فصل: الركن الثالث للطلاق: القصد.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الركن الثالث للطلاق: القصد.

ويتوهم اختلاله بخمسة أسباب:
الأول: سبق اللسان، فمن سبق لسانه إلى الطلاق لم يقع عليه طلاق. ولو كان اسم زوجته طلاق، واسم عبده حر، فقال: يا طلاق، ويا حر، لم يعتق ولم تطلق إن قصد النداء.
وإذا كان اسم زوجته طارق، فقال: يا طالق، ثم قال: التف لساني قبل ذلك في الفتيا.
السبب الثاني: الهزل، ولا يؤثر ذلك في منع وقوع الطلاق والعتاق، بل يمضي عليه وينفذ وكذلك النكاح.
وقال أبو بكر بن محمد: يلزم نكاح الهزل. وروي في السليمانية: نكاح الهزل لا يجوز.
واختار أبو الحسن اللخمي أنه إن قام دليل على الهزل لم يلزم عتق ولا نكاح ولا طلاق، ولا شيء عليه من الصداق. قال وإن لم يقم دليل لزمه نصف الصداق.
الثالث: الجهل، فإذا قال: يا عمرة، فأجابته حفصة، فقال: أنت طالق، ثم قال: حسبتها عمرة، طلقت عمرة، وفي طلاق حفصة خلاف. وإذا لقن الأعجمي لفظ الطلاق وهو لا يفهمه، لم يقع عليه.
الرابع: الإكراه: ولا يقع طلاق المكره، ولا يلزمه منه شيء. هذا مطلق الروايات.
وقال بعض المتأخرين: الحكم كذلك، إلا أن يترك التورية مع العلم بها، والاعتراف بأنه لم يدهش بالإكراه عنها.
ثم إذا أكره، فسواء أكره على إيقاع الطلاق، أو على الإقرار به، أو اليمين به، أو الحنث في يمين لزمت به، كل ذلك لا يلزمه.
ولو حلف في نصف عبد له: لا باعه، فأعتق شريكه نصفه، فعتق عليه حنث، إلا أن ينوي إلا أن يغلب.
وقال المغيرة: لا حنث عليه، إنما أراد لا بعته طوعاً.
وحد الإكراه، ما فعل بالإنسان مما يضره أو يؤلمه من ضرب أو تخويف، كان ذلك من سلطان أو غيره، فإنه إكراه لا يلزم صاحبه حكمه ولا يجب عليه عقده. والتخويف بقتل الولد إكراه.
واختلف في التخويف بقتل أجنبي، هل يعد إكراهاً أم لا؟. والتخويف لذي المروءة بالصفع في الملإ إكراه.
والتخويف بإتلاف المال يعد إكراهاً في الطلاق. وقيل: لا يعد، وحمله بعض المتأخرين على القليل منه.
وحكى محمد بن سحنون عن أبيه: إنما الإكراه في القول. فأما الفعل فلا إكراه فيه.
كذلك ذكر عبد الملك في كتبه.
الخامس: زوال العقل بالجنون فلو شرب دواء فتجنن امتنع نفوذ التصرف. وأما السكران فقد تقدم حكم طلاقه.

.الركن الرابع: المحل:

وهي المرأة فلو أضاف الطلاق إلى نصفها نفذ، وكذلك لو أضاف إلى عضو معين كالكبد والطحال والعين واليد والرجل ونحوه، نفذ أيضاً.
ولو أضافه إلى شعرها أو كلاهما، فقال سحنون: لا تطلق.
وقال أشهب وأصبغ: تطلق. وفي إضافته إلى الروح والحياة خلاف أيضاً.

.الركن الخامس لنفوذ الطلاق ووقوعه: الولاية على المحل:

فإذا قال للزوجة أو الرجعية: أنت طالق، نفذ الطلاق لتحقق الولاية عليهما.
ولو قال لمختلعة أو أجنبية: أنت طالق، أو قال لإحداهما: إن دخلت الدار فأنت طالق. فنكحتها في الصور الأربع، لم يقع عليه طلاق، إذ لا ولاية على المحل تحقيقاً ولا تعليقاً.
أما لو علق الطلاق على وجود تحقق الولاية كقوله: إن نكحتك فأنت طالق، فالمشهور من المذهب التسوية بين ترتبه عليها تحقيقاً وتعليقاً. فإذا نكحها وقع الطلاق عليها على الرواية المشهورة، لأن تحقق الولاية إنما يقف عليه نفوذ الطلاق ووقوعه.
فأما التعليق فهو يمين بالطلاق لا نفوذ فيه ولا وقوع إلا بعمد تحققها، وصار كالصدقة بما يملك، والعتق لما في البطن.
وقال القاضي أبو بكر: وروى ابن وهب والمخزومي: أنه لا شيء عليه.
وقال ابن عبد الحكم.
وفي العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم: أن صاحب الشرط كتب إليه في رجل تزوج امرأة حلف بطلاقها إن تزوجها فتزوجها، هل أفسخ نكاحه؟ فكتب إليه: لا تفسخه.
وقد أجازه ابن المسيب. وكان المخزومي ممن حلف أبوه على أمه بمثل هذا.
ولنفرع على الرواية المشهورة فنقول: قد قدمنا أنه إذا خاطب به امرأة لزمه الطلاق فيها إذا تزوجها. فلو أطلق القول فعمم من غير تخصيص ولا تعيين ولا تقييد، فقال: كل امرأة أتزوجها طالق، لم يلزمه شيء، ولا يقع عليه طلاق فيمن يتزوج لما في ذلك من تحريمه على نفسه جميع الاستمتاع بالزوجية، هو عقد معصية، ويوقعه في الحرج الذي ترفعه الشريعة، فلا يلزم الوفاء به، ولا يترتب عليه به حكم.
أما إذا أبقى لنفسه شيئاً، فإن كان كثيراً، كما إذا خصص بأن عين صفة من الجنس، من نسب أو خلقة، أو ما أشبه ذلك، أو عين مكاناً بعينه، كتعيينه الفسطاط أو أفريقية أو نحو ذلك، أو عين زماناً يبلغه عمره، كقوله: عشرين سنة، أو ثلاثين سنة، إذا أشبه بلوغه لها. قال ابن الماجشون: والتعمير في مثل هذا تسعون سنة. لزمه الطلاق فيمن يتزوج ممن ذكر في جميع ذلك، ولا يلزمه فيمن تحته منهن، إلا أن يطلقها، ثم يتزوجها.
وكذلك إن قال: كل امرأة أتزوجها من الموالي فهي طالق. لزمه الطلاق فيمن يتزوج منهن، ولا يلزمه فيمن تحته منهن. فإن طلقتها ثم تزوجها طلقت عليه.
وإن كان الذي أبقاه لنفسه قليلاً غير متسع، ففي لزوم الطلاق ونفيه قولان، قبيلة كان ذلك أو بلداً.
وسبب الخلاف: الشهادة بوجود الحرج ونفيه.
وإذا فرعنا على اللزوم، فهل يكون إبقاؤه امرأة واحدة ملحقاً بذلك أم لا؟ قولان، إذا كانت زوجة. فإن كانت أجنبية، فثلاثة أقوال:
اللزوم مطلقاً. ونفي اللزوم وهو المشهور، ونفيه ما دامت متزوجة أو إذا تزوجت، ولزومه إن لم تكن متزوجة.
فروع: لو حلف بطلاق من ينكح من الإماء لزمه لبقاء الحرائر. ولو حلف بطلاق من يتزوجه من الحرائر، فقولان: اللزوم ونفيه.
ولو قال: إن لم أتزوج من موضع كذا، لموضع سماه، فكل امرأة أتزوجها من غير الموضع المسمى طالق.
فهل يكون بمنزلة القائل: كل امرأة أتزوجها من غير الموضع المسمى طالق، أو يكون بمنزلة المولي، فيوقف عن غير من يتزوج من الموضع المسمى حتى يتزوج منه. في ذلك قولان: المشهور أنه بمنزلة المستثنى.
ولو قال: كل بكر أتزوجها طالق، ثم قال: كل ثيب أتزوجها طالق. لزمه ذلك في الأبكار، ولم يلزمه في الثيب. وقيل: يلزمه في النوعين جميعاً. وقيل: بنفي اللزوم فيهما جميعاً.
ولو قال: أول امرأة أتزوجها طالق، فتزوج، طلقت عليه، وانحلت يمينه عنها وعن غيرها.
ولو قال: آخر امرأة أتزوجها طالق، فقال محمد: قال ابن القاسم: لا شيء عليه.
قال: ونحن نرى أن يقف عن وطء الأولى حتى ينكح ثانية، فتحل له الأولى، ويقف عن الثانية حتى ينكح ثالثة، وهو في التي يقف عنها كالمولي، فإن رفعته، فالأجل من يوم ترفعه، إذ هو بالحكم.
وقال سحنون مثله في العتبية وفي كتاب ابنه.
وقال: وكذلك لو تزوج رابعة لزمه فيها الإيلاء إلا أن يموت من عنده، أو يطلق فيتزوج.
وفي المجموعة عن ابن الماجشون نحوه.
وقال: فإن تزوج امرأة فماتت، أوقف ميراثه منها حتى يتزوج ثانية فيأخذه، أو يموت قبل أن يتزوج، فيرد إلى ورثتها.
وإذا طلق عليه بالإيلاء فلا رجعة له، لأنه لم يبن بها.
وإن قال: آخر ما أتزوج إلا واحدة طالق. يريد تطليق التي تلي الآخرة. فإن تزوج أوقف عنها، ثم إن تزوج ثانية أوقف عنها وعن الأولى، إذ لا يدري من يلي الآخرة منهما. فإن مات فالأولى المطلقة.
وإن تزوج ثم مات، فالثانية المطلقة، وإذا تزوج ثالثة حلت له الأولى. ولو قال: فالتي تلي التي تلي الآخرة طالق، حتى تكون ثالثة منها، فهذا يمسك عنها حتى يتزوج رابعة، فتحل له الأولى، فإن مات في هذه الحال، فالثانية من الأولى هي المطلقة.
فرع مرتب: حيث قلنا: يقع عليه الطلاق في الزوجة التي علق طلاقها على تزويجها، فإنما ذلك على أثر الفراغ من العقد من غير تأخير ولا مهلة. ويجب لها عليه نصف الصداق إذا وقع الطلاق قبل الدخول. فإن دخل قبل أن ينظر في أمره، فإنما عليه صداق واحد. فإن كان قد سمى كمل المسمى، وإن كان لم يسم، فصداق المثل.
وقيل: يجب عليه صداق ونصف، وهو شاذ.
هذا تمام الكلام على هذا الركن، ويلتحق بالكلام عليه في اعتبار الولاية على المحل حالة النفوذ قول العبد لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً، ثم يعتق فتدخل الدار، فإنه يقع عليه الثلاث. وإن لم يملك الثالثة عند التعليق، إذ المراعى يوم الحنث.
ومن قال لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً، ثم أبانها، فدخلت، لم يقع الطلاق لكونها أجنبية في حال الدخول، فلو نكحها بعد ذلك فدخلت، وقد بقي من الملك الأول شيء طلقت. ولو استوفى الثلاث بالتنجيز لم يعد الحنث في نكاح بعده، لذهاب العصمة المحلوف بها.
ومن طلق طلقة أو طلقتين فبانت، ووطئها زوج آخر، ثم عادت إلى الأول، عادت إليه ببقية الطلاق. ولم ينهدم الطلاق الماضي، وإنما ينهدم إذا نكحت بعد الثلاث زوجاً آخر.
والحر يملك ثلاث تطليقات على الحرة والأمة. والعبد يملك اثنتين على الحرة والأمة.

.الباب الثالث: في حكم طلاق المريض:

وطلاق المريض كطلاق الصحيح في النفوذ. وإنما النظر في عدم انقطاع الميراث به، لما فيه من الفرار عن التوريث قصداً. والمذهب أنه غير قاطع للميراث، وإن كان بائناً، وانقضت العدة قبل الموت، كما ورث عثمان بن عفان زوجة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه منه بعد انقضاء عدتها. والمعنى في ذلك المقابلة بنقيض القصد، وإن كان عبد الرحمن رضي الله عنه قد نزهه الله عن أن يقصد منعها، إلا أن الحكم إذا ثبت لعلة غالبة اكتفي بغلبتها عن تتبعها في آحاد الصور، وهذا في الشريعة كثير لمن تأمله، لا سيما على القول بحسم الذرائع، ولأن المريض ممنوع أن يتبرع بإخراج جزء زائد على ثلثه لحق الورثة فأولى أن يمنع من إسقاط بعضهم جملة.
وقد روي مثل قول عثمان عن عمر وعلي رضي الله عنه عن جميعهم.
ثم النظر في المرض والطلاق، وحال الزوجة:
أما المرض:
فإن يكون مخوفاً يحجر عليه بسببه.
وأما الطلاق:
فإن يكون من قبل الزوج، ولا سبب للزوجة فيه. فإن كان أصله من الزوج وكماله منها، أو من غيرها، كالمخبر والمملك، والحالف في صحته على زوجته، أو على غيرها، فيحنثه من حلف عليه وهو مريض، أو المتلاعن، أو ما أشبه ذلك ففي توريثها منه قولان.
وسبب الخلاف في الموضعين مراعاة الطوارئ البعيدة، وحماية الحماية وقول ابن القاسم منهما أن ترث في جميع هذه الأحوال.
أما الردة فلا ترث فيها، إذ لا يتهم أحد بالردة على منع الميراث.
فرع:
حيث قلنا: ترث منه، فلا ينقطع ميراثها بأن تتزوج غيره، بل لو تزوجت عدة أزواج، وكل منهم يطلقها في مرض موته لورثت الجميع، وإن كانت في عصمة رجل حي.
وإنما ينقطع ميراثها ممن يطلقها، بأن يصح من المرض الذي طلقها فيه صحة بينة. فلو مرض بعد ذلك فمات بعد تمام العدة والطلاق غير بائن، أو في العدة والطلاق بائن، أو لم يدخل بها والطلاق ثلاث، أو واحدة، لم ترثه في حال من هذه الأحوال، ولو طلقها واحدة ثم صح ثم مرض فأردفها طلقة أو أبتها لم ترثه إن مات، إلا أن يموت في بقية من عدة الطلاق الأول، فإنها ترثه. فإن ارتجع من الطلاق الأول عادت كزوجاته، ثم إن طلق في المرض الثاني ورثته.
والإقرار بالطلاق في المرض كالإنشاء. إلا أن العدة من يوم الإقرار.
فروع: جرت عادة الأصحاب بذكرها في باب طلاق المريض، وقع الإشكال فيها في وجوب الصداق وسقوطه، ووجوب الميراث وسقوطه. قالوا: والأصل فيها الرجوع إلى التداعي، والتفريع على المشهور من المذاهب.
وذلك أن من ادعى أن له جميع مال، وادعى غيره أن نصفه له، فعلى المشهور، يقال لمدعي النصف: قد سلمت لمدعي الكل النصف، وإنما تنازعه في النصف الثاني، فيتحالفان، ويقسم النصف الآخر بينهما.
ومذهب أشهب، أن الجميع يقسم بينهما بعد أيمانهما على قدر دعاويهما. وقد روي عن مالك. وهذه الفروع التي نذكر، جارية على المشهور كما قلناه.
الفرع الأول: أن يتزوج امرأتين، فيطلق إحداهما، ويدخل بالأخرى، ويشكل الأمر في الطلاق والدخول، أو في أحدهما، ولذلك صور.
الأولى: أن تجهل المطلقة والمدخول بها جميعاً، فيتحالفان ويقتسمان الصداق والميراث.
الثانية: أن تعلم المدخول بها، وتجهل المطلقة، فللمدخول بها جميع الصداق وثلاثة أرباع الميراث، ولغير المدخول بها ثلاثة أرباع الصداق وربع الميراث. وذلك لأن المدخول بها تستحق النصف من الميراث على كل حال، لأنها لم تنقض عدتها، وتدعي في النصف الآخر، لأنها تقول للأخرى: أنت المطلقة، ولا تنازعها الأخرى إلا في النصف الآخر، فيقسم بينهما.
وأما الصداق فللمدخول بها جميع صداقها بالدخول على كل حال. وأما غير المدخول بها، فينازعها فيه الورثة، فهي إن كانت مطلقة، فلا تستحق إلا نصفه، وإن كانت غير مطلقة فتستحق الكل، فالنصف لها مسلم، وهي منازعة في النصف الآخر.
الصورة الثالثة: أن تعلم المطلقة وتجهل المدخول بها. فللتي لم تطلق جميع الصداق وثلاثة أرباع الميراث، وللتي طلقت ثلاثة أرباع الصداق وربع الميراث. والوجه فيه ما تقدم.
الفرع الثاني:
والمسألة بحالها، إلا أنه فرض لإحداهما خاصة، ولم تعرف. فقال ابن سحنون عن أبيه: إذا كانت المدخول بها معروفة بعينها، فلها نصف صداق المثل، ونصف المسمى، لأنها تنازع الورثة فيه، ويكون للتي لم يدخل بها ربع التسمية وثمنها، لأنها أولى ولا تنازع الورثة في أنها المطلقة، فيكون لها ثلاثة أرباع الصداق، ثم ينازعونها في أنها هي المفروض لها، فتقسم الثلاثة الأرباع، فتأخذ نصفها ربعاً وثمناً.
قال: وإن كانت المدخول بها مجهولة، أخذ نصف التسمية، ونصف صداق المثل، وربعه وثمنه، فيقسم بينهما. قال: وإن كان لم يدخل بواحدة منهما تحالفا، وقسم الصداق المسمى.
قال أبو القاسم بن محرز: والصواب عندي في هذا الوجه الأخير إذا لم يدخل بهما، أن يقسم بينهما ثلاثة أرباع الصداق، لأن المسمى لها منهما لها نصف الصداق على كل حال، وتنازع الورثة في النصف الآخر، فيقسم بينهما وبينهم، فيتحصل لها نصف وربع، ثم هو متنازع فيه بين المرأتين، فيقسم بينهما.
الفرع الثالث:
أن يتزوج أما وابنتها في عقد واحد، أو في عقدين. فإن تزوجها في عقد واحد، فله حالات:
الأولى: أن يدخل بهما جميعاً، فالصداق لكل واحدة، ولا ميراث.
الحالة الثانية: أن لا يدخل بواحدة منهما أصلاًَ. فلا صداق، ولا ميراث.
الحالة الثالثة: أن يدخل بإحداهما، ولها صورتان:
الأولى: أن تعلم المدخول بها، فيكون لها الصداق على الخصوص.
الصورة الثانية: أن لا تعلم، فيتحالفان، ويقسم بينهما.
وإن تزوجهما في عقدين مترتبين فإن علمت السابقة منهما، ولم يدخل بواحدة، فلها الصداق كاملاً، بالموت، والميراث، ولا شيء للمتأخرة. وإن وقع الدخول وعلمت المدخول بها، وكانت الأولى، فلها الصداق والميراث. وإن كانت الأخيرة فلها الصداق، ولا ميراث لواحدة منهما، لأن نكاح الأخيرة باطل، ونكاح الأولى قد فسخه الدخول بالأخيرة.
وإن جهلت المدخول بها مع العلم بالسابقة فلهما صداق واحد تقتسمانه نصفين بعد يمين كل واحدة أنها هي المدخول بها، فإن نكلت إحداهما استحقت صاحبتها جميعه، ويختلف، هل يكون للأولى ميراث أم لا؟ لأنه ميراث بالشك.
وإن جهلت الأولى فإن علمت المدخول بها، فلها الصداق كاملاً. واختلف في الميراث، هل يكون لهما شيء منه؟ إذ لابد أن تكون واحدة وارثة أو لا يكون لهما شيء، لأنه ميراث بالشك. ولا صداق للتي لم يدخل بها، لأنها إن كانت هي المتأخرة، فنكاحها باطل، وإن كانت هي السابقة، فقد أبطل نكاحها دخوله بالأخيرة.
أما إذا جهلت الأولى والمدخول بها جميعاً، فلهما صداق واحد تقسمانه بعد أيمانهما، كما تقدم، ويختلف هل يكون لهما نصف ميراث يقتسمانه، أو لا يكون لهما شيء على ما تقدم؟.
الفرع الرابع:
أن يموت عن خمس نسوة، ولا يدري أيتهن الخامسة، وقد تزوجهن في عقود مختلفة. فإن كان دخل بالجميع، فلكل واحدة صداقها. وأما الميراث، فهو بينهن أخماساً.
وإن لم يدخل بواحدة منهم، فلهن أربع صدقات، لكل واحدة أربعة أخماس صداقها.
وإن دخل بالبعض دون البعض، فلكل من دخل بها صداقها كاملاً.
وأما من لم يدخل بها، فإن كانت واحدة، فلها نصف الصداق، لأنها مترددة بين أن تكون إحدى الأربع، فيكون لها صداق كامل، وبين أن تكون الخامسة، فلا يكون لها شيء. وإن كانتا اثنتين فلهما صداق ونصف، إذ واحد مقطوع به، والآخر مشكوك فيه فيقسم. وإن كن ثلاثاً، فلهن صداقان ونصف. وإن كن أربعاً، فلهن ثلاث صدقات ونصف.
وأما الميراث فلا تختلف أحواله.
وقال أبو القاسم بن محرز: إذا لم يدخل بهن، فيجيء على قول سحنون، أن لهن أربع صدقات ونصفاً.
قال الشيخ أبو الطاهر: ولعله يريد ما قيل فيمن أسلم على عشر نسوة، فأمر بفراق ست منهن، فإنه اختلف، هل يكون لهن صداق أم لا؟، وما مقدار الكائن لهن؟ قال وهو جار على ذلك الأصل.
الفرع الخامس: أن يتزوج ست نسوة، واحدة في عقد، واثنتان في عقد، وسمى لكل واحدة منهن صداقها، وثلاثاً في عقد رسمي لكل واحدة منهن صداقها، ثم يموت ولم يدخل بواحدة منهن، ولم يعلم السابق من عقودهن، فللمنفردة صداقها كاملاً، لأن نكاحها صحيح على كل تقدير، كان عقدها أولاً أو آخراً أو متوسطاً. وأما الخمس البواقي، فلكل واحدة منهن نصف صداقها، لأنه تارة يزول وتارة يثبت، فإن دخل بأربع فلكل واحدة من الخمس أربعة أخماس صداقها، وخمس ربع صداقها، لأنه لا شك أن ثلاثاً منهن دخل بهن لهن ثلاث صدقات، واثنتان قد حصل لهما نصف نصف كما تقدم قولنا، فذلك أربع صدقات، ونصف آخر يزول عنهن تارة إن كانت المنفردة هي من المدخول بهن الأربع، وتارة يثبت لهن إن كانت الرابعة من المدخول بهن من الخمس اللاتي ليس فيهن المنفردة، فيكون نصفه، وهو الربع بين خمس، فيصير لكل واحدة أربعة أخماس صداقها، وخمس ربع صداقها.
وعليهن عدة الوفاة والإحداد، يستكملن في ذلك ثلاث حيض، ولا حيض على المنفردة.
وأما الميراث، فقال سحنون: لما كان حال هذه المنفردة يتردد بين الثلث والربع، أعطيت نصف الثلث ونصف الربع، وأقل ما يقوم منه السدس والثمن أربعة وعشرون، فتأخذ السدس والثمن سبعة أسهم، ويبقى سبعة عشر بين الخمس، تسلم الاثنتان للثلاث سهماً، ثم يتنازع الجميع الستة عشر الباقية، فيقسم بين الفريقين نصفين، لكل فرقة ثمانية، فيصير للثلاث تسعة، لكل واحدة منهن ثلاثة، وللاثنتين ثمانية، لكل واحدة أربعة، وللواحدة سبعة.

.الباب الرابع: في تعديد الطلاق:

وفيه فصول:

.الفصل الأول: في نية العدد:

فإذا قال: أنت طالق أو طلقتك، ونوى عدداً، نفذ ما نواه، ولو قال: أنت طالق، في واحدة، ونوى الثلاث، وقعت. ولو قال: أنت واحدة، ونوى الثلاث، وقعت الثلاث.

.الفصل الثاني: في التكرار:

فإذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق ونوى التأكيد، لم تقع إلا واحدة. وإن نوى التكرار ووقوع الثلاث، وقعت. وإن لم ينو شيئاً، فهو على التكرير.
وإن قصد بالثالثة تأكيد الثانية، وبالثانية الإيقاع وقعت ثنتان.
ولو قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق، ثم كرر ذلك، فدخلت فهي طلقتان، حتى يريد واحدة.
ولو قال: أنت طالق طلقة فطلقة، وقعت اثنتان، كما لو قال: علي درهم فدرهم، لزمه درهمان.
ولو قال لها: أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أو طالق فطالق فطالق، لزمته الثلاث ولا ينوي.
ولو قال: أنت طالق، وأنت طالق وأنت طالق، لزمته الثلاث، ولا ينوي. قال مالك: وفي النسق بالواو شك.
قال ابن القاسم: ورأيت الأغلب على رأيه أنها مثل ثم، ولا ينوي، وهو رأيي.
ولو طلق زوجته، فقال له رجل: ما فعلت؟ فقال: هي طالق، فإن نوى إخباره، فله نيته. فإن لم تكن له نية، فهل تلزمه طلقة واحدة أو طلقتان؟ قولان للمتأخرين.
قال أبو القاسم بن محرز: فإن كان تقدم له فيما قبل هذا الطلاق تطليقة حلف على ما ادعاه ليملك بذلك رجعتها الآن. وإن لم يتقدم له فيها طلاق لم تلزمه يمين، لأنه يملك الرجعة في الوجهين جميعاً إلا أن يطلقها بعد هذا تطليقة، فلا يملك رجعتها، إلا بأن يحلف على ما ذكر.
وهذا كله في المدخول بها، فأما غير المدخول بها، فإذا قال لها: أنت طالق، ثم طالق، بانت الأولى، ولم تقع عليها الثانية. وكذلك إذا قال: أنت طالق فطالق.
أما إذا قال لها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فإن الثلاث تلزمه، إذا كان ذلك نسقاً متتابعاً من غير سكوت ولا فصل.
وقال القاضي أبو إسحاق: لا يلزمه سوى الأولى، لأنها بانت بها، إلا أن ينوي بقوله الأول: أنت طالق الثلاث، ثم كرر، بين ما أراد بقوله الأول.
ولو قال: أنت طالق طلقة مع طلقة، أو معها طلقة أو تحت طلقة، أو فوق طلقة، وقعت طلقتان بعد الدخول كان ذلك أو قبله.
ولو قال للمدخول بها: أنت طالق طلقة قبل طلقة، أو قبلها طلقة، أو بعد طلقة، أو بعدها طلقة، وقعت طلقتان.

.الفصل الثالث: في الطلاق بالحساب:

وهو ثلاثة أقسام:

.القسم الأول: حساب الضرب:

قال ابن سحنون عن أبيه فيمن قال: أنت طالق واحدة في واحدة، أو قال: في اثنتين، أو اثنتين في اثنتين، أو اثنتين في ثلاث أو ثلاث في ثلاث، وهذا ونحوه، فإنه يجري مجرى ضرب الحساب، فواحدة في واحدة واحدة، واثنتان في اثنتين أربعة، تبين منه بثلاثة. وكذلك بقية هذا المعنى.

.القسم الثاني: في التجزئة:

فإذا قال: أنت طالق نصف طلقة، أو ربع طلقة، أو غير ذلك من الأجزاء، وقعت طلقة، وكملت. ولو قال: ثلاثة أنصاف طلقة، أو أربعة أثلاث طلقة، وقعت اثنتان، لزيادة الأجزاء. وإذا قال: أنت طالق نصفي طلقة، وقعت واحدة. وكذلك نصف طلقتين. ولو قال: ثلث وربع وسدس طلقة، فهي واحدة. ولو قال: ثلث طلقة، وربع طلقة، وسدس طلقة، فهي ثلاث.

.القسم الثالث: في الاشتراك:

فإذا قال لأربع نسوة: بينكن طلقة إلى أربع، طلقت كل واحدة طلقة. وإذا قال خمس إلى ثمان، طلقت كل واحدة طلقتين. فإن قال: تسع إلى ما فوق ذلك، طلقت كل واحدة ثلاثاً.
قال ابن سحنون عن أبيه: لو قال: شركت بينكن في ثلاث، طلقت كل واحدة ثلاثاً.
وكذلك في اثنتين، تطلق كل واحدة اثنتين.
ولو قال لإحدى نسائه: أنت طالق ثلاثاً وللثانية: وأنت شريكتها، وللثالثة: وأنت شريكتهما، طلقت الأولى والثالثة ثلاثاً ثلاثاً والوسطى ثنتين.
ولو عوض عن قوله ثلاثاً، البتة، فقال أصبغ: الثانية أيضاً مبتوتة كالأولى والثالثة.
قال يحيى: وأشهب وسحنون يقولان: الثلاث والبتة سواء.

.الباب الخامس: في الاستثناء:

فإذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة، وقعت ثنتان. وشرطه الاتصال بالمستثنى عنه، وألا يكون مستغرقاً للمستثنى منه. ولا يشترط أن يستثني الأقل على المنصوص.
وينحصر الكلام عليه في فصلين:

.الفصل الأول: في الاستثناء المستغرق:

وفيه مسائل:
الأولى: إذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً، لم ينفع لبطلان الاستثناء. ولو قال: ثلاثاً إلا اثنتين وواحدة، لجمع ما فرقه، وجعل مستغرقاً. وكذلك لو قال: طالق البتة إلا اثنتين وواحدة، لزمته البتة. ولو قال: أنت طالق طلقة واحدة إلا واحدة، طلقت واحدة، إلا أن يعيد الاستثناء على الواحدة فقط، فتقع عليه اثنتان، ويلغى الاستثناء، إذ يصير مستغرقاً. وكذلك لو قال: أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة، طلقت اثنتين أو ثلاثاً على ما تقدم. ولو قال: أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة وواحدة وواحدة، وقع الثلاث.
الثانية: الاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، فلو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين إلا واحدة، وقعت ثنتان. معناه إلا اثنتين لا تقع إلا واحدة تقع في الثنتين. لو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً إلا واحدة، وقعت ثنتان لأنه أخرجه عن الاستغراق بقوله: إلا واحدة.
الثالثة: لو قال: أنت طالق خمساً إلا ثلاثاً. فقيل: تقع ثنتان وقيل: الزيادة تلغى، فيبقى الاستثناء مستغرقاً.
وعلى هذا، لو قال: أنت طالق أربعاً إلا اثنتين، وقعت واحدة، وعلى الأول تقع ثنتان.
ولو قال: أنت طالق مائة إلا تسعاً وتسعين، فقيل: تلزمه ثلاث، ولا ينفعه الاستثناء، لأنه أتى بما يصح له إيقاعه. وقيل: تلزمه واحدة. ولو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا نصفاً وقعت الثلاث، لأنه أبقى النصف فيكمل. ولو قال: أنت طالق البتة إلا واحدة، فقال أشهب: تطلق اثنتين.
وقال سحنون: ثلاثاً. وروى عنه مثل الأول.
ومنشأ الخلاف أن البتة تفيد العدد مع البينونة، أو البينونة فقط؟ وأن أبغاض الجمل كنوع آخر أم لا؟ كما تقدم.
ولو قال: أنت طالق الطلاق كله إلا نصفه، لزمه طلقتان. ولو قال: إلا نصف الطلاق، طلقت ثلاثاً من جهة أن هذا الطلاق يصح أن يكون واحدة، فيصير كأنه استثنى نصف طلقة، فتجبر فتصير ثلاثاً.
وقيل: يصح أن تكون هذه المسألة كالتي قبلها، يكون الألف واللام في الطلاق للجنس.

.الفصل الثاني: في التعليق بالمشيئة:

فإن علق بمشيئة الله سبحانه، فقال: أنت طالق إن شاء الله، وقع الطلاق ولم تنفعه المشيئة.
وللأصحاب في الفرق بين الطلاق واليمين بالله سبحانه طريقتان:
الأولى: أنه تعلق بلفظه حكم الطلاق، فلا يرفع بالاستثناء، بخلاف اليمين بالله سبحانه، فإنه لا يتعلق بلفظها حكم.
الثانية: قال البغداديون: المستثنى في الطلاق، إن أراد بذلك التأكيد، لم تنحل اليمين. وإن أراد حل اليمين، فلا يصح، لأنه بمنزلة أن يحلف بالله على ما مضى، فلا يصح الاستثناء فيه.
وقال الإمام أبو عبد الله: تحقيق قوله: إن شاء الله، أنه إن أراد بذلك: إن شاء الله إيقاع هذا اللفظ مني، لزمه الطلاق عند أهل السنة، وإن أراد: إن شاء الله لزوم الطلاق للحالف به، فيلزمه قولاً واحداً. وإن أراد: إن شاء الله طلاقك في المستقبل، فأنت طالق الآن، فيجري على الخلاف في تعليق الطلاق بالمشكوك في وقوعه.
وإليه أشار مالك رضي الله عنه بقوله: علق الطلاق بمشيئة من لا تعلم مشيئته.
وإن قصد بقوله: إن شاء الله، إلزام الطلاق مع الاستثناء، فهذا هو أشكل الوجوه. قال: والحق فيه أن يرجع إلى خلاف الأصوليين: هل لله تعالى في الفروع حكم مطلوب، ونحن غير عالمين به؟ فيرجع إلى القسم الثالث، وهو تعليق اليمين بالمغيبات، أو ليس له حكم، بل كل مجتهد مصيب، فيكون الحق في المسألة معلقاً باجتهاد المفتي.
فرع:
إذا علق الطلاق على فعل واستثنى بمشيئة الله سبحانه، لم ينفعه كما تقدم.
وقال عبد الملك بن الماجشون وأصبغ: إن أعاد الاستثناء على الفعل نفعه، وإلا فلا.
وإن صرف الحالف المشيئة إلى غير الله سبحانه، وهو ممن تعرف مشيئته، فلا طلاق حتى تحصل المشيئة به. وإن صرفها إلى ما لا تعرف مشيئته من الخلق كالجماد، أو إلى الملائكة والجن، ففي وقوع الطلاق به خلاف.
ولو أوقع الطلاق وصرف رفعه إلى مشيئة من تعلم مشيئته، كقوله: أنت طالق إلا أن يشاء زيد، ففي وقوع الطلاق به خلاف أيضاً، وإن شاء زيد.

.الباب السادس: في الشك في الطلاق:

وللشك حالات: الأولى: أن يشك هل طلق أم لا، ولم يستند شكه إلى أصل، فلا يلزمه الطلاق ولا يؤمر به.
الحالة الثانية: أن يستند شكه إلى أصل كمن حلف ثم شك هل حنث أم لا وكان سالم الخاطر؟ فإنه يؤمر بالفراق، وفي كونه على الوجوب أو الندب قولان.
الحالة الثالثة: أن يتيقن أنه أوقع الطلاق على زوجته، ويشك فلا يدري كم طلقها، أواحدة أو اثنتين أو ثلاثاً؟ ففي الكتاب قال مالك: {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره}.
قال ابن القاسم: وأرى إن ذكر، وهي في العدة، أنه لم يطلق إلا واحدة أو اثنتين، أنه يكون أملك بها. فإن انقضت العدة قبل أن يذكر، فلا سبيل له إليها. وإن ذكر بعد انقضاء العدة أنه إنما كان طلق تطليقة أو تطليقتين، فهو خاطب من الخطاب، وهو مصدق في ذلك.
قال: ولا أحفظه عن مالك.
وقيل: تقع عليه طلقة واحدة. وله الرجعة في المدخول بها، والعقد في غيرها دون زوج، لأن ملك الثلاث متيقن، وقد وقع الشك فيما زال منها، والأصل البقاء فيما لم يتيقن وقوعه، والواحدة هي المتيقنة فلا يقع غيرها.
ووجه المشهور: أنه قد تيقن وقوع ثلم في النكاح، وأن هناك تحريماً، ولا يرفعه إلا الرجعة إذا كانت الزوجة مدخولاً بها، أو تجديد العقد إن كانت غير مدخول بها، وتلك الرجعة وذلك العقد مشترك في صحتهما أن يبقى بعض العصمة الأولى التي وقع الطلاق فيها، وبقاء بعضها مشكوك فيه، والشك في الشرط شك في صحة المشروط، فكل واحد من الرجعة والعقد المجدد مشكوك في صحته منه، فيبقى على الأصل المتيقن قبلهما، وهو التحريم والحاصل فيها بالطلاق الواقع عليها، ولم تبح له بالرجعة أو العقد المشوك في صحتهما.
وإذا فرعنا على المشهور، فتزوجها بعد زوج، ثم بت طلاقها في النكاح الثاني، حلت له بعد زوج غيره. ثم إن طلقها دون الثلاث، فله الرجعة وإن لم يبت طلاقها، فمتى طلقها ولو واحدة، لم تحل له إلا بعد زوج، ويتكرر ذلك عليه هكذا أبداً لدوران الشك.
وروي أنها تحل له بعد ثلاثة أزواج وتطليقتين، ويزول الشك فيها.
وقاله أشهب وأصبغ.
وقال ابن وهب: إذا طلقها ثلاث تطليقات مفترقات، كان كما لو طلقها ثلاثاً مجتمعة، وترجع على ملك مبتدأ.
الحالة الرابعة: أن يحلف ثم يحنث، ويشك في المحلوف به إذ نسبه، فصارت يمينه أو عنده غير معلومة ما هي، فيؤمر بالتزام جميع الأيمان، إلا ما لم تجر عادته بالحلف به. وقيل: لا يؤمر بذلك.
فروع: في الشك في محل الطلاق:
لو قال رجل: إن كان هذا الطائر غراباً فامرأتي طالق.
وقال آخر: إن لم يكن غراباً فامرأتي طالق، وأشكل الأمر فيه، فقد حنثا جميعاً إلا أن يدعيا أن ذلك يقينهما ويحلفا عليه، ويكون منهما بحيث يتبين لهما، فيدينان ولا يحنثان، إلا أن يقولا: حلفنا على ما ظنناه، أو يقول ذلك أحدهما، فيحنث قائله منهما. وكذلك لو قال رجل: إن كان غراباً فعزة طالق، وإن لم يكن غراباً فزينب طالق لزوجتيه.
وأطلق ابن المواز القول بأن من حلف يمين، ثم شك في بره أو حنثه، فهو حانث، ما لم تكن يمينه بالله عز وجل.
ومن طلق إحدى امرأتيه ونسي عينها توقف ليتذكر، ولا يعجل عليه بالإيقاف لرجاء التذكر، فإن طال الأمر ورفعتاه، ضرب له أجل الإيلاء.
ولو قال لزوجته وأجنبية: إحداكما طالق، ثم قال: أردت الأجنبية، لم يقبل منه، وطلقت الزوجة. ولو خاطب بذلك زوجتيه، فإن نوى إحداهما طلقت، وإذا لم يكن نوى واحدة بعينها، لزمه الطلاق فيهما جميعاً. وقيل: له أن يعين من شاء منهما، فيقع عليها الطلاق.
وفي كتاب محمد، ومن له نسوة، فقال: امرأته طالق في يمين، فحنث، فإن قال: نويت واحدة، دين، وإن لم تكن له نية، فقال أصحاب مالك المصريون أجمع، ورووه عنه: أنهن يطلقن كلهن.
وقال المدنيون من أصحابه: يختار واحدة، مثل العتق، وقول المصريين أحب إلينا، لأن العتق قد يتبعض، ولا يتبعض الطلاق.
ولو رأى واحدة تتطلع فخاطبها بقوله: أنت طالق، ثم لم يعرفها، طلقن كلهن.

.النظر الثاني: في التعليقات:

وفيه فصول وفروع:

.الفصل الأول: في التعليق بالأوقات:

وهي ثلاثة: ماض. ومستقبل. وحال.
فأما الماضي، فإن شرط بصفة ممكنة عادة وشرعاً كقوله: زوجتي طالق لو جئت أمس لأقضينك حقك، لزمه الطلاق عند ابن القاسم، ولم يلزمه عند عبد الملك.
وإن شرط بصفة ممتنعة عادة أو شرعاً كقوله: لو جئت أمس لأدخلن بزيد في الأرض، أو لأقتلنه، فإن أراد حقيقة الفعل حنث، وإن أراد المبالغة لم يحنث.
وأما المستقبل، فإن شرط بصفة يعلم وجودها بلا بد، كقوله: أنت طالق بعد سنة أو ستة أشهر ونحو ذلك، فهذا يتنجز عليه الطلاق إذا كان الأجل مما يشبه أن يبلغه عمره في العادة، فإن كان مما لا يبلغه عمره عادة لم يقع الطلاق.
وقيل: يقع عليه الطلاق، وإن كان الأجل بعيداً جداً، ويعد نادماً.
ولو قال لها: إذا مت، فأنت طالق، ففي تنجيز الطلاق عليه خلاف منتف في قوله: إن مت، إذ لا يختلف في أنه لا يتنجز عليه.
والفرق أن موضع: إن لم يتوقع، وموضع إذا لما يتحقق. قال عبد الحق: والصحيح أنهما سواء، وإليه رجع مالك. فأما لو قال: يوم أموت، لعجل عليه الطلاق.
وإن شرط ما يصح أن يوجد، وأن لا يوجد من غير غلبة، فلا يتنجز عليه الطلاق قبل وجوده.
وإن شرط ما الغالب وقوعه كزمن الحيض أو الطهر أو الحمل أو الولادة كقوله: إذ حضت، وشبهه فالمشهور تنجيز الطلاق تنزيلاً للغالب منزلة المحقق. وعند أشهب: لا شيء عليه حتى تحيض الطاهر، أو تضع الحامل.
فأما الحائض، فإن أراد بقوله: إذا طهرت، أي انقطع عنك الدم، فحتى ينقطع. وإن أراد إذا لزمتها الصلاة، طلقت في الحين، لأنها تلزمها بمضي مدة الحيض وانقطاع الدم، أو بالاستحاضة.
وإذا فرعنا على الأول، فلا يفتقر في التنجيز إلى حكم على المشهور أيضاً، ولا إلى كونه على حنث.
وقال أصبغ: يتنجز الطلاق إن كان على حنث، وإن كان على بر لم يتنجز، لأنه مستصحب للعصمة، فلا ترتفع إلا بتحقق الوقوع. وفي الأولى ليست العصمة مستصحبة، فترتفع بالغالب.
فرع:
إذا قال لها: متى حضت فأنت طالق، وقلنا بوقوع الطلاق عليها الآن على المشهور، ففي عدد الواقع عليها بذلك خلاف:
قال ابن القاسم: ثلاث.
وقال سحنون: اثنتان، لانقضاء العدة بالدخول في أول الدم الثالث، فلا تلحقها الثالثة.
وكذلك لو قال لها: أنت طالق كلما جاء شهر، هل تتنجز عليها طلقة واحدة، ثم تتربص لعلها تخرج من العدة قبل الزمان الثاني، أم لا؟ وفيه الخلاف المتقدم.
وكذلك القائل: إذا مت فأنت طالق، هل يعد الموت سابقاً، أو الطلاق؟ القولان.
ويتفرع على القول الشاذ فرعان:
الأول: إذا قال لها: إذا وضعت فأنت طالق، فوضعت ولداً، وبقي في بطنها ثان، فعل يتنجز الطلاق بوضع الأول، أو يقف التنجيز على وضع الثاني؟. وفي ذلك قولان.
الفرع الثاني:
إذا قال لأربع نسوة له حوامل: من وضعت منكن فصواحباتها طوالق، أن الأولى تطلق ثلاثاً، وكذلك الرابعة، وأما الثانية في الوضع، فإنما تقع عليها طلقة واحدة بوضع الأولى، ثم تبين بوضعها، ويقع على الثالثة طلقتان بوضع الأولى والثانية، ثم تبين بوضعها. ويتبين ذلك بالالتفات إلى عدد صواحبات كل واحدة، وإلى انقضاء عدتها بولادتها.
وأما على المشهور، أعني قول ابن القاسم، فينجز على كل واحدة ثلاثاً. ولو قال: من وضعت منكن فالبواقي طوالق. وأراد غير من وضعت فلا طلاق على الأولى، وحكم الثلاث ما تقدم.
وأما الحال، فمثل أن يشترط صفة حالة، كقوله: أنت طالق إن كنت تبغضيني مثلاً، فهذا لا يختلف المذهب أنه يؤمر بالفراق، وهل يجب عليه أم لا؟، ثلاثة أقوال: الوجوب.
ونفيه. والتفرقة، فإن أجابته بما يقتضي الحنث وجب الفراق، وإن كان الأمر بالعكس لم يجب.
وقال أبو محمد عبد الحميد: إن قصد نفس لفظها فلا طلاق عليه إذا جاوبته بما لا يقتضي. وإن كان علقه بما في قبلها، فهو من باب وقوع الطلاق بالشك.

.الفصل الثاني: في التعليق بالتطليق ونفيه:

وإذا قال: إن طلقتك، أو إذا، أو مهما، أو متى ما طلقتك فأنت طالق فقال سحنون: إذا طلقها واحدة، طلقت طلقتين بعد الدخول، وطلقة واحدة قبله، لأن المعلق يصادف حال البينونة. وكذلك إذا خالعها.
وإن قال لها: كلما وقع عليك طلاقي، فأنت طالق، فقال سحنون: إذا طلقها واحدة لزمه الثلاث.
قال ابنه: ثم رجع سحنون وقال: تلزمه ثلاث ثلاث في المسألتين. قال: فالأول لبعض أصحابنا.
فإن علق طلاقها على صفة ووجدت، فهو تطليق. ولو قال: إن لم أطلقك فأنت طالق، لزمته مكانه طلقة، إذ لا بر له إلا بطلاق. وقيل: لا يلزمه حتى يوقف أو ترافعه.
وإذا قلنا: يقف وقوع الطلاق على الرفع، فهل ينجز عليه الطلاق، إذ لا فائدة في التأخير، أو يضرب له أجل المولي لعل رأيها يتبدل، فترجع إلى الصبر عليه؟ فيه خلاف أيضاً.
وكذلك لو علق ذلك بأجل مثل قوله: إن لم أطلقك إلى أجل كذا، فأنت طالق. ولو قال: إن لم أطلقك واحدة إلى شهر فأنت طالق الآن البتة، ثم أراد تعجيل الواحدة قبل الأجل، فقد وقف في ذلك مالك.
وقال أصبغ: لا يجزيه.
وقال محمد: إن سئل في الطلاق فلا يجزيه ذلك، وإن كان أراد أن يعمها بالطلاق، فإنه يجزيه.
ولو حلف بطلاقها البتة ليطلقنها رأس الشهر البتة لجرى على الخلاف المتقدم.
وقال محمد: لا يعجل عليه أحد الطلاقين، لأن له أن يصالح قبل الشهر، فلا يلزمه إلا طلقة.
ولو قال: أنت طالق أن لم أطلقك، أو أن طلقتك، بفتح الهمزة فيهما، فهو للتعليل، فيقع في الحال، إلا إذا لم يعرف اللغة، فهو كالتعليق.
ولو قال: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً، كان ذكر القبلية لغواً، فلو نجز طلاقاً وقع المنجز، ووقع تمام الثلاث من المعلق، ولغا لفظ القبلية.

.الفصل الثالث: في التعليق بالحمل والولادة:

وفيه مسائل:
الأولى: إذا قال: إن كنت حاملاً فأنت طالق. ففي الكتاب: قد قال مالك في مثل هذا: هي طالق لأنه لا يدري، أحامل هي أم لا.
وقال أبو القاسم السيوري: إن كانت بينة الحمل، فبين أنها تطلق. وإن كان يطأ ويعزل عزلاً بيناً، فهو كالذي يطأ ولا ينزل ولا شيء عليه. وإن كان ينزل، فينبغي أن يوقف، لأن الحمل مشكوك فيه. وإن كانت ممن لا يمكن أن تحمل، فلا شيء عليه.
ولو عكس الأمر فقال: إن لم تكن حاملاً، فهي طالق، فحكمها في الكتاب حكم الأولى.
وفي غيره: إن لم يطأ في ذلك الطهر، أو وطئ ولم ينزل، عجل الطلاق. وإن أنزل جرى على القولين: هل يتربص، أو يكون على وشك في العصمة فيعجل بالفراق؟
ثم هل يتوارثان في الصورة الأولى، وفي هذه، إن قلنا بالصبر، ثلاثة أقوال:
الحكم بالميراث لاستصحاب العصمة. ونفيه لأنه ميراث بشك.
تخصيصها بإرثه، ولا يرثها لأنه مرسل للعصمة من يده بسبب يمينه.
ثم المذهب أنه إذا قال: إن حملت، فهو محمول على حمل مؤتنف، وأنه لا يحنث بحمل تقدم يمينه.
وقال أبو الحسن اللخمي: فيه قولان. وأخذ القول الآخر من قوله في الكتاب فيمن قال: إذا حملت فوضعت فأنت طالق، أنه إن كان وطئها في ذلك الطهر مرة فهي طالق مكانها.
قال: فحنثه بما تقدم من الوطء. ورأى بعض المتأخرين أن مقصوده في الكتاب التعليق على الوضع لا على الحمل.
المسألة الثانية: إذا قال: إن كان حملك هذا جارية فأنت طالق واحدة، وإن كان غلاماً فأنت طالق اثنتين. فولدت ذكراً وأنثى، وقع عليه الطلاق، لأنا نحنث بالأقل.
ثم يختلف الحال في عدد الواقع، فإن ولدت الغلام أولاً كان الواقع اثنتين وتنقضي العدة بوضع الجارية، ولا يلزمه به طلاق.
وإن وضعت الجارية أولاً، لم تقع إلا طلقة واحدة، إذ تنقضي العدة بوضع الغلام، ولا يقع به طلاق. ولو قال: إن كان حملك كله جارية فأنت طالق واحدة، وإن كان كله غلاماً فأنت طالق طلقتين، فكان جارية وغلاماً، لم يقع عليه طلاق، وهو كمن قال: إن هدمت هذه الدار، فهدم بعضها، أو قال: إن هدمتها كلها، فهدم بعضها.
المسألة الثالثة: إذا قال: إن ولدت ولداً فأنت طالق، فولدت ولدين، طلقت بالأول، وانقضت عدتها بالثاني. ولو قال: كلما ولدت ولداً، فكذلك.
القسم الثاني: من التعليقات: في فروع متفرقة نذكرها إرسالاً.
وجملة نظرنا في تعليق الصفات إذا علق عليها، فلنذكر الصفات حتى لا نطول، فنقول: تعليق الطلاق بطلوع الشمس يقتضي تنجيزه، وليس حلفاً، سواء كان بصيغة إن أو إذا.
وبالأفعال حلف بالصيغتين. وأكل رمانة يحنث في التعليق بها، وبنصف رمانة. وكذلك أكل نصفها. والبشارة هي الخبر الأول. والكذب خبر كالصدق.
وإذا قال العبد لزوجته: إن مات سيدي، فأنت طالق طلقتين، فبت السيد عتقه في المرض، ثم مات بقيت معه بطلقة على حكم يوم الحنث.
ولو علق طلاق زوجته المملوكة لأبيه على موت أبيه، لم ينفذ إن كان وارثه، لأنه وقت انفساخ النكاح بالملك. ولو قال: أنت طالق يوم يقدم فيه فلان، فقدم نصف النهار، تبين الوقوع أول النهار. ولو قدم ليلاً لم تطلق إلا أن تكون نيته تعليق الطلاق بالقدوم. ولو قال: أنت طالق هكذا، وأشار بأصابعه الثلاث، طلقت ثلاثاً. ولو قال: أنت طالق إن كلمت زيداً إن دخلت الدار، فمعناه تعليق التعليق، فإذا كلم زيداً أو لا تعلق طلاقها بالدخول كتعليق التدبير.
ولو قيل له: أطلقت زوجتك؟ استخباراً، فقال: نعم. كان إقراراً.
ولو قيل له: ألك زوجة؟ فقال: لا، لم يقع عليه بذلك طلاق، إلا أن ينوي به الطلاق.
ولنقتصر على هذا القدر المنبه على التفاصيل ها هنا، ونحيل طالب التفصيل على ما تقدم في كتاب الأيمان.
بسم الله الرحمن الرحيم