فصل: بَابُ الْمُوصَى بِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.بَابُ الْمُوصَى بِهِ:

وَهُوَ الْمُتَمِّمُ لِأَرْكَانِ الْوَصِيَّةِ الْأَرْبَعَةِ (يُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ: الْمُوصَى بِهِ (إمْكَانُهُ فَلَا تَصِحُّ بِمُدَبَّرَةٍ) وَلَا بِأُمِّ وَلَدِهِ لِأَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِالْمَوْتِ فَلَا يُمْكِنُ دُخُولُهُمَا فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ.
(وَ) يُعْتَبَرُ فِيهِ أَيْضًا اخْتِصَاصُهُ أَيْ: الْمُوصَى بِهِ فَ (لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِمَالٍ الْغَيْرِ وَلَوْ مَلَكَهُ بَعْدُ) بِأَنْ قَالَ وَصَّيْت بِمَالِ زَيْدٍ، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ مَلَكَ الْمُوصِي مَالَ زَيْدٍ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ بِإِضَافَةِ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلِلْوَصِيِّ السَّعْيُ فِي تَحْصِيلِهِ كَآبِقٍ وَشَارِدٍ وَطَيْرٍ فِي هَوَاءٍ وَحَمْلٍ فِي بَطْنٍ وَلَبَنٍ فِي ضَرْعٍ) وَسَمَكٍ فِي لُجَّةٍ قَالَ الْحَارِثِيُّ: عَلَى التَّمْثِيلِ هَهُنَا بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ مُنَاقَشَةٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ بِالْحَلِيبِ لَكِنَّهُ مِنْ نَوْعِ الْمَجْهُولِ أَوْ الْمَعْدُومِ لِتَجَدُّدِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا (بِمَعْدُومٍ كَاَلَّذِي تَحْمِلُ أَمَتُهُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي تَعَالِيقِهِ الْقَدِيمَةِ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ نَظَرًا إلَى عِلَّةِ التَّفْرِيقِ إذْ لَيْسَ التَّفْرِيقُ مُخْتَصًّا بِالْبَيْعِ، بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ تَفْرِيقٍ إلَّا الْعِتْقَ وَافْتِدَاءَ الْأَسِيرِ (أَوْ) تَحَمُّلَ (شَجَرَتِهِ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً) كَسَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ (فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ فَلَهُ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْمِيرَاثِ وَهَذَا يُورَثُ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ إلَّا حَمْلَ الْأَمَةِ فَيُعْطِي مَالِكُ الْأَمَةِ قِيمَتَهُ لِحُرْمَةِ التَّفْرِيقِ فَإِنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَعَلَى الْوَاطِئِ قِيمَةُ الْوَلَدِ لَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ صَارَتْ حُرَّةً بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ السَّقْيُ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ تَسْلِيمَهَا بِخِلَافِ بَائِعٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِمَّا وَصَّى بِهِ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا.
(وَمِثْلُهُ) أَيْ: مَا تَقَدَّمَ فِي الصِّحَّةِ الَوَصِيَّة (بِمِائَةٍ لَا يَمْلِكُهَا فَإِنْ قَدَرَ) الْمُوصِي (عَلَيْهَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا) صَحَّتْ وَاعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ بِإِنَاءٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِأَنَّهُ مَالٌ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ يَكْسِرَهُ وَيَبِيعَهُ أَوْ يُغَيِّرَهُ عَنْ هَيْئَتِهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ حُلِيًّا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ.
(وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِإِنْسَانٍ (بِزَوْجَتِهِ) الْأَمَةُ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِقَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
(وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِمَا فِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ كَكَلْبِ صَيْدٍ، وَ) كَلْبِ (مَاشِيَةٍ، وَ) كَلْبِ زَرْعٍ وَحَرْثٍ (وَلِمَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ مِنْهَا) لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا، وَتُقَرُّ الْيَدُ عَلَيْهِ؛ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ فَصَحَّتْ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَالْمَالِ (وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ) بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا (وَكَزَيْتٍ مُتَنَجِّسٍ) فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ (وَلِغَيْرِ مَسْجِدٍ) لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا، وَهُوَ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ لِمَسْجِدٍ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ فِيهِ وَتَقَدَّمَ (وَلَهُ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِالْكَلْبِ الْمُبَاحِ أَوْ الزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ (ثُلُثُ الْكَلْبِ، وَ) ثُلُثُ (الزَّيْتِ) الْمُتَنَجِّسِ الْمُوصَى بِهِ (إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ) لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْوَصِيَّةِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ ثُلُثَا التَّرِكَةِ لِلْوَرَثَةِ، وَلَيْسَ مِنْ التَّرِكَةِ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِ الْمُوصَى بِهِ.
(وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِكِلَابِهِ، وَ) وَصَّى (لِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ، فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ الْمَالِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْكِلَابِ ثُلُثُهَا إنْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ) لِأَنَّ مَا حَصَلَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ قَدْ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ وَلَمْ يُحْتَسَبْ عَلَى الْوَرَثَةِ بِالْكِلَابِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ (وَلَوْ وَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ يُوصِ بِالْكِلَابِ دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ (ثُلُثَ الْمَالِ وَلَمْ تُحْتَسَبْ الْكِلَابُ عَلَى الْوَرَثَةِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ (وَتُقْسَمُ) الْكِلَابُ (بَيْنَ الْوُرَّاثِ) بِالْعَدَدِ.
(وَ) تُقْسَمُ أَيْضًا بَيْنَ الْوُرَّاثِ وَبَيْنَ (الْمُوصَى لَهُ) بِهَا إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهَا بِالْعَدَدِ (أَوْ) أَيْ: وَتُقْسَمُ الْكِلَابُ (بَيْنَ اثْنَيْنِ) فَأَكْثَرَ (مُوصًى لَهُمَا بِهَا عَلَى عَدَدِهَا لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهَا، فَإِنْ تَشَاحُّوا فِي بَعْضِهَا) بِأَنْ طَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ (فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ) قَالَهُ فِي الشَّرْحِ: لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمْ عَلَى غَيْرِهِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُبْدِعِ وَالْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِمَا: فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ.
(وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمَا لَا يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ مِنْهَا) كَالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَالْعَقُورِ وَمَا لَا يَصْلُحُ لِلصَّيْدِ، وَلَا لِلزَّرْعِ، وَلَا لِلْمَاشِيَةِ (وَلَا بِالْخِنْزِيرِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ السِّبَاعِ) مِنْ الْبَهَائِمِ وَالطُّيُورِ (الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ) لِعَدَمِ نَفْعِهَا (وَلَا بِمَا لَا نَفْعَ فِيهِ مُبَاحٌ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ) الْمُحَرَّمَةِ (وَنَحْوِهَا) كَالدَّمِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ فَلَا تَصِحُّ بِذَلِكَ كَالْهِبَةِ وَقَدْ حَثَّ الشَّارِعُ عَلَى إرَاقَةِ الْخَمْرِ وَإِعْدَامِهِ فَلَمْ يُنَاسِبْ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِهِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ قُلْنَا: يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمَجْهُولٍ كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَبِيهٌ بِالْوَارِثِ مِنْ جِهَةِ انْتِقَالِ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ إلَيْهِ مَجَّانًا، وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ الْإِرْثَ؛ فَلَا تَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ (وَيُعْطَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ (فَإِنْ اخْتَلَفَ الِاسْمُ بِالْحَقِيقَةِ) الْوَضْعِيَّةِ (وَالْعُرْفِ كَالشَّاةِ هِيَ فِي) الْحَقِيقَةِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ.
وَالْهَاءُ لِلْوَحْدَةِ وَفِي (الْعُرْفِ لِلْأُنْثَى الْكَبِيرَةِ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ) غُلِّبَ الْعُرْفُ كَالْأَيْمَانِ (وَالْبَعِيرِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا (وَالثَّوْرِ هُوَ فِي الْعُرْفِ لِلذَّكَرِ الْكَبِيرِ) مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ (وَفِي الْحَقِيقَةِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى غُلِبَ الْعُرْفُ كَالْأَيْمَانِ) اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالتَّبْصِرَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَتُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ خُوطِبَ قَوْمٌ بِشَيْءٍ لَهُمْ فِيهِ عُرْفٌ وَحَمَلُوهُ عَلَى عُرْفِهِمْ لَمْ يُعَدُّوا مُخَالِفِينَ (وَصَحَّحَ الْمُنَقِّحُ أَنَّهُ تُغَلَّبُ الْحَقِيقَةُ) وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَلِهَذَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا كَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ رَسُولِهِ (فَيَتَنَاوَلُ) اللَّفْظُ مِمَّا ذُكِرَ (الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ وَالصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، فَيُعْطَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ) لِصَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لَهُ (وَحِصَانٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لِذَكَرٍ (وَجَمَلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِهَا لِذَكَرٍ (وَحِمَارٍ وَبَغْلٍ وَعَبْدٍ لِذَكَرٍ) فَقَطْ قَالَ تَعَالَى:
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}.
وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْعَبْدِ فَلَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ فَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ أَمَةٍ (وَأَتَانٍ) الْحِمَارَةُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْأَتَانَةُ قَلِيلَةٌ (وَنَاقَةٍ وَبَكْرَةٍ وَقَلُوصٍ) الْأُنْثَى (وَحِجْرٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ الْأُنْثَى مِنْ الْخَيْلِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَبِالْهَاءِ لَحْنٌ (وَبَقَرَةٌ لِأُنْثَى وَكَبْشٍ لِلذَّكَرِ الْكَبِيرِ مِنْ الضَّأْنِ، وَتَيْسٍ لِلذَّكَرِ الْكَبِيرِ مِنْ الْمَعْزِ وَفَرَسٍ) لِذَكَرٍ وَأُنْثَى (وَرَقِيقٍ لِذَكَرٍ وَأُنْثَى) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَيَكُونَانِ لِلْخُنْثَى أَيْضًا (وَالدَّابَّةُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْقَائِلُونَ بِالْحَقِيقَةِ لَمْ يَقُولُوا هَهُنَا بِالْأَعَمِّ، كَأَنَّهُمْ لَحَظُوا غَلَبَةَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ بِحَيْثُ صَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً (فَإِنْ قَرَنَ بِهِ) أَيْ: بِذَكَرِ الدَّابَّةِ فِي الْوَصِيَّةِ (مَا يَصْرِفُهُ إلَى أَحَدِهَا) أَيْ: أَحَدِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ (كَقَوْلِهِ) أَعْطُوا لَهُ (دَابَّةً يُقَاتِلُ عَلَيْهَا انْصَرَفَ إلَى الْخَيْلِ) وَكَذَا لَوْ قَالَ: دَابَّةٌ يُسْهَمُ لَهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِذَلِكَ (وَإِنْ قَالَ) أَعْطُوا لَهُ (دَابَّةً يَنْتَفِعُ بِظَهْرِهَا وَنَسْلِهَا خَرَجَ مِنْهُ الْبِغَالُ) وَالذَّكَرُ لِانْتِفَاءِ النَّسْلِ فِيهِمَا.
(وَلَوْ قَالَ) أَعْطُوهُ (عَشْرَةً) أَوْ عَشْرًا مِنْ إبِلِي أَوْ غَنَمِي فَلِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِأَنَّهُ قَدْ يُلْحَظُ فِي التَّذْكِيرِ مَعْنَى الْجَمْعِ وَفِي التَّأْنِيثِ مَعْنَى الْجَمَاعَةِ.
وَأَيْضًا اسْمُ الْجِنْسِ يَصِحُّ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ مَجْهُولٍ) بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ (صَحَّ وَيُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا مِنْهُمْ) لِأَنَّ لَفْظَهُ تَنَاوَلَ وَاحِدًا فَيَلْزَمُ الْمُوصَى لَهُ قَبُولُ مَا يَدْفَعُهُ الْوَارِثُ مِنْ صَحِيحٍ أَوْ مَعِيبٍ جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبِيدٌ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ إنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُوصِي عَبِيدًا قَبْلَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْتَضِي عَبْدًا مِنْ الْمَوْجُودِينَ حِينَ الْمَوْتِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَا فِي الْكِيسِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ أَوْ بِدَارِهِ وَلَا دَارَ لَهُ (فَلَوْ مَلَكَ) الْمُوصِي شَيْئًا مِنْ الْعَبِيدِ (قَبْلَهُ) أَيْ: الْمَوْتِ (وَلَوْ وَاحِدًا أَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ وَاحِدٌ صَحَّتْ) الْوَصِيَّةُ وَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ لِلْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ مَحَلٌّ غَيْرُهُ.
(وَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ: الْمُوصِي (عَبِيدٌ فَمَاتُوا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي) بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا (وَلَوْ تَلِفُوا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ (فَكَذَلِكَ) أَيْ: بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَعْنَى أَنَّهُ فَاتَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ إذْ لَا مُوجِبَ لِلضَّمَانِ لِحُصُولِ التَّرِكَةِ فِي أَيْدِيهمْ بِغَيْرِ فِعْلِهِمْ (وَإِنْ مَاتُوا) أَيْ: الْعَبِيدُ (إلَّا وَاحِدًا تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ وَقَدْ تَعَذَّرَ تَسَلُّمُ الْبَاقِي.
وَهَذَا إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ (وَإِنْ قُتِلُوا) أَيْ الْعَبِيدُ (كُلُّهُمْ فَلَهُ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (قِيمَةُ أَحَدِهِمْ وَهُوَ مَنْ يَخْتَارُ الْوَرَثَةُ بَذْلَهُ لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى قَاتِلِهِ) كَمَا يَلْزَمُ الْقَاتِلَ قِيمَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوصًى بِهِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ: الْعَبْدِ فِي الْوَصِيَّةِ (شَاةٌ مِنْ غَنَمِهِ) وَثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِهِ وَأَمَةٍ مِنْ إمَائِهِ وَأَتَانٍ مِنْ حَمِيرِهِ وَفَرَسٍ مِنْ خَيْلِهِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ بِلَا فَرْقٍ.
(وَلَوْ وَصَّى أَنْ يُعْطَى) زَيْدٌ مَثَلًا (مِائَةً مِنْ أَحَدِ كِيسَيَّ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا شَيْءٌ اسْتَحَقَّ مِائَةً) اعْتِبَارًا لِلْمَقْصُودِ وَهُوَ أَصْلُ الْوَصِيَّةِ لَا صِفَتُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَلَا عَبْدَ لَهُ تَبْطُلُ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَدْرَ الْفَائِتَ فِي صُورَةِ الْمِائَةِ صِفَةُ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ لَا أَصْلَ الْمَحَلِّ فَإِنَّ كِيسًا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِائَةً مَوْجُودٌ مِلْكًا فَأَمْكَنَ تَعَلُّقُ الْوَصِيَّةِ بِهِ وَالْفَائِتُ فِي صُورَةِ الْعَبْدِ أَصْلُ الْمَحَلِّ وَهُوَ عَدَمُ الْعَبِيدِ بِالْكُلِّيَّةِ فَالتَّعَلُّقُ مُتَعَذِّرٌ انْتَهَى.
وَقَدْ ذَكَرْت فِي الْحَاشِيَةِ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عَنْ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ: أَعْطُوهُ عَبْدًا مِنْ مَالِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَبْدٌ اُشْتُرِيَ لَهُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِقَوْسٍ وَلَهُ أَقْوَاسٌ قَوْسُ نُشَّابٍ وَهُوَ الْفَارِسِيُّ وَقَوْسُ نَبْلٍ وَهُوَ الْعَرَبِيُّ أَوْ قَوْسٌ بِمَجَرَّتِي وَهُوَ) الْقَوْسُ (الَّذِي يُوضَعُ السَّهْمُ) الصَّغِيرُ (فِي مَجْرَاهُ فَيَخْرُجُ) السَّهْمُ (مِنْ الْمَجْرَى) وَيُقَالُ لَهُ قَوْسُ حُسْبَانٍ، وَهِيَ السِّهَامُ الصَّغِيرَةُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.
(وَ) قَوْسُ (جَرْخٍ) وَهُوَ الَّذِي يَرْمِي بِهِ الرُّومُ (أَوْ) قَوْسُ (بُنْدُقٍ وَهُوَ قَوْسُ جُلَاهِقَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْبُنْدُقِ.
وَأَصْلُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ جُلَّةٌ وَهِيَ كُبَّةُ غَزْلٍ وَالْكَبِيرُ جُلُّهَا (أَوْ) قَوْسُ (نَدْفٍ) يُنَدَّفُ بِهِ الْقُطْنُ (فَلَهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ بِقَوْسٍ مُطْلَقٍ (قَوْسُ النِّشَابِ بِغَيْرِ وَتَرٍ لِأَنَّهُ أَظْهَرُهَا) أَيْ أَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ فَلَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُتَعَارَفِ يُعَيِّنُهُ الْوَارِثُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ: الْمُوصِي (إلَّا قَوْسٌ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْقِسِيِّ تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ) إذْ لَا مَحَلَّ لَهَا غَيْرَهُ (وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظِهِ) أَيْ: الْمُوصِي (أَوْ حَالِهِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إلَى أَحَدِهَا) أَيْ: الْأَقْوَاسُ (انْصَرَفَ إلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: قَوْسٌ يُنْدَفُ بِهِ أَوْ) قَوْسٌ (يَتَعَيَّشُ) بِهِ (أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا يَصْرِفُهُ إلَى قَوْسِ النَّدْفِ) عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ.
(وَإِنْ قَالَ: قَوْسٌ يَغْزُو بِهِ خَرَجَ قَوْسُ النَّدْفِ وَالْبُنْدُقِ) لِأَنَّهُمَا لَا يُقَاتَلُ بِهِمَا (وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ) بِقَوْسٍ (نَدَّافًا لَا عَادَةَ لَهُ بِالرَّمْيِ أَوْ بُنْدُقَانِيًّا لَا عَادَةَ لَهُ بِالرَّمْيِ عَنْ سِوَاهُ، أَوْ يَرْمِي بِقَوْسٍ غَيْرِهِ وَلَا يَرْمِي بِسِوَاهُ انْصَرَفَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى الْقَوْسِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ عَادَةً).
لِأَنَّ ذَلِكَ قَرِينَةً تُخَصِّصُ ذَلِكَ النَّوْعَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَةُ الِانْتِفَاعِ (فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ: الْمُوصِي (أَقْوَاسٌ مِنْ النَّوْعِ الَّذِي اسْتَحَقَّ الْوَصِيُّ) قَوْسًا مِنْهَا (أُعْطِيَ أَحَدَهَا بِقُرْعَةٍ) قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُعْطَى مَا يَخْتَارُهُ الْوَرَثَةُ.
(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِطَبْلِ حَرْبٍ صَحَّتْ) الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا وَمِثْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ طَبْلُ صَيْدٍ وَطَبْلُ حَجِيجٍ لِنُزُولٍ وَارْتِحَالٍ، وَ(لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِطَبْلِ لَهْوٍ وَلَا تَصْلُحُ لِلْحَرْبِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مُبَاحَةً، فَإِنْ كَانَ الطَّبْلُ يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ وَاللَّهْوِ مَعًا، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ لِقِيَامِ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ بِهِ.
(وَإِنْ كَانَ) الطَّبْلُ (مِنْ جَوْهَرٍ نَفِيسٍ يُنْتَفَعُ بِرُضَاضِهِ) بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ: فَتُوتِهِ وَكُلَّ شَيْءٍ كَسَرْته فَقَدْ رَضَضْته (كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ صَحَّتْ) الْوَصِيَّةُ بِهِ (نَظَرًا إلَى الِانْتِفَاعِ بِجَوْهَرِهِمَا دُونَ جِهَةِ التَّحْرِيمِ) كَآنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ صِحَّةُ بَيْعِهِ.
(وَإِنْ كَانَ لَهُ طَبْلَانِ أَحَدُهُمَا مُبَاحٌ) وَالْآخَرُ مُحَرَّمٌ وَوَصَّى بِطَبْلٍ انْصَرَفَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى الْمُبَاحِ (أَوْ وَصَّى لَهُ بِكَلْبٍ وَلَهُ كَلْبَانِ أَحَدُهُمَا مُبَاحٌ) وَالْآخَرُ مُحَرَّمٌ (انْصَرَفَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى الْمُبَاحِ) لِأَنَّ وُجُودَ الْمُحَرَّمِ كَعَدَمِهِ شَرْعًا فَلَا يَشْمَلُهُ اللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَكَذَا الدُّفُّ) أَيْ: لَوْ كَانَ لَهُ دُفٌّ مُبَاحٌ وَدُفٌّ مُحَرَّمٌ بِحَلْقٍ أَوْ صُنُوجٍ وَأَوْصَى بِدُفٍّ انْصَرَفَ إلَى الْمُبَاحِ دُونَ الْمُحَرَّمِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْبُوقِ لِمَنْفَعَتِهِ فِي الْحَرْبِ) قَالَهُ الْقَاضِي.
(وَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ: الْمُوصِي (طُبُولٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِهَا) لِكَوْنِهَا كُلِّهَا تَصْلُحُ لِلْحَرْبِ وَوَصَّى بِأَحَدِهَا وَأَطْلَقَ (فَلَهُ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (أَحَدُهَا بِالْقُرْعَةِ) قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ أَحَدُهَا بِاخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُبَاحُ فَلَهُ أَحَدُهَا إمَّا بِالْقُرْعَةِ أَوْ اخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِ.
(وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمِزْمَارٍ وَطُنْبُورٍ وَعُودِ لَهْوٍ وَكَذَا آلَاتُ اللَّهْوِ كُلُّهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَوْتَارٌ) لِأَنَّهَا مُهَيَّأَةٌ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ بِأَوْتَارِهَا وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ: إنْ كَانَتْ مِنْ جَوْهَرٍ نَفِيسٍ يُنْتَفَعُ بِرُضَاضِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ صَحَّتْ نَظَرًا إلَى الِانْتِفَاعِ بِجَوْهَرِهَا دُونَ جِهَةِ التَّحْرِيمِ.
(وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا عَلِمَ) الْمُوصِي مِنْ مَالِهِ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فَإِنَّ الْمَالَ يَعُمُّ مَعْلُومَهُ وَمَجْهُولَهُ وَقِيَاسًا عَلَى نَذْرِ الصَّدَقَةِ بِالثُّلُثِ (فَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ) لِنَحْوِ زَيْدٍ أَوْ مَسْجِدٍ (فَاسْتَحْدَثَ مَالًا وَلَوْ بِنَصْبِ أُحْبُولَةٍ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَقَعُ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ دَخَلَ ثُلُثُهُ) أَيْ: الْمُسْتَحْدَثِ (فِي الْوَصِيَّةِ وَيُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ وَإِنْ قُتِلَ وَأُخِذَتْ دِيَتُهُ دَخَلَتْ) دِيَتُهُ (فِي الْوَصِيَّةِ فَهِيَ) أَيْ: الدِّيَةُ (مِيرَاثٌ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسِهِ وَنَفْسُهُ لَهُ، فَكَذَلِكَ بَدَلُهَا وَلِأَنَّ دِيَةَ أَطْرَافِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لَهُ، فَكَذَلِكَ دِيَةُ نَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ (فَيُقْضَى مِنْهَا) أَيْ: الدِّيَةِ (دَيْنُهُ وَيُجَهَّزُ مِنْهَا إنْ كَانَ) أَخَذَهَا (قَبْلَ تَجْهِيزِهِ) وَإِنَّمَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَمَّا يَسْتَغْنِي عَنْهُ فَأَمَّا مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ فَلَا وَوَصِيَّتُهُ مِنْ حَاجَتِهِ (وَلَوْ وَصَّى بِ) (نَحْوِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ بِقَدْرِ نِصْفِ الدِّيَةِ حُسِبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ مِنْ ثُلُثَيْهِ) لِأَنَّهَا تَرِكَةٌ وَيَأْخُذُ الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ.

.(فَصْلٌ): الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمُفْرَدَةِ:

(وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمُفْرَدَةِ) عَنْ الرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا كَالْأَعْيَانِ وَقِيَاسًا عَلَى الْإِعَارَةِ (كَ) مَا لَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِ (خِدْمَةِ عَبْدٍ وَغَلَّةِ دَارٍ وَثَمَرَةِ بُسْتَانٍ أَوْ) ثَمَرَةِ (شَجَرَةٍ سَوَاءٌ وَصَّى بِذَلِكَ) أَيْ: بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ (مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ) وَصَّى (بِجَمِيعِ الثَّمَرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فِي الزَّمَانِ كُلِّهِ) لِأَنَّ غَايَتَهُ جَهَالَةُ الْقَدْرِ وَجَهَالَةُ الْقَدْرِ لَا تَقْدَحُ.
وَلَوْ قَالَ وَصَّيْت بِمَنَافِعِهِ وَأَطْلَقَ أَفَادَ التَّأْبِيدَ أَيْضًا لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ الْمُعَمَّمَةِ وَلَوْ وَقَّتَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً، وَأَطْلَقَ وَجَبَ فِي أَوَّلِ زَمَنٍ لِظُهُورِ مَعْنَى الْإِبْهَامِ بِقَوْلِهِ مِنْ السِّنِينَ (وَ) إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِثَمَرَةِ بُسْتَانٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (لَا يَمْلِكُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثُ إجْبَارَ الْآخَرِ عَلَى السَّقْيِ) لِعَدَمِ الْمُوجِبِ لِذَلِكَ (فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَقْيَهَا بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ لَمْ يَمْلِكْ الْآخَرُ مَنْعَهُ) مِنْ السَّقْيِ فَإِنْ تَضَرَّرَ مُنِعَ لِحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
(وَإِنْ يَبِسَتْ الشَّجَرَةُ) الْمُوصَى بِثَمَرَتِهَا (فَحَطَبُهَا لِلْوَارِثِ) إذْ لَا حَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ فِي رَقَبَتِهَا (وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ) الشَّجَرُ الْمُوصَى بِثَمَرَتِهِ لِزَيْدٍ سَنَةً مَثَلًا (فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ) لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُوصِي لِزَيْدِ (لَك ثَمَرَتُهَا أَوَّلَ عَامٍ تُثْمِرُ صَحَّ وَلَك ثَمَرَتُهَا ذَلِكَ الْعَامِ) تَنْفِيذًا لِلْوَصِيَّةِ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِلَبَنِ شَاتِه وَصُوفِهَا صَحَّ) كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ (وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ) كَسَائِرِ الْوَصَايَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (أُجِيزَ مِنْهَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ) إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْبَاقِيَ.
(وَإِذَا أُرِيدَ تَقْوِيمُهَا) أَيْ: الْمَنْفَعَةِ (وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ) بِالْمَنْفَعَةِ (مُقَيَّدَةً بِمُدَّةٍ) مَعْلُومَةٍ (قَوَّمَ الْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ ثُمَّ تُقَوَّمُ الْمَنْفَعَةُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيُنْظَرُ كَمْ قِيمَتُهَا؟) مِثَالُهُ لَوْ وَصَّى لَهُ بِسُكْنَى دَارٍ سَنَةً فَتُقَوَّمُ الدَّارُ مُسْتَحَقَّةُ الْمَنْفَعَةِ سَنَةً فَإِذَا قِيلَ: قِيمَتُهَا عَشْرَةٌ مَثَلًا قُوِّمَتْ بِمَنْفَعَتِهَا فَإِذَا قِيلَ: قِيمَتُهَا اثْنَا عَشَرَ فَالِاثْنَانِ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ الْمُوصَى بِهَا إذَا خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِلَّا فَبِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ قَالَ هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدِي وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْعَيْنِ بِمَنْفَعَتِهَا مِنْ الثُّلُثِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ.
(وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ) بِالْمَنْفَعَةِ (مُطْلَقَةً فِي الزَّمَانِ كُلِّهِ فَإِنْ كَانَتْ مَنْفَعَةُ عَبْدٍ وَنَحْوِهِ فَتُقَوَّمُ الرَّقَبَةُ بِمَنْفَعَتِهَا لِأَنَّ عَبْدًا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ لَا قِيمَةَ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ) الْمَنْفَعَةُ الْمُوصَى بِهَا (ثَمَرَةُ بُسْتَانٍ قُوِّمَتْ الرَّقَبَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَ) تُقَوَّمُ (الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْوَصِيِّ لِأَنَّ الشَّجَرَ يُنْتَفَعُ بِحَطَبِهِ إذَا يَبِسَ فَإِذَا قِيلَ قِيمَةُ الشَّجَرَةِ عَشَرَةٌ وَبِلَا ثَمَرَةٍ دِرْهَمٌ عَلِمْنَا أَنَّ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ تِسْعَةٌ) فَيُعْتَبَرُ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ.
(وَلَوْ وَصَّى بِمَنَافِعِ عَبْدِهِ أَوْ) بِمَنَافِعِ (أَمَتِهِ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً) كَسَنَةٍ (صَحَّ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلِلْوَرَثَةِ عِتْقُهَا) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ (لَا عَنْ كَفَّارَةٍ) لِعَجْزِهَا عَنْ الِاسْتِقْلَالِ بِنَفْعِهَا فَهِيَ كَالزَّمِنَةِ.
(وَمَنْفَعَتُهَا بَاقِيَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا (وَإِنْ أَعْتَقَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ الْعِتْقَ لِلرَّقَبَةِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا (فَإِنْ وَهَبَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ) وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ بِهَا (مَنَافِعَهُ لِلْعَبْدِ أَوْ أَسْقَطَهَا) عَنْهُ (فَلِلْوَرَثَةِ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِأَنَّ مَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ) فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَيْسَ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ.
(وَلَهُمْ) أَيْ: الْوَرَثَةِ (بَيْعُهَا) أَيْ: الرَّقَبَةُ (مِنْ الْمُوصَى لَهُ) بِمَنَافِعِهَا وَلِغَيْرِهِ (لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ يَرْجُو الْكَمَالَ بِحُصُولِ مَنَافِعِهَا لَهُ مِنْ جِهَةِ الْوَصِيِّ إمَّا بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ مُصَالَحَةٍ بِمَالٍ وَقَدْ يُقْصَدُ تَكْمِيلُ الْمَصْلَحَةِ لِمَالِك الْمَنْفَعَةِ بِتَمْلِيكِهَا لَهُ).
أَيْ: تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ لِلْمُوصَى لَهُ وَفِي نُسْخَةٍ بِتَكْمِيلِهَا (وَقَدْ يُعْتِقُهَا فَيَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ) وَلِأَنَّ الرَّقَبَةَ مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ صَحَّ بَيْعُهَا كَغَيْرِهَا وَتُبَاعُ مَسْلُوبَةُ الْمَنْفَعَةِ وَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ (وَإِنْ جَنَتْ) الْأَمَةُ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا أَوْ الْعَبْدُ (سَلَّمُوهَا) لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ (أَوْ فَدَوْهَا مَسْلُوبَةَ) الْمَنْفَعَةِ.
(وَيَبْقَى انْتِفَاعُ الْوَصِيَّةِ بِحَالِهِ) لِأَنَّ جِنَايَتَهَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا لَا بِمَنْفَعَتِهَا (وَلَهُمْ) أَيْ: الْوَرَثَةِ (كِتَابَتُهَا) أَيْ: الْأَمَةِ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهِ كَبَيْعِهِ.
(وَ) لَهُمْ (وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا وَلَيْسَ لَهُمْ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِإِذْنِ مَالِك الْمَنْفَعَةِ) لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ جَازَ (وَيَجِبُ) تَزْوِيجُهَا (بِطَلَبِهَا) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا (وَالْمَهْرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ) سَوَاءٌ كَانَ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّهُ بَدَلُ بِضْعِهَا، وَهُوَ مِنْ مَنَافِعِهَا.
(وَإِنْ وُطِئَتْ) الْأَمَةُ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا (بِشُبْهَةٍ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ) لِاعْتِقَادِ الْوَاطِئِ أَنَّهُ وَطِئَ فِي مِلْكٍ كَالْمَغْرُورِ بِأَمَةٍ (وَلِلْوَرَثَةِ قِيمَتُهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (عِنْدَ الْوَضْعِ عَلَى الْوَاطِئِ) جَبْرًا لِمَا فَاتَهُمْ مِنْ رِقِّهِ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ قَتَلَهَا) أَيْ: الْأَمَةَ (وَارِثٌ أَوْ غَيْرُهُ فَلَهُمْ) أَيْ: الْوَرَثَةِ (قِيمَتُهَا) دُونَ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ صَادَفَ الرَّقَبَةَ وَهُمْ مَالِكُوهَا، وَفَوَاتَ الْمَنْفَعَةِ حَصَلَ ضِمْنًا.
(وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا كَالْإِجَارَةِ (وَيَلْزَمُ الْقَاتِلَ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ: فَتُقَوَّمُ الْعَيْنُ غَيْرُ مَسْلُوبَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَيُغَرَّمُ قِيمَتُهَا لِلْوَرَثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَلَيْسَ مَعْنَاهُ يَغْرَمُهَا لِلْمُوصَى لَهُ، كَمَا قَدَّمْته لَك فَلَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَفِي الِانْتِصَارِ؛ إنْ قَتَلَهَا وَارِثُهَا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَعُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ قَتْلَ الْوَارِثِ كَقَتْلِ غَيْرِهِ وَقَطَعَ فِي الْمُنْتَهَى بِمَا فِي الِانْتِصَارِ.
(وَلِلْمُوصَى لَهُ) بِخِدْمَةِ أَمَةٍ وَنَحْوِهَا (اسْتِخْدَامُهَا حَضَرًا وَسَفَرًا، وَ) لَهُ (الْمُسَافِرَةُ بِهَا، وَإِجَارَتُهَا، وَإِعَارَتُهَا) لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ النَّفْعَ جَازَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَكَذَا حُكْمُ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِنَفْعِهِ (وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ: الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالنَّفْعِ (وَطْؤُهَا) لِأَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ لَيْسَ بِزَوْجٍ وَلَا مَالِكٍ لِلرَّقَبَةِ، وَالْوَطْءُ لَا يُبَاحُ بِغَيْرِهِمَا وَمَالِكُ الرَّقَبَةِ لَا يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى هَلَاكِهَا (فَإِنْ وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا أَثِمَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ، لِوُجُودِ الْمِلْكِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا.
(وَ) إنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَ (وَلَدُهُ حُرٌّ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ صَاحِبَ الْمَنْفَعَةِ) وَأَوْلَدَهَا (لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ وَلَدِهَا يَوْمَ وَضْعِهِ) لِلْوَرَثَةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ لَهُ (وَحُكْمُهَا عَلَى مَا ذُكِرَ، فِيمَا إذَا وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ) عَلَى مَا سَبَقَ.
(وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مَالِكَ الرَّقَبَةِ، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ (وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّفْعِ (وَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ، يَأْخُذُ شُرَكَاؤُهُ حِصَّتَهُمْ مِنْهَا) لِكَوْنِهِ فَوَّتَهُ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ كَانَ) الْوَاطِئُ (وَهُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ سَقَطَتْ عَنْهُ) قِيمَةُ الْوَلَدِ، إذْ لَوْ وَجَبَتْ لَكَانَتْ لَهُ، وَلَا يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ (وَإِنْ وَلَدَتْ) الْمُوصَى بِنَفْعِهَا (مِنْ زَوْجٍ) لَمْ يَشْرِطْ الْحُرِّيَّةَ (أَوْ زِنًا فَالْوَلَدُ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا) وَلَيْسَ مِنْ النَّفْعِ الْمُوصَى بِهِ (وَنَفَقَتُهَا عَلَى مَالِك نَفْعِهَا) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْعَهَا فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ كَالزَّوْجِ.
(وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا) تَكُونُ نَفَقَتُهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا.
(وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ جَمِيعِهَا) أَيْ: الْأَمَةِ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَيْنٍ مُوصَى بِنَفْعِهَا مِنْ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَهَذَا الصَّحِيحُ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (فَتُقَوَّمُ) الْأَمَةُ (بِمَنْفَعَتِهَا) فَمَا بَلَغَتْ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ سَاوَاهُ أَوْ نَقَصَ نَفَذَ وَإِلَّا فَبِقَدْرِهِ، وَيَتَوَقَّفُ الزَّائِدُ عَلَى الْإِجَازَةِ.
(وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِرَقَبَتِهَا وَ) وَصَّى (لِآخَرَ بِمَنْفَعَتِهَا صَحَّ) ذَلِكَ (وَصَاحِبُ الرَّقَبَةِ كَالْوَارِثِ فِيمَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ مَالِكُ الرَّقَبَةِ (وَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِهَا، أَوْ) مَاتَ (الْمُوصَى لَهُ بِرَقَبَتِهَا) أَوْ مَاتَا (فَلِوَرَثَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا كَانَ لَهُ) لِأَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ.
(وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِحَبِّ زَرْعِهِ وَلِآخَرَ بِتِبْنِهِ صَحَّ وَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا) عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ (وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا) عَلَى الْإِنْفَاقِ مَعَ الْآخَرِ، لِأَنَّ التَّرْكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا، وَإِضَاعَةٌ لِلْمَالِ (وَتَكُونُ النَّفَقَةُ) بَيْنَهُمَا (عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) فِي الْحَبِّ وَالتِّبْنِ كَالشَّرِيكَيْنِ فِي أَصْلِ الزَّرْعِ.
(وَإِنْ وَصَّى لَهُ) أَيْ: لِزَيْدٍ (بِخَاتَمٍ وَ) وَصَّى (لِآخَرَ بِفَصِّهِ صَحَّ) ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا (وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ: بِالْخَاتَمِ (إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ) كَالْمُشْتَرَكِ (وَأَيُّهُمَا طَلَبَ قَلْعَ الْفَصِّ مِنْ الْخَاتَمِ أُجِيبَ إلَيْهِ، وَأُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ) لِتَمْيِيزِ حَقِّهِ.
(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمُكَاتِبِهِ صَحَّ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ (وَيَكُونُ) الْمُوصَى لَهُ بِهِ (كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ أَشْبَهَتْ الشِّرَاءَ فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَالْوَلَاءُ لَهُ كَالْمُشْتَرِي، وَإِنْ عَجَزَ عَادَ رَقِيقًا لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ رِقَّهُ لَا يُنَافِيهَا، وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ بَطَلَتْ، فَإِنْ قَالَ: إنْ عَجَزَ وَرَقَّ فَهُوَ لَك بَعْدَ مَوْتِي فَعَجَزَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي صَحَّتْ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ وَإِنْ قَالَ: إنْ عَجَزَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ لَك، فَفِيهِ وَجْهَانِ لَكِنَّ قِيَاسَ مَا تَقَدَّمَ الصِّحَّةُ.
(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ) كُلِّهِ (أَوْ بِنَجْمٍ مِنْهَا صَحَّ) لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِمَا لَيْسَ بِمُسْتَقَرٍّ كَمَا تَصِحُّ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي الْحَالِ كَحَمْلِ الْجَارِيَةِ (وَلِلْمُوصَى لَهُ الِاسْتِيفَاءُ) عِنْدَ حُلُولِهِ (وَالْإِبْرَاءُ) مِنْهُ (وَيُعْتَقُ) الْمُكَاتَبُ (بِأَحَدِهِمَا) بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ (وَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ) لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَيْهِ (فَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ (فَأَرَادَ الْوَارِثُ تَعْجِيزَهُ وَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ إنْظَارَهُ أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ تَعْجِيزَهُ وَأَرَادَ الْوَارِثُ إنْظَارَهُ (فَالْحُكْمُ لِلْوَارِثِ) لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ قِيَامِ الْعَقْدِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ فَإِذَا عَجَزَ كَانَ الْعَقْدُ مُسْتَحِقَّ الْإِزَالَةِ فَيَمْلِكُ الْوَارِثُ الْفَسْخَ وَالْإِنْظَارَ (وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ ذِكْرُ الْوَصِيَّةِ لِلْمُكَاتَبِ) مُفَصَّلَةً.
(وَإِنْ وَصَّى بِرَقَبَتِهِ) أَيْ: الْمُكَاتِبِ لِرَجُلٍ (وَ) وَصَّى (بِمَا عَلَيْهِ لِآخَرَ صَحَّ عَلَى مَا قَالَهُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ مُفْرَدًا فَجَازَ مُجْتَمِعًا (فَإِنْ أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (لِصَاحِبِ) وَصِيَّةِ (الْمَالِ أَوْ أَبْرَأْهُ مِنْهُ عَتَقَ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ) لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا (وَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (فَسَخَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ كِتَابَتَهُ وَكَانَ رَقِيقًا لَهُ) عَمَلًا بِالْوَصِيَّةِ (وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْمَالِ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا.
(وَإِنْ كَانَ) الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ (قَبَضَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ) وَلَا يُرْجَعُ بِهِ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتِبِ لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي ذِمَّتِهِ (فَإِنْ قَالَ أَوْصَيْت لَك بِمَا أَقْبِضُهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ صَحَّ) لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِي الْفَاسِدَةِ كَالْأَدَاءِ فِي الصَّحِيحَةِ مِنْ تَرَتُّبِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ صَحَّ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ فِي الصَّحِيحِ فَفِي الْفَاسِدَةِ أَوْلَى.
(وَإِذَا قَالَ: اشْتَرُوا بِثُلُثِي رِقَابًا فَأَعْتِقُوهُمْ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ إلَى الْمُكَاتَبِينَ) لِأَنَّهُ أَوْصَى بِالشِّرَاءِ لَا بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَإِنْ اتَّسَعَ الثُّلُثُ لِثَلَاثَةٍ لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ أَقَلَّ مِنْهَا فَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ أَمْكَنَ شِرَاءُ ثَلَاثَةٍ رَخِيصَةٍ وَحِصَّةٍ مِنْ رَابِعٍ، فَثَلَاثَةٌ غَالِيَةٌ أَوْلَى وَيُقَدَّمُ مَنْ بِهِ تَرْجِيحٌ مِنْ عِفَّةٍ وَدِينٍ وَصَلَاحٍ وَلَا يُجْزِئُ إلَّا رَقَبَةٌ مُسْلِمَةٌ سَالِمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ كَالْكَفَّارَةِ.
وَإِنْ وَصَّى بِكَفَّارَةِ أَيْمَانٍ فَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ.