فصل: بَابُ الْفَيْءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: فيمن يقدر الْخَرَاجَ وَالْجِزْيَةَ:

(وَالْمَرْجِعُ فِي الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي نَقْصٍ وَزِيَادَةٍ) قَالَ الْخَلَّالُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا؛ لِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ فِي الْمَصَالِحِ فَكَانَ مُفَوَّضًا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ.
(وَيُعْتَبَرُ الْخَرَاجُ بِقَدْرِ مَا تَحْتَمِلُهُ الْأَرْضُ الَّتِي يَضَعُهُ عَلَيْهَا)؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ لَهَا، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، وَهَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْوَضْعِ، وَإِمَّا مَا وَضَعَهُ إمَامٌ، فَلَا يُغَيِّرُهُ آخَرُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ أَيْضًا فِي نَظَائِرِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى.
(وَعَنْهُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَرَبَهُ) أَمِيرُ الْمُومِنِينَ (عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَلَا يُزَادُ) عَلَيْهِ (مَثَلًا وَلَا يَنْقُصُ) عَنْهُ؛ لِأَنَّ اجْتِهَادَ عُمَرَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ كَيْفَ كَانَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ شُهْرَتِهِ.
فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ) أَيْ: عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (فِي الْخَرَاجِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَى جَرِيبِ الزَّرْعِ قَفِيزًا مِنْ طَعَامِهِ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشْرَةُ) دَرَاهِمَ (وَ) عَلَى (جَرِيبِ الرُّطَبِ سِتَّةُ) دَرَاهِمَ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: هَذَا هُوَ الَّذِي وَظَّفَهُ عُمَرُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ (وَظَاهِرُ ذَلِكَ: أَنَّ جَرِيبَ الزَّرْعِ، وَالْحِنْطَةِ، وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ عَلَى جَرِيبِ الزَّرْعِ دِرْهَمًا، وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامِهِ.
وَقَالَ فِي الْمُقْنِعِ قَالَ أَحْمَدُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ أَعْلَى وَأَصَحُّ حَدِيثٍ فِي أَرْضِ السَّوَادِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا انْتَهَى وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى.
لَكِنْ حَمَلَهُ فِي الْمُبْدِعِ عَلَى مَا ذَكَره الْمُصَنِّفُ (وَفِي) الْهِدَايَةِ لِأَبِي خَطَّابٍ وَ(الرِّعَايَتَيْنِ: خَرَاجُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَانِ، وَالْحِنْطَةِ أَرْبَعَةُ) دَرَاهِمَ (وَالرَّطْبَةِ سِتَّةُ) دَرَاهِمَ (وَالنَّخْلِ ثَمَانِيَةُ) دَرَاهِمَ (وَالْكَرْمِ عَشْرَةُ) دَرَاهِمَ (وَالزَّيْتُونِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا)، وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ لِمَسَّاحَةِ أَرْضِ السَّوَادِ فَضَرَبَهُ، وَالرِّوَايَاتُ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَلِكَ فَالْآخِذُ بِالْأَعْلَى، وَالْأَصَحِّ، وَهُوَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ أَوْلَيْ (وَيَأْتِي مَا ضَرَبَهُ) عُمَرُ (فِي الْجِزْيَةِ، وَالْقَفِيزِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ قَالَ الْقَاضِي: وَجَمَعَ بِالْمَكِّيِّ)؛ لِأَنَّ الرَّطْلَ الْعِرَاقِيَّ لَمْ يَكُنْ.
، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَكِّيُّ (وَ) قَالَ (الْمَجْدُ وَجَمَعَ بِالْعِرَاقِيِّ)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا بِالْعِرَاقِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقَفِيزِ الْحَجَّاجِي: قَالَ فِي الْمُبْدِعِ:، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا ذَكَره فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ) الْقَفِيزُ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ هَذَا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ.
وَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ انْتَهَى، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُقَنَّعِ (وَ) الْقَفِيزُ عَلَى الْقَوْلِ (الثَّانِي، وَهُوَ قَفِيزُ الْحُجَّاجِ، وَهُوَ صَاعُ عُمَرَ نَصًّا، وَالْقَفِيزُ الْهَاشِمِيُّ مَكُّوكَانِ، وَهُوَ ثَلَاثُونَ رَطْلًا عِرَاقِيَّةً)، وَحَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ هُنَا قَوْلًا (وَالْجَرِيبُ عَشْرُ قَصَبَاتٍ فِي عَشْرِ قَصَبَاتٍ) أَيْ: مِائَةُ قَصَبَةٍ مُكَسَّرَةٍ، وَمَعْنَى الْكَسْرِ ضَرْبُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ فِي الْآخَرِ، فَيَصِيرُ أَحَدُهُمَا كَسْرًا لِلْآخَرِ (، وَالْقَصَبَةُ) مَا يَمْسَحُ بِهِ الزُّرَّاعُ كَالذِّرَاعِ لِلْبَزِّ، وَاخْتِيرَ الْقَصَبُ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطُولُ، وَلَا يَقْصُرُ، وَهُوَ أَحَقُّ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الْخَشَبِ وَهِيَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ عُمَرَ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ:، وَالْمَعْرُوفُ بِالذِّرَاعِ الْهَاشِمِيَّةِ، سَمَّاهُ الْمَنْصُورُ بِهِ (وَهُوَ ذِرَاعٌ وَسَطٌ) أَيْ: بِيَدِ الرَّجُل الْمُتَوَسِّطِ الطُّولِ.
(وَقَبْضَةٌ، وَإِبْهَامٌ قَائِمَةٌ)، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ (فَيَكُونُ الْجَرِيبُ ثَلَاثَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ، وَسِتّمِائَةِ ذِرَاعٍ مُكَسَّرًا)؛ لِأَنَّ الْقَصَبَةَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ فِي مِثْلِهَا فَتَكُونُ سِتَّةً، وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا مُكَسَّرَةً تَضْرِبُهَا فِي مُكَسَّرِ الْجَرِيبِ، وَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ يَخْرُجُ مَا ذَكَرَ، فَعُلِمَ أَنَّ الْجَرِيبَ رُبْعُ فَدَّانٍ بِعُرْفِ مِصْرَ، وَمَا بَيْنَ الشَّجَرِ مِنْ بَيَاضِ الْأَرْضِ، وَهِيَ الْخَالِي مِنْ الشَّجَرِ (تَبَعٌ لَهَا) أَيْ: لِلشَّجَرِ، فَلَا يُؤْخَذُ سِوَى خَرَاجِ الشَّجَرِ.
(الشَّجَرُ وَالْخَرَاجُ عَلَى الْمَزَارِعِ دُونَ الْمَسَاكِنِ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (حَتَّى مَسَاكِنُ مَكَّةَ)، فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهَا.
(وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَزَارِعِهَا) أَيْ: مَكَّةَ، وَلَا عَلَى مَزَارِعِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهَا شَيْئًا؛ وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ جِزْيَةُ الْأَرْضِ، وَلَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهَا عَنْ أَرْضِ مَكَّةَ (وَإِنَّمَا كَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يَمْسَحُ دَارِهِ) بِبَغْدَادَ.
(وَيُخْرِجُ عَنْهَا) الْخَرَاجُ، فَيَتَصَدَّقُ بِهِ (؛ لِأَنَّ بَغْدَادَ كَانَتْ حِين فُتِحَتْ مَزَارِعُ)، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ: أَنَّ مَا كَانَ مَزَارِعُ حِينَ فَتْحِهِ وَجُعِلَ مَسَاكِنُ يَجِبُ فِيهِ الْخَرَاجُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافَهُ، وَيُحْمَلُ فِعْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى الْوَرَعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ أَهْلَ بَغْدَادَ عَامَّةً.
(عَامَّةً وَيَجِبُ خَرَاجٌ عَلَى مَا لَهُ مَاءٌ يُسْقَى بِهِ إنْ زُرِعَ) نَبَتَ أَوْ لَمْ يَنْبُتْ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ (وَإِنْ لَمْ يُزْرَعْ فَخَرَاجُهُ خَرَاجُ أَقَلِّ مَا يُزْرَعُ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
(وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَا يَنَالُهُ الْمَاءُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ زَرْعُهُ)؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ، وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا أُجْرَةَ لَهُ، وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى: لَا عَلَى مَا يَنَالُهُ مَاءٌ، وَلَوْ أَمْكَنَ زَرْعُهُ إحْيَاؤُهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ.
(وَإِنْ أَمْكَنَ زَرْعُهُ عَامًا وَيُرَاحُ عَامًا عَادَةً وَجَبَ نِصْفُ خَرَاجِهِ فِي كُلِّ عَامٍ؛ لِأَنَّ نَفْعَ الْأَرْضِ عَلَى النِّصْفِ فَكَذَا الْخَرَاجُ لِكَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ النَّفْعِ قَالَ الشَّيْخُ، وَلَوْ يَبِسَتْ الْكُرُومُ بِجَرَادٍ أَوْ غَيْرِهِ سَقَطَ مِنْ الْخَرَاجِ حَسْبَمَا تَعَطَّلَ مِنْ النَّفْعِ)؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ فِي نَظِيرِ النَّفْعِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ النَّفْعُ بِهِ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ عِمَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ الْمُطَالَبَةُ بِالْخَرَاجِ) انْتَهَى؛ لِأَنَّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا خَرَاجَ لَهُ.
(مَثَلًا وَالْخَرَاجُ) يَجِبُ (عَلَى الْمَالِكِ دُون الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ)؛ لِأَنَّهُ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَهِيَ لِلْمَالِكِ كَفِطْرَةِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْعُشْرِ (وَتَقَدَّمَ فِي) بَابِ (زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ، وَهُوَ) أَيْ: الْخَرَاجَ (كَالدَّيْنِ) قَالَ أَحْمَدُ يُؤَدِّيه ثُمَّ يُزَكِّي مَا بَقِيَ (يُحْبَسُ بِهِ الْمُوسِرُ)؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ أَشْبَهَ أُجْرَةَ الْمَسَاكِنِ (وَيُنْظَرُ بِهِ الْمُعْسِرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ}.
(وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَرْضٌ) خَرَاجِيَّةٌ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالْخَرَاجِ كَالْمُسْتَأْجِرِ) إلَّا أَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ لَمْ تُقَدَّرْ لِلْحَاجَةِ.
(وَتَنْتَقِلُ) الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ عَمَّنْ مَاتَ (إلَى وَارِثِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَتْ) عَلَيْهِ (فِي يَدِ مُوَرِّثِهِ) كَسَائِرِ حُقُوقِهِ.
(فَإِنْ آثَرَ) الَّذِي بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ (بِهَا أَحَدًا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ صَارَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهَا) مِنْ غَيْرِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَوَّلِ (وَمَعْنَى الْبَيْعِ هُنَا: بَذْلُهَا بِمَا عَلَيْهَا مِنْ خَرَاجٍ إنْ مَنَعْنَا بَيْعَهَا الْحَقِيقِيّ) كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ وَقَفَهَا، وَأَقَرَّهَا بِأَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ، وَالْوَقْفُ لَا يُبَاعُ إلَّا إذَا تَعَطَّلَتْ مَصَالِحُهُ عَلَى مَا يَأْتِي.
(وَإِنْ عَجَزَ مَنْ هِيَ) أَيْ: الْأَرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ (فِي يَدِهِ عَنْ عِمَارَتِهَا وَ) عَنْ (أَدَاءِ خَرَاجِهَا أُجْبِرَ عَلَى إيجَارِهَا أَوْ رَفَعَ يَدَهُ عَنْهَا لِتُدْفَعَ إلَى مَنْ يَعْمُرُهَا، وَيَقُومُ بِخَرَاجِهَا)؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهَا عَلَيْهِمْ.
(وَيَجُوزُ شِرَاءُ أَرْضِ الْخَرَاجِ اسْتِنْفَاذًا كَاسْتِنْفَاذِ الْأَسِيرِ، وَمَعْنَى الشِّرَاءِ أَنَّ تَنْتَقِلَ الْأَرْضُ) إلَيْهِ (بِمَا عَلَيْهَا مِنْ خَرَاجِهَا) لِامْتِنَاعِ الشِّرَاءِ الْحَقِيقِيّ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيُكْرَهُ شِرَاؤُهَا) أَيْ: الْخَرَاجِيَّةُ (لِلْمُسْلِمِ) لِمَا فِي دَفْعِ الْخَرَاجِ مِنْ الذُّلِّ، وَالْهَوَانِ.
تَتِمَّةٌ:
إنْ اخْتَلَفَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْأَرْضِ فِي كَوْنِهَا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً مَثَلًا وَأَمْكَنَ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ فَإِنْ اُتُّهِمَ اُسْتُحْلِفَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى الشَّوَاهِدِ الدِّيوَانِيَّةِ السُّلْطَانِيَّةِ إذَا عُلِمَ صِحَّتهَا، وَوُثِقَ بِكِتَابَتِهَا، وَلَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهَا تُهْمَةٌ.
(وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ) الْخَرَاجِيَّةِ (أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ) الْقَابِضَ لِخَرَاجِهَا (لِخَرَاجِهَا وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمِهِ فِي خَرَاجِهِ)؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى كَفِّ الْيَد الْعَادِيَة عَنْهُ وَ(لَا) يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ (لِيَدَعَ لَهُ مِنْهُ) أَيْ: الْخَرَاجِ (شَيْئًا)؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إبْطَالِ حَقٍّ فَهُوَ كَرِشْوَةِ الْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ لَهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ (فَالرِّشْوَةُ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ (مَا يُعْطَى) لِلْمُرْتَشِي (بَعْدَ طَلَبِهِ، وَالْهَدِيَّةُ الدَّفْعُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً) أَيْ: بِغَيْرِ طَلَبٍ.
(وَيَحْرُمُ عَلَى الْعَامِلِ الْأَخْذُ فِيهِمَا) لِحَدِيثِ «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» (، وَيَأْتِي فِي) بَابْ أَدَبِ الْقَاضِي بِأَوْسَعَ مِنْ هَذَا.
(وَمَنْ ظُلِمَ فِي خَرَاجِهِ لَمْ يَحْتَسِبْهُ مِنْ عُشْرِهِ) الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي زَرْعِهِ أَوْ ثَمَرِهِ قَالَ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ غَصْبٌ، وَعَنْهُ بَلَى اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
(وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي إسْقَاطِ الْخَرَاجِ عَنْ إنْسَانٍ) أَوْ فِي (تَخْفِيفِهِ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْخَرَاجَ، وَصَارَ فِي يَدِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ شَخْصًا إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
(وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُ الْأَرَاضِي، وَالْمَعَادِنِ، وَالدُّورِ) الَّتِي لِبَيْتِ الْمَالِ (، وَيَأْتِي بَعْضُهُ فِي) بَابِ (إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) مُوَضَّحًا (مُوَضَّحًا وَالْكُلَفُ الَّتِي تُطْلَبُ مِنْ الْبَلَدِ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ يَحْرُمُ تَوْفِيرُ بَعْضِهِمْ وَجَعْلُ قِسْطِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَمَنْ قَامَ فِيهَا بِنِيَّةِ الْعَدْلِ، وَتَقْلِيلِ الظُّلْمِ مَهْمَا أَمْكَنَ لِلَّهِ) تَعَالَى (فَكَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) تَعَالَى (ذَكَره الشَّيْخُ) لِقِيَامِهِ بِالْقِسْطِ، وَالْإِنْصَافِ.
(وَيَأْتِي فِي) بَابِ (الْمُسَاقَاةِ بَعْضُهُ)، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَفْرِقَةُ خَرَاجٍ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ وَمَصْرَفُ الْخَرَاجِ كَفَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي.

.بَابُ الْفَيْءِ:

أَصْلُهُ مِنْ الرُّجُوعِ، يُقَالُ فَاءَ الظِّلُّ إذَا رَجَعَ نَحْو الْمَشْرِقِ، وَسُمِّيَ الْمَالُ الْحَاصِلُ عَلَى مَا يَذْكُرهُ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَيْهِمْ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} الْآيَتَيْنِ (وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ كَافِرٍ بِحَقِّ الْكُفْرِ) احْتِرَازًا عَمَّا أُخِذَ مِنْ ذِمِّيّ غَصْبًا، وَنَحْوه أَوْ بَيْعٍ، وَنَحْوه (بِلَا قِتَالٍ) خَرْجَ الْغَنِيمَةِ (كَجِزْيَةٍ، وَخَرَاجٍ، وَزَكَاةٍ تَغْلِبِيٍّ، وَعُشْرِ مَالِ تِجَارَةِ حَرْبِيٍّ) اتَّجَرَ بِهِ إلَيْنَا.
(وَنِصْفُهُ) أَيْ: نِصْفَ عُشْرِ مَالِ تِجَارَةٍ مِنْ ذِمِّيٍّ اتَّجَرَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، (وَمَا تَرَكُوهُ) فَزَعًا (وَهَرَبُوا أَوْ بَذَلُوهُ فَزَعًا مِنَّا فِي الْهُدْنَةِ، وَغَيْرِهَا، وَخُمْسُ خُمْسِ الْغَنِيمَةِ)، وَمَالُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَلَا وَارِثَ لَهُ يُسْتَغْرَقُ (وَمَالُ الْمُرْتَدِّ إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ) بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ) أَهْلِ (الْإِسْلَامِ) لِلْآيَتَيْنِ.
، وَلِهَذَا لَمَّا قَرَأَ عُمَرُ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ} حَتَّى بَلَغَ {وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} قَالَ هَذِهِ اسْتَوْعَبَتْ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ أَيْضًا مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبٌ إلَّا الْعَبِيدَ وَذَكَرَ أَحْمَدُ الْفَيْءَ فَقَالَ: فِيهِ حَقٌّ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ بَيْن الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَلِأَنَّ الْمَصَالِحَ نَفْعُهَا عَامٌّ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى فِعْلِهَا تَحْصِيلًا لَهَا.
(وَيَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ) مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِأَهْلِ الدَّارِ الَّتِي بِهَا حِفْظُ الْمُسْلِمِينَ فَيَبْدَأُ (بِجُنْدِ الْمُسْلِمِينَ) الَّذِينَ يَذُبُّونَ عَنْهُمْ (ثُمَّ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ عِمَارَةِ الثُّغُورِ بِمَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ) وَهُمْ أَهْلُ الْقُوَّةِ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَأَسْلِحَةٌ.
(وَكِفَايَةِ أَهْلِهَا) أَيْ: الْقِيَامِ بِكِفَايَةِ أَهْلِ الثُّغُورِ (وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ) أَيْ: الْخَيْلِ (ثُمَّ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ مِنْ سَدِّ الْبُثُوقِ جَمْعُ بَثْقٍ) بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَة (وَهُوَ الْخَرْقُ فِي أَحَدِ حَافَتَيْ النَّهْرِ) وَهُوَ حَرْفُ الْجُسُورِ لِحُصُولِ النَّفْعِ بِعُلُوِّ الْمَاءِ بِسَبَبِ ذَلِكَ (وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ أَيْ: حَفْرُهَا وَتَنْظِيفُهَا وَعَمَلُ الْقَنَاطِرِ أَيْ: الْجُسُورِ وَ) إصْلَاحُ (الطَّرِيقِ وَالْمَسَاجِدِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَكُلُّ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ أَشْبَهَ الْأَوَّلَ (وَلَا يُخَمَّسُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَهُ إلَى أَهْلِ الْخُمُسِ كَمَا أَضَافَ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ فَإِيجَابُ الْخُمُسِ فِيهِ لِأَهْلِهِ دُونَ بَاقِيهِ مَنْعٌ لِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَوْ أُرِيدَ الْخُمُسُ مِنْهُ لَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَهُ فِي خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ ظَهَرَ إرَادَةُ الِاسْتِيعَابِ.
(وَإِنْ فَضَلَ عَنْ الْمَصَالِحِ مِنْهُ أَيْ: مِنْ الْفَيْءِ فَضْلٌ قُسِمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ) لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ مَالٌ فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِمْ، فَقُسِمَ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ، وَيَسْتَوُونَ فِيهِ كَالْمِيرَاثِ (إلَّا عَبِيدَهُمْ فَلَا يُفْرَدُ الْعَبْدُ بِالْعَطَاءِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَلَا حَظَّ لَهُ فِيهِ كَالْبَهَائِمِ (بَلْ يُزَادُ سَيِّدُهُ) لِأَجْلِهِ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الصِّدِّيقَ أَعْطَى الْعَبِيدَ.
(وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْمُحْتَاجُ قَالَ الشَّيْخُ وَهُوَ أَصَحُّ عَنْ أَحْمَدَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ} وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي حَقِّهِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ مِنْ الْعَدُوِّ بِالْعُدَّةِ وَلَا بِالْهَرَبِ لِفَقْرِهِ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ (وَاخْتَارَ أَبُو حَكِيمٍ وَالشَّيْخُ لَا حَظَّ لِلرَّافِضَةِ فِيهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْهَدْيِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ) وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالْمُقَاتِلَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ لِحُصُولِ النُّصْرَةِ فَلَمَّا مَاتَ صَارَتْ بِالْخَيْلِ وَمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.
(وَيَكُونُ الْعَطَاءُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) وَلَا يُجْعَلُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، لِئَلَّا يَشْغَلَهُمْ عَنْ الْغَزْوِ.
(وَيُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ قَدْرُ كِفَايَتِهِمْ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِمْ) لِيَتَفَرَّغُوا لِلْجِهَادِ.
(وَتُسَنُّ الْبُدَاءَةُ بِأَوْلَادِ الْمُهَاجِرِينَ) جَمْعُ مُهَاجِرٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ هَاجَرَ بِمَعْنَى هَجَرَ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ أَرْضٍ إلَى أُخْرَى وَتُطْلَقُ الْهِجْرَةُ بِأَنْ يَتْرُكَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، وَيَنْقَطِعَ بِنَفْسِهِ إلَى مُهَاجِرَةٍ.
وَلَا يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَهِجْرَةُ الْأَعْرَابِ وَهِيَ أَنْ يَدَعَ الْبَادِيَةَ وَيَغْزُوَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْأَجْرِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَوَّلًا: الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَجَرُوا أَوْطَانَهُمْ وَخَرَجُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جَمَاعَةٌ مَخْصُوصُونَ فَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «قَدِمَتْ عَلَى عُمَرَ ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَرْسَلَ إلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ جَاءَ النَّاسَ مَا لَمْ يَأْتِهِمْ مِثْلُهُ مُذْ كَانَ الْإِسْلَامُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ بِمَنْ أَبْدَأُ؟ قَالُوا: بِك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّك وَلِيُّ ذَلِكَ قَالَ لَا وَلَكِنْ أَبْدَأُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ فَوَضَعَ الدِّيوَانَ عَلَى ذَلِكَ» (فَيَبْدَأُ مِنْ قُرَيْشٍ بِبَنِي هَاشِمٍ) لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» (ثُمَّ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) لِأَنَّهُ هُوَ وَهَاشِمٌ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ (ثُمَّ بَنِي نَوْفَلٍ) لِأَنَّهُ أَخُو هَاشِمٍ لِأَبِيهِ (ثُمَّ يُعْطَى بَنُو عَبْدِ الْعُزَّى)؛ لِأَنَّ فِيهِمْ أَصْهَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ خَدِيجَةَ مِنْهُمْ (ثُمَّ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ (حَتَّى تَنْقَضِيَ قُرَيْشٌ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ (وَقُرَيْشُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ وَقِيلَ بَنُو فِهْرِ بْنِ مَالكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ) قَالَهُ فِي الشَّرْحِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُبْدِعِ: وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي التَّبْيِينِ: هُمْ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ عَلَى مَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ» وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُنْتَهَى (ثُمَّ أَوْلَادُ الْأَنْصَارِ) وَهُمْ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَقُدِّمُوا عَلَى غَيْرِهِمْ لِسَابِقَتِهِمْ وَآثَارِهِمْ الْجَمِيلَةِ (ثُمَّ سَائِرُ الْعَرَبِ) لِفَضْلِهِمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ (ثُمَّ الْعَجَمُ ثُمَّ الْمَوَالِي) أَيْ: الْعُتَقَاءُ لِيَحْصُلَ التَّعْمِيمُ بِالدَّفْعِ (وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَهُمْ بِحَسَبِ الْمُسَابَقَةِ) فِي الْإِسْلَامِ (وَنَحْوِهَا) كَالشَّجَاعَةِ وَحُسْنِ الرَّأْيِ.
وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَالَ عُمَرُ: «لَا أَجْعَلُ مَنْ قَاتَلَ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَنْ قُوتِلَ عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ قَسَمَ النَّفَلَ بَيْنَ أَهْلِهِ مُتَفَاضِلًا عَلَى قَدْرِ غِنَائِهِمْ وَهَذَا مَعْنَاهُ وَقَدْ فَرَضَ عُمَرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ خَمْسَةَ آلَافٍ وَلِأَهْلِ بَدْرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَفَرَضَ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَلِأَهْلِ الْفَتْحِ أَلْفَيْنِ أَلْفَيْنِ وَلَمْ يُفَضِّلْ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ.
(وَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ) فِيمَا تَقَدَّمَ (فِي دَرَجَةٍ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا إسْلَامًا) فَإِنْ اسْتَوَيَا فِيهِ (فَأَسَنُّ) فَإِنْ اسْتَوَيَا فِيهِ (فَأَقْدَمُ هِجْرَةً وَسَابِقَةً ثُمَّ) إنْ اسْتَوَوْا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَ (وَلِيُّ الْأَمْرِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ رَتَّبَهُمَا عَلَى رَأْيِهِ) أَيْ: اجْتِهَادِهِ.
(وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَضَعَ دِيوَانًا يَكْتُبُ فِيهِ أَسْمَاءَ الْمُقَاتِلَةَ، وَ) يَكْتُبُ فِيهِ (قَدْرَ أَرْزَاقِهِمْ) ضَبْطًا لَهُمْ وَلِمَا قَدَّرَ لَهُمْ (وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ وَيَجْمَعُهُمْ وَقْتَ الْعَطَاءِ وَوَقْتَ الْغَزْوِ) لِيَسْهُلَ الْأَمْرُ عَلَى الْإِمَامِ.
(وَالْعَطَاءُ الْوَاجِبُ: لَا يَكُونُ إلَّا لِبَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ بَصِيرٍ صَحِيحٍ يُطِيقُ الْقِتَالَ) وَيَتَعَرَّفُ قَدْرَ حَاجَةِ أَهْلِ الْعَطَاءِ وَكِفَايَتِهِمْ وَيَزِيدُ ذَا الْوَلَدِ مِنْ أَجْلِ وَلَدِهِ، وَذَا الْفَرَسِ مِنْ أَجْلِ فَرَسِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبِيدٌ فِي مَصَالِحِ الْحَرْبِ حَسَبَ مُؤْنَتِهِمْ فِي كِفَايَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا لِتِجَارَةٍ أَوْ زِينَةٍ لَمْ يَحْتَسِبْ مُؤْنَتَهُمْ وَيَنْظُرُ فِي أَسْعَارِ بِلَادِهِمْ لِأَنَّ الْأَسْعَارَ تَخْتَلِفُ، وَالْغَرَضُ الْكِفَايَةُ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ الذُّرِّيَّةُ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى التَّسْوِيَةَ فَأَمَّا مَنْ رَأَى التَّفْضِيلَ فَإِنَّهُ يُفَضِّلُ أَهْلَ السَّوَابِقِ وَالْغِنَاءِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى غَيْرِهِمْ بِحَسْبِ مَا يَرَاهُ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ بِالْكِفَايَةِ.
(فَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ كَزَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا) كَالسُّلِّ وَالْفَالِجِ (خَرَجَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَسَقَطَ سَهْمُهُ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْقِتَالِ بِخِلَافِ مَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْحُمَّى وَالصُّدَاعِ.
(وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ وَقْتِ الْعَطَاءِ دُفِعَ إلَى وَرَثَتِهِ حَقُّهُ) لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَانْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ قُلْتُ: وَقِيَاسُهُ جِهَاتُ الْأَوْقَافِ إذَا مَاتَ بَعْدَ مُضِيّ زَمَنِ اسْتِحْقَاقِهِ يُعْطَى لِوَرَثَتِهِ.
(وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ دَفَعَ إلَى امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ) لِتَطِيبَ قُلُوبُ الْمُجَاهِدِينَ، لِأَنَّهُمْ إذَا عَلِمُوا أَنَّ عِيَالَهُمْ يُكْفَوْنَ الْمُؤْنَةَ بَعْد مَوْتِهِمْ تُوَفَّرُوا عَلَى الْجِهَادِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ (فَإِذَا بَلَغَ ذُكُورُهُمْ أَهْلًا لِلْقِتَالِ وَاخْتَارُوا أَنْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً فَرَضَ لَهُمْ بِطَلَبِهِمْ) لِأَهْلِيَّتِهِمْ لِذَلِكَ كَآبَائِهِمْ.
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا أَهْلًا لِلْقِتَالِ، أَوْ بَلَغُوا كَذَلِكَ، وَلَمْ يَخْتَارُوا أَنْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً (قَطَعَ فَرَضَهُمْ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِ اخْتِيَارِهِمْ فِي الثَّانِي (وَيَسْقُطُ فَرْضُ الْمَرْأَةِ وَالْبَنَاتِ بِالتَّزْوِيجِ) لِحُصُولِ الْغِنَى بِهِ.
(وَبَيْتُ الْمَالِ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَضْمَنُهُ مُتْلِفُهُ وَيَحْرُمُ الْأَخْذُ مِنْهُ) وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ (بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ) ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالِانْتِصَارِ وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُهُ أَنَّ الْمَالِكَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ (وَيَأْتِي) فِي بَابِ ذَوِي الْأَرْحَامِ (أَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ) وَإِنَّمَا هُوَ جِهَةٌ وَمَصْلَحَةٌ.