فصل: بابُ السرقةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عمدة السالك وعدة الناسك



.[أحكامُ المُعتدَّةِ]:

ويَلزمُ المُعتدَّةَ ملازمةُ المنزِلِ، فأمَّا الرَّجعيَّةُ ففي حُكْمِ الزَّوْجِ لا تَخْرُجُ إلاَّ بإذنِهِ، ويجوزُ لِلبائنِ ولِلمُتَوفَّى عنْها زوْجُها أنْ تَخْرُجَ بالنَّهارِ لِقَضاءِ حاجَتِها وأداءِ الحُقوقِ، وتجِبُ العِدَّةُ في المسْكنِ الذي طلَّقَها فيهِ، ولا يجوزُ نقْلُها إلا لضرورةٍ: إمّا لخوفٍ، أو منْعِ مالكِهِ، أو كثرةِ تأذِّيها بجيرانِها أو أقاربِ زوجِها، أو تأذِّيهمْ بها، فتَنْتَقِلُ إلى أقربِ مسْكنٍ إليهِ. ويَحرُمُ على المُطَلِّقِ الخَلْوةُ بها في العدَّةِ ومُساكنَتُها، إلاَّ أنْ يكونَ كلُّ واحدٍ منهُما في بيْتٍ بِمَرافِقِهِ.
ويجِبُ الإحدادُ في عدَّةِ الوفاةِ، ويُندبُ في البائنِ، ويحرُمُ على ميِّتٍ غيرِ الزَّوجِ أكْثرَ منْ ثلاثةِ أيَّامٍ، وهو: أنْ تَتْرُكَ الزِّينةَ، ولا تَلْبَسَ الحُلِيَّ، ولا تَخْتَضِب، ولا تَكتحِلَ بإثمِدٍ ونحْوِهِ، فإنْ احْتاجتْ إلى الكُحْلِ فباللَّيلِ وتُزيلُهُ بالنَّهارِ، ولا تَلْبسُ الصافي منْ أزرقَ وأخضرَ وأحمرَ وأصفرَ، ولا تُرجِّلَ الشَّعرَ، ولا تَستَعْمِلَ طِيباً في بدَنٍ وثوبٍ ومأكولٍ، ولها لُبْسُ الإبْريسَمِ، وغَسْلُ الرَّأس للتنظيفِ، وتقليمُ الأظفارِ.
وإذا راجعَ المُعْتدَّةَ ثمَّ طلَّقها قبلَ الدُّخولِ تستأنِفُ عِدَّةًَ جديدةً، وإنْ تزوَّجَ مَنْ خالعها في عِدَّتِهِ ثمَّ طلَّقها قبلَ الدُّخولِ بَنَتْ على العِدَّةِ الأولى، ومتى ادَّعَتِ المرأةُ انقضاءَ العِدَّةِ في زمنٍ يُمكنُ انقِضاؤُها فيهِ قُبلَ قوْلُها، وإذا بَلَغَها خَبَرُ موْتهِ بعدَ أربعةِ أشْهُرٍ وعشرةِ أيامٍ فقد انقضتِ العِدَّةُ.

.فصل [الاستبراء]:

منْ ملَكَ أمَةً حَرُمَ عليهِ وَطْؤها والاستمتاعُ بها حتَّى يستبْرِئَها بعدَ قبْضِها، بالوضعِ إنْ كانت حاملاً، وبحيضَةٍ إنْ كانتْ حائلاً تحيضُ، وإلا فبِشَهرٍ، وإنْ كانت زوْجتُهُ أمَةً فاشتراها انفسخَ النِّكاحُ، وحلَّتْ لهُ بمِلْكِ اليمينِ مِنْ غيرِ استبراءٍ، ومنْ زوَّجَ أمتَهُ أو كاتبها ثمَّ زالَ النِّكاحُ والكِتابةُ لمْ يطأَها حتى يستبْرِئَها، ولهُ الاستمتاعُ بالمَسْبيَّةِ في مُدَّةِ الاستبْراءِ بغيرِ الجِماعِ، ومنْ وطِئ أمَتَهُ حَرُمَ عليهِ أنْ يُزوِّجها حتّى يَستَبْرِئَها.

.فصل [ثبوتُ النَّسبِ]:

منْ أتَتْ أمَتُهُ بولدٍ فإنْ ثبَتَ أنَّهُ وطِئَها لحِقَهُ، سواءٌ كانَ يعزِلُ مَنِيَّهُ عنْها أمْ لا، وإنْ لمْ يكُنْ وَطِئَها لمْ يَلْحَقْهُ.
ومنْ أتَتْ زوْجتُهُ بولدٍ لحِقهُ نَسَبُهُ إنْ أمكنَ أنْ يكونَ منْهُ، بأنْ تأتي بهِ بعدَ ستَّةِ أشهُرٍ ولحظةٍ منْ حينِ العقدِ ودونَ أربعِ سنينَ منْ حينِ إمْكانِ الاجتماعِ معها، إذا أمْكنَ وَطْؤُها ولوْ على بُعدٍ، وإنْ لمْ يَعْلمْ أنَّهُ وَطِئَ، بخلافِ ما سبقَ في أمَتِهِ، بشَرْطِ أنْ يكونَ للزَّوْجِ تِسْعُ سنينَ ونِصفٌ ولحظةٌ تَسَعُ الوَطْءَ.
فإنْ لمْ يُمكنُ أنْ يكونَ منْهُ بأنْ أتت بهِ لِدونِ ستَّةِ أشْهُرٍ، أو لأكثرَ منْ أربعِ سنينَ، أو معَ القَطْعِ بأنَّهُ لمْ يَطَأَها، أو كانَ للزَّوجِ منَ السِّنِّ دونَ ما تقدَّمَ، أو كانَ مَقْطوعَ الذَكرِ والأنثَييْنِ جميعاً لمْ يَلْحَقْهُ.
ومتى تَحقَّقَ الزَّوْجُ أنَّ الولدَ الذي أَلْحَقَهُ الشَّرْعُ بهِ ليْسَ منْهُ: بأنْ علِمَ هو أنَّهُ لمْ يَطَأْها أبداً، لزِمَهُ نفْيُهُ باللِّعانِ، وإنْ لمْ يتحقَّقَ أنهُ منْ غيرِهِ حرُمَ عليهِ نفْيُهُ وقَذْفُها، وإنْ كانَ الولدُ أسودَ وهو أبيضُ أو غيرَ ذلكَ. ومنْ لحِقَهُ نَسَبٌ فأخَّرَ نفْيَهُ بلا عُذْرٍ ثمَّ أرادَ أنْ ينْفيَهُ باللعانِ لمْ نجِبْهُ إلى ذلكَ، وإن أرادَ نفْيَهُ على الفوْرِ أجَبْناهُ إليهِ.

.فصل [قذفُ الزوجةِ وملاعنتها]:

منْ قذَفَ زوْجتَهُ بالزِّنا فطولِبَ بحدِّ القَذْفِ فلَهُ أنْ يُسْقِطَهُ باللعانِ، بشرط أن يكونَ الزوجُ بالغاً، عاقلاً، مُختاراً، وأنْ تكونَ الزّوجةُ عفيفةً يُمكِنُ أنْ توطَأَ، فلوْ قذَفَ منْ ثبتَ زِناها، أو طِفلةٍ كبِنتِ شهرٍ عُزِّرَ ولمْ يُلاعِنْ.
واللعانُ أنْ يَأمُرَهُ الحاكمُ أنْ يقولَ أرْبعَ مرَّاتٍ: أَشْهدُ باللهِ إنِّي لَمِنَ الصَّادِقينَ فيما رَمَيْتُها منَ الزِّنا، وإنَّ هذا الولَدَ ليْس منِّي -إنْ كان هناك ولدٌ- ثمَّ يقولُ في الخامسةِ، بعدَ أن يَعِظَهُ الحاكمُ ويُخوِّفُهُ ويضَعَ يدَهُ على فيهِ: وعليَّ لَعْنَةُ اللهِ إنْ كُنْتُ منَ الكاذبينَ. فإذا فعلَ ذلكَ سقطَ عنهُ حدُّ القذفِ، وانتفى عنهُ نسبُ الولدِ، وبانتْ منهُ وحرُمتْ على التّأبيدِ، ولزمها حدُّ الزِّنا.
ولها أنْ تُسْقِطَهُ عنْ نفسِها باللِّعانِ فتقولَ -بأمرِ الحاكم- أربَعَ مرَّاتٍ: أشْهدُ باللهِ إنَّهُ لمِنَ الكاذبينَ فيما رماني بهِ. ثمَّ تقولُ في الخامسةِ -بعدَ الوَعظِ كما سبقَ-: وعليَّ غَضَبُ اللهِ إنْ كانَ منَ الصَّادقينَ. فإذا فعلَتْ هذهِ سقطَ عنها حدُّ الزِّنا.

.بابُ الرضاعِ:

إذا ثارَ لِبِنْتِ تِسْعِ سنينَ لَبَنٌ، منْ وَطْءٍ أو من غيرهِ، فأرضعتْ طِفلاً لهُ دونَ الحوْلينِ خمسَ رَضَعاتٍ مُتفرِّقاتٍ صار ابنها، فيحرُمُ عليها هو وفروعُهُ فقط، وصارتْ أمّهُ، فتَحْرُمُ عليهِ هيَ وأُصولُها وفروعُها وإخوَتُها وأخَواتُها.
وإن ثارَ اللَّبنُ منْ حمْلٍ منْ زوجٍ، صارَ الرَّضيعُ ابناً للزَّوجِ، فيَحْرُمُ عليهِ الرَّضيعُ وفُروعُهُ فقطْ، وصارَ الزَّوجُ أباهُ فيَحْرُمُ على الرَّضيعِ هوَ وأُصولُهُ وفُروعُهُ وإخْوتُهُ وأخَواتُهُ، فيَحرُمُ النِّكاحُ، ويحِلُّ النَّظَرُ والخَلْوةُ كالنَّسبِ دونَ سائرِ أحْكامهِ كالميراثِ والنَّفقةِ.

.كتابُ الجِناياتِ:

يَجِبُ القِصاصُ على منْ قتَلَ إنساناً عمْداً مَحْضاً عُدْواناًً، لكنْ لا يَجِبُ على صبيٍّ ومجنونٍ مُطْلقاً، ولا على مُسلِمٍ بِقَتْلِ كافرٍ، ولا على حُرٍّ بقَتْلِ عبْدٍ، ولا على ذِمِّيٍّ بقَتْلِ مُرْتدٍّ، ولا على الأبِ والأُمِّ وآبائِهِما وأمَّهاتِهما بقتْلِ الولَدِ وولدِ الولدِ، ولا بقتْلِ منْ يَثْبُتُ القِصاصُ فيهِ للْولدِ، مثْلُ أنْ يَقْتُلَ الأبُ الأمَّ.

.[أقسامُ الجِناياتِ]:

ثُمَّ الجِناياتُ ثلاثةٌ: خطأٌ، وعمْدٌ خطَأٌ، وعمْدٌ محْضٌ.
1 - فالخطأُ: مثلُ أنْ يرميَ إلى حائطٍ سهْماً فيُصيبُ إنساناً، أو يَزْلِقَ منْ شاهقٍ فيقَعَ على إنسانٍ.
وضابطُهُ: أنْ يقصِدَ الفِعْلَ ولا يقصِدَ الشَّخْصَ، أو لا يَقْصِدَهُما.
2 - وعمْدُ الخطأ: أنْ يقصِدَ بهِ الجنايةَ بما لا يَقْتُلُ غالِباً، مثلَ أنْ يَضْرِبَهُ بعصا خفيفةٍ في غيرِ مَقتلٍ، ونحوِ ذلكَ.
3 - والعمْدُ: أنْ يقصِدَ الجنايةَ بما يَقْتُلُ غالِباً، سواءٌ كانَ مُثقَّلاً أو مُحدَّداً، فإنْ كانتِ الجنايةُ عمْداً على النَّفسِ أو الأطرافِ، وجبَ القِصاص.
فيجِبُ في الأعضاءِ حيْثُ أمْكنَ منْ غيرِ حيْفٍ، كالعَيْنِ والجِفْنِ ومارِنِ الأنفِ -وهو ما لانَ منهُ- والأذُنِ والسِّنِّ واللِّسانِ والشَّفةِ واليَدِ والرِّجلِ والأصابعِ والأناملِ والذَّكرِ والأنْثَيَيْنِ والفرْجِ ونحوِ ذلكَ، بشرْطِ المُماثلةِ، فلا تُؤخذُ يمينٌ بيسارٍ، ولا أعلى بأسفلَ وبالعكسِ، ولا صحيحٌ بأشلَّ، ولا قِصاصَ في عظْمٍ، فلوْ قطعَ اليدَ منْ وَسَطِ الذَِراعِ اقتُصَّ منَ الكفِّ، وفي الباقي حكومةٌ.
ويُقتصُّ للأُنثى منَ الذَكرِ، وللطِّفلِ منَ الكبيرِ، وللوضيعِ منَ الشَّريفِ، في النَّفسِ والأعضاءِ.
ولا يجوزُ أنْ يُستوفى القِصاصُ إلاَّ بحَضْرةِ السُّلطانِ أو نائبهِ، فإنْ كانَ منْ لهُ القِصاصُ يُحْسِنْهُ مكَّنَهُ منْهُ، وإلاَّ أمرَ بالتوكيلِ، وإنْ كانَ القِصاصُ لاثنينِ لمْ يَجُزْ لأحدهما أنْ يَنفرِدَ بهِ، فإنْ تشَّاحَّا في منْ يَستوفيهِ أقرِعَ بينهما، ولا يُقْتصُّ منْ حاملٍ حتَّى تَضَعَ ويستغني الولدُ بلبنِ غيرِها.
ومَنْ قَطَعَ اليدَ ثمَّ قَتَلَ تُقْطَعُ يدُهُ ثمَّ يُقْتَلُ، فإنْ قطعَ اليدَ فماتَ منْ ذلكََ قُطعتْ يدُهُ، فإنْ ماتَ فهوَ، وإلاَّ قُتلَ. ومتى عفا مُستحِقُّ القِصاصِ على الدِّيَةِ سقطَ القِصاصُ ووجبت الدِّيةُ، بلْ لوْ عفا بعضُ المُستحقِّينَ مثلُ أنْ كانَ للمقتولِ أولادٌ فيعفو أحدُهُم سقطَ القِصاصُ ووجبتِ الدِّيةُ.
ومنْ قتلَ جماعةً، أو قطعَ عُضْواً منْ جماعةٍ واحدًا بعدَ واحدٍ، اقتُصَّ منْهُ للأولِ وللباقينَ الدِّيةُ، فإن جنى عليهمْ دَفعَةً أُقرِعَ.

.[جنايةُ الجماعةِ]:

وإنِ اشتركَ جماعةٌ في قتلِ واحدٍ قُتِلوا بهِ، سواءٌ اسْتَوَتْ جنايتُهُمْ أو تفاوتَتْ، حتَّى لوْ جرحَهُ واحدٌ جِراحةً وآخرُ مئةَ جِراحةٍ وماتَ، وكانتْ تِلْكَ الجِراحةُ المُفردَةُ أو تلكَ الجِراحاتُ ممَّا لو انفردتْ لقتَلتْ لزِمَهُما القِصاص، اللهمَّ إلاَّ أنْ يَقطعَ الثَّاني جِنايةَ الأوَّلِ بأنْ يَقطعَ الأوَّلُ يدَهُ ونحوَها ويَقطعَ الَّثاني رقبتَهُ أو يَقُدَّهُ نِصفينِ، فالأوَّلُ جارحٌ والثَّاني قاتِلٌ، ولوْ شاركَ العامِدُ مُخطِئاً فلا قِصاصَ على أحدٍ.
ولوْ شاركَ الأجنبيُّ أباً اقتُصَّ منَ الأجنبيِّ.
ويجبُ القِصاصُ أيضاً في كُلِّ جُرْحٍ انتهى إلى عظمٍ، كالمُوضِحَةِ في الرَّأسِ والوجهِ وجُرحِ العَضُدِ والسَّاقِ والفَخِذِ إذا انتهى الجُرحُ إلى العظمِ، والمُرادُ بالمُوضِحَةِ وبانتهاءِ الجُرحِ إلى العظمِ: أنْ يُعلمَ وصولُ السِّكِّينِ أو المِسلَّةِ مثلاً إلى العظمِ، ولا يُشترطُ ظهورُ العظمِ ورؤيَتُهُ.

.فصل [في الدِّياتِ]:

إذا كانَ القتلُ خطأً، أو عَمْدَ خطأٍ، أو آلَ الأمرُ في العمْدِ بالعفوِ إلى الدِّيةِ وجبتِ الدِّيةُ. ودِيةُ الحُرِّ المُسلمِ الذَكرِ مئةٌ منَ الإبِلِ:
فإنْ كانَ عمداً فهيَ مُغَلَّظَةٌ من ثلاثةِ أوجُهٍ: كونُها حالَّةً، وعلى الجاني، ومُثلَّثةً: ثلاثينَ حِقَّةً، وثلاثينَ جَذَعَةً، وأربعينَ خَلِفَةً، أي حواملَ، في بطونها أولادُها.
وإنْ كانَ عمْدَ خطأٍ فهي مُغلَّظةٌ منْ وجهٍ واحدٍ:
كونُها مُثلَّثةً. ومُخفَّفةٌ منْ وجهينِ: كونُها مُؤجلَةً، وعلى العاقلةِ.
وإن كانَ خطأً فهي مُخففةٌ من ثلاثةِ أوجُهٍ: كونُها مُؤجلةً، وعلى العاقلةِ، ومُخمَّسَةً: عشرينَ بنت مخاضٍ، وعشرينَ بنتَ لبونٍ، وعشرينَ ابنَِ لبونٍ، وعشرينَ حِقَّةً، وعشرينَ جذعةً، اللهمَّ إلاّ أن يُقتلَ ذا رحِمٍ مَحْرَمٍ، أو في الحرَمِ، أو في الأشهُرِ الحُرُمِ - وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمُحرَّم، ورجبُ- فإنّها تكونُ مُثلَّثةً، خطأً كانَ أو عمْداً. ولا يُؤخذُ في الإبلِ مَعيبٌ، فإن تراضَوا على العِوَضِ عنِ الإبلِ جازَ.
ودِيَةُ المرأةِ في النَّفسِ وغيرها نصفُ دِيَةِ الرجلِ، وديةُ اليهوديِّ والنَّصرانيِّ ثلُثُ ديَةِ المُسلمِ، وديةُ المجوسيِّ ثُلُثا عُشرِ ديةِ المُسلِمِ، وديةُ العبدِ قيمتُهُ، وأعضاؤُهُ وجراحاتُهُ ما نقصَ منها، وفيما إذا ضَربَ بطْنها فألقتْ جنيناً ميِّتاً: غُرَّةٌ، وهي: عبدٌ أو أمةٌ سليمةٌ بقيمةِ نصفِ عُشرِ دية الأبِ أو عُشرِ ديةِ الأمِّ.
والعاقلةُ هي: العَصباتُ، ما عدا الأبَ والجدَّ والابن وابنَ الابنِ، ولا يعقِلُ فقيرٌ ولا صبيٌّ ولا مجنونٌ، ولا كافرٌ عن مُسلمٍ، وعكسهُ، فيجبُ عليهمْ ديةُ النَّفس الكاملةِ، أعني المئةَ من الإبل في ثلاثِ سنينَ، فيجبُ على كُلِّ غنيٍّ عندَ الحولِ في كلِّ سنةٍ نصفُ دينارٍ، وعلى كلِّ مُتوسِّطٍ رُبُعُ دينار، فإذا بقيَ شيءٌ أُخِذَ منْ بيتِ المالِ، وإلاَّ فمنَ الجاني، وإنْ كانَ الواجبُ أقلَّ منْ ديةِ النَّفسِ الكاملة -كواجبِ الجراحاتِ، وديةِ الجنينِ والمرأةِ والذمِّيِّ- فمنْ كانَ قدْرَ ثُلُثِ الكاملةِ أو أقلَّ ففي سنة، وإن كانَ الثُلُثينِ أو اقلَّ فالثُلُثُ في سنةٍ والباقي في الثانية، فإن زادَ على الثُلُثينِ فالثُلُثانِ في سنتينِ والباقي في الثالثة.
وكلُّ عُضوٍ مُفردٍ فيهِ جمالٌ ومنفعةٌ إذا قُطعَ وجبت فيهِ ديَةٌ كاملةٌ مثلُ ديةِ صاحبِ العُضوِ لوْ قتلهُ، وكذا كلُّ عُضويْنِ منْ جِنْسٍ، فإذا قطعهُما ففيهما الديةُ وفي أحدهِما نصفُها، وكذا المعاني واللَّطائفُ ففي كُلِّ معنىً منها الدية، ففي قطعِ الأذنينِ الدية، وفي أحدهما نصفُها، ومثلُهُما العينانِ والشِّفتانِ واللّحيانِ، والكفَّانِ والقدمانِ بأصابعِهِما، والأليتانِ والأنثيانِ والأجفانِ وحلمتا المرأةِ وشُفراها ومارنُ الأنفِ واللِّسان، والحشَفةُ وجميعُ الذَكرِ، وكذا في شللِ هذه الأعضاء، والإفضاءِ وسلْخِ الجلدِ وكسْرِ الصُّلبِ وإذهابِ العقلِ والسَّمعِ أو الضَّوءِ أو النُّطقِ أو الشّمِّ أو الذَوقِ. وفي كلِّ أُصبعٍ عشرٌ من الإبلِ وفي كلِّ سنٍّ خمسٌ.
وأمّا الجراحاتُ في البدَنِ فالحكومةُ، وفي الرَّأسِ والوجهِ: فما دونَ الموضِحةِ فيهِ الحكومةُ، وأمّا الموضحةُ -وهي ما أوضحت العظمَ كما تقدَّم- ففيها خمسٌ من الإبلِ، وبقيت جناياتٌ أُخَرُ آثرْتُ تركَها لئلاّ يطولَ الكلامُ. ولا تجِبُ الديةُ بقتلِ الحربيِّ، والمُرتدِّ، ومنْ وجبَ رَجْمُهُ بالبيِّنةِ، أو تَحَتَّمَ قتْلُهُ في المُحاربةِ، ولا على السيِّدِ بقتلِ عبدِهِ.

.فصل [كفارةُ القتلِ]:

تجِبُ الكفَّارةُ على منْ قتلَ منْ يَحرُمُ قتلُهُ لحقِّ الله تعالى، خطأ كان أو عمداً، سواءٌ لزمهُ قِصاصٌ، أو ديةٌ -كما لو قتل ولده-، أوْ لمْ يلزمهُ شيءٌ منهما، وهو عِتقُ رقبةٍ، فإنْ لمْ يجدْ فصيامُ شهرينِ مُتتابعينِ، فلوْ قتلَ نساءَ أهلِ الحربِ وأولادهُم فلا كفارة، لأنّهُم وأن حرُمَ قتُلهُمْ لكن لا لحقِّ اللهِ تعالى بلْ لحقِّ الغانمين.

.فصل [البُغاة]:

إذا خرجَ على الإمامِ طائفةٌ من المسلمينَ وراموا خَلْعهُ، أو منعوا حقّاً شرعيّاً كالزَّكاةِ، وامتنَعوا بالحربِ، بعثَ إليهمْ وأزالَ علَّتهُم إن أمكن، فإنْ أبَوْا قاتلهُمْ بما لا يعُمُّ شرُّهُ كالنّار والمنجنيقِ، ولا يَتْبعُ مُدْبِرَهُمْ، ولا يقتُلُ جريحهُمْ، وما أتلفوهُ علينا أو أتلفناهُ عليهم في الحرْبِ لا ضمانَ فيه، وأحكامُ الإسلامِ جاريةٌ عليهم، ويَنفُذُ منْ حكمِ قاضيهِم ما يَنْفُذُ منْ حكمِ قاضينا وإنْ لمْ يمتنِعوا بالحربِ لمْ يُقاتِلْهُم.

.بابُ الصيالِ:

ومنْ قَصَدهُ مُسْلمٌ يُريدُ قَتْلهُ جازَ لهُ دفْعُهُ ولا يجبُ، وإنْ قصدهُ كافِرٌ أو بهيمةٌ وجبَ دفْعُهُ، وإنْ قصدَ مالَهُ جازَ الدَّفْعُ ولا يجبُ، وإنْ قصدَ حَريمَهُ وجبَ الدَّفْعُ، ويَدْفعُ بالأسْهلِ فالأسْهلِ، فإنْ عرفَ أنَّهُ ينْدَفِعُ بالصِّياحِ فليْسَ لهُ ضَرْبُهُ، أوْ باليَدِ فليْسَ لهُ بالعَصا، أو بالعَصا فليْسَ لهُ السِّيْفُ، أو بِقَطْعِ اليدِ فليْسَ لهُ قتْلُهُ، فإنْ تحقَّقَ أنَّهُ لا يَنْدفِعُ إلاّ بقتْلهِ فلهُ قتْلُهُ، ولا شيءَ عليهِ، وإذا اندفعَ حَرُمَ التَّعَرُّضُ لهُ.

.بابُ الرِّدَّةِ:

منِ ارتَدَّ عنِ الإسلامِ وهو بالغٌ، عاقلٌ، مُختارٌ، استحَقَّ القَتْلَ، ويجِبُ على الإمامِ اسْتِتابَتُهُ، فإنْ رجَعَ إلى الإسلامِ قُبِلَ منْهُ، وإنْ أَبَى قُتِلَ في الحالِ، فإنْ كانَ حُرّاً لمْ يَقْتُلْهُ إلاّ الإمامُ أو نائبُهُ، فإنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ عُزِّر ولا دِيةَ عليهِ، وإنْ كانَ عبْداً فللسَّيِّدِ قتْلُهُ، وإنْ تَكرَّرَتْ رِدَّتُهُ وإسلامُهُ قُبِلَ منْهُ ويُعَزَّرُ.

.بابُ الجهادِ:

الجِهادُ فرْضُ كفايةٍ إذا قامَ بهِ منْ فيهِ الكِفايةُ سَقَطَ عنِ الباقينَ، ويَتَعَيَّنُ على منْ حضَرَ الصَّفَّ، وكذا على كُلِّ أحَدٍ إذا أحاطَ بالمُسلمينَ عَدُوٌّ.
ويُخاطبُ بهِ كُلُّ ذَكَرٍ، حُرٍّ، بالغٍ، عاقلٍ، مُستطيعٍ، ولا يُجاهِدُ المَدْيونُ إلاّ بإذنِ غريمِهِ، ولا العبْدُ إلاّ بإذنِ سيِّدهِ، ولا منْ أحدُ أبويهِ مُسْلمٌ إلاّ بإذنِهِ، وإلاّ إذا أحاطَ العَدُوُّ فيَجوزُ بلا إذنٍ، ويُكْرهُ الغَزْوُ دونَ إذنِ الإمامِ، ولا يَستَعينُ بِمُشْركٍ إلاّ أنْ يَقِلَّ المُسلمونَ، وتكونُ نِيَّتُهُ حَسَنَةً للمُسلمينَ، ويُقاتِلُ اليَهودَ والنَّصارى والمَجوسَ إلاّ أنْ يُسْلِموا أو يبذُلوا الجِزيَةَ، ويُقاتِلُ منْ سِواهُمْ إلاّ أنْ يُسْلِموا.
ولا يجوزُ قَتْلُ النِّساءِ والصِّبيانِ إلاّ أنْ يُقاتِلوا، ولا الدَّوابَّ إلاّ أنْ يُقاتِلوا عليها أو نسْتعينُ بقَتلها عليهمْ. ويجوزُ قَتْلُ الشُّيوخ والرُّهبان.
ومَنْ أمَّنَهُ مِنَ الكُفّارِ مُسلمٌ بالغٌ عاقلٌ مُختارٌ ولوْ عبداً حرُمَ قتْلُهُ، ومنْ أسلمَ مِنْهُم قبلَ الأسرِ حُقِنَ دَمُهُ ومالُهُ وصغارُ أوْلادهِ عنِ السَّبْي، ومتى أُسِرَ منْهمْ صبيّ أو امرأة رَقَّ بنَفسِ الأسْرِ، وينفَسِخُ نِكاحُها، أو بالِغٍ تَخَيَّرَ الإمامُ بالمصلحةِ بينَ القتلِ والاسْتِرقاقِ، والمنِّ والفِداءِ بمالٍ أو بأسيرٍ مُسلِمٍ، فإنْ أسْلمَ قبْلَ أنْ يَختارَ الإمامُ فيهِ شيْئاً منَ الخِصالِ المذكورةِ سقطَ قتْلُهُ، ويُخَيَّرُ بيْنَ الثَّلاثِ الباقِيةِ، ويجوزُ قطْعُ أشْجارَهِمْ وتَخريبِ دِيارِهِم.

.بابُ الغنيمةِ:

الغَنيمةُ لِمَنْ حَضرَ الوقْعةَ إلى آخرِها فَتُقْسمُ بينهمْ بعدَ إخراجِ السَّلَبِ وخُمُسِها، للرَّاجلِ سهْمٌ، وللفارسِ ثلاثةُ أَسْهُمٍ، إذا كانَ حُرّاً بالِغاً مُسْلِماً عاقِلاً، ويُرْضَخُ للمرأةِ والعبْدِ والصَّبيِّ والكافرِ إنْ حضَروا بإذنِ الإمامِ منْ أرْبعَةِ أخْماسِها.
وإنَّما تُمْلكُ الغَنيمةُ بالقِسْمةِ أو اختيارِ التَّمَلُّكِ.
وأمّا السَّلَبُ فمنْ قَتلَ قتيلاً أو كفى شرَّهُ، وكانَ المَقتولُ مُمْتَنِعاً، وغرَّرَ القاتلُ بنفْسِهِ في قتْلِهِ، استَحَقَّ سَلَبَهُ، وهو ما احْتَوَتْ يدُهُ عليهِ في الوَقْعةِ منَ فرَسٍ وثِيابٍ وسلاحٍ ونفَقَةٍ وغيرِ ذلكَ. فأمَّا الخُمُسُ فيُقْسمُ على خمسَةٍ أيضاً:
1 - سهْمٌ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فيُصْرَفُ بعْدهُ في المصالحِ منْ سدِّ الثُّغورِ وأرزاقِ القُضاةِ والمُؤذنينَ ونحْوهمْ.
2 - وسهْمٌ لذوي القُرْبى منْ بني هاشِمٍ وبني المُطَّلِبِ، للذّكَرِ مثْلُ حظِّ الأنثييْنِ. 3 - وسهْمٌ لليتامى الفُقراءِ.
4 - وسهْمٌ للمساكينِ.
5 - وسهْمٌ لابنِ السَّبيلِ.

.فصل [عقد الجزيةِ]:

تُعقَدُ الذِّمَّةُ لليَهودِ والنَّصارى والمَجوسِ، ولمَنْ دخَلَ في دينِ اليَهودِ والنَّصارى قبْلَ النَّسْخِ والتَّبْديلِ، والسَّامرةِ والصّابئةِ إنْ وافقوهمْ في أصْلِ دينِهِمْ، ولمَنْ تَمَسَّكَ بدينِ إبْراهيمَ أو غيرهِ منَ الأنبياءِ عليْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولا يُعْقدُ لوثنيٍّ، ومنْ لا كتابَ لهُ ولا شُبْهةَ كِتابٍ. ولا يَصِحُّ إلاَّ بِشَرْطيْنِ:
1 - التِزامُ أحكامِ الإسلامِ.
2 – وبَذْلُ الجِزيَةِ، وأقَلُّها دينارٌ منْ كُلِّ شخْصٍ، وأكثَرُها ما تَراضَوْا عليهِ، وتُؤخذُ منْهُم برِفقٍ كسائرِ الدُّيونِ، ولا تُؤخذُ من امرأةٍ وصبيٍّ ومجنونٍ وعبْدٍ.
ويُلْزَمونَ بِأحكامِنا منْ ضمانِ النَّفسِ والعِرْضِ والمالِ، ويُحَدُّونَ للزِّنا والسَّرِقةِ، لا للسُّكْرِ، ويَتَمَيَّزونَ في اللِّباسِ والزَّنانيرِ، ويكونُ في رَقابِهِمْ جرسٌ في الحمَّامِ، ولا يَرْكبونَ فَرَساً بلْ بِغالاً أو حِماراً عَرْضاً، ولا يُبدَؤونَ بسلامٍ، ويُلجؤونَ إلى أضْيَقِ الطريقِ، ولا يَعْلونَ على المُسلمينَ في البناءِ ولا يساوونهمْ، فإنْ تَمَلَّكوا داراً عاليةً لمْ تُهدَمْ.
ويُمنَعونَ من إظهارِ خمْرٍ وخنزيرٍ وناقوسٍ، وجهْرِ التَّوْراةِ والإنجيلِ، وجنائزِهِمْ وأعيادِهِمْ، ومنْ إحداثِ كنيسةٍ، فإنْ صولِحوا في بلدانِهِمْ على الجِزيةِ لمْ يُمنَعوا من ذلكَ.
ويُمْنعونَ منَ المُقامِ بالحِجازِ -وهي مكَّةَُ والمدينةُ واليَمامةُ وقُراها- أكثرَ منْ ثلاثةِ أيَّامٍ إذا أذِنَ لهُمُ الإمامُ في الدُّخولِ لحاجةٍ، ولا يُمَكَّنُ مُشْرِكٌ منَ الحَرَمِ بحالٍ، ولا يَدْخُلونَ مسْجِداً إلاّ بإذنٍ.
وعلى الإمامِ حِفْظُ منْ كانَ منْهُمْ في دارنا كما يَحْفظُ المُسلمينَ، واستِنْقاذُ منْ أُسِرَ منْهُمْ، فإنِ امتَنعوا منَ التزامِ أحكامِ المِلَّةِ وأداءِ الجِزْيةِ انتَقَضَ عهدُهُمْ مُطْلقاً، وإنْ زَنى أحدٌ منْهُم بمُسلمةٍ، أو أصابها بنِكاحٍ، أو آوى عيْناً للكُفَّارِ، أو فتنَ مُسْلماً عنْ دينِهِ أو قتلَهُ، أو ذكرَ اللهَ أو رسولهُ أو دينَهُ بما لا يجوزُ، فإنْ شَرَطَ عليهمْ الانتقاضَ بذلكَ انتُقضَ، وإلاّ فلا، ومن انتَقَضَ عهْدُهُ تخيَّرَ الإمام فيهِ بيْنَ الخِصالِ الأرْبعِ في الأسيرِ.

.باب الزنا:

إذا زنى أو لاطَ البالغُ، العاقلُ، المُختارُ، مُسلماً كانَ أو ذِمِّيّاً أو مُرْتدّاً، حُرَّاً كانَ أو عبْداً، وجبَ عليهِ الحدُّ، فإنْ كانَ مُحْصَناً رُجِمَ حتَّى يموتَ.
والمُحْصَنُ: منْ وَطِئَ في القُبُلِ في نِكاحٍ صحيحٍ، وهو حُرٌّ بالغٌ عاقلٌ. فلو وَطِئَ زوجتَهُ في الدُّبُرِ، أو جاريتَهُ في القُبُلِ، أو في نكاحٍ فاسدٍ، أو وطِئَ زوجَتَهُ وهو عبْدٌ ثمَّ عُتِقَ، أو صبيٌّ، أو مجنونٌ ثمَّ أفاقَ وزنى، فليْسَ بمُحصنٍ.
وغيرُ المُحْصَنِ: إنْ كانَ حُرّاً جُلِدَ مئةَ جلْدةٍ، وغُرِّبَ سنةً إلى مسافةِ القصْرِ، وإنْ كانَ عبْداً جُلِدَ خَمْسينَ وغُرِّبَ نِصْفَ سنةٍ.
ومنْ وطِئَ بهيمةً، أو امرأةً ميتةً أو حيَّةً فيما دونَ الفرجِ، أوجاريةً يمْلِكُ بعضَها، أو أُختهُ الممْلوكة لهُ، أو وطِئَ زوجتَهُ في الحيضِ أو الدُّبُرِ، أو استمنى بيدهِ، أو أتتِ المَرْأةُ المرأةَ، لا حدَّ عليهِ ويُعَزَّرُ.
ومنْ زنى وقال: لا أعْلمُ تَحريمَ الزِّنا، وكانَ قريبَ عهدٍ بالإسلامِ، أو نشأَ بباديةٍ بعيدةٍ لمْ يُحدَّ، وإنْ لمْ يكُنْ كذلكَ حُدَّ.
ولا يُجلَدُ في حَرٍّ وبرْدٍ شديدَيْنِ ومرَضٍ يُرْجى بُرْؤُهُ حتّى يَبْرَأَ، ولا في المسجدِ، ولا المرأةُ في الحبَلِ حتّى تضعَ ويزولُ ألمُ الولادةِ، ولا يُجلدُ بِسوْطٍ جديدٍ ولا بالٍ، بلْ بسَوْطٍ بينَ سوْطَيِنِ، ولا يُمدُّ ولا يُشَدّ ولا يُجَرَّدُ، ولا يُبالغُ في الضَّربِ، ويُفَرِّقُهُ على أعضائِهِ، ويَتَوَقَّى المَقاتِلَ والوَجْهَ.
ويُضْربُ الرَّجُلُ قائِماً، والمرأةُ جالِسَةً مَستورةً، فإن كانَ نحيفاً أو مريضاً لا يُرجى بُرؤُهُ جُلِدَ بِعُثكالِ النَّخْلِ وأطْرافِ الثِّيابِ، وإنْ كانَ الحدُّ رجماً رُجِمَ ولوْ في حرٍّ أو برْدٍ أو مرضٍ مَرْجُوِّ الزَّوالِ.
ولا تُرجَمُ الحاملُ حتّى تضَعَ ويَستَغْنِ الولدُ بلبَنِ غيرِها.
وللسَّيِّدِ أنْ يُقيمَ الحدَّ على رقيقِهِ. بابُ القذفِ إذا قذَفَ البالغُ، العاقلُ، المُختارُ، وهو مسلِمٌ أو ذمِّيٌّ أو مُرتدٌّ أو مُسْتأمَنٌ مُحْصَناً -ليْسَ بولدٍ لهُ- بالزّنا أو اللِّواطِ، بالصَّريحِ أو بالكِنايةِ معَ النِّيَّةِ، لزِمَهُ الحدُّ.
والمُحصَنُ هُنا هوَ البالغُ العاقلُ الحُرُّ المُسلمُ العَفيفُ، فيُجلدُ الحُرُّ ثمانينَ والعبْدُ أربعينَ، فالصَّريحُ: زَنَيْتَ، أو لُطْتَ، أو زنى فرْجُكَ، ونحوهُ، والكِنايةُ نحْوَ: يا فاجرُ، يا خبيثُ، فإنْ نوى بهِ القذفَ حُدَّ، وإلاّ فلا، والقوْلُ قوْلُ القاذِفِ في النِّيَّةِ.
وإنْ قالَ: أنْتَ أزْنى النّاسِ، أو منْ فُلانٍ، فهوَ كنايةٌ، أو فُلانٌ زانٍ وأنتَ أزنى منهُ فصريحٌ.
وإنْ قذفَ جماعةً يَمْتنِعُ أنْ يكونوا كُلُّهُمْ زُناةٌ، كقولِهِ أهْلُ مِصْرَ كُلُّهُمْ زُناةٌ، عُزِّرَ، وإنْ لمْ يَمْتَنِعْ، كقولِهِ بَنو فُلانٍ زُناةٍ، لزِمَهُ لكُلِّ واحدٍ حَدٌّ، ولوْ قذَفَهَ بزنْيَتينِ لزِمهُ حدٌّ واحدٌ، وإن قذفهُ فحُدَّ ثمَّ قذفهُ ثانياً بذلكَ الزِّنا أو بغيرِهِ عُزِّرَ فقطْ.
ولو قذفَ مُحصناً فلم يُحدَّ حتى زنى المُحصنُ سقَطَ الحدُّ، ولا يُسْتَوْفى إلاّ بحَضْرةِ الحاكمِ وبِمُطالبةِ المَقذوفِ، فإنْ عفا سقطَ، وإنْ ماتَ انتقلَ حقُّهُ لوارثهِ.
ولوْ قال لِرَجُلٍ: اقْذِفْني، فقَذَفَهُ لمْ يُحدَّ، ولوْ قَذَفَ عبداً ثبتَ لهُ التَّعزيرُ.

.بابُ السرقةِ:

إذا سرقَ البالغُ، العاقلُ، المُختارُ، وهوَ مُسلمٌ أو ذمِّيٌّ أو مُرتدٌّ نِصاباً منَ المالِ، وهوَ رُبُعُ دينارٍ أو ما قيمتُهُ رُبُعُ دينارٍ في حالِ السَّرِقةِ، منْ حِرْز مِثْلِهِ ولا شُبْهةَ لهُ فيهِ، قُطِعَتْ يَدُهُ اليُمنى، فإنْ سرقَ ثانياً قُطِعَتْ رِجْلُهُ اليُسرى، فإنْ عادَ قُطعتْ يدُهُ اليُسرى، فإنْ عادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ اليُمنى، فإن عادَ عَزِّرَ، فإنْ لمْ تكُنْ لهُ يمين قُطِعتْ رِجْلُهُ اليُسرى، وإنْ كانتْ فلَمْ تُقْطَعْ حتّى ذهبَتْ سقَطَ القَطْعُ.
وإذا قُطِعَ غُمِسَ المَقْطَعُ بالزَّيْتِ الحارِّ، فإنْ سرَقَ دونَ النِّصابِ أو مِنْ غيرِ حِرْزٍ، أو ما لهُ شُبهةٌ كمالِ بيتِ المالِ، ومالِ ابْنهِ أو أبيهِ، أو مال مالِكِهِ لمْ يُقْطَعْ.
وحِرزُ كُلِّ شيءٍ بِحَسَبِهِ، ويَخْتلِف باختلافِ المالِ والبِلادِ، وعدْلِ السُّلطانِ وجوْرِهِ، وقُوَّتِهِ وضَعْفِهِ.
فحِرْزُ الثِّيابِ والنُّقودِ والجواهِرِ والحُليِّ الصُّندوقُ المُقْفَلُ، وحِرْزُ الأمتِعَةِ الدَّكاكينِ المُقْفَلَةِ وثَمَّ حارِسٌ، والدَّوابَّ الاصطَبلُ، والأثاثِ صُفَّةُ البيتِ بحسبِ العادةِ، وحِرْزُ الكَفَنِ القَبْرُ، ولو اشتركَ اثنانِ في إخْراجِ النِّصابِ فقطْ لمْ يُقطعْ واحدٌ منهُما، ولا يَقْطَعُ الحَرُّ إلاّ الإمامُ أو نائِبُهُ، ويَقطعُ العبْدَ سيِّدُهُ، ولا قطْعَ على من انْتَهَبَ أو اخْتَلَسَ أو خانَ أو جحَدَ.

.فصل [قاطِعِ الطريقِ]:

منْ شَهَرَ السِّلاحَ وأخافَ السَّبيلَ وَجبَ على الإمامِ طَلَبُهُ، فإنْ وَقَعَ قبْلَ جِنايَةٍ عُزِّرَ، وإنْ سَرَقَ نِصاباً بِشَرْطِهِ قُطِعَتْ يَدُهُ اليُمنى ورِجْلُهُ اليُسرى، وإنْ قَتَلَ قُتِلَ حَتْماً وإنْ عفا ولِيُّ الدّمِ، وإنْ سَرَقَ وقَتَلَ قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ ثلاثةَ أيَّامٍ، وإنْ جَرَحَ أو قطعَ طرفاً اقْتُصَّ مِنْهُ منْ غيرِ تَحَتُّمٍ.

.فصل [شاربِ الخمرِ]:

كُلُّ شَرابٍ أسْكَرَ كثيرُهُ حَرُمَ قَليلُهُ وكَثيرُهُ، خَمْراً كانَ أو نبيذاً أو غيْرهُما، فمَنْ شَرِبَ وهو بالغٌ عاقلٌ مُسلمٌ مٌختارٌ عالِمٌ بهِ وبِتحْريمِهِ لَزِمَهُ الحدُّ، وهو أربعونَ جَلْدَةً للحُرِّ، وعِشْرونَ للْعَبْدِ بالأَيْدي والنِّعالِ وأطْرافِ الثِّيابِ، ويجوزُ بالسَّوْطِ، لكن إنْ ماتَ بالسِّياطِ وجبَت دِيَتُهُ، فإنْ رأى أنْ يَزيدَ في الحُرِّ إلى ثمانينَ وفي العبْدِ إلى أربعينَ جاز، لكن لو مات من الزيادة ضمن بالقسط، فلو ضربه إحدى وأربعين فماتَ ضَمِنَ جُزْءاً منْ أحدٍ وأربعينَ جُزءاً منْ دِيَتِهِ.
ومنْ زَنى دَفَعاتٍ أو شَرِبَ دَفَعاتٍ ولمْ يُحَدَّ، أجزَأَهُ لِكُلِّ جِنْسٍ حَدٌّ واحدٌ، ومنْ وجبَ عليهِ حدٌّ وتابَ مِنْهُ لمْ يَسقُطْ، إلاّ حدُّ قاطعِ الطريقِ إذا تابَ قبْلَ القُدْرةِ، فَيَسْقُطُ جميعُ حدِّهِ، ولا يجوزُ شُرْبُ المُسكِرِ في حالٍ منَ الأحوالِ لا للتَّداوي ولا للعَطَشِ، إلاَّ أنْ يُغَصَّ بِلُقْمةٍ ولا يَجِدُ ما يُسِيغُها بهِ، فيجِبُ.

.فصل [التَّعزيرِ]:

منْ أتى مَعْصِيَةً لا حدَّ فيها ولا كفارةً -ومِنْهُ شهادةُ الزُّورِ- عُزِّرَ على حَسَبِ ما يراهُ الحاكِمُ، ولا يَبْلُغُ بهِ أدنى الحُدودِ، فلا يَبْلُغُ بِتَعْزيرِ الحُرِّ إلى أربعينَ، ولا بتَعْزيرِ العبْدِ عِشْرينَ، وإنْ رأى تَرْكَهُ جازَ.

.بابُ الأيمانِ:

إنما يصحُّ اليمينُ من بالغٍ عاقلٍ مُختارٍ، قاصِدٍ إلى اليمينِ، فمنْ سبَقَ لسانُهُ إليها، أو قصدَ الحلفَ على شيءٍ فسبقَ لسانُهُ إلى غيرِهِ لمْ ينعقِدْ، وذلكَ منْ لغوِ اليمينِ، ولا ينعقِدَ إلا باسمٍ منْ أسماءِ اللهِ تعالى أو صِفةٍ منْ صِفاتِ ذاتِهِ.
ثمَّ منْ أسماءِ اللهِ تعالى ما لا يَتَسَمَّى بهِ غَيْرُهُ، كاللهِ والرَّحمنِ والمُهيْمِنِ وعلاَّمِ الغُيوبِ، فيَنْعَقِدُ بها اليمينُ مُطْلقاً.
ومنْها ما يَتَسمَّى بهِ غيْرُهُ معَ التقييدِ، كالرَّبِّ والرَّحيمِ والقادرِ، فتنعَقِدُ بها اليمينُ، إلاّ أنْ يَنوي غيْرَ اليمينِ.
ومنْها ما هو مُشْتَرَكٌ، كالحَيِّ والمَوْجودِ والبَصيرِ، فلا تَنْعقِدُ بها اليمينُ، إلاّ أنْ يَنْوِيَ بها اليمينَ.
وصِفاتُهُ إنْ لمْ تُسْتعملْ في مخلوقٍ نحو عِزَّةِ اللهِ تعالى وكِبْرِيائهِ وبقائِهِ والقُرْآنِ، فتنعقِدُ بها اليمينُ مُطْلقاً، وإنْ كانتْ قدْ تُسْتعملُ في مَخْلوقٍ نحو عِلْمِ اللهِ تعالى وقُدْرتِهِ وحقِّهِ، فيَنْعقِدُ بها اليمينُ، إلاّ أنْ يَنْوِيَ بالعِلمِ المَعْلومِ، وبالقُدْرةِ المَقْدورِ، وبالحقِّ العِبادةَ، فلا.
ولو قالَ: أُقْسِمُ باللهِ وأقْسَمْتُ باللهِ، انعَقَدَتْ، إلاّ أنْ ينويَ بهِ الإخبارَ. ولو قالَ: لعَمْرُ اللهِ وأَشْهَدُ باللهِ أو أعْزِمُ باللهِ أو عليَّ عهْدُ اللهِ أو ذمَّتُهُ أو أمانتُهُ أو كفالتُهُ لا أفْعلُ كذا، أو أسألُكَ باللهِ أو أقسَمْتُ عليكَ باللهِ، لمْ تنعقِد إلاّ أنْ يَنْويَ بهِ اليمينَ.

.فصلٌ: حقيقة الألفاظ في الأيمان:

ومنْ حلفَ لا يَدْخُلُ بيتاً فدخلَ بيْتَ شَعَرٍ، حَنِثَ وإنْ كانَ حَضَرِيّاً، وإنْ دخلَ مسْجِداً، فلا، أو لا آكُلُ هذهِ الحِنْطَةَ فجَعَلَها دَقيقاً أوْ خُبزاً، لمْ يَحْنَثْ، أو لا آكُلُ سَمْناً فأكَلَهُ في عصيدةٍ ونحْوِها وهوَ ظاهِرٌ فيها، أو لا أَشْرَبُ منْ هذا النَّهر فشَرِبَ ماءَهُ في كوزٍ، حنِثَ، أو لا آكُلُ لَحْماً فأكَلَ شَحْماً أو كُلْيةً أو كِرْشاً أو كَبِداً أو قلباً أو طِحالاً أو أَلِيّةً أوْ سمكاً أو جراداً، فلا حِنْث، أو لا أَلْبَسُ لِزَيْدٍ ثوْباً فوَهَبَهُ لهُ أو اشتَراهُ لهُ، فلا، أو لا أَهَبُهُ فتصَدَّقَ عليهِ، حنِثَ، أو أعارهُ أو وهبهُ فلمْ يَقْبَلْ، أو قبِلَ ولمْ يقبِضْ، فلا، أو لا أتكَلَّمَ فقَرأَ القُرآنَ، أو لا أُكَلِّمُ فلاناً فراسَلَهُ أو كاتَبَهُ أو أشارَ إليهِ، أو لا أسْتَخْدِمُهُ فخَدَمَهُ وهوَ ساكتٌ، أو لا أَتَزَوَّجُ أو لا أُطَلِّقُ أو لا أبيعُ فوَكَّلَ غيرَهُ ففَعَلَ، لمْ يَحْنِث، أو لا آكُلُ هذهِ التَّمْرَةَ فاختَلطَتْ بِتَمْرٍ كثيرٍ فأكَلَهُ إلاّ تَمْرَةً واحدَةً لا يَعْلمُها، أو لا أشرَبُ ماءَ النَّهرِ فشَرِبَ بعضَهُ، لم يحنث، أو لا أكلِّمهُ زماناً أو حيناً، بَرَّ بِأدْنى زَمنٍ، أو لا أدخُلُ الدَّارَ مثلاً، فدخلَها ناسِياً أو جاهٍلاً أو مُكْرهاً أو مَحْمولاً، لمْ يَحْنثْ، واليمينُ باقِيَةٌ لمْ تَنْحَلَّ، أو لَيأْكُلَنَّ هذا غَداً فأكلَهُ في يَومِهِ، أو أتْلَفَهُ أو تلِفَ منَ الغدِ بعد إمْكانِ أكلِهِ، حنث، وإنْ تلِفَ في يومِهِ، فلا، أو لا أسْكُنُ هذهِ الدَّارَ فخَرَجَ مِنْها بنِيَّةِ التَّحْويلِ، ثمَّ دخلَ لِنَقْلِ القُماشِ، لمْ يَحنَث، أو لا أُساكِنُ زيْداً فسَكَنَ كُلُّ واحدٍ منهُما في بيْتٍ من دارٍِ كبيرةٍ، وانفردَ ببابٍ ومَرافقَ، لمْ يحنث، أو لا ألْبَسُ هذا الثَّوْبَ وهوَ لابِسُهُ، أو لا أَرْكبُ هذا وهوَ راكِبُهُ، أو لا أَدْخُلُ هذهِ الدَّارَ وهوَ فيها، فاستَدامَ، حنث، أو لا أتزَوَّجُ وهوَ مُتزوِّجٌ، أو لا أتطَيَّبُ وهو مُتطَيِّبٌ، أو لا أتطّهَّرُ وهو مُتَطَهِّرٌ فاستدامَ، فلا، أو لا أَدخُلُ هذهِ الدَّارَ فصعِدَ سطْحَها منْ خارِجِها، أو صارتْ عَرْصَةً فدخلَها، لمْ يَحْنَثْ، أو لا أدخُلُ دارَ زَيْدٍ فدخلَ مسْكَنَهُ بِكِراءٍ أو عاريةٍ، لمْ يحنث، إلاّ أنْ ينويَ ما يَسْكُنُهُ.
وإذا حلفَ على شيءٍ فقال: إنْ شاءَ اللهُ تعالى، مُتَّصِلاً باليمينِ، وكانَ قَصَدَ الاستثناءَ قبْلَ فراغِهِ منَ اليمينِ، لمْ يحنث، وإنْ جرى الاستثناءُ على لِسانِهِ على عادتِهِ ولمْ يقصدْ بهِ رَفْعَ اليمينِ، أو بدا لهُ الاستثناءُ بعْدَ الفَراغِ منَ اليمينِ، لمْ يَصِحَّ الاستثناء.

.فصل [كفارة اليمينِ]:

إذا حلفَ وحنثَ لزِمَتْهُ الكَفَّارةُ، فإنْ كانَ يُكَفِّرُ بالمالِ جازَ قبْلَ الحِنْثِ وبعْدَهُ، وإنْ كانَ بالصَّوْمِ لمْ يجُزْ إلاّ بعْدهُ.
وهيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ صِفَتُها كرَقَبَةِ الظِّهارِ، أوْ إطعامُ عشرَةِ مَساكينَ كُلِّ مِسكينٍ رِطْلٌ وثُلُثُ رِطلِ بالبَغْداديِّ حبّاً منْ قوتِ البَلدِ، أو كِسْوَتُهُمْ بما ينطلِقُ عليهِ اسمُ الكِسْوة، ولوْ مِئزَراً ومغسولاً، لا خَلَقاً، ويُخَيَّرُ بيْنَ الأنواعِ الثَّلاثَةِ، فإنْ عجَزَ عن أحدِ الأنواعِ الثَّلاثةِ صامَ ثلاثةَ أيّامٍ، والأفضَلُ توالِيها، ويجوزُ مُتَفَرِّقةٌ.
والعبْدُ لا يُكَفِّرُ بالمالِ وإنْ أذِنَ لهُ السيدُ، بلْ الصَّوْم.
ومنْ بعضُهُ حُرٌّ يُكَفرُ بالطَّعامِ والكِسْوةِ دونَ العِتْقِ.

.بابُ الأقضيةِ:

وِلايةُ القَضاءِ فَرْضُ كِفايةٍ، فإنْ لمْ يَكُنْ منْ يَصْلُحُ إلاّ واحدٌ تَعَيَّنَ عليهِ، فإن امتنعَ أُجْبِرَ، وليْسَ لهذا أنْ يأخُذَ عليهِ رِزْقاً إلاّ أنْ يكونَ مُحتاجاً. ويجوزُ في بلدٍ قاضِيانِ فأكثَرُ، ولا يَصِحُّ إلاّ بتوْلِيَةِ الإمامِ لهُ أو نائبِهِ.
وإنْ حكَّمَ الخَصْمانِ رَجُلاً يَصْلُحُ لِلْقَضاءِ جازَ، ولزِمَ حُكْمُهُ وإنْ لم يَتَراضَيا بهِ بعْدَ الحُكْمِ، لكن إن رَجَعَ فيهِ أحَدُهُما قبْلَ أنْ يحكُمَ امتَنَعَ الحُكْمُ.
ويُشترطُ في القاضي: الذُّكورةُ، والحُرِّيَّةُ، والتَّكْليفُ، والعَدالةُ، والعِلْمُ، والسَّمْعُ، والبَصَرُ، والنُّطْقُ.
ويُندَبُ أنْ يكونَ شَديداً بلا عُنْفٍ، ليِّناً بلا ضعْفٍ، وإن احتاجَ أنْ يَسْتَخْلِفَ في أَعمالِهِ لِكَثْرَتِها استَخْلفَ منْ يَصلُحُ، وإنْ لمْ يَحْتَجْ فلا، إلاّ أنْ يُؤذنَ لهُ، وإن احتاجَ إلى كاتِبٍ فلْيَكُنْ مُسْلِماً، عدْلاً، عاقلاً، فقيهاً، ولا يَتَّخِذْ حاجِباً، فإنِ احتاجَ فلْيكُنْ عاقلاً، أميناً، بعيداً منَ الطَّمَعِ.
ولا يَحْكُمُ ولا يُوَلِّي ولا يَسْمَعُ البيِّنَةَ في غيرِ عَمَلِهِ، ولا يَقْبَلُ هديَّةً إلاّ ممَّنْ كانَ يُهاديهِ قبْلَ الوِلايَةِ، ولمْ تَكُنْ لهُ خُصومةٌ، ولمْ تزِدْ هدِيَّتُهُ بعْدَ التَّوْلِيةِ، ومع هذا فالأفضلُ أنْ لا يَقْبَلها.
ولا يَحْكُمُ لِوَلدِهِ ولا لِرقيقِهِ، ولا يقضي وهوَ غَضْبانُ، ولا جائعٌ ولا عَطْشانٌ، ولا مهْمومٌ ولا فرْحانُ، ولا مريضٌ ولا نعسانُ، ولا حاقِنٌ ولا ضَجْرانُ، ولا في حرٍّ مُزْعِجٍ وبَرْدٍ مُؤْلِمٍ، فإنْ فعلَ نفذَ حُكْمُهُ.
ولا يجلِسُ في المسجِدِ للحُكْمِ، فإن اتَّفَقَ جُلوسُهُ فيهِ وحضرَ خَصْمانِ حكمَ بينهُما، ويجلِسُ بِسَكينَةٍ ووقارٍ، ويُحْضِرُ الشُّهودَ والفُقهاءَ ويُشاورُهُمْ فيما يُشْكِلُ، وإنْ لمْ يَتَّضِحْ أخَّرَهُ ولمْ يُقَلِّدْ غيْرَهُ في الحُكْمِ.
ويبدَأُ بالخُصُومِ بالأوَّلِ فالأَوَّلِ في خُصُومةٍ فقطْ، فإنْ اسْتَوَوْا أقْرَعَ. ويُسَوِّي بيْنَهُما في المجلِسِ والإِقبالِ وغيرِ ذلكَ، إلاّ أنْ يكونَ أحَدَهُما كافِراً فَيُقَدِّمُ المُسْلِمَ عليهِ في المجلِسِ، ولا يُعَنِّفُ أَحَدَهُما ولا يُلَقِّنْهُ، ولهُ أنْ يَشْفَعَ ويُؤَدِّيَ عنْ أحدِهِما ما لزِمَهُ، وينظُرُ أوَّلَ شيءٍ في المَحْبوسينَ، ثُمَّ في الأيتامِ، ثُمَّ في اللُّقطةِ.

.فصل [في صفة القضاء]:

إذا ادَّعى الخَصْمُ دَعْوى غيْرَ صحِيحَةٍ لمْ يَسْمَعْها، وإنْ كانتْ صَحيحَةً قالَ للآخَرِ: ما تقولُ؟ فإذا أقَرَّ لمْ يَحكُمْ عليْهِ إلاّ بِطَلَبِ المُدَّعي، وإذا أنْكرَ، فإنْ لمْ يكُنْ للمُدَّعي بيِّنَةٌ فالقوْلُ قولُ المُدَّعى عليهِ بيَمينِهِ، ولا يُحَلِّفُهُ إلاَّ بطلَبِ المُدَّعي، فإن امتَنَعَ منَ اليمينِ ردَّها على المُدَّعي، فإنْ حلفَ اسْتَحَقَّ، وإنِ امتَنَعَ صَرَفَهُما، وإنْ سَكتَ المُدَّعى عليهِ فلْيَقُلْ لهُ: إنْ أجَبْتَ وإلاّ ردَدْتُ اليمينَ عليهِ، فإنْ لم يُجِبْ رُدَّت اليمينُ على المُدَّعي فيَحْلِفُ ويستحِقُّ.
وإنْ كانَ القاضي يَعْلَمُ وُجوبَ الحقِّ، فإنْ كانَ في حُدودِ اللهِ تعالى وهو: الزِّنا، والسَّرِقةُ، والمُحارَبةُ، والشُّرْبُ، لمْ يَحْكُمْ بهِ، وإنْ كانَ في غيْرِ ذلكَ حكَمَ بهِ، وإذا لمْ يَعْرِفْ لِسانَ الخَصْمِ رَجَعَ فيهِ إلى عدْلٍ يَعْرِفُ، بِشَرْطِ أنْ يكونَ عدْلاً يَثْبُتُ بهِ ذلكَ الحَقُّ، وإذا حَكَمَ بِشَيْءٍ فوَجَدَ النَّصَّ أو الإجْماعَ أو القِياسَ الجَلِيَّ بِخِلافِهِ نقَضَهُ. ولا تَصِحُّ الدَّعْوى إلاّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، ولا تصِحُّ دعْوى المَجْهولِ إلاّ في مسائِلَ منْها: الوَصِيَّةُ.
فإنِ ادَّعى دَيْناً ذَكَرَ الجِنْسَ والقَدْرَ والصِّفَةَ، أو عَيْناً يُمْكِنُ تَعْيينُها عَيَّنَها، وإلاّ ذَكَرَ صِفَتَها، فإنْ أنْكَرَ المَدَّعى عليْهِ ما ادَّعاهُ صَحَّ الجَوابُ، وكذا إنْ قالَ لا يَسْتَحِقُّ عليَّ شيْئاً، فإنْ كانَ المُدَّعى بهِ عيْناً في يدِ أحَدِهِما فالقوْلُ قولُهُ بيمينِهِ، فإنْ كانَ في يَدِهِما حَلَفا وجُعِلَ بيْنهُما نِصْفَينِ، ومنْ لهُ حقٌّ على مُنْكِرٍ فلَهُ أنْ يَأخُذَهُ منْ مالِهِ بِغيْرِ إذنِهِ، فإنْ كانَ مُقِرّاً فلا.

.بابُ الشهادةِ:

تَحَمُّلُها وأَداؤُها فرْضُ كِفايةٍ، فإنْ لمْ يَكُنْ إلاّ هُوَ تَعَيَّنَ عليْهِ، ولا يَجوزُ أنْ يَأخُذَ أُجْرَةً حينئِذٍ، فإنْ لمْ يَتَعَيَّنْ فلهُ الأخْذُ.
ولا تُقْبَلُ إلاّ مِنْ حُرٍّ، مُكَلَّفٍ، ناطقٍ، مُسْتَيْقِظٍ، حسَنََ الدِّيانةِ، ظاهِرِ المُروءَةِ.
ولا تُقْبَلُ منْ مُغَفَّلٍ، ولا منْ صاحِبِ كبيرةٍ، ولا منْ مُدْمِنٍ على صغيرَةٍ، ولا ممَّنْ لا مُروءَةَ لهُ، ككَنَّاسٍ وقَيِّمِ حَمَّامٍ ونحْوِ ذلكَ.
وتُقْبَلُ شهادةُ الأعمى فيما تَحَمَّلَ قبْلَ العمى، ولا تُقْبَلُ فيما تحَمَّلَ بعْدَهُ إلاّ بالاستِفاضةِ، أو أنْ يُقالَ في أذُنِهِ شَيْءٌ فيُمْسِكُ القائِلَ ويَحْمِلُهُ إلى القاضي، ويَشْهَدُ بما قالَ هذا لهُ. ولا تُقبَلُ شَهادةُ الشَّخْصِ لِوَلَدِهِ ووالِدِهِ، ولا شَهادةُ منْ يَجُرُّ لِنَفْسِهِ نَفْعاً، ولا منْ يَدْفعُ عنْها ضَرَراً، ولا شَهادةُ العدُوِّ على عدُوِّهِ، ولا شهادةُ الشَّخْصِ على فِعْلِ نفسِهِ. فَيُقْبَلُ في المالِ وما يُقْصَدُ مِنْهُ المالُ -كالبيْعِ- رَجُلانِ، أوْ رجُلٌ وامْرَأتانِ، أوشاهِدٌ معَ يمينِ المُدَّعِي.
وما لا يُقْصَدُ منْهُ المالُ -كالنِّكاحِ والحُدودِ- لمْ يُقْبَلْ فيهِ إلاّ شاهِدانِ ذَكَرانِ. ولا يُقْبَلُ في الزِّنا واللِّواطِ وإتْيانِ البهيمةِ إلاّ أربعَةُ ذُكورٍ.
ويُقْبَلُ فيما لا يَطَّلِعُ عليْهِ الرِّجالُ كالوِلادةِ رَجُلانِ، أو رَجُلٌ وامْرَأتانِ، أو أرْبعُ نِسْوَةٍ.
واللهُ سُبحانَهُ وتعالى أعلمَ بالصَّوابِ.