليها بإذنها إذا لم يكن لها ولي، فأما ذات النعمة والحال والنسب والمال فلا.
الفرع الثاني:
إذا قلنا بالمنع من التزويج بالولاية العامة مع وجود الولاية الخاصة والفسخ إن وقع، فزوجها أجنبي وأولياؤها غيب، فقد قال ابن القاسم في الموازية: للولي وللسلطان فسخ ذلك، وكتب مالك إلى ابن غانم إذا زوجها الأجنبي، وأولياؤها غيب، فرفع إلى السلطان فلا ينظر فيه إلا أن يقدم الولي فيطلب الفسخ فيفسخ إلا فيما يطول مع الولادة. وأما التي لا خطب لها وليست من العرب فلا يفسخ وإن قرب.
ثم حيث قلنا بالفسخ،فإن كان قبل الدخول فلا عقوبة عليهما إذا كان النكاح مشهوراً، إذا لم يوجد منهما سوى العقد بالقول، وإن بنى بها عوقبا جميعاً. ومن تولى العقد، ومن علم من الشهود، وانفسخ بتطليقة بائنة.

.الفصل الثاني: في ترتيب الأولياء.

والأصل: القرابة، وحكم الوصية داخل فيها، ثم الولاء، ثم التولية، والمقدم من الأقارب الابن، ثم ابنه وإن سفل، ثم الأب، وروي: الأب ثم الابن، ثم بعدهما الأخ، ثم ابنه وإن سفل، ثم الجد.
وقال المغيرة: الجد وأبوه أولى من الأخ وابنه، ثم العم، ثم ابنه على ترتيبهم في عصوبة الإرث.
وهل يقدم الأخ من الأب والأم على الأخ من الأب كما في الميراث أم يستويان؟
روايتان: والأولى لمالك وابن القاسم عند ابن حبيب، والثانية في الكتاب من رواية علي بن زياد. وكذلك يجري الخلاف في أبنائهما، وفي العمين وأبنائهما.
وأما المعتق إذا مات فعصباته، ثم معتقه، ثم عصبات معتقه، وترتيب عصبات المعتق كعصبات القرابة، وابن المعتق مقدم على أبيه، وإذا أعتقت المرأة فلها الولاء، وتزويج العتيقة إلى مولاها فإن كان ولاؤها لامرأة استحلفت من يعقد.
فرع:
إذا أنكح الأبعد مع وجود الأقعد نفذ.
وقال سحنون: قال بعض الرواة: ينظر السلطان في ذلك.
وقال الآخرون: للأقرب أن يجيز أو يرد إلا أن يتطاول الأمر، وتلد الأولاد.
وقال ابن حبيب: للأقرب أن يفسخه أو يمضيه، ما لم يبن بها ويطلع على عورتها.
وسبب الخلاف: النظر إلى تقدمة الأقرب، هل هي من باب الأولى، أو ذلك حق له كالقيام بالدم؟
قال أبو الحسن اللخمي: ولم يختلفوا أن النكاح صحيح لا يتعلق به فساد، وإنما الاختلاف في أنه هل يتعلق به حق آدمي أم لا؟.
ثم قال: فإن كانت المرأة لا قدر لها، مضى إنكاح الأبعد بنفس العقد قولاً واحداً.

.الفصل الثالث: في سوالب الولاية:

وهي ست:
الأول: الرق، فلا ولاية لرقيق، وله عبارة في القبول لنفسه ولغيره بالوكالة بإذن السيد وبغير إذنه.
الثاني: ما يقدح في النظر، كالصبا والجنون والعته الموجب للحجر، فجميع ذلك ينقل الولاية إلى الأبعد.
واختلف في السفه، فقال ابن وهب: ينقل الولاية إلى ولي السفيه ويستحب حضوره، ولا تضر غيبته.
وفي الموازية عن ابن القاسم: لا ينقلها، بل يعقد على ابنته بإذن وليه.
وقال أشهب: يعقد إذا كان ذا رأي إذا لم يول عليه وإن كان سفيهاً.
فرع:
فإن عقد السفيه على ابنته، فقال ابن وهب: لوليه إجازته أو رده، فإن لم يكن عليه ولي، فعقده ماض إن كان ما فعل صواباً، وكذلك في أخته.
قال أصبغ: قول ابن وهب صحيح.
قال محمد: إلا قوله: إن لم يكن عليه ولي، أنه جائز. قال: وذلك سواء له ولي أم لا، ينظر إلى ما فعل بالاجتهاد كنظر الولي.
الثالث: غيبة الولي الأقعد غيبة بعيدة، أو لا ترجى لها أوبة سريعة، فإنها تنقل الولاية إلى الأقرب إليه، وإلى الحاكم، فيزوجها أحدهما.
وقيل: إلى الحاكم فقط، فلا يزوجها غيره.
الرابع: الفسق، وهو يسلب الولاية على قول. والمشهور أنه لا يسلبها، وإنما يقدح في كمال العقد دون صحته.
الخامس: اختلاف الدين، والمشهور أنه يسلب الولاية في الجانبين، فكما لا يزوج المسلمة إلا مسلم، فلا يزوج الكافرة إلا كافر، فإن لم يكن لها ولي كافر فأساقفتهم وبعض ولاتهم، فيعقدون ولو من مسلم دون وليها المسلم. ولا يصح عقد المسلم عليها، إلا أن تكون معتقة فإن عقد عليها وهي غير معتقة فسخ إن كان لمسلم، ولا يعرض للنصراني.
وقال أصبغ: لا يفسخ عقد المسلم، عقده أولى وأفضل. وقيل: لا يجوز في إنكاحها للمسلم إلا عقد المسلم خاصة.
السادس: الإحرام، وهو يسلب عبارة المحرم في النكاح والإنكاح، لكن لا يمنع الرجعة، ولا يسلب عبارته فيها.

.الفصل الرابع: في تولي طرفي العقد:

والأب يتولى طرفي عقد البيع في مال ولده، وكذلك الوكيل على البيع إذا اشترى السلعة لنفسه تولى طرفي العقد. وكذلك كل واحد من ابن العم والمعتق، ووكيل الولي، والحاكم يعقد لنفسه على من يتولى عليها بإذنها له في ذلك، فيتولى طرفي العقد، وليشهد كل منهم على رضاها وإذنها خوفاً من منازعتها.
قال أبو عمر: ولفظه في العقد أن يقول لها: قد تزوجتك على صداق كذا وكذا، فتقول: رضيت، أو تكون بكراً فتسكت رضاً بذلك.

.الفصل الخامس: في التوكيل:

وللولي أن يوكل من يعقد على وليته بعد تعيين الزوج. وللزوج أيضاً أن يوكل من يعقد عنه، فلا يشترط في وكيله ما يشترط في الأولياء من الصفات، بل يصح توكيل العبد والصبي والمرأة والنصراني.
وقيل: يشترط في وكيله ما يشترط في وليها، فلا يعقد عنه من لا يصلح للعقد عليها ولو كان وليها. ثم ليقل الولي للوكيل بالقبول: زوجت من فلان، ولا يقل: زوجت منك، وليقل الوكيل: قبلت لفلان، ولو قال: قبلت، لكفى إذا نوى بذلك موكله.

.الفصل السادس: فيما يجب على الولي:

وتجب على الأخ الإجابة إذا طلبت أخته النكاح من كفء، إن كان متعيناً، فإن كان له أخ آخر، كان الوجوب عليهما، ويسقط بفعل أحدهما، فإن عضلا زوج السلطان بعد أن يأمرهما فيمتنعا.
وعلى المجبر تزويج المجنونة إذا تاقت وخشي عليها الفساد، ورأى الولي المصلحة في تزويجها.
ولا يجب تزويج الصغير وإن طلب التزويج، فإن عقد لنفسه، فقال ابن القاسم: إذا أجاز الولي نكاحه فهو جائز كبيعه.
وأنكر سحنون ذلك وعلل إنكاره بأنه رآه غير محتاج إلى النكاح، بخلاف البالغ وبخلاف البيع والشراء، فإن الصغير يحتاج إلى ذلك.
وقال بعض المتأخرين: وإنما أجاز ذلك ابن القاسم لأنه رآه نظراً مالياً؛ إذ يعود بالصلاح في المال في الحال وفي المآل.
وإذا عقد الأب لابنه الصغير، لم يصر ضامناً للمهر، إلا أن يكون الابن عديماً غير مالك لأمره.

.الفصل السابع: في الكفاءة:

والنظر في اعتبار أمور:
الأول: الدين، وهو معتبر في الكفاءة بلا خلاف، فإن كان فاسقاً، فحكى الشيخ أبو الطاهر أنه لا خلاف منصوص أن تزويج الوالد من الفاسق لا يصح، قال: وكذلك غيره من الأولياء، وإن وقع وجب للزوجة أو لمن قام لها فسخه.
قال: وكان بعض أشياخي يهرب من الفتوى في هذا، ويرى أنه يؤدي إلى فسخ كثير من الأنكحة.
وإشارته بذلك إلى الفاسق بجوارحه، وأما الفاسق باعتقاده فقد نص عليه مالك، فقال في كتاب محمد: لا يتزوج إلى القدرية، ولا يزوجوا.
الثاني: النسب، ولا يخلوا أن يكون حراً عربياً، أو مولى، أو رقيقاً.
الأول: أن يكون حراً عربياً، فهو كفء.
الثاني: أن يكون مولى، فمذهب الكتاب أنه كفء. قال ابن القاسم فيه: سألت مالكاً عن نكاح الموالي في العرب، فقال: لا بأس بذلك، ألا ترى إلى ما في كتاب الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
وكذلك في كتاب محمد: قال مالك في المرأة، يريد الثيب، ترضى برجل دونها في الحسب، وهو كفء في الدين، ويرده الأب أو الوالي فرفعت ذلك إلى السلطان فليزوجها منه.
ونقل بعض المتأخرين قولاًَ آخر عن المذهب أنه ليس بكفء.
وقال عبد الملك بن الماجشون: إنما تفسير قول مالك في إجازة نكاح المولى من العربية أن ذلك على التقوى والدين، وأن يكون ذلك لله لقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وهديه فزوجوه وإن كان عبداً أسود أجدع أجذم».
قال عبد الملك: فإذا لم يكن على التقوى كان نكاحاً مردوداً، قبل البناء وبعده، لأنه لاحظ له في الآية التي في كتاب الله، ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ووجب على السلطان أن يعاقب الناكح والمنكح والشهود لما انهتك من الحرمة، وذلك إذا ابتنى أو مس.
الثالث: أن يكون رقيقاً، فظاهر قول ابن القاسم في الكتاب أنه كفء. ونقل القاضي أبو محمد ذلك عنه نصاً. ونقل عن المغيرة وسحنون أنه لا يكون كفؤاً، ثم قال: وهو الصحيح. ونقل بعض المتأخرين عن المغيرة أنه قال: يفسخ لأن للناس مناكح قد عرفت لهم وعرفوا بها، ثم قال: وهذا الذي صوبه المتأخرون للقطع بكبير المعرة والمضرة في ذلك.
وفي الكتاب: وقال غيره: ليس العبد ومثله إذا دعت إليه إذا كانت ذات المنصب والموضع والقدر مما يكون الولي في مخالفتها عاضلاً؛ لأن الناس مناكح قد عرفت لهم وعرفوا بها.
الثالث: ما يرجع إلى البدن، فيؤمر الولي أن يتخير لها كامل الخلقة. قال عمر رضي الله عنه: لا يزوج الرجل وليته للقبيح الذميم، ولا للشيخ الكبير، فإن زوجها من ناقص، فإن كان نقصاً يضر بها كالجنون والجذام والبرص، أو يؤدي إلى نقط الوطء كأحد العيوب المثبتة لخيار الرد، لم يكن كفؤاً، وكان لها رد النكاح كما سيأتي. وإن كان النقص غير ذلك، لم يثبت لها به خيار.
الرابع: المال، والفقر المؤذن بالعدم جملة حتى يعجز عن النفقة عليها والقيام بحقوقها يثبت لها متكلماً. وكذلك إن قدر على ذلك إلا أنه يؤذيها في مالها.
فأما إن كان فقيراً إلا أنه بحيث يقدر على النفقة ولا يؤذيها في مالها، فظاهر الكتاب أن لها متكلماً أيضاً. وقيل: لا متكلم لها.
قال بعض المتأخرين: ولعل هذا خلاف في حال، هل في ذلك معرة عليها أو لا؟ ولعله نظر إلى المحال أو المال.
ولنختم الفصل بما روي عن ابن القاسم مما يشير إلى اعتبار الكفاءة في القدر والحال والمال.
فروى عنه أصبغ: أن من دعت إلى زوج وأبى عليها وليها، فنظر السلطان فلم ير منعه صواباً، ورأى منه عضلاً لها وإضراراً بها في ذلك، أمره بتزويجها ممن رضيته إذا كان كفؤاً لها في القدر والحال والمال، فإن أبى زوجها السلطان منه على ما أحب أو كره.
قال عبد الملك: وعلى هذا القول اجتمع أصحاب مالك، لا أعلمهم اختلفوا فيه، ثم الكفاءة حقها وحق الأولياء، فإن رضيت هي وهم بتركها جاز.

.الفصل الثامن: في تزاحم الأولياء:

وإذا اجتمع أهل زوجة عقد أفضلهم، فإن تساووا في الفضل عقد أسنهم، فإن تساووا في السن اجتمعوا فعقدوا عليها، فإن اختلفوا فروى ابن القاسم أنهم إذا اختلفوا مع استوائهم في العقد رفع ذلك إلى السلطان فينظر فيه، فإن بادر أحدهم وعقد برضاها صح العقد ونفذ، ساواهم في الفصل أو نقص عنهم فيه.
فرع:
إذا أذنت لوليين ولم تعين الزوج، فعقد كل واحد منهما مع شخص، ولم يعلم أحد الزوجين بصاحبه حتى دخل بها أحدهما، فهي للذي دخل بها منهما، ويفسخ نكاح الآخر.
قال المتأخرون: وهكذا قال في الكتاب، إذا لم يعلم بعقد الأول حتى دخل، فلو دخل بعد علمه بذلك لم ينفعه الدخول، وكانت للأول.
فإن لم يدخل بها أحدهما فهي لمن سبق عقده عليها منهما، فإن اتحد زمن العقد تدافعاً، وكذلك إن جهل السبق وأمكن التوافق، أو علم السبق وجهل السابق.
وقال ابن عبد الحكم: السابق بالعقد أولى، وإن دخل الثاني.
ومعتمد المذهب في ذلك ما روي عمر والحسن ومعاوية ومن وافقهم على ذلك رضي الله عنهم أجمعين، فقضى عمر في الوليين ينكحان المرأة، ولا يعلم أحدهما بصاحبه أنها للذي دخل بها، فإن لم يدخل بها أحدهما فهي للأول، فهذا حكمه بحضرة الصحابة ولم ينكر عليه، ثم وافقه الحسن ومعاوية، فروى ابن أبي مليكة أن موسى بن طلحة أنكح يزيد بن معاوية أم إسحاق بنت طلحة وأنكحها يعقوب بن طلحة من الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فلم تمكث إلا ليلتين حتى جمعها الحسن، وكان موسى بن طلحة أنكحها من يزيد قبل أن ينكحها يعقوب من الحسن، فقال معاوية: امرأة جمعها زوجها فدعوها، ولم يظهر خلاف.
وقال به ابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة وعطاء ومكحول وغيرهم.
فروع: الأول: إذا جهل السابق وقلنا: يفسخ النكاحان، فإن الفسخ بطلاق.
وقال محمد: يكون الطلاق موقوفاً، فإن تزوجها أحدهما لم يقع عليه طلاق، ولزم الآخر، وإن تزوجها غيرهما وقع الطلاق عليهما.
الفرع الثاني:
إذا مات الأول، أو طلق قبل دخول الثاني، فإن علم بذلك قبل دخول الثاني، فلا يكون دخوله فوتاً، وإن لم يعلم حتى دخل فهو فوت.
الفرع الثالث:
إذا ماتت المرأة بعد أن علم الأحق بها منهما بدخول أو سبق عقد، فلا شك في ميراثه، ولزوم الصداق له. فإن جهل الأحق بها، ففي ثبوت الميراث مع الجهل قولان للمتأخرين: ثبوته؛ إذ لابد أن يكون أحدهما زوجاً، ونفيه، إذ لا يورث بالشك.
ويثبت الصداق حيث يثبت الميراث، وأما حيث ينتفي فإنما يكون عليه ما زاد منه على قدر الميراث.
الفرع الرابع:
إذا مات الزوجان أو أحدهما، فلا ميراث ولا صداق للشك في الزوجية في حق كل واحد منهما، وهي السبب.
الفرع الخامس: إذا ادعى كل واحد أنه الأول، فصدقت أحدهما، ثبت لها الصداق لأنه إقرار بمال، ولم يثبت الميراث. ولو شهدت لكل واحد منهما بينة أنه الأول، تساقطتا، وكان الحكم كما إذا تداعيا من غير بينة. والمشهور أنه لا يرجح ههنا بمزيد العدالة، بخلاف البيع، إذ لا يثبت النكاح بالشاهد واليمين، ويثبت به البيع، فمزيد العدالة ههنا كشهادة شاهد واحد.
وقال سحنون: يقضي بالأعدل كالبيع، وبه قال أبو إسحاق البرقي، واختاره أبو محمد عبد الحق.