فصل: أنواع الربا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ:

(وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِيمَا بِيعَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ: بِذَلِكَ) أَيْ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدِّ أَوْ الذَّرْعِ لِمَا رَوَى عُثْمَانُ مَرْفُوعًا «إذَا بِعْتَ فَكِلْ، وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فَلَا يُشْتَرَطُ نَقْلُهُ (بِشَرْطِ حُضُورِ مُسْتَحِقٍّ أَوْ نَائِبِهِ) كَكَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ عَدِّهِ أَوْ ذَرْعِهِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (فَإِذَا ادَّعَى) الْقَابِضُ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ أَنْ كَالَهُ، أَوْ وَزَنَهُ أَوْ عَدَّهُ أَوْ ذَرَعَهُ بِحُضُورِهِ أَوْ حُضُورِ نَائِبِهِ (نُقْصَانَ مَا اكْتَالَهُ أَوْ اتَّزَنَهُ وَنَحْوَهُ) كَاَلَّذِي عَدَّهُ أَوْ ذَرَعَهُ لَمْ يُقْبَلْ (أَوْ) ادَّعَى الْقَابِضُ (أَنَّهُمَا غَلِطَا فِيهِ) أَيْ فِي الْكَيْلِ وَنَحْوِهِ (أَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ زِيَادَةً) فِي الْمَقْبُوضِ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا) أَيْ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي الْأُولَى، وَلَا قَوْلُ الْبَائِعِ فِي الْأَخِيرَةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ (وَيَأْتِي ذَلِكَ آخِرَ السَّلَمِ) مَعَ زِيَادَةٍ.
(وَتُكْرَهُ زَلْزَلَةُ الْكَيْلِ) عِنْدَ الْقَبْضِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ الْوَاجِبِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي كَيْفِيَّةِ الِاكْتِيَالِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَلَمْ تُعْهَدْ فِيهَا ا هـ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ عُهِدَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَعَلَيْهِ لَا تُكْرَهُ فِيهَا كَالْكِشْكِ.
(وَلَوْ اشْتَرَى جَوْزًا عَدَدًا مَعْلُومًا فَعَدَّ فِي وِعَاءٍ أَلْفَ جَوْزَةٍ فَكَانَتْ مِلْئَهُ، ثُمَّ اكْتَالَ) بَاقِيَ (الْجَوْزِ بِذَلِكَ الْوِعَاءِ بِالْحِسَابِ فَلَيْسَ بِقَبْضٍ) لِلْبَاقِي لِعَدَمِ عَدِّهِ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي كِتَابِ الْبَيْعِ).
(وَيَصِحُّ قَبْضُ وَكِيلٍ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ) فَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَدَفَعَ لِرَبِّهِ شَيْئًا، وَقَالَ بِعْهُ وَاسْتَوْفِ حَقَّكَ مِنْ ثَمَنِهِ فَفَعَلَ جَازَ (إلَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَالِهِ) بِأَنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ نَفْسِهِ عِوَضَ دَيْنِهِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَمْ يُوَكَّلْ فِيهَا وَيَأْتِي.
(وَيَصِحُّ اسْتِنَابَةُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْقَبْضِ) لِنَفْسِهِ فَلَوْ اشْتَرَيَا قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ فَدَفَعَ رَبُّهَا الْمَكِيلَ لِلْمُشْتَرِي، وَأَذِنَهُ أَنْ يَكْتَالَهُ فَفَعَلَ، جَازَ لِقِيَامِ الْوَكِيلِ قِيَامَ مُوَكِّلِهِ.
(وَوِعَاؤُهُ كَيْلُهُ) فَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مَكِيلًا بِعَيْنِهِ، وَدَفَعَ إلَيْهِ الْوِعَاءَ وَقَالَ: كِلْهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَقْبُوضًا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَفِيهِ نَظَرٌ (وَلَوْ قَالَ) الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي (اكْتَلْ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ) قَدْرَ حَقِّكَ (فَفَعَلَ) الْمُشْتَرِي، بِأَنْ اكْتَالَ مِنْهَا قَدْرَ حَقِّهِ (صَحَّ) الْقَبْضُ لِصِحَّةِ اسْتِنَابَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِلْمُسْتَحَقِّ كَمَا تَقَدَّمَ (وَيَأْتِي لِذَلِكَ تَتِمَّةٌ آخِرَ السَّلَمِ) مُفَصَّلَةٌ.
(وَلَوْ أَذِنَ لِغَرِيمِهِ فِي الصَّدَقَةِ عَنْهُ بِدَيْنِهِ، أَوْ) فِي (صَرْفِهِ، أَوْ) فِي (الْمُضَارَبَةِ بِهِ) أَوْ شِرَاءِ سِلْعَةٍ (لَمْ يَصِحَّ) الْإِذْنُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ.
(وَلَمْ يَبْرَأْ) الْغَرِيمُ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ صَرَفَهُ أَوْ ضَارَبَ بِهِ وَنَحْوُهُ لِعَدَمِ أَدَائِهِ لِرَبِّهِ وَيَأْتِي فِي آخِرِ السَّلَمِ تَتِمَّةٌ.
(وَمُؤْنَةُ تَوْفِيَةِ الْمَبِيعِ)، وَالثَّمَنُ وَنَحْوُهُمَا (مِنْ أُجْرَةِ كَيْلٍ وَ) أُجْرَةِ (وَزْنٍ، وَ) أُجْرَةِ (عَدٍّ وَذَرْعٍ، وَ) أُجْرَةِ (نَقْدٍ عَلَى بَاذِلِهِ) أَيْ بَاذِلِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ (مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ) وَنَحْوِهِمَا، لِأَنَّ تَوْفِيَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ ذَلِكَ (كَمَا أَنَّ عَلَى بَائِعِ الثَّمَرَةِ) حَيْثُ يَصِحُّ بَيْعُهَا (سَقْيُهَا) لِأَنَّ تَسْلِيمَهَا إنَّمَا يَتِمُّ بِهِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (وَالْمُرَادُ بِالنِّقَادِ) الَّذِي تَجِبُ أُجْرَتُهُ عَلَى الْبَاذِلِ نِقَادُ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ (قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ) وَنَحْوِهِ (لَهُ لِأَنَّ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي (تَسْلِيمَ الثَّمَنِ صَحِيحًا) وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ (أَمَّا) أُجْرَةُ النَّقْدِ (بَعْدَ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ (فَ) هِيَ (عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِقَبْضِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ مَعِيبٌ لِيَرُدَّهُ) وَلَا غَرَضَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ.
(وَأُجْرَةُ نَقْلِهِ) أَيْ الْمَبِيعِ (عَلَى مُشْتَرٍ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ تَمَّ وَكَذَا غَيْرُ الْمَبِيعِ أُجْرَةُ نَقْلِهِ عَلَى قَابِضِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ (وَمَا كَانَ مِنْ الْعِوَضَيْنِ) أَيْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ (مُتَمَيِّزًا لَا يَحْتَاجُ إلَى كَيْلٍ وَوَزْنٍ وَنَحْوِهِمَا) كَعَدٍّ وَذَرْعٍ، كَهَذَا الْعَبْدِ، أَوْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ (فَعَلَى الْمُشْتَرِي مُؤْنَتُهُ) لِأَنَّهُ كَمَقْبُوضٍ كَمَا تَقَدَّمَ (وَيَتَمَيَّزُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُثَمَّنِ بِدُخُولِ بَاءِ الْبَدَلِيَّةِ) فَإِذَا بَاعَهُ عَبْدًا بِثَوْبٍ فَالثَّمَنُ الثَّوْبُ (وَلَوْ كَانَ الْمُثَمَّنُ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ) بِأَنْ بَاعَهُ دِينَارًا بِثَوْبٍ فَالثَّمَنُ الثَّوْبُ أَيْضًا.
(وَلَوْ غَصَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ) غَيْرَ الْمُعَيَّنِ (أَوْ أَخَذَهُ بِلَا إذْنِ) الْمُشْتَرِي (لَمْ يَكُنْ قَبْضًا) لِأَنَّهُ غَصْبٌ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ (إلَّا مَعَ الْمُقَاصَّةِ) بِأَنْ أَتْلَفَهُ، أَوْ تَلِفَ بِيَدِهِ، وَكَانَ مُوَافِقًا لِمَا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي نَوْعًا وَقَدْرًا فَيَتَسَاقَطَانِ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى نِقَادِ حَاذِقٍ أَمِينٍ فِي خَطَئِهِ) مُتَبَرِّعًا كَانَ أَوْ بِأُجْرَةٍ إذَا لَمْ يُقَصِّرْ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاذِقًا أَوْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لِتَغْرِيرِهِ.
(وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِي صُبْرَةٍ) بِنَقْلِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جِزَافًا، فَنَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَ) يَحْصُلُ الْقَبْضُ (فِيمَا يُنْقَلُ) كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ (بِنَقْلِهِ) كَالصُّبْرَةِ قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ، فَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا فَقَبْضُهُ تَمْشِيَتُهُ مِنْ مَكَانِهِ.
(وَ) يَحْصُلُ الْقَبْضُ (فِيمَا يُتَنَاوَلُ وَ) كَالْأَثْمَانِ وَالْجَوَاهِرِ (بِتَنَاوُلِهِ) إذْ الْعُرْفُ فِيهِ ذَلِكَ.
(وَ) يَحْصُلُ الْقَبْضُ (فِيمَا عَدَا ذَلِكَ) الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ مِنْ عَقَارٍ وَهُوَ الضَّيْعَةُ وَالْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ (وَنَحْوُهُ) كَالثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ بِتَخْلِيَتِهِ مَعَ عَدَمِ مَانِعٍ أَيْ حَائِلٍ بِأَنْ يَفْتَحَ لَهُ بَابَ الدَّارِ أَوْ يُسَلِّمَهُ مِفْتَاحَهَا وَنَحْوَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَتَاعٌ لِلْبَائِعِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيَأْتِي عَمَلًا بِالْعُرْفِ.
(لَكِنْ يُعْتَبَرُ) فِي جَوَازِ (قَبْضِ مُشَاعٍ يُنْقَلُ) كَنِصْفِ فَرَسٍ أَوْ بَعِيرٍ (إذْنُ شَرِيكِهِ) فِي قَبْضِهِ لِأَنَّ قَبْضَهُ نَقْلُهُ وَنَقْلُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِنَقْلِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنٍ حَرَامٌ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ قَبْضَ مُشَاعٍ لَا يُنْقَلُ، كَنِصْفِ عَقَارٍ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ إذْنُ شَرِيكٍ لِأَنَّ قَبْضَهُ تَخْلِيَتُهُ وَلَيْسَ فِيهَا تَصَرُّفٌ (فَيُسَلِّمُ) الْبَائِعُ (الْكُلَّ) الْمَبِيعَ بَعْضُهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُشْتَرِي (وَيَكُونُ سَهْمُهُ) أَيْ الشَّرِيكِ (فِي يَدِ الْقَابِضِ أَمَانَةً) ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَفِي الْفُنُونِ: بَلْ عَارِيَّةً (وَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ) مُفَصَّلًا مُحَرَّرًا.
(فَإِنْ أَبَى الشَّرِيكُ الْإِذْنَ) لِلْبَائِعِ فِي تَسْلِيمِ الْكُلِّ لِلْمُشْتَرِي (قِيلَ لِلْمُشْتَرِي: وَكِّلْ الشَّرِيكَ فِي الْقَبْضِ) لِيَصِلَ إلَى مَقْصُودِهِ مِنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ (فَإِنْ أَبَى) أَنْ يُوَكِّلَ أَوْ أَبَى الشَّرِيكُ أَنْ يَتَوَكَّلَ (نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَقْبِضُ) الْكُلَّ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا أَمَانَةً أَوْ بِأُجْرَةٍ وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا (وَلَوْ سَلَّمَهُ) بَائِعٌ (بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ) (فَالْبَائِعُ غَاصِبٌ) لِحِصَّةِ شَرِيكِهِ لِتَعَدِّيهِ بِتَسْلِيمِهَا بِلَا إذْنِهِ (فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْبَائِعَ شَرِيكًا لَمْ يَأْذَنْ فِي تَسْلِيمِ حِصَّتِهِ وَتَلِفَتْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ (فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ) لِحُصُولِ التَّلَفِ بِيَدِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ (فَ) قَرَارُ الضَّمَانِ (عَلَى الْبَائِعِ) لِتَغْرِيرِهِ لِلْمُشْتَرِي.
(وَكَذَا إنْ جَهِلَ) الْمُشْتَرِي (الشَّرِكَةَ) أَوْ عَلِمَهَا وَجَهِلَ وُجُوبَ الْإِذْنِ وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، فِي الرَّهْنِ: لَا يَكْفِي هَذَا التَّسْلِيمُ) أَيْ تَسْلِيمُ الْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ (إنْ قُلْنَا اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ شَرْطٌ) لِلُزُومِ الرَّهْنِ، كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِتَحْرِيمِ الِاسْتِدَامَةِ.

.(فَصْلٌ): في الْإِقَالَةِ:

(وَالْإِقَالَةُ لِلنَّادِمِ مَشْرُوعَةٌ) أَيْ مُسْتَحَبَّةٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ (وَهِيَ) أَيْ الْإِقَالَةُ (فَسْخٌ) لِلْعَقْدِ لَا بَيْعٌ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ يُقَالُ: أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَكَ أَيْ أَزَالَهَا وَبِدَلِيلِ جَوَازِهَا فِي السَّلَمِ مَعَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَ (تَصِحُّ) الْإِقَالَةُ (فِي الْمَبِيعِ وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ مُسَلَّمٍ وَغَيْرِهِ) كَمَبِيعٍ فِي ذِمَّةٍ أَوْ بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ لِأَنَّهَا فَسْخٌ وَالْفَسْخُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ (وَ) تَصِحُّ (فِي مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ) وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَوَزْنٍ وَعَدٍّ وَذَرْعٍ لِأَنَّهَا فَسْخٌ.
(وَ) تَصِحُّ الْإِقَالَةُ (بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ) الثَّانِي مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) تَصِحُّ الْإِقَالَةُ (مِنْ مُضَارِبٍ وَشَرِيكِ تِجَارَةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ وُجُوهٍ (بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ) شَرِيكُهُ (لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ) فِيهَا (كَمَا يَمْلِكُ) الْمُضَارِبُ وَنَحْوُهُ (الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ) لِعَيْبٍ أَوْ نَحْوِهِ.
(وَمَنْ وُكِّلَ فِي بَيْعٍ فَبَاعَ) لَمْ يَمْلِكْ الْإِقَالَةَ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ (أَوْ وُكِّلَ فِي شِرَاءٍ فَاشْتَرَى لَمْ يَمْلِكْ الْإِقَالَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكَّلُ فِي الْفَسْخِ.
(وَتَصِحُّ) الْإِقَالَةُ (فِي الْإِجَارَةِ) كَمَا تَصِحُّ فِي الْبَيْعِ (وَ) تَصِحُّ الْإِقَالَةُ (مِنْ مُؤَجِّرٍ وَقَفَ إنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ كُلُّهُ لَهُ) لِأَنَّهُ كَالْمَالِكِ لَهُ وَظَاهِرُهُ: إنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مُشْتَرَكًا أَوْ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ وَعَمِلَ النَّاسُ عَلَى خِلَافِهِ.
وَفِي الْفُرُوعِ فِي الْحَجِّ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْ مَيِّتٍ يَعْنِي لِيَحُجَّ عَنْهُ إنْ قُلْنَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ، فَهَلْ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ، لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَيِّتِ؟ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: الصَّوَابُ: الْجَوَازُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، فَهُوَ كَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ ا هـ وَقِيَاسُهَا: جَوَازُهَا مِنْ النَّاظِرِ وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ لِمَصْلَحَةٍ.
(وَ) تَصِحُّ الْإِقَالَةُ (مِنْ مُفْلِسٍ بَعْدَ حَجْرِ) الْحَاكِمِ عَلَيْهِ (لِمَصْلَحَةٍ) كَفَسْخِ الْبَيْعِ لِخِيَارٍ.
(وَ) تَصِحُّ الْإِقَالَةُ (بِلَا شُرُوطِ بَيْعٍ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَقَالِ فِيهِ)، وَمِنْ (الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَتَمْيِيزِهِ عَنْ غَيْرِهِ) كَمَا يَصِحُّ الْفَسْخُ لِخِيَارٍ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ (وَلَوْ وَهَبَ وَالِدٌ وَلَدَهُ شَيْئًا ثُمَّ بَاعَهُ الْوَلَدُ أَيْ بَاعَ مَا وَهَبَهُ لَهُ أَبُوهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَلَدِ (بِإِقَالَةٍ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ رُجُوعَ الْأَبِ) فِيهِ كَمَا لَوْ رَجَعَ إلَى الِابْنِ بِفَسْخِ الْخِيَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَجَعَ إلَى الِابْنِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ رُجُوعَ الْأَبِ وَيَأْتِي.
(وَلَوْ بَاعَ أَمَةً ثُمَّ أَقَالَ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَتَفَرَّقَا لَمْ يَجِبْ) عَلَى الْبَائِعِ (اسْتِبْرَاءٌ) لِعَدَمِ احْتِمَالِ إصَابَةِ الْمُشْتَرِي لَهَا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا حَيْثُ انْتَقَلَ الْمِلْكُ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ.
(وَلَوْ تَقَايَلَا فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ ثُمَّ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ) ذَلِكَ (الْعَقْدِ) الْفَاسِدِ (لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ) لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَفَعَ، فَلَمْ يَبْقَ مَا يَحْكُمُ بِهِ (وَمُؤْنَةُ رَدِّ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَا تَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ) بِخِلَافِ الْفَسْخِ لِعَيْبٍ فَتَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، لِأَنَّهُ فَسْخٌ بِالْعَيْبِ قَهْرًا عَلَى الْبَائِعِ، بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فَالْفَسْخُ مِنْهُمَا بِتَرَاضِيهِمَا (وَيَبْقَى) الْمَبِيعُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ (فِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْمُشْتَرِي (أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ) لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ تَعَدِّيهِ.
(وَتَصِحُّ) الْإِقَالَةُ (بِلَفْظِهَا) بِأَنْ يَقُولَ: أَقَلْتُكَ (وَ) تَصِحُّ (بِلَفْظِ مُصَالَحَةٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَ) تَصِحُّ (بِلَفْظِ بَيْعٍ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى مُعَاطَاةٍ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى فَكُلُّ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْهِ أَجْزَأَ (خِلَافًا لِلْقَاضِي) فِي أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ لَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ وَمَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ لَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ.
(وَلَا خِيَارَ فِيهَا) أَيْ فِي الْإِقَالَةِ لِلْمَجْلِسِ وَلَا لِغَيْرِهِ، لِأَنَّهَا فَسْخٌ وَالْفَسْخُ لَا يُفْسَخُ.
(وَلَا شُفْعَةَ) بِالْإِقَالَةِ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَهَا هُوَ الْبَيْعُ وَلَمْ يُوجَدْ.
(وَلَا تُرَدُّ) الْإِقَالَةُ (بِعَيْبٍ) فِي الْمُقَالِ فِيهِ (لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يُفْسَخُ).
(وَلَا تَصِحُّ) الْإِقَالَةُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ (مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ وَلَوْ قَالَ أَقِلْنِي ثُمَّ غَابَ) فَأَقَالَهُ فِي غَيْبَتِهِ (لَمْ تَصِحَّ) مُطْلَقًا (لِاعْتِبَارِ رِضَاهُ) وَحَالُ الْغَائِبِ مَجْهُولٌ وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي تَعْلِيقِهِمَا لَوْ قَالَ أَقِلْنِي، ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ فَأَقَالَهُ عَلَى الْفَوْرِ صَحَّ، إنْ قِيلَ هِيَ فَسْخٌ لَا بَيْعٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُشْتَرَطُ لَهُ حُضُورُ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ.
(وَلَا يَحْنَثُ بِهَا) أَيْ بِالْإِقَالَةِ (مَنْ حَلَفَ) لَا يَبِيعُ (أَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا لَا يَبِيعُ) فَأَقَالَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا فَسْخٌ لَا بَيْعٌ (وَلَا يَبَرُّ بِهَا) أَيْ بِالْإِقَالَةِ (مَنْ حَلَفَ بِذَلِكَ) أَيْ بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ (لَيَبِيعَنَّ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَتَصِحُّ) الْإِقَالَةُ (مَعَ تَلَفِ ثَمَنٍ لَا مَعَ تَلَفِ مَبِيعٍ)، لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ فِيهِ.
(وَلَا) تَصِحُّ أَيْضًا مَعَ (مَوْتِ) مُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا (كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ).
وَلَا (تَصِحُّ) أَيْضًا (بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ) الْمَعْقُودِ بِهِ (أَوْ) بِ (نَقْصٍ مِنْهُ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِقَالَةِ رَدُّ الْأَمْرِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ (وَالْمِلْكُ بَاقٍ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ شَرَطَ التَّفَاضُلَ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّمَاثُلُ فَبَطَلَ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ.
(وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْإِقَالَةَ وَأَبَى الْآخَرُ فَاسْتَأْنَفَا بَيْعًا جَازَ بِزِيَادَةٍ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) وَنَقْصٍ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ.
(وَإِذَا وَقَعَ الْفَسْخُ بِإِقَالَةٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ) أَوْ تَدْلِيسٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَهُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِ الْفَسْخِ) لَا مِنْ أَصْلِهِ كَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ (فَمَا حَصَلَ) فِي الْمَبِيعِ (مِنْ كَسْبٍ أَوْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي) لِحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» (وَكَذَا طِلْعٌ تَشَقَّقَ، وَلَوْ لَمْ يُؤَبَّرْ وَثَمَرَةٌ ظَهَرَتْ) فَتَكُونُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا تَتْبَعُ فِي الْفَسْخِ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلَةِ وَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ (وَ) الْفَسْخُ (فِي إجَارَةٍ غُبِنَ فِيهَا) رَفْعٌ لِلْعَقْدِ (مِنْ أَصْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ) فِي خِيَارِ الْغَبْنِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ.

.بَابٌ الرِّبَا وَالصَّرْفُ وَتَحْرِيمُ الْحِيَلِ:

(الرِّبَا) مَقْصُورٌ، يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ وَهُوَ لُغَةً، الزِّيَادَةُ قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} أَيْ عَلَتْ وَارْتَفَعَتْ وَقَالَ تَعَالَى {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أَيْ أَكْثَرَ عَدَدًا وَهُوَ (مُحَرَّمُ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ) لِعَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ إبَاحَةُ رَبَا الْفَضْلِ لِحَدِيثِ «لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْهُ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَقَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسَيْنِ.
(وَهُوَ) شَرْعًا (تَفَاضُلٌ فِي أَشْيَاءَ) كَمَكِيلٍ بِجِنْسِهِ، أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ (وَنَسْءٌ فِي أَشْيَاءَ) كَمَكِيلٍ بِمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ (مُخْتَصٌّ بِأَشْيَاءَ) وَهُوَ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا، أَيْ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا (وَهُوَ) أَيْ الرِّبَا (نَوْعَانِ).

.أنواع الربا:

.أَحَدُهُمَا (رِبَا الْفَضْلِ):

(وَ) الثَّانِي (رِبَا النَّسِيئَةِ فَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ) أَيْ الزِّيَادَةِ (فَيَحْرُمُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ) بِيعَ بِجِنْسِهِ.
(وَ) فِي كُلِّ (مَوْزُونٍ بِيعَ بِجِنْسِهِ) لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بَيْدٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا حُرِّمَ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ.
وَالْأَشْهَرُ عَنْ إمَامِنَا وَمُخْتَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ، كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ وَفِي الْأَعْيَانِ الْبَاقِيَةِ: كَوْنُهَا مَكِيلَاتِ جِنْسٍ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ (وَلَوْ) كَانَ (يَسِيرًا لَا يَتَأَتَّى كَيْلُهُ، كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَةٍ، أَوْ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْكَيْلِ.
(وَلَا) يَتَأَتَّى (وَزْنُهُ، كَمَا دُونَ الْأُرْزَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَنَحْوِهِمَا لِمَا تَقَدَّمَ (مَطْعُومًا كَانَ) الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ (أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ) كَالْحُبُوبِ مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَذُرَةٍ وَدُخْنٍ وَأُرْزٍ وَعَدَسٍ وَبَاقِلَّا وَغَيْرِهِمَا كَحَبِّ الْفُجْلِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَكَالْأُشْنَانِ وَالنُّورَةِ وَكَالْحَرِيرِ وَالصُّوفِ وَالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ (فَتَكُونُ الْعِلَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ: كَوْنَهُمَا مُوزِنَيْ جِنْسٍ) فَتَتَعَدَّى إلَى كُلِّ مَوْزُونَيْ جِنْسٍ مِمَّا تَقَدَّمَ.
(وَيَجُوزُ إسْلَامُهُمَا) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (فِي الْمَوْزُونِ مِنْ غَيْرِهِمَا) كَالْحَرِيرِ وَالصُّوفِ وَالْحِنَّاءِ وَالْكَتَّانِ وَنَحْوِهَا لِلْحَاجَةِ قَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ الْمَنْعُ، وَإِنَّمَا جَازَ لِلْمَشَقَّةِ (سِوَى مَاءٍ فَإِنَّهُ لَا رِبًا فِيهِ بِحَالٍ وَلَوْ قِيلَ هُوَ مَكِيلٌ لِعَدَمِ تَمَوُّلِهِ عَادَةً) لِإِبَاحَتِهِ فِي الْأَصْلِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْعِلَّةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ هِيَ الْمَالِيَّةَ.
(وَلَا يَجْرِي) الرِّبَا (فِي مَطْعُومٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، كَالْمَعْدُودَاتِ مِنْ التُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ وَنَحْوِهَا) فَيَجُوزُ بَيْعُ بَيْضَةٍ وَخِيَارَةٍ وَبِطِّيخَةٍ بِمِثْلِهَا نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَكِيلًا وَلَا مَوْزُونًا، لَكِنْ نَقَلَ مُهَنَّا أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ بَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ وَقَالَ لَا يَصْلُحُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ.
(وَلَا) يَجْرِي الرِّبَا أَيْضًا (فِيمَا لَا يُوزَنُ) عُرْفًا (لِصِنَاعَتِهِ) وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَزْنَ، غَيْرَ الْمَعْمُولِ مِنْ النَّقْدَيْنِ، (كَالْمَعْمُولِ مِنْ الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَنَحْوِهِ)، كَالْخَوَاتِمِ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ.
(وَ) كَ (اللُّجُمِ وَالْأَسْطَالِ وَالْإِبَرِ وَالسَّكَاكِينِ وَالثِّيَابِ وَالْأَكْسِيَةِ مِنْ حَرِيرٍ وَقُطْنٍ وَغَيْرِهِمَا) كَصُوفٍ وَشَعْرٍ وَوَبَرٍ (فَيَجُوزُ بَيْعُ سِكِّينٍ بِسِكِّينَتَيْنِ وَ) بَيْعُ (إبْرَةٍ بِإِبْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِ وَكَذَا) يَجُوزُ بَيْعُ (فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ عَدَدًا، وَلَوْ نَافِقَةً) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ «لَا بَأْسَ بِالْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ يَدًا بِيَدِ» وَأَخْرَجَ عَنْ حَمَّادٍ مِثْلَهُ وَنَصَّ أَحْمَدُ: لَا يُبَاعُ فَلْسٌ بِفَلْسَيْنِ، وَلَا سِكِّينٌ بِسِكِّينَتَيْنِ.
(وَجَيِّدُ الرِّبَوِيِّ وَرَدِيئُهُ) سَوَاءٌ (وَتِبْرُهُ وَمَضْرُوبُهُ) سَوَاءٌ (وَصَحِيحُهُ وَمَكْسُورُهُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مُتَمَاثِلًا) يَدًا بِيَدٍ (وَتَحْرِيمُهُ مُتَفَاضِلًا) أَوْ مَعَ تَأْخِيرِ الْقَبْضِ سَوَاءٌ فَلَا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقِيمَةِ، بَلْ فِي مِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَصْنُوعٍ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ لَمْ تَخْرُجْ الصِّنَاعَةُ عَنْ الْوَزْنِ بِجِنْسِهِ (إلَّا بِمِثْلِهِ وَزْنًا) سَوَاءٌ مَاثَلَهُ فِي الصِّنَاعَةِ أَوْ لَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ.
(وَجَوَّزَ الشَّيْخُ بَيْعَ مَصْنُوعٍ مُبَاحِ) الِاسْتِعْمَالِ (كَخَاتَمٍ وَنَحْوِهِ بِيعَ بِجِنْسِهِ بِقِيمَتِهِ حَالًّا، جَعْلًا لِلزَّائِدِ) عَنْ وَزْنِ الْخَاتَمِ (فِي مُقَابَلَةِ الصَّنْعَةِ) فَهُوَ كَالْأُجْرَةِ.
(وَكَذَا جَوَّزَهُ) أَيْ بَيْعَ خَاتَمٍ بِجِنْسِهِ بِقِيمَتِهِ (نَسَاءً مَا لَمْ يَقْصِدْ كَوْنَهَا ثَمَنًا) فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلنَّسَإِ وَقَالَ الشَّيْخُ (وَمَا خَرَجَ عَنْ الْقُوتِ بِالصَّنْعَةِ كَنَسَإٍ) كَكَلَإٍ (فَلَيْسَ بِرِبَوِيٍّ، وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْقُوتِ (فَجِنْسٌ بِنَفْسِهِ فَيُبَاحُ خُبْزٌ بِهَرِيسَةٍ) عَلَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ وَالْمَذْهَبُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ.
(وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَإِنْ قَالَ لِلصَّائِغِ: صُغْ لِي خَاتَمًا وَزْنُهُ دِرْهَمٌ وَأُعْطِيكَ مِثْلَ زِنَتِهِ، وَأُجْرَتُكَ دِرْهَمَانِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْعَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِلصَّائِغِ أَخْذُ الدِّرْهَمَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي مُقَابَلَةِ فِضَّةِ الْخَاتَمِ، وَالْآخَرُ أُجْرَةٌ لَهُ)، فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى.
(وَجَهْلُ التَّسَاوِي حَالَةَ الْعَقْدِ) عَلَى مَكِيلٍ بِجِنْسِهِ أَوْ عَلَى مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ (كَعِلْمِ التَّفَاضُلِ) فِي مَنْعِ الصِّحَّةِ إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ (فَلَوْ بَاعَ بَعْضَهُ) أَيْ بَعْضَ الرِّبَوِيِّ (بِبَعْضٍ) مِنْ جِنْسِهِ (جِزَافًا) لَمْ يَصِحَّ (أَوْ كَانَ) الْجُزَافُ (مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ) كَمُدِّ بُرٍّ جِزَافًا (حَرُمَ) الْبَيْعُ (وَلَمْ يَصِحَّ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّسَاوِي (كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِهَذِهِ الصُّبْرَةِ) مُكَايَلَةً صَاعٌ بِصَاعٍ (وَهُمَا) أَيْ الصُّبْرَتَانِ (مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (يَجْهَلَانِ كَيْلَهُمَا) أَيْ كَيْلَ الصُّبْرَتَيْنِ وَهَذَا مِثَالٌ لِلْأُولَى (أَوْ) يَجْهَلَانِ (كَيْلَ إحْدَاهُمَا) أَيْ إحْدَى الصُّبْرَتَيْنِ، وَيَعْلَمَانِ كَيْلَ الْأُخْرَى وَهَذَا مِثَالُ الثَّانِيَةِ.
(وَإِنْ عَلِمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (كَيْلَهُمَا) أَيْ كَيْلَ الصُّبْرَتَيْنِ (وَ) عَلِمَا (تَسَاوِيَهُمَا) فِي الْكَيْلِ (صَحَّ) الْبَيْعُ لِلْعِلْمِ بِالتَّسَاوِي.
(وَإِنْ قَالَ) الْبَائِعُ (بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِهَذِهِ الصُّبْرَةِ مُكَايَلَةً صَاعًا بِصَاعٍ أَوْ) قَالَ (مِثْلًا بِمِثْلٍ فَكِيلَتَا، فَبَانَ تَسَاوِيهِمَا) فِي الْكَيْلِ (صَحَّ) الْبَيْعُ.
(وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا بِأَنْ زَادَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بَطَلَ الْبَيْعُ، لِلتَّفَاضُلِ (وَإِنْ كَانَتَا) أَيْ الصُّبْرَتَانِ (مِنْ جِنْسَيْنِ) كَمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا شَعِيرًا وَالْأُخْرَى بَاقِلَّا (فَقَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِهَذِهِ) الصُّبْرَةِ (مِثْلًا بِمِثْلٍ فَكِيلَتَا فَكَانَتَا سَوَاءً صَحَّ الْبَيْعُ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَإِنْ تَفَاضَلَتَا) أَيْ زَادَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (فَرَضِيَ صَاحِبُ الزِّيَادَةِ بِدَفْعِهَا إلَى الْآخِرِ مَجَّانًا، أَوْ رَضِيَ صَاحِبُ النَّاقِصَةِ بِهَا مَعَ نَقْصِهَا، أَقَرَّا الْعَقْدَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَجَازَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَالْجِنْسُ مُخْتَلِفٌ فَلَمْ يَضُرَّ التَّفَاضُلُ (وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ) الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ.
(وَلَا يُبَاعُ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ) كَالْحُبُوبِ وَالْمَائِعَاتِ (بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا وَلَا) يُبَاعُ (مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ) بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ (كَيْلًا إلَّا إذَا عُلِمَ تَسَاوِيهِمَا فِي مِعْيَارِهِ) أَيْ الْأَصْلِ (الشَّرْعِيِّ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا «الْبُرُّ بِالْبُرِّ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ، فَمَنْ زَادَ أَوْ أَزْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى» فَاعْتَبَرَ الشَّارِعُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمَوْزُونَاتِ بِالْوَزْنِ وَفِي الْمَكِيلَاتِ بِالْكَيْلِ فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ خَرَجَ عَنْ الْمَشْرُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ، إذْ الْمُسَاوَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ: هِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي مِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ.
(فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا وَجِزَافًا مُتَفَاضِلًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَ «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» (كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ وَ) كَ (تَمْرٍ بِزَبِيبٍ وَ) كَ (حِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ وَ) كَ (أُشْنَانٍ بِمِلْحٍ وَ) كَ (جِصٍّ بِنَوْرَةٍ وَنَحْوِهِ) كَحَدِيدٍ بِنُحَاسٍ، وَخَزٍّ بِكَتَّانٍ.
(وَالْجِنْسُ: مَا لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا) أَيْ الْجِنْسُ هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْوَاعِهَا (وَالنَّوْعُ: هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَشْخَاصِهَا) وَقَدْ يَكُونُ النَّوْعُ جِنْسًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَحْتَهُ وَالْجِنْسُ نَوْعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فَوْقَهُ وَالْمُرَادُ هُنَا: الْجِنْسُ الْأَخَصُّ وَالنَّوْعُ الْأَخَصُّ فَكُلُّ نَوْعَيْنِ اجْتَمَعَا فِي اسْمٍ خَاصٍّ فَهُوَ جِنْسٌ ثُمَّ مَثَّلَهُ فَقَالَ (كَذَهَبٍ) وَأَنْوَاعِهِ الْمَغْرِبِيِّ وَالدَّكْرُورِيِّ.
(وَفِضَّةٍ) وَأَنْوَاعُهَا: الرِّيَالُ وَالْبَنَادِقَةُ وَنَحْوُهَا (وَبَزٍّ) وَأَنْوَاعُهُ: الْبُحَيْرِيُّ وَالصَّعِيدِيُّ (وَشَعِيرٍ) كَذَلِكَ (وَتَمْرٍ) وَأَنْوَاعِهِ: الْبَرْنِيِّ وَالْمَقْلِيِّ وَالصَّيْحَانِيِّ وَغَيْرِهَا (وَمِلْحٍ) وَأَنْوَاعِهِ الْمَنْزَلَاوِيِّ وَالدِّمْيَاطِيِّ.
(فَكُلُّ شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرُ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَقَاصِدُهُمَا، كَدُهْنِ وَرْدٍ وَ) دُهْنِ (بَنَفْسَجٍ)، وَدُهْنِ (زَنْبَقٍ، وَ) دُهْنِ (يَاسَمِينٍ) وَنَحْوِهَا كَدُهْنِ بَانٍ (إذَا كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ دُهْنٍ وَاحِدٍ) كَالشَّيْرَجِ فَهِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ أَصْلِهَا وَإِنَّمَا طُيِّبَتْ بِهَذِهِ الرَّيَاحِينِ فَنُسِبَتْ إلَيْهَا فَلَمْ تَصِرْ أَجْنَاسًا (وَقَدْ يَكُونُ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ مُشْتَمِلًا عَلَى جِنْسَيْنِ، كَالتَّمْرِ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّوَى وَغَيْرِهِ وَهُمَا) أَيْ النَّوَى وَمَا عَلَيْهِ (جِنْسَانِ) بَعْدَ النَّزْعِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا.
(وَ) كَ (اللَّبَنِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَخِيضِ وَعَلَى الزُّبْدِ، وَهُمَا) أَيْ الْمَخِيضِ وَالزُّبْدِ (جِنْسَانِ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَمَا دَامَا) أَيْ التَّمْرُ وَالنَّوَى أَوْ الْمَخِيضُ وَالزُّبْدُ (مُتَّصِلَيْنِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ) لِاتِّحَادِ الِاسْمِ (وَإِذَا مُيِّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ صَارَا جِنْسَيْنِ) وَلَوْ خُلِطَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَفُرُوعُ الْأَجْنَاسِ أَجْنَاسٌ، كَأَدِقَّةٍ وَأَخْبَازٍ وَأَدْهَانٍ وَخُلُولٍ) لِأَنَّ الْفَرْعَ يَتْبَعُ أَصْلَهُ فَلَمَّا كَانَتْ أُصُولُ هَذِهِ أَجْنَاسًا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ أَجْنَاسًا إلْحَاقًا لِلْفُرُوعِ بِأُصُولِهَا فَعَلَى هَذَا دَقِيقُ الْحِنْطَةِ جِنْسٌ وَخُبْزُهَا جِنْسٌ وَدَقِيقُ الشَّعِيرِ جِنْسٌ وَخُبْزُهُ جِنْسٌ وَدُهُنُ السِّمْسِمِ جِنْسٌ وَدُهُنُ الزَّيْتُونِ جِنْسٌ وَخَلُّ التَّمْرِ جِنْسٌ وَخَلُّ الْعِنَبِ جِنْسٌ وَهَكَذَا فَعَسَلُ النَّحْلِ، وَعَسَلُ الْقَصَبِ: جِنْسَانِ (وَاللَّحْمُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ) لِأَنَّهَا فُرُوعٌ، هِيَ أُصُولُ أَجْنَاسٍ، فَكَانَتْ أَجْنَاسًا كَالْأَخْبَازِ.
(وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ) أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ (فَضَأْنٌ وَمَعِزٌ نَوْعَا جِنْسٍ) لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَكَذَا الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ وَالْبَخَاتِيُّ وَالْعِرَابُ (وَسَمِينُ ظَهْرٍ وَ) سَمِينُ (جَنْبٍ، وَلَحْمٌ أَحْمَرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ) يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ اللَّحْمِ.
(وَالشَّحْمِ، وَالْأَلْيَةِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ، يُقَالُ: هُوَ لِكُلِّ ذِي كَرِشٍ إلَّا الْفَرَسَ فَلَا طِحَالَ لَهُ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ (وَالرِّئَةُ وَالرُّءُوسُ وَالْأَكَارِعُ وَالدِّمَاغُ وَالْكَرِشُ وَالْمِعَى وَالْقَلْبُ وَالْجُلُودُ وَالْأَصْوَافُ وَالْعِظَامُ وَنَحْوُهَا أَجْنَاسٌ) لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ فَكَانَتْ أَجْنَاسًا كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (فَلَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ أَجْنَاسِهَا) وَلَوْ شَحْمًا بِلَحْمٍ، لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ كَالنَّقْدَيْنِ.
(وَيَحْرُمُ بَيْعُ جِنْسٍ مِنْهَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا) لِمَا تَقَدَّمَ لَكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ رِطْلٍ مِنْ رَأْسِ الضَّأْنِ بِرِطْلَيْنِ مِنْ رَأْسِ الْبَقَرِ كَاللَّحْمِ.
(وَ) يَحْرُمُ (بَيْعُ خَلِّ عِنَبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ وَلَوْ مُتَمَاثِلًا) لِانْفِرَادِ خَلِّ الزَّبِيبِ بِالْمَاءِ (وَيَجُوزُ بَيْعِ دِبْسٍ بِ) دِبْسٍ (مِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا) لَا مُتَفَاضِلًا لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ.
(وَيَصِحُّ بَيْعُ لَحْمٍ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ إذَا نُزِعَ عَظْمُهُ)، وَتَسَاوَيَا وَزْنًا يَدًا بِيَدٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ جَازَ التَّفَاضُلُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ) لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ وَلِأَنَّهُ مَالٌ رِبَوِيٌّ بِيعَ بِمَا فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ جَهَالَةِ الْمِقْدَارِ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ (وَيَصِحُّ) بَيْعُ لَحْمٍ (بِ) حَيَوَانٍ (غَيْرِ جِنْسِهِ) لِأَنَّهُ مَالٌ رِبَوِيٌّ بِيعَ بِغَيْرِ أَصْلِهِ وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ فَجَازَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ لَكِنْ يَحْرُمُ بَيْعُهُ نَسِيئَةً عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (كَبَعِيرٍ مَأْكُولٍ) أَيْ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ كَحِمَارٍ وَبَغْلٍ.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ حَبٍّ بِدَقِيقِهِ، وَلَا) بَيْعُ حَبٍّ (بِسَوِيقِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكِيلٌ.
وَيُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَكِيلِ بِجِنْسِهِ التَّسَاوِي، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا، لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْحَبِّ تَنْتَشِرُ بِالطَّحْنِ، وَالنَّارُ أَخَذَتْ مِنْ السَّوِيقِ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (دَقِيقِ حَبٍّ) كَبُرٍّ (بِسَوِيقِهِ) لِأَنَّ النَّارَ قَدْ أَخَذَتْ مِنْ السَّوِيقِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالنِّيئَةِ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (خُبْزٍ وَزَلَابِيَةٍ وَهَرِيسَةٍ وَفَالَوْذَجَ وَنَشَا وَنَحْوِهَا) كَسَنْبُوسَكَ وَحَرِيرَةٍ (بِحَبِّهِ) لِأَنَّ فِيهَا مَاءً فَلَا يَتَأَتَّى الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ خُبْزٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (بِدَقِيقِهِ) أَوْ سَوِيقِهِ (كَيْلًا وَلَا وَزْنًا) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ (وَلَا يَصِحُّ) بَيْعُ (نِيئِهِ بِمَطْبُوخِهِ كَخُبْزٍ بِعَجِينٍ وَحِنْطَةٍ مَقْلِيَّةٍ بِنِيئَةٍ)، لِأَخْذِ النَّارِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَتَفُوتُ الْمُمَاثَلَةُ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (أَصْلِهِ) أَيْ أَصْلٍ رِبَوِيٍّ (بِعَصِيرِهِ كَزَيْتُونٍ بِزَيْتِهِ وَنَحْوِهِ) كَسِمْسِمٍ بِشَيْرَجِهِ وَحَبِّ كَتَّانٍ بِزَيْتِهِ.
(وَلَا) بَيْعُ (خَالِصِهِ) بِمَشُوبِهِ (أَوْ مَشُوبِهِ بِمَشُوبِهِ كَحِنْطَةٍ) خَالِصَةٍ أَوْ فِيهَا شَعِيرٌ (بِحِنْطَةٍ فِيهَا شَعِيرٌ يُقْصَدُ تَحْصِيلُهُ أَوْ فِيهَا زُوَانٌ أَوْ تُرَابٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ) لِانْتِفَاءِ التَّسَاوِي (إلَّا الْيَسِيرَ) أَيْ إذَا كَانَ الشَّعِيرُ وَنَحْوُهُ يَسِيرًا لَا يُقْصَدْ تَحْصِيلُهُ وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالتَّمَاثُلِ.
(فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عَسَلٍ) خَالِصٍ عَنْ شَمْعِهِ أَوْ فِيهِ شَمْعُهُ (بِعَسَلٍ فِيهِ شَمْعُهُ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّمَاثُلِ (وَلَا) بَيْعُ (لَبَنٍ بِكِشْكٍ) لِأَنَّ اللَّبَنَ فِيهِ مَقْصُودٌ، فَهُوَ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ، وَمَعَ أَحَدِهِمَا غَيْرُهُ (وَلَا) بَيْعُ (حَبٍّ جَيِّدٍ بِمُسَوَّسٍ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّمَاثُلِ (بَلْ) يَصِحُّ بَيْعُ الْحَبِّ الْجَيِّدِ (بِخَفِيفٍ وَعَتِيقٍ) مِنْ جِنْسِهِ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي مِعْيَارِهِمَا الشَّرْعِيِّ، فَلَا يُؤَثِّرُ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْقِيمَةِ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (رَطْبِهِ) أَيْ رَطْبِ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ (بِيَابِسِهِ كَ) بَيْعِ (الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَالْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ أَوْ الرَّطْبَةِ بِالْيَابِسَةِ) لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ؟ فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد فَعَلَّلَ بِالنُّقْصَانِ إذَا يَبِسَ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كُلِّ رَطْبٍ بِيعَ بِيَابِسِهِ (إلَّا) فِي (الْعَرَايَا وَيَأْتِي) قَرِيبًا فَيَصِحُّ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِيهَا بِشُرُوطِهِ لِلْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ.
(وَيَصِحُّ بَيْعُ دَقِيقِهِ بِدَقِيقِهِ كَيْلًا إذَا اسْتَوَيَا فِي النُّعُومَةِ) فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النُّعُومَةِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ التَّسَاوِي وَإِنْ اخْتَلَفَ جِنْسُ الدَّقِيقَيْنِ صَحَّ كَيْفَ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ يَدًا بِيَدٍ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (مَطْبُوخِهِ) أَيْ مَطْبُوخِ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ (بِمَطْبُوخِهِ) كَخُبْزٍ إذَا اسْتَوَيَا، وَكَسَمْنٍ بِسَمْنٍ وَلَا تَمْنَعُ زِيَادَةُ أَخْذِ النَّارِ مِنْ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ إذَا لَمْ يَكْثُرْ أَخْذُ النَّارِ مِنْ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّسَاوِي فَإِنْ كَثُرَ مَنَعَ الصِّحَّةَ لِعَدَمِ التَّسَاوِي.
(وَمَا فِيهِ مِنْ الْمِلْحِ وَالْمَاءِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ لَا يَضُرُّ) أَيْ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ (كَالْمِلْحِ فِي الشَّيْرَجَ) فَلَا يَصِيرُ كَبَيْعِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، لِعَدَمِ قَصْدِ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ فَإِنْ يَبِسَ الْخُبْزُ وَدُقَّ وَصَارَ فُتَيْتًا بِيعَ بِمِثْلِهِ فِي الْيُبُوسَةِ وَالدِّقَّةِ (كَيْلًا) لِأَنَّهُ بِالدَّقِّ انْتَقَلَ مِنْ الْوَزْنِ إلَى الْكَيْلِ.
(فَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَطْبُوخِ (مِنْ غَيْرِهِ مِنْ فُرُوعِ الْحِنْطَةِ مِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ كَالْهَرِيسَةِ وَالْحَرِيرَةِ وَالْفَالُوذَجِ وَخُبْزِ الْأَبَازِيرِ فَلَا يَجُوزُ) أَيْ الْخُبْزُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الْأَبَازِيرُ الْمَقْصُودَةُ لَا الْيَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُقْصَدُ كَمَا تَقَدَّمَ وَالخشكتانك وَالسَّنْبُوسَكُ وَنَحْوُهُ كَالْكَعْكِ، (فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ) كَبَيْعِ هَرِيسَةٍ بِهَرِيسَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ وَيَأْتِي (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا بَيْعُ (نَوْعٍ مِنْهُ بِنَوْعٍ آخَرَ) كَبَيْعِ خُبْزٍ بِهَرِيسَةٍ أَوْ هَرِيسَةٍ بِحَرِيرَةٍ أَوْ سَنْبُوسَكَةٍ بخشكتانكة لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَجُوزُ بَيْعِ الرُّطَبِ) بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا (وَ) بَيْعُ (الْعِنَبِ) بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا.
(وَ) بَيْعُ (اللِّبَإِ) بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا وَاللِّبَأُ بِوَزْنِ عِنَبٍ مَهْمُوزًا أَوَّلُ اللَّبَنِ فِي النِّتَاجِ ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ.
(وَ) بَيْعُ (الْأَقِطِ) بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا.
(وَ) بَيْعُ (الْجُبْنِ) بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا.
(وَ) بَيْعُ (السَّمْنِ وَنَحْوِهِ بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَالتَّسَاوِي بَيْنَ الْأَقِطِ وَالْأَقِطِ) بِالْكَيْلِ (وَبَيْنَ الرُّطَبِ وَالرُّطَبِ بِالْكَيْلِ) لِأَنَّهُ مِعْيَارُهُمَا الشَّرْعِيُّ.
(وَ) التَّسَاوِي بَيْنَ الْجُبْنِ وَالْجُبْنِ بِالْوَزْنِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَالزُّبْدُ وَالسَّمْنُ، فَهِيَ مَوْزُونَةٌ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهَا قُلْتُ وَمِثْلُهُ الْعَجْوَةُ إذَا تَجَبَّلَتْ فَتَصِيرُ مِنْ الْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهَا.
وَيَصِحُّ بَيْعُ خُبْزِ حَبٍّ كَبُرٍّ بِخُبْزِهِ إذَا تَسَاوَيَا.
(وَ) بَيْعُ (نَشَائِهِ بِنَشَائِهِ إذَا اسْتَوَيَا فِي النَّشَّافِ أَوْ الرُّطُوبَةِ وَزْنًا مُتَسَاوِيًا) فَإِنْ اخْتَلَفَا لَمْ يَصِحَّ التَّفَاضُلُ (وَفِي الْمُبْهِجِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ فَطِيرٍ بِخَمِيرٍ) وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إذَا لَمْ يَتَسَاوَيَا فِي النَّشَّافِ أَوْ الرُّطُوبَةِ فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَيَصِحُّ بَيْعُ عَصِيرِ جِنْسٍ بِعَصِيرِهِ كَعَصِيرِ عِنَبٍ بِعَصِيرِ عِنَبٍ وَلَوْ مَطْبُوخَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَطْبُوخًا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (رَطْبِهِ بِرَطْبِهِ) بِسُكُونِ الطَّاءِ أَيْ رَطْبِ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ بِرَطْبِهِ مِنْ عِنَبٍ وَرُطَبٍ وَنَحْوهِمَا، كَمِشْمِشٍ وَتُوتٍ بِيعَ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ مُتَسَاوِيًا.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ زُبْدٍ بِسَمْنٍ) لِأَنَّهُ كَبَيْعِ مَشُوبٍ بِخَالِصٍ لِفَوَاتِ التَّسَاوِي (وَيَجُوزَانِ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ (بِمَخِيضٍ) يَدًا بِيَدٍ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
وَ(لَا) يَجُوزُ بَيْعُ سَمْنٍ أَوْ زُبْدٍ (بِلَبَنٍ) لِأَنَّهُ أَصْلَهُمَا وَلَا يُبَاعُ فَرْعٌ بِأَصْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) لَا بَيْعُ السَّمْنِ أَوْ الزُّبْدِ بِ (فُرُوعِهِ) أَيْ فُرُوعِ اللَّبَنِ (كَاللِّبَإِ وَنَحْوهِمَا) مِنْ جُبْنٍ أَوْ أَقِطٍ وَنَحْوِهِ (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ لَبَنٍ بِمَخِيضٍ) لِأَنَّ الْمَخِيضَ فَرْعُ اللَّبَنِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ أَصْلٍ بِفَرْعِهِ (أَوْ جَامِدٍ) أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ جَامِدٍ، لِعَدَمِ طَرِيقِ الْعِلْمِ بِالتَّسَاوِي (أَوْ) أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُ لَبَنٍ (بِمَصْلٍ أَوْ جُبْنٍ أَوْ أَقِطٍ) لِأَنَّهُ بَيْعُ أَصْلٍ بِفَرْعِهِ.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ) لِقَوْلِ أَنَسٍ «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْفَسَادَ (وَهُوَ) أَيْ بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ (بَيْعُ الْحَبِّ الْمُشْتَدِّ فِي سُنْبُلِهِ) بِحَبٍّ مِنْ جِنْسِهِ.
لِأَنَّ الْحَبَّ إذَا بِيَعَ بِجِنْسِهِ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهُ بِالْكَيْلِ، وَالْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ وَالْمُحَاقَلَةُ: مِنْ الْحَقْلِ، وَهُوَ الزَّرْعُ إذَا تَشَعَّبَ قَبْلَ أَنْ تَغْلُظَ سُوقُهُ (وَيَصِحُّ) بَيْعُ الْحَبِّ الْمُشْتَدِّ فِي سُنْبُلِهِ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ مَكِيلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ الْبَيْعُ كَيْفَ شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ يَدًا بِيَدٍ.
(وَلَا) تَصِحُّ (الْمُزَابَنَةُ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَهِيَ) أَيْ الْمُزَابَنَةُ (بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ) وَالزَّبْنُ لُغَةً الدَّفْعُ الشَّدِيدُ وَمِنْهُ وُصِفَتْ الْحَرْبُ بِالزَّبُونِ، لِشِدَّةِ الدَّفْعِ فِيهَا وَسُمِّيَ الشُّرَطِيُّ زَبَنِيًّا، لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّاسَ بِشِدَّةٍ وَعُنْفٍ، (إلَّا فِي الْعَرَايَا الَّتِي رُخِّصَ فِيهَا) أَيْ رَخَّصَ فِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَسَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَهِيَ) أَيْ الْعَرَايَا جَمْعُ عَرِيَّةٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا رَجُلًا مُحْتَاجًا فَيَجْعَلُ ثَمَرَتَهَا طَعَامًا، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا أَفْرَدَ عَنْ جُمْلَةٍ سَوَاءٌ كَانَ لِلْهِبَةِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ الْأَكْلِ وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا مُعْرَيَةٌ مِنْ الْبَيْعِ الْمُحَرِّمِ أَيْ مُخْرَجَةٌ مِنْهُ (بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ) لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي بَيْعِهِ عَلَى أُصُولِهِ لِلْأَخْذِ شَيْئًا فَشَيْئًا لِحَاجَةِ التَّفَكُّهِ رُوِيَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ قَالَ «قُلْتُ لِزَيْدٍ: مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ؟ فَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَتَبَايَعُونَ بِهِ رُطَبًا، وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ التَّمْرِ فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَتَبَايَعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ يَأْكُلُونَهُ رُطَبًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(خَرْصًا بِمَآلِهِ) أَيْ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ الرُّطَبُ (يَابِسًا) لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ الْخَرْصَ مَقَامَ الْكَيْلِ وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ كَمَا لَا يُعْدَلُ عَنْ الْكَيْلِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَيْلُ (بِمِثْلِهِ مِنْ التَّمْرِ) فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِخَرْصِهَا رَطْبًا، وَلَا بِزِيَادَةٍ عَنْ خَرْصِهَا أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ (كَيْلًا) أَيْ يَكُونُ التَّمْرُ الْمُشْتَرَى بِهِ كَيْلًا (مَعْلُومًا لَا جِزَافًا) لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ سَقَطَ فِي أَحَدِهِمَا وَأُقِيمَ الْخَرْصَ مَقَامَهُ لِلْحَاجَةِ فَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ خَمْسَةِ وْسُقٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ شَكَّ دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ أَحَدُ رُوَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِيهَا (لِمَنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ وَمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَالزَّكَاةِ لِلْمَسَاكِينِ (وَلَا نَقْدَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْمُشْتَرِي لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ.
(فَيَصِحُّ) بَيْعُ الْعَرَايَا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ (وَلَوْ كَانَ ثَمَرُ النَّخْلِ) أَيْ الرُّطَبِ الَّذِي عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ (غَيْرَ مَوْهُوبٍ لِبَائِعِهِ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تَكُونَ مَوْهُوبَةً لِبَائِعِهَا خِلَافًا لِلْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ (فَإِنْ كَانَ) الرُّطَبُ فِي الْعَرِيَّةِ.
وَفِي نُسَخٍ: فَإِنْ كَانَتْ أَيْ الْعَرِيَّةُ (خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ بَطَلَ) الْبَيْعُ (فِي الْجَمِيعِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَيُشْتَرَطُ فِيهَا) أَيْ فِي الْعَرَايَا (حُلُولٌ وَقَبْضٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي مَجْلِسِ بَيْعِهَا فَ) الْقَبْضُ فِي (نَخْلٍ بِتَخْلِيَتِهِ) أَيْ تَخْلِيَةِ الْبَائِعِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَهُ (وَ) الْقَبْضُ (فِي تَمْرٍ بِكَيْلِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) مَا عَلَيْهِ (ثُمَّ مَشَيَا مَعًا إلَى الْآخَرِ فَتَسَلَّمَهُ، صَحَّ) الْبَيْعُ، لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
(وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ عَارِيَّةً مِنْ رَجُلَيْنِ فَأَكْثَرَ فِيهَا) أَيْ فِي مُعْرَيَةٍ (أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ جَازَ) الْبَيْعُ حَيْثُ كَانَ مَا أَخَذَهُ كُلُّ وَاحِدٍ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ (فَلَا يَنْفُذُ) الْبَيْعُ (فِي حَقِّ الْبَائِعِ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ) بَلْ يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي.
(وَإِنْ اشْتَرَى) إنْسَانٌ (عَرِيَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَفِيهِمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ جَازَ) الْبَيْعُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ.
(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ لِغَنِيٍّ) مَعَهُ نَقْدٌ يَشْتَرِي بِهِ لِمَفْهُومِ مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ بَاعَهَا) أَيْ الْعَرِيَّةَ (لِوَاهِبِهَا تَحَرُّزًا مِنْ دُخُولِ صَاحِبِ الْعَرِيَّةِ، أَوْ) مِنْ دُخُولِ (غَيْرِهِ لَا لِحَاجَةِ الْأَكْلِ) لَمْ يَجُزْ لِمَا سَبَقَ (أَوْ اشْتَرَاهَا) أَيْ الْعَرِيَّةَ (بِ) مِثْلِ (خَرْصِهَا رُطَبًا لَمْ يَجُزْ) لِمَا سَبَقَ (وَلَوْ احْتَاجَ) إنْسَانٌ (إلَى أَكْلِ التَّمْرِ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ إلَّا الرُّطَبُ لَمْ يَبِعْهُ بِهِ) أَيْ التَّمْرِ (فَلَا تُعْتَبَرُ حَاجَةُ الْبَائِعِ) لِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَا يُقَاسَ عَلَيْهَا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمَجْدُ: بِجَوَازِهِ وَهُوَ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ، لِأَنَّهُ إذَا جَازَ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ لِحَاجَةِ التَّفَكُّهِ فَلِحَاجَةِ الِاقْتِيَاتِ أَوْلَى وَالْقِيَاسُ عَلَى الرُّخْصَةِ جَائِزٌ إذَا فُهِمَتْ الْعِلَّةُ.
(وَلَا يُبَاعُ الرُّطَبُ الَّذِي عَلَى الْأَرْضِ بِتَمْرٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ (وَلَا تَصِحُّ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ) اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَغَيْرُهَا لَا يُسَاوِيهَا فِي الْحَاجَةِ.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعٍ وَسَهْلٍ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ».
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا أَوْ مَعَهُمَا) أَيْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمَا كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمِثْلِهِمَا) أَيْ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ وَلَوْ كَانَ الدِّرْهَمَانِ وَالْمُدَّانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ (أَوْ بِمُدَّيْنِ) مِنْ عَجْوَةٍ (أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ وَتُسَمَّى مَسْأَلَةَ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ وَلَوْ كَانَ الدِّرْهَمَانِ وَالْمُدَّانِ مِنْ نَوْعٍ وَلِمَا رَوَى فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، حَتَّى تُمَيِّزَ مَا بَيْنَهُمَا قَالَ فَرَدَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» وَلِلْأَصْحَابِ فِي تَوْجِيهِ الْبُطْلَانِ مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَأْخَذُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِقِسْطِهِ مِنْهُ وَهَذَا يُؤَدِّي هُنَا إمَّا إلَى الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، أَوْ إلَى الْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي وَكِلَاهُمَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَمُدًّا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ بِمُدَّيْنِ يُسَاوَيَانِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الدِّرْهَمُ فِي مُقَابَلَةِ ثُلُثَيْ مُدٍّ وَيَبْقَى مُدٌّ فِي مُقَابَلَةِ مُدٍّ وَثُلُثٍ وَذَلِكَ رِبًا فَلَوْ فُرِضَ التَّسَاوِي كَمُدٍّ يُسَاوِي دِرْهَمًا وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ يُسَاوِي دِرْهَمًا وَدِرْهَمٍ، لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ الْمُسَاوَاةُ وَالْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ.
وَضَعَّفَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ ابْنُ رَجَبٍ، قَالَ لِأَنَّ التَّقْسِيمَ هُوَ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ الْمُثَمَّنِ، لَا أَجْزَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى قِيمَةِ الْآخَرِ وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي سَدُّ ذَرِيعَةِ الرِّبَا لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ حِيلَةً عَلَى الرِّبَا الصَّرِيحِ كَبَيْعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كِيسٍ بِمِائَتَيْنِ، جَعْلًا لِلْمِائَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْكِيسِ، وَقَدْ لَا يُسَاوِي دِرْهَمًا وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ إيمَاءٌ إلَى هَذَا الْمَأْخَذِ.
(وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى آخَرَ (دِرْهَمًا وَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِ هَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَبِنِصْفِهِ الْآخَرِ فُلُوسًا، أَوْ حَاجَةً) كَخُبْزٍ وَنَحْوِهِ جَازَ (أَوْ) دَفَعَ إلَيْهِ دِرْهَمًا وَقَالَ (أَعْطِنِي بِالدِّرْهَمِ نِصْفًا وَفُلُوسًا وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ دَفَعَ دِرْهَمَيْنِ وَقَالَ أَعْطِنِي بِأَحَدِهِمَا لَحْمًا وَبِالْآخَرِ نِصْفَيْنِ فَفَعَلَ (جَازَ) وَصَحَّ (كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دِرْهَمَيْنِ وَقَالَ أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ فُلُوسًا وَبِالْآخَرِ نِصْفَيْنِ) وَفَعَلَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِوُجُودِ التَّسَاوِي وَلِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ، أَحَدُهُمَا صَرْفُ نِصْفِ الدِّرْهَمِ أَوْ صَرْفُ الدِّرْهَمِ بِنِصْفَيْنِ وَالْآخَرُ: بَيْعُ الْفُلُوسِ أَوْ الْحَاجَةِ بِالنِّصْفِ أَوْ الدِّرْهَمِ الْآخَرِ فَلَيْسَ مِنْ مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ.
(وَإِنْ بَاعَ نَوْعَيْ جِنْسٍ) بِنَوْعٍ مِنْهُ أَوْ نَوْعَيْنِ جَازَ، كَتَمْرٍ مَعْقِلِيٍّ وَإِبْرَاهِيمِيٍّ بِبَرْنِيِّ، أَوْ بِبَرْنِيِّ وَصَيْحَانِيٍّ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ (أَوْ) بَاعَ (نَوْعًا بِنَوْعٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (أَوْ) بَاعَ نَوْعًا بِ (نَوْعَيْنِ) مِنْ جِنْسٍ (كَدِينَارِ قُرَاضَةٍ وَهِيَ قِطَعُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) بِدِينَارٍ (صَحِيحٍ أَوْ) بَاعَ (قُرَاضَةً وَصَحِيحًا بِصَحِيحَيْنِ أَوْ بِقُرَاضَتَيْنِ، أَوْ حِنْطَةً حَمْرَاءَ وَسَمْرَاءَ بِبَيْضَاءَ أَوْ تَمْرًا بَرْنِيًّا وَمَعْقِلِيًّا بِإِبْرَاهِيمِيٍّ وَنَحْوِهِ صَحَّ) الْبَيْعُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَمَا أَشْبَهَهَا، لِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ الْمِثْلِيَّةَ فِي ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ عِنْدَهَا وَهِيَ فِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا وَفِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَالْجَوْدَةُ سَاقِطَةٌ هُنَا أَشْبَهَ مَا لَوْ اتَّفَقَ النَّوْعُ.
(وَمَا لَا يُقْصَدُ عَادَةً وَلَا يُبَاعُ مُفْرَدًا كَذَهَبٍ مُمَوَّهٍ بِهِ سَقْفُ دَارٍ) كَالْمَعْدُومِ (فَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّارِ الْمُمَوَّهِ سَقْفُهَا بِذَهَبٍ، بِذَهَبٍ وَبِدَارٍ مِثْلِهَا) سَقْفُهَا مُمَوَّهٌ بِذَهَبٍ لِأَنَّ الذَّهَبَ فِي السَّقْفِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلَا مُقَابَلٌ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ (وَكَذَا مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فِيمَا بِيعَ بِجِنْسِهِ لِكَوْنِهِ يَسِيرًا، كَالْمِلْحِ فِيمَا يُعْمَلُ فِيهِ) كَخُبْزٍ وَجُبْنٍ (وَكَحَبَّاتِ الشَّعِيرِ فِي الْحِنْطَةِ).
(وَلَوْ) كَانَ (فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ رَغِيفٍ بِرَغِيفٍ مِثْلِهِ وَرِطْلٍ مِنْ جُبْنٍ بِرِطْلٍ مِنْ جُبْنٍ.
(وَكَذَا إنْ كَانَ غَيْرُ الْمَقْصُودِ كَثِيرًا إلَّا أَنَّهُ لِمُصْلِحَةِ الْمَقْصُودِ كَالْمَاءِ فِي خَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الزَّبِيبِ وَدِبْسِ التَّمْرِ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْخَلِّ وَالدِّبْسِ (بِمِثْلِهِ) فَيَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ، وَخَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَدِبْسِ التَّمْر بِدِبْسِ التَّمْرِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا أَثَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَ(لَا) يَجُوزُ (بَيْعُهُ) أَيْ خَلِّ الزَّبِيبِ (بِخَلِّ الْعِنَبِ لِأَنَّهُ كَبَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ) وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْمَقْصُودِ كَثِيرًا وَلَيْسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ) أَيْ مَصْلَحَةِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ (كَاللَّبَنِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ) إذَا بِيعَ (بِمِثْلِهِ، وَالْأَثْمَانُ الْمَغْشُوشَةُ) إذَا بِيعَتْ (بِغَيْرِهَا) أَيْ بِأَثْمَانٍ خَالِصَةٍ مِنْ جِنْسِهَا (لَمْ يَجُزْ) لِلْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ.
(وَإِنْ بَاعَ دِينَارًا) أَوْ دِرْهَمًا (مَغْشُوشًا بِمِثْلِهِ) أَيْ بِدِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ مَغْشُوشٍ، وَالْغِشُّ فِيهِمَا، أَيْ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، مُتَفَاوِتٌ أَوْ غَيْرُ مَعْلُومِ الْمِقْدَارِ، لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ وَإِنَّ عُلِمَ التَّسَاوِي فِي الذَّهَبِ الَّذِي فِي الدِّينَارِ.
(وَ) عُلِمَ تَسَاوِي (الْغِشِّ الَّذِي فِيهِمَا جَازَ) بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (لِتَمَاثُلِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الذَّهَبُ (وَ) لِتَمَاثُلِهِمْ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْغِشِّ وَلَيْسَتْ مِنْ مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ لِكَوْنِ الْغِشِّ غَيْرَ مَقْصُودٍ، فَكَأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْمِلْحِ فِي الْخُبْزِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَذَا يَعْنِي مَا لَا يُقْصَدُ عَادَةً: ثَوْبٌ طِرَازُهُ ذَهَبٌ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ بِجِنْسِهِ) أَيْ بِثَوْبٍ طِرَازُهُ ذَهَبٌ.
(وَلَا) يُمْنَعُ (بَيْعُ نَخْلَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ أَوْ) تَمْرٌ (بِمِثْلِهَا) أَيْ نَخْلَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ أَوْ تَمْرٌ (أَوْ) بَيْعُ نَخْلَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ أَوْ تَمْرٌ (بِرُطَبٍ) أَوْ تَمْرٍ وَيَأْتِي بَيْعُ الْعَبْدِ ذِي الْمَالِ آخِرَ بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ تَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى بِمَا) أَيْ بِتَمْرٍ (نَوَاهُ فِيهِ)، لِاشْتِمَالِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ.
(وَكَذَا إنْ نَزَعَ النَّوَى) مِنْ التَّمْرِ (ثُمَّ بَاعَ النَّوَى وَالتَّمْرَ الْمَنْزُوعَ نَوَاهُ بِنَوَى وَتَمْرٍ لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ قَدْ زَالَتْ، فَصَارَ كَمَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ.
(وَإِنْ بَاعَ) تَمْرًا (مَنْزُوعَ النَّوَى بِ) تَمْرٍ (مَنْزُوعِ النَّوَى جَازَ) الْبَيْعُ لِلتَّسَاوِي، كَمَا لَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَاهُ.
(وَيَصِحُّ بَيْعُ نَوَى بِتَمْرٍ فِيهِ نَوًى مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا) لِأَنَّ النَّوَى فِي التَّمْرِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ دَارًا مُوِّهَ سَقْفُهَا بِذَهَبٍ، بِذَهَبٍ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (لَبَنٍ بِشَاةٍ ذَاتِ لَبَنٍ وَبَيْعُ صُوفٍ بِنَعْجَةٍ عَلَيْهَا صُوفٌ حَيَّةً كَانَتْ النَّعْجَةُ أَوْ مُذَكَّاةً) لِأَنَّ اللَّبَنَ فِي الشَّاةِ وَالصُّوفَ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (دِرْهَمٍ فِيهِ نُحَاسٌ بِنُحَاسٍ) لِأَنَّ النُّحَاسَ فِي الدِّرْهَمِ غَيْرُ مَقْصُودٍ (أَوْ) أَيْ وَيَصِحُّ بَيْعُ دِرْهَمٍ فِيهِ نُحَاسٌ (بِمِثْلِهِ) أَيْ بِدِرْهَمٍ فِيهِ نُحَاسٌ (مُتَسَاوِيًا) أَيْ إذَا تَسَاوَى مَا فِيهِمَا مِنْ الْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ لِكَوْنِ النُّحَاسِ فِيهِمَا غَيْرَ مَقْصُودٍ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (ذَاتِ لَبَنٍ) بِذَاتِ لَبَنٍ (أَوْ صُوفٍ بِمِثْلِهَا) لِأَنَّ الصُّوفَ وَاللَّبَنَ بِهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ أَشْبَهَ الْمِلْحَ فِي الْخُبْزِ أَوْ الشَّيْرَجَ وَيَصِحُّ بَيْعُ تُرَابِ مَعْدِنٍ وَصَاغَةٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ.
(وَمَرْجِعُ الْكَيْلِ: عُرْفُ الْمَدِينَةِ) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَرْجِعُ (الْوَزْنِ: عُرْفُ مَكَّةَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِمَا رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ مَكَّةَ» وَكَلَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ فَمَا كَانَ مِكْيَالًا بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ التَّحْرِيمُ بِتَفَاضُلِ الْكَيْلِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَغَيَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَكَذَا الْمَوْزُونُ.
(وَمَا لَا عُرْفَ لَهُ بِهِمَا)، أَيْ بِمَكَّةِ وَالْمَدِينَةِ (اُعْتُبِرَ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ) لِأَنَّ مَا لَا حَدَّ لَهُ فِي الشَّرْعِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ (فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْبِلَادُ) الَّتِي هِيَ مَوَاضِعُهُ (اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ) مِنْهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) غَالِبٌ (رُدَّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا بِالْحِجَازِ) لِأَنَّ الْحَوَادِثَ تُرَدُّ إلَى أَشْبَهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِهَا.
وَقَوْلُهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ) إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا بِالْحِجَازِ (رَجَعَ إلَى عُرْفِ بَلَدِهِ) مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فِي أَنَّ مَا لَا عُرْفَ لَهُ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا بِالْحِجَازِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْإِنْصَافِ عَنْ الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ رَدَّهُ إلَى ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرْفٌ بِبَلَدِهِ (وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ مَكِيلَانِ) وَكَذَا الْأَقِطُ.
(وَكَذَا الدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ وَالْأَبَازِيرُ وَالْأُشْنَانُ، وَ) كَذَا (الْجِصُّ وَالنُّورَةُ) وَيَأْتِي فِي السَّلَمِ أَنَّهُ يُسْلَمُ فِيهِمَا وَزْنًا (وَنَحْوِهِمَا) أَيْ نَحْوِ الْجِصِّ وَالنُّورَةِ (وَكَذَا التَّمْرُ وَالرُّطَبُ وَالْبُسْرُ) وَبَاقِي تَمْرِ النَّخْلِ.
(وَسَائِرُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الثِّمَارِ مِثْلُ الزَّبِيبِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَاللَّوْزِ وَالْبُطْمِ وَالْعُنَّابِ وَالْمِشْمِشِ وَالزَّيْتُونِ، وَالْمِلْحِ، وَالْمَائِعِ كُلِّهِ) مِنْ لَبَنٍ وَخَلٍّ وَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ وَجَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ الْعَسَلَ مَوْزُونًا (وَيَجُوزُ التَّعَامُلُ بِكَيْلٍ لَمْ يُعْهَدْ) أَيْ لَمْ يُتَعَارَفْ.
(وَمِنْ الْمَوْزُونِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالنُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ وَالرَّصَاصُ وَالزِّئْبَقُ وَالْكَتَّانُ وَالْقُطْنُ وَالْحَرِيرُ وَالْقَزُّ وَالشَّعْرُ وَالْوَبَرُ)، وَالصُّوفُ (وَالْغَزْلُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالزُّجَاجُ وَالطِّينُ الْأَرْمَنِيُّ الَّذِي يُؤْكَلُ دَوَاءً، وَاللَّحْم وَالشَّحْمُ وَالشَّمْعُ وَالزَّعْفَرَانُ وَالْعُصْفُرُ وَالْوَرْسُ وَالْخُبْزُ) إلَّا إذَا يَبِسَ وَدُقَّ وَصَارَ فُتَيْتًا فَهُوَ مَكِيلٌ وَتَقَدَّمَ.
(وَالْجُبْنُ وَالْعِنَبُ وَالزُّبْدُ وَنَحْوُهُ) أَيْ نَحْوُ مَا ذَكَرَ قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: يُبَاحُ السَّمْنُ بِالْوَزْنِ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُبَاعَ بِالْكَيْلِ، (وَغَيْرُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ، وَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ وَالرُّمَّانِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ، وَسَائِرِ الْخُضَرِ وَالْبُقُولِ، وَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْخَوْخِ وَنَحْوِهِ) كَالْإِجَّاصِ وَكُلِّ فَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي.