فصل: كتاب الحج:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عمدة السالك وعدة الناسك



.كتاب الحج:

.[شروطُ الحجِ والعمرةِ]:

الحجُّ والعمرةُ فرضانِ، ولا يجبانِ في العُمُرُ إلا مرةً واحدةً إلا أنْ يُنذَرا.
وإنما يلزمانِ كلَّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ حرٍّ مستطيعٍ. فيصحُّ حجُّ العبدِ وغيرِ المستطيعِ، ولا يصحُّ منَ الكافرِ وغيرِ المميزِ استقلالاً، فإنْ أحرمَ الصبيُّ المميزُ بإذنِ الوليِّ، أوْ أحرمَ الوليُّ عن المجنونِ أو الطفلِ الذي لا يميزُ جازَ، ويكلفُهُ الوليُّ ما يقدرُ عليهِ، فيغسلُهُ ويجرِّدهُ عنِ المخيطِ ويلبسُهُ ثيابَ الإحرامِ، ويجنبهُ المحظورَ كالطيبِ ونحوهِ، ويحضرُهُ المشاهدَ ويفعلُ عنهُ ما لا يمكنُ منهُ كالإحرامِ وركعتي الطواف والرميِ.

.[الاستطاعة]:

والمستطيعُ اثنانِ: مستطيعٌ بنفسهِ، ومستطيعٌ بغيرهِ.
أما الأولُ مستطيعٌ بنفسهِ:
فهوَ أنْ يكونَ صحيحاً واجداً للزَّادِ والماءِ بثمنِ مثلهِ في المواضعِ التي جرتِ العادةُ بكونهِ فيها، وراحلةٍ تصلحُ لمثلهِ إنْ كانَ منْ مكةَ على مسافةِ القصْرِ وإنْ أطاقَ المشيَ، وكذا دونها إنْ لمْ يطقْهُ، ومحْمِلاً إنْ شقَّ عليهِ ركوبُ القَتَبِ، وشريكاً يعادلُهُ، يشترطُ ذلك كلهُ ذاهباً وراجعاً، وأنْ يكونَ ذلكَ فاضلاً عنْ نفقةِ عيالهِ وكسوتهمْ ذهاباً وإياباً، وعن مسكنٍ يناسبُهُ وخادمٍ يليقُ بهِ لمنصبٍ أو عجزٍ، وعنْ دينٍ ولوْ مؤجلاً، وأنْ يجدَ طريقاً آمناً يأمنُ فيها على نفسهِ ومالهِ منْ سبُعٍ وعدوٍّ ولوْ كانَ كافراً أوْ رصدِيّاً يريدُ مالاً وإنْ قلَّ، وإنْ لمْ يجدْ طريقاً إلا في البحرِ لزمهُ إنْ غلبتِ السلامةُ وإلا فلا.
والمرأةُ في كلِّ ذلكَ كالرجلِ، وتزيدُ بأنْ يكونَ معها منْ تأمنُ معهُ على نفسها منْ زوجٍ أوْ محرمٍ أوْ نسوةٍ ثقاتٍ وإنْ لمْ يكنْ معَ أحدٍ منهنَّ محرمٌ.
فمتى وُجدتْ هذه الشروطُ ولمْ يدركْ زمناً يمكنُهُ فيهِ الحجُّ على العادةِ لمْ يلزمهُ، وإنْ أدركَ ذلكَ لزمهُ.
ويُندبُ المبادرةُ بهِ، ولهُ التأخيرُ، لكنْ لوْ ماتَ بعدَ التمكنِ قبلَ فعلهِ ماتَ عاصياً، ووجبَ قضاؤهُ منْ تركتهِ.
وأما الثاني المستطيعُ بغيرهِ:
فهوَ منْ لا يقدرُ على الثبوتِ على الراحلةِ لزمانَةٍ أوْ كِبَرٍ ولهُ مالٌ أوْ منْ يطيعهُ ولوْ أجنبياً، فيلزمُهُ أنْ يستأجرَ بمالهِ أوْ يأذنَ للمطيعِ في الحجِّ عنهُ، ويجوزُ أنْ يحجَّ عنهُ تطوعاً أيضاً.
ولا يجوزُ لمنْ عليهِ فرضُ الإسلامِ أنْ يحجَّ عن غيرهِ ولا أنْ يتنفلَ ولا أنْ يحجَّ نذراً ولا قضاءً، فيحجُّ أولاً الفرضَ وبعدهُ القضاءَ إنْ كانَ عليهِ، وبعدهُ النذرَ إنْ كانَ، وبعدهُ النفلَ أو النيابةَ، فإنْ غيَّرَ هذا الترتيبَ فنوى التطوعَ أوِ النذرَ مثلاً وعليهِ فرضُ الإسلامِ لغَتْ نيتهُ ووقعَ عنْ حجَّةِ الإسلامِ، وقسْ عليهِ.

.[كيفيةُ الدخولِ في النسك]:

ويجوزُ الإحرامُ بالحجِّ: إفراداً وتمتُّعاً وقراناً وإطلاقاً، وأفضلُ ذلكَ الإفرادُ ثمَّ التمتعُ ثمَّ القِرانُ ثمَّ الإطلاقُ. أ- الإفرادُ: أنْ يحجَّ أولاً منْ ميقاتِ بلدهِ ثمَّ يخرج إلى الحلِّ فيُحرمَ بالعمرةِ.
ب- والتمتعُ: أنْ يعتمرَ أولاً منْ ميقاتِ بلدهِ في أشهرِ الحجِّ، ثمَّ يحُجَّ منْ عامهِ منْ مكةَ. ويندبُ أنْ يُحرمَ المتمتعُ - إنْ كانَ واجداً للهديِ- بالحجِّ ثامنَ ذي الحجةِ، وإلا فسادسَهُ في مكةَ منْ بابِ دارِهِ، فيأتي المسجدَ مُحرِماً كالمكيِّ.
ج- والقِرانُ: أنْ يُحرمَ بهما معاً منْ ميقاتِ بلدهِ ويقتصرَ على أفعالِ الحجِّ فقطْ، أوْ يُحرمَ بالعمرةِ أولاً ثمَّ قبلَ أنْ يشرعَ في طوافها يُدخلُ عليها الحجَّ في أشهرهِ. ويلزمُ المتمتعَ والقارنَ دمٌ.
ولا يجبُ على القارنِ إلا: أنْ لا يكونَ منْ حاضري المسجدِ الحرامِ، وهمْ أهلُ الحرمِ ومنْ كانَ منهُ على دونِ مسافةِ القصْرِ.
ولا يجبُ على المتمتعِ إلا: أنْ لا يعودَ لإحرامِ الحجِّ منَ الميقاتِ، وأنْ لا يكونَ منْ حاضري المسجدِ الحرامِ.
فإنْ فقدَ الدَّمَ هناكَ أوْ ثمنهُ أوْ وجدهُ يُباعُ بأكثرَ منْ ثمنِ مثلهِ صامَ ثلاثةَ أيامٍ في الحجِّ، ويُندبُ كونُها قبلَ يومِ عرفةَ، وسبعةٍ إذا رجعَ إلى أهلهِ، وتفوتُ الثلاثةُ بتأخيرها عنْ يومِ عرفةَ، ويجبُ قضاؤُها قبلَ السبعةِ ويفرِّقُ بينها وبين السبعةِ بما كانَ يفرِّقُ في الأداءِ وهوَ مُدَّةُ السيرِ وزيادةُ أربعِ أيامٍ.
د- والإطلاقُ: أنْ ينويَ الدخولَ في النسُكِ من غيرِ أنْ يعينَ حالةَ الإحرامِ أنَّهُ حجٌّ أوْ عمرةٌ أوْ قرانٌ، ثمَّ له بعدَ ذلكَ صرفُهُ كما شاء.

.[ميقاتُ الحجِّ والعمرةِ]:

ولا يجوزُ الإحرامُ بالحجِّ إلا في أشهرهِ وهيَ: شوالٌ وذو القَعْدَةِ وعشْرُ ليالٍ منْ ذي الحجَّةِ، فإنْ أحرَمَ بهِ في غيرها انعقدَ عمرةً، وينعقدُ الإحرامُ بالعمرةِ كلَّ وقتٍ إلا للحاجِّ المقيمِ للرميِ بمنى.

.فصل: ميقاتُ الحجِّ والعمرةِ:

1 - ذو الحليفةِ لأهلِ المدينةِ.
2 - والجُحْفةُ للشامِ ومصرَ والمغربِ.
3 - ويَلَمْلَمُ لتهامةِ اليمنِ.
4 - وقَرْنٌ لنجدِ اليمنِ ونجدِ الحجازِ.
5 - وذاتُ عِرْقٍ للعراقِ وخراسانَ، والأفضلُ العقيقُ.
ومنْ في مكةَ ولوْ ماراً، ميقاتُ حجِّهِ مكةَ وميقاتُ عمرتِهِ أدنى الحلِّ، والأفضلُ منهُ الجِعْرانةُ ثمَّ التنعيمُ ثمَّ الحُدَيْبيةُ.
ومنْ مسكنهُ أقربُ منَ الميقاتِ إلى مكةَ فميقاتُهُ موضعُهُ.
ومنْ سلكَ طريقاً لا ميقاتَ فيهِ أحرمَ إذا حاذى أقربَ المواقيتِ إليهِ.
ومنْ دارُهُ أبعدُ منَ الميقاتِ إلى مكةَ، فالأفضلُ أنْ لا يُحرمَ إلا منَ الميقاتِ وقيلَ منْ دارهِ.
ومنْ جاوزَ الميقاتَ وهوَ يريدُ النسُكَ وأحرمَ دونهُ لزمهُ دمٌ، فإنْ عادَ إليهِ مُحرماً قبلَ التلبُّسِ بنسكٍ سقطَ الدَّمُ.

.فصل [سننُ ما قبل الإحرامِ]:

إذا أرادَ أنْ يُحرمَ اغتسلَ -ولوْ حائضاً- بنيةِ غُسْلِ الإحرامِ، فإنْ قلَّ ماؤهُ توضأَ فقطْ، وإنْ فقدهُ بالكليةِ تيمَّمَ، ويتنظفُ بحلقِ العانةِ ونتف الإبطِ وقصِّ الشاربِ وإزالةِ الوسخِ بأنْ يغسلَ رأسهُ بسدرٍ ونحوهِ، ثمَّ يتجرَّدُ عن المخيطِ ويلبَسُ إزاراً ورداءً أبيضينِ نظيفينِ، ونعلينِ غيرَ محيطينِ، ويطيِّبُ بدنهُ ولا يطيب ثيابهُ، والمرأةُ في ذلكَ كالرجلِ إلا في نزعِ المخيطِ فإنها لا تنزعُهُ، وتخضِبُ كفيها كليهِما بالحناءِ وتلطخُ بها وجهها، هذا كلُّهُ قبلَ الإحرامِ، ثمَّ يصلي ركعتينِ في غيرِ وقتِ الكراهةِ ينوي بهما سنةَ الإحرامِ، ثمَّ ينهضُ ليشرعَ في السيرِ فإذا شرعَ فيهِ أحرمَ حينئذٍ.

.[أركانُ الحجِّ]:

.[1 - الركن الأول: النيةُ والإحرامُ]:

والإحرامُ هوَ نيةُ الدخولِ في النسُكِ فينوي بقلبهِ الدخولَ في الحجِّ لله تعالى إنْ كان يريدُ حجّاً، أو العمرةِ إنْ كانَ يريدها، أو الحجِّ والعمرةِ إنْ كانَ يريدُ القرانَ.
ويُندبُ أنْ يتلفظَ بذلكَ أيضاً بلسانهِ ثمَّ يلبي رافعاً صوتهُ والمرأةُ تخفضُهُ، فيقول: (لبيكَ اللهمَّ لبيكَ، لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيكَ، إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لكَ والملكَ، لا شريكَ لكَ). ثمَّ يصلي ويسلمُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلمَ بصوتٍ أخفضَ منْ ذلكَ، ويسألُ الله تعالى الجنةَ ويستعيذُ بهِ منَ النارِ، ويكثرُ التلبيةَ في دوامِ إحرامهِ قائماً وقاعداً، وراكباً وماشياً ومضطجعاً، وجُنُباً وحائضاً، ويتأكدُ استحبابُها عندَ تغيرِ الأحوالِ والأزمانِ والأماكنِ، كصُعودٍ وهبوطٍ، وركوبٍ ونزولٍ، واجتماعِ الرفاقٍ، وعندَ السَّحرِ وإقبالِ الليلِ والنهارِ، وأدبارِ الصلاةِ وفي سائرِ المساجدِ، ولا يلبي في طوافهِ وسعيهِ، ولا يقطعُ التلبيةَ بكلامٍ، فإنْ سلمَ عليهِ إنسانٌ ردَّ عليه، وإذا رأى شيئاً فأعجبهُ قالَ: لبيكَ إنَّ العيشَ عيشُ الآخرةِ.

.[محرماتُ الإحرامِ]:

وإذا أحرمَ حَرُمَ عليهِ خمسةُ أشياءٍ:
أحدها: لبسُ المخيطِ: القميصِ والسراويلِ والخفِّ والقباءِ وكلِّ مخيطٍ، وما استدارتُهُ كاستدارةِ المخيطِ بنسجٍ وتلبيدٍ ونحوِ ذلكَ.
ويحرمُ عليهِ أيضاً سترُ رأسهِ بمخيطٍ وغيرهِ مما يعدُّ في العادةِ ساتراً، فلا يضرُّهُ الاستظلالُ بالمحمِلِ، وحملُ عِدْلٍ وزنبيلٍ ونحوِ ذلكَ، وليسَ لهُ أنْ يزرَّ رداءهُ ولا أنْ يعقدَهُ ولا أنْ يخلَّهُ بخلالٍ، ولا أنْ يربطَ خيطاً في طرفهِ ثمَّ يربطهُ بالطرفِ الآخرِ، ولهُ عقدُ الإزارِ وشدُّ خيطٍ عليهِ.
الثاني: يحرمُ بعدَ الإحرامِ الطيبُ في الثوبِ والبدنِ والفراشِ كالمسكِ والكافورِ والزعفرانِ، وشمُّ الوردِ والبنفسجِ والنيلوفرِ وكلِّ مشمومِ طيبٍ، ويحرمُ رشُّ ماءِ الوردِ وماءِ الزهرِ، وكذلكَ الدُّهنُ المطيبُ يحرمُ شمُّهُ ودهْنُ جميعِ بدنهِ بهِ كدهنِ الوردِ والبنفسجِ وما أشبهَ ذلكَ، وإنْ كانَ غيرَ مطيبٍ كزيتٍ وشَيْرَجٍ ونحوهِ، حرمَ أنْ يدهنَ بهِ لحيتهُ ورأسهُ إلا أنْ يكونَ أصلعَ، ولا يحرمُ شمُّهُ ودهْنُ جميع بدنهِ.
ويحرُمُ عليهِ أكلُ طعامٍ فيهِ طيبٌ ظاهرٌ طعمُهُ أو لونهُ أوْ ريحُهُ، كرائحةِ ماءِ الوردِ ولونِ الزعفرانِ وطعمهِ، وطعمُ العنبرِ في الجوارشِ ونحوهِ.
ويحرمُ دواءُ العَرَقِ والكُحْلِ المطيبينِ.
الثالث: يحرمُ بعدَ الإحرامِ حلْقُ شعرهِ ونتفه، ولوْ بعضَ شعرةٍ تقصيراً منْ رأسهِ أوْ إبطهِ أوْ عانتهِ أوْ شاربهِ وسائرِ جسدهِ، وتقليمُ أظافرهِ ولوْ بعضَ ظفرٍ.
فإذا تطيبَ أوْ لبسَ أوْ حلقَ ثلاثَ شعراتٍ، أوْ قلَّمَ ثلاثةَ أظفارٍ، أوْ باشرَ فيما دونَ الفرجِ بشهوةٍ، أوْ دَهَنَ، لزمهُ شاةٌ، وهو مخيرٌ: بينَ ذبحها، وبينَ أنْ يُطعمَ ثلاثةَ آصعٍ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ، وبينَ صومِ ثلاثةِ أيامٍ، فإنْ علمَ أنهُ إنْ سرَّحَ لحيتهُ أوْ خللها انتتف شعرٌ حرُمَ ذلكَ، فلوْ خلَّلَ أوْ غسلَ وجههُ فرأى في كفهِ شَعْراً وعلمَ أنهُ هوَ الذي نتفهُ حين غسلَ وجههُ أوْ خلَّلَ لزمهُ الفديةُ، وإنْ علمَ أنهُ كانَ قدِ انتتفَ بنفسهِ أوْ لمْ يعلمْ هذا ولا ذاكَ فلا شيءَ عليهِ، وإنِ احتاجَ إلى حلْقِ الشعرِ لمرضٍ أوْ حرٍّ أوْ كثرةِ قملٍ، أو احتاجَ إلى لبسِ المخيطِ للحرِّ أو البردِ، أوْ إلى تغطيةِ الرأسِ فلهُ ذلكَ ويفدي.
الرابعُ: يحرمُ بعد الإحرامِ الجِماعُ في الفرجِ والمباشرةُ فيما دونَ الفرجِ بشهوةٍ كالقُبلةِ والمعانقةِ واللمسِ بشهوةٍ.
فإنْ جامعَ عمداً في العمرةِ قبلَ فراغها، أوْ في الحجِّ قبلَ التحللِ الأولِ، فسدَ نسكُهُ، ويجبُ عليهِ:
1 - إتمامهُ كما كانَ يتمُّهُ لوْ لمْ يفسدْهُ.
2 - والقضاءُ على الفورِ وإنْ كانَ الفاسدُ تطوعاً.
3 - والكفارةُ وهيَ بدنةٌ، فإنْ لمْ يجدْ فبقرةٌ، فإنْ لمْ يجدْ فسبعُ شياهٍ، فإنْ لم يجدْ قوَّمَ البدنةَ دراهمَ والدراهمُ طعاماً ويتصدَّقُ بهِ، فإنْ لمْ يجدْ صامَ عنْ كلِّ مدِّ يوماً.
4 - ويجبُ أنْ يُحرمَ بالقضاءِ منْ حيثُ أحرمَ بالأداءِ، فإنْ كانَ أحرمَ بهِ منْ دونِ الميقاتِ أحرمَ بالقضاءِ منَ الميقاتِ.
ويُندبُ أنْ يفارقَ الموطوءةَ في المكانِ الذي وطئَها فيهِ إنْ قضى وهيَ معهُ.
وإنْ جامعَ بعدَ التحللِ الأولِ لمْ يفسدْ وعليهِ شاةٌ.
وإنْ جامعَ ناسياً فلا شيءَ عليهِ.
ويحرُمُ عليهِ أنْ يتزوجَ أوْ يزوِّجَ فإنْ فعلَ فالعقْدُ باطلٌ، ويكرهُ لهُ أنْ يخطبَ امرأةً وأنْ يشهدَ على نكاحٍ.
الخامس: من محرماتِ الإحرامِ: يحرُمُ أنْ يصطادَ كلَّ صيدٍ بريٍّ مأكولٍ، أوْ ما تولدُ منْ مأكولٍ وغيرِ مأكولٍ، فإنْ ماتَ في يدهِ أوْ أتلفهُ أوْ أتلفَ جزءاً لزمهُ الجزاءُ، فإنْ كانَ لهُ مثلٌ منَ النَّعمِ وجبَ مثلُهُ من النعمِ، يخيرُ بينهُ وبينَ طعامٍ بقيمتهِ وبينَ صومٍ لكلِّ مدٍّ يومٌ، وإنْ لمْ يكنْ لهُ مثلٌ وجبت القيمةُ، إلا في الحَمَامِ وما عبَّ وهَدَرَ فشاةٌ، ثمَّ إنْ شاءَ يُخرجُ بالقيمةِ طعاماً أوْ يصومُ لكلِّ مدٍّ يوماً.
ويحرمُ ذلكَ كلُّهُ على الرجلِ والمرأةِ، إلا فعلَ التجردِ منَ المخيطِ وكشفِ الرأسِ فيختصُّ وجوبُهُ بالرجلِ، لكن يلزمُ المرأة كشف وجهها، فإنْ أرادتِ السترَ عن الناس، سدلتْ عليهِ شيئاً بشرط أنْ لا يمسَ وجهها، فإنْ مسَّهُ منْ غيرِ اختيارها لمْ يضرّ، وللمحرمِ حكُّ رأسهِ وجسدهِ بأظفارهِ بحيثُ لا يقطعُ شعراً، ولهُ قتلُ القمْلِ، لكنْ يكرهُ أنْ يفلِّيَ المحرمُ رأسهُ، فإنْ قتلَ منها قملةً ندبَ أنْ يتصدَّقَ ولوْ بلقمةٍ.

.فصل [سننُ دخولِ مكة]:

إذا أرادَ دخولَ مكةَ اغتسلَ خارجَ مكةَ بنيةِ دخولِ مكةَ، ويدخلُ بالنهارِ منْ بابِ المعلّى من ثنيةِ كَدَاءَ، ماشياً حافياً إنْ لمْ يخفْ نجاسةً.
ولا يؤذي أحداً بمزاحمةٍ، وليمضِ نحوَ المسجدِ الحرامِ، فإذا وقعَ بصرُهُ على البيتِ رفعَ يديهِ حينئذٍ وهوَ يراهُ منْ خارجِ المسجدِ منْ موضعٍ يقالُ لهُ: رأسُ الرَّدْمِ، فهناكَ يقفُ ويرفعُ يديهِ ويقولُ: "اللهمَّ زدْ هذا البيتَ تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابةً، وزدْ منْ شرّفهُ وعظَّمهُ ممَّنْ حجّهُ واعتمرهُ تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبرّاً، اللهمَّ أنتَ السلامُ ومنكَ السلامُ فحيِّنا ربنا بالسلامِ". ويدعو بما أحبَّ منْ أمرِ الدينِ والدنيا، ثمَّ يدخلُ المسجدَ منْ بابِ شَيْبةَ قبلَ أنْ يشتغلَ بحطِّ رحلهِ وكراءِ منزلٍ وغير ذلكَ، بلْ يقفُ بعضُ الرفقةِ عندَ المتاعِ وبعضُهمْ يأتي المسجدَ بالنَّوبة، ويقصدُ الحجرَ الأسودَ ويدنو منهُ بشرط أنْ لا يؤذي أحداً بمزاحمةٍ فيستقبلُهُ، ثمَّ يقبلُهُ بلا صوتٍ ويسجدُ عليهِ، ويكررُ التقبيلَ والسجودَ عليهِ ثلاثاً، ومنْ هنا يقطعُ التلبيةَ، ولا يلبي في طوافٍ ولا سعيٍ حتى يفرُغَ منهما.

.[كيفيةُ الطوافِ]:

ثمَّ يضطبعُ فيجعلُ وسطَ ردائهِ تحتَ عاتقِهِ الأيمنِ ويطرحُ طرفيهِ على عاتقِهِ الأيسرِ ويتركُ منكبَهُ الأيمَنَ مكشوفاً، ثمَّ يَشْرَعُ في الطوافِ فيقفُ مستقبلَ البيتِ، ويكونُ الحجرُ الأسودُ منْ جهةِ يمينهِ والركنُ اليمانيُّ منْ جهةِ شمالهِ، ويتأخرُ عنِ الحجرِ قليلاً إلى جهةِ الركنِ اليمانيِّ فينوي الطّوافَ للهِ تعالى، ثمَّ يستلمُ الحَجَرَ بيدهِ ثمَّ يُقَبّلهُ ويسجدُ عليهِ ثلاثاً كما تقدمَ، ويكبِّرُ ثلاثاً ويقولُ: اللهمَّ إيماناً بكَ وتصديقاً بكتابكَ ووفاءً بعهدكَ واتباعاً لسنةِ نبيكَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
ثمَّ يمشي إلى جهةِ يمينهِ، ماراً على جميعِ الحَجَرِ الأسودِ بجميعِ بدنهِ وهوَ مستقبلُهُ، فإذا جاوزهُ انفتلَ وجعلَ البيتَ عنْ يسارهِ، ويطوفُ ويقولُ عندَ البابِ: اللهمَّ إنَّ هذا البيتَ بيتكَ والحرم حرمكَ والأمن أمنكَ وهذا مقامُ العائذِ بكَ منَ النارِ.
فإذا وصلَ إلى الركنِ الذي عندَ فتحةِ الحِجْرِ قالَ: اللهمَّ إني أعوذُ بكَ منَ الشكِّ والشركِ والشقاقِ والنفاقِ وسوءِ الأخلاقِ وسوءِ المنقلبِ في المالِ والأهلِ والولدِ. ويقولُ قُبالةَ الميزابِ: اللهمَّ أظلَّني في ظلِّكَ يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّكَ، واسقني بكأسِ نبيكَ محمدٍ صلى الله عليه وسلمَ مَشْرَباً هنيئاً لا أظمأُ بعدَهُ أبداً.
ويقولُ بينَ الركنِ الثالثِ واليمانيِّ: اللهمَّ اجعلهُ حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وعمَلاً مقبولاً وتجارةً لنْ تبورَ يا عزيزُ يا غفورُ.
فإذا بلغ الركنَ اليمانيَّ لمْ يُقبّلْهُ بلْ يستلمُهُ ويُقّبِّلُ يدَهُ بعدَ ذلكَ، ولا يُقبّلُ شيئاً من البيتِ إلا الحجرَ الأسودَ، ولا يستلمُ شيئاً إلا اليمانيَّ، وهوَ الذي قبْلَ الحجرِ الأسودِ، ثمَّ إذا وصلَ إلى الحجرِ الأسودِ فقدْ كمُلتْ لهُ طوفةٌ، يفعلُ ذلكَ سبعاً.
ويُسنُّ في الثلاثةِ الأوَلِ منها الإسراعُ، ويُسمى: الرَّمَلَ، وإنما يُشْرعُ هوَ والاضطباعُ في طوافٍ يعقبُهُ سعيٌ، فإنْ رامَ السعيَ عقبَ طوافِ القدومِ فعلهما، وإنْ رامهُ عقبَ طوافِ الإفاضةِ أخَّرهُما إليهِ.
ويقولُ في رمَلهِ: اللهمَّ اجعلهُ حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً.
وأنْ يمشيَ على مهلهِ في الأربعةِ الأخيرةِ ويقولُ فيها: ربِّ اغفرْ وارحمْ واعفُ عما تعلمُ إنكَ أنتَ الأعزُّ الأكرمُ، (رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةَ) الآية، وهوَ في الأوتارِ آكدُ، ويقبِّلُ الحجرَ الأسودَ في كلِّ طوفةٍ، وكذا يستلمُ اليمانيَّ، وفي الأوتارِ آكدُ، فإنْ عجزَ عنْ تقبيلهِ لزحمةٍ أوْ خافَ أنْ يؤذيَ الناسَ استلمهُ بيدهِ وقبلها، فإنْ عجزَ استلمهُ بعصا وقبّلها، فإنْ عجزَ أشارَ إليهِ بيدهِ.
وهنا دقيقةٌ وهوَ أنَّ بجدارِ البيتِ شاذروانَ كالصُّفَّةِ والزَّلاقةِ وهوَ منَ البيتِ، فعندَ تقبيلِ الحجرِ يكونُ الرأسُ في هواءِ الشاذروانِ فيجبُ أنْ يثبتَ قدميهِ إلى فراغهِ منَ التقبيلِ ويعتدلَ قائماً، ثمَّ بعدَ ذلكَ يمرُّ، فإنْ انتقلتْ قدماهُ إلى جهةِ البابِ وهوَ مطامنٌ في التقبيلِ، ولوْ قدرَ أُصبعٍ، ومضى كما هوَ لمْ تصحَّ تلكَ الطوفةُ، فالاحتياطُ إذا اعتدلَ منَ التقبيلِ أنْ يرجعَ إلى جهةِ يسارهِ -وهيَ جهةُ الركنِ اليمانيِّ- قدراً يتحققُ بهِ أنهُ كما كانَ قبلَ التقبيلِ.

.واجباتُ الطوافِ:

1 - سترُ العورةِ، فمتى ظهرَ شيءٌ منها ولوْ شعرةً منْ شعرِ رأسِ المرأةِ لمْ تصحّ.
2 - وطهارةُ الحدثِ والنجسِ في البدنِ والثوبِ وموضعِ الطوافِ.
3 - وأنْ يطوفَ داخلَ المسجدِ الحرامِ.
4 - وأنْ يستكملَ سبْعَ طوفاتٍ.
5 - وأنْ يبتدئ طوافهُ منَ الحجرِ الأسودِ كما تقدّمَ، وأنْ يمرَّ عليهِ بكلِّ بدنهِ، فإنْ بدأَ منْ غيرهِ لمْ يعتدَّ بذلكَ إلى أنْ يصلَ إليهِ، فمنهُ ابتداءُ طوافهِ.
6 - وأنْ يجعلَ البيتَ على يسارهِ ويمرَّ إلى جهةِ البابِ.
7 - وأنْ يطوفَ خارجَ الحِجْرِ، ولا يدخلَ منْ إحدى فتحتيهِ ويخرُجُ منَ الأخرى. 8 - وأنْ يكونَ كلُّهُ خارجاً عنْ كلِّ البيتِ، فإذا طافَ لا يجعلُ يدهُ في هواءِ الشاذَرْوانِ، فيكونُ ما خرجَ بكلِّهِ عنْ كلِّ البيتِ.
وما سوى ذلكَ سننٌ، كالرَّمَلِ والدعاءِ وغيرهما مما تقدَّمَ.
ثمَ إذا فرغَ من الطوافِ صلى ركعتينِ سنةَ الطوافِ خلفَ المَقامِ، ويزيلُ هيئةَ الاضطباعِ فيهما، ويقرأُ في الأولى، بعدَ الفاتحةِ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثانيةِ: (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، ثمَّ يدعو خلفَ المَقامِ، ثمَّ يرجعُ فيستلمُ الحجرَ الأسودَ، ثمَّ يخرجُ منْ بابِ الصفا إنْ أرادَ أنْ يسعى الآنَ، ولهُ تأخيرُهُ إلى بعدِ طوافِ الإفاضةِ.

.[2 - الركنُ الثاني من أركانِ الحجِّ: السعي]:

يبدأُ منْ أرادَ السعيَ بالصَّفا فيرقى عليها الرجُلُ قدرَ قامةٍ حتى يرى البيتَ منْ بابِ المسجدِ، فيستقبلُ القِبلةَ ويهللُ ويكبرُ ويقول: لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ يحيي ويميتُ بيدهِ الخيرُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، أنجزَ وعدهُ، ونصرَ عبدهُ، وهزمَ الأحزابَ وحدهُ، لا إلهَ إلا اللهُ، ولا نعبدُ إلا إياهُ مخلصينَ لهُ الدينَ ولوْ كرهَ الكافرونَ، ثمَّ يدعو بما أحبَّ، ثمَّ يعيدُ هذا الذكرَ كلَّهُ والدعاءَ ثانياً وثالثاً.
ثمَّ ينزلُ من الصفا فيمشي على هِينَتهِ حتى يبقى بينَهُ وبينَ الميلِ الأخضرِ -المعلَّقِ بركنِ المسجدِ على يسارهِ- قدرَ ستةِ أذرعٍ، فحينئذٍ يسعى سعياً شديداً حتى يتوسطَ بينَ الميلينِ الأخضرينِ اللذينِ أحدهما في ركنِ المسجدِ والآخرُ متصلٌ بدارِ العباسِ، فحينئذٍ يتركُ السعيَ الشديدَ ويمشي على هِينَتهِ حتى يأتيَ المروةَ فيصعدَ عليها، ويأتي بالذكرِ الذي قيلَ على الصفا والدعاءِ، فهذهِ مرةٌ.
ثمَّ ينزلُ فيمشي في موضعِ مشيهِ ويسعى في موضعِ سعيهِ إلى الصفا فهذه مرتانِ، فيعيدُ الذكرَ والدعاءَ، ثمَّ يذهبُ إلى المروةِ، فهذهِ ثلاثةٌ، يفعلُ ذلكَ حتى تكمُلَ سبعاً يختمُ بالمروةِ.

.[واجباتُ السعيِ]:

وواجباتُ السعيِ أربعةٌ:
أحدها: أنْ يبدأَ السعيَ بالصفا، فلو بدأ بالمروةِ إلى الصفا لمْ تُحتسبْ هذهِ المرةُ، وحينئذٍ ابتدأ السعيَ.
ثانيها: قطعُ جميعِ المسافةِ، فلوْ تركَ شبراً أوْ أقلَّ منهُ لمْ يصحَّ، فيجبُ أنْ يلصقَ عقبَهُ بحائطِ الصفا، فإذا انتهى إلى المروةِ ألصقَ رؤوسَ الأصابعِ بحائطِ المروةِ، ثمَّ إذا ابتدأَ الثانيةَ ألصقَ عقبهُ بحائطِ المروةِ ورؤوسَ أصابعهِ بحائطِ الصفا، وهكذا أبداً يُلصقُ عقبَهُ بما يذهبُ منهُ ورؤوسَ أصابعهِ بما يذهبُ إليهِ.
ثالثها: استكمالُ سبعِ مراتٍ، يحسبُ ذهابهُ منَ الصفا إلى المروةِ مرةً، ومنَ المروةِ إلى الصفا مرةً، وهكذا كما تقدمَ، فلوْ شكَّ فيهِ أوْ في أعدادِ الطوفاتِ أخذَ بالأقلِّ وكمَّلَ.
رابعها: أنْ يسعى بعدَ طوافِ الإفاضةِ أو القدومِ بشرطِ أنْ لا يفصلَ بينهما الوقوفُ بعرفة.

.[سننُ السعي]:

وسننُهُ ما تقدَّمَ، وأنْ يكونَ على طهارةٍ وسِتارةٍ، وأنْ يقولَ بينهما: ربِّ اغفرْ وارحمْ وتجاوزْ عما تعلمْ إنكَ أنتَ الأعزُّ الأكرمُ.
اللهمَّ ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذابَ النّار. ولوْ قرأ القرآنَ فهوَ أفضلُ، ولا يُندبُ تكرارُ السعي.

.[الخروجُ إلى مِنى]:

فإذا كانَ سابعُ ذي الحجّةِ نُدبَ للإمامِ أنْ يخطبَ خُطبةً واحدةً بعدَ صلاةِ الظهرِ بمكةَ يعلمهُم فيها ما بين أيديهمْ منَ المناسكِ ويأمرُهم بالخروجِ إلى منى منَ الغدِ.
يخرجُ الإمامُ يومَ الثامنِ بعد صلاةِ الصبحِ إلى منى، فيصلي الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعِشاءَ بمنى ويبيتُ بها ويصلي الصبحَ، فإذا طلعت الشمسُ على جبلٍ بمنى يسمى ثبيراً سارَ إلى الموقفِ، وهذا المبيتُ بمنى والإقامةُ بها إلى هذا الوقتِ سنةٌ قدْ تركها كثيرٌ منَ الناسِ، فإنهم يأتون الموقفَ سَحَراً بالشَّمعِ الموقدِ، وهذا الإيقادُ بدعةٌ قبيحةٌ، ويقولُ في مسيرهِ: اللهمَّ إليكَ توجّهتُ، ولوجهكَ الكريمِ أردتُ، فاجعلْ ذنبي مغفوراً، وحجِّي مبروراً، وارحمني ولا تخيبني. ويُكثرُ التلبيةَ والذكرَ والدعاءَ والصلاةَ على النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
فإذا وصلوا إلى موضعٍ يسمى نَمِرَةً قبلَ دخولِ عرفةَ نزلوا هناكَ، ولا يدخلونَ حينئذٍ عرفةَ فإذا زالتِ الشمسُ فالسنةُ أنْ يخطبَ الإمامُ خطبتينِ قبلَ الصلاةِ ثمَّ يصلي الظهرَ والعصرَ جَمْعاً وهي سنةٌ قلَّ منْ يفعلُها أيضاً.

.[3 - الثالث من الأركان: الوقوفُ بعرفة]:

ثمَّ يدخلونَ عرفةَ بعدَ أن يغتسلوا للوقوفِ ملبينَ خاضعينَ، ويُندبُ أنْ يَقِفَ بارزاً للشمسِ مستقبلَ القِبْلةِ حاضرَ القلبِ فارغاً منَ الدنيا، ويُكثرُ التلبيةَ والصلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلمَ والاستغفارَ والدعاءَ والبكاءَ، فثمَّ تُسكبُ العبراتُ وتقالُ العثراتُ وليكنْ أكثرَ قولهِ: لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وليدعُ لأهلهِ وأصحابهِ ولسائرِ المسلمينَ.
ويندبُ أنْ يقفَ عندَ الصَخَراتِ الكبارِ المفروشةِ أسفلَ جبلِ الرحمةِ، وأما الصعودُ إلى جبلِ الرحمةِ الذي في وسطِ عرفةَ فليسَ في طلوعهِ فضيلةٌ زائدةٌ، فالوقوفُ صحيحٌ في جميعِ تلكَ الأرضِ المتسعةِ وذلكَ الجبلُ جزءٌ منها هو وغيرُهُ سواءٌ، والوقوف عند الصخرات أفضل، والأفضلُ للمرأةِ الجلوسُ في حاشيةِ الناس.
وواجباتُ الوقوفِ:
حضورُ جزءٍ منْ عرفاتٍ عاقلاً، ووقتُهُ: من الزوالِ إلى طلوعِ الفجرِ الثاني منْ يومِ النحرِ. فمنْ حضَرَ بعرفةَ في شيءٍ منْ هذا الوقت وهوَ عاقلٌ ولوْ ماراً في لحظةٍ فقدْ أدركَ الحجَّ، ومنْ فاتهُ ذلكَ أوْ وقفَ مغمىً عليهِ فقدْ فاتهُ الحجُّ، فيتحللُ بفعلِ عمرةٍ: فيطوفُ ويسعى ويحلِقُ وقدْ حلَّ منْ إحرامهِ، ويجبُ عليهِ القضاءُ ودمٌ للفواتِ مثلُ دمِ التمتعِ.

.[الإفاضةُ إلى المزدلفةِ]:

فإذا غربت الشمسُ أفاضوا إلى مزدلفةَ ذاكرينَ ملبينَ بسكينةٍ ووقارٍ، بغيرِ مزاحمةٍ وإيذاءٍ وضربِ دوابٍ، فمنْ وجدَ فُرجةً أسرعَ، ويؤخِّرونَ المغربَ، وليجمعوها بمزدلفةَ معَ العِشاءِ فإذا وصلوها نزلوا وصلُّوا وباتوا بها، وصلّوا الصبحَ أولَ الوقتِ، ويأخذونَ منها حصى الجمارِ سبعَ حَصَياتٍ لقطاً لا تكسيراً، والأفضلُ بقدْرِ الباقلا، ويقفونَ بعدَ الصلاةِ على المشعرِ الحرامِ، وهوَ جبلٌ صغيرٌ في آخرِ المزدلفةِ، ويندبُ صعودهُ إنْ أمكنَ، وهنالكَ بناءٌ محدثٌ يقولُ العوامُّ إنهُ المشعرُ الحرامُ وليس كذلكَ، ويكثرونَ التلبيةَ والدعاء والذكرَ مستقبلينَ القِبلةَ، ويقولونَ: اللهمَّ كما أوقفتنا فيهِ وأريتنا إياهُ فوفقْنا لذكركَ كما هديتنا، واغفرْ لنا وارحمْنا كما وعدتنا بقولِكَ -وقولكَ الحقُّ-: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُم مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْضَالِّينَ، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).