فصل: بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْل: في حكم تجاوز الميقات:

وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ أَوْ دُخُولَ (الْحَرَمِ أَوْ) أَرَادَ (نُسُكًا: تَجَاوُزُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ تَجَاوَزُوهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامٍ» فِيهِ ضَعْفٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَهَا لِتِجَارَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْحَجِّ وَلِعَدَمِ تَكَرُّرِ حَاجَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْحَرَمَ وَلَا نُسُكًا لَمْ يَلْزَمْهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ أَتَوْا بَدْرًا مَرَّتَيْنِ وَكَانُوا يُسَافِرُونَ لِلْجِهَادِ فَيَمُرُّونَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ (إنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا) بِخِلَافِ الرَّقِيقِ وَالْكَافِرِ وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْحَجِّ.
(فَلَوْ تَجَاوَزَهُ) أَيْ: الْمِيقَاتَ (رَقِيقٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، ثُمَّ لَزِمَهُمْ) الْإِحْرَامُ (إنْ عَتَقَ) الرَّقِيقُ (وَأَسْلَمَ) الْكَافِرُ (وَكُلِّفَ) غَيْرُ الْمُكَلَّفِ (أَحْرَمُوا مِنْ مَوْضِعِهِمْ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ دُونَ الْمِيقَاتِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ كَأَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ.
(وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ) إذَا أَحْرَمُوا مِنْ مَوْضِعِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُجَاوِزُوا مِيقَاتَهُمْ بِلَا إحْرَامٍ (إلَّا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ) «لِدُخُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ» وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الْإِحْرَامُ يَوْمَئِذٍ (أَوْ خَوْفٍ) أَيْ: وَإِلَّا مَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ لِخَوْفٍ إلْحَاقًا لَهُ بِالْقِتَالِ الْمُبَاحِ (أَوْ حَاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ كَحَطَّابٍ وَفَيْجٍ) بِالْجِيمِ وَهُوَ رَسُولُ السُّلْطَانِ.
(وَنَاقِلِ الْمِيرَةِ وَلِصَيْدٍ وَاحْتِشَاشٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ) لِمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَدْخُلُ إنْسَانٌ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا إلَّا الْحَمَّالِينَ وَالْحَطَّابِينَ وَأَصْحَابَ مَنَافِعِهَا احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ (وَمَكِّيٍّ يَتَرَدَّدُ إلَى قَرْيَتِهِ بِالْحِلِّ) إذْ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لَأَدَّى إلَى الضَّرَرِ وَالْمَشَقَّةِ وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَكَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ قَيِّمِهِ لِلْمَشَقَّةِ.
(ثُمَّ إنْ بَدَا لَهُ) أَيْ: لِمَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِمَّنْ تَتَكَرَّرُ حَاجَتُهُ وَالْمَكِّيُّ الْمُتَرَدِّدُ إلَى قَرْيَتِهِ بِالْحِلِّ (النُّسُكُ أَوْ) بَدَا (لِمَنْ لَمْ يُرِدْ الْحَرَمَ) أَوْ النُّسُكَ (أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ) لِأَنَّهُ صَارَ كَأَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَلِأَنَّ مِنْ مَنْزِلِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ لَوْ خَرَجَ إلَيْهِ ثُمَّ عَادَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
(وَمَنْ تَجَاوَزَ) الْمِيقَاتَ (بِلَا إحْرَامٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ) الَّذِي فَاتَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَأْتِي حُكْمُ رُجُوعهِ إلَيْهِ (وَحَيْثُ لَزِمَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ لِدُخُولِ مَكَّةَ) أَوْ الْحَرَامِ (لَا لِنُسُكٍ: طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ وَحَلَّ) مِنْ إحْرَامِهِ.
(وَأُبِيحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ دُخُولُ مَكَّةَ مُحِلِّينَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَهِيَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ رَوَاهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ لَا قَطْعَ شَجَرٍ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَامَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا كَحُرْمَتِهَا فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ».
(وَمَنْ جَاوَزَهُ) أَيْ: الْمِيقَاتَ (يُرِيدُ النُّسُكَ) بِلَا إحْرَامٍ (أَوْ كَانَ النُّسُكُ فَرْضَهُ) بِأَنْ لَمْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرْ.
(وَلَوْ) كَانَ (جَاهِلًا) بِالْمِيقَاتِ أَوْ الْحُكْمِ (أَوْ نَاسِيًا لِذَلِكَ أَوْ مُكْرَهًا لَزِمَهُ أَنْ يَرْجِعَ) إلَى الْمِيقَاتِ (فَيُحْرِمَ مِنْهُ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ فَلَزِمَهُ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ (مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْحَجِّ أَوْ يَخَفْ) فَوَاتَ (غَيْرِهِ) كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ (فَإِنْ رَجَعَ) إلَى الْمِيقَاتِ (فَأَحْرَمَ مِنْهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُجَاوِزْهُ ابْتِدَاءً.
(وَإِنْ أَحْرَمَ دُونَهُ) أَيْ: الْمِيقَاتِ (مِنْ مَوْضِعِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ» وَلِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ (وَإِنْ رَجَعَ مُحْرِمًا إلَى الْمِيقَاتِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ بِرُجُوعِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِتَرْكِهِ إحْرَامَهُ مِنْ مِيقَاتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ كَمَا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ.
(وَإِنْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ هَذَا) الَّذِي تَجَاوَزَ فِيهِ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ (لَمْ يَسْقُطْ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ كَدَمِ مَحْظُورٍ وَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَنَقَلَ مُهَنَّا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ) الْمَكَانِيِّ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ أَحْرَمَ مِنْ مِصْرٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَغَضِبَ وَقَالَ يَتَسَامَعُ النَّاسُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ مِصْرِهِ وَقَالَ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ أَحْرَمَ مِنْ خُرَاسَانَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ لَامَهُ فِيمَا صَنَعَ وَكَرِهَهُ لَهُ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ كَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَسْتَمْتِعُ أَحَدُكُمْ بِحِلِّهِ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي إحْرَامِهِ».
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيَّتهمَا قَالَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَى أَهَلَّ أَيْ: قَصَدَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَيَكُونُ إحْرَامُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ.
(وَ) يُكْرَهُ أَنْ يُحْرِمَ (بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ السُّنَّةِ «أَنْ لَا يُحْرَمَ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعِبَادَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ (فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ أَوْ الزَّمَانِيِّ (فَهُوَ مُحْرِمٌ) حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الصِّحَّةَ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَى مِيقَاتِ الْمَكَانِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ فِعْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيَدُلُّ لِصِحَّةِ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ: قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} وَكُلُّهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ فَكَذَا لِلْحَجِّ وقَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أَيْ: مُعْظَمُهُ فِي أَشْهُرٍ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» أَوْ أَرَادَ حَجَّ التَّمَتُّعِ وَإِنْ أَضْمَرَ الْإِحْرَامَ أَضْمَرْنَا الْفَضِيلَةَ وَالْخَصْمُ يُضْمِرُ الْجَوَازَ وَالْمُضْمَرُ لَا يَعُمُّ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
(وَلَا يَنْعَقِدُ) أَيْ: يَنْقَلِبُ (إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ) قَبْلَ مِيقَاتِهِ الْمَكَانِيِّ وَالزَّمَانِيِّ (عُمْرَةً) خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَابْنُ حَامِدٍ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَسِنْدِيٌّ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا أَنْ يَفْسَخَهُ بِعُمْرَةٍ فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي.
(وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ) الزَّمَانِيِّ (جَمِيعُ الْعَامِ) لِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ لَهَا بِوَقْتٍ دُونَ آخَرَ (وَلَا يَلْزَمُ الْإِحْرَامُ بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَ) لَا يَوْمَ (عَرَفَةَ وَ) لَا (أَيَّامَ التَّشْرِيقِ) كَالطَّوَافِ الْمُجَرَّدِ؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا.
(وَأَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ (وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ (فَيَوْمُ النَّحْرِ مِنْهَا وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ لِأَنَّ الْعَشْرَ بِإِطْلَاقِهِ لِلْأَيَّامِ كَالْعِدَّةِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُمَا الْعَرَبُ تُغَلِّبُ التَّأْنِيثَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً لِسَبْقِ اللَّيَالِي فَتَقُولُ: سِرْنَا عَشْرًا وَإِنَّمَا فَاتَ الْحَجُّ بِفَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِخُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَقَطْ وَالْجَمْعُ يُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ، وَعَلَى اثْنَيْنِ، وَبَعْضٍ آخَرَ كَعِدَّةِ ذَاتِ الْقُرُوءِ.

.بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا:

(هُوَ) أَيْ: الْإِحْرَامُ لُغَةً: نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ يُقَالُ: أَشْتَى إذَا دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ وَأَرْبَعَ إذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ وَشَرْعًا (نِيَّةُ النُّسُكِ) أَيْ: الدُّخُولُ فِيهِ لَا نِيَّته لِيَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ (سُمِّيَ) الدُّخُولُ فِي النُّسُكِ (إحْرَامًا لِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِإِحْرَامِهِ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَشْيَاءَ كَانَتْ مُبَاحَةً لَهُ) مِنْ النِّكَاحِ وَالطِّيبِ وَأَشْيَاءَ مِنْ اللِّبَاسِ وَنَحْوِهَا وَمِنْهُ فِي الصَّلَاةِ «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ».
(وَيُسَنُّ لِمُرِيدِهِ) أَيْ: الْإِحْرَامِ (أَنْ يَغْتَسِلَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَهِيَ نُفَسَاءُ أَنْ تَغْتَسِلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ «وَأَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ لِإِهْلَالِ الْحَجِّ وَهِيَ حَائِضٌ» (فَإِنْ رَجَتَا) أَيْ: الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ (الطُّهْرَ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِيقَاتِ اُسْتُحِبَّ) لَهُمَا (تَأْخِيرُ) الْغُسْلِ (حَتَّى تَطْهُرَا) لِيَكُونَ أَكْمَلَ لَهُمَا.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَرْجُو الطُّهْرَ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِيقَاتِ (اغْتَسَلَتَا) قَبْلَ الطُّهْرِ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(وَيَتَيَمَّمُ عَادِمُ الْمَاءِ) لِإِحْرَامِهِ وَكَذَا الْعَاجِزُ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ كَسَائِرِ مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ (وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ الْغُسْلِ.
(وَلَا يَضُرُّ حَدَثُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ) كَحَدَثِهِ بَعْدَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَ صَلَاتِهَا.
(وَ) يُسَنُّ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ (أَنْ يَتَنَظَّفَ بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ حَلْقِ الْعَانَةِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ) لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ ثُمَّ يَلْبَسُونَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِمْ رَوَاهُ سَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ سُنَّ فِيهِ ذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ.
(وَ) يُسَنُّ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ (أَنْ يَتَطَيَّبَ وَلَوْ امْرَأَةً فِي بَدَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ) الطِّيبُ (مِمَّا تَبْقَى عَيْنُهُ كَالْمِسْكِ أَوْ أَثَرُهُ كَالْعُودِ وَالْبَخُورِ وَمَاءِ الْوَرْدِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كُنْتُ أُطَيِّبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَتْ «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفَارِقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ لَهَا) أَيْ: لِلْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَتْ الْإِحْرَامَ (خِضَابٌ بِحِنَّاءٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تُدَلِّكَ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا فِي حِنَّاءٍ» وَلِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ أَشْبَهَ الطِّيبَ.
(وَيُكْرَهُ تَطْيِيبُهُ) أَيْ: مُرِيدِ الْإِحْرَامِ (ثَوْبَهُ) وَحَرَّمَهُ الْآجُرِّيُّ (فَ) عَلَى الْأَوَّلِ (إنْ طَيَّبَهُ) أَيْ: طَيَّبَ مُرِيدُ الْإِحْرَامِ ثَوْبَهُ (فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ) أَيْ: اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ (مَا لَمْ يَنْزِعْهُ فَإِنْ نَزَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ لُبْسُهُ وَالطِّيبُ فِيهِ) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الطِّيبَ وَلُبْسَ الْمُطَيَّبِ دُونَ الِاسْتِدَامَةِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: لَبِسَهُ بَعْدَ نَزْعِهِ.
(وَأَثَرُ الطِّيبِ بَاقٍ) لَمْ يَغْسِلْهُ حَتَّى يُذْهِبَ فَدًى لِاسْتِعْمَالِهِ الطِّيبَ (وَإِنْ نَقَلَهُ) أَيْ: الطِّيبَ (مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ إلَى مَوْضِعٍ) آخَرَ (أَوْ تَعَمَّدَ مَسَّهُ بِيَدِهِ فَعَلِقَ) الطِّيبُ (بِهَا أَوْ نَحَّاهُ) أَيْ: الطِّيبَ (عَنْ مَوْضِعِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ) بَعْدَ إحْرَامِهِ (فَدَى) لِأَنَّهُ ابْتِدَاءٌ لِلطِّيبِ (فَإِنْ ذَابَ) الطِّيبُ (بِالشَّمْسِ أَوْ بِالْعَرَقِ فَسَالَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ) مِنْ بَدَنِ الْمُحْرِمِ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَنْهَاهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَيُسَنُّ) لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ (أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ) لِحَدِيثِ «خَيْرُ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضُ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (نَظِيفَيْنِ) لِأَنَّا أَحْبَبْنَا لَهُ التَّنْظِيفَ فِي بَدَنِهِ فَكَذَلِكَ فِي ثِيَابِهِ (إزَارًا وَرِدَاءً جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ فَالرِّدَاءُ عَلَى كَتِفِهِ وَالْإِزَارُ عَلَى وَسْطِهِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لِيُحْرِمَ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ» قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ ذَلِكَ.
وَفِي تَبْصِرَةِ الْحَلْوَانِيِّ إخْرَاجُ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ الرِّدَاءِ أَوْلَى (وَيَجُوزُ) إحْرَامُهُ (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) وَفِي التَّبْصِرَةِ: بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ.
(وَيَتَجَرَّدُ) مُرِيدُ الْإِحْرَامِ (عَنْ الْمَخِيطِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى اللُّبْسِ لَكِنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ (وَيَلْبَسُ نَعْلَيْنِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ وَهُمَا التَّاسُومَةُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ السَّرْمُوزَةِ وَالْجُمْجُمِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (إنْ كَانَ) الْمُحْرِمُ (رَجُلًا وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ فِي الْإِحْرَامِ) إلَّا الْقُفَّازَيْنِ وَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ (وَالْمَخِيطُ: كُلُّ مَا يُخَاطُ عَلَى قَدْرِ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهِ كَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْبُرْنُسِ) وَالْقَبَاءِ وَكَذَا الدِّرْعُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُصْنَعُ مِنْ لِبَدٍ وَنَحْوِهِ عَلَى قَدْرِ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَاطَةٌ (وَلَوْ لَبِسَ إزَارًا مُوصَلًا أَوْ اتَّشَحَ بِثَوْبٍ مَخِيطٍ أَوْ ائْتَزَرَ بِهِ جَازَ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لُبْسًا لِلْمَخِيطِ الْمَصْنُوعِ عَلَى قَدْرِ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهِ لِمِثْلِهِ.
(ثُمَّ يُحْرِمُ عَقِبَ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ) صَلَاةِ (نَفْلٍ) رَكْعَتَيْنِ (نَدْبًا) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاةٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (وَهُوَ) أَيْ: إحْرَامُهُ عَقِبَ الصَّلَاةِ (أَوْلَى) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ خَرَجَ حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُبْدِعِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ عَقِبَ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا سَوَاءً.
(وَإِنْ شَاءَ) أَحْرَمَ (إذَا رَكِبَ وَإِنْ شَاءَ) أَحْرَمَ (إذَا سَارَ) قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ لِوُرُودِ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْإِحْرَامَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمًا أَهَلَّ فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ قَوْمٌ فَقَالُوا أَحْرَمَ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا إلَّا ذَلِكَ ثُمَّ سَارَ حَتَّى عَلَا عَلَى الْبَيْدَاءِ فَأَهَلَّ فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أُنَاسٌ فَقَالُوا أَهَلَّ حِينَ عَلَا الْبَيْدَاءَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ.
(وَلَا يَرْكَعُهُ) أَيْ: النَّفَلَ (وَقْت نَهْي) لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْي (وَلَا مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ) أَوْ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِمَا لِقُرُوحٍ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا مَسَّ الْبَشَرَةِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ.
(وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ إلَّا بِالنِّيَّةِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ وَعِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَافْتُقِرَ إلَيْهَا كَصَلَاةٍ (فَهِيَ) أَيْ: النِّيَّةُ (شَرْطٌ فِيهِ) أَيْ: الْإِحْرَامِ كَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لَكِنْ سَبَقَ لَك أَنَّ الْإِحْرَامَ: هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ فَكَيْفَ يُقَالُ: لَا تَنْعَقِدُ النِّيَّةُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَإِنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي النِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّسَلْسُلِ؟ وَأَمَّا التَّجَرُّدِ فَلَيْسَ رُكْنًا وَلَا شَرْطًا فِي النُّسُكِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ التَّجَرُّدُ هَيْئَةً تُجَامِعُ نِيَّةَ النُّسُكِ رُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَيْهَا فَاحْتِيجَ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْهَيْئَةَ لَيْسَتْ كَافِيَةً بِنَفْسِهَا بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ النِّيَّةِ وَإِنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ تَلْبِيَةٍ أَوْ سَوْقِ هَدْيٍ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِمَا أَحْرَمَ) بِهِ (فَيَقْصِدُ بِنِيَّتِهِ نُسُكًا مُعَيَّنًا) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِ مَنْ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلِأَنَّ أَحْكَامَ ذَلِكَ تَخْتَلِفُ فَاسْتُحِبَّ تَعْيِينُهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ (وَنِيَّةُ النُّسُكِ كَافِيَةٌ فَلَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إلَى تَلْبِيَةٍ وَلَا سَوْقِ هَدْيٍ) لِعُمُومِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».
(وَإِنْ لَبَّى أَوْ سَاقَ هَدْيًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ) لِلْخَبَرِ (وَلَوْ نَطَقَ بِغَيْرِ مَا نَوَاهُ نَحْوَ أَنْ يَنْوِيَ الْعُمْرَةَ فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ إلَى الْحَجِّ أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ إلَى الْعُمْرَةِ (انْعَقَدَ) إحْرَامُهُ (بِمَا نَوَاهُ دُونَ مَا لَفَظَهُ) لِأَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْوُضُوءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعٌ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ.
(وَيَنْعَقِدُ) إحْرَامُهُ (حَالَ جِمَاعِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهِ (وَيَبْطُلُ) أَيْ: يَفْسُدُ (إحْرَامُهُ بِهِ) أَيْ: بِالْجِمَاعِ فَيَمْضِي فِي فَاسِدِهِ وَيَقْضِيهِ كَمَا يَأْتِي.
(وَيَخْرُجُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْإِحْرَامِ (بِرَدَّةٍ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}.
وَ(لَا) يَخْرُجُ مِنْهُ (بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَسُكْرٍ وَمَوْتٍ) لِخَبَرِ الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتهُ (وَلَا يَنْعَقِدُ) الْإِحْرَامُ (مَعَ وُجُودِ أَحَدِهَا) أَيْ: الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ أَوْ السُّكْرِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلنِّيَّةِ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ) مُوَضَّحًا.
(فَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ نَوَى بِقَلْبِهِ قَائِلًا بِلِسَانِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) وَلَمْ يَذْكُرُوا مِثْلَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ لِقِصَرِ مُدَّتِهَا وَيُسْرِهَا عَادَةً.
(وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي أَوْ فَلِي أَنْ أُحِلَّ وَهَذَا الِاشْتِرَاطُ سُنَّةٌ) فِي قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٍ (وَيُفِيدُ) هَذَا الِاشْتِرَاطُ (إذَا عَاقَهُ عَدُوٌّ أَوْ مَرَضٌ أَوْ ذَهَابُ نَفَقَةٍ أَوْ خَطَأُ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ: أَنَّ لَهُ التَّحَلُّلَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَتْ لَهُ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَجِدُنِي وَجِعَةً فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ إسْنَادُهَا جَيِّدٌ «فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ» وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ لِعُرْوَةِ «قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ».
(وَ) يُفِيدُ هَذَا الِاشْتِرَاطُ أَيْضًا (أَنَّهُ مَتَى حَلَّ بِذَلِكَ) أَيْ: سَبَبِ عُذْرٍ مِمَّا تَقَدَّمَ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ فَيَلْزَمُهُ نَحْرُهُ (وَيَأْتِي آخِرَ بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ فَإِنْ اشْتَرَطَ بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَى الِاشْتِرَاطِ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ إنْ تَيَسَّرَ لِي وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ جَازَ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَبَرِ.
(وَإِنْ قَالَ) فِي إحْرَامِهِ (مَتَى شِئْتُ أَحْلَلْتُهُ أَوْ) إنْ (أَفْسَدْتُ لَمْ أَقْضِهِ لَمْ يَصِحَّ) اشْتِرَاطُهُ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ نَوَى الِاشْتِرَاطَ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ لَمْ يُفِدْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِضُبَاعَةَ) بِضَمِّ الضَّادِ بِنْتِ الزُّبَيْرِ (قُولِي: مَحِلِّي) أَيْ: مَكَان إحْلَالِي (مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ حَبَسْتنِي) وَالْقَوْلُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ.