فصل: بَابُ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: في زكاة الحلي:

وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُعَدٍّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ أَوْ إعَارَةٍ، وَلَوْ لَمْ يُعَرْ أَوْ يُلْبَسْ حَيْثُ أُعِدَّ لِذَلِكَ (أَوْ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَرَجُلٍ يَتَّخِذُ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِإِعَارَتِهِنَّ وَامْرَأَةٍ تَتَّخِذُ حُلِيَّ الرِّجَالِ لِإِعَارَتِهِمْ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ» رَوَاه الطَّبَرَانِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتَيْ أَبِي بَكْرٍ وَلِأَنَّهُ مُرْصَدٌ لِلِاسْتِعْمَالِ الْمُبَاحِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْعَوَامِلِ وَثِيَابِ الْقِنْيَةِ وَمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ لِامْرَأَةٍ فِي يَدِهَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ هَلْ تُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا قَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد فَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» فَجَوَابُهُ: أَنَّهَا الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا يُعْلَمُ هَذَا الِاسْمُ فِي الْكَلَامِ الْمَعْقُولِ عِنْدَ الْعَرَبِ إلَّا عَلَى الدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ ذَاتِ السِّكَّةِ السَّائِرَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى تَقْدِيرِ الشُّمُولِ: يَكُونُ مَخْصُوصًا بِمَا ذَكَرْنَا.
وَ(لَا) تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَمَّنْ اتَّخَذَ حُلِيًّا (فَارًّا مِنْهَا) أَيْ الزَّكَاةُ، بَلْ تَلْزَمُهُ (وَإِنْ كَانَ) الْحُلِيُّ (لِيَتِيمٍ لَا يَلْبَسُهُ) الْيَتِيمُ (فَلِوَلِيِّهِ إعَارَتُهُ فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ أَعَارَهُ (فَلَا زَكَاةَ) فِيهِ (وَإِلَّا فَفِيهِ الزَّكَاةُ نَصًّا) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ.
(فَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ) كَطَوْقِ الرَّجُلِ وَسِوَارِهِ وَخَاتَمِهِ الذَّهَبِ، وَحِلْيَةِ مَرَاكِبِ الْحَيَوَانِ، وَلِبَاسِ الْخَيْلِ، كَاللُّجُمِ وَالسُّرُوجِ، وَقَلَائِدِ الْكِلَابِ وَحِلْيَةِ الرِّكَابِ وَالْمِرْآةِ وَالْمُشْطِ وَالْمُكْحُلَةِ وَالْمِيلِ وَالْمِسْرَحَةِ، وَالْمِرْوَحَةِ وَالْمِشْرَبَةِ وَالْمُدْهُنَةِ وَالْمِسْعَطِ وَالْمِجْمَرَةِ وَالْمِلْعَقَةِ وَالْقِنْدِيلِ، وَالْآنِيَةِ، وَحِلْيَةِ كُتُبِ الْعِلْمِ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ فَيُكْرَهُ تَحْلِيَتُهُ (وَ) حِلْيَةِ (الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ وَمَا أُعِدَّ لِكِرَاءٍ، كَحُلِيِّ الْمَوَاشِطِ نَصًّا حَلَّ لَهُ) أَيْ الْمُتَّخَذَةَ لِكِرَاءٍ (لَبِسَهُ أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ (أَوْ أُعِدَّ لِلتِّجَارَةِ، كَحُلِيِّ الصَّيَارِفِ، أَوْ) أُعِدَّ لِ (قِنْيَةٍ أَوْ ادِّخَارٍ أَوْ نَفَقَةٍ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَيْئًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ) إنْ بَلَغَ نِصَابًا لِأَنَّهَا إنَّمَا سَقَطَتْ فِي الْمُبَاحِ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِعْمَالِ لِصَرْفِهِ عَنْ جِهَةِ النَّمَاءِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ.
(وَلَا زَكَاةَ فِي الْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ، أَوْ كَانَ فِي حُلِيٍّ) كَسَائِرِ الْعُرُوضِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْحُلِيُّ (لِتِجَارَةٍ، فَيُقَوَّمُ جَمِيعُهُ) أَيْ مَا فِيهِ مِنْ جَوْهَرٍ وَلُؤْلُؤٍ وَغَيْرِهِمَا (تَبَعًا لِنَقْدٍ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْدٍ.
(وَالْفُلُوسُ: كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ فِيهَا زَكَاةُ الْقِيمَةِ) كَبَاقِي الْعُرُوضِ وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ زَكَاتِهَا مِنْهَا.
(قَالَ الْمَجْدُ: وَإِنْ كَانَتْ) الْفُلُوسُ (لِلنَّفَقَةِ فَلَا) زَكَاةَ فِيهَا كَعُرُوضِ الْقِنْيَةِ (وَالِاعْتِبَارِ فِي نِصَابِ الْكُلِّ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُبَاحٍ تَجِبُ فِيهِ وَمُحَرَّمٍ (بِوَزْنِهِ) لِعُمُومٍ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» (إلَّا) الْحُلِيَّ (الْمُبَاحَ الْمُعَدَّ لِلتِّجَارَةِ وَلَوْ نَقْدًا فَالِاعْتِبَارُ بِقِيمَتِهِ نَصًّا) كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ (فَيُقَوَّمُ النَّقْدُ) الْمُعَدُّ لِلتِّجَارَةِ (بِنَقْدٍ آخَرَ، إنْ كَانَ أَحَظَّ لِلْفُقَرَاءِ، أَوْ نَقَصَ عَنْ نِصَابٍ لِأَنَّهُ عَرَضٌ) أَيْ مَالُ تِجَارَةٍ.
(وَإِنْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ وَأَمْكَنَ لُبْسُهُ، كَانْشِقَاقِهِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ تَرْكَ لُبْسِهِ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لُبْسُهُ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ فِي إصْلَاحِهِ إلَى سَبْكٍ وَتَجْدِيدِ صِنَاعَةٍ وَنَوَى إصْلَاحَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) كَالصَّحِيحِ.
هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ نِيَّةَ إصْلَاحٍ وَلَا غَيْرِهَا وَذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا فَقَالَ: مَا لَمْ يَنْوِ كَسْرَهُ فَيُزَكِّيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّهُ يُزَكِّيهِ وَلَوْ نَوَى إصْلَاحَهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَلَمْ يَذْكُرْ نِيَّةَ إصْلَاحٍ وَلَا غَيْرِهَا قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ قَالَ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى: فَإِنْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ كَسْرًا لَا يَمْنَعُ اللُّبْسَ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ تَرْكَ لُبْسِهِ وَإِنْ كَانَ كَسْرًا يَمْنَعُ الِاسْتِعْمَالَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ صَارَ كَالنَّقْرَةِ (وَإِنْ نَوَى كَسْرَهُ) أَيْ الْحُلِيِّ (أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ) كَالنُّقْرَةِ.
(وَإِنْ احْتَاجَ إلَى تَجْدِيدِ صَنْعَةٍ زَكَّاهُ) إلَى أَنْ يُجَدِّدَ صَنْعَتَهُ، كَالسَّبِيكَةِ الَّتِي يُرِيدُ جَعْلَهَا حُلِيًّا (وَالِاعْتِبَارُ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ: بِوَزْنِهِ).
وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِوَاسِطَةِ صَنْعَةٍ مُحَرَّمَةٍ، يَجِبُ إتْلَافُهَا شَرْعًا، فَلَمْ تُعْتَبَرْ (وَإِنْ كَانَ) الْحُلِيُّ (لِلتِّجَارَةِ) فَالِاعْتِبَارُ فِي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ مَالُ تِجَارَةٍ (أَوْ كَانَ) الْحُلِيُّ (مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ، وَجَبَتْ زَكَاتُهُ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالٍ، أَوْ لِعَدَمِ إعَارَةٍ وَنَحْوِهِ) كَنِيَّتِهِ بِهِ الْقِنْيَةَ (فَالِاعْتِبَارُ فِي الْإِخْرَاجِ) مِنْهُ (بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهِ وَزْنًا لَفَاتَتْ الصَّنْعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ شَرْعًا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ (فَإِنْ أَخْرَجَ مُشَاعًا) أَجْزَأَ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ (أَوْ) أَخْرَجَ (مِثْلَهُ وَزْنًا مِمَّا يُقَابِلُ جُودَتَهُ زِيَادَةُ الصَّنْعَةِ جَازَ) لِأَنَّهُ أَخْرَجَ قَدْرَ الْوَاجِبِ وَزْنًا وَقِيمَةً.
(وَإِنْ أَرَادَ كَسْرَهُ) لِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ (لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ كَسْرَهُ يُنْقِصُ قِيمَتَهُ) فَفِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ.
(وَيُبَاحُ لِلذَّكَرِ مِنْ الْفِضَّةِ خَاتَمٌ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَهُ خَاتَمٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِيهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْره وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، قِدَمُهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِقَصْدِ الزِّينَةِ جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ (وَلُبْسُهُ) أَيْ الْخَاتَمِ (فِي خِنْصَرِ يَسَارٍ أَفْضَلُ) مِنْ لُبْسِهِ فِي خِنْصَرِ الْيَمِينِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْفَضْلِ وَإِنَّهُ أَقَرُّ وَأَثْبَتُ وَضُعِّفَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَغَيْرِهِ: التَّخَتُّمُ فِي الْيُمْنَى قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ: الْمَحْفُوظُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، وَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ فِي الْخِنْصَرِ، لِكَوْنِهِ طَرَفًا، فَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ الِامْتِهَانِ، فِيمَا تَتَنَاوَلُهُ الْيَدُ.
وَلِأَنَّهُ لَا يَشْغَلُ الْيَدَ عَمَّا تَتَنَاوَلُهُ (وَ) الْأَفْضَلُ: أَنْ (يَجْعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي ظَهْرَ كَفِّهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ يَجْعَلُهُ مِمَّا يَلِي ظَهْرِ كَفّه قَالَ فِي الْفُرُوعِ (وَلَا بَأْسَ بِجَعْلِهِ مِثْقَالًا فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَحْدِيدٌ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ) وَإِلَّا حَرُمَ لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ، خَرَجَ الْمُعْتَادُ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِ الصَّحَابَة.
(وَ) لَهُ (جَعْلُ فَصَّهُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) لِأَنَّ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ فَصُّهُ مِنْهُ» وَلِمُسْلِمِ «كَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا» (وَلَوْ) كَانَ فَصُّهُ (مِنْ ذَهَبٍ، إنْ كَانَ يَسِيرًا) فَيُبَاحُ، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِإِبَاحَةِ يَسِيرِ الذَّهَبِ فِي اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْمَجْدِ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَقَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: التَّحْرِيمَ، وَقَطَعَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فِي بَابِ الْآنِيَةِ.
(وَيُكْرَهُ لُبْسُهُ فِي سَبَّابَةٍ وَوُسْطَى) لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْ ذَلِكَ (وَظَاهِرُهُ: لَا يُكْرَهُ) لُبْسُهُ (فِي الْإِبْهَامِ وَالْبِنْصِرِ) وَإِنْ كَانَ الْخِنْصَرُ أَفْضَلَ، اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْبِنْصِرُ: بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالصَّادِ، قَالَهُ فِي حَاشِيَتِهِ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ) أَيْ الْخَاتَمِ ذِكْرُ اللَّهِ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ نَصًّا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ لَا يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فِيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ أَحْمَدَ كَرِهَهُ لِذَلِكَ قَالَ وَلَمْ أَجِدْ لِلْكَرَاهَةِ دَلِيلًا سِوَى هَذَا، هِيَ تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (وَيَحْرُمُ أَنْ يُنْقَشَ عَلَيْهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ.
(وَيَحْرُمُ لُبْسُهُ) أَيْ الْخَاتَمِ (وَهِيَ) أَيْ الصُّورَةُ (عَلَيْهِ) كَالثَّوْبِ الْمُصَوَّرِ.
(وَيُبَاحُ التَّخَتُّمُ بِالْعَقِيقِ) قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: لَا يُسْتَحَبُّ.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَقَدْ سَأَلَهُ: مَا السُّنَّةُ يَعْنِي فِي التَّخَتُّمِ قَالَ: لَمْ تَكُنْ خَوَاتِيمُ الْقَوْمِ إلَّا مِنْ الْفِضَّةِ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يَصِحُّ فِي التَّخَتُّمِ بِالْعَقِيقِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ وَقَدْ ذَكَرَهَا كُلَّهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ، وَأَعَلَّهَا وَاسْتَحَبَّهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْآدَابِ، وَتَبِعَهُمْ فِي الْمُنْتَهَى، وَحَدِيثُ «تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ» ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا الْخَبَرُ فِي إسْنَادِهِ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ الَّذِي قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ وَبَاقِيهِ جَيِّدٌ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ مِنْ الْمَوْضُوعِ.
(وَيُكْرَهُ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ خَاتَمٌ حَدِيدٍ وَصُفْرٍ، وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَنَقَلَ مُهَنَّا: أَكْرَهُ خَاتَمَ الْحَدِيدِ لِأَنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ (وَكَذَا دُمْلُجٌ) مِنْ حَدِيدٍ أَوْ صُفْرٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخَاتَمِ وَجَوَّزَهُ أَبُو الْخَطَّابِ.
(وَيُبَاحُ لَهُ أَيْ الذَّكَرِ مِنْ الْفِضَّةِ: قَبِيعَةُ سَيْفٍ) لِقَوْلِ أَنَسٍ «كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِضَّةً» رَوَاه الْأَثْرَمُ وَالْقَبِيعَةُ: مَا يُجْعَلُ عَلَى طَرَفِ الْقُبْضَةِ وَلِأَنَّهُ حِلْيَةٌ مُعْتَادَةٌ لِلرَّجُلِ أَشْبَهَتْ الْخَاتَمَ (وَ) يُبَاحُ لَهُ حِلْيَةُ مِنْطَقَةٍ وَهِيَ مَا شَدَدْت بِهِ وَسَطَك قَالَهُ الْخَلِيلُ وَتُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ حِيَاصَةً، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّخَذُوا الْمَنَاطِقَ مُحَلَّاةً بِالْفِضَّةِ وَهِيَ كَالْخَاتَمِ، قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَكِتَابَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْحِيَاصَةِ وَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ مَكْرُوهَةٌ.
(وَ) يُبَاحُ لَهُ مِنْ الْفِضَّةِ حِلْيَةُ (جَوْشَنٍ وَبَيْضَةٍ وَهِيَ الْخُوذَةُ، وَحِلْيَةُ خُفٍّ وَحِلْيَة رَانٍ، وَهُوَ شَيْءٌ يُلْبَسُ تَحْتَ الْخُفِّ، وَحَمَائِلُ) وَاحِدَتُهَا حَمَّالَةٌ، قَالَهُ الْخَلِيلُ.
(وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَالْمِغْفَرِ وَالنَّعْلِ، وَرَأْسِ الرُّمْحِ وَشَعِيرَةِ السِّكِّينِ والتركاش، وَالْكَلَالِيبِ بِسَيْرٍ وَنَحْو ذَلِكَ) لِأَنَّهُ يُسَاوِي الْمِنْطَقَةَ مَعْنَى فَوَجَبَ أَنْ يُسَاوِيَهَا حُكْمًا وَعَلَّلَ الْمَجْدُ بِأَنَّهُ يَسِيرُ فِضَّةٍ فِي لِبَاسِهِ وَلِأَنَّهُ يَسِيرٌ تَابِعٌ، والتركاش وَالْكَلَالِيبُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ: وَغِشَاءُ الْقَوْسِ وَالنُّشَّابُ والغوفل، وَحِلْيَةُ الْمِهْمَازِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِرُكُوبِ الْخَيْلِ وَقَالَ: لَا حَدَّ لِلْمُبَاحِ مِنْ ذَلِكَ ذَلِكَ (وَلَوْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ عِدَّةَ خَوَاتِيمَ أَوْ) عِدَّةَ (مَنَاطِقَ) وَنَحْوِهَا (فَالْأَظْهَرُ جَوَازُهُ) إنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ.
(وَ) الْأَظْهَر (عَدَمُ) وُجُوبِ (زَكَاتِهِ) لِأَنَّهُ حُلِيٌّ أُعِدَّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ (وَ) الْأَظْهَرُ (جَوَازُ لُبْسِ خَاتَمَيْنِ فَأَكْثَرَ جَمِيعًا) إنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ كَحُلِيِّ الْمَرْأَةِ.
(وَتَحْرُمُ حِلْيَةُ مَسْجِدٍ وَمِحْرَابٍ بِنَقْدِ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِأَنَّهُ تَرَفٌ، وَيُفْضِي إلَى كَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ.
(وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطِ (قِنْدِيلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّة لَمْ يَصِحَّ) وَقْفُهُ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ.
(وَيَحْرُمُ) ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ الْآنِيَةِ.
(وَقَالَ الْمُوَفَّقُ) الشَّارِحُ (هُوَ) أَيْ وَقْفُهُ (بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ) بِهِ عَلَى الْمَسْجِدِ (فَيُكَسَّرُ، وَيُصْرَفُ فِي مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ وَعِمَارَتِهِ) تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْمُكَلَّفِ حَيْثُ أَمْكَنَ (وَيَحْرُمُ تَمْوِيهُ سَقْفٍ وَحَائِطٍ) وَنَحْوِهِ (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) لِأَنَّهُ سَرَفٌ، وَيُفْضِي إلَى الْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ (وَتَجِبُ إزَالَتُهُ) كَسَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ.
(وَ) تَجِبُ (زَكَاتُهُ) إنْ بَلَغَ نِصَابًا بِنَفْسِهِ، أَوْ ضَمَّهُ إلَى غَيْرِهِ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَ) النَّقْدَ فِيمَا مَوَّهَ بِهِ (فَلَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ) بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ (فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ) فَلَا فَائِدَةَ فِي إتْلَافِهِ وَإِزَالَتِهِ وَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز الْخِلَافَةَ أَرَادَ جَمْعَ مَا فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ مِمَّا مُوِّهَ بِهِ مِنْ الذَّهَبِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يُجْتَمَعُ مَنّهُ شَيْءٌ فَتَرَكَهُ (وَلَا يُبَاحُ مِنْ الْفِضَّةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الْأَصْحَابُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) بَيَانُهُ (فَلَا يَجُوزُ لِذَكَرٍ وَخُنْثَى لُبْسُ مَنْسُوجٍ بِذَهَبِ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ مُمَوَّهٍ بِأَحَدِهِمَا وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ) مُفَصَّلًا.
(وَيُبَاحُ لَهُ) أَيْ الذَّكَرِ (مِنْ الذَّهَبِ: قَبِيعَةُ السَّيْفِ) لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ لَهُ سَيْفٌ فِيهِ سَبَائِكُ مِنْ ذَهَبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ كَانَ فِي سَيْفِهِ مِسْمَارٌ مِنْ ذَهَبٍ ذَكَرَهُمَا أَحْمَدُ.
(وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةُ مَثَاقِيلَ) وَحَكَاهُ فِي الْمُبْدِعِ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَلِكَ.
(وَ) يُبَاحُ لِلذَّكَرِ مِنْ ذَهَبٍ (مَا دَعَتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ كَأَنْفٍ) وَإِنْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهُ مِنْ فِضَّةٍ لِأَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ «قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكِلَابِ، فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالْحِكْمَةُ فِي الذَّهَبِ أَنَّهُ لَا يَصْدَأُ بِخِلَافِ الْفِضَّةِ (وَكَرَبْطِ سِنٍّ أَوْ أَسْنَانٍ بِهِ) لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ وَأَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ وَأَبِي رَافِعٍ ثَابِتٍ اسْتَرْقُوا وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ زَيْدٍ بْنِ ثَابِتٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ شَدُّوا أَسْنَانَهُمْ بِالذَّهَبِ وَهِيَ ضَرُورَةٌ فَأُبِيحَ كَالْأَنْفِ.
(وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ، كَطَوْقٍ وَخَلْخَالٍ وَسِوَارٍ وَدُمْلُجٍ وَقُرْطٍ) فِي أُذُنٍ.
(وَعِقْدٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (وَهُوَ الْقِلَادَةُ، وَتَاجٍ وَخَاتَمٍ وَمَا فِي الْمُخَانِقِ وَالْمَقَالِدِ مِنْ حَرَائِزَ وَتَعَاوِيذَ وَأُكَرٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَوْ زَادَ عَلَى أَلْفِ مِثْقَالٍ، حَتَّى دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ مُعَرَّاةٍ) أَيْ ذَاتِ عُرَى جَمْعُ عُرْوَةٍ (أَوْ فِي مُرْسَلَةٍ) أَيْ قِلَادَةٍ طَوِيلَةٍ تَقَعُ عَلَى الصَّدْرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى التَّجْمِيلِ وَالتَّزَيُّنِ لِزَوْجِهَا وَظَاهِرِهِ: أَنَّ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِلُبْسِهِ كَالنِّعَالِ الْمُذَهَّبَةِ: لَا يُبَاحُ لَهُنَّ، لِانْتِفَاءِ التَّجْمِيلِ فَلَوْ اتَّخَذَتْهُ حَرُمَ وَفِيهِ الزَّكَاةُ.
(وَيُبَاحُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ التَّحَلِّي بِالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ) كَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ (وَلَوْ فِي حُلِيٍّ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ) لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلِاسْتِعْمَالِ، كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ (إلَّا أَنْ يُعَدَّ) الْجَوْهَرُ وَنَحْوُهُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْحُلِيِّ (لِلْكِرَاءِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ) فَيَقُومُ مَا فِيهِ مِنْ الْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهِ تَبَعًا لِلنَّقْدِ لِأَنَّهُ مَالُ تِجَارَةٍ (كَمَا تَقَدَّمَ) فِي الْبَابِ.
(وَيَحْرُمُ تَشَبُّهُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ وَتَشَبُّهُ امْرَأَةٍ بِرَجُلٍ فِي لِبَاسٍ وَغَيْرِهِ) كَكَلَامٍ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِلَعْنِ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِالْكَرَاهَةِ (وَيَجِبُ إنْكَارُهُ) بِالْيَدِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِاللِّسَانِ مَعَ أَمْنِ الْعَاقِبَةِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ كَسَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ (وَتَقَدَّمَ) فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَشَبُّهُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ.

.بَابُ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ:

الْعُرُوض جَمْعُ عَرْضٍ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ مَا عَدَا الْأَثْمَانِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَبِفَتْحِهَا: كَثْرَةُ الْمَالِ وَالْمَتَاعِ وَسُمِّيَ عَرَضًا لِأَنَّهُ يَعْرِضُ ثُمَّ يَزُولُ وَيَفْنَى وَقِيلَ لِأَنَّهُ يُعْرَضُ لِيُبَاعَ وَيُشْتَرَى تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ كَتَسْمِيَةِ الْمَعْلُومِ عِلْمًا وَفِي اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ: الْعَرَضُ بِفَتْحَتَيْنِ: مَا لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ تَبَعًا لِلْخِرَقِيِّ: بِزَكَاةٍ كَالتِّجَارَةِ وَهِيَ أَشْمَلُ لِدُخُولِ النَّقْدَيْنِ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ عَدَلَ الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَبَّرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ تَعْدَادِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ: بِالْعُرُوضِ وَلِذَلِكَ قَالَ (وَهِيَ مَا يُعَدُّ لِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ، لِأَجْلِ رِبْحٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ غَالِبًا) فَلَا يَرِدُ أَنَّ النَّقْدَيْنِ قَدْ يَعُدَّانِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ.
(تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ إذَا بَلَغْت قِيمَتُهَا نِصَابًا) فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ وَادَّعَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ إجْمَاعٌ مُتَقَدِّمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} وَقَوْلِهِ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وَمَالُ التِّجَارَةِ أَعَمُّ الْأَمْوَالِ فَكَانَ أَوْلَى بِالدُّخُولِ وَلِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا «وَفِي الْبَزِّ صَدَقَةٌ» رَوَاه أَحْمَدُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُمَا وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عُمَرَ لِحَمَاسٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَالَ: مَا لِي إلَّا جِبَابٌ وَأُدْمٌ فَقَالَ: قَوِّمْهَا وَأَدِّ زَكَاتَهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَعِيدٌ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ مَشْهُورٌ لِأَنَّهُ مَالٌ نَامٍ فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالسَّائِمَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ» الْمُرَادُ بِهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ لَا الْقِيمَةِ عَلَى أَنَّ خَبَرَنَا خَاصٌّ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ وَقَالَ دَاوُد: لَا زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ (وَيُؤْخَذُ) الْوَاجِبُ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقِيمَةِ (لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْوُجُوبِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ فَبِحِسَابِهِ وَيُعْتَبَرُ الْحَوْلُ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَ(لَا) يُؤْخَذُ مِنْ الْعُرُوضِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلَّ الْوُجُوبِ، فَإِخْرَاجُهَا كَالْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ.
(وَلَا تَصِيرُ) الْعُرُوضِ (لِلتِّجَارَةِ إلَّا) بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا (أَنْ يَمْلِكَهَا بِفِعْلِهِ) بِخِلَافِ الْإِرْثِ وَنَحْوِهِ، مِمَّا يَدْخُلُ قَهْرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِهَاتِ التِّجَارَةِ الثَّانِي: الْمُنَبَّهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ حَالَ التَّمَلُّكِ بِأَنْ يَقْصِدَ التَّكَسُّبَ بِهَا) لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالتِّجَارَةُ عَمَلٌ فَوَجَبَ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ، كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَلِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ فِي الْأَصْلِ لِلِاسْتِعْمَالِ، فَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، كَعَكْسِهِ وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ فِي جَمِيعِهِ، فَوَجَبَ كَالنِّصَابِ ثُمَّ أَخَذَ يُفَصِّلُ مِلْكَهُ إيَّاهَا فَقَالَ (إمَّا بِمُعَاوَنَةٍ مَحْضَةٍ) أَيْ خَالِصَةٍ (كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ بِمَالٍ، وَلِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَالْهِبَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلثَّوَابِ) أَيْ الْمَشْرُوطِ فِيهَا عِوَضٌ مَعْلُومٌ (أَوْ اسْتَرَدَّ مَا بَاعَهُ) بِإِقَالَةٍ أَوْ إعْسَارِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَنَحْوِهِ، بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ (أَوْ) بِمُعَاوَضَةٍ (غَيْرِ مَحْضَةٍ، كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) وَعِوَضِ الْخُلَعِ (أَوْ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ، كَالْهِبَةِ الْمُطْلَقَةِ) الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا ثَوَابٌ (وَالْغَنِيمَةُ وَالْوَصِيَّةُ، وَالِاحْتِشَاشُ وَالِاحْتِطَابُ وَالِاصْطِيَادُ).
لِعُمُومِ خَبَرِ سَمُرَةَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِمَّا نَعُدُّهُ لِلْبَيْعِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَادِهِ جَعْفَرٌ وَخُبَيْبٌ مَجْهُولَانِ قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ: إسْنَادُهُ مُقَارِبٌ (فَإِنْ مَلَكَهَا بِإِرْثٍ) وَمِثْلِهِ: عَوْدُهَا إلَيْهِ بِطَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفَسَخَ مِنْ قِبَلِهَا، لَا مِنْ قِبَلِهِ، وَمَضَى حَوْلَ التَّعْرِيفِ فِي اللُّقْطَةِ، لَمْ تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، فَجَرَى مَجْرَى الِاسْتِدَامَةِ (أَوْ مِلْكًا بِفِعْلِهِ بِغَيْرِ نِيَّةِ) التِّجَارَةِ (ثُمَّ نَوَى التِّجَارَةَ بِهَا لَمْ تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ) لِفَقْدِ الشَّرْطِ الثَّانِي (إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا بِعَرْضِ تِجَارَةٍ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ) التِّجَارَةِ، بَلْ يَكْفِيهِ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا، بِأَنْ لَا يَنْوِيَهَا لِلْقِنْيَةِ.
(وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ لِلتِّجَارَةِ، فَنَوَاهُ لِلْقُنْيَةِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا: الْإِمْسَاكُ لِلِانْتِفَاعِ دُونَ التِّجَارَةِ (ثُمَّ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ) لِأَنَّ الْقِنْيَةَ هِيَ الْأَصْلُ فَيَكْفِي فِي الرَّدِّ إلَيْهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ.
وَلِأَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فِيهَا فَإِذَا نَوَى الْقِنْيَةَ زَالَتْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فَفَاتَ شَرْطُ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ السَّائِمَةِ إذَا نَوَى عَلْفَهَا فَإِنَّ الشَّرْطَ السَّوْمُ دُونَ نِيَّتِهِ (إلَّا حُلِيَّ اللُّبْسِ، إذَا نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ فَيَصِيرُ لَهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّ التِّجَارَةَ الْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُلِيِّ فَإِذَا نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ فَقَدْ رَدَّهُ إلَى الْأَصْلِ.
(وَتُقَوَّمُ الْعُرُوض) الَّتِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهَا (عِنْدَ تَمَامِ) الْحَوْلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ (بِالْأَحَظِّ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ وُجُوبًا مِنْ عَيْنٍ) أَيْ ذَهَبٍ (أَوْ وَرِقٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْوَرِقُ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ، وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَرَقٌ كَوَتِدٍ، وَوَرْقٌ كَفَلْسٍ، وَوَرَقٌ كَقَلَمٍ وَرِقَةٌ كَعِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَ) الْأَحَظُّ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْآخِذِ (أَوَّلًا) أَيْ أَوْ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ لِحَظِّ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَتُقَوَّمُ بِالْأَحَظِّ لَهُمْ وَسَوَاءٌ بَلَغْت قِيمَتُهَا أَيْ الْعُرُوضِ (بِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْعَيْنِ وَالْوَرِقِ نِصَابًا، (أَوْ) بَلَغْت نِصَابًا (بِأَحَدِهِمَا) دُونَ الْآخَرِ (وَلَا يُعْتَبَرُ مَا اشْتَرَيْت بِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ وَرِقٍ، لَا قَدْرًا وَلَا جِنْسًا) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لِأَنَّ فِي تَقْوِيمِهَا بِمَا اُشْتُرِيَتْ بِهِ إبْطَالًا لِلتَّقْوِيمِ بِالْأَنْفَعِ.
فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا بِالدَّرَاهِمِ فَقَطْ قُوِّمَتْ بِهَا وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِالذَّهَبِ وَكَذَا عَكْسُهُ (وَلَا عِبْرَةَ بِنَقْصِهِ) أَيْ مَا قُوِّمَتْ بِهِ (بَعْدَ تَقْوِيمِهِ) إذَا كَانَ التَّقْوِيمُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ اسْتَقَرَّتْ كَمَا لَوْ تَلِفَ النِّصَابُ وَأَوْلَى (وَلَا) عِبْرَةَ بِزِيَادَتِهِ أَيْ زِيَادَةِ مَا قُوِّمَتْ بِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلُ، لِتَجَدُّدِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ، بَلْ يُعْتَمَدُ بِهِ فِي الْقَابِلِ (إلَّا الْمُغَنِّيَةَ، فَتُقَوَّمُ سَاذَجَةً) لِأَنَّ صَنْعَةَ مَعْرِفَةِ الْغِنَاءِ لَا قِيمَةَ لَهَا وَكَذَا الزَّامِرَةُ وَالضَّارِبَةُ عَلَى آلَةِ لَهْوٍ وَكُلُّ ذِي صِنَاعَةٍ مُحَرَّمَةٍ (وَلَا عِبْرَةَ بِقِيمَةِ آنِيَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) لِتَحْرِيمِهَا وَكَذَا رِكَابٌ وَسَرْجٌ وَلِجَامٌ وَنَحْوُهُ مُحَلًّى (وَيُقَوَّمُ الْخَصِيُّ) عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ (بِصِفَتِهِ) لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الْفِعْلُ وَقَدْ انْقَطَعَ لِاسْتِدَامَتِهِ.
(وَإِنْ اشْتَرَى) أَوْ بَاعَ (عَرْضًا) لِلتِّجَارَةِ (بِنِصَابٍ مِنْ الْأَثْمَانِ، أَوْ مِنْ الْعُرُوضِ بُنِيَ عَلَى حَوْلِهِ) أَيْ حَوْلِ الْأَوَّلِ وِفَاقًا لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِالْقِيمَةِ، وَهِيَ لِلْأَثْمَانِ وَالْأَثْمَانُ يُبْنَى حَوْلَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلِأَنَّ وَضْعَ التِّجَارَةِ لِلتَّقَلُّبِ وَالِاسْتِبْدَالِ بِثَمَنٍ وَعَرْضٍ فَلَوْ لَمْ يَبْنِ بَطَلَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ نِصَابًا، فَحَوَّلَهُ مِنْ حِينِ كَمُلَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا لَا مِنْ حِينِ اشْتَرَاهُ.
(وَإِنْ اشْتَرَاهُ) أَيْ عَرْضَ التِّجَارَةِ (بِنِصَابٍ مِنْ السَّائِمَةِ أَوْ بَاعَهُ) أَيْ عَرْضَ التِّجَارَةِ (بِنِصَابٍ مِنْهَا) أَيْ السَّائِمَةِ (لَمْ يَبْنِ عَلَى حَوْلِهِ) لِاخْتِلَافِهِمَا فِي النِّصَابِ وَالْوَاجِبُ (وَإِنْ اشْتَرَى نِصَابَ سَائِمَةٍ لِتِجَارَةٍ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ لِقِنْيَةٍ بَنَى عَلَى حَوْلِهِ لِأَنَّ السَّوْمَ سَبَبٌ لِلزَّكَاةِ، قُدِّمَ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِقُوَّتِهِ، فَبِزَوَالِ الْمُعَارِضِ ثَبَتَ حُكْمُ السَّوْمِ لِظُهُورِهِ (وَإِنْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِتِجَارَةِ، فَحَالَ الْحَوْلُ) عَلَيْهِ (وَالسَّوْمُ وَنِيَّةُ التِّجَارَةِ مَوْجُودَانِ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ تِجَارَةٍ، دُونَ) زَكَاةِ سَوْمٍ) لِأَنَّ وَضْعَ التِّجَارَةِ عَلَى التَّقْلِيبِ فَهِيَ تُزِيلُ سَبَبَ زَكَاةِ السَّوْمِ وَهُوَ الِاقْتِنَاءُ لِطَلَبِ النَّمَاءِ مَعَهُ وَاقْتَصَرَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْأَحَظِّ.
(وَلَوْ سَبَقَ حَوْلُ سَوْمٍ وَقْتَ وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، مِثْلُ أَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً قِيمَتُهَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، ثُمَّ صَارَتْ قِيمَتُهَا فِي نِصْفِ الْحَوْلِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ زَكَّاهَا زَكَاةَ تِجَارَةٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا لِأَنَّهُ أَنْفَعْ لِلْفُقَرَاءِ) مِنْ زَكَاةِ السَّوْمِ (فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابَ التِّجَارَةِ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّوْمِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِلَا خِلَافٍ، لِوُجُودِ سَبَبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، بِلَا مُعَارِضٍ فَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً لِلتِّجَارَةِ، لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابَ نَقْدٍ زَكَّاهَا لِلسَّوْمِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ.
(وَلَوْ مَلَكَ سَائِمَةً لِلتِّجَارَةِ نِصْفَ حَوْلٍ، ثُمَّ قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ) فِيهَا (اسْتَأْنَفَ) بِهَا (حَوْلًا مِنْ قَطْعِ النِّيَّةِ) لِأَنَّ حَوْلَ التِّجَارَةِ انْقَطَعَ بِقَطْعِ النِّيَّةِ وَحَوْلُ السَّوْمِ لَا يَنْبَنِي عَلَى حَوْلِ التِّجَارَةِ.
(وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا لِتِجَارَةٍ يَزْرَعُهَا) وَبَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا، زَكَّى الْجَمِيعَ زَكَاةَ قِيمَةٍ (أَوْ) اشْتَرَى أَرْضًا لِتِجَارَةٍ، وَ(زَرْعًا بِبَذْرِ تِجَارَةٍ) زَكَّى لِلْجَمِيعِ زَكَاةَ قِيمَةٍ، إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا (أَوْ اشْتَرَى شَجَرًا لِتِجَارَةٍ، تَجِبُ فِي ثَمَرِهِ الزَّكَاةُ) كَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ (فَأَثْمَرَ وَاتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا، بِأَنْ يَكُونَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرَةِ، وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ: عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ) أَيْ حَوْلِ التِّجَارَةِ وَفِي تَسْمِيَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ حَوْلًا: تَسَمُّحٌ.
(وَكَانَتْ قِيمَةُ الْأَصْلِ) أَيْ الشَّجَرِ تَبْلُغُ نِصَابَ التِّجَارَةِ زَكَّى الْجَمِيعَ زَكَاةَ قِيمَةٍ لِأَنَّهُ مَالُ تِجَارَةٍ فَوَجَبَ زَكَاتُهَا كَالسَّائِمَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّمَرَ وَالزَّرْعَ جُزْءُ الْخَارِجِ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُقَوَّمَ مَعَ الْأَصْلِ، كَالسِّخَالِ، وَالرِّبْحِ الْمُتَجَدِّدِ، إذَا كَانَتْ الْأُصُولُ لِلتِّجَارَةِ.
(وَ) كَذَا (لَوْ سَبَقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ) بِأَنْ كَانَ بُدُوُّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِ التِّجَارَةِ فَيُزَكِّي زَكَاةَ قِيمَةٍ (وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَاجْتَمَعَ فِي مَالٍ وَاحِدٍ زَكَاتَانِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمَالِكِ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا (مَا لَمْ تَكُنْ قِيمَتُهَا) أَيْ الْأَرْضِ بِزَرْعِهَا أَوْ الشَّجَرِ (دُونَ نِصَابٍ كَمَا تَقَدَّمَ) فِي السَّائِمَةِ (فَإِنْ كَانَتْ) قِيمَتُهَا (دُونَ نِصَابٍ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ) لِوُجُودِ سَبَبِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَهُوَ أَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ.
(وَلَوْ زَرَعَ بَذْرًا لِقِنْيَةٍ فِي أَرْضِ التِّجَارَةِ فَوَاجِبُ الزَّرْعِ: الْعُشْرُ) لِأَنَّهُ لِلْقِنْيَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ (وَوَاجِبُ الْأَرْضِ: زَكَاةُ الْقِيمَةِ) لِأَنَّهَا مَالُ تِجَارَةٍ وَمُقْتَضَى الْمُنْتَهَى: أَنَّ الْكُلَّ يُزَكَّى زَكَاةَ قِيمَةٍ لِأَنَّ الزَّرْعَ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ (وَإِنْ زَرَعَ بَذْرَ التِّجَارَةِ فِي أَرْضِ الْقِنْيَةِ زَكَّى الزَّرْعَ زَكَاةَ قِيمَةٍ) لِأَنَّهُ مَالُ تِجَارَةٍ.
(وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ، كَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ، وَنَحْوِهِمَا) كَالْمِشْمِشِ وَالزَّيْتُونِ وَالْكُمَّثْرَى (أَوْ كَانَ الزَّرْعُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، كَالْخَضْرَاوَاتِ) مِنْ بِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ وَخِيَارٍ (أَوْ كَانَ لِعَقَارِ التِّجَارَةِ وَعَبِيدِهَا) وَدَوَابِّهَا (أُجْرَةٌ ضَمَّ قِيمَةَ الثَّمَرَةِ وَالْخَضْرَاوَاتِ وَالْأُجْرَةِ إلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ كَالرِّبْحِ) لِأَنَّهُ نَمَاءٌ.
(وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ شِرَاءِ عَقَارٍ فَارًّا مِنْ الزَّكَاةِ زَكَّى قِيمَتَهُ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَهُوَ الصَّوَابُ مُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ مَقْصُودِهِ كَالْفَارِّ مِنْ الزَّكَاةِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، أَوْ صَرِيحُهُ: لَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَلَا زَكَاةَ فِيمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ مِنْ عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِهِمَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِ تِجَارَةٍ (وَلَوْ اشْتَرَى شِقْصًا لِلتِّجَارَةِ بِأَلْفٍ فَصَارَ عِنْدَ الْحَوْلِ بِأَلْفَيْنِ زَكَّاهُمَا) أَيْ الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا قِيمَتُهُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ.
(وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ) لِأَنَّهُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِهِ وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي لِعَيْبٍ فِيهِ، رَدَّهُ بِأَلْفٍ (وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ، فَصَارَ عِنْدَ حَوْلِهِ بِأَلْفٍ زَكَّى أَلْفًا) لِأَنَّهُ قِيمَتُهُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ.
(وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِأَلْفَيْنِ) لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ لِعَيْبِهِ رَدَّهُ بِأَلْفَيْنِ (وَإِنْ اشْتَرَى صَبَّاغٌ مَا يُصْبَغُ بِهِ، وَيَبْقَى) أَثَرُهُ (كَزَعْفَرَانٍ وَنِيلٍ وَعُصْفُرٍ وَنَحْوِهِ) كَلَكٍّ وَبُقَّمٍ وَفُوَّةٍ (فَهُوَ عَرْضُ تِجَارَةٍ، يُقَوَّمُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ، لِاعْتِيَاضِهِ) أَيْ الصَّبَّاغِ (عَنْ صَبْغٍ قَائِمٍ بِالثَّوْبِ فَفِيهِ مَعْنَى التِّجَارَةِ وَمِثْلُهُ مَا يَشْتَرِيهِ دَبَّاغٌ لِيَدْبُغَ، كَعَفْصٍ وَقَرَظٍ وَمَا يُدْهَنُ بِهِ، كَسَمْنِ وَمِلْحٍ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَلَا زَكَاةَ فِيمَا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ كَمَا يَشْتَرِيهِ قَصَّارٌ مِنْ حَطَبٍ وَقِلْيٍ وَنُورَةٍ وَصَابُونٍ وَأُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ) كَنَطْرُونٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَاضُ عَنْ شَيْءٍ يُقَوَّمُ بِالثَّوْبِ وَإِنَّمَا يُعْتَاضُ عَنْ عَمَلِهِ.
(وَلَا زَكَاةَ فِي آلَاتِ الصُّنَّاعِ، وَأَمْتِعَةِ التِّجَارَةِ وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِ وَالسَّمَّانِ وَنَحْوِهِمْ) كَالزَّيَّاتِ وَالْعَسَّالِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ بَيْعَهَا) أَيْ الْقَوَارِيرَ (بِمَا فِيهَا) فَيُزَكِّي الْكُلَّ لِأَنَّهُ مَالُ تِجَارَةٍ.
(وَكَذَا آلَاتُ الدَّوَابِّ إنْ كَانَتْ لِحِفْظِهَا) فَلَا زَكَاةَ فِيهَا لِأَنَّهَا لِلْقِنْيَةِ (وَإِنْ كَانَ يَبِيعُهَا مَعَهَا فَهِيَ مَالُ تِجَارَةٍ) يُزَكِّيهَا (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا مَلَكَهُ) لِلتِّجَارَةِ (عَيْنَ مَالٍ، بَلْ مَنْفَعَةُ عَيْنٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ) فِي قِيمَتِهَا، إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا بِنَفْسِهَا أَوْ بِضَمِّهَا إلَى غَيْرِهَا، كَالْأَعْيَانِ لِأَنَّهَا مَالُ تِجَارَةٍ.
(وَلَوْ قُتِلَ عَبْدُ تِجَارَةٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، فَصَالَحَ سَيِّدُهُ عَلَى مَالٍ صَارَ) الْمَالُ (لِلتِّجَارَةِ) بِاسْتِصْحَابِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ، كَمَا لَوْ اعْتَاضَ عَنْهُ (وَلَوْ اتَّخَذَ عَصِيرًا لِلتِّجَارَةِ فَتَخَمَّرَ) الْعَصِيرُ (ثُمَّ تَخَلَّلَ عَادَ حُكْمُ التِّجَارَةِ) بِاسْتِصْحَابِ الْيَدِ، كَالرَّهْنِ.
(وَلَوْ اشْتَرَى عَرْضَ تِجَارَةٍ بِعَرْضِ قِنْيَةٍ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ) أَوْ غَيْرِهِ (انْقَطَعَ الْحَوْلُ) لِقَطْعِهِ نِيَّةَ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَرَدَّهُ هُوَ لِعَيْبِ الثَّمَرِ وَنَحْوِهِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ، وَتَقَدَّمَ (وَإِذَا أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ) أَيْ الْآذِنِ (فَأَخْرَجَاهَا مَعًا، أَوْ جَهِلَ السَّبْقَ، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ حُكْمًا وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ) وَالْعَزْلُ حُكْمًا، الْعِلْمُ فِيهِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدٍ، فَبَاعَهُ الْمُوَكَّلُ، أَوْ أَعْتَقَهُ، وَحِينَئِذٍ يَقَعُ الدَّفْعُ إلَى الْفَقِيرِ تَطَوُّعًا وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِهِ، فَيَتَحَقَّقُ التَّفْوِيتُ بِفِعْلِ الْمُخْرَجِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ لِمَا إذَا أَخْرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا زَكَاةَ نَفْسِهِ فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا إذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالْإِخْرَاجِ، وَجَهِلَ، أَوْ نَسِيَ، فَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ إخْرَاجَ الْمُخْرِجِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ بِخِلَافِ الْمُخْرِجِ عَنْ غَيْرِهِ.
وَأَيْضًا: الْأَصْلُ فِي الْقَابِضِ لِمَالِ غَيْرِهِ: الضَّمَانُ (وَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ) وَعَلِمَ وَلَمْ يَنْسَ (ضَمِنَ الثَّانِي) أَيْ الَّذِي أَخْرَجَ ثَانِيًا (نَصِيبَ) الْمُخْرِجِ (الْأَوَّلِ، عَلِمَ) الثَّانِي إخْرَاجَ الْأَوَّلِ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) بِهِ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ بِذَلِكَ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ وَالْعَزْلِ، كَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَالِكُ وَ(لَا) يَضْمَنْ (إنْ أَدَّى دَيْنًا بَعْدَ أَدَاءِ مُوَكَّلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ) بِأَدَاءِ مُوَكَّلِهِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ.
(وَ) لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ التَّفْوِيتُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ (يَرْجِعُ الْمُوَكَّلُ عَلَى الْقَابِضِ بِمَا قَبَضَ مِنْ الْوَكِيلِ) وَنَظِيرُ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ لَوْ كَانَ الْقَابِضُ مِنْهُمَا السَّاعِي وَالزَّكَاةُ بِيَدِهِ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ يَأْخُذُهَا مِنْهُ، مَا دَامَتْ بِيَدِهِ، وَلَا يَضْمَنُ وَكِيلُهُ لَهُ شَيْئًا لِعَدَمِ التَّفْوِيتِ (وَلَوْ أَذِنَ غَيْرُ شَرِيكَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَذِنَ (لِلْآخَرِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَ) هُمَا (كَالشَّرِيكَيْنِ فِيمَا سَبَقَ) مِنْ التَّفْصِيلِ لِلتَّسَاوِي فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلضَّمَانِ أَوْ عَدَمَهُ.
(وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ أَوْ لَا) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ مُوَكِّلِهِ بِخِلَافِ حَجِّ النَّائِبِ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهَا مَالِيَّةٌ، كَقَضَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ قَبْلَ دَيْنِهِ (بَلْ يُسْتَحَبُّ) أَنْ يَبْدَأَ بِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ أَوَّلًا مُسَارَعَةً لِلْخَيْرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْلُ بِالْفَوْرِيَّةِ، مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ وَإِلَّا فَيَأْتِي أَنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ وَاجِبٌ فَوْرًا (وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُوَكَّلِ أَنَّهُ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ قَبْلَ دَفْعِ وَكِيلِهِ إلَى السَّاعِي) لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ.
(وَ) يُقْبَلُ (قَوْلُ مَنْ دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى السَّاعِي (ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَخْرَجَهَا) قَبْلَ الدَّفْعِ إلَى السَّاعِي (وَتُؤْخَذُ مِنْ السَّاعِي) فِي الصُّورَتَيْنِ (إنْ كَانَتْ بِيَدِهِ) لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَكَاةٍ (فَإِنْ تَلِفَتْ) بِيَدِ السَّاعِي (أَوْ كَانَ) السَّاعِي (دَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ أَوْ كَانَا) أَيْ الْوَكِيلُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَرَبُّ الْمَالِ فِي الثَّانِيَةِ (دَفَعَا إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْفَقِيرِ (فَلَا) رُجُوعَ لِأَنَّهَا انْقَلَبَتْ تَطَوُّعًا كَمَنْ دَفَعَ زَكَاةً يَعْتَقِدُهَا عَلَيْهِ، فَلَمْ تَكُنْ (وَمَنْ لَزِمَهُ نَذْرُ وَزَكَاةٌ قَدَّمَ الزَّكَاةَ) لِوُجُوبِهَا بِأَصْلِ الشَّرْعِ (فَإِنْ قَدَّمَ النَّذْرَ لَمْ يَصِرْ زَكَاةً) لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَإِنَّمَا خُولِفَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ (وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ (الصَّدَقَةِ تَطَوُّعًا قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ) كَالصَّدَقَةِ قَبْلَ قَضَاءِ دَيْنِهِ، إنْ لَمْ يَضُرَّ بِغَرِيمِهِ.