فصل: بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: فِي الْمَعْدِنِ:

أَيْ فِي بَيَانِ حُكْمِهِ مِنْ حَيْثُ الزَّكَاةُ وَهُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ سُمِّيَ بِهِ لِعُدُونِ مَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِيهِ أَيْ لِإِقَامَتِهِ يُقَالُ عَدَنَ بِالْمَكَانِ يَعْدِنُ عُدُونًا وَالْمَعْدِنُ: الْمَكَانُ الَّذِي عُدِنَ فِيهِ الْجَوْهَرُ وَنَحْوُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمَعْدِنُ (كُلُّ مُتَوَلِّدٍ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا لَيْسَ نَبَاتًا فَمَنْ اسْتَخْرَجَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ) أَيْ أَهْلِ وُجُوبِهَا وَلَوْ صَغِيرًا مِنْ مَعْدِنٍ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَوْ أَرْضٍ (مُبَاحَةٍ) كَمَوَاتٍ (أَوْ) أَرْضٍ (مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِهِ إنْ كَانَ) الْمَعْدِنُ (جَارِيًا) لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ كَالْمَاءِ بِخِلَافِ الْجَامِدِ كَمَا يَأْتِي.
(وَلَوْ) كَانَ الْمَعْدِنُ مُسْتَخْرَجًا (مِنْ دَارِهِ نِصَابٌ) مَفْعُولٌ: اسْتَخْرَجَ، مُضَافٌ إلَى (ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ) اسْتَخْرَجَ (مَا تَبْلُغُ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا) أَيْ نِصَابُ، الذَّهَبِ، أَوْ نِصَابُ الْفِضَّةِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِأَنَّهُمَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ (بَعْدَ سَبْكِهِ وَتَصْفِيَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَبْلُغُ (مُنْطَبِعًا كَانَ) الْمَعْدِنُ (كَصُفْرٍ وَرَصَاصٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (وَحَدِيدٍ، أَوْ غَيْرَ مُنْطَبِعٍ كَيَاقُوتٍ وَعَقِيقٍ وَبِنَغْشٍ وَزَبَرْجَدٍ وَمُومْيَا).
قَالَ فِي مِنْهَاجِ الْبَيَانِ: هِيَ مَعْدِنٌ فِي قُوَّةِ الزِّفْتِ (وَنُورَة وَيَشْمٍ وَزَاجِّ وَفَيْرُوزَجَ) حَجَرٌ أَخْضَرُ مَشُوبٌ بِزُرْقَةٍ يُوجَدُ بِخُرَاسَانَ وَزَعَمَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ يَصْفُو بِصَفَاءِ الْجَوِّ، وَيَتَكَدَّرُ بِتَكَدُّرِهِ (وَبَلُّورٍ وَسَبَج وَكُحْلٍ وَمَغْرَةٍ وَكِبْرِيتٍ وَزِفْتٍ وَزِئْبَقٍ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَالْبَاءِ وَبِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا: فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ (وَزُجَاجٍ) بِتَثْلِيثِ الزَّايِ بِخِلَافِ: زُجَاجٍ جَمْعٌ زَجٌّ الرُّمْحِ، فَإِنَّهُ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ (وَمِلْحٍ وَقَارٍ وسندروس وَنِفْطٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْفَاءِ.
(وَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ (مِمَّا يُسَمَّى مَعْدِنًا) قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَعْدِنِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، حَيْثُ كَانَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ فِي الْبَرَارِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي: عَمَّا رُوِيَ مَرْفُوعًا «أَلَا لَا زَكَاةَ فِي حَجَرِ» إنْ صَحَّ: مَحْمُولٌ عَلَى الْأَحْجَارِ الَّتِي لَا يُرْغَبُ فِيهَا عَادَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرُّخَامَ وَالْبِرَامَ وَنَحْوِهِمَا كَحَجَرِ الْمُسِنِّ: مَعْدِنٌ.
وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا (فَفِيهِ الزَّكَاةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} وَلِمَا رَوَى رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةَ قَالَ: فَتِلْكَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةَ إلَى الْيَوْمِ» رَوَاه مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَبْلِيَّةُ بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْحِجَازِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَحْرُمُ عَلَى أَغْنِيَاءِ ذَوِي الْقُرْبَى فَفِيهِ الزَّكَاةُ لَا الْخُمُسُ، كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ لَهُ حَوْلٌ كَالزَّرْعِ (رُبْعُ الْعُشْرِ مِنْ قِيمَتِهَا) إنْ لَمْ تَكُنْ أَثْمَانًا (أَوْ رُبْعُ الْعُشْرِ مِنْ عَيْنِهَا إنْ كَانَتْ أَثْمَانًا) لِمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ وَمَا يَجِدُهُ فِي مِلْكِهِ، أَوْ مَوَاتٍ مِنْ مَعْدِنٍ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ (فَإِنْ اسْتَبَقَ اثْنَانِ إلَى مَعْدِنٍ فِي مَوَاتٍ، فَالسَّابِقُ أَوْلَى بِهِ مَا دَامَ يَعْمَلُ) لِحَدِيثِ «مَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» (فَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ الْعَمَلُ (جَازَ لِغَيْرِهِ الْعَمَلُ فِيهِ) لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَمْ يَمْلِكْهُ الْأَوَّلُ (وَمَا يَجِدُهُ) مِنْ الْمَعَادِنِ (فِي) مَكَان (مَمْلُوكٍ يُعْرَفُ مَالِكُهُ، فَهُوَ لِمَالِكِ الْمَكَانِ، إنْ كَانَ) الْمَعْدِنُ (جَامِدًا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَيُمْلَكُ بِمِلْكِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يُزَكِّيهِ مَالُك الْأَرْضِ إذَا وُجِدَ: لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَوْجُودَ لَعَلَّهُ مِمَّا يُخْلَقُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَلَا يَتَحَقَّقُ سَبْقُ الْمِلْكِ فِيهِ (وَأَمَّا) الْمَعْدِنُ (الْجَاوِي فَمُبَاحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ) سَوَاءٌ كَانَ بِمَوَاتٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ بَلْ كَالْمَاءِ.
(وَلَا يُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ اسْتِخْرَاجِ مَعْدِنٍ، وَلَوْ بِدَارِنَا) كَإِحْيَائِهِ الْمَوَاتَ (وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يُخْرِجُهُ) الذِّمِّيُّ مِنْ مَعْدِنٍ (كَالْمُكَاتَبِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ) وَكَذَا مَدِينٌ فِيمَا يُقَابِلُ الدَّيْنَ (وَيَأْتِي ذِكْرُ الْمَعَادِنِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ) وَتَفْصِيلِهَا.
(وَوَقْتُ وُجُوبِهَا) أَيْ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ (بِظُهُورِهِ) لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ حَقِّهِ حَوْلٌ، كَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ (وَ) وَقْتُ (اسْتِقْرَارِهَا بِإِحْرَازِهِ) كَالثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ، فَتَسْقُطُ زَكَاتُهُ إنْ تَلِفَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، لَا بَعْدَهُ وَمَا بَاعَهُ تُرَابًا زَكَّاهُ وَيَصِحُّ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ كَتُرَابِ صَاغَةٍ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَعَادِنِ بِشَرْطِهِ (سَوَاءٌ اسْتَخْرَجَهُ فِي دَفْعَةٍ أَوْ دَفَعَاتٍ، لَمْ يَتْرُكْ الْعَمَلَ بَيْنَهَا تَرْكَ إهْمَالٍ) لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَأَدَّى إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهِ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ اسْتِخْرَاجُ نِصَابِ دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ (وَحَدُّهُ) أَيْ حَدُّ تَرْكِ الْإِهْمَالِ (ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) حَكَاهُ فِي الْمُبْدِعِ عَنْ ابْنِ الْمُنَجَّا (إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) فِي التَّرْكِ.
(فَإِنْ كَانَ) ثُمَّ عُذْرٌ (فَبِزَوَالِهِ) أَيْ زَوَالِ الْعُذْرِ، أَيْ يَعْتَبِرُ مُضِيُّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ كَمَا فِي الْمُنْتَهَى (فَلَا أَثَرَ لِتَرْكِهِ) الْعَمَلَ (لِإِصْلَاحِ آلَةٍ وَمَرَضٍ وَسَفَرٍ يَسِيرٍ، وَاسْتِرَاحَةٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، أَوْ اشْتِغَالِهِ بِتُرَابٍ خَرَجَ بَيْنَ النِّيلَيْنِ) أَيْ الْإِصَابَتَيْنِ (أَوْ هَرَبَ عَبْدُهُ أَوْ أَجِيرُهُ وَنَحْوُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إعْرَاضًا وَلَا يُعْتَبَرُ كُلُّ عِرْقٍ بِنَفْسِهِ (فَيُضَمُّ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، وَلَوْ مِنْ مَعَادِنَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ) كَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ.
(وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إلَى آخَرَ غَيْرَ نَقْدِ) كَالْحُبُوبِ وَغَيْرِهَا.
(وَلَوْ كَانَتْ) الْمَعَادِنُ (مُتَقَارِبَةً كَقَارٍ وَنَفْطٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ، وَلَوْ مِنْ مَعْدِنٍ وَاحِدٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا ضَمَّ مَعَ الْإِهْمَالِ) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ، بِلَا عُذْرٍ، فَإِنْ أَخْرَجَ دُونَ نِصَابٍ، ثُمَّ تَرَكَ الْعَمَلَ مُهْمِلًا لَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ دُونَ نِصَابٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِمَا قُلْت: إنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةً.
(وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا) أَيْ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ مِنْهُ (إذَا كَانَتْ) الْمَعَادِنُ (أَثْمَانًا إلَّا بَعْدَ سَبْكٍ وَتَصْفِيَةٍ) لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْحُبُوبِ (فَإِنَّ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ عَقِبَهُمَا) أَيْ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الْوُجُوبِ هُوَ وَقْتُ الِاسْتِخْرَاجِ (فَإِنْ أَخْرَجَ) زَكَاةِ الْمَعْدِنِ مِنْ عَيْنه (قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَرُدَّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ) الْمَأْخُوذُ (بَاقِيًا، أَوْ قِيمَتَهُ إنْ تَلِفَ) لِفَسَادِ الْقَبْضِ (فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْقِيمَةِ أَوْ الْقَدْرِ) أَيْ قِيمَةِ الْمَأْخُوذِ تُرَابًا أَوْ قَدْرَهُ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ غَارِمٌ (فَإِنْ صَفَّاهُ أَخَذَهُ، فَكَانَ قَدْرُ الْوَاجِبِ أَجْزَأَ وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَى الْمُخْرِجِ النَّقْصُ وَإِنْ زَادَ) عَلَى الْوَاجِبِ (رَدَّ) الْقَابِضُ (الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَسْمَحَ بِهِ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَابِضُ السَّاعِيَ: وَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ الْقَابِضُ: الْفَقِيرَ، فَلَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ.
(وَلَا يَرْجِعُ) الْقَابِضُ (بِتَصْفِيَتِهِ) أَيْ بِمُؤْنَتِهَا عَلَى رَبِّ الْمَعْدِنِ.
لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَمُؤْنَةُ تَصْفِيَتِهِ وَ) مُؤْنَةُ سَبْكِهِ (عَلَى مُسْتَخْرِجِهِ) كَمُؤْنَةِ حَصَادٍ وَجُذَاذٍ (كَمُؤْنَةِ اسْتِخْرَاجِهِ) فَإِنَّهَا عَلَى مُسْتَخْرِجِهِ، كَمُؤْنَةِ الْحَرْثِ (فَلَا يَحْتَسِبُ) الْمُسْتَخْرَجَ (بِذَلِكَ) أَيْ لَا يُسْقِطُهُ مِنْ الْمَعْدِنِ، وَيُزَكِّي مَا عَدَاهُ (كَالْحُبُوبِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ عَلَى الصَّحِيحِ (كَمَا يَحْتَسِبُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الزَّرْعِ) قُلْت: هَذَا وَاضِحٌ فِي مُؤْنَةِ الِاسْتِخْرَاجِ، لَا فِي مُؤْنَةِ سَبْكٍ وَتَصْفِيَةٍ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ الْوُجُوبِ كَمُؤْنَةِ حَصَادٍ وَدِيَاسٍ (وَلَا تَتَكَرَّرُ زَكَاتُهُ) أَيْ الْمَعْدِنُ كَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ (إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التِّجَارَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْدًا) فَإِنْ كَانَ نَقْدًا، أَوْ غَيْرَهُ وَقَصَدَ بِهِ التِّجَارَةَ عِنْدَ الِاسْتِخْرَاجِ زَكَّاهُ أَيْضًا كُلَّمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بِشَرْطِهِ (وَإِنْ اسْتَخْرَجَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ) لِفَقْدِ شَرْطَ الزَّكَاةِ.
(وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ مِنْ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ) هُوَ نَبَاتٌ حَجَرِيٌّ مُتَوَسِّطٌ فِي خَلْقِهِ بَيْنَ النَّبَاتِ وَالْمَعْدِنِ وَمِنْ خَوَاصِّهِ: أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ يَشْرَحُ الصَّدْرَ وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ.
(وَالْعَنْبَرِ وَغَيْرِهِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ شَيْءٌ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ» وَعَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ رَوَاهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ وَلَمْ تَأْتِ فِيهِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ وُجُودُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَهُوَ كَالْمُبَاحَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْبَرِّ.
(وَ) لَا زَكَاةَ فِيمَا يُخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ مِنْ (الْحَيَوَانِ) بِأَنْوَاعِهِ (كَصَيْدِ بَرٍّ وَإِنْ كَانَ الْمَعْدِنُ بِدَارِ حَرْبٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهِ إلَّا بِقَوْمٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ فَغَنِيمَةٌ يُخَمَّسُ بَعْدَ) إخْرَاجِ رُبْعِ الْعُشْرِ مِنْ عَيْنِهِ إنْ كَانَ نَقْدًا، أَوْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ غَيْرَهُ، لِأَنَّ قُوَّتَهُمْ أَوْ صِلَتَهُمْ إلَيْهِ فَكَانَ غَنِيمَةً كَالْمَأْخُوذِ بِالْحَرْبِ وَلَا زَكَاةَ فِي مِسْكٍ وَزَبَادٍ.

.فَصْلٌ: في أحكام الرِّكَازِ:

وَيَجِبُ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا الْحَسَنَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ الْخُمُسُ وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ الزَّكَاةُ (فِي الْحَالِ) فَلَا يُعْتَبَرُ لَهُ حَوْلٌ كَالْمَعْدِنِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَكَاةٍ، بَلْ فَيْءٌ (أَيَّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ مَالٍ، وَلَوْ غَيْرَ نَقْدٍ) كَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ لِأَنَّهُ مَالٌ مَظْهُورٌ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ فَوَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ كَالْغَنِيمَةِ (قَلَّ) ذَلِكَ الْمَوْجُودُ (أَوْ كَثُرَ) بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ وَالزَّرْعِ، لِكَوْنِهِمَا يَحْتَاجَانِ إلَى كُلْفَةٍ فَاعْتُبِرَ لَهُمَا النِّصَابُ تَخْفِيفًا (وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الْخُمُسِ مِنْ غَيْرِهِ) كَزَكَاةِ الْحُبُوبِ وَغَيْرِهَا (وَيُصْرَفُ خُمُسُ الرِّكَازِ مَصْرِفَ الْفَيْءِ الْمُطْلَقِ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا) لِفِعْلِ عُمَرَ رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَخْمُوسٌ، كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ.
(وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ رَدُّ خُمُسِ الرِّكَازِ، أَوْ) رَدُّ بَعْضِهِ: لِوَاجِدِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ وَيَجُوزُ لَهُ (تَرْكُهُ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْخَرَاجِ) إذَا رَدَّهُ أَوْ تَرَكَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ (وَكَمَا) أَنَّ (لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ (رَدُّ خُمُسِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ) عَلَى الْغَانِمِينَ (لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ (أَيْضًا رَدَّ الزَّكَوَاتِ عَلَى مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ، إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا لِأَنَّهُ أُخِذَ بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ كَإِرْثِهَا وَقَبْضِهَا عَنْ دَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ، فَإِنْ تَرَكَهَا) أَيْ تَرَكَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ (لَهُ) أَيْ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ لَمْ يَبْرَأْ مَنْ تُرِكَتْ لَهُ مِنْهَا لِعَدَمِ الْإِيتَاءِ.
(وَيَجُوزُ لِوَاجِدِهِ) أَيْ الرِّكَازِ (تَفْرِقَتُهُ بِنَفْسِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ لِأَنَّهُ أَدَّى الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَا يَجُوزُ لِوَاجِدِ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ أَنْ يَمْسِكَ الْوَاجِبَ فِيهِمَا لِنَفْسِهِ (وَبَاقِيهِ) أَيْ الرِّكَازِ (لَهُ) أَيْ لِوَاجِدِهِ لِفِعْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ دَفَعَا بَاقِي الرِّكَازِ لِوَاجِدِهِ وَلِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ مَظْهُورٌ عَلَيْهِ فَكَانَ لِوَاجِدِهِ بَعْدَ الْخُمُسِ، كَالْغَنِيمَةِ.
(وَلَوْ) كَانَ وَاجِدُهُ (ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا بِدَارِنَا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) كَغَيْرِهِمْ (وَيُخْرِجُ عَنْهُمَا الْوَلِيُّ) الْخُمُسَ كَزَكَاةِ مَالِهِمَا، وَنَفَقَةٌ تَجِبُ عَلَيْهِمَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِدُهُ أَجِيرًا فِيهِ) أَيْ فِي طَلَبِهِ (لِطَالِبِهِ) أَيْ الرِّكَازِ (فَـ) الْبَاقِي إذَنْ (لِمُسْتَأْجِرِهِ) لِأَنَّ الْوَاجِدَ نَائِبٌ عَنْهُ (وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ هَدْمِ شَيْءٍ) مِنْ حَائِطٍ وَغَيْرِهِ (فَوَجَدَهُ) أَيْ الرِّكَازَ (فَهُوَ لَهُ) أَيْ لِوَاجِدِهِ (لَا لِمُسْتَأْجِرِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ الْوَاجِدِ قُلْت: فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِطَلَبِ رِكَازٍ فَوَجَدَ غَيْرَهُ، فَهُوَ لِوَاجِدِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَجِيرًا لِطَلَبِ مَا وَجَدَهُ.
(وَإِنْ وَجَدَهُ عَبْدُ فَهُوَ مِنْ كَسْبِهِ) فَيَكُونُ (لِسَيِّدِهِ) كَسَائِرِ كَسْبِهِ (وَإِنْ وَجَدَهُ وَاجِدٌ فِي مَوَاتٍ أَوْ شَارِعٍ، أَوْ أَرْضٍ لَا يُعْلَمُ مَالِكُهَا أَوْ) وَجَدَهُ (عَلَى وَجْهِ هَذِهِ الْأَرْضِ) الَّتِي لَا يُعْلَمُ مَالِكُهَا (أَوْ) وَجَدَهُ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ (أَوْ) فِي (خَرِبَةٍ، أَوْ فِي مِلْكِهِ الَّذِي أَحْيَاهُ) أَيْ فَهُوَ لِوَاجِدِهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ.
(وَإِنْ عَلِمَ) وَاجِدُ الرِّكَازِ (مَالِكَهَا) أَيْ الْأَرْضِ الَّتِي وُجِدَ بِهَا الرِّكَازُ (أَوْ كَانَتْ) الْأَرْضُ (مُنْتَقِلَةً إلَيْهِ) أَيْ إلَى وَاجِدِ الرِّكَازِ (فَهُوَ لَهُ) أَيْ لِوَاجِدِهِ (أَيْضًا إنْ لَمْ يَدَعْهُ الْمَالِكُ) لِلْأَرْضِ مِلْكًا (لِأَنَّ الرِّكَازَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ) لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا لِلنَّقْلِ عَنْهَا (فَلَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الرِّكَازَ مَالِكُ الْأَرْضِ الَّتِي وُجِدَ بِهَا (بِلَا بَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ لَهُ بِهِ.
(وَلَا وَصْفَ) يَصِفُهُ بِهِ (فَـ) الرِّكَازُ (لَهُ) أَيْ لِمَالِكِ الْأَرْضِ (مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ يَدَ مَالِكِ الْأَرْضِ عَلَى الرِّكَازِ، فَرَجَحَ بِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَاهُ مَنْ انْتَقَلَتْ عَنْهُ الْأَرْضُ لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ عَلَيْهَا.
(وَإِنْ اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ) أَيْ وَرَثَةُ مَالِكِ الْأَرْضِ (فَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ) أَيْ الرِّكَازَ (لِمُوَرِّثِهِمْ، وَأَنْكَرَ الْبَعْضُ) الْآخَرُ أَنَّهُ لِمُوَرِّثِهِمْ (فَحَكَمَ مَنْ أَنْكَرَ فِي نَصِيبِهِ حُكْمَ الْمَالِكِ الَّذِي لَمْ يُعْتَرَفْ بِهِ) أَيْ لَمْ يَدَعْ الرِّكَازَ فَيَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَاجِدِهِ (وَحُكْمُ الْمُدَّعِينَ حُكْمُ الْمَالِكِ الْمُعْتَرَفِ) فَيَحْلِفُونَ وَيَأْخُذُونَ نَصِيبَهُمْ.
وَكَذَا وَرَثَةُ مَنْ انْتَقَلَتْ عَنْهُ وَمَتَى دَفَعَ إلَى مُدَّعِيهِ، بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ وَاجِدُهُ خُمُسَهُ بِاخْتِيَارِهِ غُرِّمَ بَدَلَ خُمُسِهِ لِمُدَّعِيهِ لِتَفْوِيتِهِ عَلَيْهِ (وَإِنْ وَجَدَ فِيهَا) أَيْ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ (لُقَطَةً، فَوَاجِدُهَا: أَحَقُّ) بِهَا (مِنْ صَاحِبِ الْمِلْكِ) أَيْ الْأَرْضِ، فَيَمْلِكُهَا وَاجِدُهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَرَبُّ الْأَرْضِ أَحَقُّ بِرِكَازٍ، وَلُقَطَةٍ مِنْ وَاجِدٍ مُتَعَدٍّ بِدُخُولِهِ.
(وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ، يَجِدُ فِي الدَّارِ رِكَازًا، أَوْ لُقَطَةً) فَيَكُونَانِ أَحَقَّ بِهِمَا (فَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ (أَنَّهُ وَجَدَهُ أَوَّلًا، أَوْ) أَنَّهُ (مِلْكُهُ، أَوْ) أَنَّهُ (دَفَنَهُ فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُ مُكْتَرٍ، لِزِيَادَةِ الْيَدِ) وَكَذَا مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ اخْتَلَفَا (إلَّا أَنْ يَصِفَهُ) أَيْ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ مِنْ رِكَازٍ أَوْ لُقَطَةٍ (أَحَدِهِمَا، فَيَكُونُ لَهُ) تَرْجِيحًا لَهُ بِالْوَصْفِ (مَعَ يَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ صَاحِبِهِ.
فَإِنْ وَصَفَاهَا تَسَاقَطَا وَرَجَحَ مُكْتَرٍ لِزِيَادَةِ الْيَدِ (وَالرِّكَازُ) مُشْتَقٌّ مِنْ رَكَزَ يَرْكِزُ كَغَرِزَ يَغْرِز، إذَا أَخْفَى وَمِنْهُ رَكَّزْت الرُّمْحَ إذَا أَخْفَيْت أَصْلَهُ وَمِنْهُ الرِّكْزُ: وَهُوَ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ فَهُوَ لُغَةً: الْمَالُ الْمَدْفُونُ فِي الْأَرْضِ وَاصْطِلَاحًا (مَا وُجِدَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ) بِكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ مَدْفُونِهِمْ (أَوْ دِفْنِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ كُفَّارٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا جَاهِلِيَّةً (فِي الْجُمْلَةِ) فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ظَاهِرًا، إذَا كَانَ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ، أَوْ خَرِبَةٍ (فِي دَارِ إسْلَامٍ أَوْ دَارِ عَهْدٍ، أَوْ دَارِ حَرْبٍ وَقَدَرَ عَلَيْهِ) بِدَارِ الْحَرْبِ (وَحْدَهُ أَوْ بِجَمَاعَةٍ، لَا مَنَعَةَ لَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَّا بِجَمَاعَةٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ فَغَنِيمَةٌ) لِأَنَّ قُوَّتَهُمْ أَوْصَلَتْ إلَيْهِ فَكَانَ غَنِيمَةً، كَالْمَأْخُوذِ بِالْحَرْبِ (عَلَيْهِ) أَيْ الرِّكَازِ (أَوْ عَلَى بَعْضِهِ: عَلَامَةُ كُفْرٍ) كَأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ مُلُوكِهِمْ، وَصُوَرِهِمْ وَصُلُبِهِمْ وَصُوَرِ أَصْنَامِهِمْ (فَقَطْ) وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ مَا فِي قَوْلِهِ: مَا وُجِدَ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ، إنْ كَانَتْ نَكِرَةً أَوْ حَالٌ إنْ كَانَتْ مَوْصُولَةً (فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ الدَّفْنِ (أَوْ عَلَى بَعْضِهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ) كَاسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ آيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، فَهُوَ لُقَطَةٌ (أَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ، كَالْأَوَانِي وَالْحُلِيِّ، وَالسَّبَائِكِ فَهُوَ لُقَطَةٌ لَا) يُمْلَكُ إلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِأَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ لَمْ يُعْلَمْ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهُ وَتَغْلِيبًا لِحُكْمِ دَارِ الْإِسْلَامِ.

.بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ:

وَهُمَا الْأَثْمَانُ فَلَا تَدْخُلُ فِيهَا الْفُلُوسُ، وَلَوْ رَائِجَةً (وَحُكْمُ التَّحَلِّي) بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (تَجِبُ زَكَاتُهُمَا) بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ: قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}- الْآيَةُ وَالسُّنَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ بِذَلِكَ وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهِمَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ، أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
(وَيُعْتَبَرُ) لَهُمَا (النِّصَابُ) إجْمَاعًا (فَنِصَابُ الذَّهَبِ: عِشْرُونَ مِثْقَالًا) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ- مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ» رَوَاه أَبُو عُبَيْدٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالًا نِصْفَ مِثْقَالٍ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ (زِنَةُ الْمِثْقَالِ دِرْهَمُ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) إسْلَامِيٍّ.
(وَلَمْ تَتَغَيَّرْ) الْمَثَاقِيلُ (فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَارِيخِهِ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ (وَهُوَ) أَيْ الْمِثْقَالُ (ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةٍ وَقِيلَ: اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ مِنْ الشَّعِيرِ الْمُطْلَقِ).
أَيْ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ بِالْمُتَوَسِّطِ (وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ (وَزِنَةُ الْعِشْرِينَ مِثْقَالًا بِالدَّرَاهِمِ) الْإِسْلَامِيَّةِ (ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَبِدِينَارِ الْوَقْتِ الْآنَ الَّذِي زِنَتُهُ دِرْهَمٍ وَثَمَنُ دِرْهَمٍ) عَلَى التَّحْدِيدِ (خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَسُبْعَا دِينَارٍ وَتِسْعَةٍ) وَهُوَ دِينَارُ زَمَنِنَا هَذَا إلَّا أَنَّ الْمِائَةَ دِينَارٍ مِنْ دَارِ الضَّرْبِ: مِائَةٌ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَيَزِيدُ الدِّينَارُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ نِصْفُ جُزْءٍ مِنْ مِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَلَا يَكَادُ ذَلِكَ يَظْهَرُ فِي الْوَزْنِ (وَنِصَابُ الْفِضَّةِ: مِائَتَا دِرْهَمٍ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» وَالْأُوقِيَّةُ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا (وَ) هِيَ (بِالْمَثَاقِيلِ: مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِثْقَالًا).
(وَفِيهِمَا) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (رُبْعُ الْعُشْرِ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (مَضْرُوبَيْنِ) كَانَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ) لِعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ، وَعُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» (وَالِاعْتِبَارُ بِالدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ الَّذِي زِنَتُهُ سِتَّةِ دَوَانِقَ، وَالْعَشَرَةُ دَرَاهِمَ: سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ فَالدِّرْهَمُ نِصْفُ مِثْقَالٍ وَخَمْسَةٌ) أَيْ خُمْسُ مِثْقَالٍ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: أَنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوَانِقَ.
(وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ صِنْفَيْنِ سَوْدَاءُ، وَهِيَ الْبَغْلِيَّةُ، نِسْبَةً إلَى مَلِكٍ، يُقَالُ لَهُ رَأْسُ الْبَغْلِ الدِّرْهَمُ مِنْهَا: ثَمَانِيَةُ دَوَانِقَ وَالطَّبَرِيَّةُ: نِسْبَةً إلَى طَبَرِيَّةِ الشَّامِ).
بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ (الدِّرْهَمُ) مِنْهَا (أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ فَجَمَعَتْهُمَا بَنُو أُمَيَّةَ وَجَعَلُوهُمَا) أَيْ الْبَغْلِيَّةُ وَالطَّبَرِيَّةُ (دِرْهَمَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ كُلُّ دِرْهَمٍ سِتَّةُ دَوَانِقَ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُوقِيَّةُ وَالدَّرَاهِمُ مَجْهُولَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُوجِبُ الزَّكَاةِ فِي أَعْدَادٍ مِنْهَا وَتَقَعُ بِهَا الْمُبَايَعَاتُ وَالْأَنْكِحَةُ كَمَا فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ- مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً إلَى زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَإِنَّهُ جَمَعَهَا بِرَأْيِ الْعُلَمَاءِ، وَجَعَلَ وَزْنَ الدِّرْهَمِ سِتَّةَ دَوَانِقَ- قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا مَعْنَى مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى صِفَةٍ لَا تَخْتَلِفُ فَرَأَوْا صَرْفَهَا إلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا وَضَرَبُوهُ عَلَى وَزْنِهِمْ (فَيُرَدُّ ذَلِكَ كُلُّهُ إلَى الْمِثْقَالِ وَالدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ) وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ الْخُرَاسَانِيَّةُ وَهِيَ دَانِقٌ أَوْ نَحْوُهُ وَالْيَمَنِيَّةُ وَهِيَ دَانِقَانِ وَنِصْفٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(وَلَا زَكَاةَ فِي مَغْشُوشِهَا، حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَ مَا فِيهِ مِنْ الْخَالِصِ) ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةً (نِصَابًا) نَقَلَ حَنْبَلٌ فِي دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةٍ، فَلَوْ خَلَصَتْ نَقَصَتْ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبْعَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمِائَتَيْنِ هُمَا فَرْضٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا تَمَّتْ فَفِيهَا الزَّكَاةُ (فَإِنْ شَكَّ: هَلْ فِيهِ) أَيْ الْمَغْشُوشِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (نِصَابٌ خَالِصٌ؟ خُيِّرَ بَيْنَ سَبْكِهِ وَإِخْرَاجِ قَدْرِ زَكَاةِ نَقْدِهِ، إنْ بَلَغَ) نَقْدُهُ (نِصَابًا وَبَيْنَ اسْتِظْهَارِهِ) أَيْ احْتِيَاطِهِ.
(وَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ بِيَقِينٍ) وَمَتَى ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ عَلِمَ الْغِشَّ أَوْ أَنَّهُ اسْتَظْهَرَ، وَأَخْرَجَ الْفَرْضَ قُبِلَ مِنْهُ بِلَا يَمِينٍ.
(وَإِنْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ) فِي الْمَغْشُوشِ لِتَيَقُّنِ بُلُوغِ خَالِصِهِ نِصَابًا (وَشَكَّ فِي زِيَادَةِ) الْمَغْشُوشِ عَلَى نِصَابٍ (اسْتَظْهَرَ) أَيْ احْتَاطَ، لِيَبْرَأَ بِيَقِينٍ.
(فَأَلْفُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُخْتَلِطَةٌ سِتُّمِائَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا) وَأَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ الْآخَرِ (وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ مِنْ أَيِّهِمَا؟) السِّتُّمِائَةِ (وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ زَكَّى سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ فِضَّةً) لِأَنَّهُ يَبْرَأُ بِذَلِكَ بِيَقِينٍ.
(وَإِنْ أَرَادَ) رَبُّ الْمَالِ (أَنْ يُزَكِّيَ الْمَغْشُوشَةَ مِنْهَا وَعَلِمَ قَدْرَ الْغِشِّ فِي كُلِّ دِينَارٍ) أَوْ دِرْهَمٍ (جَازَ) إخْرَاجُ زَكَاتِهَا مِنْهَا لِلْعِلْمِ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا فِي كُلِّ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ مِنْ الْغِشِّ (لَمْ يُجْزِئْهُ) إخْرَاجُ زَكَاتِهَا مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إذَنْ إلَى الْعِلْمِ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ (إلَّا أَنْ يَسْتَظْهِرَ فَيُخْرِجُ) مِنْهَا (قَدْرَ الزَّكَاةِ بِيَقِينٍ) فَيُجْزِئُهُ، لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ.
(وَإِنْ أَخْرَجَ) عَنْهَا (مَالًا غَشَّ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ (وَيُعْرَفُ قَدْرُ غِشِّهِ حَقِيقَةً بِأَنْ يَدَعَ مَاءً فِي إنَاءٍ) أَسْفَلَهُ كَأَعْلَاهُ (ثُمَّ يَدَعَ فِيهِ ذَهَبًا خَالِصًا زِنَةَ الْمَغْشُوشِ، وَيَعْلَمَ عُلُوَّ الْمَاءِ) الَّذِي فِي الْإِنَاءِ.
(ثُمَّ يَرْفَعَهُ) أَيْ الذَّهَبَ، أَيْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْمَاءِ (وَيَضَعَ بَدَلَهُ) فِي الْمَاءِ (فِضَّةً خَالِصَةً زِنَةَ الْمَغْشُوشِ، وَيَعْلَمَ عُلُوَّ الْمَاءِ، وَهُوَ) أَيْ الْعُلُوُّ عِنْدَ وَضْعِ الْفِضَّةِ (أَعْلَى مِنْ) الْعُلُوِّ (الْأَوَّلِ) عِنْدَ وَضْعِ الذَّهَبِ (لِأَنَّ الْفِضَّةَ أَضْخَمُ مِنْ الذَّهَبِ، ثُمَّ يَرْفَعَهَا) أَيْ الْفِضَّةَ (وَيَدَع الْمَغْشُوشَ) فِي الْمَاءِ (وَيَعْلَمَ عُلُوَّ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحَ) مِنْ الْمِسَاحَةِ، أَيْ يَقِيسُ (مَا بَيْنَ الْعَلَامَةِ الْوُسْطَى) وَهِيَ عَلَامَةُ الْمَغْشُوشِ.
(وَ) بَيْنَ الْعَلَامَةِ (الْعُلْيَا) عَلَامَةُ الْفِضَّةِ (وَ) يَمْسَحَ (مَا بَيْنَ الْعَلَامَةِ الْوُسْطَى وَ) الْعَلَامَةِ (السُّفْلَى) وَهِيَ عَلَامَةُ الذَّهَبِ (فَإِنْ كَانَ الْمَمْسُوحَانِ سَوَاءً، فَنِصْفُ الْمَغْشُوشِ ذَهَبٌ وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ وَإِنْ زَادَ) ذَلِكَ (أَوْ نَقَصَ، فَبِحِسَابِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَا بَيْنَ الْعُلْيَا إلَى الْوُسْطَى ثُلُثَيْ مَا بَيْنَ الْعَلَامَتَيْنِ) لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْخَالِصَيْنِ (وَمَا بَيْنَ السُّفْلَى إلَى الْوُسْطَى ثُلُثُهُ كَانَتْ الْفِضَّةُ ثُلُثَيْنِ وَالذَّهَبُ الثُّلُثَ وَبِالْعَكْسِ).
بِأَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ الْعُلْيَا إلَى الْوُسْطَى ثُلُثُ مَا بَيْنَ الْعَلَامَتَيْنِ وَمَا بَيْنَ السُّفْلَى إلَى الْوُسْطَى: ثُلُثَاهُ (الذَّهَبُ الثُّلُثَانِ) وَالْفِضَّةُ الثُّلُثُ إذْ الِارْتِفَاعُ لِلْفِضَّةِ لِضَخَامَتِهَا، وَالِانْخِفَاضُ لِلذَّهَبِ لِثِقَلِهِ.
(وَالْأَوْلَى: أَنْ يَكُونَ الْإِنَاءُ ضَيِّقًا) لِأَنَّ عُلُوَّ الْمَاءِ فِيهِ يَظْهَرُ وَيَتَّضِحُ (وَيَتَعَيَّنُ) فِي الْإِنَاءِ (أَنْ يَكُونَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ سَوَاءً كَقَصَبَةٍ) فَارِسِيَّةٍ (وَنَحْوِهَا) لِيَتَأَتَّى ذَلِكَ الْعَمَلُ (وَلَا زَكَاةَ فِي غَشِّهَا) أَيْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْغِشُّ (فِضَّةً، فَيُضَمُّ إلَى مَا مَعَهُ مِنْ النَّقْدِ فِضَّةً كَانَ أَوْ ذَهَبًا) لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ يُضَمُّ إلَى الْآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ (وَيُكْرَهُ ضَرْبُ نَقْدٍ مَغْشُوشٍ وَاِتِّخَاذُهُ نَصَّ عَلَيْهِ) قَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي: لَيْسَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَضْرِبُوا إلَّا جِيدًا.
(وَتَجُوز الْمُعَامَلَةُ بِهِ) أَيْ بِالنَّقْدِ الْمَغْشُوشِ (مَعَ الْكَرَاهَةِ، إذَا أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِكَوْنِهَا مَغْشُوشَةً (وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ الْغِشِّ) وَكَذَا لَوْ كَانَ غِشًّا مَعْلُومًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الرِّبَا وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَامَلُونَ بِدَرَاهِمِ الْعَجَمِ، وَكَانُوا إذَا زَافَتْ عَلَيْهِمْ أَتَوْا بِهَا إلَى السُّوقِ فَقَالُوا مَنْ يَبِيعُنَا بِهَذِهِ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ، وَلَا عَلِيٌّ وَلَا مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ، أَيْ فِي ضَرْبِ الْمَغْشُوشِ: ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قُلْت: فَكَذَا فِي الْمُعَامَلَةِ خُصُوصًا حَيْثُ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَا.
(قَالَ الشَّيْخُ: الْكِيمْيَاءُ غِشٌّ وَهِيَ تَشْبِيهُ الْمَصْنُوعِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِالْمَخْلُوقِ) ذَهَبًا أَوْ فِضَّةٍ (بَاطِلَةٌ فِي الْعَقْلِ) لِاسْتِحَالَةِ قَلْبِ الْأَعْيَانِ (مُحَرَّمَةٌ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ) لِحَدِيثِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».
(وَلَوْ ثَبَتَتْ عَلَى الرُّوبَاضِ) أَيْ مَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ غِشُّ النَّقْدِ (وَيَقْتَرِنُ بِهَا كَثِيرًا السِّيمِيَاءُ الَّتِي هِيَ مِنْ السِّحْرِ، وَمَنْ طَلَبِ زِيَادَةَ الْمَالِ بِمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ) تَعَالَى (عُوقِبَ بِنَقِيضِهِ، كَالْمُرَابِي) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}.
(وَهِيَ) أَيْ الْكِيمْيَاءُ (أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْهُ) لِتَعَدِّي ضَرَرِهَا (وَلَوْ كَانَتْ حَقًّا مُبَاحًا لَوَجَبَ فِيهَا خُمُسٌ) كَالرِّكَازِ (أَوْ زَكَاةٍ) كَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَالْمَعْدِنِ.
(وَلَمْ يُوجِبْ عَالِمٌ فِيهَا شَيْئًا) فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهَا.
(وَالْقَوْلُ بِأَنَّ قَارُونَ عَمَلَهَا بَاطِلٌ وَلَمْ يَذْكُرْهَا، أَوْ يَعْمَلْهَا إلَّا فَيْلَسُوفٌ، أَوْ اتِّحَادِيٌّ أَوْ مَلِكٌ ظَالِمٌ وَقَالَ).
الشَّيْخُ (يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَضْرِبَ لَهُمْ) أَيْ الرَّعَايَا (فُلُوسًا تَكُونُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ لَهُمْ) تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ، وَتَيْسِيرًا لِمَعَاشِهِمْ (وَلَا يَتَّجِرُ ذُو السُّلْطَانِ فِي الْفُلُوسِ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ نُحَاسًا فَيَضْرِبَهُ فَيَتَّجِرَ فِيهِ) لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ.
(وَلَا بِأَنْ يُحَرِّمَ عَلَيْهِمْ الْفُلُوسَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ وَيَضْرَبُ لَهُمْ غَيْرَهَا) لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِالنَّاسِ، وَخُسْرَانٌ عَلَيْهِمْ (بَلْ يَضْرِبُ) النُّحَاسَ فُلُوسًا (بِقِيمَتِهِ مِنْ غَيْرِ رِبْحٍ فِيهِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَيُعْطِي أُجْرَةَ الصُّنَّاعِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ التِّجَارَةَ فِيهَا ظُلْمٌ عَظِيمٌ مِنْ أَبْوَابِ ظُلْمِ النَّاسِ وَأَكْلِ أَمْوَالِهِمْ بِالْبَاطِلِ فَإِنَّهُ إذَا حَرَّمَ الْمُعَامَلَةَ بِهَا صَارَتْ عَرَضًا، وَ) إذَا ضَرَبَ لَهُمْ فُلُوسًا أُخْرَى أَفْسَدَ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَمْوَالِ بِنَقْصِ أَسْعَارِهَا فَظَلَمَهُمْ فِيمَا يَضْرِبُهُ بِإِغْلَاءِ سِعْرِهَا قُلْت: وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي زَمَنِنَا مَرَّاتٍ، وَفَسَدَتْ بِهِ أَمْوَالُ كَثِيرِينَ، وَزَادَ عَلَيْهِمْ الضَّرَرُ.
(وَفِي السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَرَوَاهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ بَيْنَهُمْ إلَّا مِنْ بَأْسٍ»).
نَحْوُ أَنْ يُخْتَلَفَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا هَلْ هُوَ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ؟ (فَإِذَا كَانَتْ) الْفُلُوسُ (مُسْتَوِيَةَ الْأَسْعَارِ بِسِعْرِ النُّحَاسِ وَلَمْ يَشْتَرِ وَلِيُّ الْأَمْرِ النُّحَاسَ وَالْفُلُوس الْكَاسِدَةَ لِيَضْرِبَهُمَا فُلُوسًا، وَيَتَّجِرَ فِي ذَلِكَ حَصَلَ الْمَقْصُود مِنْ الثَّمَنِيَّةِ وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ انْتَهَى) وَلَا مَزِيدَ عَلَى حُسْنِهِ وَلَا يُضْرَبُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يُكْرَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ (فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) لَا يَصْلُحُ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ إلَّا فِي دَارِ الضَّرْبِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ لِأَنَّ النَّاسَ إنْ رُخِّصَ لَهُمْ رَكِبُوا الْعَظَائِمَ قَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فَقَدْ مُنِعَ مِنْ الضَّرْبِ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَيْهِ (وَيُخْرِجُ عَنْ جَيِّدٍ صَحِيحًا وَرَدِيئًا مِنْ جِنْسِهِ) أَيْ فَيُخْرِجُ عَنْ جَيِّدٍ صَحِيحٍ: جِيدًا صَحِيحًا لِأَنَّ إخْرَاجَ غَيْرِ ذَلِكَ خَبِيثٌ فَلَمْ يَجُزْ، وَكَالْمَاشِيَةِ.
وَيُخْرِجُ عَنْ الرَّدِيءِ رَدِيئًا، لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ (وَ) إنْ كَانَ الْمَالُ أَنْوَاعًا أَخْرَجَ (مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِصَّتِهِ) كَالْحَبِّ وَالتَّمْرِ.
(وَإِنْ أَخْرَجَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْأَعْلَى، كَانَ أَفْضَلَ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ (وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ الْأَعْلَى مُكَسَّرًا، أَوْ مُبَهْرَجًا، وَهُوَ الرَّدِيءُ، زَادَ قَدْرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَضْلِ وَأَجْزَأَ) هـ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ عَلَيْهِ قَدْرًا وَقِيمَةً، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَ مِنْ عَيْنِهِ.
(وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ الْأَعْلَى بِقَدْرِ الْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةِ الْوَاجِبِ فِي الرَّدِيءِ (دُونَ الْوَزْنِ) كَمَا لَوْ أَخْرَجَ ثُلُثَ دِينَارٍ عَنْ نِصْفِ رَدِيءٍ بِقِيمَتِهِ (لَمْ يُجْزِئْهُ) ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ.
(وَيُجْزِئُ) إخْرَاجُ (قَلِيلِ الْقِيمَةِ عَنْ كَثِيرِهَا مَعَ الْوَزْنِ) لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالنَّوْعِ وَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهُ (وَيُجْزِئُ) إخْرَاجُ (مَغْشُوشٍ عَنْ جَيِّدٍ) مَعَ الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا (و) إخْرَاجُ (مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ) مَعَ الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا (و) إخْرَاجُ (سُودٍ عَنْ بِيضٍ مَعَ الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ قَدْرًا وَقِيمَةً وَكَمَا لَوْ أَدَّى مِنْ عَيْنِهِ وَالرِّبَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ.
(وَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ رَدِيءٍ عَنْ جَيِّدٍ فِي عَقْدٍ وَغَيْرِهِ) كَقِيمَةِ مُتْلِفِهِ، وَأَرْشِ جِنَايَةٍ لِانْصِرَافِ الْإِطْلَاقِ إلَى الْجَهْدِ (وَيَثْبُتُ الْفَسْخُ) فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إذَا بَانَ عِوَضُهُ الْمُعَيَّنُ مَعِيبًا، كَالْمَبِيعِ.
(وَيُضَمُّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ وَيَخْرُجُ عَنْهُ) لِأَنَّ مَقَاصِدَهُمَا وَزَكَاتَهُمَا مُتَّفِقَةٌ، فَهُمَا كَنَوْعَيْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَاضِرٍ وَدَيْنٍ.
(وَيَكُونُ الضَّمُّ بِالْأَجْزَاءِ) كَالنِّصْفِ وَالرُّبْعِ، وَ(لَا) يَكُونُ الضَّمُّ (بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّ الضَّمَّ بِالْأَجْزَاءِ مُتَيَقَّنٌ بِخِلَافِ الْقِيمَةِ، فَإِنَّهُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ (فَعَشَرَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبًا نِصْفُ نِصَابٍ، وَمِائَةُ دِرْهَمٍ) فِضَّةً (نِصْفُ) نِصَابٍ (فَإِذَا ضُمَّا) أَيْ النِّصْفَانِ (كَمُلَ النِّصَابُ) فَتَجِبُ الزَّكَاةُ بِخِلَافِ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ وَتِسْعِينَ دِرْهَمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ فَلَا ضَمَّ (وَإِنْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا، ضُمَّ إلَيْهِ مَا نَقَصَ عَنْ الْآخَرِ).
وَإِنْ اخْتَارَ الْمَالِكُ الدَّفْعَ مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ، وَأَرَادَ الْفَقِيرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ لِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ لَمْ يَلْزَمْ الْمَالِكُ إجَابَتُهُ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا فُرِضَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُكَلِّفْ سِوَاهُ (وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْفُلُوسِ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهَا عُرُوضٌ.
(وَتُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ) الَّتِي لِلتِّجَارَةِ (إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا) قَالَ الْمُوَفَّقُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا كَمَنْ لَهُ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ وَمَتَاعٌ، قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ أُخْرَى، أَوْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَمَتَاعٌ، قِيمَتُهُ مِثْلُهَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي قِيمَةِ الْعُرُوضِ وَهِيَ تُقَوَّمُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَكَانَا مَعَ الْقِيمَةِ جِنْسًا وَاحِدًا (وَ) تُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ أَيْضًا (إلَيْهِمَا) فَلَوْ كَانَ لَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَعُرُوضٌ ضَمَّ الْجَمِيعَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ لِأَنَّ الْعَرْضَ مَضْمُومٌ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَوَجَبَ ضَمُّهُمَا إلَيْهِ.
(وَيُضَمُّ جَيِّدُ كُلِّ جِنْسٍ وَمَضْرُوبِهِ إلَى رَدِيئِهِ وَتِبْرِهِ) كَالْمَوَاشِي وَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَلِأَنَّهُ إذَا ضَمَّ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ هُنَا إلَى الْآخَرِ، فَضَمُّ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ أَوْلَى.