فصل: بَابُ الِاسْتِطَابَةِ وَآدَابِ التَّخَلِّي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.بَابُ الِاسْتِطَابَةِ وَآدَابِ التَّخَلِّي:

الِاسْتِطَابَةُ: وَالِاسْتِنْجَاءُ، وَالِاسْتِجْمَارُ: عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَنْ مَخْرَجِهِ فَالِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِنْجَاءُ يَكُونَانِ تَارَةً بِالْمَاءِ، وَتَارَةً بِالْأَحْجَارِ وَالِاسْتِجْمَارُ مُخْتَصٌّ بِالْأَحْجَارِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْجِمَارِ وَهِيَ الْحَصَى الصِّغَارُ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَاسْتَطَابَ اسْتَنْجَى كَأَطَابَ انْتَهَى سُمِّيَ اسْتِطَابَةً؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ تَطِيبُ بِإِزَالَةِ الْخَبَثِ، وَاسْتِنْجَاءً مِنْ نَجَوْتَ الشَّجَرَةَ وَأَنْجَيْتَهَا إذَا قَطَعْتَهَا، كَأَنَّهُ يَقْطَعُ الْأَذَى عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ مِنْ النَّجْوَةِ وَهِيَ مَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ حَاجَتِهِ يَسْتَتِرُ بِنَجْوَةٍ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، هُوَ أَصَحُّ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: أَوَّلُ مَنْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَالْمُرَادُ بِآدَابِ التَّخَلِّي مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ حَالَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ) بِالْمَدِّ أَيْ الْمَكَانَ الْمُعَدَّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ (بِسْمِ اللَّهِ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ يَرْفَعُهُ «سَتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ لَيْسَ: إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ ثُمَّ يَقُولُ (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ) أَيْ أَلْجَأُ إلَيْك مِنْ (الْخُبُثِ) بِإِسْكَانِ الْبَاءِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ أَكْثَرُ رِوَايَاتِ الشُّيُوخِ وَفَسَّرَهُ بِالشَّرِّ (وَالْخَبَائِثَ) بِالشَّيَاطِينِ فَكَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ الشَّرِّ وَأَهْلِهِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ بِضَمِّ الْبَاءُ فَهُوَ جَمْعُ خَبِيثٍ، وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، فَكَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ ذُكْرَانِ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثِهِمْ وَقِيلَ: الْخُبْثُ الْكُفْرُ، وَالْخَبَائِثُ الشَّيَاطِينُ.
وَلَمْ يَزِدْ فِي الْغُنْيَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ رَوَى الْبُخَارِيُّ «إذَا أَرَادَ دُخُولَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «أَعُوذُ بِاَللَّهِ» انْتَهَى.
وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «لَا يَعْجَزُ أَحَدُكُمَا إذَا دَخَلَ مِرْفَقَهُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْوَجِيزِ.
وَجَمَعَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُنْتَهَى (وَيُكْرَهُ دُخُولُهُ) أَيْ الْخَلَاءِ (بِمَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ بِلَا حَاجَةٍ) إلَى ذَلِكَ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ» رَوَاه الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ نَقْشَ خَاتَمِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؛ وَلِأَنَّ الْخَلَاءَ مَوْضِعُ الْقَاذُورَاتِ، فَشُرِعَ تَعْظِيمُ اسْمِ اللَّهِ وَتَنْزِيهِهِ عَنْهُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى دُخُولِهِ بِهِ، بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْفَظُهُ وَخَافَ ضِيَاعَهُ فَلَا بَأْسَ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: حَيْثُ أَخْفَاهُ (لَا دَرَاهِمَ وَنَحْوَهَا) كَدَنَانِيرَ عَلَيْهَا اسْمُ اللَّهِ (فَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِدُخُولِهِ بِهَا (نَصًّا) قَالَ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْخَلَاءَ وَمَعَهُ الدَّرَاهِمُ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّ إزَالَةَ ذَلِكَ أَفْضَلُ.
(وَمِثْلُهَا) أَيْ الدَّرَاهِمُ (حُرُزٌ) فَلَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ بِهَا قِيَاسًا عَلَى الدَّرَاهِمِ.
قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: وَأَوْلَى، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا تَبِعَ فِيهِ الْفُرُوعَ وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ.
قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ حَمْلَ الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا كَغَيْرِهَا فِي الْكَرَاهَةِ، ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ رَجَبٍ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْخَوَاتِيمِ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ، وَقَالَ فِي الدَّرَاهِمِ: إذَا كَانَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ أَوْ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُكْرَهُ أَنْ يُدْخَلَ اسْمُ اللَّهِ الْخَلَاءَ (لَكِنْ يَجْعَلُ فَصَّ خَاتَمٍ) احْتَاجَ إلَى دُخُولِ الْخَلَاءِ بِهِ (فِي بَاطِنِ كَفِّهِ الْيُمْنَى) إذَا كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ، لِئَلَّا يُلَاقِي النَّجَاسَةَ أَوْ يُقَابِلُهَا.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيَتَوَجَّهُ إلَى اسْمِ الرَّسُولِ كَذَلِكَ، وَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْبُنْيَانِ (وَيَحْرُمُ) دُخُولُ الْخَلَاءِ (بِمُصْحَفٍ إلَّا لِحَاجَةٍ).
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ قَطْعًا، وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا عَاقِلٌ قُلْتُ وَبَعْضُ الْمُصْحَفِ كَالْمُصْحَفِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتَعِلَ) عِنْدَ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إذَا دَخَلَ الْمِرْفَقَ لَبِسَ حِذَاءَهُ وَغَطَّى رَأْسَهُ» رَوَاه ابْنُ سَعْدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ مُرْسَلًا (وَ) يُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ (يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى دُخُولًا) أَيْ فِي دُخُولِ الْخَلَاءِ،.
(وَ) أَنْ يُقَدِّمَ (يَمِينَ) رِجْلَيْهِ (خُرُوجًا) مِنْهُ لِمَا رَوَى الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى قَبْلَ يَسَارِهِ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ وَلِأَنَّ الْيُسْرَى لِلْأَذَى وَالْيُمْنَى لِمَا سِوَاهُ، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ إلَى الْأَمَاكِنِ الطَّيِّبَةِ، وَأَحَقُّ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْأَذَى وَمَحَلِّهِ.
(وَ) الَّذِي يُرِيدُ قَضَاءَ حَاجَتِهِ (فِي غَيْرِ الْبُنْيَانِ) أَنْ (يُقَدِّمَ يُسْرَاهُ) أَيْ يُسْرَى رِجْلَيْهِ (إلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ وَ) يُقَدِّمَ (يُمْنَاهُ عِنْدَ مُنْصَرِفِهِ) مِنْهُ (مَعَ) إتْيَانِهِ بِ (مَا تَقَدَّمَ) عِنْدَ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ،؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي الصَّحْرَاءِ فِي مَعْنَى الْمَوْضِعِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْخَلَاءِ فِي تَقْدِيمِ الْيُسْرَى دُخُولًا وَالْيُمْنَى خُرُوجًا (حَمَّام وَمُغْتَسَلٌ وَنَحْوُهُمَا) مَنْ أَمَاكِنِ الْأَذَى كَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ، وَكَذَا خَلْعُ نَعْلٍ وَنَحْوِهِ (عَكْسُ مَسْجِدٍ وَمَنْزِلٍ وَنَعْلٍ) أَيْ انْتِعَالٍ (وَنَحْوِهِ) كَخُفٍّ وَسُرْمُوزَةٍ (وَقَمِيصٍ وَنَحْوِهِ) كَقَبَاءٍ، فَيُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى فِي اللُّبْسِ، وَيُقَدِّمُ الْيُسْرَى فِي الْخَلْعِ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يَعْتَمِدَ) عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ (عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ) رِجْلَهُ (الْيُمْنَى) بِأَنْ يَضَعَ أَصَابِعَهَا عَلَى الْأَرْضِ وَيَرْفَعَ قَدَمَهَا، لِحَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَّكِئَ عَلَى الْيُسْرَى، وَنَنْصِبَ الْيُمْنَى» رَوَاه الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُغَطِّيَ رَأْسَهُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ غَطَّى رَأْسَهُ وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ غَطَّى رَأْسَهُ» رَوَاه الْبَيْهَقِيُّ مَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الْكُدَيْمِيِّ، وَكَانَ يُتَّهَمُ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ (وَلَا يَرْفَعُهُ إلَى رَأْسِهِ) لِأَنَّهُ مَحِلٌّ يَحْضُرُهُ الشَّيَاطِينُ فَتَعْبَثُ بِهِ، فَلِذَلِكَ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ.
(وَيُسَنُّ) لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ (فِي فَضَاءٍ: بُعْدُهُ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَ) يُسَنُّ (اسْتِتَارُهُ عَنْ نَاظِرٍ) لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مَنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ «كَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ جَمَاعَةُ النَّخْلِ لَا وَاحِدَ لَهُ مَنْ لَفْظِهِ.
(وَ) يُسَنُّ (طَلَبُهُ مَكَانًا رِخْوًا) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ، أَيْ لَيِّنًا هَشًّا (لِبَوْلِهِ) لِخَبَرِ أَبِي مُوسَى قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ «إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي التَّبْصِرَةِ: وَيَقْصِدُ مَكَانًا عُلُوًّا ا.هـ. أَيْ لِيَنْحَدِرَ عَنْهُ الْبَوْلُ (وَلَصْقُ ذَكَرِهِ بِصُلْبٍ) بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ شَدِيدٍ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا رَخْوًا، لِأَنَّهُ يَأْمَنُ بِذَلِكَ مِنْ رَشَاشِ الْبَوْلِ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَعُدَّ أَحْجَارَ الِاسْتِجْمَارِ قَبْلَ جُلُوسِهِ) لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ لِحَدِيثِ «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَيُكْرَهُ رَفْعُ ثَوْبِهِ إنْ بَالَ قَاعِدًا قَبْلَ دُنُوِّهِ مَنْ الْأَرْضِ بِلَا حَاجَةٍ) إلَى ذَلِكَ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد مَنْ طَرِيقِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ وَقَدْ سَمَّاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ: الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مَنْ الْأَرْضِ»؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا (فَإِذَا قَامَ أَسْبَلَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ انْتِصَابِهِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَعَلَّهُ يَجِبُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَنْظُرُهُ.
(وَ) يُكْرَهُ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ (اسْتِقْبَالَ شَمْسٍ وَقَمَرٍ) بِلَا حَائِلٍ، لِمَا فِيهِمَا مَنْ نُورِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَعَهُمَا مَلَائِكَةً وَأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى مَكْتُوبَةٌ عَلَيْهَا (وَ) يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ (مَهَبِّ رِيحٍ بِلَا حَائِلٍ) خَشْيَةَ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ الْبَوْلُ فَيُنَجِّسُهُ (وَمَسُّ فَرْجِهِ بِيَمِينِهِ فِي كُلِّ حَالِ) سَوَاءٌ حَالَ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ يَرْفَعُهُ «لَا يُمْسِكَنَّ أُحُدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ بِبَوْلِهِ، وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنْ الْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَغَيْرُ حَالِ الْبَوْلِ مِثْلُهُ وَأَوْلَى، لِأَنَّ وَقْتَ الْبَوْلِ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مَسِّ الذَّكَرِ، فَإِذَا نَهَى عَنْ إمْسَاكِهِ بِالْيَمِينِ وَقْتَ الْحَاجَةِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِحَالِ الْبَوْلِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ.
(وَكَذَا) يُكْرَهُ فِي كُلِّ حَالٍ (مَسُّ فَرْجٍ أُبِيحَ لَهُ مَسُّهُ) بِيَمِينِهِ، كَفَرْجِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَمَنْ دُونَ سَبْعٍ، قِيَاسًا عَلَى فَرْجِهِ تَشْرِيفًا لِلْيُمْنَى.
(وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (اسْتِجْمَارُهُ) بِيَمِينِهِ (وَاسْتِنْجَاؤُهُ بِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَسَارُهُ أَوْ شُلَّتْ (أَوْ حَاجَةٍ) كَجِرَاحَةٍ بِيَسَارِهِ، لِخَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ وَتَقَدَّمَ، وَحَدِيثِ سَلْمَانَ قَالَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَذَا، وَأَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
تَتِمَّةٌ: إنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِيَدِهِ وَأَمْكَنَهُ بِرِجْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَعَلَ، وَإِلَّا فَإِنْ أَمْكَنَهُ بِمَنْ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ لَزِمَهُ، وَإِلَّا تَمَسَّحَ بِأَرْضٍ أَوْ خَشَبَةٍ مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ عَجَزَ صَلَّى عَلَى حَسْبِ حَالِهِ، وَإِنْ قَدَرَ بَعْدُ عَلَى شَيْءٍ مَنْ ذَلِكَ لَمْ يُعِدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي بُغْيَتِهِ بِمَعْنَاهُ قُلْت بَلْ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا لَزِمَهُ، وَلَوْ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ نَظَرُهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْمَرِيضِ وَأَوْلَى.
(فَإِنْ كَانَ اسْتِجْمَارُهُ مِنْ غَائِطٍ أَخَذَ الْحَجَرَ بِيَسَارِهِ فَمَسَحَ بِهِ) دُبُرَهُ ثَلَاثَ مَسْحَاتٍ مُنَقِّيَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (وَإِنْ كَانَ) اسْتِجْمَارُهُ (مِنْ بَوْلٍ أَمْسَكَ ذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ وَمَسَحَهُ) أَيْ ذَكَرَهُ عَلَى الْحَجَرِ الْكَبِيرِ، وَلَا يُمْسِكهُ بِيَمِينِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ صَغِيرًا أَمْسَكَهُ بَيْنَ عَقِبَيْهِ أَوْ بَيْنَ إبْهَامَيْ قَدَمَيْهِ وَمَسَحَ عَلَيْهِ) ذَكَرَهُ (إنْ أَمْكَنَهُ) ذَلِكَ لِإِغْنَائِهِ عَنْ إمْسَاكِهِ بِيَمِينِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ، كَجَالِسٍ فِي الْأَخْلِيَةِ الْمَبْنِيَّةِ (أَمْسَكَ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ) لِلْحَاجَةِ (وَمَسَحَ بِيَسَارِهِ الذَّكَرَ عَلَيْهِ) فَتَكُونُ الْيَسَارُ هِيَ الْمُتَحَرِّكَةُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِنْجَاؤُهُ بِيَمِينِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَمِينُهُ أَوْلَى مِنْ يَسَارِ غَيْرِهِ.
(وَإِنْ اسْتَطَابَ بِهَا) أَيْ بِيَمِينِهِ وَلَا ضَرُورَةَ وَلَا حَاجَةَ (أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ نَهْيُ تَأْدِيبٍ لَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ (وَتُبَاحُ الْمَعُونَةُ بِهَا) أَيْ بِالْيَمِينِ (فِي الْمَاءِ) إذَا اسْتَنْجَى بِهِ، بِأَنْ يَصُبَّ بِهَا الْمَاءَ عَلَى يَسَارِهِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ غَالِبًا.
(وَيُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي شَقٍّ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَاحِدُ الشُّقُوقِ (وَ) فِي (سَرَبٌ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ، عِبَارَةٌ عَنْ الثُّقْبِ، وَهُوَ مَا يَتَّخِذُهُ الدَّبِيبُ وَالْهَوَامُّ بَيْتًا فِي الْأَرْضِ لِمَا رَوَى قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ» قَالُوا لِقَتَادَةَ «مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ يُقَالُ إنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بَالَ بِجُحْرٍ بِالشَّامِ ثُمَّ اسْتَلْقَى مَيِّتًا، فَسُمِعَ مِنْ بِئْرٍ بِالْمَدِينَةِ قَائِلٌ يَقُولُ: نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ الْمَوْصِلِيُّ وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَهُ فَحَفِظُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَوَجَدُوهُ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ سَعْدٌ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يَخْرُجَ بِبَوْلِهِ دَابَّةٌ تُؤْذِيهِ أَوْ تَرُدُّهُ عَلَيْهِ فَتُنَجِّسُهُ، وَمِثْلُ السِّرْبِ مَا يُشْبِهُهُ (وَلَوْ) كَانَ (فَمَ بَالُوعَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي (مَاءٍ رَاكِدٍ) لِخَبَرِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» وَتَقَدَّمَ (وَ) يُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي (قَلِيلٍ جَارٍ) لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُ وَيُنَجِّسُهُ، وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يُحَرِّمُوهُ لِأَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مُتَمَوَّلٍ عَادَةً أَوْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِالْإِضَافَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يُكْرَهُ بَوْلُهُ (فِي إنَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يُكْرَهُ، لِقَوْلِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ عَنْ أُمِّهَا «كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحٌ مَنْ عَيْدَانٍ يَبُولُ فِيهِ، وَيَضَعُهُ تَحْتَ السَّرِيرِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَالْعَيْدَانُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ طِوَالُ النَّخْلِ.
(وَ) يُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي (نَارٍ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ السُّقْمَ، وَ) فِي (رَمَادٍ) ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
(وَ) فِي (مَوْضِعٍ صُلْبٍ) إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ مَكَانًا رِخْوًا وَلَصَقَ ذَكَرَهُ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يُكْرَهُ بَوْلُهُ (فِي مُسْتَحَمٍّ غَيْرِ مُقَيَّرٍ أَوْ مُبَلَّطٍ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمَ، أَوْ يَبُولَ فِي مُغْتَسَلِهِ» وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
(فَإِنْ بَالَ فِي) الْمُسْتَحَمِّ (الْمُقَيَّرِ أَوْ الْمُبَلَّطِ) أَوْ الْمُجَصَّصِ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ أَرْسَلَ عَلَيْهِ الْمَاءَ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ فِيهِ) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنْ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَجَرَى فِي الْبَالُوعَةِ (فَلَا بَأْسَ) لِلْأَمْنِ، مِنْ التَّلْوِيثِ، وَمِثْلُهُ مَكَانُ الْوُضُوءِ كَمَا فِي الْمُبْدِعِ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ) عَلَى مَوْضِعِ بَوْلِهِ أَوْ أَرْضٍ مُتَنَجِّسَةٍ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ (أَوْ) أَيْ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَسْتَنْجِيَ عَلَى مَوْضِعِ بَوْلِهِ أَوْ) عَلَى (أَرْضٍ مُتَنَجِّسَةٍ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ) بِالرَّشَاشِ السَّاقِطِ عَلَيْهَا (وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةَ فِي فَضَاءٍ بِاسْتِنْجَاءٍ أَوْ اسْتِجْمَارٍ) تَشْرِيفًا لَهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ لَا يُكْرَهُ اسْتِدْبَارُهَا إذَنْ.
(وَ) يُكْرَهُ (كَلَامُهُ فِي الْخَلَاءِ، وَلَوْ سَلَامًا أَوْ رَدُّ سَلَامٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ «مَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ» (وَيَجِبُ) الْكَلَامُ عَلَى مَنْ فِي الْخَلَاءِ كَغَيْرِهِ (لِتَحْذِيرِ مَعْصُومٍ عَنْ هَلَكَةٍ كَأَعْمَى وَغَافِلٍ) يُحَذِّرُهُ عَنْ بِئْرٍ أَوْ حَيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا،؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْمَعْصُومِ أَهَمُّ.
(وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُتَخَلِّي، فَلَا يَجِبُ رَدُّهُ، وَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ (فَإِنْ عَطَسَ) الْمُتَخَلِّي (أَوْ سَمِعَ أَذَانًا حَمِدَ اللَّهَ) عَقِبَ الْعُطَاسِ بِقَلْبِهِ (وَأَجَابَ) الْمُؤَذِّنَ (بِقَلْبِهِ) دُونَ لِسَانِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ وَيَأْتِي فِي الْأَذَانِ، وَيَقْضِي مُتَخَلٍّ وَمُصَلٍّ.
(وَ) يُكْرَهُ (ذِكْرُ اللَّهِ فِيهِ) أَيْ فِي الْخَلَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَلَا) يُكْرَهُ ذِكْرُ اللَّهِ فِي الْخَلَاءِ (بِقَلْبِهِ) دُونَ لِسَانِهِ (وَتَحْرُمُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ، وَهُوَ) مُتَوَجِّهٌ (عَلَى حَاجَتِهِ) جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النَّظْمِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْحَمَّامِ، لِمَظِنَّةِ نَجَاسَتِهِ وَكَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ فِيهِ خَارِجُ الصَّلَاةِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
وَفِي الْغُنْيَةِ لَا يَتَكَلَّمُ، وَلَا يَذْكُرُ اللَّهَ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَالتَّعَوُّذِ.
(وَ) يَحْرُمُ (لُبْثُهُ) فِي الْخَلَاءِ (فَوْقَ حَاجَتِهِ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ حَمَّامٍ، أَوْ بِحَضْرَةِ مَلَكٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ لَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ (وَهُوَ) أَيْ لُبْثُهُ فَوْقَ حَاجَتِهِ (مُضِرٌّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ) قِيلَ إنَّهُ يُدْمِي الْكَبِدَ، وَيُورِثُ الْبَاسُورَ (وَكَشْفُ عَوْرَةٍ بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ.
(وَ) يَحْرُمُ (بَوْلُهُ وَتَغَوُّطُهُ فِي طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ قَالُوا: وَمَا اللَّاعِنَانِ؟ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
(وَ) يَحْرُمُ (تَغَوُّطُهُ فِي مَاءٍ) قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ رَاكِدٍ أَوْ جَارٍ لِأَنَّهُ يُقَذِّرُهُ وَيَمْنَعُ النَّاسَ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَ.
(لَا) يَحْرُمُ التَّغَوُّطُ فِي (الْبَحْرِ) لِأَنَّهُ لَا تُعَكِّرُهُ الْجِيَفُ.
(وَلَا) يَحْرُمُ تَغَوُّطُهُ فِي مَا أُعِدَّ لِذَلِكَ (كـ) النَّهْرِ (الْجَارِي فِي الْمَطَاهِرِ) بِدِمَشْقَ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ عَادَةً.
(وَيَحْرُمُ بَوْلُهُ وَتَغَوُّطُهُ عَلَى مَا نُهِيَ عَنْ الِاسْتِجْمَارِ بِهِ كَرَوْثٍ وَعَظْمٍ، وَعَلَى مَا يَتَّصِلُ بِحَيَوَانٍ، كَذَنَبِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَ) عَلَى (يَدِ الْمُسْتَجْمِرِ وَعَلَى مَا لَهُ حُرْمَةٌ كَمَطْعُومٍ) لِآدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ بِهَا فِي التَّقْذِيرِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ.
(وَ) يَحْرُمُ تَغَوُّطُهُ وَبَوْلُهُ (عَلَى قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ قُبُورِهِمْ (وَيَأْتِي آخِرَ الْجَنَائِزِ) مُوَضَّحًا.
(وَ) يَحْرُمُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ (عَلَى عَلَفِ دَابَّةٍ وَغَيْرِهَا) وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: كَمَطْعُومٍ.
(وَ) يَحْرُمُ بَوْلُهُ وَتَغَوُّطُهُ فِي (ظِلٍّ نَافِعٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِضَافَةُ الظِّلِّ إلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ (وَمِثْلُهُ مُتَشَمَّسُ) النَّاسِ (زَمَنَ الشِّتَاءِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ (وَ) مِثْلُهُ (مُتَحَدَّثُ النَّاسِ) إنْ لَمْ يَكُنْ بِنَحْوِ غِيبَةٍ وَإِلَّا فَيُفَرِّقُهُمْ بِمَا اسْتَطَاعَ.
(وَ) يَحْرُمُ بَوْلُهُ وَتَغَوُّطُهُ (تَحْتَ شَجَرَةٍ عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مَقْصُودَةٌ) مَأْكُولَةٌ أَوَّلًا لِأَنَّهُ يُفْسِدُهَا وَتَعَافُهَا الْأَنْفُسُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ظِلٌّ نَافِعٌ؛ لِأَنَّ أَثَرَ ذَلِكَ يَزُولُ بِمَجِيءِ الْأَمْطَارِ إلَى مَجِيءِ الثَّمَرَةِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحْتَ الْأَشْجَارِ وَالنَّخْلِ بِأَنَّ الْأَرْضَ تَبْلَعُ فَضْلَتَهُ.
(وَ) يَحْرُمُ بَوْلُهُ وَتَغَوُّطُهُ فِي (مَوْرِدِ مَاءٍ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
(وَ) يَحْرُمُ (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا) حَالَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ (فِي فَضَاءٍ) لِقَوْلِ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا: وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» رَوَاه الشَّيْخَانِ؛ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ أَشْرَفُ الْجِهَاتِ فَصِينَتْ عَنْ ذَلِكَ.
وَ(لَا) يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُهَا، وَلَا اسْتِدْبَارُهَا فِي (بُنْيَانٍ) لِمَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرَ قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا فَقُلْت: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نَهَى عَنْ هَذَا فَقَالَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ هَذَا فِي الْفَضَاءِ، أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَالْحَسَنُ وَإِنْ كَانَ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ فَقَدْ قَوَّاهُ جَمَاعَةٌ.
وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فَهَذَا تَفْسِيرٌ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْعَامِّ، فَتُحْمَلُ أَحَادِيثُ النَّهْي عَلَى الْفَضَاءِ، وَأَحَادِيثُ الرُّخْصَةِ عَلَى الْبُنْيَانِ (وَيَكْفِي انْحِرَافُهُ) عَنْ الْجِهَةِ نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد وَمَعْنَاهُ فِي الْخِلَافِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لَا يَكْفِي (وَ) يَكْفِي (حَائِلٌ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ (وَلَوْ) كَانَ الْحَائِلُ (كَمُؤَخَّرَةِ رَحْلٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُثَقِّلُ الْخَاءَ، وَهِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إلَيْهَا الرَّاكِبُ (وَيَكْفِي الِاسْتِتَارُ بِدَابَّةٍ) لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ (وَ) بِ (جِدَارٍ وَجَبَلٍ وَنَحْوِهِ) كَشَجَرَةٍ (وَ) يَكْفِي (إرْخَاءُ ذَيْلِهِ) لِحُصُولِ التَّسَتُّرُ بِهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ (وَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ (لَا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ السُّتْرَةِ (كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ) فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ مَنْ جِدَارِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ لَا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ مِنْهَا.
بَلْ قُلْنَا يُعْتَبَرُ، فَ (كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ) ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ لِسِتْرِ أَسَافِلِهِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (بِحَيْثُ تُسْتَرُ أَسَافِلَهُ) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ عَدَمِ الْمُوَاجَهَةِ.
(وَلَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ) (إنْ أَمِنَ تَلَوُّثًا وَنَاظِرًا) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا» وَالسُّبَاطَةُ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُلْقَى فِيهِ الْقُمَامَةُ وَالْأَوْسَاخُ.
(وَلَا) يُكْرَهُ (التَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) فِي ظَاهِرِ نَقْلِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْخِلَافِ وَجَعْلُ النَّهْيِ حِينَ كَانَ قِبْلَةً وَلَا يُسَمَّى بَعْدَ النَّسْخِ قِبْلَةً وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النَّسْخِ بَقَاءَ حُرْمَتِهِ وَظَاهِرُ نَقْلِ حَنْبَلٍ فِيهِ يُكْرَهُ تَتِمَّةٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَبُولُ وَلَا يَقُولُ أُرِيقُ الْمَاءَ وَفِي النَّهْيِ خَبَرٌ ضَعِيفٌ بَلْ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الصَّحِيحَيْنِ مَا يَدُلُّ لِجَوَازِهِ.