فصل: بَاب الْعَارِيَّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.بَاب الْعَارِيَّةِ:

بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَأَصْلُهَا مِنْ عَارَ، إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبَطَّالِ: عِيَارٌ، لِتَرَدُّدِهِ فِي بَطَالَتِهِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَعَارَهُ وَعَارَهُ، كَأَطَاعَهُ وَطَاعَهُ قَالَ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلْجَوْهَرِيِّ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَارِ وَفِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا وَأَصْلُ الْمَادَّةِ فِيهَا قِيلَ: الْعُرْيُ، وَهُوَ التَّجَرُّدُ فَسُمِّيَتْ عَارِيَّةٌ لِتَجَرُّدِهَا عَنْ الْعِوَضِ، كَمَا تُسَمَّى النَّخْلَةُ الْمَوْهُوبَةُ عَرِيَّةٌ، لِتَعَرِّيهَا عَنْ الْعِوَضِ وَقِيلَ مِنْ التَّعَاوُرِ أَيْ التَّنَاوُبِ لِجَعْلِ مَالَهَا لِلْغَيْرِ نَوَّبَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا (وَهِيَ) أَيْ الْعَارِيَّةُ (الْعَيْنُ الْمُعَارَةُ) أَيْ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ مَالِكهَا أَوْ مَالِكِ مَنْفَعَتِهَا أَوْ مَأْذُونِهِمَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مُطْلَقًا، أَوْ زَمَنًا مَعْلُومًا بِلَا عِوَضٍ وَتُطْلَقُ كَثِيرًا عَلَى الْإِعَارَةِ مَجَازًا وَيَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِهِ الدَّوْرُ وَالْعَارَةُ بِمَعْنَى الْعَارِيَّةِ قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ فَأَخْلِقْ وَأَتْلِفْ إنَّمَا الْمَالُ عَارَةٌ وَكُلُّهُ مَعَ الدَّهْرِ الَّذِي هُوَ آكِلُهُ (وَالْإِعَارَةُ إبَاحَةُ نَفْعِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ) مِنْ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْإِبَاحَةُ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ.
(وَهِيَ) أَيْ الْإِعَارَةُ (مَنْدُوبٌ إلَيْهَا) لِأَنَّهَا مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَقَالَ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وقَوْله تَعَالَى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ «هِيَ الْعَوَارِيُّ» وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» وَالْمَعْنَى شَاهِدٌ بِذَلِكَ فَهِيَ كَهِبَةِ الْأَعْيَانِ.
(وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا) أَيْ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ (مُنْتَفَعًا بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا) كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْتَعَارَ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَسًا، وَمِنْ صَفْوَانَ أَدْرَاعًا وَسُئِلَ عَنْ حَقِّ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ إعَارَةُ دَلْوِهَا وَإِطْرَاقُ فَحْلِهَا» فَثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَالْبَاقِي قِيَاسًا وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا مَعَ تَلَفِ عَيْنِهِ كَالْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ لَكِنْ إنْ أَعْطَاهَا بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ.
(وَتَنْعَقِدُ) الْإِعَارَةُ (بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ: أَعَرْتُكَ هَذَا) الشَّيْءَ (أَوْ أَبَحْتُكَ الِانْتِفَاعَ بِهِ، أَوْ يَقُولُ الْمُسْتَعِيرُ: أَعِرْنِي هَذَا أَوْ أُعْطِنِيهِ أَرْكَبُهُ، أَوْ أَحْمِلُ عَلَيْهِ فَيُسَلِّمُهُ) الْمُعِيرُ (إلَيْهِ وَنَحْوُهُ) كَاسْتَرِحْ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ، وَكَدَفْعِهِ الدَّابَّةَ لِرَفِيقِهِ عِنْدَ تَعَبِهِ، وَتَغْطِيَتِهِ بِكِسَائِهِ إذَا رَآهُ بَرَدَ، لِأَنَّهَا مِنْ الْبِرِّ فَصَحَتْ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ، كَدَفْعِ الصَّدَقَةِ وَمَتَى رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَبْقَى الْكِسَاءَ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَكْفِي مَا دَلَّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، كَمَا لَوْ سَمِعَ مَنْ يَقُولُ: أَرَدْتُ مَنْ يُعِيرُنِي كَذَا فَأَعْطَاهُ كَذَا لِأَنَّهَا إبَاحَةٌ لَا عَقْدٌ (وَيُعْتَبَرُ) أَيْضًا (كَوْنُ الْمُعِيرِ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ شَرْعًا) لِأَنَّ الْإِعَارَةَ نَوْعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ لِأَنَّهَا إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ فَلَا يُعِيرُ مُكَاتَبٌ وَلَا نَاظِرُ وَقْفٍ، وَلَا وَلِيٌّ يَتِيمٌ مِنْ مَالِهِ.
(وَ) يُعْتَبَرُ أَيْضًا (أَهْلِيَّةُ مُسْتَعِيرٍ لِلتَّبَرُّعِ لَهُ) بِتِلْكَ الْعَيْنِ بِأَنْ يَصِحَّ مِنْهُ قَبُولُهَا هِبَةً فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْمُصْحَفِ لِكَافِرٍ.
(وَإِنْ شَرَطَ) الْمُعِيرُ (لَهَا) أَيْ الْإِعَارَةِ (عِوَضًا مَعْلُومًا فِي عَارِيَّةٍ (مُؤَقَّتَةٍ) بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ (صَحَّ) ذَلِكَ (وَتَصِيرُ إجَارَةً) تَغْلِيبًا لِلْمَعْنَى، كَالْهِبَةِ إذَا شُرِطَ فِيهَا ثَوَابٌ مَعْلُومٌ كَانَتْ بَيْعًا.
(وَإِنْ قَالَ: أَعَرْتُكَ عَبْدِي) أَوْ نَحْوَهُ عَلَى أَنْ تُعِيرَنِي فَرَسَكَ) أَوْ نَحْوَهُ فَفَعَلَا (فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ لِلْجَهَالَةِ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا مُدَّةً مَعْلُومَةً وَلَا عَمَلًا مَعْلُومًا قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ لِتَعْلِفَهَا أَوْ هَذَا الْعَبْدَ لِتُمَوِّنَّهُ انْتَهَى وَإِنْ عَيَّنَا الْمُدَّةَ وَالْمَنْفَعَةَ صَحَّتْ إجَارَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَتَصِحُّ إعَارَةُ الدَّرَاهِمِ، وَ) إعَارَةُ (الدَّنَانِيرِ لِلْوَزْنِ) وَلِيُعَايِرَ عَلَيْهَا كَإِجَارَتِهَا لِذَلِكَ وَكَذَا الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ (فَإِنْ اسْتَعَارَهَا) أَيْ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ (لِيُنْفِقَهَا) أَوْ أَطْلَقَ (أَوْ اسْتَعَارَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا) لِيَأْكُلَهُ، أَوْ أَطْلَقَ (فَقَرْضٌ) تَغْلِيبًا لِلْمَعْنَى فَمُلْكُهُ بِالْقَبْضِ.
(وَتَصِحُّ) الْإِعَارَةُ (فِي) ذِي (الْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ) دُونَ الْمُحَرَّمَةِ كَالزَّمْرِ وَالطَّبْلِ وَالْغِنَاءِ.
(وَ) تَصِحُّ (إعَارَةُ كَلْبِ صَيْدٍ) أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ حَرْثٍ (وَ) إعَارَةُ (فَحْلٍ لِلضِّرَابِ) لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ مُبَاحٌ وَلَا مَحْظُورَ فِي إعَارَتِهِمَا لِذَلِكَ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الْعِوَضُ الْمَأْخُوذُ فِي ذَلِكَ وَلِذَلِكَ امْتَنَعَتْ إجَارَتُهُ.
(وَتَحْرُمُ إعَارَةُ بُضْعٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ أَيْ فَرْجٍ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ.
(وَ) تَحْرُمُ (إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ لِخِدْمَتِهِ خَاصَّةً كَ) مَا تَحْرُمُ (إجَارَتُهُ لَهَا) أَيْ لِلْخِدْمَةِ فَإِنْ أَعَارَهُ أَوْ أَجَرَهُ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرِ الْخِدْمَةِ صَحَّتَا وَتَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ.
(وَ) تَحْرُمُ (إعَارَةُ صَيْدٍ) لِمُحْرِمٍ لِأَنَّ إمْسَاكَهُ لَهُ مُحَرَّمٌ.
(وَ) تَحْرُمُ إعَارَةُ (مَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْإِحْرَامِ) مِنْ نَحْوِ طَيْبٍ (لِمُحْرِمٍ لِأَنَّهُ مُعَاوَنَةٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ أَعَارَ صَيْدًا لِمُحْرِمٍ (فَتَلِفَ الصَّيْدُ) بِيَدِ الْمُحْرِمِ (ضَمِنَهُ) الْمُحْرِمُ مِنْهُ بِالْجَزَاءِ وَلِلْمَالِكِ بِالْقِيمَةِ) وَتَقَدَّمَ فِي الْإِحْرَامِ تَوْضِيحُهُ.
(وَ) تَحْرُمُ إعَارَةُ عَيْنٍ لِنَفْعٍ مُحَرَّمٍ، كَإِعَارَةِ دَارٍ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً أَوْ يَشْرَبُ فِيهَا مُسْكِرًا، أَوْ يَعْصِي اللَّهَ فِيهَا، وَكَإِعَارَةِ سِلَاحٍ لِقِتَالٍ فِي الْفِتْنَةِ وَآنِيَةٍ لِيَتَنَاوَلَ بِهَا مُحَرَّمًا مِنْ نَحْوِ خَمْرٍ.
(وَ) إعَارَةُ (أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَ) إعَارَةُ (دَابَّةٍ مِمَّنْ يُؤْذِي عَلَيْهَا مُحْتَرَمًا وَ) إعَارَةُ (عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ لِغِنَاءٍ أَوْ نَوْحٍ أَوْ زَمْرٍ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلُّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَكَإِجَارَةِ ذَلِكَ.
(وَتَجِبُ إعَارَةُ مُصْحَفٍ لِمُحْتَاجٍ إلَى قِرَاءَةٍ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكُهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ) وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وُجُوبَ الْإِعَارَةِ أَيْضًا فِي كُتُبٍ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهَا مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَأَهْلِ الْفَتَاوَى وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يَنْبَغِي لِمَنْ مَلَكَ كِتَابًا أَنْ لَا يَبْخَلَ بِإِعَارَتِهِ لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إفَادَةُ الطَّالِبِ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْأَشْيَاخِ وَتَفْهِيمِ الْمُشْكِلِ فَائِدَةٌ قَالَ الْمَرْوَزِيُّ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ سَقَطَتْ مِنْهُ وَرَقَةٌ فِيهَا أَحَادِيثُ وَفَوَائِدُ فَأَخَذْتُهَا، تَرَى أَنْ أَنْسَخَهَا وَأُسْمِعَهَا قَالَ: لَا، إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا.
(وَلَا تُعَارُ الْأَمَةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ) بِهَا فِي وَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ (فَإِنْ وَطِئَ) الْمُسْتَعِيرُ الْأَمَةَ الْمُعَارَةَ (مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ إذَنْ (وَكَذَا هِيَ) يَلْزَمُهَا الْحَدُّ (إنْ طَاوَعَتْهُ) عَالِمَةٌ بِالتَّحْرِيمِ (وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ) تَبَعًا لِأُمِّهِ.
وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ وَلَدُ زِنَا (وَإِنْ كَانَ) وَطِئَ (جَاهِلًا) بِأَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِزَوْجَتِهِ، أَوْ سُرِّيَّتِهِ، أَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ لِحَدِيثِ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَكَذَا هِيَ لَا حَدَّ عَلَيْهَا إنْ جَهِلَتْ أَوْ أُكْرِهَتْ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ وَيَلْحَقُ بِهِ) لِلشُّبْهَةِ (وَتَجِبُ قِيمَتُهُ) يَوْمَ وِلَادَتِهِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ (لِلْمَالِكِ) لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ (وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِيهِمَا) وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ، أَيْ فِيمَا إذَا وَطِئَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا (وَلَوْ مُطَاوَعَةً) لِأَنَّ الْمَهْرَ لِلسَّيِّدِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَةِ الْمَوْطُوءَةِ (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَطْءِ (السَّيِّدُ) فَلَا مَهْرَ وَلَا أَرْشَ وَلَا فِدَاءَ لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِإِذْنِهِ.
(وَأَمَّا إعَارَةُ إعَارَةِ) الْأَمَةِ (لِلْخِدْمَةِ فَإِنْ كَانَتْ بَرْزَةً) أَيْ تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ (أَوْ) كَانَتْ (شَوْهَاءَ) قَبِيحَةَ الْمَنْظَرِ (جَازَ) لِسَيِّدِهَا أَنْ يُعِيرَهَا مُطْلَقًا لِلْأَمْنِ عَلَيْهَا وَالْجَوَازُ يَحْتَمِلُ نَفْيَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ.
فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَ الْعَارِيَّةِ النَّدْبُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَحِينَئِذٍ تَكْمُلُ لِلْعَارِيَّةِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ (وَكَذَا إنْ كَانَتْ) الْأَمَةُ شَابَّةً يَعْنِي جَمِيلَةً وَلَوْ كَبِيرَةً (وَكَانَتْ الْإِعَارَةُ لِمَحْرَمٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ) لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا (وَإِنْ كَانَتْ) إعَارَةُ الشَّابَّةِ (لِشَابٍّ كُرِهَ، خُصُوصًا الْعَزَبُ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا (وَتَحْرُمُ إعَارَتُهَا) أَيْ الْأَمَةِ (وَإِعَارَةُ أَمْرَدَ وَإِجَارَتُهُمَا لِغَيْرِ مَأْمُونٍ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْفَاحِشَةِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَجُوزُ إعَارَتُهَا لِلْعُزَّابِ الَّذِينَ لَا نِسَاءَ لَهُمْ مِنْ قَرَابَاتٍ وَلَا زَوْجَاتٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ.
(وَتَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِهَا) أَيْ بِالْأَمَةِ الْمُعَارَةِ عَلَى ذَكَرٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ كَغَيْرِ الْمُعَارَةِ (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا (النَّظَرُ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ) كَمُؤَجَّرَةٍ.
(وَتُكْرَهُ اسْتِعَارَةُ أَبَوَيْهِ) وَإِنْ عَلَوَا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَجَدَّةٍ (لِلْخِدْمَةِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْوَلَدِ اسْتِخْدَامُهُمَا) فَكُرِهَتْ اسْتَعَارَتُهُمَا لِذَلِكَ.
(وَلِلْمُسْتَعِيرِ الرَّدُّ) أَيْ رَدُّ الْعَارِيَّةِ (مَتَى شَاءَ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً (وَلِمُعِيرٍ الرُّجُوعُ) فِي عَارِيَّةٍ (مَتَى شَاءَ، مُطْلَقَةً كَانَتْ) الْعَارِيَّةُ (أَوْ مُؤَقَّتَةً) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ، فَلَمْ يَمْلِكْهَا بِالْإِعَارَةِ، كَمَا لَوْ لَمْ تَحْصُلْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فِي يَدِهِ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ إنَّمَا تُسْتَوْفَى شَيْئًا فَشَيْئًا، فَكُلَّمَا اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً فَقَدْ قَبَضَهَا وَاَلَّذِي لَمْ يَسْتَوْفِهِ لَمْ يَقْبِضهُ فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ (مَا لَمْ يَأْذَنْ) الْمُعِيرُ (فِي شَغْلِهِ) أَيْ الْمُعَارِ بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَصْدَرُ شَغَلَ يَشْغَلُ وَفِيهِمَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ (بِشَيْءٍ يَسْتَضِرُّ الْمُسْتَعِيرُ بِرُجُوعِهِ) أَيْ الْمُعِيرِ فِي الْعَارِيَّةِ (مِثْلُ أَنْ يُعِيرَهُ سَفِينَةً لِحَمْلِ مَتَاعِهِ، أَوْ) يُعِيرَهُ (لَوْحًا يَرْقَعُ بِهِ سَفِينَةً فَرَقَعَهَا بِهِ وَلَجَجَ فِي الْبَحْرِ فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُعِيرِ (الرُّجُوعُ) فِي الْعَارِيَّةِ.
(وَالْمُطَالَبَةُ) بِالسَّفِينَةِ وَاللَّوْحِ (مَا دَامَتْ) السَّفِينَةُ (فِي اللُّجَّةِ حَتَّى تَرْسَا) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ فَإِذَا رَسَتْ جَازَ الرُّجُوعُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُعِيرِ (الرُّجُوعُ قَبْلَ دُخُولِهَا) أَيْ السَّفِينَةِ (الْبَحْرَ) لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ.
(وَلَا لِمَنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلدَّفْنِ) الرُّجُوعُ (حَتَّى يَبْلَى الْمَيِّتُ وَيَصِيرَ رَمِيمًا قَالَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ) لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ.
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: بِأَنْ يَصِيرَ رَمِيمًا وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْعِظَامِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُسْتَعَارِ، وَعِبَارَةُ الْمُقْنِعِ، وَتَبِعَهَا فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ: حَتَّى يَبْلَى الْمَيِّتُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَصِيرَ رَمِيمًا وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُمَا قَوْلَانِ وَلَعَلَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ:
وَالرَّمِيمُ الْبَالِي وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: تَخْرُجُ عِظَامُهُ وَيَأْخُذُ أَرْضَهُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ.
(وَلَهُ) أَيْ الْمُعِيرِ (الرُّجُوعُ) فِي أَرْضِهِ (قَبْلَ الدَّفْنِ) لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ.
(وَلَا لِمَنْ أَعَارَهُ حَائِطًا لِيَضَعَ عَلَيْهِ) أَيْ الْحَائِطِ (أَطْرَافَ خَشَبَةٍ، أَوْ لِتَعْلِيَةِ سُتْرَةٍ عَلَيْهِ) الرُّجُوعُ فِي الْحَائِطِ (مَا دَامَ) الْخَشَبُ أَوْ بِنَاءُ السُّتْرَةِ (عَلَيْهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ.
(وَلَهُ) أَيْ رَبِّ الْحَائِطِ (الرُّجُوعُ) فِي حَائِطِهِ (قَبْلَ الْوَضْعِ، وَ) لَهُ الرُّجُوعُ (بَعْدَهُ) أَيْ الْوَضْعِ (مَا لَمْ يَبْنِ عَلَيْهِ) لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ (أَوْ) أَيْ إلَّا أَنْ (تَكُونَ الْعَارِيَّةُ لَازِمَةً ابْتِدَاءً) بِأَنْ احْتَاجَ إلَى التَّسْقِيفِ وَلَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِوَضْعِ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ وَلَا ضَرَرَ وَأَعَارَهُ لِذَلِكَ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَتَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ (فَإِنْ خِيفَ سُقُوطُ الْحَائِطِ بَعْدَ وَضْعِهِ) أَيْ الْخَشَبِ (عَلَيْهِ لَزِمَ إزَالَتُهُ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ) وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ.
(وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ) أَيْ الْحَائِطِ السُّقُوطَ (لَكِنْ اسْتَغْنَى) الْمُسْتَعِيرُ (عَنْ إبْقَائِهِ) أَيْ الْخَشَبِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْحَائِطِ (لَمْ يَلْزَمْ) الْمُسْتَعِيرَ (إزَالَتُهُ) فِيهَا مِنْ الضَّرَرِ (فَإِنْ سَقَطَ) الْخَشَبُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْحَائِطِ الْمُعَارِ لِوَضْعِهِ (لِهَدْمِ) الْحَائِطِ (أَوْ غَيْرِهِ) كَسُقُوطِ الْخَشَبِ مَعَ بَقَاءِ الْحَائِطِ (لَمْ يَمْلِكْ) الْمُسْتَعِيرُ (رَدَّهَ) أَيْ إعَادَةَ الْخَشَبِ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ قَبْلَ سُقُوطِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْمُسْتَعِيرِ بِإِزَالَةِ الْمَأْذُونِ فِي وَضْعِهِ وَقَدْ زَالَ (إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ الْمُعِيرِ (أَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) بِأَنْ لَا يُمْكِنَ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ (إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْحَائِطُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (سَوَاءٌ أُعِيدَ) الْحَائِطُ (بِآلَتِهِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا وَتَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ) مُفَصَّلًا.
(وَلَا لِمَنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلزَّرْعِ) الرُّجُوعُ فِيهَا (قَبْلَ الْحَصَادِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ (فَإِنْ بَذَلَ الْمُعِيرُ قِيمَةَ الزَّرْعِ لِيَتَمَلَّكَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ (لِأَنَّ لَهُ وَقْتًا يَنْتَهِي إلَيْهِ) بِخِلَافِهِمَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الزَّرْعُ (مِمَّا يُحْصَدُ قَصِيلًا فَيَحْصُدهُ) الْمُسْتَعِيرُ (وَقْتَ أَخْذِهِ عُرْفًا) لِعَدَمِ الضَّرَرِ إذَنْ قَالَ الْمَجْدُ: وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ.
(وَإِذَا أَطْلَقَ) الْمُعِيرُ (الْمُدَّةَ فِي الْعَارِيَّةِ) فَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِزَمَنٍ (فَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا) أَيْ بِالْعَارِيَّةِ (مَا لَمْ يَرْجِعْ) الْمُعِيرُ.
(وَإِنْ وَقَّتَّهَا) الْمُعِيرُ (فَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا) أَيْ بِالْعَارِيَّةِ (مَا لَمْ يَرْجِعْ) الْمُعِيرُ (أَوْ) أَيْ إلَى أَنْ (يَنْقَضِيَ الْوَقْتُ) فَلَا يَنْتَفِعُ إلَّا بِإِذْنٍ لِانْتِهَاءِ الْإِعَارَةِ (فَإِنْ كَانَ الْمُعَارُ أَرْضًا) وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِعَارَةِ (لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (أَنْ يَغْرِسَ وَلَا يَبْنِيَ وَلَا يَزْرَعَ بَعْدَ الْوَقْتِ) الَّذِي حَدَثَ بِهِ الْإِعَارَةُ (أَوْ) بَعْدَ (الرُّجُوعِ) فِي الْإِعَارَةِ (فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) بِأَنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى أَوْ زَرَعَ بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ الرُّجُوعِ (فَكَغَاصِبٍ) عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ لِعُدْوَانِهِ.
(وَإِنْ أَعَارَهَا) أَيْ الْأَرْضَ (لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ، وَشَرَطَ) الْمُعِيرُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (الْقَلْعَ فِي وَقْتٍ) عَيَّنَهُ (أَوْ) شَرَطَ الْقَلْعَ (عِنْدَ رُجُوعِهِ ثَمَّ رَجَعَ) الْمُعِيرُ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرَ (الْقَلْعُ) أَيْ قَلْعُ مَا غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ عِنْدَ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ، أَوْ عِنْدَ رُجُوعِ الْمُعِيرِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْمُعِيرُ بِالْقَلْعِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» قَالَ فِي الشَّرْحِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ دَخَلَ فِي الْعَارِيَّةِ رَاضِيًا بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْأَرْضِ نَقْصُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرَ (تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) إذَا حَصَلَ فِيهَا حَفْرٌ (إلَّا بِشَرْطِ) الْمُعِيرِ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِرِضَاهُ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ.
(وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ) الْمُعِيرُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (الْقَلْعَ) أَيْ قَلْعَ غِرَاسِهِ وَبِنَائِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرَ الْقَلْعُ (إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمُعِيرُ النَّقْصَ) لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْسَ لِعَرَقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَالْمُسْتَعِيرُ إنَّمَا حَصَلَ غِرَاسُهُ أَوْ بِنَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ قَلْعَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ لِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بِنَقْصِ قِيمَةِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْعَارِيَّةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَمَعُونَةٍ وَإِلْزَامُهُ بِالْقَلْعِ مَجَّانًا يُخْرِجُهُ إلَى حُكْمِ الْعُدْوَانِ وَالضَّرَرِ.
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَمَتَى أَمْكَنَ الْقَلْعُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ أُجْبِرَ عَلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ (فَإِنْ قَلَعَ) الْمُسْتَعِيرُ غَرْسَهُ أَوْ بِنَاءَهُ بِاخْتِيَارِهِ (فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) مِنْ الْحَفْرِ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ.
(وَإِنْ أَبَى الْقَلْعَ فِي الْحَالِ الَّتِي يُجْبَرُ فِيهَا) بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ (فَلِلْمُعِيرِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْتَعِيرِ، أَوْ قَلْعُهُ وَضَمَانُ نَقْصِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ شُرِعَ دَفْعًا لِضَرَرِهِ وَضَرَرِ الْمُسْتَعِيرِ، وَجَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.
وَمُؤْنَةُ الْقَلْعِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ دَفَعَ الْمُسْتَعِيرُ قِيمَةَ الْأَرْضِ لِيَتَمَلَّكَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا أَصْلٌ وَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ تَابِعٌ، بِدَلِيلِ تَبِعَهُمَا لَهَا فِي الْبَيْعِ دُونَ تَبِعَهَا لَهُمَا (فَإِنْ أَبَى) الْمُعِيرُ (ذَلِكَ) أَيْ الْأَخْذَ بِالْقِيمَةِ وَالْقَلْعَ مَعَ ضَمَانِ النَّقْصِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ (بِيعَا) أَيْ الْأَرْضُ وَالْغِرَاسُ أَوْ الْبِنَاءُ (لَهُمَا) أَيْ لِمَالِكَيْهِمَا أَيْ عَلَيْهِمَا وَيُجْبَرُ الْآخَرُ، لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ لِتَخَلُّصِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ مُضَارَّةِ الْآخَرِ (فَإِنْ أَبَيَا) أَيْ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ (الْبَيْعَ تُرِكَ) الْغِرَاسُ أَوْ الْبِنَاءُ (بِحَالِهِ وَاقِفًا) فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَتَّفِقَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَمَتَى بِيعَا دُفِعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قِيمَتُهَا فَارِغَةً وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ.
(وَلِلْمُعِيرِ التَّصَرُّفُ فِي أَرْضِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرِ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَيْنَهَا وَنَفْعَهَا وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِمَا يَضُرُّ الشَّجَرَ أَوْ الْبِنَاءَ، لِأَنَّهُمَا مُحْتَرَمَانِ لِوَضْعِهِمَا بِإِذْنِهِ.
(وَلِلْمُسْتَعِيرِ الدُّخُولُ لِسَقْيٍ وَإِصْلَاحٍ وَأَخْذِ ثَمَرَةٍ) لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي فِعْلِ شَيْءٍ إذْنٌ فِيمَا يَعُودُ بِصَلَاحِهِ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (الدُّخُولُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِنْ التَّفَرُّجِ وَنَحْوِهِ) كَمَبِيتٍ فِيهَا، لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ بِصَلَاحٍ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا (وَأَيُّهُمَا) أَيْ الْمُعِيرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ (طَلَبَ الْبَيْعَ وَأَبَى الْآخَرُ) الْبَيْعَ (أُجْبِرَ) الْمُمْتَنِعُ (عَلَيْهِ) كَمَا تَقَدَّمَ إزَالَةً لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيْعُ مَا لَهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ) مُنْفَرِدًا لِمَنْ شَاءَ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (فَيَقُومُ الْمُشْتَرِي) لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (مَقَامَ الْبَائِعِ) فَمُشْتَرِي الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الْمُعِيرِ، وَمُشْتَرِي الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ.
(وَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ حِينِ رُجُوعِ) مُعِيرٍ (فِي) نَظِيرِ بَقَاءِ (غَرْسٍ وَبِنَاءٍ) فِي مُعَارَةٍ (وَ) لَا أُجْرَةَ لِلْمُعِيرِ أَيْضًا فِي (سَفِينَةِ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ، وَ) لَا أُجْرَةَ لَهُ مِنْ حِينِ رُجُوعٍ فِي (أَرْضٍ) أَعَارَهَا لِدَفْنٍ (قَبْلَ أَنْ يَبْلَى الْمَيِّتُ) لِأَنَّ بَقَاءَ هَذِهِ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ بِلَا أُجْرَةٍ كَالْخَشَبِ عَلَى الْحَائِط وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِإِضْرَارِهِ بِالْمُسْتَعِيرِ إذَنْ فَلَا يَمْلِكُ طَلَبَ بَدَلِهَا كَالْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ (بَلْ فِي زَرْعٍ) أَيْ إذَا أَعَارَهُ الْأَرْضَ لِلزَّرْعِ ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَوَانِ حَصَادِهِ وَهُوَ لَا يُحْصَدُ قَصِيلًا فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أُجْرَةِ الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ مِنْ حِينِ رَجَعَ إلَى حِينِ الْحَصَادِ، لِوُجُوبِ تَبْقِيَتِهِ فِي أَرْضِ الْمُعِيرِ إلَى أَوَانِ حَصَادِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ بِدَلِيلِ رُجُوعِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَأْخُذَ الزَّرْعَ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ، وَهُوَ قَصِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَرْسِ، فَلَا دَاعِي إلَيْهِ وَلَا أَنْ يَقْلَعَهُ وَيَضْمَنَ نَقْصَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى بِخِلَافِ الْغَرْسِ وَآلَاتِ الْبِنَاءِ.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ جَاوَزَهُ فَقَدْ تَعَدَّى) لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ.
(وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ) عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ (خَاصَّةً) لِأَنَّهُ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ التَّعَدِّي دُونَ مَا اسْتَعَارَ لَهُ (وَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ: أَعَرْتُكهَا) لِتَرْكَبَهَا أَوْ تَحْمِلَ عَلَيْهَا (إلَى فَرْسَخٍ فَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ) بَلْ أَعَرْتنِيهَا (إلَى فَرْسَخَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِإِعَارَةِ الزَّائِدِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا كَمَا لَوْ أَنْكَرَ الْإِعَارَةَ مِنْ أَصْلِهَا (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْعَيْنِ حِينَ التَّلَفِ) بِأَنْ قَالَ الْمُعِيرُ: كَانَ الْعَبْدُ كَاتِبًا أَوْ خَيَّاطًا وَنَحْوَهُ وَأَنْكَرَهُ الْمُسْتَعِيرُ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةِ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ بَعْدَ تَلَفِهَا (فَقَوْلُ مُسْتَعِيرٍ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَمُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْمُعِيرُ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَالْأَصْلُ، عَدَمُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُعِيرِ بَيِّنَةٌ وَعَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ: إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُسْتَعِيرٍ إنْ سَاغَ.
(وَإِنْ حَمَلَ السَّيْلِ بَذْرًا إلَى أَرْضٍ) لِغَيْرِ مَالَكِ الْبَذْرِ (فَنَبَتَ فِيهَا فَهُوَ) أَيْ الزَّرْعُ (لِصَاحِبِهِ) أَيْ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ (مُبْقَى إلَى الْحَصَادِ) لِعَدَمِ عُدْوَانِ رَبِّهِ وَإِنْ كَانَ يَحْصُدُ قَصِيلًا حَصَدَ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.
(وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ) لِأَنَّ إلْزَامَهُ تَبْقِيَةَ زَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إضْرَارٌ بِهِ، فَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ الزَّرْعِ عَلَى قَلْعِهِ.
(وَإِنْ أَحَبَّ مَالِكُهُ قَلْعَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ وَمَا نَقَصَتْ) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لِاسْتِصْلَاحِ مِلْكِهِ.
(وَإِنْ حَمَلَ) السَّيْلُ (غَرْسًا) إلَى أَرْضِ آخَرَ فَنَبَتَ فِيهَا (فَكَغَرْسِ مُشْتَرٍ شِقْصًا فِيهِ شُفْعَةٌ) إذَا أَخَذَهُ الشَّفِيعُ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَقْلَعَهُ، وَيَضْمَنَ نَقْصَهُ كَالشَّفِيعِ وَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ مَجَّانًا لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ رَبِّهِ عُدْوَانٌ فِيهِ (وَكَذَا حُكْمُ نَوًى وَجَوْزٍ وَلَوْزٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ بُنْدُقٍ وَفُسْتُقٍ وَشِبْهِهِمَا (إذَا حَمَلَهُ) السَّيْلُ (فَنَبَتَ) فِي أَرْضٍ لِآخَرَ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ تَمَلُّكُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ وَلَا يَقْلَعُهُ مَجَّانًا لِعَدَمِ عُدْوَانِ رَبِّهِ.
(وَإِنْ حَمَلَ) السَّيْلُ (أَرْضًا بِشَجَرِهَا فَنَبَتَ فِي أَرْضٍ أُخْرَى) كَمَا كَانَتْ قَبْلَ حَمْلِهَا (فَهِيَ) أَيْ الْأَرْضُ ذَاتُ الشَّجَرِ الْمَحْمُولَةِ (لِمَالِكِهَا) وَ(يُجْبَرُ) مَالِكُهَا (عَلَى إزَالَتِهَا) لِأَنَّ فِي بَقَائِهَا إشْغَالًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ بِمَا يَدُومُ ضَرَرُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي حُكْمِ الْجِوَارِ أَنَّ رَبَّ الشَّجَرِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إزَالَةِ عُرُوقِ شَجَرِهِ وَأَغْصَانِهَا مِنْ أَرْضِ جَارِهِ وَهَوَائِهِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ مَالِكِهَا وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُنَا: يُمْنَعُ الِانْتِفَاعُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الْأَغْصَانِ وَالْعُرُوقِ (وَإِنْ تَرَكَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْمُنْتَقِلَةِ) بِشَجَرِهَا تِلْكَ الْأَرْضَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْمُنْتَقِلَةِ إلَيْهَا سَقَطَ عَنْهُ الطَّلَبُ (أَوْ).
تَرَكَ رَبُّ (الشَّجَرِ) أَوْ الْبِنَاءِ (أَوْ الزَّرْعِ) أَوْ النَّوَى (ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ شَجَرٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ نَوًى (لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الَّتِي انْتَقَلَ إلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْلُهُ وَلَا أُجْرَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ) وَسَقَطَ عَنْهُ الطَّلَبُ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ وَلَا عُدْوَانِهِ وَكَانَتْ الْخِيَرَةُ إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِهِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ قَلَعَهُ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ.