فصل: بَابُ الرَّهْنُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.بَابُ الرَّهْنُ:

(وَهُوَ) فِي اللُّغَةِ الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ يُقَالُ: مَاءٌ رَاهِنٌ، أَيْ: رَاكِدٌ وَنَعْمَةٌ رَاهِنَةٌ أَيْ: دَائِمَةٌ وَقِيلَ: هُوَ الْحَبْسُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أَيْ: مَحْبُوسَةٌ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَحْبُوسَ ثَابِتٌ فِي مَكَان لَا يُزَايِلُهُ وَشَرْعًا (تَوْثِقَةُ دَيْنٍ بِعَيْنٍ) أَيْ: جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ (يُمْكِنُ أَخْذُهُ) أَيْ: الدَّيْنِ (أَوْ) أَخْذُ (بَعْضِهِ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْعَيْنِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ (أَوْ) يُمْكِنُ أَخْذُهُ أَوْ بَعْضِهِ مِنْ (ثَمَنِهَا) أَيْ: ثَمَنِ الْعَيْنِ، إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ (إنْ تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ: مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ.
وَفِي الزَّرْكَشِيّ: تَوْثِقَةُ دَيْنٍ بِعَيْنٍ أَوْ بِدَيْنٍ عَلَى قَوْلٍ- يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْهُ إنْ تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ لَا يَصِحُّ رَهْنُ الدَّيْنِ، وَلَوْ لِمَنْ هُوَ عِنْدَهُ، خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي السَّلَمِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَالرَّهْنُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} وَالسُّنَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ بِذَلِكَ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ، فَلَمْ يَجِبْ كَالضَّمَانِ.
(وَيَجُوزُ فِي الْحَضَرِ كَالسَّفَرِ) خِلَافًا لِمُجَاهِدٍ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذِكْرُ السَّفَرِ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، لِكَوْنِ الْكَاتِبِ يُعْدَمُ فِي السَّفَرِ غَالِبًا وَهُوَ لَا يَشْتَرِطُ عَدَمَ الْكَاتِبِ مَعَ ذِكْرِهِ فِيهَا.
(وَهُوَ لَازِمٌ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ) أَيْ: بَعْدَ قَبْضِهِ لِأَنَّ الْحَظَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَلَزِمَ مِنْ جِهَتِهِ، كَالضَّمَانِ فِي حَقِّ الضَّامِنِ (جَائِزٌ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ الْحَظَّ فِيهِ لَهُ وَحْدَهُ فَكَانَ لَهُ فَسْخُهُ كَالْمَضْمُونِ لَهُ وَ(يَجُوزُ عَقْدُهُ) أَيْ: الرَّهْنِ (مَعَ الْحَقِّ) بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُك هَذَا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ تَرْهَنُنِي بِهَا عَبْدَك فُلَانًا فَيَقُولُ الْآخَرُ: اشْتَرَيْت مِنْك وَرَهَنْتُك عَبْدِي لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى جَوَازِهِ إذَنْ.
(وَ) يَجُوزُ عَقْدُهُ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الْحَقِّ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى أَخْذِ الْوَثِيقَةِ بِهِ كَالضَّمَانِ، وَ(لَا) يَجُوزُ عَقْدُهُ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِحَقٍّ فَلَمْ يَجُزْ قَبْلَ ثُبُوتِهِ كَالشَّهَادَةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، فَلَا يَسْبِقُهُ كَالثَّمَنِ لَا يَتَقَدَّمُ الْبَيْعَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الضَّمَانِ أَنَّ الضَّمَانَ الْتِزَامُ مَالٍ تَبَرُّعًا بِالْقَوْلِ فَجَازَ فِي غَيْرِ حَقٍّ ثَابِتٍ كَالنَّذْرِ.
(وَالْمَرْهُونُ: كُلُّ عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ جُعِلَتْ وَثِيقَةً بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهَا) إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهِ (أَوْ مِنْ ثَمَنِهَا) إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ وَكَثِيرًا مَا يُطْلَقُ الرَّهْنُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَرْهُونُ، مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ.
(وَالْمُرَادُ كُلُّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاسْتِيثَاقُ بِالدَّيْنِ، لِيُتَوَصَّلَ إلَى اسْتِيفَائِهِ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الرَّهْنِ وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَصِحُّ بَيْعُهَا فَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّهَا تُمْلَكُ إلَى حُلُولِ الْحَقِّ.
وَلَوْ رَهَنَهُ أُجْرَةَ دَارِهِ شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ (حَتَّى الْمُؤَجَّرِ) يَجُوزُ لِمَالِكِهِ رَهْنُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ فَهُوَ كَالْمُعَارِ (وَ) حَتَّى (الْمُكَاتَبِ)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ.
(وَيُمَكَّنُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: الْمُكَاتَبُ (مِنْ الْكَسْبِ كَمَا كَانَ) قَبْلَ أَنْ يُرْهَنَ.
وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ (وَمَا أَدَّاهُ) مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (رُهِنَ مَعَهُ)؛ لِأَنَّهُ كَنَمَائِهِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ أَدَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ وَرُقَّ (كَانَ هُوَ وَكَسْبُهُ رَهْنًا) بِالدَّيْنِ (وَإِنْ عَتَقَ) الْمُكَاتَبُ (كَانَ مَا أَدَّاهُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ رَهْنًا) كَمَنْ مَاتَ بَعْدَ كَسْبِهِ.
(فَأَمَّا) الرَّقِيقُ (الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) بِأَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: إذَا جَاءَ وَقْتُ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ (فَإِنْ كَانَتْ) الصِّفَةُ (تُوجَدُ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ رَهْنُهُ) لِعَدَمِ إمْكَانِ بَيْعِهِ عِنْدَ حُلُولِهِ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ قَبْلَ حُلُولِهِ (صَحَّ) رَهْنُهُ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ (وَإِنْ كَانَتْ) الصِّفَةُ (تَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ) أَيْ: الْوُجُوبَ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ وَبَعْدَهُ (ك) أَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِ (قُدُومِ زَيْدٍ صَحَّ) رَهْنُهُ (أَيْضًا) كَالْمُدَبَّرِ وَالْمَرِيضِ.
(وَتَصِحُّ زِيَادَةُ رَهْنٍ) بِأَنْ اسْتَدَانَ مِنْهُ مِائَةً وَرَهَنَهُ عَلَيْهَا عَبْدًا، ثُمَّ زَادَهُ عَلَيْهَا ثَوْبًا فَيَصِحّ؛ لِأَنَّهُ تَوْثِقَةٌ.
(وَيَكُونُ حُكْمُهَا) أَيْ: الزِّيَادَةِ (حُكْمَ الْأَصْلِ) الْمَرْهُونِ أَوَّلًا، و(لَا) تَصِحُّ (زِيَادَةُ دَيْنِهِ) أَيْ: دَيْنِ الرَّهْنِ بِأَنْ اسْتَدَانَ مِنْهُ مِائَةً وَرَهَنَهُ عَلَيْهَا عَيْنًا، ثُمَّ اسْتَدَانَ مِنْهُ مِائَةً أُخْرَى وَجَعَلَ الرَّهْنَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ رَهْنُ مَرْهُونٍ (كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ) بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهَا لَا تَلْحَقُ بِالْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِ الرَّهْنِ صَحَّ وَكَانَ رَهْنًا عَلَى الْمِائَتَيْنِ.
(وَيَصِحُّ الرَّهْنُ مِمَّنْ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَتَبَرُّعُهُ)؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ إذْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ كَانَ) الرَّهْنُ (مِنْ غَيْر مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ) الْمَرْهُونُ عَلَيْهِ (فَيَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الْإِنْسَانُ مَالَ نَفْسِهِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَاهُ) أَيْ: الْمَدِينِ (كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَهُ) بِغَيْرِ رِضَاهُ.
(وَأَوْلَى) أَيْ: صِحَّةُ الرَّهْنِ عَنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ أَوْلَى مِنْ صِحَّةِ ضَمَانِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ (وَهُوَ) أَيْ: الرَّهْنُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ (نَظِيرُ إعَارَتِهِ) أَيْ: الْمَدِينِ شَيْئًا (لِلرَّهْنِ وَصَرَّحَ بِهِ) أَيْ: بِجَوَازِ رَهْنِ الْإِنْسَانِ مَالَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ (الشَّيْخُ) إذَا عَلِمْت أَنَّ الرَّهْنَ يَصِحُّ مِمَّنْ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَتَبَرُّعُهُ.
(فَلَا يَصِحُّ) الرَّهْنُ (مِنْ سَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا.
(وَ) لَا مِنْ (مُكَاتَبٍ وَعَبْدٍ وَلَوْ مَأْذُونًا لَهُمْ فِي تِجَارَةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُمْ (وَنَحْوُهُمْ) كَالْمُمَيِّزِ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَنَحْوِهِ رَهْنُ مَالِهِ لِمَصْلَحَةٍ وَيَكُونُ بِيَدِ عَدْلٍ.
(وَلَا يَصِحُّ) الرَّهْنُ (مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ) كَالْبَيْعِ (وَلَا) يَصِحُّ الرَّهْنُ (بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ، أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا) مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ (وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ) أَيْ: الرَّهْنِ (وَ) مَعْرِفَةِ (قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ وَجِنْسِهِ)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ عَلَى مَالٍ فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ كَبَاقِي الْعُقُودِ.
(وَ) لَا بُدَّ مِنْ (مِلْكِهِ) أَيْ: الرَّاهِنِ لِلرَّهْنِ (وَلَوْ) كَانَ يَمْلِكُ (مَنَافِعَهُ) دُونَ عَيْنِهِ (بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ) إنْسَانٌ (شَيْئًا) لِيَرْهَنَهُ (أَوْ) كَانَ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ بِأَنْ (يَسْتَعِيرَهُ لِيَرْهَنَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ فِيهِمَا) فَيَصِحُّ الرَّهْنُ إذَنْ (وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ) الْمَدِينُ (لَهُمَا) أَيْ: لِلْمُؤَجِّرِ وَالْمُعِيرِ (قَدْرَ الدَّيْنِ) الَّذِي يَرْهَنُهُمَا بِهِ.
(لَكِنْ يَنْبَغِي) لِلْمَدِينِ (أَنْ يَذْكُرَ) لِلْمُؤَجِّرِ، وَالْمُعِيرِ (الْمُرْتَهَنَ وَالْقَدْرَ الَّذِي يَرْهَنُهُ بِهِ وَجِنْسَهُ) أَيْ: جِنْسَ الْقَدْرِ الَّذِي يَرْهَنُهُ.
(وَ) أَنْ يَذْكُرَ لَهُمَا (مُدَّةَ الرَّهْنِ) لِئَلَّا يَغُرَّهُمَا (وَمَتَى شَرَطَ) الرَّاهِنُ (شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْمُرْتَهَنُ وَقَدْرُ الدَّيْنِ وَجِنْسُهُ وَمُدَّةُ الرَّهْنِ (فَخَالَفَ وَرَهَنَهُ بِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي أَصْلِ الرَّهْنِ.
(فَإِنْ أَذِنَ) الْمُؤْجِرُ وَالْمُعِيرُ (لَهُ) أَيْ: لِلرَّاهِنِ (فِي رَهْنِهِ) أَيْ: رَهْنِ مَا اسْتَأْجَرَهُ أَوْ اسْتَعَارَهُ لِذَلِكَ (بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ) كَمِائَةٍ مَثَلًا (فَنَقَصَ عَنْهُ) بِأَنْ رَهَنَهُ بِثَمَانِينَ مَثَلًا (صَحَّ) الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بَعْضَ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ (وَ) إنْ رَهَنَهُ (بِأَكْثَرَ) كَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مَثَلًا (صَحَّ) الرَّهْنُ (فِي الْقَدْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ) وَهُوَ الْمِائَةُ (فَقَطْ) وَبَطَلَ فِي الزِّيَادَةِ، كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَهُ بِدَنَانِيرَ فَرَهَنَهُ بِدَرَاهِمَ، أَوْ بِمُؤَجَّلٍ فَرَهَنَهُ بِحَالٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَأْذُونًا فِيهِ بِحَالٍ.
(وَلِمُعِيرٍ) لِلرَّهْنِ (أَنْ يُكَلِّفَ رَاهِنَهُ فَكَّهُ فِي مَحَلِّ الْحَقِّ) أَيْ: أَجَلِهِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَلْزَمُ.
(وَلَهُ) أَيْ: لِلْمُعِيرِ لِلرَّهْنِ (الرُّجُوعُ) فِي الْإِذْنِ فِي الرَّهْنِ (قَبْلَ إقْبَاضِهِ الْمُرْتَهَنَ)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ وَكَذَا الْمُؤْجِرُ لَهُ الرُّجُوعُ إذَا أَذِنَ لِلْمُسْتَأْجَرِ فِي رَهْنه قَبْلَ إقْبَاضِهِ (لَا الْمُؤْجِرُ) عَيْنًا لِمَنْ يَرْهَنُهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِهَا ثُمَّ أَذِنَهُ أَنْ يَرْهَنَهَا أَوْ أَقْبَضَهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ (قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ) لِلُزُومِهَا (وَيُبَاعُ) الرَّهْنُ الْمُسْتَأْجَرُ أَوْ الْمُسْتَعَارُ (إنْ لَمْ يَقْضِ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ) فَيَبِيعُهُ الْحَاكِمُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ رَبُّهُ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى عَقْدِ الرَّهْنِ.
(فَإِنْ بِيعَ) الرَّهْنُ (رَجَعَ) الْمُؤْجِرُ أَوْ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ (بِمِثْلِهِ فِي الْمِثْلِيِّ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مِثْلِيًّا رَجَعَ بِهِ (بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَا بِيعَ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ إنْ بِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ الرَّاهِنُ النَّقْصَ، وَإِنْ بِيعَ بِأَكْثَرَ كَانَ ثَمَنُهُ كُلُّهُ، وَيُؤَيِّدُهُ: أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الرَّهْنِ رَجَعَ الثَّمَنُ كُلُّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَإِذَا قَضَى بِهِ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ ضَمَانِ النَّقْصِ أَنْ لَا تَكُونَ الزِّيَادَةُ لِلْمَالِكِ، كَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ، وَالْمَنْصُوصُ: يَرْجِعُ رَبُّهُ بِقِيمَتِهِ لَا بِمَا بِيعَ بِهِ، سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَقَالَ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ.
(فَلَوْ تَلِفَ) الرَّهْنُ الْمُؤَجَّرُ، أَوْ الْمُسْتَعَارُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ (ضَمَّنَ) الرَّاهِنُ (الْمُسْتَعِيرَ فَقَطْ)؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ مُطْلَقًا كَمَا يَأْتِي دُونَ الْمُؤْجِرِ فَلَا يَضْمَنُهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ.
(وَإِنْ فَكَّ الْمُعِيرُ أَوْ الْمُؤْجِرُ الرَّهْنَ، وَأَدَّى) الدَّيْنَ (الَّذِي عَلَيْهِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ رَجَعَ) الْمُعِيرُ أَوْ الْمُؤْجِرُ (بِهِ) أَيْ: بِمَا أَدَّاهُ عَنْهُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الرَّاهِنِ (وَإِنْ قَضَاهُ) أَيْ: الدَّيْنَ الْمُؤْجِرُ أَوْ الْمُعِيرُ (مُتَبَرِّعًا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ)؛ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ تَبَرُّعًا وَلَا رُجُوعًا.
(وَإِنْ قَضَاهُ) أَيْ: قَضَى الْمُعِيرُ أَوْ الْمُؤْجِرُ الدَّيْنَ عَنْ الرَّاهِنِ (بِغَيْرِ إذْنِهِ نَاوِيًا الرُّجُوعَ) عَلَيْهِ (رَجَعَ)؛ لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ رُجُوعًا لَمْ يَرْجِعْ.
(فَإِنْ) اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ وَرَهَنَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ.
(قَالَ) الرَّاهِنُ: لِرَبِّهِ (أَذِنْت لِي فِي رَهْنِهِ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ) رَبُّهُ (بَلْ) أَذِنْت لَك فِي رَهْنِهِ (بِخَمْسَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْإِذْنِ فِي الزِّيَادَةِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالْخَمْسَةِ فَقَطْ.
(وَلَوْ رَهَنَهُ) أَيْ: رَهَنَ مَدِينٌ رَبَّ دَيْنٍ (دَارًا فَانْهَدَمَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا لَمْ يَنْفَسِخْ عَقْدُ الرَّهْنِ)؛ لِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ (وَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ، إنْ كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي الْبَيْعِ) فَإِنْ شَاءَ أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ، لِفَوَاتِ شَرْطِهِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْبَيْعِ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ، وَكَذَا قَرْضٌ.
(وَيَصِحُّ) الرَّهْنُ (بِكُلِّ دَيْنٍ وَاجِبٍ) كَقَرْضٍ، وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ (أَوْ) دَيْنٍ (مَآلُهُ إلَى الْوُجُوبِ) كَثَمَنٍ فِي مُدَّةِ خِيَارٍ (حَتَّى) يَصِحَّ أَخْذُ الرَّهْنِ (عَلَى عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ: كَالْغُصُوبِ وَالْعَوَارِيِّ، وَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ وَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ)؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ الْوَثِيقَةُ بِالْحَقِّ وَهَذَا حَاصِلٌ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الْأَعْيَانِ يَحْمِلُ الرَّاهِنَ عَلَى أَدَائِهَا وَإِنْ تَعَذَّرَ أَدَاؤُهَا اسْتَوْفَى بِهِ لَهَا مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ فَأَشْبَهْت مَا فِي الذِّمَّةِ (قَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ الرَّهْنُ عَلَى عَوَارِي الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ وَنَحْوِهَا) كَالْأَسْلِحَةِ وَالدُّرُوعِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْغُزَاةِ (انْتَهَى) يَعْنِي إنْ قُلْنَا: هِيَ مَضْمُونَةٌ صَحَّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَيَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فَلَا يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهَا وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ لِلْوَقْفِ، فَيَصِحُّ الضَّمَانُ أَيْضًا لِجِهَةِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ مَا صَحَّ رَهْنُهُ صَحَّ ضَمَانُهُ.
(وَيَصِحُّ) أَخْذُ الرَّهْنِ (عَلَى نَفْعِ إجَارَةٍ فِي الذِّمَّةِ ك) مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِ (خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ دَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَحَمْلِ مَعْلُومٍ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ الْأَجِيرُ بِيعَ الرَّهْنُ وَاسْتُؤْجِرَ مِنْهُ مَنْ يَعْمَلُهُ.
(لَا) يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ (عَلَى دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ قَبْلَ الْحُلُولِ) لِعَدَمِ وُجُوبِهَا إذَنْ (وَ) أَخْذُ الرَّهْنِ بِهَا (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الْحُلُولِ (يَصِحُّ) لِوُجُوبِهَا إذَنْ.
(وَلَا) يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ (عَلَى دَيْنِ كِتَابَةٍ) لِعَدَمِ وُجُوبِهِ (وَ) لَا عَلَى (جُعْلٍ فِي جِعَالَةٍ) قَبْلَ الْعَمَلِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ (وَ) لَا عَلَى (عِوَضٍ فِي مُسَابَقَةٍ قَبْلَ الْعَمَلِ) لِعَدَمِ وُجُوبِهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَئُولُ لِلْوُجُوبِ.
(وَأَخْذُ) الرَّهْنِ بِالْجُعْلِ فِي الْجِعَالَةِ وَبِالْعِوَضِ فِي الْمُسَابَقَةِ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الْعَمَلِ (وَيَصِحُّ فِيهِمَا) لِاسْتِقْرَارِ الْجُعْلِ وَالْعِوَضِ إذَنْ.
(وَلَا) يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ (عَلَى عُهْدَةِ مَبِيعٍ)؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا وَثَّقَ عَلَى عُهْدَةِ الْمَبِيعِ فَكَأَنَّهُ مَا قَبَضَ الثَّمَنَ، وَلَا ارْتَفَقَ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ فَيَعُمُّ ضَرَرُهُ بِمَنْعِ الْبَائِعِ التَّصَرُّفَ فِيهِ.
(وَ) لَا يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِ (عِوَضٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ، كَثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، وَأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي إجَارَةٍ وَمَعْقُودٍ عَلَيْهِ فِيهَا) أَيْ: الْإِجَارَةِ (إذَا كَانَ مَنَافِعَ) عَيْنٍ (مُعَيَّنَةٍ، كَدَارٍ) مُعَيَّنَةٍ وَعَبْدٍ مُعَيَّنٍ (وَدَابَّةٍ) مُعَيَّنَةٍ (لِحَمْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ)؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَلَا يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي أَعْيَانِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَيَنْفَسِخُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا بِتَلَفِهَا.
(وَيَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ) كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ (بِدَيْنٍ حَالٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (إذَا كَانَ) الدَّيْنُ (مُؤَجَّلًا وَكَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ كَالْعِنَبِ فَعَلَى الرَّاهِنِ تَجْفِيفُهُ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ حِفْظِهِ وَتَبْقِيَتِهِ أَشْبَهَ نَفَقَةَ الْحَيَوَانِ.
(وَإِنْ كَانَ) الرَّهْنُ (مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ) كَالْبِطِّيخِ وَالطَّبِيخِ (وَشَرْطُ) فِي الرَّهْنِ (بَيْعِهِ وَجَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا) مَكَانَهُ (فِعْلُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَطْلَقَ بِيعَ) أَيْ: بَاعَهُ الْحَاكِمُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ رَبُّهُ (أَيْضًا) وَجَعَلَ ثَمَنَهُ مَكَانَهُ كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ الْعَيْنِ، وَبَدَلُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ قَدْ حَلَّ، وَإِلَّا قُضِيَ مِنْ ثَمَنِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ رَهَنَ وَغَابَ وَخَافَ الْمُرْتَهِنُ فَسَادَهُ أَوْ ذَهَابَهُ فَلْيَأْتِ السُّلْطَانَ حَتَّى يَبِيعَهُ: كَمَا أَرْسَلَ ابْنُ سِيرِينَ إلَى إيَاسٍ يَأْذَنُ لَهُ فِي بَيْعِهِ فَإِذَا بَاعَهُ حَفِظَهُ حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهُ فَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِأَسْرِهِ حَتَّى يَكُونَ صَاحِبُهُ يَقْبِضُهُ.
(وَإِنْ شَرَطَ) فِي رَهْنِ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ (أَنْ لَا يُبَاعَ لَمْ يَصِحَّ) الشَّرْطُ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ (كَمَا لَوْ شَرَطَ) فِي الرَّهْنِ (عَدَمَ النَّفَقَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ) الْمَرْهُونِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِ فَيَفُوتُ الْغَرَضُ مِنْ التَّوْثِيقِ (وَحَيْثُ يُبَاعُ) الرَّهْنُ.
(فَإِنْ كَانَ) الرَّهْنُ (جُعِلَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ) فِي الْعَقْدِ (أَوْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ بَعْدَ الْعَقْدِ) بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ رَبِّهِ (أَوْ اتَّفَقَا) أَيْ: الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ) يَبِيعُهُ بَاعَهُ (أَوْ) اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ (غَيْرَهُ يَبِيعُهُ بَاعَهُ)؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ مَالِكِهِ وَمَأْذُونٌ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُرْتَهِنِ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (بَاعَهُ الْحَاكِمُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ وَالْغَائِبِ (وَجَعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا) مَكَانَهُ (إلَى الْحُلُولِ) لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ رَهَنَهُ ثِيَابًا فَخَافَ) الْمُرْتَهِنُ (تَلَفَهَا أَوْ) رَهَنَهُ (حَيَوَانًا فَخَافَ) الْمُرْتَهِنُ (مَوْتَهُ) فَيُبَاعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ أَبِي طَالِبٍ.
(وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَمِنْ أَجْنَبِيٍّ)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي مَحَلِّ الْحَقِّ أَشْبَهَ الْمُفْرِزَ (ثُمَّ إنْ كَانَ) الْمَرْهُونُ بَعْضَهُ (مَا لَا يُنْقَلُ) كَالْعَقَارِ (خَلَّى) الرَّاهِنُ (بَيْنَهُ) أَيْ: الرَّهْنِ.
(وَبَيْنَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الشَّرِيكُ) وَلَمْ يَأْذَنْ، إذْ لَيْسَ فِي التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَعَدٍّ عَلَى حِصَّةِ الشَّرِيكِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمَرْهُونُ بَعْضَهُ (مِمَّا يُنْقَلُ) كَالثِّيَابِ وَالْبَهَائِمِ (فَرَضِيَ الشَّرِيكُ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَتَجَاوَزُهُمَا.
(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ (جَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي يَدِ أَمِينٍ أَمَانَةً) أَوْ بِأُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُرْتَهَنِ وَاجِبٌ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا؛ لِكَوْنِهِ مُشَاعًا فَتَعَيَّنَ مَا ذُكِرَ؛ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى الْقَبْضِ الْوَاجِبِ (وَلَهُ) أَيْ: لِلْحَاكِمِ (أَنْ يُؤَجِّرَهُ) عَلَيْهِمَا لِوُجُودِ الْمَصْلَحَةِ لَهُمَا بِذَلِكَ.
(وَيَصِحُّ أَنْ يَرْهَنَ) إنْسَانٌ (بَعْضَ نَصِيبِهِ مِنْ الْمُشَاعِ كَأَنْ يَرْهَنَ نِصْفَ نَصِيبِهِ أَوْ) يَرْهَنَ (نَصِيبَهُ مِنْ مُعَيَّنٍ) فِي مُشَاعٍ (مِثْلَ) أَنْ يَكُونَ لَهُ (نِصْفُ دَارٍ فَيَرْهَنُ نَصِيبَهُ مِنْ بَيْتٍ مِنْهَا) أَيْ: الدَّارِ (بِعَيْنِهِ لِشَرِيكِهِ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ شَرِيكِهِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ كَانَ) النَّصِيبُ (مِمَّا) أَيْ: مِنْ عَقَارٍ (تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ) بِلَا ضَرَرٍ وَلَا رَدِّ عِوَضٍ.
(فَإِنْ اقْتَسَمَا) أَيْ: الرَّاهِنُ وَشَرِيكُهُ الْعَقَارَ الْمُشْتَرَكَ (فَوَقَعَ) الْمُعَيَّنُ (الْمَرْهُونُ) بَعْضَهُ وَهُوَ الْبَيْتُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ (لِغَيْرِ الرَّاهِنِ لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ)؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ بِمَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ فَيُمْنَعُ مِنْ الْقِسْمَةِ الْمُضِرَّةِ، كَمَا يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ (قَطَعَ بِهِ) أَيْ: بِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ (الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ) وَمَعْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى.
(وَيَصِحُّ رَهْنُ الْقِنِّ الْمُرْتَدِّ وَ) الْقِنِّ (الْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ) وَلَوْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ (وَ) الْقِنِّ (الْجَانِي عَمْدًا كَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْ خَطَأً، عَلَى النَّفْسِ أَوْ دُونَهَا) كَالْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي مَحَلِّ الْحَقِّ (فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِالْحَالِ) مِنْ الرِّدَّةِ وَالْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ وَالْجِنَايَةِ (فَلَا خِيَارَ لَهُ) لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْمُرْتَهِنُ (عَالِمًا) بِالْحَالِ (ثُمَّ عَلِمَ) بِهِ (بَعْدَ إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَفِدَاءِ الْجَانِي فَكَذَلِكَ) أَيْ: لَا خِيَارَ لَهُ؛ (لِأَنَّ الْعَيْبَ زَالَ) بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ.
(وَإِنْ عَلِمَ) الْمُرْتَهِنُ بِالْحَالِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: لَا قَبْلَ إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ أَوْ فِدَاءِ الْجَانِي (فَلَهُ رَدُّهُ) أَيْ: الرَّهْنِ (وَفَسْخُ الْبَيْعِ إنْ كَانَ) الرَّهْنُ (مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ) أَيْ: عَقْدِ الْبَيْعِ، إذْ الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فَلَمْ يُوفِ لَهُ بِشَرْطِهِ.
(وَإِنْ اخْتَارَ) الْمُرْتَهِنُ (إمْسَاكَهُ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (فَلَا أَرْشَ لَهُ) لِذَلِكَ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَوْ تَلِفَ بِجُمْلَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَمْلِكْ بَدَلَهُ فَبَعْضُهُ أَوْلَى (وَكَذَلِكَ لَا أَرْشَ لَهُ) أَيْ: لِلْمُرْتَهِنِ (لَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الْحَالَ (حَتَّى قُتِلَ الْعَبْدُ بِالرِّدَّةِ) أَوْ الْمُحَارَبَةِ (أَوْ الْقِصَاصِ أَوْ أُخِذَ بِالْجِنَايَةِ) أَيْ: بِيعَ فِيهَا أَوْ سُلِّمَ لِوَلِيِّهَا، وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ فِدَاءِ الْجَانِي لَمْ يُجْبَرْ وَيُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى الرَّهْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ.
(وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُدَبَّرِ)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ (وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا عَلِمَ) الْمُرْتَهِنُ (وُجُودَ التَّدْبِيرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) بِهِ (كَالْحُكْمِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي) عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ (فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْوَفَاءِ فَعَتَقَ الْمُدَبَّرُ) لِخُرُوجِهِ كُلِّهِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ (بَطَلَ الرَّهْنُ) كَمَا لَوْ مَاتَ.
(وَإِنْ عَتَقَ بَعْضُهُ) أَيْ: بَعْضِ الْمُدَبَّرِ؛ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ كُلِّهِ مِنْ الثُّلُثِ (بَقِيَ الرَّهْنُ فِيمَا بَقِيَ) مِنْهُ قِنَّا كَمَا لَوْ تَلِفَ الْبَعْضُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ مَالٌ يَفْضُلُ عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ بِيعَ الْمُدَبَّرُ) كُلُّهُ (فِي الدَّيْنِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ) كَالْوَصِيَّةِ (وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يَسْتَغْرِقُهُ) أَيْ: الْمُدَبَّرَ كُلَّهُ (بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَعَتَقَ ثُلُثُ الْبَاقِي) مِنْهُ بِالتَّدْبِيرِ (وَبَاقِيه لِلْوَرَثَةِ) إرْثًا.
(وَيَحْرُمُ رَهْنُ مَالِ يَتِيمٍ لِفَاسِقٍ)؛ لِأَنَّهُ عُرْضَةٌ لِضَيَاعِهِ، فَإِنْ شَرَطَ جَعْلَهُ بِيَدِ عَدْلٍ جَازَ.
(وَيَصِحُّ رَهْنُ مَبِيعٍ بَعْدَ قَبْضِهِ) مُطْلَقًا؛ لِجَوَازِ بَيْعِهِ إذَنْ (وَكَذَا) يَصِحُّ رَهْنُ الْبَيْعِ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ قَبْضِهِ (فِي غَيْرِ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ وَمَزْرُوعٍ) وَمَبِيعٍ بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ، وَرَهْنُ الْمَبِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ صَحِيحٌ، (وَلَوْ) كَانَ رَهْنُهُ (عَلَى ثَمَنِهِ)؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَالْمَبِيعَ صَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي (فَجَازَ رَهْنُهُ بِالثَّمَنِ كَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ) وَتَقَدَّمَ (فِي الْمَبِيعِ) حُكْمُ الْمَكِيلِ وَنَحْوِهِ كَالْمَعْدُودِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَذْرُوعِ وَالْمَبِيعِ بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ.
(وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْمُصْحَفِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْوَقْفِ وَالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ وَالْكَلْبِ) وَلَوْ مُعَلَّمًا.
(وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْمَجْهُولِ الَّذِي لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ)؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ وَالْمُصْحَفُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَلَوْ قُلْنَا: يَصِحُّ بَيْعُهُ نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ: لَا أُرَخِّصُ فِي رَهْنِ الْمُصْحَفِ.
(فَلَوْ قَالَ) الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ (رَهَنْتُك أَحَدَ هَذَيْنِ) الْعَبْدَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ، (أَوْ) قَالَ: رَهَنْتُك (عَبْدِي) فُلَانًا (الْآبِقَ) لَمْ يَصِحَّ؛ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَسْلِيمِهِ (أَوْ) قَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُك (هَذَا الْجِرَابَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ بِمَا فِيهِ، (أَوْ) هَذَا (الْبَيْتَ) بِمَا فِيهِ (أَوْ هَذِهِ الْخَرِيطَةَ بِمَا فِيهَا لَمْ يَصِحَّ) الرَّهْنُ لِلْجَهَالَةِ.
(وَإِنْ) قَالَ: رَهَنْتُك هَذَا الْجِرَابَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْخَرِيطَةَ وَ(لَمْ يَقُلْ بِمَا فِيهَا صَحَّ) الرَّهْنُ (لِلْعِلْمِ بِهَا) بِالْجِرَابِ وَالْبَيْتِ وَالْخَرِيطَةِ.
(وَلَا) يَصِحُّ رَهْنُ (مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَنَحْوِهِمَا) كَأَرْضِ مِصْرَ (مِمَّا فُتِحَ عَنْوَة) وَلَمْ يُقْسَمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَفَهُ، وَأَقَرَّهُ بِأَيْدِي أَرْبَابِهِ بِالْخَرَاجِ.
(وَكَذَا حُكْمُ بِنَائِهَا) أَيْ: بِنَاءِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ بِنَاؤُهَا (مِنْهَا) قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي.
وَفِي الْمُبْدِعِ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ بَيْعَ الْمَسَاكِنِ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَيَصِحُّ رَهْنُهَا (فَإِنْ كَانَ) بِنَاءُ هَذِهِ الْأَرْضِ (مِنْ غَيْرِ أَجْزَائِهَا) صَحَّ رَهْنُهُ (أَوْ رَهْنُ الشَّجَرِ الْمُجَدَّدِ فِيهَا) بَعْدَ الْوَقْفِ (صَحَّ) (رَهْنُهُ، كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ).
(وَلَا) يَصِحُّ (رَهْنُ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ (فَإِنْ رَهَنَ عَيْنًا يَظُنُّهَا لِغَيْرِهِ نَحْوَ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدَ أَبِيهِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ) أَيْ: أَبَاهُ (قَدْ مَاتَ وَصَارَ الْعَبْدُ مِلْكَهُ بِالْمِيرَاثِ) أَوْ كَانَ أَذِنَ لَهُ (صَحَّ) الرَّهْنُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ، إذْ الْعِبْرَةُ فِي الْمُعَامَلَاتِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
(وَلَا) يَصِحُّ (رَهْنُ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إلَّا أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي وَ) الْحَالُ أَنَّ (الْخِيَارَ لَهُ وَحْدَهُ فَيَصِحُّ) الرَّهْنُ (وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ)؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ دَلِيلُ رِضَائِهِ بِالْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ، وَيَصِحُّ: أَيْضًا رَهْنُهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، وَيَصِحُّ رَهْنُ الْبَائِعِ لَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فِي الْخِيَارِ.
(وَلَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي) مَثَلًا (فَرَهَنَ الْبَائِعُ عَيْنَ مَالِهِ الَّتِي لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا) لِعَدَمِ أَخْذِهِ ثَمَنَهَا (قَبْلَ الرُّجُوعِ) لَمْ يَصِحَّ (أَوْ رَهَنَ الْأَبُ الْعَيْنَ الَّتِي وَهَبَهَا لِوَلَدِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ) فِيهَا (لَمْ يَصِحَّ) الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا؛ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ عَنْهُ لِغَيْرِهِ (لَكِنْ) اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ.
(يَصِحُّ رَهْنُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَ) يَصِحُّ رَهْنُ (الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ) بِلَا شَرْطِ الْقَلْعِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ إنَّمَا كَانَ لِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ الْعَاهَةِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ، وَهَذَا مَفْقُودٌ هُنَا، وَبِتَقْدِيرِ تَلَفِهِمَا لَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ فَمَتَى حَلَّ الْحَقُّ بِيعَا، وَإِنْ اخْتَارَ الْمُرْتَهِنُ تَأْخِيرَ بِيَعِهِمَا فَلَهُ ذَلِكَ.
(وَ) يَصِحُّ رَهْنُ (الْأَمَةِ دُونَ وَلَدِهَا) أَوْ أَخِيهَا وَنَحْوِهِ (وَعَكْسُهُ) أَيْ: يَصِحُّ رَهْنُ وَلَدِهَا وَنَحْوِهِ دُونَهَا وَكَذَا رَهْنُ الْأَبِ دُونَ وَلَدِهِ، أَوْ وَلَدِهِ دُونَهُ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ؛ لِأَجْلِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ.
(وَ) ذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ بَيْعَ الرَّهْنِ (يُبَاعَانِ) أَيْ: الْأَمَةُ وَوَلَدُهَا أَوْ الْأَخَوَانِ وَنَحْوُهُمَا (وَيُوَفَّى الدَّيْنُ مِنْ) ثَمَنِ (الْمَرْهُونِ مِنْهَا، وَالْبَاقِي) مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ مِنْهَا (لِلرَّاهِنِ) وَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِالدَّيْنِ فَمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ مُرْسَلٌ فِي الذِّمَّةِ لَا رَهْنَ بِهِ (فَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ هِيَ الْمَرْهُونَةُ) دُونَ وَلَدِهَا وَبِيعَا مَعًا (وَكَانَتْ قِيمَتُهُمَا مِائَةً مَعَ كَوْنِهَا ذَاتَ وَلَدٍ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ خَمْسِينَ، فَحِصَّتُهَا) أَيْ: الْجَارِيَةِ (ثُلُثُ الثَّمَنِ) الَّذِي بِيعَا بِهِ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَصَحَّحَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهَا تُقَوَّمُ مَعَ وَلَدِهَا وَوَلَدُهَا مَعَهَا- لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مُحَرَّمٌ فَيُقَوَّمُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُرْتَهِنُ) لِلْجَارِيَةِ (بِالْوَلَدِ ثُمَّ عَلِمَ) بِهِ (فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ، فَإِنْ أَمْسَكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهَا، وَإِنْ رَدَّهَا فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ، إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ) أَيْ: فِي الْبَيْعِ،؛ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِيهِ فَلَا فَسْخَ لَهُ.
(وَإِنْ تَعَيَّبَ الرَّهْنُ) قَبْلَ قَبْضِهِ (أَوْ اسْتَحَالَ الْعَصِيرُ) الْمَرْهُونُ (خَمْرًا قَبْلَ قَبْضِهِ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ قَبْضِهِ مَعِيبًا وَرِضَاهُ بِلَا رَهْنٍ فِيمَا إذَا تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ، وَبَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ) عْنِي إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِيهِ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَإِلَّا فَلَا.
(وَ) إذَا فَسَخَ الْبَيْعَ (رَدَّ الرَّهْنَ) لِرَبِّهِ لِبُطْلَانِهِ (وَإِنْ عَلِمَ) الْمُرْتَهِنُ (بِالْعَيْبِ بَعْدَ قَبْضِهِ) أَيْ: الرَّهْنِ (فَكَذَلِكَ) أَيْ: يُخَيَّرُ بَيْنَ إمْسَاكِهِ أَوْ رَدِّهِ وَفَسْخِ الْبَيْعِ، إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِيهِ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: لِلْمُرْتَهِنِ (مَعَ إمْسَاكِهِ) أَيْ: الرَّهْنِ الْمَعِيبِ (أَرْشٌ مِنْ أَجْلِ الْعَيْبِ)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَوْ تَلِفَ بِجُمْلَتِهِ لَمْ يَمْلِكْ الطَّلَبَ بِبَدَلِهِ، فَبَعْضُهُ أَوْلَى.
(وَإِنْ رَهَنَ ثَمَرَةً إلَى مَحِلٍّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ: أَجْلٍ (فَحَدَثَ فِيهِ) أَيْ: الْمَحِلِّ ثَمَرَةً (أُخْرَى لَا تَتَمَيَّزُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ)؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ عِنْدَ حُلُولِ الْحَقِّ.
(وَإِنْ رَهَنَهَا) أَيْ: الثَّمَرَةَ (بِدَيْنٍ حَالٍ، أَوْ) رَهَنَهَا بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، و(شَرَطَ قَطْعَهَا عِنْدَ خَوْفِ اخْتِلَاطِهَا) بِأُخْرَى (جَازَ)؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ (فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهَا) أَيْ: الثَّمَرَةَ (حَتَّى اخْتَلَطَتْ) بِغَيْرِهَا (لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ)؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا (فَإِنْ سَمَحَ الرَّاهِنُ بِبَيْعِ الْجَمِيعِ) مِنْ الثَّمَرَةِ الْمَرْهُونَةِ وَمَا اخْتَلَطَتْ بِهِ (عَلَى أَنَّهُ رَهْنٌ) جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَزِيَادَةِ الرَّهْنِ (أَوْ اتَّفَقَا) أَيْ: الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (عَلَى) بَيْعِ (قَدْرٍ مِنْهُ جَازَ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (وَإِنْ اخْتَلَفَا أَوْ تَشَاحَّا ف) يُقَدَّمُ (قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ.
(وَإِنْ رَهَنَ الْمَكَاتِبُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ الْمُحَرَّمِ كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ (لَمْ يَصِحَّ) رَهْنُهُ (؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ) لِمَا يَأْتِي فِي الْكِتَابَةِ.
(وَلَوْ رَهَنَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ) فِي التِّجَارَةِ (مَنْ يَعْتِقُ عَلَى السَّيِّدِ) كَأَبِي سَيِّدِهِ، وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ (لَمْ يَصِحَّ) رَهْنُهُ (؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا بِشِرَائِهِ)؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ.
(وَلَوْ رَهَنَ الْوَارِثُ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ، أَوْ بَاعَهَا، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَوْ مِنْ زَكَاةٍ صَحَّ) الرَّهْنُ أَوْ الْبَيْعُ؛ لِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ إلَيْهِ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ، وَتَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِهَا كَتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْجَانِي لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ (فَإِنْ قَضَى) الْوَارِثُ (الْحَقَّ) الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ مَا رَهَنَهُ أَوْ بَاعَهُ (فَالرَّهْنُ) وَالْبَيْعُ (بِحَالِهِ) لَا يُنْقَضُ، كَمَا لَوْ رَهَنَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الْجَانِي، أَوْ بَاعَهُ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِهِ (وَإِلَّا) يُوفِ الْوَارِثُ الْحَقَّ (فَلِلْغُرَمَاءِ انْتِزَاعُهُ) أَيْ: انْتِزَاعُ مَا رَهَنَهُ أَوْ بَاعَهُ وَإِبْطَالُ تَصَرُّفِهِ لِسَبْقِ حَقِّهِمْ.
(وَالْحُكْمُ فِيهِ) أَيْ: فِيمَا انْتَزَعَهُ الْغُرَمَاءُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ (كَالْحُكْمِ فِي) الْعَبْدِ (الْجَانِي) فَيُبَاعُ وَيُوَفَّى مِنْ ثَمَنِهِ مَا عَلَى الْمَيِّتِ، وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِلْوَارِثِ، كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
(وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ تَصَرَّفَ) الْوَارِثُ (فِي التَّرِكَةِ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْوَارِثِ (مَبِيعٌ بَاعَهُ الْمَيِّتُ) قَبْلَ مَوْتِهِ (بِعَيْبٍ) مُتَعَلِّقٍ بِرَدِّ (ظَهَرَ فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَبِيعِ فَإِنْ وَفَّى الْوَارِثُ الْمُشْتَرِيَ ثَمَنَهُ نَفَذَ تَصَرُّفه، وَإِلَّا فَلَهُ انْتِزَاعُ التَّرِكَةِ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ وَأَخْذُ ثَمَنِهِ مِنْهَا (أَوْ حَقِّ) أَيْ: حُكْمِ حَقِّ (تَعَلُّقِ تَجَدُّدِهِ).
وَفِي نُسْخَةٍ تَجَدَّدَ تَعَلُّقُهُ وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي الْمُغْنِي (بِالتَّرِكَةِ) بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَارِثِ فِيهَا (مِثْلَ إنْ وَقَعَ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ فِي بِئْرٍ حَفَرَهُ) الْمُوَرِّثُ قَبْلَ مَوْتِهِ (فِي غَيْرِ مِلْكِهِ) تَعَدِّيًا، وَقَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِوَقَعَ، وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ) أَيْ: الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ إذْن (صَحِيحٌ) عِلَّة لِقَوْلِهِ: وَلَوْ رَهَنَ الْوَارِث تَرِكَة الْمَيِّت إلَخْ (لَكِنْ) تَعَرُّف الْوَارِث فِي التَّرِكَة مَعَ حَقِّ غُرَمَاء الْمَيِّت بِهَا (غَيْرُ نَافِذٍ) بَلْ مَوْقُوفٌ (فَإِنْ قَضَى) الْوَارِثُ (الْحَقَّ) اللَّازِمَ لِلْمَيِّتِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ (نَفَذَ) تَصَرُّفُهُ.
(وَإِلَّا) يَقْضِيه مِنْ غَيْرِهِ (فُسِخَ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ) وَقَضَى مَا عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِسَبْقِ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: فُسِخَ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَتَأَتَّ فَسْخُ الْعِتْقِ، بَلْ يُجْبَرُ الْوَارِثُ عَلَى قَضَاءِ الْحَقِّ كَمَا لَوْ عَتَقَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الْجَانِيَ، أَوْ عَتَقَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ، عَلَى مَا يَأْتِي.
(وَيَصِحُّ رَهْنُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ إلَى الْكَافِرِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ (إذَا اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ) أَيْ: الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ (فِي يَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ) وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}.
(وَمِثْلُهُ) أَيْ: مِثْلُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمُ فِيمَا ذُكِرَ فِي (كُتُبُ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ) فَيَصِحُّ رَهْنُهَا لِكَافِرٍ إذَا شَرَطَ أَنْ تَكُونَ بِيَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ.
(وَلَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ إلَّا بِالْقَبْضِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَافْتَقَرَ إلَى الْقَبْضِ الْقَرْضِ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَتَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ: (لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ مَنْ اتَّفَقَا) أَيْ: الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ بِيَدِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَبْضِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَغَيْرِهِمَا.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ أَوْ وَكِيلِهِ (قَبْضُهُ) أَيْ: الرَّهْنِ (إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّهُ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ إسْقَاطَ حَقِّهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالْمَوْهُوبِ (فَإِنْ قَبَضَهُ) أَيْ: الرَّهْنَ مُرْتَهِنٌ أَوْ نَائِبه (بِغَيْرِ إذْن) الرَّاهِنِ (لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ) وَهُوَ اللُّزُومُ (وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يُقْبَضْ)؛ لِفَسَادِ الْقَبْضِ لِعَدَمِ إذْن الرَّاهِنِ فِيهِ.
(فَلَوْ اسْتَنَابَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ فِي الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ) قَبْضُهُ وَلَمْ يَكُنِ الرَّهْنُ لَازِمًا؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَقْبِضْهُ هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ (وَعَبْدُ الرَّاهِنِ وَأُمُّ وَلَدِهِ كَهُوَ) فَلَا تَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُمَا فِي قَبْضِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ يَدَ سَيِّدِهِمَا ثَابِتَةٌ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَا بِيَدِهِمَا (لَكِنْ تَصِحُّ اسْتِنَابَةُ مَكَاتِبِهِ) أَيْ: مُكَاتَبِ الرَّاهِنِ (وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ) فِي التِّجَارَةِ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ؛ لِاسْتِقْلَالِهِمَا بِالتَّصَرُّفِ.
(وَصِفَةُ قَبْضِهِ) أَيْ: قَبْضِ الرَّهْنِ (ك) صِفَةِ قَبْضِ (مَبِيعٍ فَإِنْ كَانَ) الرَّهْنُ (مَنْقُولًا فَقَبْضُهُ نَقْلُهُ) كَالْحُلِيِّ (أَوْ تَنَاوُلُهُ) إنْ كَانَ يُتَنَاوَلُ كَالدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا (مَوْصُوفًا كَانَ) الرَّهْنُ (أَوْ مُعَيَّنًا كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ وَصُبْرَةٍ وَإِنْ كَانَ) الرَّهْنُ (مَكِيلًا ف) قَبَضَهُ (بِكَيْلِهِ أَوْ) كَانَ (مَوْزُونًا ف) قَبَضَهُ (بِوَزْنِهِ أَوْ) كَانَ (مَذْرُوعًا) فَقَبَضَهُ (بِذَرْعِهِ أَوْ) كَانَ (مَعْدُودًا ف) قَبَضَهُ (بِعَدِّهِ وَإِنْ كَانَ) الرَّهْنُ (غَيْرَ مَنْقُولٍ كَعَقَارٍ) مِنْ أَرْضٍ وَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ.
(وَ) ك (ثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ وَزَرْعٍ فِي أَرْضٍ ف) قَبَضَهُ (بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُرْتَهِنِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ)؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ.
(وَلَوْ رَهَنَهُ دَارًا فَخَلَّى) الرَّاهِنُ (بَيْنَهُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (وَبَيْنَهَا، وَهُمَا فِيهَا ثُمَّ خَرَجَ الرَّاهِنُ) مِنْهَا (صَحَّ الْقَبْضُ لِوُجُودِ التَّخْلِيَةِ، وَ) الرَّهْنُ (قَبْلَ قَبْضِهِ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ) لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِ اللُّزُومِ، وَهُوَ الْقَبْضُ (فَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ) أَيْ: الرَّهْنِ (رَاهِنٌ قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الْقَبْضِ (بِهِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا، أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ جَعَلَهُ أُجْرَةً، أَوْ جُعْلًا فِي جَعَالَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ رَهَنَهُ ثَانِيًا نَفَذَ تَصَرُّفُهُ)؛ لِعَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ (وَبَطَلَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَمْنَعُ الرَّهْنَ، فَانْفَسَخَ بِهَا (سَوَاءٌ أَقَبَضَ) الرَّاهِنُ (الْهِبَةَ وَالْبَيْعَ وَالرَّهْنَ الثَّانِيَ أَمْ لَمْ يَقْبِضْهُ) كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ دَبَّرَهُ) أَيْ: دَبَّرَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ قَبْلَ قَبْضِهِ (أَوْ أَجَرَهُ، أَوْ كَاتَبَهُ، أَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ) الْمَرْهُونَةَ قِبَلَ الْقَبْضِ (لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَمْنَعُ الْبَيْعَ فَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ.
(وَلَوْ أَذِنَ) الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ (فِي قَبْضِهِ) أَيْ: الرَّهْنِ (ثُمَّ تَصَرَّفَ) الرَّاهِنُ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الْقَبْضِ (نَفَذَ) تَصَرُّفُهُ (أَيْضًا) لِعَدَمِ اللُّزُومِ بَعْدَ الْقَبْضِ.
(وَإِنْ امْتَنَعَ) الرَّاهِنُ (مِنْ إقْبَاضِهِ) الرَّهْنَ (لَمْ يُجْبَرْ) عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ لُزُومِهِ، وَيَبْقَى الدَّيْنُ بِغَيْرِ رَهْنٍ وَكَذَا إنْ انْفَسَخَ الرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ (لَكِنْ إنْ شَرَطَهُ) الْبَائِعُ (فِي عَقْدِ بَيْعٍ وَامْتَنَعَ) الْمُشْتَرِي (مِنْ إقْبَاضِهِ) الرَّهْنَ (فَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا شَرَطَ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ فِي قَرْضٍ.
(وَلَوْ رَهَنَهُ) شَخْصٌ (مَا هُوَ فِي يَدِهِ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (وَمَضْمُونٌ عَلَيْهِ كَالْغُصُوبِ وَالْعَوَارِيّ، وَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ وَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ صَحَّ الرَّهْنُ وَزَالَ الضَّمَانُ)؛ لِانْتِقَالِهِ إلَى الْأَمَانَةِ (كَمَا لَوْ كَانَ) مَا فِي يَدِهِ (غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا) كَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ.
(وَيَلْزَمُ الرَّهْنُ) حِينَئِذٍ (بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ) أَيْ: بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ فَقَطْ فَلَمْ يُحْتَجْ إلَى قَبْضٍ كَمَا لَوْ مَنَعَ الْوَدِيعَةَ صَارَتْ مَضْمُونَةً (وَلَا يَحْتَاجُ) لُزُومُ الرَّهْنِ (إلَى أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: عَلَى الْعَقْدِ، كَمُضِيِّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهِ (كَهِبَةٍ) أَيْ: هِبَةِ إنْسَانٍ مَا بِيَدِهِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَلَا يَحْتَاجُ لِمُضِيِّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى فِيهِ الْقَبْضُ.
(فَإِنْ جُنَّ أَحَدُ الْمُتَرَاهِنَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ مَاتَ) أَحَدُهُمَا قَبْلَهُ (لَمْ يَبْطُلْ زَمَنُ الرَّهْنِ)؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْوَكَالَةِ.
(وَيَقُومُ وَلِي الْمَجْنُونِ مَقَامَهُ فَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ هُوَ الرَّاهِنُ فَعَلَى وَلِيِّهِ مَا فِيهِ الْحَظُّ لَهُ مِنْ التَّقْبِيضِ) لِلرَّهْنِ (وَعَدَمِهِ) يَعْنِي إنْ كَانَ الْحَظُّ لِلْمَجْنُونِ فِي التَّقْبِيضِ بِأَنْ يَكُونَ شَرْطٌ فِي بَيْعٍ وَالْحَظُّ فِي إتْمَامِهِ أَقْبَضَهُ وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي تَرْكِهِ لَمْ يَجُزْ تَقْبِيضُهُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْإِذْنُ لِشَبَهِهِ بِالْهِبَةِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمَجْنُونُ هُوَ (الْمُرْتَهِنُ قَبَضَهُ) لَهُ (وَلِيُّهُ)؛ لِأَنَّهُ الْأَحُظُّ لَهُ (وَإِنْ مَاتَ) أَحَدُهُمَا (قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ) فِي التَّقْبِيضِ، وَالْقَبْضُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَلْزَمْ وَرَثَتَهُ تَقْبِيضُهُ) أَيْ: الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مُوَرِّثَهُمْ وَإِنْ أَرَادُوا إقْبَاضَهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُسْتَدِين سِوَى هَذَا الدَّيْنِ فَلِلْوَرَثَةِ تَقْبِيض الرَّهْنِ) لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، (وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمَيِّتِ (دَيْنٌ سِوَاهُ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ تَخْصِيصُ الْمُرْتَهَنِ بِالرَّهْنِ)؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَتْ بِالتَّرِكَةِ قَبْلَ لُزُومِ حَقِّهِ فَلَمْ يَجُزْ تَحْصِيصُهُ بِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ.
(وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا مَا) إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ (بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ)، وَمَا إذَا حَصَلَ ذَلِكَ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ (؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُون وَالْإِغْمَاءِ وَالْحَجْرِ)؛ لِأَنَّهُ وَكَالَةٌ.
(فَلَوْ حُجِرَ عَلَى الرَّاهِنِ بِفَلْسٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَسْلِيمُهُ)؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ (وَإِنْ كَانَ) الْحَجْرُ (لِسَفَهٍ فَكَمَا لَوْ زَالَ عَقْله بِجُنُونٍ) فَيَقُومُ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ فِي فِعْلِ الْأَحَظِّ.
(وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى الرَّاهِنِ قَبْلَ إقْبَاضِ الرَّهْنِ) (لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ) بِنَفْسِهِ (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَقْبِيضُهُ) لَهُ (؛ لِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ) لِأَحَدٍ لِقِصَرِ مُدَّةِ الْإِغْمَاءِ (وَانْتُظِرَتْ إفَاقَتُهُ) مِنْ إغْمَائِهِ لِيَقْبِضَهُ إنْ شَاءَ.
(وَإِنْ خَرَسَ) الرَّاهِنُ (وَكَانَتْ لَهُ كِتَابَةٌ مَفْهُومَةٌ أَوْ إشَارَةٌ مَعْلُومَةٌ فَكَمُتَكَلِّمٍ)؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِكِتَابَتِهِ أَوْ إشَارَتِهِ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابَةٌ مَفْهُومَةٌ وَلَا إشَارَةٌ مَعْلُومَةٌ (لَمْ يَجُزْ) لِلْمُرْتَهِنِ (الْقَبْضُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ قَدْ أَذِنَ فِي الْقَبْضِ بَطَلَ حُكْمُهُ) أَيْ: حُكْمُ إذْنِهِ (؛ لِأَنَّ إذْنَهُمْ يَبْطُلُ بِمَا عَرَضَ لَهُمْ) مِنْ مَوْتٍ وَجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَحَجْرٍ وَخَرَسٍ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ.
(وَاسْتِدَامَةُ قَبْضِهِ) أَيْ: الرَّهْنِ (شَرْطٌ فِي لُزُومِهِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ يُرَادُ لِلْوَثِيقَةِ؛ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ بَيْعِهِ وَاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ زَالَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، فَإِنَّ الْقَبْضَ فِي ابْتِدَائِهَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ فَإِذَا ثَبَتَ اُسْتُغْنِيَ عَنْ الْقَبْضِ.
(فَإِنْ أَخْرَجَهُ) أَيْ: الرَّهْنَ (الْمُرْتَهِنُ بِاخْتِيَارِهِ إلَى الرَّاهِنِ زَالَ لُزُومُهُ وَبَقِيَ) الرَّهْنُ (كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَبْضٌ)؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ وَقَدْ زَالَتْ وَالْمَشْرُوطُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ (سَوَاءٌ أَخْرَجَهُ) الْمُرْتَهِنُ إلَى الرَّاهِنِ (بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ إيدَاعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(فَإِنْ رَدَّهُ) أَيْ: رَدَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ (إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْمُرْتَهِنِ (بِاخْتِيَارِهِ عَادَ لُزُومُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ)؛ لِأَنَّهُ أَقْبَضَهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَزِمَ كَالْأَوَّلِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَاخَى الْقَبْضُ عَنْ الْعَقْدِ.
(وَإِنْ أُزِيلَتْ) أَيْ: أَزَالَ الرَّاهِنُ أَوْ غَيْرُهُ (يَدَهُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَإِبَاقِ الْعَبْدِ وَضَيَاعِ الْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ فَلُزُومُهُ) أَيْ: الرَّهْنِ (بَاقٍ)؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا.
وَلَوْ سَبَى الْكُفَّارُ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ ثُمَّ اُسْتُنْقِذَ مِنْهُمْ عَادَ رَهْنًا بِحَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّلَاثِينَ وَقَالَ: لَوْ صَالَحَهُ عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ عَلَى مَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ الصُّلْحُ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَزَالَ الرَّهْنُ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلِ الصُّلْحُ وَعَادَ الدَّيْنُ وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِالتَّقْبِيضِ) لِلرَّهْنِ (ثُمَّ أَنْكَرَهُ وَقَالَ: أَقْرَرْت بِذَلِكَ وَلَمْ أَكُنْ أَقْبَضْت شَيْئًا)، فَقَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مُؤَاخَذَةٌ لِلرَّاهِنِ بِإِقْرَارِهِ (أَوْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِالْقَبْضِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ فَقَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ) مُؤَاخَذَةٌ لِلْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ لِحَدِيثِ «لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ» (فَإِنْ طَلَبَ الْمُنْكِرُ يَمِينَهُ) أَيْ: يَمِينَ خَصْمِهِ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ كَاذِبًا (فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ: تَحْلِيفُهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ وَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ.
(إنْ اخْتَلَفَا) أَيْ: الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي الْقَبْضِ (فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قَبَضْته) أَيْ: الرَّهْنَ فَصَارَ لَازِمًا (وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ) ذَلِكَ (فَقَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ) فَإِنْ كَانَ بِيَدِ الرَّاهِنِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ قَبْضُهُ بِحَقٍّ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ) فِي الْقَبْضِ (فَقَالَ الرَّاهِنُ: أَخَذْته) أَيْ: الرَّهْنَ (بِغَيْرِ إذْنِي) فَلَمْ يَلْزَمْ (فَقَالَ) الْمُرْتَهِنُ: (بَلْ) أَخَذْته (بِإِذْنِك وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَوْلُ الرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَإِنْ قَالَ) الرَّاهِنُ: (أَذِنْت لَك) فِي قَبْضِهِ (ثُمَّ رَجَعْت قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ) رُجُوعَهُ (فَقَوْلُهُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ.
وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قَبَضْته ثُمَّ غَصَبْتنِيهِ فَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
(وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ زَالَ لُزُومُهُ)؛ لِأَنَّ تَخْمِيرَهُ بِمَنْزِلَةِ إخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِمُسْلِمٍ عَلَى خَمْرٍ (وَوَجَبَتْ إرَاقَتُهُ) حِينَئِذٍ كَسَائِرِ الْخَمْرِ (فَإِنْ أُرِيقَ) مَا تَخَمَّرَ مِنْ الْعَصِيرِ (بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ)؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ عَادَ) مَا تَخَمَّرَ مِنْ الْعَصِيرِ (خَلًّا) قَبْلَ إرَاقَتِهِ (عَادَ لُزُومُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ) كَمَا لَوْ زَالَتْ يَدُ الْمُرْتَهِنِ عَنْهُ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَلَوْ اسْتَحَالَ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَعُدْ بِعَوْدِهِ خَلًّا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ الْقَبْضِ أَشْبَهَ إسْلَامَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
(وَإِنْ أَجَرَهُ) أَيْ: أَجَّرَ الرَّاهِنُ (أَوْ أَعَارَهُ لِمُرْتَهِنٍ أَوْ) أَجَرَهُ أَوْ أَعَارَهُ لِ (غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مُرْتَهِنٍ (بِإِذْنِهِ) أَيْ: إذْنِ مُرْتَهِنٍ (فَلُزُومُهُ) أَيْ: الرَّهْنِ (بَاقٍ)؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ فَلَمْ يَفْسُدْ الْقَبْضُ (لَكِنَّهُ يَصِيرُ) الرَّهْنُ (فِي الْعَارِيَّةِ مَضْمُونًا) عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ كَمَا يَأْتِي.