فصل: الضَّرْبُ الثَّانِي: (عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.الضَّرْبُ الثَّانِي: (عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ):

(فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَوْصُوفٍ مَضْبُوطٍ بِصِفَاتٍ، كَالسَّلَمِ فَيُشْتَرَطُ تَقْدِيرُهَا بِعَمَلٍ أَوْ مُدَّةٍ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ دَارٍ وَحَمْلٍ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ) لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
(وَيَلْزَمُ) الْأَجِيرَ (الشُّرُوعُ فِيهِ) أَيْ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ (عَقِبَ الْعَقْدِ) لِجَوَازِ مُطَالَبَتِهِ بِهِ إذَنْ.
(فَلَوْ تَرَكَ) الْأَجِيرُ (مَا يَلْزَمُهُ قَالَ الشَّيْخُ بِلَا عُذْرٍ فَتَلِفَ) قَالَ الشَّيْخُ بِسَبَبِهِ (ضَمِنَ) مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَجِيرُ فِيهَا إلَّا آدَمِيًّا) لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ وَلَا ذِمَّةَ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ (جَائِزَ التَّصَرُّفِ) لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ تَجُزْ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ.
(وَيُسَمَّى الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ) لِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ أَعْمَالًا لِجَمَاعَةٍ فَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ (وَهُوَ) أَيْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ (مَنْ قُدِّرَ نَفْعُهُ بِالْعَمَلِ) بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فَنَفْعُهُ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَنِ وَتَقَدَّمَ.
(وَلَا يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى شَيْءٍ (كَقَوْلِهِ اسْتَأْجَرْتُك لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ فِي يَوْمٍ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يَزِيدُ الْإِجَارَةَ غَرَرًا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْرُغُ مِنْ الْعَمَلِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ فَإِنْ اسْتَعْمَلَ فِي بَقِيَّتِهِ فَقَدْ زَادَ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَانَ تَارِكًا لِلْعَمَلِ فِي بَعْضِهِ فَهَذَا غَرَرٌ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، فَلَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ مَعَهُ.
(وَيَصِحُّ) الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ (جِعَالَةً) لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْإِجَارَةِ فَإِذَا تَمَّ الْعَمَلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَمَلُ فِي بَقِيَّتِهَا، كَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ أَجَلِهِ.
وَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْعَمَلِ فَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ طَالَبَهُ بِالْعَمَلِ فَقَطْ، كَالْمُسْلِمِ إذَا صَبَرَ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الْعَمَلِ سَقَطَ الْأَجْرُ وَالْعَمَلُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ عَمَلِ بَعْضِهِ فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ مِنْ الْجَاعِلِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِ فَلَا شَيْءَ لَهُ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ لَكِنْ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا.
(وَيَحْرُمُ وَلَا تَصِحُّ إجَارَةٌ عَلَى عَمَلٍ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ وَلَا يَقَعُ) ذَلِكَ الْعَمَلُ (إلَّا قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ كَالْحَجِّ أَيْ النِّيَابَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَجِّ.
(وَالْعُمْرَةِ وَالْأَذَانِ وَنَحْوِهَا كَإِقَامَةٍ وَإِمَامَةِ صَلَاةٍ، وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَفِقْهِ حَدِيثٍ وَكَذَا الْقَضَاءُ قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ) لِمَا رَوَى عُبَادَةُ قَالَ:
«عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ فَأَهْدَى لِي رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنْ سَرَّكَ أَنْ يُقَلِّدَكَ اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَأَهْدَى لَهُ خَمِيصَةً أَوْ ثَوْبًا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّكَ لَوْ لَبِسْتَهَا أَلْبَسَكَ اللَّهُ مَكَانَهَا ثَوْبًا مِنْ نَارٍ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ كَوْنَهَا قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْأُجْرَةِ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يُصَلُّونَ خَلْفَهُ.
(وَيَصِحُّ أَخْذُ جِعَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ كَ) مَا يَجُوزُ (أَخْذُهُ) عَلَيْهِ (بِلَا شَرْطٍ وَكَذَا) حُكْمُ (رُقْيَةٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ الْقَوْسِ وَالْخَمِيصَةِ فَقَضِيَّتَانِ فِي عَيْنٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ خَالِصًا فَكَرِهَ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي عَلَى أَنَّ أَحَادِيثَهُمَا لَا تُقَاوِمُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ، فَفِي إسْنَادِهِمَا مَقَالٌ.
(وَلَهُ أَخْذُ رِزْقٍ عَلَى مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ) كَالْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَنَحْوِهَا (كَ) مَا يَجُوزُ أَخْذُ (الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِهَذِهِ الْمَصَالِحِ) الْمُتَعَدِّي نَفْعُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ، بَلْ الْقَصْدُ بِهِ الْإِعَانَةُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً وَلَا يَقْدَحُ فِي الْإِخْلَاصِ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَحَ مَا اُسْتُحِقَّتْ الْغَنَائِمُ (بِخِلَافِ الْأَجْرِ) فَيَمْتَنِعُ أَخْذُهُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ رِزْقٍ، وَ) لَا (جُعْلٍ، وَ) لَا (أَجْرَ عَلَى مَا لَا يَتَعَدَّى) نَفْعُهُ (كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ خَلْفَهُ) بِأَنْ أَعْطَى لِمَنْ يُصَلِّي مَأْمُومًا مَعَهُ جُعْلًا أَوْ أُجْرَةً أَوْ رِزْقًا (وَصَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ وَحَجُّهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَدَاءُ زَكَاةِ نَفْسِهِ وَنَحْوُهُ) كَاعْتِكَافِهِ وَطَوَافِهِ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْأَجْرَ عِوَضُ الِانْتِفَاعِ وَلَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهِ هَهُنَا انْتِفَاعٌ فَأَشْبَهَ إجَارَةَ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا (وَلَا) يَصِحُّ (أَنْ يُصَلِّيَ عَنْهُ) وَفِي نُسَخٍ عَنْ (غَيْرِهِ فَرْضًا وَلَا نَافِلَةً فِي حَيَاتِهِ، وَلَا فِي مَمَاتِهِ) لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ فَلَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَدْخُلُ تَبَعًا، وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الصَّوْمِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ صَلَاةٍ وَنَحْوُهُ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ: كُلُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا مُسْلِمٌ وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِحَيٍّ أَوْ لِمَيِّتٍ نَفَعَهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا لَيْسَتْ وَاقِعَةً عَنْ الْغَيْرِ، بَلْ لِلْفَاعِلِ وَثَوَابُهَا لِلْمَفْعُولِ عَنْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(فَإِذَا وَصَّى بِدَرَاهِمَ لِمَنْ يُصَلِّي عَنْهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ) تَحْصِيلًا لِغَرَضِهِ فِي الْجُمْلَةِ.
(وَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ، كَتَفْرِقَةِ الصَّدَقَةِ وَلَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ) وَلَحْمِ الْهَدْيِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ لَصِحَّتِهِ مِنْ الذِّمِّيِّ.
(وَتَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (عَلَى تَعْلِيمِ الْخَطِّ وَالْحِسَابِ وَالشِّعْرِ الْمُبَاحِ وَشِبْهِهِ) لِأَنَّهُ تَارَةً يَقَعُ قُرْبَةً وَتَارَةً يَقَعُ غَيْرَ قُرْبَةٍ فَلَمْ يَمْنَعْ الِاسْتِئْجَارَ لِفِعْلِهِ، كَغَرْسِ الْأَشْجَارِ وَبِنَاءِ الْبُيُوتِ.
(فَإِنْ نَسِيَهُ) أَيْ مَا تَعَلَّمَهُ مِنْ شِعْرٍ وَحِسَابٍ وَنَحْوِهِ (فِي الْمَجْلِسِ أَعَادَ تَعْلِيمَهُ) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْعُرْفِ (وَإِلَّا) بِأَنْ نَسِيَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ (فَلَا) يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ.
(وَتَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (عَلَى بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَكَنْسِهَا وَإِسْرَاجِ قَنَادِيلِهَا، وَفَتْحِ أَبْوَابِهَا وَنَحْوِهِ) كَتَجْمِيرِهَا (وَعَلَى بِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَنَحْوِهَا) كَالرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِكِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْجُمَهُ صَحَّ كَ) مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِ (فَصْدٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَلَوْ عَلِمَهُ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا كَالْبِنَاءِ وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَيْهَا وَلَا يَجِدُ كُلُّ أَحَدٍ مُتَبَرِّعًا بِهَا، فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا كَالرَّضَاعِ (وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُ أُجْرَتِهِ كَ) مَا يُكْرَهُ لِلْحُرِّ (أَخْذُ) أَيْ أَكْلُ (مَا أَعْطَاهُ) الْمُحْتَجِمُ (بِلَا شَرْطٍ) وَيُطْعِمُهُ الرَّقِيقَ وَالْبَهَائِمَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ:
«أَطْعِمْهُ نَاضِحَكَ وَرَقِيقَكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، فَدَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُطْعِمَ رَقِيقَهُ مَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ فَإِنَّ الرَّقِيقَ آدَمِيٌّ يُمْنَعُ مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ الْحُرُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ خَبِيثًا التَّحْرِيمُ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَمَّى الْبَصَلَ وَالثُّومَ خَبِيثَيْنِ مَعَ إبَاحَتِهِمَا وَخَصَّ الْحُرَّ بِذَلِكَ تَنْزِيهًا لَهُ.
(وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ لِحَلْقِ الشَّعَرِ) الْمَطْلُوبِ أَوْ الْمُبَاحِ أَخْذُهُ (وَ) لِ (تَقْصِيرِهِ وَلِخِتَانٍ وَقَطْعِ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى قَطْعِهِ لِنَحْوِ أَكْلِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ وَلَا يُكْرَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» يَعْنِي بِالْحِجَامَةِ كَمَا نَهَى عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ، وَكَمَا لَوْ كَسَبَ بِصِنَاعَةٍ أُخْرَى.
(وَمَعَ عَدَمِهَا) أَيْ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ (يَحْرُمُ) الْقَطْعُ (وَلَا يَصِحُّ) الِاسْتِئْجَارُ لَهُ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْعَ الشَّرْعِيَّ كَالْحِسِّيِّ قُلْت وَمِثْلُهُ حَلْقُ اللِّحْيَةِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ.
(وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ) الْأَرْمَدُ (كَحَّالًا لِيُكَحِّلَ عَيْنَيْهِ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ جَائِزٌ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ (وَيُقَدَّرُ ذَلِكَ بِالْمُدَّةِ) دُونَ الْبُرْءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ (وَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ عَدَدِ مَا يُكَحِّلُهُ كُلَّ يَوْمٍ) فَيَقُولُ (مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ كَحَّلَهُ فِي الْمُدَّةِ فَلَمْ يَبْرَأْ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ) لِأَنَّهُ وَفَّى بِالْعَمَلِ.
(وَإِنْ بَرِئَ) الْأَرْمَدُ (فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ الْمُدَّةِ (انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ) مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (وَكَذَا لَوْ مَاتَ) الْأَرْمَدُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ لِمَا مَرَّ، وَيَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِالْقِسْطِ.
(فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَرِيضُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ إتْمَامِ الْكُحْلِ (مَعَ بَقَاءِ الْمَرَضِ اسْتَحَقَّ الطَّبِيبُ الْأُجْرَةَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ وَقَدْ بَذَلَ الْأَجِيرُ مَا عَلَيْهِ (فَإِنْ قَدَّرَهَا) أَيْ الْمُدَّةَ (بِالْبُرْءِ لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ (إجَارَةً وَلَا جِعَالَةً) لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يَنْضَبِطُ (وَيَأْتِي) أَيْضًا (فِي الْجِعَالَةِ).
، (وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ) الْمَرِيضُ (طَبِيبًا لِمُدَاوَاتِهِ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْكَحَّالِ).
(إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الدَّوَاءِ عَلَى الطَّبِيبِ) بِخِلَافِ الْكُحْلِ، يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْكَحَّالِ، وَيَدْخُلُ تَبَعًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَجَرْيِ الْعَادَةِ بِهِ فِي الْكَحِيلِ دُونَ الدَّوَاءِ.
وَيَمْلِكُ الْأُجْرَةَ وَلَوْ أَخْطَأَ فِي تَطْبِيبِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ قَالَ: وَيَلْزَمُهُ مَا الْعَادَةُ أَنْ يُبَاشِرَهُ مِنْ وَصْفِ الْأَدْوِيَةِ وَتَرْكِيبِهَا وَعَمَلِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، عَادَتُهُ تَرْكِيبُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حُقْنَةٍ وَفَصْدٍ وَنَحْوِهِمَا إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُبَاشِرَهُ وَإِلَّا فَلَا.
(وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَقْلَعُ لَهُ ضِرْسَهُ) عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى قَلْعِهِ (فَإِنْ أَخْطَأَ فَقَلَعَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِقَلْعِهِ ضَمِنَهُ) لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَلَا فَرْقَ فِي ضَمَانِهَا بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ إلَّا فِي الْقِصَاصِ وَعَدَمِهِ (وَإِنْ بَرِئَ الضِّرْسُ قَبْلَ قَلْعِهِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ) لِأَنَّ قَلْعَهُ لَا يَجُوزُ (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ (فِي بُرْئِهِ) أَيْ الضِّرْسِ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِهِ.
(وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ) الضِّرْسُ (لَكِنْ امْتَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ قَلْعِهِ لَمْ يُجْبَرْ) عَلَى قَلْعِهِ لِأَنَّهُ إتْلَافُ جُزْءٍ مِنْ الْآدَمِيِّ مُحَرَّمٍ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ إذَا صَارَ بَقَاؤُهُ ضَرَرًا، وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى كُلِّ إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَصَاحِبُ الضِّرْسِ أَعْلَمُ بِمَضَرَّتِهِ وَنَفْعِهِ وَقَدْرِ أَلَمِهِ.

.فَصْلٌ: فِي تَقْدِيرِ الْمَنْفَعَةِ:

وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا (لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبِ الْمُؤْجِرِ لَمْ يَصِحَّ) الْعَقْدُ، لِئَلَّا يَلْزَمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مِلْكٌ لِلْمُؤَجِّرِ قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَلَوْ صَحَّ اسْتِئْجَارُهَا لَهُ لَزِمَ تَمْلِيكُهُ مَا هُوَ فِي مِلْكِهِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ إعَارَتُهَا لِلْمُؤَجِّرِ كَغَيْرِهِ.
(وَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِمِثْلِهِ بِإِعَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِالْعَقْدِ، فَكَانَ لَهُ التَّسَلُّطُ عَلَى اسْتِيفَائِهَا بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ (وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (اسْتِيفَاءَهَا) أَيْ الْمَنْفَعَةِ (بِنَفْسِهِ فَسَدَ الشَّرْطُ وَلَمْ يَلْزَمْ الْوَفَاءُ بِهِ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، إذْ مُقْتَضَاهُ الْمِلْكُ وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ وَبِنَائِبِهِ.
(وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ رَاكِبٍ مِثْلِهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ دُونَهُ (فِي طُولٍ وَقِصَرٍ وَغَيْرِهِمَا) كَسِمَنٍ وَهُزَالٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِذَلِكَ الرَّاكِبِ، لَا بِأَطْوَلَ أَوْ أَثْقَلَ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا عَقَدَ عَلَيْهِ.
وَ(لَا) تُعْتَبَرُ مُمَاثَلَتُهُ (فِي مَعْرِفَةِ رُكُوبٍ) لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ يَسِيرٌ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ شَرْطِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ فِي الْفَسَادِ.
(شَرْطُ زَرْعِ بُرٍّ فَقَطْ) فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءَ بِهِ وَلَهُ زَرْعُ مَا هُوَ مِثْلُهُ ضَرَرًا أَوْ أَقَلُّ، لَا أَكْثَرُ.
(وَلَا يَضْمَنُهَا مُسْتَعِيرٌ مِنْهُ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (إنْ تَلْفِتَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ) لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، فَكَانَ حُكْمُهُ كَالْمُسْتَأْجِرِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ فِي الْعَارِيَّةِ أَيْضًا.
(وَلَا يَجُوزُ) لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَا نَائِبِهِ (اسْتِيفَاءُ) الْمَنْفَعَةِ (بِمَا هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا وَلَا بِمَا يُخَالِفُ ضَرَرُهُ) أَيْ الْمُسْتَوْفَى (ضَرَرَهُ) أَيْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ وَمِثْلَهَا وَمَا دُونَهَا فِي الضَّرَرِ مِنْ جِنْسِهَا) أَيْ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لَا مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ.
(وَإِذَا اكْتَرَى لِزَرْعِ الْحِنْطَةِ فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ) كَالْبَاقِلَّا وَالْعَدَسِ وَنَحْوِهِ، مِمَّا هُوَ مِثْلُ الْبُرِّ فِي الضَّرَرِ أَوْ دُونَهُ (وَلَيْسَ لَهُ زَرْعُ الدُّخْنِ وَالذُّرَةِ وَنَحْوِهِمَا) كَقُطْنٍ وَقَصَبٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْ الْبُرِّ.
(وَلَا يَمْلِكُ الْغَرْسَ وَلَا الْبِنَاءَ) فِي الْأَرْضِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا لِلزَّرْعِ لِأَنَّهُمَا أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُ.
(وَإِنْ اكَتْرَاهَا لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَمْلِكْ الْآخَرُ) أَيْ إذَا اكْتَرَى الْأَرْضَ لِلْغَرْسِ لَمْ يَمْلِكْ الْبِنَاءَ، أَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْبِنَاءِ لَمْ يَمْلِكْ الْغَرْسَ، لِأَنَّ ضَرَرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُخَالِفُ ضَرَرَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْغَرْسَ يَضُرُّ بِبَاطِنِ الْأَرْضِ، وَالْبِنَاءَ يَضُرُّ بِظَاهِرِهَا.
(وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِلْغَرْسِ) مَلَكَ الزَّرْعَ، لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَقَلُّ مِنْ ضَرَرِ الْغَرْسِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ (أَوْ) اكْتَرَاهَا لِأَجْلِ (الْبِنَاءِ) مَلَكَ الزَّرْعَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْغَرْسِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِلْبِنَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الزَّرْعُ وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ ضَرَرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ.
(أَوْ) اكْتَرَاهَا (لَهُمَا) أَيْ لِلْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ مَلَكَ الزَّرْعَ لِأَنَّهُ أَخَفُّ ضَرَرًا.
(وَلَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ إمَّا مِنْ نَهْرٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِانْقِطَاعِهِ) كَالْأَرَاضِيِ الَّتِي تَشْرَبُ مِنْ النِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا (أَوْ) لَهَا مَاءٌ (لَا يَنْقَطِعُ إلَّا مُدَّةً لَا تُؤَثِّرُ فِي الزَّرْعِ)، أَوْ تَشْرَبُ (مِنْ عَيْنٍ تَنْبُعُ أَوْ بِرْكَةٍ مِنْ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ ثُمَّ تُسْقَى بِهِ، أَوْ) تَشْرَبُ (مِنْ بِئْرٍ) تَقُومُ بِكِفَايَتِهَا، أَوْ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ لِنَدَاوَةِ الْأَرْضِ وَقُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِ، فَهَذَا كُلُّهُ دَائِمٌ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ أَيْ هَذَا الْقَسْمِ مِنْ الْأَرْضِ (لِلْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ) قَالَ فِي الْمُغْنِي: بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ: (وَكَذَلِكَ الَّتِي تَشْرَبُ مِنْ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ، وَتَكْتَفِي بِالْمُعْتَادِ مِنْهُ) لِأَنَّ حُصُولَهُ مُعْتَادٌ، وَالظَّاهِرُ وُجُودُهُ.
الْقِسْمُ (الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ، وَهِيَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا مَا يَشْرَبُ مِنْ زِيَادَةٍ مُعْتَادَةٍ تَأْتِي وَقْتَ الْحَاجَةِ، كَأَرْضِ مِصْرَ الشَّارِبَةِ مِنْ زِيَادَةِ النِّيلِ وَمَا يَشْرَبُ مِنْ زِيَادَةِ الْفُرَاتِ وَأَشْبَاهِهِ، وَأَرْضِ الْبَصْرَةِ الشَّارِبَةِ مِنْ الْمَدِّ وَالْجَزْرِ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الصِّحَاحِ: الْجَزْرُ ضِدُّ الْمَدِّ، وَهُوَ رُجُوعُ الْمَاءِ إلَى خَلْفٍ.
(وَأَرْضُ دِمَشْقَ الشَّارِبَةُ مِنْ زِيَادَةِ بَرَدَى) بِفَتَحَاتٍ (وَمَا يَشْرَبُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ الْجَارِيَةِ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ) الْمُعْتَادِ (فَهَذِهِ تَصِحُّ إجَارَتُهَا قَبْلَ وُجُودِ الْمَاءِ الَّذِي تُسْقَى بِهِ) لِأَنَّ حُصُولَهُ مُعْتَادٌ، وَالظَّاهِرُ وُجُودُهُ وَلِأَنَّ ظَنَّ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فِي وَقْتِهِ كَافٍ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، كَالسَّلَمِ فِي الْفَاكِهَةِ إلَى أَوَانِهَا.
(النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَجِيءُ الْمَاءِ) إلَيْهَا (نَادِرًا أَوْ غَيْرَ ظَاهِرٍ كَالْأَرْضِ الَّتِي لَا يَكْفِيهَا إلَّا الْمَطَرُ الشَّدِيدُ الْكَثِيرُ الَّذِي يَنْدُرُ وُجُودُهُ أَوْ يَكُونُ شِرْبُهَا مِنْ فَيْضِ وَادٍ مَجِيئُهُ نَادِرٌ، أَوْ) يَكُونُ شُرْبُهَا (مِنْ زِيَادَةٍ) غَيْرِ مُعْتَادَةٍ بَلْ (نَادِرَةٌ فِي نَهْرٍ) أَوْ غَيْرِ غَالِبَةٍ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي مِنْ نِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَهَذِهِ إنْ أَجَرَهَا بَعْدَ وُجُودِ مَا يَسْقِيهَا بِهِ صَحَّ) الْعَقْدُ لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى النَّفْعِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا.
(وَ) إنْ أَجَرَهَا (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ وُجُودِ مَا يَسْقِيهَا لِلزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ (لَا يَصِحُّ) الْعَقْدُ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تُنْبِتُ الزَّرْعَ أَوْ الْغَرْسَ بِلَا مَاءٍ وَحُصُولُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ، فَأَشْبَهَتْ السَّبْخَةَ إذَا أُجِرَتْ لِلزَّرْعِ.
(وَإِنْ اكْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا لَا مَاءَ لَهَا صَحَّ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِالِانْتِفَاعِ مِنْهَا بِالنُّزُولِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَوَضْعِ رَحْلِهِ وَجَمْعِ الْحَطَبِ قُلْت: وَهَذَا مَعْنَى اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ مَقِيلًا وَمَرَاحًا.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَمَا لَمْ يُرْوَ مِنْ الْأَرْضِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ اتِّفَاقًا: وَإِنْ قَالَ فِي الْإِجَارَةِ: مَقِيلًا وَمَرَاحًا وَأَطْلَقَ لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ عَقْدٌ كَالْبَرِّيَّةِ.
(وَإِنْ حَصَلَ لَهَا مَاءٌ قَبْلَ) فَوَاتِ زَمَنِ (زَرْعِهَا فَلَهُ زَرْعُهَا) لِأَنَّهُ مِنْ مَنَافِعِهَا الْمُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا.
(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَلَا يَغْرِسَ) فِيهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِلتَّأْبِيدِ.
وَتَقْدِيرُ الْإِجَارَةُ بِمُدَّةٍ يَقْتَضِي تَفْرِيغُهَا عِنْدَ انْقِضَائِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِالْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فَإِنَّ تَصْرِيحَهُ صَرَفَ التَّقْدِيرَ عَنْ مُقْتَضَاهُ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهَا، لَا إنْ ظَنَّ إمْكَانَ تَحْصِيلِهِ.
(وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ لَمْ يَمْلِكْ الْآخَرَ) لِأَنَّ ضَرَرَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لِضَرَرِ الْآخَرِ لِأَنَّ الرَّاكِبَ يُعِينُ الظَّهْرَ بِحَرَكَتِهِ، لَكِنْ يَقْعُدُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَيَشْتَدُّ عَلَى الظَّهْرِ وَالْمَتَاعُ يَتَفَرَّقُ عَلَى جَنْبَيْهِ، لَكِنْ لَا حَرَكَة لَهُ يُعِينُ بِهَا الظَّهْرَ.
(وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَهَا عُرْيًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ) لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَمَّا عَقَدَ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ فَلَيْسَ لَهُ رُكُوبُهَا عُرْيًا) لِأَنَّهُ يَحْمِي ظَهْرَهَا فَرُبَّمَا أَفْسَدَهُ.
(وَ) إنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ (لَا) يَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ أَثْقَلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
(وَلَا أَنْ يَرْكَبَ الْحِمَارَ بِسَرْجِ بِرْذَوْنٍ إنْ كَانَ أَثْقَلَ مِنْ سَرْجِهِ أَوْ أَضَرَّ) لِمَا تَقَدَّمَ (لَا إنْ كَانَ أَخَفَّ أَوْ أَقَلَّ ضَرَرًا) مِنْ سَرْجِهِ وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: أَخَفَّ وَأَقَلَّ ضَرَرًا كَمَا فِي الْمُغْنِي، إذْ أَحَدُهُمَا لَيْسَ بِكَافٍ.
(وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِحَمْلِ الْحَدِيدِ أَوْ الْقُطْنِ لَمْ يَمْلِكْ حَمْلَ الْآخَرِ) لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهِمَا لِأَنَّ الْقُطْنَ يَتَجَافَى، وَتَهُبُّ فِيهِ الرِّيحُ فَيُتْعِبُ الظَّهْرَ، وَالْحَدِيدُ يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَيَثْقُلُ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ آجَرَهُ مَكَانًا لِيَطْرَحَ فِيهِ إرْدَبَّ قَمْحٍ فَطَرَحَ فِيهِ إرْدَبَّيْنِ فَإِنْ كَانَ الطَّرْحُ عَلَى الْأَرْضِ فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِلزَّائِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ (وَإِنْ كَانَ) الطَّرْحُ (عَلَى غُرْفَةٍ وَنَحْوِهَا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ) لِتَعَدِّيهِ بِهِ.
(وَإِنْ اكْتَرَاهُ لِيَطْرَحَ فِيهِ أَلْفَ رِطْلِ قُطْنٍ فَطَرَحَ فِيهِ أَلْفَ رِطْلِ حَدِيدٍ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) مُقْتَضَى التَّحْقِيقِ: أَنْ يُقَالَ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى مَعَ تَفَاوُتِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُبْدِعِ، وَلِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ خَالَفَ (فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ إلَخْ).
وَإِنْ آجَرَهُ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا أَوْ يَغْرِسَهَا لَمْ يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَهُمَا،.
وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِلزَّرْعِ مُطْلَقًا (صَحَّ) أَوْ قَالَ: لِتَزْرَعَهَا مَا شِئْتَ وَتَغْرِسَهَا مَا شِئْتَ صَحَّ (الْعَقْدُ وَتَقَدَّمَ) وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا كُلَّهَا مَا شَاءَ، وَأَنْ يَغْرِسَهَا كُلَّهَا مَا شَاءَ قُلْت: (وَأَنْ يَزْرَعَ) الْبَعْضَ وَيَغْرِسَ الْبَاقِيَ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَتَصْلُحُ لِزَرْعٍ وَغَيْرِهِ، صَحَّ فِي الْأَصَحِّ.
(وَ) إنْ أَطْلَقَ وَتَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ أَوْ (قَالَ: لِتَنْتَفِعَ بِهَا مَا شِئْت، فَلَهُ الزَّرْعُ وَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ كَيْفَ شَاءَ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا سَبَقَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا مَاءَ لَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ فِي الْعَقْدِ عَلَى الِانْتِفَاعِ كَيْفَ شِئْتَ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَى مَا إذَا أَطْلَقَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى دَلَالَةِ الْقَرِينَةِ.
(وَإِنْ خَالَفَ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِشَيْءٍ وَخَالَفَ (فَفَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلزَّرْعِ فَغَرَسَ وَنَحْوَهُ، لَزِمَهُ الْمُسَمَّى مَعَ تَفَاوُتِ أَجْرِ الْمِثْلِ، فَيُقَالُ فِيمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعِ حِنْطَةٍ فَزَرَعَهَا قُطْنًا كَمْ تُسَاوِي أُجْرَتُهَا مَعَ الْحِنْطَةِ؟ فَيُقَالُ، مَثَلًا: عَشَرَةٌ، وَمَعَ الْقُطْنِ؟ فَيُقَالُ: مَثَلًا خَمْسَةَ عَشَرَ، فَيَأْخُذُ رَبُّهَا مَعَ الْمُسَمَّى الْخَمْسَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَ الْحِنْطَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ.
فَإِذَا زَرَعَ مَا هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا فَقَدْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ وَزِيَادَةً عَلَيْهَا، فَكَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى لِلْمَنْفَعَةِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلتَّفَاوُتِ.
(أَوْ سَلَكَ) الْمُسْتَأْجِرُ (طَرِيقًا أَشَقَّ مِمَّا عَيَّنَهَا، لَزِمَهُ الْمُسَمَّى) فِي الْعَقْدِ (مَعَ تَفَاوُتِ أَجْرِ الْمِثْلِ) كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا فِيمَا إذَا اكْتَرَى) ظَهْرًا (لِحَمْلِ حَدِيدٍ فَحَمَلَ) عَلَيْهِ (قُطْنًا وَعَكْسُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِأَنَّ ضَرَرَ أَحَدِهِمَا مُخَالِفٌ لِضَرَرِ الْآخَرِ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُ الْمَحْمُولِ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَزِيَادَةٍ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْمَسَائِلِ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَجَزَمَ فِي التَّنْقِيحِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى مَعَ تَفَاوُتِ أَجْرِ الْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ.
(وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ) لَزِمَهُ الْمُسَمَّى مَعَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ.
(وَلَوْ) اسْتَأْجَرَهَا (لِرُكُوبِهِ وَحْدَهُ فَأَرْدَفَ غَيْرَهُ) لَزِمَهُ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلرَّدِيفِ.
(أَوْ) اسْتَأْجَرَ لِيَرْكَبَ أَوْ يَحْمِلَ (إلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِهِ.
(وَإِنْ تَلِفَتْ الدَّابَّةُ) الْمُؤَجَّرَةُ، وَقَدْ خَالَفَ الْمُسْتَأْجِرُ فَفَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ (ضَمِنَ قِيمَتَهَا) كُلِّهَا لِتَعَدِّيهِ (سَوَاءٌ تَلِفَتْ فِي الزِّيَادَةِ، أَوْ) تَلِفَتْ (بَعْدَ رَدِّهَا إلَى الْمَسَافَةِ) لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ ضَامِنَةً بِمُجَاوَزَةِ الْمَكَانِ فَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ عَنْهَا إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَوْ كَانَتْ) الدَّابَّةُ تَلِفَتْ (فِي يَدِ صَاحِبِهَا) بِأَنْ كَانَ مَعَهَا وَلَمْ يَرْضَ بِحَمْلِ الزَّائِدِ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَا بِمُجَاوَزَةِ الْمَكَانِ (وَلَوْ كَانَتْ بَعْدَ رَدِّهَا إلَى الْمَسَافَةِ) لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ ضَامِنَةً بِمُجَاوَزَةِ الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ الْيَدَ لِلرَّاكِبِ وَذِي الْحِمْلِ، وَسُكُوتُ رَبِّهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ، كَمَا لَوْ بِيعَ مَتَاعُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ الطَّلَبُ بِهِ.
(إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (عَلَيْهَا) أَيْ الْمُؤَجَّرَةِ (شَيْءٌ وَتَتْلَفُ فِي يَدِ صَاحِبِهَا بِسَبَبٍ غَيْرِ حَاصِلٍ مِنْ الزِّيَادَةِ) بِأَنْ افْتَرَسَهَا سَبُعٌ، أَوْ سَقَطَتْ مِنْهُ فِي هُوَّةٍ، أَوْ جَرَحَهَا إنْسَانٌ فَمَاتَتْ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْتَرِي لِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ.
(وَإِنْ كَانَ) التَّلَفُ (بِسَبَبِهَا) أَيْ الزِّيَادَةِ (كَتَعَبِهَا مِنْ الْحِمْلِ) الَّذِي زَادَ فِيهِ أَ (و السَّيْرِ) الَّذِي تَجَاوَزَ فِيهِ الْمَسَافَةَ (فَيَضْمَنُ) الْمُسْتَأْجِرُ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبٍ حَاصِلٍ مِنْ تَعَدِّيهِ (كَتَلَفِهَا تَحْتَ الْحِمْلِ) الزَّائِدِ (وَالرَّاكِبِ) الْمُتَعَدِّي.
(وَكَمَنْ أَلْقَى حَجَرًا فِي سَفِينَةٍ مَوْقُورَةٍ فَغَرَّقَهَا) الْحَجَرُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَمَا فِيهَا جَمِيعَهُ.
(فَإِنْ اكْتَرَى) إنْسَانٌ (لِحَمْلِ قَفِيزَيْنِ، فَحَمَلَهُمَا فَوَجَدَهُمَا ثَلَاثَةً فَإِنْ كَانَ الْمُكْتَرِي تَوَلَّى الْكَيْلَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُكْرِي بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّهَا ثَلَاثَةٌ (فَكَمَنْ اكْتَرَى لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ) يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْقَفِيزِ الزَّائِدِ (وَإِنْ كَانَ الْمُكْرِي) أَيْ الْأَجِيرُ (تَوَلَّى كَيْلَهُ، وَ) تَوَلَّى (تَعْبِئَتَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُكْتَرِي) أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَأْذَنْ (فَلَا أَجْرَ لَهُ فِي حَمْلِ الزَّائِدِ) لِتَعَدِّيهِ بِحَمْلِهِ.
(وَإِنْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (لَهَا) لِأَنَّ تَلَفَهَا بِتَعَدِّي مَالِكَهَا (وَحُكْمُهُ فِي ضَمَانِ الطَّعَامِ) إذَا تَلِفَ (حُكْمُ مَنْ غَصَبَ طَعَامَ غَيْرِهِ) فَتَلِفَ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ (وَإِنْ تَوَلَّى ذَلِكَ) أَيْ الْكَيْلَ وَالتَّعْبِئَةَ (أَجْنَبِيٌّ وَلَمْ يَعْلَمَا) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْأَجِيرُ، أَوْ عَلِمَا وَلَمْ يَأْذَنَا (فَهُوَ مُتَعَدٍّ عَلَيْهِمَا، عَلَيْهِ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ الْأَجْرُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُهَا) إنْ تَلِفَتْ.
(وَعَلَيْهِ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ ضَمَانُ) مِثْلِ (طَعَامِهِ) إنْ تَلِفَ (وَسَوَاءٌ كَالَهُ) أَيْ الطَّعَامَ (أَحَدُهُمَا وَوَضَعَهُ الْآخَرُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ، أَوْ كَانَ الَّذِي كَالَهُ وَعَبَّأَهُ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ) أَيْ فَالْحُكْمُ مَنُوطٌ بِالْكَايِلِ لِأَنَّ التَّدْلِيسَ مِنْهُ لَا مِمَّنْ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ.