فصل: بَابُ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّوْمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.بَابُ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّوْمِ:

(وَمَا يُسْتَحَبُّ فِي الصَّوْمِ وَحُكْمِ الْقَضَاءِ) أَيْ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنُّذُورِ، (لَا بَأْسَ بِابْتِلَاعِ الصَّائِمِ رِيقَهُ عَلَى جَارِي الْعَادَةِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ.
(وَيُكْرَهُ) لِلصَّائِمِ (أَنْ يَجْمَعَهُ) أَيْ: رِيقَهُ (وَيَبْتَلِعَهُ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفِطْرِ بِهِ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ: أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا (فَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ: جَمَعَ رِيقَهُ وَبَلَعَهُ (قَصْدًا لَمْ يُفْطِرْ)؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَجْمَعْهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْهُ وَابْتَلَعَهُ قَصْدًا لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَهُ، (إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ) أَيْ: رِيقَهُ (إلَى بَيْنِ شَفَتَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: أَخْرَجَهُ إلَى بَيْنَ شَفَتَيْهِ (أَوْ انْفَصَلَ) رِيقُهُ (عَنْ فَمِهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ) أَفْطَرَ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَ مَعْدِنَهُ مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، (أَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ أَفْطَرَ)؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ مِنْ خَارِجٍ.
(وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ فِيهِ حَصَاةً أَوْ خَيْطًا أَوْ نَحْوَهُ وَعَلَيْهِ) شَيْءٌ (مِنْ رِيقِهِ، ثُمَّ أَعَادَهُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَصَاةِ وَالدِّرْهَمِ وَالْخَيْطِ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ) مِنْ رِيقِهِ (كَثِيرٌ فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ)؛ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ مِنْ خَارِجٍ لَا يُشَقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ وَ(لَا) يُفْطِرُ (إنْ قَلَّ) مَا عَلَى الْحَصَاةِ أَوْ الْخَيْطِ أَوْ الدِّرْهَمِ أَوْ نَحْوِهِ؛ (لِعَدَمِ تَحَقُّقِ انْفِصَالِهِ)، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الصَّوْمِ.
(وَلَا إنْ أَخْرَجَ لِسَانَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ) وَعَلَيْهِ رِيقُهُ (وَبَلَعَ مَا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا)؛ لِأَنَّ الرِّيقَ الَّذِي عَلَى لِسَانِهِ لَمْ يُفَارِقْ مَحَلَّهُ بِخِلَافِ مَا عَلَى غَيْرِ اللِّسَانِ.
(وَتُكْرَهُ لَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ: «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» (وَتَقَدَّمَ) فِي الْوُضُوءِ.
(وَإِنْ تَنَجَّسَ فَمُهُ وَلَوْ بِخُرُوجِ قَيْءٍ وَنَحْوِهِ) كَقَلْسٍ (فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ قَلَّ) لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْفَمَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ فَيَقْتَضِي حُصُولَ الْفِطْرِ بِكُلِّ مَا يَصِلُ مِنْهُ، لَكِنْ عُفِيَ عَنْ الرِّيقِ لِلْمَشَقَّةِ، (وَإِنْ بَصَقَ وَبَقِيَ فَمُهُ نَجِسًا فَبَلَعَ رِيقَهُ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ بَلَعَ شَيْئًا نَجِسًا أَفْطَرَ) لِمَا سَبَقَ، (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ بَلَعَ نَجَسًا (فَلَا) فِطْرَ؛ إذْ لَا فِطْرَ بِبَلْعِ رِيقِهِ الَّذِي لَمْ تُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ.
(وَيَحْرُمُ) عَلَى الصَّائِمِ (بَلْعُ نُخَامَةٍ) إذَا حَصَلَتْ فِي فِيهِ لِلْفِطْرِ بِهَا، (وَيُفْطِرُ) الصَّائِمُ (بِهَا) إذَا بَلَعَهَا (سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جَوْفِهِ أَوْ صَدْرِهِ أَوْ دِمَاغِهِ بَعْدَ أَنْ تَصِلَ إلَى فَمِهِ)؛ لِأَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْفَمِ كَالْقَيْءِ.
(وَيُكْرَهُ لَهُ) أَيْ: الصَّائِمُ (ذَوْقُ الطَّعَامِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَلْقِهِ فَيُفَطِّرُهُ قَالَ أَحْمَدُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعَامِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَأَطْلَقُوا وَذَكَرَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِحَاجَةٍ وَمَصْلَحَةٍ وَاخْتَارَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَحَكَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَى ذَوْقِ الطَّعَامِ (وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ) أَيْ: الْمَذُوقِ (فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: فَعَلَى الْكَرَاهَةِ: مَتَى وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ لِإِطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ ا هـ وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ لَا فِطْرَ إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِلْحَاجَةِ.
(وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ)؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ وَيَجْلُو الْفَمَ وَيُورِثُ الْعَطَشَ (فَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ)؛ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ يُمْكِنْ التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
(وَيَحْرُمُ مَضْغُ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ) مِنْ عِلْكٍ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَاصِدًا لِإِيصَالِ شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ إلَى جَوْفِهِ مَعَ الصَّوْمِ وَهُوَ حَرَامٌ، (وَلَوْ لَمْ يَبْتَلِعْ رِيقَهُ) إقَامَةً لِلْمَظِنَّةِ مُقَامَ الْمَئِنَّةِ.
وَفِي الْمُقْنِعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ إلَّا أَنْ لَا يَبْتَلِعَ رِيقَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ إيصَالُ ذَلِكَ إلَى جَوْفِهِ وَلَمْ يُوجَدْ.
(وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ مِمَّنْ تُحَرَّكُ شَهْوَتُهُ) فَقَطْ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ: وَ«نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا شَابًّا، وَرَخَّصَ لِشَيْخٍ» حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَكَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسً بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
(وَإِنْ ظَنَّ الْإِنْزَالَ) مَعَ الْقُبْلَةِ لِفَرْطِ شَهْوَتِهِ (حَرُمَ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ (وَلَا تُكْرَهُ) الْقُبْلَةُ (مِمَّنْ لَا تُحَرَّكُ شَهْوَتُهُ) لِمَا سَبَقَ (وَكَذَا دَوَاعِي الْوَطْءِ كُلُّهَا) مِنْ اللَّمْسِ وَتَكْرَارِ النَّظَرِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْقُبْلَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
(وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ) أَيْ: الصَّائِمُ (بَقِيَّةَ طَعَامٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ) خَشْيَةَ أَنْ يَجْرِيَ رِيقُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ.
(وَ) يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ (شَمُّ مَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَجْذِبَهُ نَفَسُهُ إلَى حَلْقِهِ كَسَحِيقِ مِسْكٍ وَكَافُورٍ وَدُهْنٍ وَنَحْوِهَا) كَبَخُورِ عُودٍ وَعَنْبَرٍ.
(وَيَجِبُ اجْتِنَابُ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ وَشَتْمٍ) أَيْ: سَبٍّ (وَفُحْشٍ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هُوَ كُلُّ مَا اشْتَدَّ قُبْحُهُ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي (وَنَحْوُهُ كُلَّ وَقْتٍ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَوُجُوبِ اجْتِنَابِ ذَلِكَ (فِي رَمَضَانَ وَمَكَانٍ فَاضِلٍ آكِدٌ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمَعْنَاهُ: الزَّجْرُ وَالتَّحْذِيرُ؛ وَلِأَنَّ الْحَسَنَاتِ تَتَضَاعَفُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ الْفَاضِلَيْنِ، وَكَذَا السَّيِّئَاتُ عَلَى مَا يَأْتِي.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ وَلَا يُمَارِي) أَيْ: يُجَادِلَ (وَيَصُونُ صَوْمَهُ وَلَا يَغْتَبْ أَحَدًا) أَيْ: يَذْكُرُهُ بِمَا يَكْرَهُ بِهَذَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ الْغِيبَةُ فِي بَهْتٍ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَالْغِيبَةُ مُحَرَّمَةٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَتُبَاحُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ إلَّا بِهَا كَالتَّظَلُّمِ وَالِاسْتِفْتَاءِ وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَالتَّعْرِيفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَلَا يَعْمَلُ عَمَلًا يَجْرَحُ بِهِ صَوْمَهُ) وَكَانَ السَّلَفُ إذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسَاجِدِ وَقَالُوا: نَحْفَظُ صَوْمَنَا وَلَا نَغْتَابُ أَحَدًا (فَيَجِبُ كَفُّ لِسَانِهِ عَمَّا يَحْرُمُ) كَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهِمَا، (وَيُسَنُّ) كَفُّهُ (عَمَّا يُكْرَهُ) قُلْت: وَعَنْ الْمُبَاحِ أَيْضًا لِحَدِيثِ «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» (وَلَا يُفْطِرُ بِغِيبَةٍ وَنَحْوِهَا).
قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ كَانَتْ الْغِيبَةُ تُفْطِرُ مَا كَانَ لَنَا صَوْمٌ وَذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ إجْمَاعًا، ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا يُفْطِرُ بِغِيبَةٍ وَنَمِيمَة وَنَحْوِهِمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ احْتِمَالٌ يُفْطِرُ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ، وَقَالَ أَنَسٌ: «إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ أَفْطَرَ» وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: «كَانُوا يَقُولُونَ: الْكَذِبُ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ» وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ مَنْ شَاتَمَ فَسَدَ صَوْمُهُ لِظَاهِرِ النَّهْيِ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رِوَايَةً يُفْطِرُ بِسَمَاعِ الْغِيبَةِ وَقَالَ الْمَجْدُ: النَّهْيُ عَنْهُ لِيَسْلَمَ مِنْ نَقْصِ الْأَجْرِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ: أَنَّهُ قَدْ يَكْثُرُ فَيَزِيدُ عَلَى أَجْرِ الصَّوْمِ وَقَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَتَسَاوَيَانِ.
وَأَسْقَطَ أَبُو الْفَرَجِ ثَوَابَهُ بِالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا وَمُرَادُهُ مَا سَبَقَ وَإِلَّا فَضَعِيفٌ، (وَإِنْ شُتِمَ سُنَّ قَوْلُهُ جَهْرًا فِي رَمَضَانَ) لِأَمْنِهِ مِنْ الرِّيَاءِ وَفِيهِ زَجْرُ مَنْ شَاتَمَهُ؛ لِأَجْلِ حُرْمَةِ الْوَقْتِ (إنِّي صَائِمٌ وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ رَمَضَانَ (يَقُولُهُ سِرًّا يَزْجُرُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ) خَوْفَ الرِّيَاءِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ: يَقُولُهُ مَعَ نَفْسِهِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجْهَرُ بِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمُطْلَقَ بِاللِّسَانِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُنْتَهَى لِظَاهِرِ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «: إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثُ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ».

.فَصْلٌ: في تعجيل الفطر:

(يُسَنَّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ إذَا تَحَقَّقَ الْغُرُوبُ) لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَا يُزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَلَهُ الْفِطْرُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ) أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ؛ لِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ؛ وَلِأَنَّ مَا عَلَيْهِ أَمَارَةٌ يَدْخُلهُ الِاجْتِهَادُ، وَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ وَاحِدٍ كَالْقِبْلَةِ (كَالْقِبْلَةِ وَفِطْرُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَفْضَلِ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَنَسٍ.
(وَ) يُسَنَّ (تَأْخِيرُ السُّحُورِ مَا لَمْ يُخْشَ طُلُوعُ الْفَجْرِ الثَّانِي)؛ لِلْأَخْبَارِ مِنْهَا: مَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرَ خَمْسِينَ آيَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ لِلتَّحَفُّظِ مِنْ الْخَطَإِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ.
(وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْجِمَاعِ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِهِ) أَيْ: الْفَجْرِ الثَّانِي؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُتَقَوَّى بِهِ وَلَوْ أَسْقَطَ تَأْخِيرٌ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ.
(وَ لَا) يُكْرَهُ (الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ) مَعَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي.
(قَالَ أَحْمَدُ) فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد (إذَا شَكَّ فِي) طُلُوعِ (الْفَجْرِ يَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ طُلُوعَهُ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ.
(قَالَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ قَالَ لِعَالِمَيْنِ: اُرْقُبَا الْفَجْرَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: طَلَعَ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَطْلُعْ أَكَلَ حَتَّى يَتَّفِقَا) عَلَى أَنَّهُ طَلَعَ وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرُهُمْ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا تَعَارَضَ فَتَسَاقَطَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ طُلُوعِهِ.
(وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ السُّحُورِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَإِنْ قَلَّ)؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ ضَعْفٌ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ، (وَ) يَحْصُلُ (تَمَامُ الْفَضِيلَةِ بِالْأَكْلِ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَرْفَعُهُ «بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَكْلَةُ السُّحُورِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نِعْمَ سُحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ».
(وَيُسَنُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى رُطَبٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الرُّطَبَ (فَعَلَى التَّمْرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) التَّمْرُ (فَعَلَى الْمَاءِ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ فِطْرِهِ فَإِنَّ لَهُ دَعْوَةً لَا تُرَدُّ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ لَا تُرَدُّ».
(وَ) يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ فِطْرِهِ: (اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْنَا وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْنَا فَتَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَوَجَبَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا.
(وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ الْأَعْلَى أَفْطَرَ الصَّائِمُ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَطْعَمْ) أَيْ: يَأْكُلْ أَوْ يَشْرَبْ (فَلَا يُثَابُ عَلَى الْوِصَالِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ شَرْعًا. «وَمَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ» رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ مَرْفُوعًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ (وَظَاهِرُهُ) أَيْ كَلَامِهِمْ (أَيُّ شَيْءٍ كَانَ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانِ الْفَارِسِيِّ، وَذَكَرَ فِيهِ ثَوَابًا عَظِيمًا إنْ أَشْبَعَهُ (وَقَالَ الشَّيْخُ: الْمُرَادُ) بِتَفْطِيرِهِ (إشْبَاعُهُ).
(وَيُسْتَحَبُّ فِي رَمَضَانَ الْإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالصَّدَقَةِ) لِتَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ بِهِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَكَانَ مَالِكٌ يَتْرُكُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيُقْبِلُ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقْرَأ سِتِّينَ خَتْمَةً وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: تَسْبِيحَةٌ فِي رَمَضَانَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ تَسْبِيحَةِ فِيمَا سِوَاهُ.
(وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعِ فَوْرًا فِي قَضَائِهِ) أَيْ: رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ وَأَنْجَى لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَفْطَرَ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ أَوْ لَا، (وَلَا يَجِبَانِ) أَيْ: التَّتَابُعُ وَالْفَوْرُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ قَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ سُفْيَانِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ الْمَجْدُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا طَعَنَ فِيهِ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ التَّتَابُعُ كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ (إلَّا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا مَا يَتَّسِعُ لِلْقَضَاءِ فَقَطْ) فَيَتَعَيَّنُ التَّتَابُعُ لِضِيقِ الْوَقْتِ، كَأَدَاءِ رَمَضَانَ فِي حَقِّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، (وَلَا يُكْرَهُ الْقَضَاءُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ)؛ لِأَنَّهَا أَيَّامُ عِبَادَةٍ فَلَمْ يُكْرَهْ الْقَضَاءُ فِيهَا كَعَشْرِ الْمُحَرَّمِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ الْقَضَاءَ فِيهَا.
(وَيَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى الْقَضَاءِ) إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ فَوْرًا (فِي) الْقَضَاءِ (الْمُوَسَّعِ، وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ مُتَرَاخِيَةٍ) يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَيْهَا كَالصَّلَاةِ إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا الْمُتَّسَعُ.

.(فَصْلُ): أحكام من فاته صوم رمضان:

(مَنْ فَاتَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلِّهِ تَامًّا كَانَ) رَمَضَانُ (أَوْ نَاقِصًا لِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ كَالْأَسِيرِ وَالْمَطْمُورِ وَغَيْرِهِمَا قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ)، سَوَاءٌ (ابْتَدَأَهُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ أَثْنَائِهِ كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ) الْفَائِتَةِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ مَا فَاتَهُ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمَ شِتَاءٍ عَنْ يَوْمِ صَيْفٍ وَعَكْسَهُ) بِأَنْ يَقْضِي يَوْمَ صَيْفٍ عَنْ يَوْمِ شِتَاءٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ، (وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مَعَهُ) أَيْ: مَعَ قَضَاءِ رَمَضَانَ (صَوْمُ نَذْرٍ لَا يَخَافُ فَوْتَهُ) لِاتِّسَاعِ وَقْتِهِ (بَدَأَ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ) وُجُوبًا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ النَّذْرِ لِضِيقِ وَقْتِهِ قَدَّمَهُ، قُلْتُ: إلَّا أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ مَثَلًا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ وَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَعْبَانَ وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعَشَرَةِ فَيَصُومُهَا عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَهَا.
(وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَائِهِ) أَيْ رَمَضَانَ (مَا لَمْ يَفُتْ وَقْتُهُ وَهُوَ) أَيْ وَقْتُ الْقَضَاءِ (إلَى أَنْ يَهُلَّ رَمَضَانُ آخَرُ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إلَّا فِي شَعْبَانَ لِمَكَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَمَا لَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ (فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ) أَيْ: قَضَاءُ رَمَضَانَ (إلَى رَمَضَانَ آخَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ.
(وَيَحْرُمُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ قَضَاءِ رَمَضَانَ (وَلَا يَصِحُّ) تَطَوُّعُهُ بِالصَّوْمِ قَبْلَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ نَصَّ عَلَيْهِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَلْ يَبْدَأُ بِالْفَرْضِ حَتَّى يَقْضِيَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ صَامَهُ يَعْنِي بَعْدَ الْفَرْضِ، وَرَوَى حَنْبَلٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يَقْضِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ حَتَّى يَصُومَهُ» وَكَالْحَجِّ وَالْحَدِيثِ يَرْوِيه ابْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِي سِيَاقِهِ مَا هُوَ مَتْرُوكٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَمَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ آخَرَ شَيْءٌ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ) أَيْ: وَقْتُ الْقَضَاءِ وَعَنْهُ: بَلَى إنَّ اتَّسَعَ الْوَقْتُ.
(فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: قَضَاءَ رَمَضَانَ (إلَى رَمَضَانَ آخَرَ أَوْ) أَخَّرَهُ إلَى (رَمَضَانَاتٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ) رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا إذَا أَخَّرَهُ لِرَمَضَانَ آخَرَ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، (وَيَجُوزُ إطْعَامُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَالْأَفْضَلُ) إطْعَامُهُ (قَبْلَهُ) قَالَ الْمَجْدُ: الْأَفْضَلُ عِنْدَنَا تَقْدِيمُهُ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ وَتَخَلُّصًا مِنْ آفَاتِ التَّأْخِيرِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَتَكَرَّرْ الْفِدْيَةُ بِتَعَدُّدِ الرَّمَضَانَاتِ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ التَّأْخِيرِ لَا يُزَادُ بِهَا الْوَاجِبُ كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ الْوَاجِبَ سِنِينَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ.
(وَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى أَدْرَكَهُ آخَرُ أَوْ أَكْثَرُ (لِعُذْرٍ) نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ (فَلَا كَفَّارَةَ) لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِهَا إذَنْ، (وَلَا قَضَاءَ إنْ مَاتَ) مَنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ لِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ بِالشَّرْعِ فَسَقَطَ بِمَوْتِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ إمْكَانِ فِعْلِهِ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَالْحَجِّ، (وَمَنْ دَامَ عُذْرُهُ بَيْنَ الرَّمَضَانَيْنِ ثُمَّ زَالَ) عُذْرُهُ (صَامَ الرَّمَضَانَ الَّذِي أَدْرَكَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَسَعُ غَيْرَهُ (ثُمَّ قَضَى مَا فَاتَهُ) قَبْلُ.
(وَلَا إطْعَامَ) عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ (كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ زَوَالِهِ) أَيْ: الْعُذْرِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَأَمَّا الْحَيُّ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْقَضَاءِ لِإِمْكَانِهِ.
(فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: الْقَضَاءُ (لِغَيْرِ عُذْرٍ فَمَاتَ قَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ) أَوْ بَعْدَهُ (أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالصَّحِيحُ: وَقْفُهُ عَلَيْهِ، وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ الْقَضَاءِ فَقَالَتْ: «لَا بَلْ يُطْعِمُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (وَلَا يُصَامُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لَا يُقْضَى عَنْهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ.
(وَالْإِطْعَامِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَا) كَسَائِرِ الدُّيُونِ (وَلَا يُجْزِئُ صَوْمٌ عَنْ كَفَّارَةٍ عَنْ مَيِّتٍ وَلَوْ أَوْصَى بِهِ)؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالشَّرْعِ أَشْبَهَ قَضَاءَ رَمَضَانَ، (لَكِنْ لَوْ مَاتَ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى صَوْمِ الْكَفَّارَةِ (وَقُلْنَا: الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ) كَمَا يَأْتِي تَوْضِيحُهُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ (أُطْعِمَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ مَسَاكِينَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ) فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قِيَاسًا عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ.
(وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ) أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ (مِنْ كَفَّارَةِ) ظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِ (أُطْعِمَ عَنْهُ أَيْضًا) لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ لِمَا سَبَقَ، (وَكَذَا صَوْمُ مُتْعَةِ) الْحَجِّ إذَا مَاتَ قَبْلَهُ.
(وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مَنْذُورٌ فِي الذِّمَّةِ) كَأَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ عَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ مَاتَ (وَلَمْ يَصُمْ مِنْهُ شَيْئًا مَعَ إمْكَانِهِ فَفُعِلَ عَنْهُ أَجْزَأَ عَنْهُ)؛ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ»؛ وَلِأَنَّ النِّيَابَةَ تَدْخُلُ فِي الْعِبَادَةِ بِحَسَبِ خِفَّتِهَا وَهُوَ أَخَفُّ حُكْمًا مِنْ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِإِيجَابِهِ مِنْ نَفْسِهِ، (فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ) الْمَيِّتُ (تَرِكَةً لَمْ يَلْزَمْ الْوَلِيَّ شَيْءٌ، لَكِنْ يُسَنُّ لَهُ فِعْلُهُ عَنْهُ لِتَفَرُّغِ ذِمَّتِهِ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ.
(وَإِنْ خَلَّفَ) الْمَيِّتَ (تَرِكَةً وَجَبَ) الْفِعْلُ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ (فَيَفْعَلُهُ الْوَلِيُّ بِنَفْسِهِ اسْتِحْبَابًا)؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِبَرَاءَةِ الْمَيِّتِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) الْوَلِيُّ بِنَفْسِهِ (وَجَبَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ تَرِكَتِهِ إلَى مَنْ يَصُومُ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ طَعَامَ مِسْكِينٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِدْيَةُ الصَّوْمِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيُجْزِئُ فِعْلُ غَيْرِهِ) أَيْ: الْوَلِيِّ (عَنْهُ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَوْمِ النَّذْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ النُّذُورِ.
(وَإِنْ مَاتَ وَقَدْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ بَعْضِ مَا نَذَرَهُ قُضِيَ عَنْهُ مَا أَمْكَنَهُ صَوْمُهُ فَقَطْ) كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ وَمَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَيُصَامُ عَنْهُ مَا مَضَى مِنْهُ دُونَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ الْمِقْدَارِ الَّذِي أَدْرَكَهُ حَيًّا، فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الصَّوْم فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ قَضَاءِ رَمَضَانَ مَعَ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ.
(وَيُجْزِئُ صَوْمُ جَمَاعَةٍ عَنْهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ (فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَنْ عِدَّتِهِمْ مِنْ الْأَيَّامِ) أَيْ: لَوْ كَانَ عَلَى مَيِّتٍ صَوْمُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَصَامَ عَنْهُ عَشَرَةُ رِجَالٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ مَعَ نِجَازِ إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ يَصُومُ وَاحِدٌ وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى صَوْمٍ شَرْطُهُ التَّتَابُعُ، وَتَعْلِيلُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ كَالْحُجَّةِ الْمَنْذُورَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ) بِعَيْنِهِ (كَالْمُحَرَّمِ) فَمَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ لَمْ يُصَمْ (عَنْهُ) وَلَمْ يُقْضَ عَنْهُ، (وَكَذَا لَوْ جُنَّ قَبْلَهُ) وَدَامَ بِهِ الْجُنُونُ حَتَّى انْقَضَى الشَّهْرُ الْمُعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ صَوْمُهُ فِي ذِمَّتِهِ.
(قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ مَذْهَبُ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ: الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ بِالنَّذْرِ (سَقَطَ بَاقِيهِ) لِمَا سَبَقَ، (فَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ) أَيْ النَّذْرَ الْمُعَيَّنَ (لِمَرَضٍ حَتَّى انْقَضَى ثُمَّ مَاتَ فِي مَرَضِهِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فُعِلَ عَنْهُ) وُجُوبًا إنْ خَلَّفَ تَرِكَةً، وَاسْتِحْبَابًا إنْ لَمْ يُخَلِّفْ شَيْئًا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرَضَ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الصَّوْمِ فِي الذِّمَّةِ، فَالْمُرَادُ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ مُضِيُّ زَمَنٍ يَتَّسِعُ لَهُ (وَلَا كَفَّارَةَ مَعَ الصَّوْمِ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ مَنْذُورًا (أَوْ الْإِطْعَامَ) إنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ صَوْمُ مُتْعَةٍ وَنَحْوُهُ.
(وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ مَنْذُورٌ فُعِلَ عَنْهُ) نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، (وَلَا يُعْتَبَرُ تَمَكُّنُهُ) أَيْ: النَّاذِرِ (مِنْ الْحَجِّ فِي حَيَاتِهِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ النِّيَابَةَ تَدْخُلُهُ حَالَ الْحَيَاةِ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ كَنَذْرِ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ، (وَكَذَا الْعُمْرَةُ الْمَنْذُورَةُ) حُكْمُهَا حُكْمُ الْحَجِّ فِي ذَلِكَ لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي الْمَعْنَى.
(وَيَجُوزُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ) لِشَبَهِهِ بِالدَّيْنِ فِي إبْرَاءِ الذِّمَّةِ (وَلَهُ) أَيْ: الْحَاجُّ عَنْ الْمَيِّتِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ (الرُّجُوعُ عَلَى التَّرِكَةِ بِمَا أَنْفَقَ) بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ بِوَاجِبٍ.
(وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ فُعِلَ عَنْهُ)، نَقَلَهُ الْجَمَاعَة لِقَوْلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ «إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْضِهِ عَنْهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ وَكَالصَّوْمِ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ حَتَّى مَاتَ) كَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَمَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ (فَكَالصَّوْمِ)، وَكَذَا إنْ مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ) وَمَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ (فُعِلَتْ عَنْهُ) كَالصَّوْمِ وَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِهَا (وَلَا كَفَّارَةَ مَعَهُ) أَيْ: مَعَ الْفِعْلِ النَّاذِرِ (وَطَوَافٌ مَنْذُورٌ كَصَلَاةٍ) مَنْذُورَةٍ فِيمَا سَبَقَ (وَأَمَّا صَلَاةُ الْفَرْضِ فَلَا تُفْعَلُ عَنْهُ) ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إجْمَاعًا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَنْهُ فَائِتَةً (كَقَضَاءِ رَمَضَانَ) فَإِنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ.