فصل: بَابُ (الْوُضُوءُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.بَابُ (الْوُضُوءُ):

مِنْ الْوَضَاءَةِ، وَهِيَ النَّظَافَةُ، وَهُوَ بِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ فِيهِمَا، وَقِيلَ بِالضَّمِّ فِيهِمَا، وَهُوَ أَضْعَفُهَا (وَهُوَ شَرْعًا اسْتِعْمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ) وَهِيَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ وَالرَّأْسُ وَالرِّجْلَانِ (عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) فِي الشَّرْعِ، بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً مَعَ بَاقِي الْفُرُوضِ وَالشُّرُوطِ وَمَا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ وَسُمِّيَ وُضُوءًا لِتَنْظِيفِهِ الْمُتَوَضِّئِ وَتَحْسِينِهِ وَالْحِكْمَةُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْوُضُوءِ دُونَ غَيْرِهَا أَنَّهَا أَسْرَعُ مَا يَتَحَرَّكُ مِنْ الْبَدَنِ لِلْمُخَالَفَةِ فَأَمَرَ بِغَسْلِهَا ظَاهِرًا، تَنْبِيهًا عَلَى طَهَارَتِهَا الْبَاطِنَةِ وَرَتَّبَ غَسْلَهَا عَلَى تَرْتِيبِ سُرْعَةِ الْحَرَكَةِ فِي الْمُخَالَفَةِ فَأَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ وَفِيهِ الْفَمُ وَالْأَنْفُ، فَابْتُدِئَ بِالْمَضْمَضَةِ؛ لِأَنَّ اللِّسَانَ أَكْثَرُ الْأَعْضَاءِ وَأَشَدُّهَا حَرَكَةً إذْ غَيْرُهُ رُبَّمَا سَلِمَ وَهُوَ كَثِيرُ الْعَطَبِ قَلِيلُ السَّلَامَةِ غَالِبًا ثُمَّ بِالْأَنْفِ لِيَتُوبَ عَمَّا يُشَمُّ بِهِ بِالْوَجْهِ لِيَتُوبَ عَمَّا نَظَرَ ثُمَّ بِالْيَدَيْنِ لِتَتُوبَ عَنْ الْبَطْشِ، ثُمَّ خَصَّ الرَّأْسَ بِالْمَسْحِ لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ لِمَا تَقَعُ مِنْهُ الْمُخَالَفَةُ، ثُمَّ بِالْأُذُنِ لِأَجْلِ السَّمَاعِ، ثُمَّ بِالرِّجْلِ لِأَجْلِ الْمَشْيِ، ثُمَّ أَرْشَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ.
(وَفُرُوضُهُ) أَيْ الْوُضُوءُ جَمْعُ فَرْضٍ وَهُوَ لُغَةً الْحَزُّ وَالْقَطْعِ وَشَرْعًا مَا أُثِيبَ فَاعِلُهُ وَعُوقِبَ تَارِكُهُ (سِتَّةٌ غَسْلُ الْوَجْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى، {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}.
وَ(غَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْكَعْبَيْنِ) لِبَقِيَّةِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ عَلَى النَّصْبِ وَأَمَّا الْجَرُّ فَقِيلَ بِالْجِوَازِ وَالْوَاوُ تَأْبَاهُ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْمَسْحُ عِنْدَ الْعَرَبِ غَسْلٌ وَمَسْحٌ، فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْمَلِ، وَصِحَاحُ الْأَحَادِيثِ تَبْلُغُ التَّوَاتُرَ فِي وُجُوبِ غَسْلِهَا، وَقِيلَ: لَمَّا كَانَتْ الْأَرْجُلُ فِي مَظِنَّةِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مَذْمُومٌ عَطَفَهَا عَلَى الْمَمْسُوحِ لَا لِتُمْسَحَ بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى مِقْدَارِ الْمَطْلُوبِ ثُمَّ قِيلَ إلَى الْكَعْبَيْنِ دَفْعًا لِظَنِّ ظَانٍّ أَنَّهَا مَمْسُوحَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَمْ يُضْرَبْ لَهُ غَايَةٌ فِي الشَّرْعِ.
وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَ أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَأَنْ تُقْطَعَا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ أَمْسَحَ الْقَدَمَيْنِ وَهَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ لَابِسِ الْخُفِّ وَإِمَّا لَابِسُهُ فَغَسْلُهُمَا لَيْسَ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فِي حَقِّهِ.
(وَالتَّرْتِيبُ) بَيْنَ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَدْخَلَ الْمَمْسُوحَ بَيْنَ الْمَغْسُولَاتِ، وَلَا يُعْلَمُ لِهَذَا فَائِدَةٌ غَيْرُ التَّرْتِيبِ: وَالْآيَةُ سِيقَتْ لِبَيَانِ الْوَاجِبِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَتَّبَ الْوُضُوءَ، وَقَالَ «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ فَكَانَ التَّرْتِيبُ مُعْتَبَرًا فِيهِ كَالصَّلَاةِ يَجِبُ فِيهَا الرُّكُوعُ قَبْلَ السُّجُودِ وَلَوْ كَانَ التَّنْكِيسُ جَائِزًا لَفَعَلَهُ وَلَوْ مَرَّةً لِتَبْيِينِ الْجَوَازِ فَإِنْ تَوَضَّأَ مَنْكُوسًا لَمْ يَصِحَّ وَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ مَا أُبَالِي إذَا تَمَّمْتُ وُضُوئِي بِأَيْ أَعْضَائِي بَدَأْتُ قَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا عَنَى بِهِ الْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا فِي الْكِتَابِ وَاحِدٌ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ إنَّ أَحَدَنَا يَسْتَعْجِلُ فَيَغْسِلُ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ فَقَالَ لَا حَتَّى يَكُونُ كَمَا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلَيْكَ قَبْلَ يَدَيْكَ فِي الْوُضُوءِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ.
(وَالْمُوَالَاةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرْطٌ وَالثَّانِي جَوَابٌ وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ الْقِيَامُ وَجَبَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ جَوَابُهُ وَهُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَزَادَ وَالصَّلَاةَ، وَهَذَا صَحِيحٌ وَفِيهِ بَقِيَّةٌ وَهُوَ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الْمُوَالَاةُ لَأَجْزَأَهُ غَسْلُ اللُّمْعَةِ فَقَطْ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ إلَّا مُتَوَالِيًا وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطُ فِي الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْمَغْسُولَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ.
(وَسَبَبُ وُجُوبِهِ) أَيْ الْوُضُوءِ (الْحَدَثُ) فَيَجِبُ بِالْحَدَثِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ.
وَفِي الِانْتِصَارِ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَهُ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ لَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ بَلْ تُسْتَحَبُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ إذَنْ وَوُجُوبِ الشَّرْطِ بِوُجُوبِ الْمَشْرُوطِ وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي غُسْلٍ قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ لَفْظِيٌّ ا.هـ. وَحَدِيثُ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» (وَيَحِلُّ) الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ (جَمِيعَ الْبَدَنِ كَجَنَابَةٍ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا يَحِلُّ لَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِعُضْوٍ غَسَلَهُ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى يُتِمَّ وُضُوءَهُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ وَجْهُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ فُرِضَتْ قَبْلَ التَّيَمُّمِ) ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ الصَّلَاةُ وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ قَالَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَمْ يُفْرَضْ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ بِمَكَّةَ صَلَاةً إلَّا بِوُضُوءٍ قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَا يَجْهَلُهُ عَالِمٌ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَّا مُعَانِدٌ.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ جِبْرِيلَ آتَاهُ فِي أَوَّلِ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ فَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ لِأَجْلِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ رَشِيدُ بْنُ سَعْدٍ فَرَوَاهُ قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْمُحَدِّثُ الْحَلَبِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُضُوءَ أَوَّلُ مَا فُرِضَ مَعَ الصَّلَاةِ ا.هـ.
وَكَذَلِكَ فِي الْمُبْدِعِ وَكَانَ فَرْضُهُ مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فَآيَةُ الْمَائِدَةِ مُقَرِّرَةٌ لَا مُؤَسِّسَةٌ.
(وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ) وُضُوءًا كَانَتْ أَوْ غُسْلًا (وَلِتَيَمُّمٍ) وَلَوْ مَسْنُونًا أَوْ عَنْ نَجَاسَةِ بِبَدَنٍ (وَ) لِ (غُسْلٍ وَتَجْدِيدِ وُضُوءٍ مُسْتَحَبِّينَ وَلِغَسْلِ يَدَيْ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ وَيَأْتِي وَلِغُسْلِ مَيِّتٍ)؛ لِأَنَّ الْإِخْلَاصَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَهُوَ النِّيَّةُ مَأْمُورٌ بِهِ وَلِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَيْ لَا عَمَلٌ جَائِزٌ وَلَا فَاضِلٌ وَلِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى الثَّوَابِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ وَلَا ثَوَابَ فِي غَيْرِ مَنْوِيٍّ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ النِّيَّةَ لِلتَّمْيِيزِ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَمِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ لِأَنَّ مَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ فَهُوَ عِبَادَةٌ كَصَلَاةٍ وَغَيْرِهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْفَخْرِ إسْمَاعِيلَ وَأَبِي الْبَقَاءِ وَغَيْرِهِمَا الْعِبَادَةُ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ وَلَا اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ قِيلَ لِأَبِي الْبَقَاءِ الْإِسْلَامُ وَالنِّيَّةُ عِبَادَتَانِ وَلَا يَفْتَقِرَانِ إلَى نِيَّةٍ فَقَالَ الْإِسْلَامُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ لِصُدُورِهِ مِنْ الْكَافِرِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا سَلَّمْنَا لَكِنْ الضَّرُورَةُ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ إلَّا مِنْ كَافِرٍ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلِقَطْعِ التَّسَلْسُلِ وَنِيَّةُ الصَّلَاةِ تَضَمَّنَتْ السِّتْرَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ لِوُجُودِهِمَا فِيهَا حَقِيقَةً وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالِاسْتِدَامَةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ.
(إلَّا طَهَارَةٌ) أَيْ غُسْلُ (ذِمِّيَّةٍ) أَيْ كِتَابِيَّةٍ وَلَوْ حَرْبِيَّةٍ (لِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجَنَابَةٍ) فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ النِّيَّةُ لِلْعُذْرِ (وَ) إلَّا غُسْلُ (مُسْلِمَةٍ) انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا (مُمْتَنِعَةٍ) مِنْ الْغُسْلِ (فَتُغْسَلُ قَهْرًا) لِحَقِّ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ (وَلَا نِيَّة) مُعْتَبَرَة هُنَا (لِلْعُذْرِ) كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ زَكَاةٍ (وَلَا تُصَلِّي بِهِ) ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَقِيَاسُ ذَلِكَ مَنْعُهَا مَنْ الطَّوَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُشْتَرَطُ لَهُ الْغُسْلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ وَطْؤُهَا لِحَقِّ زَوْجِهَا فِيهِ فَلَا تَسْتَبِيحُ بِهِ الْعِبَادَةَ الْمُشْتَرَطَ لَهَا الْغُسْلُ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَنْوِيَ عَنْهَا لِعَدَمِ تَعَذُّرِهَا مِنْهَا بِخِلَافِ الْمَيِّتَةِ وَإِلَّا غُسْلُ (مَجْنُونَةٍ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً) حُرَّةً أَوْ أَمَةً فَلَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْهَا لِتَعَذُّرِهَا.
(وَ) لَكِنْ (يَنْوِيهِ عَنْهَا) مَنْ يُغَسِّلُهَا كَالْمَيِّتَةِ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي لَا نِيَّةَ كَالْكَافِرَةِ لِعَدَمِ تَعَذُّرِهَا مَآلًا بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَلِأَنَّهَا تُعِيدُهُ إذَا أَفَاقَتْ وَأَسْلَمَتْ ا.هـ.
قُلْت وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تُعِيدُهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِقِيَامِ نِيَّةِ الْغَاسِلِ مَقَامَ نِيَّتِهَا (وَلَا ثَوَابَ فِي غَيْرِ مَنْوِيٍّ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ إجْمَاعًا.
(وَيُشْتَرَطُ لِوُضُوءٍ أَيْضًا عَقْلٌ وَتَمْيِيزٌ) لِتَتَأَتَّى، النِّيَّةُ (وَإِسْلَامٌ) كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ (وَإِزَالَةُ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ) عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى الْبَشَرَةِ (وَانْقِطَاعُ نَاقِضٍ) سَوَاءٌ كَانَ خَارِجًا أَوْ غَيْرَهُ (وَاسْتِنْجَاءٌ أَوْ اسْتِجْمَارٌ قَبْلَهُ وَتَقَدَّمَ) بِدَلِيلِهِ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ (وَطَهُورِيَّةُ مَاءٍ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ غَيْرُ الْمَاءِ الطَّهُورِ.
(وَإِبَاحَتُهُ) أَيْ الْمَاءِ لِحَدِيثِ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَلَا يَصِحُّ بِمَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ وَتَقَدَّمَ (وَدُخُولُ الْوَقْتِ عَلَى مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ لِفَرْضِهِ) أَيْ فَرْضِ ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ طَهَارَةُ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ كَالتَّيَمُّمِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ لِفَائِتَةٍ أَوْ طَوَافٍ أَوْ نَافِلَةٍ صَحَّ مَتَى أَرَادَهُ فَهَذِهِ عَشْرَةُ شُرُوطٍ لِلْوُضُوءِ يُشَارِكُهُ الْغُسْلُ مِنْهَا فِي ثَمَانِيَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اسْتِطْرَادًا بِقَوْلِهِ.
(وَيُشْتَرَطُ لِغُسْلٍ نِيَّةٌ) كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا مُكَرَّرٌ مَعَهُ (وَإِسْلَامٌ سِوَى مَا تَقَدَّمَ وَعَقْلٌ) سِوَى مَا تَقَدَّمَ (وَتَمْيِيزٌ وَفَرَاغٌ مُوجِبُ غُسْلٍ وَإِزَالَةُ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ) عَنْ الْبَدَنِ (وَطَهُورِيَّةُ مَاءٍ وَإِبَاحَتُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلشُّرْبِ لَمْ يَجُزْ التَّطْهِيرُ مِنْهُ) فِي حَدَثٍ وَلَا نَجَسِ بِبَدَنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مِنْهُ (وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ)،.
(وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةٌ لِطَهَارَةِ الْخَبَثِ) بِبَدَنٍ كَانَتْ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بُقْعَةٍ لِأَنَّهَا مَنْ قَبِيلِ الْمَتْرُوكِ (وَمَحَلُّهَا) أَيْ النِّيَّةِ (الْقَلْبُ) لِأَنَّهَا مِنْ عَمَلِهِ (فَلَا يَضُرُّ سَبْقُ لِسَانِهِ بِخِلَافِ قَصْدِهِ) كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْتُ الْوُضُوءَ، فَقَالَ: نَوَيْتُ الصَّوْمَ، وَلَوْ تَلَفَّظَ بِغَيْرِ قَصْدٍ لَمْ يُعْتَبَرْ (وَلَا) يَضُرُّ (إبْطَالُهَا) أَيْ النِّيَّةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ صَحِيحًا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُفْسِدُهُ مِمَّا عُدَّ مُفْسِدًا (وَلَا) يَضُرُّ (إبْطَالُ الطَّهَارَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ) مِنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا) يَضُرُّ (شَكُّهُ فِيهَا) أَيْ فِي النِّيَّةِ بَعْدَ فَرَاغِ الطَّهَارَةِ، كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ (أَوْ) شَكُّهُ (فِي الطَّهَارَةِ) أَيْ فِي غَسْلِ عُضْوٍ أَوْ مَسْحِهِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّهَارَةِ (نَصًّا) كَشَكِّهِ فِي وُجُودِ الْحَدَثِ مَعَ تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ (وَإِنْ شَكَّ فِي النِّيَّةِ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ أَثْنَاءِ الطَّهَارَةِ (لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا (وَكَذَا إنْ شَكَّ فِي غَسْلِ عُضْوٍ) فِي أَثْنَاءِ طَهَارَتِهِ (أَوْ) شَكَّ فِي (مَسْحِ رَأْسِهِ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا شَكَّ فِيهِ ثُمَّ بِمَا بَعْدَهُ،؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي رُكْنٍ فِي الصَّلَاةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ وَهْمًا، كَوَسْوَاسٍ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَمَتَى عَلِمَ أَنَّهُ جَاءَ لِيَتَوَضَّأَ أَوْ أَرَادَ فِعْلَ الْوُضُوءِ مُقَارِنًا لَهُ أَوْ سَابِقًا عَلَيْهِ قَرِيبًا مِنْهُ فَقَدْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ (فَإِنْ أَبْطَلَهَا) أَيْ النِّيَّةَ (فِي أَثْنَاءِ طَهَارَتِهِ بَطَلَ مَا مَضَى مِنْهَا) أَيْ مِنْ الطَّهَارَةِ، كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، فَإِنْ أَرَادَ الْإِتْمَامَ اسْتَأْنَفَ.
(وَلَوْ فَرَّقَهَا) أَيْ النِّيَّةَ (عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ) بِأَنْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عِنْدَ غَسْلِهِ أَوْ مَسْحِهِ (صَحَّ) وُضُوءُهُ، لِوُجُودِ النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ.
(وَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى صَلَاتَهُ) الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِ (ثُمَّ أَحْدَثَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى) صَلَاةً (أُخْرَى، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا) أَيْ فَرْضًا أَوْ شَرْطًا، بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ (فِي أَحَدِ الْوُضُوءَيْنِ لَزِمَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَتْرُوكَ مِنْهُ هُوَ الْوُضُوءُ الثَّانِي (وَ) لَزِمَهُ إعَادَةُ (الصَّلَاتَيْنِ) احْتِيَاطًا لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ، وَلَوْ كَانَ الْوُضُوءُ الثَّانِي تَجْدِيدًا لَمْ يَلْزَمْ إلَّا إعَادَةُ الصَّلَاةِ الْأُولَى لِأَنَّ الطَّهَارَةَ الْأُولَى إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ لَمْ تَبْطُلْ بِالتَّجْدِيدِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فَقَدْ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ بِالتَّجْدِيدِ.
(وَإِنْ جَعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ يَنْوِي ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ) أَوْ كَانَ مُتَذَكِّرًا ابْتِدَاءً لَكِنْ لَمْ يَنْوِ سِوَى رَفْعِ الْأَصْغَرِ (فَنَوَى ارْتِفَاعَ الْحَدَثَيْنِ) وَالْمَاءُ فِي فِيهِ (ارْتَفَعَا) لِأَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ مَا دَامَ فِي مَحِلِّ التَّطْهِيرِ حَتَّى يَنْفَصِلَ (وَلَوْ لَبِثَ الْمَاءُ فِي فِيهِ حَتَّى تَغَيَّرَ مَنْ رِيقِهِ لَمْ يَمْنَعْ) رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ فِي مَحِلِّ التَّطْهِيرِ، فَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ.
(وَإِنْ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ وَ) غَسَلَ (بَعْضَهَا بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ ثُمَّ أَعَادَ) فِعْلَ (مَا نَوَى بِهِ التَّبَرُّدَ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ لِوُجُودِ الْغُسْلِ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْمُوَالَاةِ فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بِحَيْثُ تَفُوتُ الْمُوَالَاةُ بَطَلَ لِفَوَاتِهَا.
(وَالتَّلَفُّظُ بِهَا) أَيْ بِالنِّيَّةِ (وَبِمَا نَوَاهُ) مِنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ أَوْ تَيَمُّمٍ (هُنَا) أَيْ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ.
(وَفِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ: بِدْعَةٌ) قَالَهُ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ، وَقَالَ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ.
وَفِي الْهَدْيِ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ: نَوَيْت ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ وَلَا اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ لَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مَنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ حَرْفٌ وَاحِدٌ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ.
(وَاسْتَحَبَّهُ) أَيْ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ (سِرًّا مَعَ الْقَلْبِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ) لِيُوَافِقَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا سِرًّا وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالتَّلْخِيصُ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ رَزِينٍ قَالَ الزَّرْكَشِيّ هُوَ أَوْلَى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ا.هـ. وَكَذَا قَالَ الشِّهَابُ الْفَتُوحِيُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (وَمَنْصُوصُ أَحْمَدَ وَجَمَعٍ مُحَقِّقِينَ خِلَافُهُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهُوَ الصَّوَابُ (إلَّا فِي إحْرَامٍ، وَيَأْتِي) فِي مَحَلِّهِ.
(وَفِي الْفُرُوعِ وَالتَّنْقِيحِ) وَتَبَعَهُمَا فِي الْمُنْتَهَى (يُسَنُّ النُّطْقُ بِهَا سِرًّا) لِمَا تَقَدَّمَ (فَجَعَلَاهُ سُنَّةً وَهُوَ سَهْوٌ) عِنْدَ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَسْنُونِ وَالْمُسْتَحَبِّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ وَاضِحٌ وَعَلَى فَرْضِ أَنْ لَا يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحَ فَلَا يَنْبَغِي نِسْبَتُهُمَا إلَى السَّهْوِ لِجَلَالَتِهِمَا وَتَحْقِيقِهِمَا لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ.
(وَيُكْرَهُ الْجَهْرُ بِهَا) أَيْ بِالنِّيَّةِ (وَتَكْرَارُهَا) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الْجَهْرُ بِهَا وَتَكْرِيرُهَا، بَلْ مَنْ اعْتَادَهُ يَنْبَغِي تَأْدِيبُهُ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْعِبَادَاتِ، وَقَالَ الْجَاهِرُ بِهَا مُسْتَحِقٌّ لِلتَّعْزِيرِ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ لَا سِيَّمَا إذَا آذَى بِهِ أَوْ كَرَّرَهُ، وَقَالَ الْجَهْرُ بِلَفْظِ النِّيَّةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَفَاعِلُهُ مُسِيءٌ، وَإِنْ اعْتَقَدَهُ دِينًا خَرَجَ مِنْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَيَجِبُ نَهْيُهُ وَيُعْزَلُ عَنْ الْإِمَامَةِ إنْ لَمْ يَنْتَهِ فَإِنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَمَرَ بِعَزْلِ إمَامٍ لِأَجْلِ بُصَاقِهِ فِي الْقِبْلَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ كَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي.
(وَهِيَ) أَيْ النِّيَّةُ (قَصْدُ رَفْعِ الْحَدَثِ، أَوْ) قَصْدُ (الطَّهَارَةِ لِمَا لَا يُبَاحُ إلَّا بِهَا) بِأَنْ يَقْصِدَ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ أَوْ الطَّوَافِ أَوْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ (حَتَّى وَلَوْ نَوَى مَعَ) رَفْعِ (الْحَدَثِ) إزَالَةَ (النَّجَاسَةِ أَوْ التَّبَرُّدَ أَوْ التَّنْظِيفَ أَوْ التَّعْلِيمَ) فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّيَّةِ، كَمَنْ نَوَى مَعَ الصَّوْمِ هَضْمَ الطَّعَامِ، أَوْ مَعَ الْحَجِّ رُؤْيَةَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ وَنَحْوَهُ، لَكِنَّهُ يُنْقِصُ الثَّوَابَ عَلَى مُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ النِّيَّةِ (لَكِنْ يَنْوِي مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ) كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ نَحْوُهُ (الِاسْتِبَاحَةَ) دُونَ رَفْعِ الْحَدَثِ لِمُنَافَاةِ وُجُودِ نِيَّةِ رَفْعِهِ، وَسَوَاءٌ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ طُرُوءِ حَدَثٍ آخَرَ (وَيُرْتَفَعُ حَدَثُهُ) عَلَى الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ ابْنُ حَمْدَانَ.
قَالَ الْمَجْدُ: هَذِهِ الطَّهَارَةُ تَرْفَعُ الْحَدَثَ الَّذِي أَوْجَبَهَا وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ طَهَارَةُ الْمُسْتَحَاضَةِ لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ.
(وَلَا يَحْتَاجُ) مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ (إلَى تَعْيِينِ نِيَّةِ الْفَرْضِ)؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ تَرْفَعُ الْحَدَثَ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ.
(فَإِنْ نَوَى) الْمُتَوَضِّئُ بِوُضُوئِهِ (مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ كَ) إنْ نَوَى الْوُضُوءَ لِ (قِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ وَأَذَانٍ وَنَوْمٍ وَرَفْعِ شَكٍّ) فِي حَدَثٍ أَصْغَرَ (وَغَضَبٍ) لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ مِنْ النَّارِ وَالْمَاءُ يُطْفِئُ النَّارَ كَمَا فِي الْخَبَرِ (وَكَلَامٍ مُحَرَّمٍ كَغِيبَةٍ وَنَحْوِهَا، وَفِعْلِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ نَصًّا) كَوُقُوفٍ وَرَمْيِ جِمَارٍ (غَيْرَ طَوَافٍ) فَإِنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ لَهُ كَالصَّلَاةِ (وَكَجُلُوسٍ بِمَسْجِدٍ).
وَفِي الْمُغْنِي (وَأَكْلٍ وَفِي النِّهَايَةِ وَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقِيلَ وَدُخُولِ مَسْجِدٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
وَقِيلَ: وَحَدِيثٍ وَتَدْرِيسِ عِلْمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَة أَيْضًا (وَ) يَأْتِي (فِي الْغُسْلِ تَتِمَّتُهُ، أَوْ نَوَى التَّجْدِيدَ إنْ سُنَّ) وَيَأْتِي بَيَانُهُ (نَاسِيًا حَدَثَهُ) ارْتَفَعَ لِأَنَّهُ يُشْرَعُ لَهُ فِعْلُ هَذَا وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ وَقَدْ نَوَى ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ لَهُ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ وَقَالَ لَوْ قَصَدَ أَنْ لَا يَزَالَ عَلَى طَهَارَةٍ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ، لِأَنَّهَا شَرْعِيَّةٌ وَقَوْلُهُ نَاسِيًا حَدَثَهُ، أَيْ حَالَ نِيَّتِهِ لِلتَّجْدِيدِ وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ.
وَإِنْ اُحْتُمِلَ عَوْدُهُ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ قَالَهُ الشِّهَابُ الْفَتُوحِيُّ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ لِتَلَاعُبِهِ (أَوْ) نَوَى اسْتِبَاحَةَ (صَلَاةٍ بِعَيْنِهَا لَا يَسْتَبِيحُ غَيْرَهَا ارْتَفَعَ حَدَثُهُ) وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا شَاءَ (وَلَغَا تَخْصِيصَهُ) لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ رَفْعِ الْحَدَثِ اسْتِبَاحَةُ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ (وَيُسَنُّ التَّجْدِيدُ إنْ صَلَّى بَيْنَهُمَا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» رَوَاه أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا (فَلَا) يُسَنُّ التَّجْدِيدُ فَلَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُصَلِّ وَأَحْدَثَ فَنَسِيَ حَدَثَهُ وَنَوَى التَّجْدِيدَ وَتَوَضَّأَ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ طَهَارَةً شَرْعِيَّةً (وَيُسَنُّ) التَّجْدِيدُ (لِكُلِّ صَلَاةٍ) أَرَادَهَا وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ نَفْلًا.
وَ(لَا) يُسَنُّ (تَجْدِيدُ) (تَيَمُّمٍ وَغُسْلٍ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ.
(وَإِنْ نَوَى غُسْلًا مَسْنُونًا) كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ (أَجْزَأَ عَنْ) الْغُسْلِ (الْوَاجِبِ) لِجَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، إنْ كَانَ نَاسِيًا لِلْحَدَثِ الَّذِي أَوْجَبَهُ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمَا فِيمَا سَبَقَ أَوْ نَوَى التَّجْدِيدَ نَاسِيًا حَدَثَهُ، خُصُوصًا وَقَدْ جَعَلُوا تِلْكَ أَصْلًا لِهَذِهِ فَقَاسُوهَا عَلَيْهَا (وَكَذَا عَكْسُهُ).
فَإِنْ نَوَى غُسْلًا وَاجِبًا أَجْزَأَ عَنْ الْمَسْنُونِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَإِنْ نَوَاهُمَا) أَيْ الْوَاجِبَ وَالْمَسْنُونَ (حَصَلَا) أَيْ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُهُمَا وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا لَيْسَ فِيهِمَا إلَّا ثَوَابُ مَا نَوَاهُ، وَإِنْ أَجْزَأَ عَنْ الْآخَرِ لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَلَيْسَ مَعْنَى الْإِجْزَاءِ هُنَا سُقُوطَ الطَّلَبِ: بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْوَاجِبِ غُسْلًا ثُمَّ لِلْمَسْنُونِ غُسْلًا آخَرَ) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ.
(وَإِنْ نَوَى طَهَارَةً مُطْلَقَةً) بِأَنْ نَوَى مُطْلَقَ الطَّهَارَةِ لَا لِرَفْعِ حَدَثٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ نَحْوِهَا لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ لِعَدَمِ نِيَّتِهِ لَهُ.
(أَوْ) نَوَى (وُضُوءًا مُطْلَقًا) لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ الْوَضَاءَةِ وَهِيَ النَّظَافَةُ تَارَةً يَكُونُ عَادَةً وَتَارَةً يَكُونُ عِبَادَةً فَلَا بُدَّ مَنْ تَمْيِيزِهِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا.
(أَوْ) نَوَى (الْغُسْلَ وَحْدَهُ) أَيْ نَوَى الْغُسْلَ وَأَطْلَقَ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ لَا الْأَصْغَرُ وَلَا الْأَكْبَرُ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا نَوَى الْغُسْلَ وَحْدَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ عِبَادَةً وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ عِبَادَةٍ فَلَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ الْجَنَابَةِ انْتَهَى.
وَكَذَا إنْ نَوَى الْغُسْلَ لِلْجَنَابَةِ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ الْأَصْغَرُ إلَّا إنْ نَوَاهُ وَيَأْتِي فِي الْغُسْلِ.
(أَوْ) نَوَى الْغُسْلَ (لِمُرُورِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَرْتَفِعْ) حَدَثُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرُورَ فِيهِ لَا تُشْرَعُ لَهُ الطَّهَارَةُ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى بِطَهَارَتِهِ لُبْسَ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى إنْ نَوَى الْجُنُبُ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ لِمُرُورِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يُرْفَعْ حَدَثُهُ الْأَصْغَرُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ.
(وَإِنْ اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ مُتَنَوِّعَةٌ وَلَوْ) كَانَتْ (مُتَفَرِّقَةً) فِي أَوْقَاتٍ (تُوجِبُ وُضُوءًا) كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ وَالنَّوْمِ (أَوْ) تُوجِبُ (غُسْلًا) كَالْجِمَاعِ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ (فَنَوَى بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهَا ارْتَفَعَ هُوَ) أَيْ الَّذِي نَوَى رَفْعَهُ.
(وَ) ارْتَفَعَ (سَائِرُهَا)؛ لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ تَتَدَاخَلُ فَإِذَا نَوَى بَعْضَهَا غَيْرَ مُقَيَّدٍ ارْتَفَعَ جَمِيعُهَا كَمَا لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ (وَإِنْ نَوَى أَحَدَهَا) أَيْ الْأَحْدَاثِ (وَنَوَى أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُهُ لَمْ يَرْتَفِعْ غَيْرُهُ) لِأَنَّهُ قَدْ تَطَهَّرَ بِنِيَّةِ بَقَاءِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ فَلَمْ يَرْتَفِعْ سِوَى مَا نَوَاهُ وَإِلَّا لَزِمَ حُصُولُ مَا لَمْ يَنْوِهِ (وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثُ نَوْمٍ فَغَلِطَ وَنَوَى رَفْعَ حَدَثِ بَوْلٍ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ) لِتَدَاخُلِ الْأَحْدَاثِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهَا) أَيْ بِالنِّيَّةِ (عِنْدَ أَوَّلِ وَاجِبٍ) فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ وَاجِبَاتِهَا فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا كُلُّهَا بَعْدَ النِّيَّةِ فَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبَاتِ قَبْلَ النِّيَّةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ.
(وَهُوَ) أَيْ أَوَّلُ وَاجِبٍ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ (التَّسْمِيَةُ) لِحَدِيثِ «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ»؛ لِأَنَّ مَنْ ذَكَرَهَا فِي الْأَثْنَاءِ إنَّمَا ذَكَرَهَا عَلَى الْبَعْضِ لَا عَلَى الْكُلِّ.
(وَيُسْتَحَبُّ) الْإِتْيَانُ بِالنِّيَّةِ (عِنْدَ مَسْنُونَاتِهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ (إنْ وُجِدَ) ذَلِكَ الْمَسْنُونُ (قَبْلَ وَاجِبٍ كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ لِغَيْرِ الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ) إنْ وُجِدَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لِتَشْمَلَ النِّيَّةُ مَفْرُوضَ الطَّهَارَةِ وَمَسْنُونَهَا فَيُثَابُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (فَإِنْ غَسَلَهُمَا) أَيْ الْيَدَيْنِ (بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَكَمَنْ لَمْ يَغْسِلْهُمَا) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَتُسْتَحَبُّ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا بَعْدَ النِّيَّةِ.
(وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا) أَيْ النِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ (بِزَمَنٍ يَسِيرٍ كَصَلَاةٍ) وَزَكَاةٍ (وَلَا يُبْطِلُهَا) أَيْ النِّيَّةَ (عَمَلٌ يَسِيرٌ) قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنْ كَثُرَ بَطَلَتْ وَاحْتَاجَ إلَى اسْتِئْنَافِهَا (وَيُسْتَحَبُّ اسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا) بِقَلْبِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَحْضِرًا لَهَا فِي جَمِيعِ الطَّهَارَةِ لِتَكُونَ أَفْعَالُهُ كُلُّهَا مُقْتَرِنَةً بِالنِّيَّةِ وَالذِّكْرِ بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي مُثَلَّثَتِهِ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ ضِدُّ الْإِنْصَاتِ وَذَالُهُ مَكْسُورَةٌ وَبِالْقَلْبِ ضِدُّ النِّسْيَانِ وَذَالُهُ مَضْمُومَةٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ هُمَا لُغَتَانِ (وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِصْحَابِ حُكْمِهَا بِأَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا) فَإِنْ عَزَبَتْ عَنْ خَاطِره لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الطَّهَارَةِ: كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّلَاةِ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ بِالْغُسْلِ نَحْوَ تَنْظِيفٍ أَوْ تَبَرُّدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ.