فصل: بَابُ اللُّقَطَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.بَابُ الْجَعَالَةِ:

بِتَثْلِيثِ الْجِيم رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَالِكٍ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجَعْلِ، بِمَعْنَى التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ يُسَمِّي الْجَعْلَ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ الْعَمَلَ، أَوْ مِنْ الْجَعْلِ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ يُقَالُ: جَعَلْتُ لَهُ كَذَا أَيْ: أَوْجَبْتُ، وَيُسَمَّى مَا يُعْطَاهُ الْإِنْسَانُ عَلَى أَمْرٍ يَفْعَلُهُ: جَعْلًا، وَجَعَالَةً، وَجَعِيلَةً قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ}، وَحَدِيثُ اللَّدِيغِ (وَهِيَ جَعْلُ شَيْءٍ) مِنْ الْمَالِ (مَعْلُومٍ كَأُجْرَةٍ) بِالرُّؤْيَةِ أَوْ الْوَصْفِ.
وَ(لَا) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا إنْ كَانَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ، فَيَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامُ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ (مَجْهُولًا) كَثُلُثِ مَالِ فُلَانٍ الْحَرْبِيِّ، وَنَحْوِهِ، لِمَنْ يَدُلُّ عَلَى قَلْعَةٍ، وَنَحْوِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ (لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ عَمَلًا مُبَاحًا) مُتَعَلِّقٌ بِجَعْلٍ.
(وَلَوْ) كَانَ الْعَمَلُ الْمُبَاحُ (مَجْهُولًا) كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ لَمْ يَصِفْهَا، وَرَدِّ لُقَطَةٍ لَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ لَهُ جَائِزَةٌ لِكُلِّ مِنْهُمَا فَسْخُهَا، فَلَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُلْزِمَهُ مَجْهُولًا بِخِلَافِ إجَارَةٍ.
(وَ) يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يُجَاعِلَ (عَلَى) أَنْ يَعْمَلَ لَهُ (مُدَّةً، وَلَوْ مَجْهُولَةً) كَمَنْ حَرَسَ زَرْعِي فَلَهُ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا (سَوَاءٌ جَعَلَهُ لِمُعَيَّنٍ، بِأَنْ يَقُولَ: مَنْ تَصِحُّ إجَارَتُهُ)، وَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ لِزَيْدٍ مِثْلًا (إنْ رَدَدْتَ لُقَطَتِي فَلَكَ كَذَا، فَ) يَسْتَحِقُّهُ إنْ رَدَّهَا، وَ(لَا يَسْتَحِقُّ مَنْ رَدَّهَا سِوَاهُ) أَيْ: سِوَى الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا لَمْ يُجَاعِلْهُ عَلَى رَدِّهَا.
وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ إنْسَانٍ فَجَعَلَ لَهُ مَالِكُهَا جُعْلًا لِيَرُدَّهَا لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذُهُ ذِكْرُهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(أَوْ) جَعَلَهُ لِ (غَيْرِ مُعَيَّنٍ بِأَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ لُقَطَتِي أَوْ وَجَدَهَا) فَلَهُ كَذَا (أَوْ) مَنْ (بَنِي لِي هَذَا الْحَائِطَ أَوْ) مَنْ (رَدَّ عَبْدِي) الْآبِقَ (فَلَهُ كَذَا، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ) مَعَ كَوْنِهِ تَعْلِيقًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَا تَعْلِيقًا مَحْضًا.
(وَيَسْتَحِقُّ) الْعَامِلُ (الْجُعْلَ بِالرَّدِّ) أَيْ: بِعَمَلِ مَا جُوعِلَ عَلَيْهِ كَرَدِّ اللُّقَطَةِ أَوْ الْعَبْدِ، وَبِنَاءِ الْحَائِطِ، وَنَحْوِهِ (وَلَوْ كَانَ) الْمُسَمَّى فِي رَدِّ الْآبِقِ (أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ أَوْ) أَكْثَرَ مِنْ (اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا) فِضَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى الْجَاعِلِ بِالْفِعْلِ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْمُسَمَّى (أَكْثَرَ) مِنْ دِينَارٍ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا (فَلَهُ) أَيْ: الْعَامِلِ (فِي) رَدِّ (الْعَبْدِ) الْآبِقِ (مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ) دِينَارًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَتُلْغَى التَّسْمِيَةُ قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُبْدِعِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الشَّارِعُ شَيْئًا مُقَدَّرًا مِنْ الْمَالِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ كَامِلًا بِوُجُودِ سَبَبِهِ، كَأَدَاءِ رُبُعِ مَالِ الْكِتَابَةِ لِلْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَدَائِهِ مَالَ كِتَابَتِهِ، وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقّ إلَّا الْمُسَمَّى قَالَ فِي التَّنْقِيحِ، وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُنْتَهَى.
(فَمَنْ فَعَلَهُ) أَيْ: الْعَمَلَ الْمُسَمَّى عَلَيْهِ الْجُعْلُ (بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ اسْتَحَقَّهُ كَدَيْنٍ) أَيْ: كَسَائِرِ الدُّيُونِ عَنْ الْمُجَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اسْتَقَرَّ بِتَمَامِ الْعَمَلِ فَاسْتَحَقَّ مَا جُعِلَ لَهُ كَالرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ.
(وَ) مَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ: أَثْنَاءِ الْعَمَلِ الَّذِي سُمِّيَ الْجُعْلُ لِمَنْ عَمِلَهُ (يَسْتَحِقُّ) مِنْ الْجُعْلِ (حِصَّةَ تَمَامِهِ) أَيْ: الْعَمَلِ إنْ أَتَمَّهُ بِنِيَّةِ الْجُعْلِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْجُعْلِ، وَقَعَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عَنْهُ عِوَضًا؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَنَافِعَهُ مُتَبَرِّعًا بِهَا،، وَيَأْتِي مَنْ فَعَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ الْجُعْلُ.
(مَثَلًا وَالْجَمَاعَةُ) إنْ فَعَلَتْ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ (تَقْتَسِمُهُ) أَيْ: الْجُعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي الْعَمَلِ الَّذِي بِهِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ هَذَا الثَّقْبَ فَلَهُ دِينَارٌ، فَدَخَلَهُ جَمَاعَةٌ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِينَارًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ دُخُولًا كَامِلًا بِخِلَافِ رَدِّ اللُّقَطَةِ، وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ رَدًّا كَامِلًا، وَمِنْ نَحْوِ ذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَنْ نَقَبَ السُّورَ فَلَهُ دِينَارٌ فَنَقَبَهُ ثَلَاثَةٌ نَقْبًا وَاحِدًا اشْتَرَكُوا فِي الدِّينَارِ، وَإِنْ نَقَبَ كُلُّ وَاحِدٍ نَقْبًا اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ دِينَارًا.
(وَإِذَا رَدَّ) الْعَامِلُ اللُّقَطَةَ أَوْ الْعَبْدَ، وَنَحْوَهُمَا (لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحَبْسُ) أَيْ: حَبْسُ الْمَرْدُودِ (عَلَى الْجُعْلِ) فَإِنْ حَبْسَهُ عَلَيْهِ، وَتَلِفَ ضَمِنَهُ.
(وَإِنْ تَلِفَ الْجُعْلُ) بِيَدِ الْمُجَاعِلِ (كَانَ لَهُ) أَيْ: الْعَامِلِ (مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا (فَقِيمَتُهُ) إذَا رَدَّ.
(فَإِنْ فَاوَتَ بَيْنَهُمْ) أَيْ: بَيْنَ الْجَمَاعَةِ الْعَامِلِينَ (فَجَعَلَ لِ وَاحِدٍ) عَلَى رَدِّهِ (دِينَارًا، وَ) جَعْلَ (الْآخَرِ) دِينَارَيْنِ (اثْنَيْنِ، وَ) جَعَلَ (لِآخَرَ ثَلَاثَةَ) دَنَانِيرَ (جَازَ) عَلَى مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ (فَإِنْ) رَدَّهُ وَاحِدٌ اسْتَحَقَّ جُعْلَهُ، وَإِنْ (رَدَّهُ الثَّلَاثَةُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ جُعْلِهِ)، وَإِنْ رَدَّهُ اثْنَانِ مِنْهُمْ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ جُعْلِهِ.
وَإِنْ جَعَلَ لِأَحَدِهِمْ دِينَارًا دِينَارًا وَلِلْآخَرَيْنِ عِوَضًا مَجْهُولًا فَرَدُّوهُ، فَلِصَاحِبِ الدِّينَارِ ثُلُثُهُ، وَلِلْآخَرَيْنِ أُجْرَةُ عَمَلِهِمَا.
(وَإِنْ جَعَلَ) رَبُّ الْعَبْدِ الْآبِقِ مِثْلًا (لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ) كَزَيْدٍ (شَيْئًا فِي رَدِّهِ فَرَدَّهُ)، زَيْدٌ (هُوَ وَآخَرَانِ مَعَهُ، وَقَالَا: رَدَدْنَاهُ مُعَاوَنَةً لَهُ) أَيْ: لِزَيْدٍ مَثَلًا (اسْتَحَقَّ) زَيْدٌ (جَمِيعَ الْجُعْلِ، وَلَا شَيْءَ لَهُمَا)؛ لِأَنَّهُمَا تَبَرَّعَا بِعَمَلِهِمَا (وَإِنْ قَالَا: رَدَدْنَاهُ لِنَأْخُذَ الْعِوَضَ لِأَنْفُسِنَا، فَلَا شَيْءَ لَهُمَا)؛ لِأَنَّهُمَا عَمِلَا مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ (وَلَهُ) أَيْ: زَيْدٍ (ثُلُثُ الْجُعْلِ)؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ ثُلُثَ الْعَمَلِ.
(وَإِنْ نَادَى غَيْرُ صَاحِبِ الضَّالَّةِ، فَقَالَ مَنْ رَدِّهَا فَلَهُ دِينَارٌ، فَرَدَّهَا رَجُلٌ) أَوْ امْرَأَةٌ (فَالدِّينَارُ عَلَى الْمُنَادِي؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ) أَيْ: الْتَزَمَ (الْعِوَضَ)، وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُنَادِي غَيْرِ رَبِّ الضَّالَّة (فِي النِّدَاءِ قَالَ فُلَانٌ مَنْ رَدَّ ضَالَّتِي فَلَهُ دِينَارٌ) دِينَارٌ وَلَمْ يَكُنْ رَبُّهَا قَالَ ذَلِكَ (فَرَدَّهَا رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ الْمُنَادِي)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ (الْعِوَضَ)، وَالرَّادُّ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاطِ.
(وَإِنْ رَدَّهُ) أَيْ: الْعَبْدَ، وَنَحْوَهُ (مَنْ دُونِ الْمَسَافَةِ الْمُعَيَّنَةِ، كَأَنْ قَالَ) رَبُّ آبِقٍ مَنْ رَدَّ عَبْدِي مِنْ بَلَدِ كَذَا فَلَهُ كَذَا، فَرَدَّهُ إنْسَانٌ (مِنْ بَعْضِ طَرِيقِهِ) أَيْ: طَرِيقِ الْبَلَدِ الْمُسَمَّى (فَ) إنَّهُ يَسْتَحِقُّ (بِالْقِسْطِ) مِنْ الْجُعْلِ الْمُسَمَّى، فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ الَّذِي رَدَّ مِنْهُ نِصْف الْمَسَافَةِ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَبِحِسَابِهِ.
(وَ) إنْ رَدَّهُ (مِنْ) مَوْضِعٍ (أَبْعَدَ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْبَلْدَةِ الْمُسَمَّاةِ (لَهُ الْمُسَمَّى فَقَطْ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَلزَّائِدَ عَلَى الْمَسَافَةِ عِوَضًا، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الرَّادُّ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْئًا.
(وَإِنْ رَدَّهُ) الْعَامِلُ (مِنْ غَيْرِ الْبَلَدِ الْمُسَمَّى) الْمُسَمَّى وَمِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ)؛ لِأَنَّ رَبَّهُ لَمْ يَجْعَل عَلَى رَدِّهِ مِنْ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي عَيَّنَهُ عِوَضًا، فَالرَّادُّ مُتَبَرِّعٌ بِعَمَلِهِ (كَمَا لَوْ جَعَلَ) رَبُّ آبِقَيْنِ (لَهُ فِي رَدِّ أَحَدِ عَبْدَيْهِ) كَسَالِمٍ شَيْئًا (مُعَيَّنًا، فَرَدَّ) الْعَبْدَ (الْآخَرَ) فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُعَيَّنَ قُلْت بَلْ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ، وَكَذَا الَّتِي قَبْلَهَا.
(وَإِنْ قَالَ) رَبُّ آبِقَيْنِ: (مَنْ رَدَّ عَبْدَيَّ فَلَهُ كَذَا، فَرَدَّ أَحَدَهُمَا فَلَهُ نِصْفُ الْجَعَالَة)؛ لِأَنَّهُ رَدَّ نِصْفَهَا، وَيَأْتِي لَوْ هَرَبَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا.
(وَمَنْ فَعَلَهُ) أَيْ: الْعَمَلَ الْمُجَاعَلَ عَلَيْهِ (قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ الْجُعْلُ لَمْ يَسْتَحِقُّهُ) أَيْ: الْجَعْلَ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِعَمَلِهِ (وَحَرُمَ) عَلَيْهِ (أَخْذُهُ) أَيْ: الْجَعْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ.
(وَسَوَاءٌ رَدَّهُ) قَبْل بُلُوغِ الْجُعْلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ إذْ الْجُعْلُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ لَا التَّسْلِيمِ أَيْ: سَلَّمَ الْمَرْدُودَ، وَنَحْوَهُ.
(وَيَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ) كَأَنْ يَقُولَ: مَنْ خَاطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ فِي يَوْمٍ فَلَهُ كَذَا، فَإِنْ أَتَى بِهِ فِيهَا اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهِ فِيهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَهُ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ بِخِلَافِ الْإِجَارَة، فَالْجَعَالَةُ، وَإِنْ كَانَتْ نَوْعَ إجَارَةٍ، لَكِنْ تُخَالِفُهَا فِي أَشْيَاءَ، مِنْهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَمِنْهَا أَنَّ الْفَاعِلَ لَمْ يَلْتَزِمْ الْفِعْلَ، وَأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ يَقَعُ لَا مَعَ مُعَيَّنٍ، كَمَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا.
(وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْجَعَالَةِ) فَيَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ لِعَامِلِ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ، كَاسْتِئْجَارِهِ بِذَلِكَ مُفْرَدًا أَوْ مَعَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ، وَتَزِيدُ الْجَعَالَةُ بِجُعْلٍ مَجْهُولٍ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ، وَتَقَدَّمَ.
(وَكُلّ مَا جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْأَعْمَالِ جَازَ أَخْذُهُ) أَيْ: الْعِوَضِ (عَلَيْهِ فِي الْجَعَالَةِ، وَمَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ كَالْغِنَاءِ، وَالزَّمْرِ، وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
(وَالْعُدْوَانِ وَمَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ) بِأَنْ اشْتَرَطَ إسْلَامَ فَاعِلِهِ (مِمَّا لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ فَاعِلَهُ كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَيْهِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ (فَأَمَّا مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ كَالْأَذَانِ، وَنَحْوِهِ) كَتَعْلِيمِ فِقْهٍ، وَقُرْآنٍ، وَقَضَاءٍ، وَإِفْتَاءٍ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ، وَرُقْيَةٍ (فَيَجُوزُ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (وَتَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ) مُفَصَّلًا.
(وَإِنْ جَعَلَ) لِمَنْ عَمِلَ لَهُ عَمَلًا (عِوَضًا مَجْهُولًا كَقَوْلِهِ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ فَلَهُ نِصْفُهُ أَوْ مَنْ رَدَّ ضَالَّتِي فَلَهُ ثُلُثُهَا أَوْ فَلَهُ ثَوْبٌ، وَنَحْوُهُ) مِنْ الْمَجْهُولَاتِ (أَوْ) جَعَلَ لَهُ عِوَضًا (مُحَرَّمًا كَالْخَمْرِ فَلَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ)؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ.
(وَإِنْ قَالَ مَنْ دَاوَى لِي هَذَا) الْجَرِيحَ (حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ جُرْحِهِ أَوْ) دَاوَى هَذَا الْمَرِيضَ حَتَّى يَبْرَأ مِنْ (مَرَضِهِ أَوْ) دَاوَى هَذَا الْأَرْمَدَ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ (رَمَدِهِ فَلَهُ كَذَا لَمْ يَصِحَّ) الْعَقْدُ فِيهَا مُطْلَقًا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَغَيْرِهِ.
(وَهِيَ) أَيْ: الْجَعَالَةُ (عَقْدٌ جَائِزٌ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الْجَاعِلِ، وَالْمَجْعُولِ لَهُ الْمُعَيَّنَ (فَسْخُهَا) مَتَى شَاءَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ.
(فَإِنْ فَسَخَهَا الْعَامِلُ)، وَلَوْ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْعَمَلِ (لَمْ يَسْتَحِقَّ) لِمَا عَمِلَهُ (شَيْئًا)؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِمَا شُرِطَ عَلَيْهِ، كَعَامِلِ الْمُسَاقَاةِ.
(وَإِنْ فَسَخَهَا الْجَاعِلُ) قَبْلَ شُرُوعِ الْعَامِلِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَ(بَعْدَ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ) مِثْلِ (عَمَلِهِ)؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فَكَانَ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَمَا عَمِلَهُ بَعْد الْفَسْخِ لَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ.
وَإِنْ زَادَ الْجَاعِلُ أَوْ نَقَصَ مِنْ الْجُعْلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ جَازَ، وَعُمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ فَجَازَ فِيهِ ذَلِكَ كَالْمُضَارَبَةِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْجُعْلِ) أَيْ: التَّسْمِيَةِ بِأَنْ أَنْكَرَهَا أَحَدُهُمَا (فَقَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
(وَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِهِ) أَيْ: الْجُعْلِ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ (الْمَسَافَةِ) بِأَنْ قَالَ الْجَاعِلُ: جَعَلْتُ ذَلِكَ لِمَنْ رَدَّهُ مِنْ عَشَرَةِ أَمْيَالٍ، فَقَالَ الْعَامِلُ: بَلْ مِنْ سِتَّةِ أَمْيَالٍ مَثَلًا (فَقَوْلُ جَاعِلٍ)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْعَامِلُ زِيَادَةً عَمَّا يَعْتَرِفُ بِهِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْن الْعَبْدِ الَّذِي جُعِلَ الْعِوَضُ فِي رَدِّهِ.
(وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِغَيْرِ جُعْلٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَنْفَعَتَهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَلِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْعَامِلُ (مُعَدًّا لِأَخَذِ الْأُجْرَةِ فَإِنْ كَانَ) مُعَدًّا لِذَلِكَ (كَالْمَلَّاحِ، وَالْمُكَارِي، وَالْحَجَّامِ، وَالْقَصَّارِ، وَالْخَيَّاطِ، وَالدَّلَّالِ، وَنَحْوِهِمْ) كَالنَّقَّادِ، وَالْكَيَّالِ، وَالْوَزَّانِ، وَشِبْهِهِمْ (مِمَّنْ يَرْصُدُ نَفْسَهُ لِلتَّكَسُّبِ بِالْعَمَلِ، وَأَذِنَ لَهُ) الْمَعْمُول فِي الْعَمَلِ (فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ عَلَى ذَلِكَ (وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي الْإِجَارَةِ).
(إلَّا فِي تَخْلِيصِ مَتَاعِ غَيْرِهِ مِنْ بَحْرٍ أَوْ فَمِ سَبْعٍ أَوْ فَلَاةٍ، وَلَوْ) كَانَ الْمُخَلَّصُ (عَبْدًا فَلَهُ) أَيْ: الْعَامِلِ (أُجْرَةُ مِثْلِهِ)، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى هَلَاكَهُ، وَتَلَفُهُ عَلَى مَالِكِهِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ، وَكَذَا لَوْ انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ فَخَلَّصَ قَوْمٌ الْأَمْوَالَ مِنْ الْبَحْرِ فَتَجِبُ لَهُمْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَثًّا، وَتَرْغِيبًا فِي إنْقَاذِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْهَلَكَةِ، فَإِنَّ الْغَوَّاصَ إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ غَرَّرَ بِنَفْسِهِ، وَبَادَرَ إلَى التَّخْلِيصِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ.
(وَإِلَّا فِي رَدِّ آبِقٍ مِنْ قِنٍّ مَثَلًا وَمُدَبَّرٍ مَثَلًا وَأُمِّ وَلَدٍ إذَا كَانَ) الرَّادُّ (غَيْرَ الْإِمَامِ فَلَهُ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ دِينَارٌ، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مُرْسَلًا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي رَدِّ الْآبِقِ إذَا جَاءَ بِهِ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ دِينَارًا»، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْحَثُّ عَلَى حِفْظِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَصِيَانَةُ الْعَبْدِ عَمَّا يُخَافُ مِنْ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ جُعْلِ الْآبِقِ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَعَلَى الْأُوَلِ فَإِنْ رَدَّهُ الْإِمَامُ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي رَدِّهِ نَصًّا لِانْتِصَابِهِ لِلْمَصَالِحِ، وَلَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى ذَلِكَ (سَوَاءٌ رَدَّهُ) أَيْ: الْآبِقَ (مِنْ دَاخِلِ الْمِصْرِ أَوْ خَارِجِهِ، قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَ) الْآبِقُ (يُسَاوِي الْمِقْدَارَ) الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّارِعُ (أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ) الرَّادُّ (زَوْجًا لِلرَّقِيقِ) الْآبِقِ (أَوْ ذَا رَحِمٍ فِي عِيَالِ الْمَالِك أَوْ لَا) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.
تَنْبِيهٌ:
يُقَالُ: أَبَقَ الْعَبْدُ، إذَا هَرَبَ مِنْ سَيِّدِهِ- بِفَتْحِ الْبَاء- يَأْبِق، بِكَسْرِهَا، وَضَمِّهَا فَهُوَ آبِقٌ، وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ: فِي سِرِّ اللُّغَةِ: لَا يُقَالُ لِلْعَبْدِ آبِقٌ إلَّا إذَا كَانَ ذَهَابُهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا كَدٍّ فِي الْعَمَلِ، وَإِلَّا فَهُوَ هَارِبٌ.
(وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ وُصُولِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) إلَيْهِ (عَتَقَا) إنْ خَرَجَ الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ (وَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ: لِرَادِّهِمَا فِي نَظِيرِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَتِمْ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ لَا يُسَمَّى آبِقًا (وَيَأْخُذُ) رَادُّ الْآبِقِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ تَرِكَتِهِ (مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ).
(وَ) مَا أَنْفَقَ عَلَى (دَابَّةٍ) يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا (فِي قُوتٍ، وَعَلَفٍ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ) الْمُنْفِقُ (الْمَالِكَ) فِي الْإِنْفَاقِ (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الِاسْتِئْذَانِ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، لِحُرْمَةِ النَّفْسِ، وَحَثًّا عَلَى صَوْنِ ذَلِكَ عَلَى رَبِّهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، وَنَحْوِهَا (حَتَّى، وَلَوْ هَرَبَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ وَاجِدِهِ (فِي طَرِيقِهِ أَوْ مَاتَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ قَبْلَ هَرَبِهِ) أَوْ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ مَأْذُونٌ فِيهَا شَرْعًا أَشْبَهَ مَا لَوْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ مَالِكِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَرْجِعُ بِنَفَقَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ جُعْلًا كَرَدِّهِ مِنْ غَيْرِ بَلَدٍ سَمَّاهُ أَوْ هَرَّبَهُ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ (مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ) فَلَا نَفَقَةَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ نَوَى بِالْعَمَلِ التَّبَرُّعَ، وَلَا أُجْرَة لَهُ، وَمُقْتَضَاهُ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الرُّجُوعِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، وَنَحْوِهَا (لَكِنْ لَا جُعْل لَهُ إذَا هَرَبَ) الْآبِقُ مِنْهُ (قَبْلَ تَسْلِيمِهِ) لِسَيِّدِهِ (أَوْ مَاتَ) الْآبِقُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الْعَمَلَ.
(وَلَوْ أَرَادَ) وَاجِدُ الْآبِقِ (اسْتِخْدَامَهُ بَدَلَ النَّفَقَةِ لَمْ يَجُزْ) ذَلِكَ (كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ)، وَأَوْلَى.
(وَمَنْ أَخَذَ الْآبِقَ أَوْ) أَخَذَ غَيْرَهُ مِنْ الْمَالِ الضَّائِعِ لِيَرُدَّهُ لِرَبِّهِ (فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إنْ تَلِفَ) قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهِ (مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ)، وَلَا تَعَدٍّ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِأَخْذِهِ.
(وَإِنْ وَإِنْ وَجَدَ) رَادَّ الْآبِقِ (صَاحِبَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ إذَا اعْتَرَفَ الْعَبْدُ أَنَّهُ سَيِّدُهُ، إنْ كَانَ كَبِيرًا)؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ أَخْذَهُ بِوَصْفِهِ إيَّاهُ فَبِتَصْدِيقِهِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْلَى، وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَقَوْلُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (أَوْ أَقَامَ) صَاحِبُهُ (بَيِّنَةً) أَنَّهُ لَهُ فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) وَاجِدُ الْآبِقِ (سَيِّدَهُ دَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ أَوْ) إلَى (نَائِبِهِ، فَيَحْفَظُهُ لِصَاحِبِهِ) إلَى أَنْ يَجِدَهُ (أَوْ يَبِيعَهُ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ) أَيْ: فِي بَيْعِهِ، وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ لِرَبِّهِ لِانْتِصَابِهِ لِذَلِكَ.
(فَإِنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا، فَجَاءَ سَيِّدُهُ فَاعْتَرَفَ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ) قَبْلَ بِيَعِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (قُبِلَ قَوْلُهُ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ بِهِ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا، وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يُنَافِيهِ.
(يُنَافِيه وَلَيْسَ لِوَاجِدِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ (بَيْعُهُ وَلَا تَمَلُّكُهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ)؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَتَحَفَّظُ بِنَفْسِهِ (فَهُوَ كَضَوَالِّ الْإِبِلِ) لَكِنْ جَازَ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ لِحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَارْتِدَادُهُ، وَاشْتِغَالُهُ بِالْفَسَادِ.
(وَمَتَى كَانَ الْعَمَلُ فِي مَالِ الْغَيْرِ إنْقَاذًا لَهُ مِنْ التَّلَفِ الْمُشْرِف عَلَيْهِ كَانَ جَائِزًا) بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ إحْسَانٌ إلَيْهِ (كَذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ إذَا خِيفَ مَوْتُهُ، وَلَا يَضْمَنُ مَا نَقَصَ بِمَوْتِهِ) أَيْ: ذَبْحِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِهِ.
وَلَوْ (وَقَعَ الْحَرِيقُ بِدَارٍ وَنَحْوِهَا فَهَدَمَهَا غَيْرُ صَاحِبِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى النَّارِ لِئَلَّا تَسْرِيَ) النَّارُ (أَوْ هَدَمَ قَرِيبًا مِنْهَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهَا، وَخِيفَ تَعَدِّيهَا، وَعُتُوُّهَا لَمْ يَضْمَنْ، ذَكَرَهُ) ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ رَأَى السَّيْلَ يَقْصِدُ الدَّارَ الْمُؤَجَّرَةَ فَبَادَرَ وَهَدَمَ الْحَائِطَ لِيُخْرِجَ السَّيْلَ وَلَا يَهْدِمُ الدَّارَ كَانَ مُحْسِنًا، وَلَا يَضْمَنُ انْتَهَى)، وَكَذَا فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ.
(وَإِنْ وَجَدَ فَرَسًا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ الْعَرَبِ أَيْ: مِنْ الْبَدْوِ، فَأَخَذَ الْفَرَسَ مِنْهُمْ، ثُمَّ إنَّ الْفَرَسَ مَرِضَ بِحَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ جَازَ لِلْآخِذِ بَيْعُهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَبِيعَهُ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكَّلَهُ فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَنَظَائِرِهَا، وَيَحْفَظُ الثَّمَنَ) لِرَبِّهِ.
(قَالَهُ الشَّيْخُ، وَهِيَ) أَيْ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (فِي) الْجُزْءِ (الْخَامِسِ مِنْ الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ).

.بَابُ اللُّقَطَةِ:

قَالَ فِي الْقَامُوسِ: اللُّقَطَةُ مُحَرَّكَةٌ، وَكَحُرْمَةٍ، وَهُمَزَةٍ، وَثُمَامَةَ: مَا اُلْتُقِطَ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ: مُحَرَّكَةٌ أَيْ: مَفْتُوحَةُ اللَّامِ، وَالْقَافِ، وَحُكِيَ عَنْ الْخَلِيلِ: اللُّقَطَةُ بِضَمِّ اللَّامِ، وَفَتْحِ الْقَافِ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ، وَحُكِيَ عَنْهُ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهَا اسْمٌ لِلْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّ مَا جَاءَ عَلَى فُعَلَةٍ فَهُوَ اسْمُ الْفَاعِلِ، كَالضُّحَكَةِ، وَالْهُمَزَةِ، وَاللُّمَزَةِ (وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُلْتَقَط مِنْ مَالٍ) ضَائِعٍ (أَوْ مُخْتَصٍّ ضَائِعٍ) كَالسَّاقِطِ مِنْ رَبِّهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ.
(وَمَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ: مَعْنَى الضَّائِعِ، كَالْمَتْرُوكِ قَصْدًا لِأَمْرٍ يَقْتَضِيهِ (لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ) فَإِنْ كَانَتْ لِحَرْبِيٍّ مَلَكَهَا وَاجِدُهَا، كَالْحَرْبِيِّ إذَا ضَلَّ الطَّرِيقَ فَوَجَدَهُ إنْسَانٌ فَأَخَذَهُ مَلَكَهُ، وَتَقَدَّمَ (يَلْتَقِطُهُ غَيْرُ رَبِّهِ) فَإِنْ الْتَقَطَهُ رَبُّهُ لَمْ يُسَمَّ لُقَطَةً عُرْفًا، وَالْأَصْلُ فِي اللُّقَطَةِ: مَا رَوَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ قَالَ «سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ فَقَالَ: اعْرِفْ وِكَاءَهَا، وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَك فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَادْفَعْهَا إلَيْهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَقَالَ: مَا لَكَ، وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا، وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا، وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاةِ؟ فَقَالَ: خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مَثَلًا وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: مُلْتَقِطٌ، وَمَلْقُوطٌ، وَالْتِقَاطٌ (وَالْتِقَاطٌ وَيَنْقَسِمُ) الْمَالُ الضَّائِعُ، وَنَحْوُهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطُ النَّاسِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْهِمَّةُ بِالْكَسْرِ، وَتُفْتَحُ مَا هَمَّ بِهِ مِنْ أَمْرٍ لِيَفْعَلَ (كَالسَّوْطِ) مَا يُضْرَب بِهِ.
وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ هُوَ فَوْقَ الْقَضِيبِ، وَدُونَ الْعَصَا، وَفِي الْمُخْتَارِ هُوَ سَوْطٌ لَا ثَمَرَةَ لَهُ (وَالشِّسْعِ) أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ (وَالرَّغِيفِ، وَالْكِسْرَةِ، وَالتَّمْرَةِ، وَالْعَصَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَالْخِرْقَةِ، وَالْحَبْلِ، وَمَا لَا خَطَرَ لَهُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ تَقْيِيدُهُ بِمَا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ، وَلَوْ كَثُرَ، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ صَدَقَةَ أَنَّهُ يُعَرِّفُ الدِّرْهَمَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجِبُ تَعْرِيفُ الدَّانِقِ، وَحَمَلَهُ فِي التَّلْخِيصِ عَلَى دَانِقِ الذَّهَبِ نَظَرًا لِعُرْفِ الْعِرَاقِ.
(وَمَا قِيمَتُهُ كَقِيمَةِ ذَلِكَ، فَيُمْلَكُ بِأَخْذِهِ، وَيَنْتَفِعُ بِهِ آخِذُهُ بِلَا تَعْرِيفٍ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَصَا، وَالسَّوْطِ، وَالْحَبْلِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ) ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطَ (دَفْعُ بَدَلِهِ إنْ وَجْدَ رَبَّهُ)؛ لِأَنَّ لَاقِطَهُ مَلَكَهُ بِأَخْذِهِ (وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا تَلِفَ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: إذَا الْتَقَطَهُ إنْسَانٌ، وَانْتَفَعَ بِهِ، وَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ.
(فَأَمَّا إنْ كَانَ) مَا الْتَقَطَهُ مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ (مَوْجُودًا وَوَجَدَ) مُلْتَقِطُهُ (رَبَّهُ فَيَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ)، وَيُؤَيِّدُهُ: تَعْبِيرُهُمْ بِالْبَدَلِ إذْ لَا يُعْدَلُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَلَفِ الْمُبْدَلُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُوَضِّحِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَلْزَمُ دَفْعُ عَيْنِهِ.
(وَكَذَا لَوْ لَقِيَ كَنَّاسٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ) كَالْمُقْلِشِ (قِطَعًا صِغَارًا مُفَرَّقَةً) مِنْ الْفِضَّةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِأَخْذِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهَا، وَلَا بَدَلُهَا إنْ وَجَدَ رَبَّهَا (وَلَوْ كَثُرَتْ) بِضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضِ؛ لِأَنَّ تَفَرُّقهَا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ أَرْبَابِهَا.
(وَمَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمَهْلَكَةٍ أَوْ فَلَاةٍ تَرْكَ إيَاسٍ لِانْقِطَاعِهَا) أَيْ: عَجْزِهَا عَنْ الْمَشْي (أَوْ) تَرْكَهَا لِ (عَجْزِهِ عَنْ عَلَفِهَا، مَلَكَهَا آخِذُهَا) لِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ، وَتَقَدَّمَ بِخِلَافِ عَبْدٍ، وَمَتَاعٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا لِيَرْجِعَ إلَيْهَا، أَوْ ضَلَّتْ مِنْهُ) فَلَا يَمْلِكَهَا آخِذُهَا (، وَتَقَدَّمَ آخِرَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) مُوَضَّحًا.
(وَكَذَا مَا أُلْقِيَ خَوْفُ الْغَرَقِ) فِي الْبَحْرِ فَيَمْلِكُهُ آخِذُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ أَلْقَاهُ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ الْمَنْبُوذَ رَغْبَةً عَنْهُ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ، وَالْمُنْتَهَى، وَغَيْرِهِمَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَاد التَّشْبِيهُ فِي تَقَدُّمِ حُكْمِهِ أَوْ أَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالْمُسْتَثْنَى فَلَا مُخَالَفَةَ، وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُ ذَلِكَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَبَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ.
الْقِسْمُ (الثَّانِي: الضَّوَالُّ الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ مِثْلَ ثَعْلَبٍ، وَذِئْبٍ، وَابْنِ آوَى، وَوَلَدِ الْأَسَدِ)، وَالضَّوَالُّ جَمْعُ ضَالَّةٍ، وَهِيَ اسْمُ حَيَوَانٍ خَاصَّةً، وَيُقَالُ لَهَا الْهَوَامِي، وَالْهَوَافِي، وَالْحَوَامِلُ، وَامْتِنَاعُهَا إمَّا لِكِبَرِ جُثَثِهَا (كَإِبِلٍ، وَخَيْلٍ، وَبَقَرٍ، وَبِغَالٍ وَ) إمَّا لِطَيَرَانِهَا كَ (طُيُورٍ تَمْتَنِعُ بِطَيَرَانِهَا وَ) إمَّا بِسُرْعَةِ عَدْوِهَا (كَظِبَاءٍ، وَ) إمَّا بِنَابِهَا (كَفُهُودٍ مُعَلَّمَةٍ) أَوْ قَابِلَةٍ لِلتَّعْلِيمِ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ مَالًا، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ (وَكَ) إبِلٍ (حُمُرٍ) أَهْلِيَّةٍ.
(وَخَالَفَ الْمُوَفَّقُ فِيهَا) فَقَالَ: الْأَوْلَى إلْحَاقُهَا بِالشَّاةِ لِمُسَاوَاتِهَا لَهَا فِي الْعِلَّةِ (فَهَذَا الْقِسْمُ غَيْرُ الْآبِقِ يَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ مَا لَكَ، وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا، وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءِ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا»، وَحِذَاؤُهَا خُفُّهَا؛ لِأَنَّهُ لِقُوَّتِهِ، وَصَلَابَتِهِ يَجْرِي مُجْرَى الْحِذَاءِ، وَسِقَاؤُهَا بَطْنُهَا؛ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ فِيهِ مَاءً كَثِيرًا، فَيَبْقَى مَعَهَا يَمْنَعُهَا الْعَطَشَ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُؤْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الْآبِقُ فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهُ صَوْنًا لَهُ عَنْ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَارْتِدَادِهِ، وَسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ، وَتَقَدَّمَ (وَ) هَذَا الْقِسْمُ (لَا يَمْلِكُهُ) مُلْتَقِطُهُ (بِتَعْرِيفِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهِ كَالْغَاصِبِ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَالشَّارِعِ سَوَاءٌ كَانَ زَمَنَ أَمْنٍ أَوْ فَسَادٍ.
(وَإِنْ أَنْفَقَ) الْمُلْتَقِطُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْقِسْمِ (لَمْ يَرْجِعْ) عَلَى رَبِّهِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ (لِتَعَدِّيهِ بِالْتِقَاطِهِ)، وَإِمْسَاكِهِ.
(فَإِنْ تَبِعَ شَيْءٌ مِنْهَا) أَيْ: الضَّوَالِّ الْمَذْكُورَةِ (دَوَابَّهُ فَطَرَدَهُ) فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (أَوْ دَخَلَ) شَيْءٌ مِنْهَا (دَارِهِ فَأَخْرَجَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَلَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَيْهِ).
(لَكِنْ لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ فَقَطْ) دُونَ غَيْرِهِمَا (أَخْذُ ذَلِكَ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ الضَّوَالِّ (لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ)؛ لِأَنَّ لَهُمَا نَظَرًا فِي حِفْظِ مَالِ الْغَائِبِ، وَفِي أَخَذِهَا عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ مَصْلَحَةً لِرَبِّهَا لِصَوْنِهَا، وَ(لَا) يَجُوزُ لَهُمَا كَغَيْرِهِمَا أَخَذُهَا (عَلَى سَبِيلِ الِالْتِقَاطِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(مَثَلًا وَلَا يَلْزَمُهُمَا) أَيْ: الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ (تَعْرِيفُهُ) أَيْ: تَعْرِيفُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الضَّوَالِّ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لِيُعَرِّفَ الضَّوَالَّ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ مِنْ الْإِمَامِ حِفْظُ الضَّوَالِّ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ ضَالَّةٌ جَاءَ إلَى مَوْضِعِ الضَّوَالِّ فَمَنْ عَرَفَ مَالَهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ (وَلَا تَكْفِي فِيهِ الصِّفَةُ)؛ لِأَنَّ الضَّالَّةَ كَانَتْ ظَاهِرَةً لِلنَّاسِ حِينَ كَانَتْ فِي يَدِ مَالِكِهَا فَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا دُونَ غَيْرِهِ، وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا مُمْكِنَةٌ لِظُهُورِهَا لِلنَّاسِ.
(وَمَنْ أَخَذَهُ) أَيْ: مَا يَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَلَمْ يَكْتُمْهُ ضَمِنَهُ إنْ تَلِفَ أَوْ نَقَصَ قَبْلَ رَدِّهِ (كَالْغَاصِبِ) قَبْلَ أَدَائِهِ؛ لِأَنَّ الْتِقَاطَهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ (وَإِنْ كَتَمَهُ، وَتَلِفَ ضَمِنَهُ) الْكَاتِمُ (بِقِيمَتِهِ مَرَّتَيْنِ) لِرَبِّهِ (إمَامًا كَانَ) الْمُلْتَقِطُ (أَوْ غَيْرَهُ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: ثَبَتَ خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «فِي الضَّالَّةِ الْمَكْتُومَةِ غَرَامَتُهَا، وَمِثْلُهَا مَعَهَا» قَالَ: وَهَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُرَدُّ.
(وَإِنْ لَمْ يَتْلَفْ) مَا الْتَقَطَهُ مِنْ الضَّوَالِّ (رَدَّهُ) إلَى رَبِّهِ إنْ وَجَدَهُ بِلَا غُرْمٍ إنْ لَمْ يُنْقَصْ، وَإِلَّا فَأَرْشُ نَقْصِهِ، وَتَقَدَّمَ.
(فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِيهَا.
(أَوْ أَمَرَهَ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (بِرَدِّهِ إلَى مَكَانِهِ زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ) لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِسَنَدِهِ «أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِرَجُلٍ وَجَدَ بَعِيرًا: أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ»؛ وَلِأَنَّ أَمْرَهُ بِرَدِّهِ كَأَخْذِهِ مِنْهُ،.
فَإِنْ رَدَّهُ إلَى مَكَانِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَتَلِفَ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ بِأَخْذِهِ لَزِمَهُ حِفْظُهُ، وَتَرْكُهُ تَضْيِيعٌ لَهُ.
(وَكَذَا مَنْ أَخَذَ مِنْ نَائِمٍ أَوْ) أَخَذَ مِنْ (سَاهٍ) أَيْ: غَافِلٍ (شَيْئًا لَا يَبْرَأُ بِرَدِّهِ) لَهُ نَائِمًا أَوْ سَاهِيًا (بَلْ بِتَسْلِيمِهِ لِرَبِّهِ بَعْدَ انْتِبَاهِهِ) مِنْ النَّوْمِ، وَالسَّهْوِ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَدٍّ بِالْأَخْذِ فَهُوَ سَارِقٌ أَوْ غَاصِبٌ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِرَدِّهِ فِي حَالٍ يَصِحُّ قَبْضُ مَالِكِهِ لَهُ فِيهَا (أَوْ) بِتَسْلِيمِهِ (لِإِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ فَيَبْرَأُ بِذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا وِلَايَةَ لِحَاكِمٍ عَلَى نَائِمٍ، وَسَاهٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُنْتَهَى، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ.
(وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ) الصَّيْدَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَغَيْرِهِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحّ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الْمَنْعِ، وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَمْنُوعِ (وَيَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْحَالِ) بِلَا تَعْرِيفٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَقَدَّمَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى أَنَّهُ يَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ تَبَعًا لِلْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا ضَمَانَ.
(ضَمَانُ وَيَسِمُ الْإِمَامُ) مِنْ الْوَسْمِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ (مَا يَحْصُلُ عِنْدَهُ مِنْ الضَّوَالِّ)، وَقَوْلُهُ (بِأَنَّهَا ضَالَّةٌ) مُتَعَلِّقٌ بِيَسِمُ (، وَيُشْهِدُ عَلَيْهَا) لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِهِ (ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ حِمًى يَرْعَى فِيهِ) مَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنْ الدَّوَابِّ (تَرَكَهَا) تَرْعَى (فِيهِ إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى) الْمَصْلَحَةَ فِي (بَيْعِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمًى بَاعَهَا بَعْدَ أَنْ يُحَلِّيَهَا، وَيَحْفَظَ صِفَاتِهَا، وَيَحْفَظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْفَظُ لَهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُفْضِي إلَى أَنْ تَأْكُلَ جَمِيعَ ثَمَنِهَا.
(وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ الصُّيُودِ الْمُتَوَحِّشَةِ الَّتِي إذَا تُرِكَتْ رَجَعَتْ إلَى الصَّحْرَاءِ بِشَرْطِ عَجْزِ رَبِّهَا عَنْهَا)؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا أَضْيَعُ لَهَا مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَالْمَقْصُودُ حِفْظُهَا لِصَاحِبِهَا لَا حِفْظُهَا فِي نَفْسِهَا، وَلَوْ كَانَ الْقَصْدُ حِفْظَهَا فِي نَفْسِهَا لَمَا جَازَ الْتِقَاطُ الْأَثْمَانِ، فَإِنَّ الدِّينَارَ دِينَارٌ حَيْثُمَا كَانَ، وَلَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ فِيهَا.
وَمِثْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ لَوْ وَجَدَ الضَّالَّةَ فِي أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْأَسَدَ يَفْتَرِسُهَا إنْ تُرِكَتْ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ بِمَحَلٍّ يَسْتَحِلُّ أَهْلُهُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ كَوَادِي التَّيْمِ، أَوْ فِي بَرِيَّةٍ لَا مَاءَ فِيهَا، وَلَا مَرْعًى فَالْأَوْلَى جَوَازُ أَخَذِهَا لِلْحِفْظِ، وَلَا ضَمَانَ، وَيُسَلِّمُهَا لِنَائِبِ الْإِمَامِ، وَلَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ أَخَذِهَا، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ.
(وَجْهٌ وَأَحْجَارُ الطَّوَاحِينَ) مُبْتَدَأٌ (الْكَبِيرَةُ وَالْقُدُورُ، الضَّخْمَةُ وَالْأَخْشَابُ الْكَبِيرَةُ)، وَقَوْلُهُ (مُلْحَقَةٌ بِإِبِلٍ) خَبَرُهُ، أَيْ: فَلَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَضِيعُ عَنْ صَاحِبِهَا، وَلَا تَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهَا، فَهِيَ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ مِنْ الضَّوَالِّ.
(وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ قِنٍّ صَغِيرٍ ذَكَرًا كَانَ) الْقِنُّ (أَوْ أُنْثَى) كَالشَّاةِ (وَلَا يُمْلَكُ بِالِالْتِقَاطِ)، وَلَوْ عَرَّفَهُ حَوْلًا.
(قَالَ الْمُوَفَّقُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ: اللَّقِيطَ (مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ)؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي اللَّقِيطِ.
الْقِسْمُ (الثَّالِثُ: سَائِرُ) أَيْ: بَاقِي (الْأَمْوَالِ، كَالْأَثْمَانِ، وَالْمَتَاعِ، وَمَا لَا يَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، كَالْغَنَمِ، وَالْفُصْلَانِ) بِضَمِّ الْفَاءِ، وَكَسْرِهَا جَمْعُ فَصِيلٍ، وَهُوَ وَلَدُ النَّاقَةِ إذَا فَصَلَ عَنْ أُمِّهِ (وَالْعَجَاجِيلُ) جَمْعُ عِجْلٍ، وَهُوَ وَلَدُ الْبَقَرَةِ (وَجِحَاشُ الْحَمِيرِ، وَالْأَفْلَاءِ) بِالْمَدِّ جَمْعُ فِلْوٍ، بِوَزْنِ سِحْرٍ، وَجِرْوٍ، وَعَدُوٍّ، وَسُمُوٍّ، وَهُوَ الْجَحْشُ، وَالْمُهْرُ إذَا فُطِمَا أَوْ بَلَغَا السَّنَةَ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (وَالْإِوَزِّ، وَالدَّجَاجِ، وَنَحْوِهَا) كَالْخَشَبَةِ الصَّغِيرَةِ، وَقِطَعِ الْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَالرَّصَاصِ، وَالزِّقِّ مِنْ الدُّهْنِ أَوْ الْعَسَلِ، وَالْغِرَارَةِ مِنْ الْحَبِّ، وَالْكُتُبِ، وَمَا جَرَى مُجْرَى ذَلِكَ، وَالْمَرِيضِ مِنْ كِبَارِ الْإِبِلِ وَنَحْوِهِ، كَالصَّغِيرِ (سَوَاءٌ وُجِدَ ذَلِكَ بِمِصْرٍ، أَوْ بِمَهْلَكَةٍ لَمْ يَنْبُذْهُ رَبُّهُ رَغْبَةً عَنْهُ) فَإِنْ نَبَذَهُ كَذَلِكَ، مَلَكَهُ آخِذُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ.
(فَمَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ (لَا يَجُوزُ لَهُ أَخَذُهَا بِحَالٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَتِهَا عَلَى رَبِّهَا، فَهُوَ كَإِتْلَافِهَا، وَكَمَا لَوْ نَوَى تَمَلُّكَهَا فِي الْحَالِ أَوْ كِتْمَانَهَا.
(فَإِنْ أَخَذَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (بِهَذِهِ النِّيَّةِ) أَيْ: بِنِيَّةِ الْخِيَانَةِ (ضَمِنَهَا) إنْ تَلِفَتْ (وَلَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ)؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ فَضَمِنَهُ، كَالْغَاصِبِ (وَلَمْ يَمْلِكْهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ، إذَا أَخَذَهَا، وَهُوَ لَا يَأْمَنُ لِنَفْسِهِ عَلَيْهَا، أَوْ نَوَى تَمَلُّكَهَا فِي الْحَالِ أَوْ كِتْمَانَهَا (وَإِنْ عَرَّفَهَا)؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُحَرَّمَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِدَلِيلِ السَّرِقَةِ.
(وَمَنْ أَخَذَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ ثُمَّ طَرَأَ) لَهُ (قَصْدُ الْخِيَانَةِ لَمْ يَضْمَنْ) اللُّقَطَةَ إنْ تَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ فِي الْحَوْلِ كَمَا لَوْ كَانَ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا.
(وَمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ (اللُّقَطَةِ وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا فَلَهُ أَخْذُهَا) لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْبَابِ فِي النَّقْدَيْنِ، وَقِيسَ عَلَيْهِمَا كُلُّ مُتَمَوَّلٍ غَيْرِ الْحَيَوَانِ، وَفِي الْحَيَوَانِ لَا يَمْتَنِعُ بِنَفْسِهِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ، وَغَيْرِهِ (وَالْأَفْضَلُ) لِمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا، وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا (تَرْكُهَا) أَيْ: عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهَا قَالَ أَحْمَدُ: الْأَفْضَلُ تَرْكُ الِالْتِقَاطِ.
وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَلَوْ وَجَدَهَا بِمَضْيَعَةٍ)؛ لِأَنَّ فِي الِالْتِقَاطِ تَعْرِيضًا بِنَفْسِهِ لِأَكْلِ الْحَرَامِ، وَتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ مِنْ تَعْرِيفِهَا، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيهَا، فَتَرْكُ ذَلِكَ أَوْلَى، وَأَسْلَمُ.
(وَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَعْرِيفِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا) وَلَوْ بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ وُصُولِهَا إلَى رَبِّهَا.
(وَمَتَى أَخَذَهَا) أَيْ: أَخَذَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ (ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا) ضَمِنَهَا (أَوْ فَرَّطَ فِيهَا) فَتَلِفَتْ (ضَمِنَهَا)؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ، فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ، وَتَرْكُهَا، وَالتَّفْرِيطُ فِيهَا تَضْيِيعٌ لَهَا.
(إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْمُلْتَقِطُ (رَدَّهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ) إلَى مَوْضِعِهِ، فَلَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي الْمَالِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ مَالِكُهُ، وَكَذَا لَوْ الْتَقَطَهَا وَدَفَعَهَا لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ.
(وَلَوْ) كَانَ الْمُلْتَقَطُ (مُمْتَنِعًا) مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ وَرَدَّهُ إلَى مَكَانِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهَا (كَمَا تَقَدَّمَ).
، (وَإِنْ ضَاعَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ مُلْتَقِطِهَا فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ) مِنْهُ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَضْمَنْهَا كَالْوَدِيعَةِ.
(فَإِنْ) ضَاعَتْ مِنْهُ فَ (الْتَقَطَهَا آخَرُ فَعَلِمَ) الثَّانِي (أَنَّهَا ضَاعَتْ مِنْ الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ) أَيْ: الثَّانِي (رَدُّهَا إلَيْهِ) أَيْ: الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ التَّمَوُّلِ، وَوِلَايَةُ التَّعْرِيفِ، وَالْحِفْظِ، فَلَا يَزُول ذَلِكَ بِالضَّيَاعِ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي بِالْحَالِ حَتَّى عَرَّفَهَا حَوْلًا مَلَكَهَا)؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وُجِدَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ (وَلَا يَمْلِكُ الْأَوَّلُ انْتِزَاعَهَا مِنْهُ)؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ التَّمَلُّكِ (فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا مِنْ الثَّانِي وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ.
(وَإِنْ عَلِمَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ فَرَدَّهَا إلَيْهِ فَأَبَى) الْأَوَّلُ (أَخْذَهَا مَثَلًا وَقَالَ) لِلثَّانِي (عَرِّفْهَا أَنْتَ فَعَرَّفَهَا) الثَّانِي حَوْلًا (مَلَكَهَا أَيْضًا)؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَرَكَ حَقَّهُ فَسَقَطَ.
(وَإِنْ قَالَ) الْأَوَّلُ لِلثَّانِي (عَرِّفْهَا وَتَكُونُ مِلْكًا لِي فَفَعَلَ) الثَّانِي (فَهُوَ نَائِبُهُ فِي التَّعْرِيفِ، وَيَمْلِكُهَا الْأَوَّلُ)؛ لِأَنَّهُ، وَكَّلَهُ فِي التَّعْرِيفِ فَصَحَّ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْأَوَّلِ.
(وَإِنْ قَالَ) الْأَوَّلُ لِلثَّانِي (عَرِّفْهَا مَثَلًا وَتَكُونُ بَيْنِنَا، فَفَعَلَ) أَيْ: عَرَّفَهَا (صَحَّ أَيْضًا، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا)؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ نِصْفِهَا، وَوَكَّلَهُ فِي الْبَاقِي.
(وَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَعَرَّفَهَا) الْغَاصِبُ (لَمْ يَمْلِكْهَا)؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهَا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ تَمَلُّكِهَا، فَإِنَّ الِالْتِقَاطَ مِنْ جُمْلَةِ السَّبَبِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَهَا ثَانٍ، فَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ الِالْتِقَاطُ.
(وَاللُّقَطَةُ) الَّتِي أُبِيحَ الْتِقَاطُهَا وَلَمْ تُمْلَكْ بِهِ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ (عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا حَيَوَانٌ) مَأْكُولٌ، كَفَصِيلٍ، وَشَاةٍ، وَدَجَاجَةٍ (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطَ فِعْلُ الْأَحَظِّ لِمَالِكِهِ (مِنْ) أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ (أَكْلُهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) فِي الْحَالِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَسُئِلَ عَنْ لُقَطَةِ الشَّاةِ هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ» فَجَعَلَهَا لَهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الذِّئْبِ، وَالذِّئْبُ لَا يُسْتَأْنَى بِأَكْلِهَا؛ وَلِأَنَّ فِي أَكْلِ الْحَيَوَانِ فِي الْحَالِ إغْنَاءً عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، وَحِرَاسَتِهِ لِمَالِيَّتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا جَاءَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ بِكَمَالِهَا (أَوْ) مِنْ (بَيْعِهِ) أَيْ: الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَكْلُهُ، فَبَيْعُهُ أَوْلَى.
(وَ) إذَا بَاعَهُ (حَفِظَ ثَمَنَهُ لِصَاحِبِهِ وَلَهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطِ (أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ فِي الْأَكْلِ) لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ (وَ) لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ أَيْضًا فِي (الْبَيْعِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَكْلُهُ بِلَا إذْنِهِ، فَبَيْعُهُ أَوْلَى (يَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطَ (حِفْظُ صِفَتِهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ (فِيهِمَا) أَيْ: فِيمَا إذَا أَرَادَ الْأَكْلَ أَوْ الْبَيْعَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ إذَا وَصَفَهَا رَبُّهَا (أَوْ) مَنْ (حَفِظَهُ) أَيْ: الْحَيَوَانَ.
(وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِهِ عَلَى مَالِكِهِ (وَلَا يَتَمَلَّكُهُ) أَيْ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمُلْتَقِطُ الْحَيَوَانَ وَلَوْ بِثَمَنٍ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ لَا يَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ.
(فَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ: تَرَكَ الْحَيَوَانَ (وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ) حَتَّى تَلِفَ (ضَمِنَهُ)؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ.
(مُفَرِّطٌ وَيَرْجِعُ) الْمُلْتَقِطُ (بِهِ) أَيْ: بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْحَيَوَانِ (مَا لَمْ يَتَعَدَّ) بِأَنْ الْتَقَطَهُ لَا لِيُعَرِّفَهُ، أَوْ بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهِ فِي الْحَالِ، وَنَحْوِهِ (وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ) عَلَى مَالِكِهِ إنْ وَجَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ كَالْوَدِيعَةِ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ أَنْفَقَ وَلَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ (فَلَا) رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ.
(فَإِنْ اسْتَوَتْ) الْأُمُورُ (الثَّلَاثَةُ) فِي نَظَرِ الْمُلْتَقِطِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْأَحَظُّ مِنْهَا (خُيِّرَ بَيْنَهَا) لِجَوَازِ كُلٍّ مِنْهَا مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ الْأَحَظِّ.
(قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَوْلَى الْأُمُور: الْحِفْظُ مَعَ الْإِنْفَاقِ، ثُمَّ الْبَيْعُ، وَحِفْظُ الثَّمَنِ، ثُمَّ الْأَكْلُ، وَغُرْمُ الْقِيمَةِ)، وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا يَبِيعُ بَعْضَ الْحَيَوَانِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي مَا يُخْشَى فَسَادُهُ بِتَبْقِيَتِهِ (كَطَبِيخٍ، وَبِطِّيخٍ، وَفَاكِهَةٍ، وَخَضْرَاوَاتٍ، وَنَحْوِهَا، فَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطَ (فِعْلُ الْأَحَظِّ مِنْ أَكْلِهِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَبَيْعُهُ) وَلَوْ (بِلَا حُكْمِ) أَيْ: إذْنِ (حَاكِمٍ، وَحِفْظُ ثَمَنِهِ)؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حِفْظًا لِمَالِيَّتِهِ عَلَى رَبِّهِ،، وَكَالْحَيَوَانِ.
(وَلَوْ تَرَكَهُ) أَيْ: تَرَكَ الْمُلْتَقِطُ مَا يُخْشَى فَسَادَهُ بِلَا أَكْلٍ وَلَا بِيَعٍ (حَتَّى تَلِفَ ضَمِنَهُ)؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ.
(فَإِنْ اسْتَوَيَا) فِي نَظَرِ الْمُلْتَقِطِ (خُيِّرَ بَيْنَهُمَا) فَأَيُّهُمَا فَعَلَ جَازَ لَهُ (وَقَيَّدَهُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ، وَالْأَكْلِ (جَمَاعَةٌ، بَعْدَ تَعْرِيفِهِ بِقَدْرِ مَا يَخَافُ مَعَهُ فَسَادَهُ، ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ) بَيْنَ أَكْلِهِ، وَبَيْعِهِ.
(إلَّا أَنْ يُمْكِنَ تَجْفِيفُهُ) أَيْ: تَجْفِيفُ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ (كَالْعِنَبِ فَيَفْعَلُ) الْمُلْتَقِطُ (مَا يَرَى الْحَظَّ فِيهِ لِمَالِكِهِ مِنْ الْأَكْلِ) بِقِيمَتِهِ (وَالْبَيْعِ) مَعَ حِفْظِ ثَمَنِهِ (وَالتَّجْفِيفِ)؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ، وَفِعْلُ الْأَحَظِّ فِي الْأَمَانَةِ مُتَعَيِّنٌ.
(مُتَعَيِّنٍ وَغَرَامَةِ التَّجْفِيفِ) إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا (مِنْهُ فَيَبِيعُ) الْمُلْتَقِطُ (بَعْضَهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ: فِي تَجْفِيفِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ رَجَعَ بِهِ فِي الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
وَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ تَعَيَّنَ أَكْلُهُ.
الضَّرْبُ (الثَّالِثُ: سَائِرُ الْأَمْوَالِ) أَيْ: مَا عَدَا الضَّرْبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَالْأَثْمَانِ، وَالْمَتَاعِ، وَنَحْوِهِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطَ حِفْظُ الْجَمِيعِ مِنْ حَيَوَانٍ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بِالْتِقَاطِهِ.
(وَ) يَلْزَمُهُ (تَعْرِيفُهُ عَلَى الْفَوْرِ) لِظَاهِرِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ الْفَوْرِ؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا عَقِبَ ضَيَاعِهَا (حَيَوَانًا كَانَ) الْمُلْتَقَطُ (أَوْ غَيْرَهُ) سَوَاءٌ أَرَادَ الْمُلْتَقِطُ تَمَلُّكَهُ أَوْ حِفْظَهُ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَلَمْ يُفَرِّقْ وَلَا حَفِظَهَا لِصَاحِبِهَا إنَّمَا يُفِيدُ بِوُصُولِهَا إلَيْهِ، وَطَرِيقُهُ التَّعْرِيفُ.
وَيَكُونُ التَّعْرِيفُ (بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُلْتَقَطِ (بِنَفْسِهِ) أَيْ: الْمُلْتَقِطِ (أَوْ بِنَائِبِهِ)، وَيَكُونُ النِّدَاءُ (فِي مَجَامِعِ النَّاسِ كَالْأَسْوَاقِ، وَالْحَمَّامَاتِ، وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إشَاعَةُ ذِكْرِهَا.
(وَيُكْرَهُ) النِّدَاءُ عَلَيْهَا (فِيهَا) أَيْ: فِي الْمَسَاجِدِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا أَدَّاهَا اللَّهُ إلَيْك فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا»، وَالْإِنْشَادُ دُونَ التَّعْرِيفِ فَهُوَ أَوْلَى.
(أَوْلَى وَيَكْثُرُ مِنْهُ) أَيْ: التَّعْرِيفِ (فِي مَوْضِعِ وُجْدَانِهَا)؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ طِلَبِهَا (وَ) يَكْثُرُ أَيْضًا مِنْهُ (فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَلِي الْتِقَاطَهَا)؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا عَقِبَ ضِيَاعِهَا، فَالْإِكْثَارُ مِنْهُ إذَنْ أَقْرَبُ إلَى وُصُولِهَا إلَيْهِ.
، وَيَكُونُ التَّعْرِيفُ (حَوْلًا كَامِلًا) لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ (نَهَارًا)؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ النَّاسِ، وَمُلْتَقَاهُمْ (كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً أُسْبُوعًا) أَيْ: سَبْعَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ فِيهِ أَكْثَرُ (ثُمَّ) لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا بَعْدَ أُسْبُوعٍ مُتَوَالِيًا بَلْ عَلَى عَادَةِ النَّاسِ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا (مَرَّةً مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ مِنْ شَهْرٍ ثُمَّ مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرٍ) حَتَّى يَتِمَّ الْحَوْلُ.
(وَلَا يَصِفُهُ) أَيْ: لَا يَصِفُ مَا يُعَرِّفُهُ (بَلْ يَقُولُ: مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ نَفَقَةٌ) قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ.
وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فَيَقُولُ: مَنْ ضَاعَ مِنْهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ ثِيَابٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ انْتَهَى، لَكِنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِفُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدَّعِيَهَا بَعْضُ مَنْ سَمِعَ صِفَتَهَا فَتَضِيعَ عَلَى مَالِكِهَا، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: لَا يَصِفُهَا أَنَّهُ لَوْ وَصَفَهَا فَأَخَذَهَا غَيْرُ مَالِكِهَا بِالْوَصْفِ ضَمِنَهَا الْمُلْتَقِطُ لِمَالِكِهَا كَمَا لَوْ دَلَّ الْوَدِيعُ عَلَى الْوَدِيعَةِ مَنْ سَرَقَهَا.
(وَإِنْ سَافَرَ) الْمُلْتَقِطُ فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ (وَكَّلَ مَنْ يُعَرِّفُهَا) عَنْهُ حَتَّى يَحْضُرَ، فَيَنُوبَ نَائِبُهُ مَنَابَهُ.
(فَإِنْ الْتَقَطَ) اللُّقَطَةَ (فِي صَحْرَاءَ عَرَّفَهَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ مِنْ الصَّحْرَاءِ) الَّتِي الْتَقَطَهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ طَلَبِهَا.
(طَلَبُهَا وَأُجْرَةُ الْمُنَادِي عَلَى الْمُلْتَقِطِ)؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْعَمَلِ، فَكَانَتْ أُجْرَتُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اكْتَرَى شَخْصًا يَقْلَعُ لَهُ مُبَاحًا (وَلَا يَرْجِعُ) الْمُلْتَقِطُ (بِهَا) أَيْ: بِأُجْرَةِ الْمُنَادِي عَلَى رَبِّ اللُّقَطَةِ وَلَوْ قَصَدَ حِفْظَهَا لِمَالِكِهَا خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُلْتَقِطِ فَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِ.
(وَلَا تُعَرَّفَ كِلَابٌ) وَلَوْ مُعَلَّمَةٌ (بَلْ يُنْتَفَعُ بِالْمُبَاحِ مِنْهَا) فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهُ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الْمَنْعِ وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَمْنُوعِ، وَفِي أَخْذِهِ حِفْظُهُ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ أَشْبَهَ الْأَثْمَانَ، وَأَوْلَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مَالًا فَيَكُونُ أَخَفَّ.
(وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى وُجُودُ صَاحِبِ اللُّقَطَةِ)، وَمِنْهُ لَوْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ بِصُرَّةٍ وَلَا نَحْوِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي مُغْنِي ذَوِي الْأَفْهَامِ حَيْثُ ذَكَر أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مُلْتَقِطُهَا بِلَا تَعْرِيفٍ (لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهَا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) نَظَرًا إلَى أَنَّهُ كَالْعَبَثِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّنْقِيحِ، وَالْمُنْتَهَى، وَغَيْرِهِمَا: يَجِبُ مُطْلَقًا.
(وَلَوْ أَخَّرَ) الْمُلْتَقِطُ (التَّعْرِيفَ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ) أَثِمَ، وَسَقَطَ (أَوْ) أَخَّرَهُ (بَعْضَهُ) أَيْ: بَعْضَ الْحَوْلِ الْأُوَلِ (أَثِمَ) الْمُلْتَقِطُ بِتَأْخِيرِهِ أَيْ: التَّعْرِيفِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَسَقَطَ) التَّعْرِيفُ؛ لِأَنَّ حِكْمَةَ التَّعْرِيفِ لَا تَحْصُلُ بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ،.
فَإِذَا تَرَكَهُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ عَرَّفَ بَقِيَّتَهُ فَقَطْ (كَ) مَا يَأْثَمُ (بِالْتِقَاطِهِ بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهِ أَوْ) بِالْتِقَاطِ (مَا لَمْ يُرِدْ تَعْرِيفَهُ)، وَتَقَدَّمَ.
(وَلَا يَمْلِكُهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ إذَا لَمْ يُعَرِّفْهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ (بِالتَّعْرِيفِ بَعْدَ الْحَوْلِ الْأُوَلِ)؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمِلْكِ التَّعْرِيفُ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَهَلْ يَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ يَحْبِسُهَا عِنْدَهُ أَبَدًا عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
(وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ) أَيْ: التَّعْرِيفَ (فِيهِ) أَيْ: الْحَوْلِ الْأَوَّلِ (عَجْزًا كَمَرِيضٍ، وَمَحْبُوسٍ أَوْ) تَرَكَهُ فِيهِ (نِسْيَانًا) فَلَا يَمْلِكُهَا بِهِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ سَوَاءٌ انْتَفَى لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْنِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَمْلِكُهَا بِتَعْرِيفِهَا حَوْلًا بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ التَّعْرِيفَ عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَرَّفَهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ التَّنْقِيحِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى.
(أَوْ تَرَكَهُ) أَيْ: التَّعْرِيفَ (فِي بَعْضِ الْحَوْلِ) لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَمْلِكُهَا وَلَوْ عَرَّفَهَا بَعْدَهُ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ وَجَدَهَا صَغِيرٌ، وَنَحْوُهُ) كَسَفِيهٍ (فَلَمْ يُعَرِّفْهَا وَلِيُّهُ) الْحَوْلَ الْأَوَّلَ فَلَا يَمْلِكُهَا لِانْتِفَاءِ سَبَبِ الْمِلْكِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(أَوْ ضَاعَتْ) اللُّقَطَةُ (فَعَرَّفَهَا) (الْمُلْتَقِطُ الثَّانِي مَعَ عِلْمِهِ بِ) الْمُلْتَقِطِ (الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ) بِهَا لَمْ يَمْلِكْهَا (أَوْ أَعْلَمَهُ) أَيْ: أَعْلَمَ الثَّانِي الْأَوَّلَ (وَقَصَدَ) الثَّانِي (بِتَعْرِيفِهَا لِنَفْسِهِ) دُونَ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَأْذَنْهُ الْأَوَّلُ (لَمْ يَمْلِكْهَا) الثَّانِي؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّعْرِيفِ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَهَا مِنْ الْمُلْتَقِطِ غَاصِبٌ فَعَرَّفَهَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلِكِ وُجِدَ مِنْهُ، وَالْأَوَّلُ لَمْ يَمْلِكْهَا قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى، لَكِنْ تَوَهَّمَ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا حَكَوْا الْوَجْهَيْنِ فِي مِلْكِ الثَّانِي لَهَا، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعْرِيفٌ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِنَائِبِهِ، وَالتَّعْرِيفُ هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ.
(وَلَيْسَ خَوْفُهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطِ (أَنْ يَأْخُذَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (سُلْطَانٌ جَائِرٌ) عُذْرًا فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا (أَوْ) خَوْفُهُ أَنْ (يُطَالِبَهُ بِأَكْثَرَ عُذْرًا فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا) قَالَ فِي الْفُرُوعِ (فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: التَّعْرِيفَ لِذَلِكَ الْخَوْفِ (لَمْ يَمْلِكْهَا إلَّا بَعْدَهُ) أَيْ: التَّعْرِيفِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَمُرَادُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ عُذْرًا حَتَّى يَمْلِكَهَا بِلَا تَعْرِيفٍ، وَلِهَذَا ذَكَرُوا أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بَعْدَهُ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ خَوْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ تَبْقَى بِيَدِهِ فَإِذَا وَجَدَ أَمْنًا عَرَّفَهَا حَوْلًا انْتَهَى فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ تَأْخِيرَ التَّعْرِيفِ لِلْعُذْرِ لَا يُؤَثِّرُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا بَعْدُ، فَيَتَعَارَضُ كَلَامُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا مُتَأَخِّرٌ عَمَّا تَقَدَّمَ، فَكَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى هَذَا.
(وَإِذَا عَرَّفَهَا) أَيْ: عَرَّفَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ الْجَائِزَ الْتِقَاطِهَا حَوْلًا كَامِلًا فَوْرًا (فَلَمْ تُعَرَّفْ دَخَلَتْ) اللُّقَطَةُ (فِي مِلْكِهِ) أَيْ: الْمُلْتَقِطِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا (بَعْدَ الْحَوْلِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ «فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ فَاسْتَنْفِقْهَا».
وَفِي لَفْظٍ «وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ»، وَفِي لَفْظٍ «ثُمَّ كُلْهَا».
وَفِي لَفْظٍ «فَانْتَفِعْ بِهَا»، وَفِي لَفْظٍ «فَشَأْنُكَ بِهَا»، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ كَعْبٍ «فَاسْتَنْفِقْهَا».
وَفِي لَفْظٍ «فَاسْتَمْتِعْ بِهَا»، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ: وَيَمْلِكُ اللُّقَطَةَ مِلْكًا مُرَاعًى يَزُولُ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ الْعِوَضِ بِوُجُودِ صَاحِبِهَا كَمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ بَدَلُهُ لِلزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ (حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ؛ وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ، وَالتَّعْرِيفَ سَبَبُ التَّمَلُّكِ، فَإِذَا تَمَّا وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ حُكْمًا كَالْإِحْيَاءِ، وَالِاصْطِيَادِ، فَلَا يَقِفُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا اخْتِيَارِهِ.
(وَلَوْ) كَانَتْ اللُّقَطَةُ (عُرُوضًا) فَهِيَ (كَالْأَثْمَانِ) لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي اللُّقَطَةِ جَمِيعِهَا، وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ، وَالْأَثْرَمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ تَرَى مَتَاعًا يُوجَدُ فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ؟ أَوْ فِي مَسْكُونَةٍ فَقَالَ: عَرِّفْهُ سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ، وَإِلَّا فَشَأْنُكَ بِهِ».
(وَ) لَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ (لُقَطَةَ الْحَرَمِ) فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ حُكْمًا كَلُقَطَةِ الْحِلِّ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ؛ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَرَمَيْنِ فَأَشْبَهَ حَرَمَ الْمَدِينَةِ؛ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهَا بِالْحِلِّ، وَالْحَرَمِ كَالْوَدِيعَةِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إلَّا لِمَنْ عَرَّفَهَا عَامًا، وَتَخَصُّصُهَا بِذَلِكَ لِتَأَكُّدِهَا لَا لِتَخْصِيصِهَا كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ»، وَضَالَّةُ الذِّمِّيِّ مَقِيسَةٌ عَلَيْهَا.
تَتِمَّةُ:
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُنْشِدُ الْمُعَرِّفُ، وَالنَّاشِدُ الطَّالِبُ (أَوْ كَانَ سُقُوطُهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ (مِنْ صَاحِبِهَا بِ) سَبَبِ (عُدْوَانِ غَيْرِهِ) عَلَيْهِ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.