فصل: شروط الْبَيْعِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.كِتَابُ الْبَيْعِ:

قَدَّمَهُ عَلَى الْأَنْكِحَةِ وَمَا بَعْدَهَا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا غِنَى لِلْإِنْسَانِ عَنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَلِبَاسٍ، وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُهْتَمَّ بِهِ، لِعُمُومِ الْبَلْوَى إذْ لَا يَخْلُو مُكَلَّفٌ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ فَيَجِبُ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهِ وَقَدْ حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُكَلَّفٍ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعَلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ وَبَعَثَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ يُقِيمُ مِنْ الْأَسْوَاقِ مَنْ لَيْسَ بِفَقِيهٍ.
وَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وَلِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِقْرَارِهِ أَصْحَابَهُ عَلَيْهِ، وَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ تَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَا يُبَدِّلُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ غَالِبًا، فَفِي تَجْوِيزِ الْبَيْعِ وُصُولٌ لِغَرَضِهِ، وَدَفْعُ حَاجَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ: الْبَيْعُ مَصْدَرُ بَاعَ يَبِيعُ إذَا مَلَكَ، وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى شَرَى وَكَذَلِكَ شَرَى يَكُونُ لِلْمَعْنَيَيْنِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ كَغَيْرِ بَاعَ، أَبَاعَ بِمَعْنًى وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْبَاعِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَمُدُّ بَاعَهُ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَذَكَرْتُ فِي الْحَاشِيَةِ: مَا رُدَّ بِهِ ذَلِكَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ وَمَعْنَاهُ لُغَةً: دَفْعُ عِوَضٍ، وَأَخْذُ مَا عَوَّضَ عَنْهُ وَشَرْعًا (مُبَادَلَةُ مَالٍ) مِنْ نَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ مُعَيَّنٍ أَوْ مَوْصُوفٍ.
(وَلَوْ) كَانَ الْمَالُ (فِي الذِّمَّةِ) كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ صِفَتُهُ كَذَا (أَوْ) مُبَادَلَةُ (مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ) عَلَى الْإِطْلَاقِ بِأَنْ لَا تَخْتَصُّ إبَاحَتُهَا بِحَالٍ دُونَ حَالٍ (كَ) نَفْعِ (مَمَرِّ الدَّارِ) وَبُقْعَةٍ تُحْفَرُ بِئْرًا (بِمِثْلِ أَحَدِهِمَا) أَيْ: بِمَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ وَالْجَارُ مُتَعَلِّقٌ بِمُبَادَلَةٍ وَشَمَلَ صُوَرًا: بَيْعَ نَحْوِ عَبْدٍ بِثَوْبٍ أَوْ دِينَارٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ مَمَرٍّ فِي دَارٍ، وَبَيْعَ نَحْوِ دِينَارٍ فِي ذِمَّةٍ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ إذَا قُبِضَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، أَوْ بِمَمَرِّ دَارٍ، وَبَيْعَ نَحْوِ مَمَرِّ دَارٍ بِعَبْدٍ وَدِينَارٍ فِي ذِمَّةٍ أَوْ مَمَرٍّ آخَرَ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ: جَعْلُ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ آخَرَ وَأَتَى بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَتَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ وَعَدَلَ عَنْ التَّعْبِيرِ بِعَيْنٍ مَالِيَّةٍ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَخْصَرُ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، وَأَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ، وَقَوْلُهُ (عَلَى التَّأْبِيدِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُبَادَلَةٍ أَيْضًا، وَخَرَجَ بِهِ الْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ فِي نَظِيرِ الْإِعَارَةِ وَإِنْ لَمْ تُقَيَّدْ بِزَمَنٍ؛ لِأَنَّ الْعَوَارِيَّ مَرْدُودَةٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: لِلْمِلْكِ وَقَوْلُهُ (غَيْرُ رِبًا وَقَرْضٍ) إخْرَاجٌ لَهُمَا فَإِنَّ الرِّبَا مُحَرَّمٌ، وَالْقَرْضُ وَإِنْ قُصِدَ فِيهِ الْمُبَادَلَةُ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ فِيهِ: الْإِرْفَاقُ.
ثُمَّ الْبَيْعُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: عَاقِدٌ، وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَصِيغَةٌ، وَالْكَلَامُ عَلَى الْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَأْتِي فِي الشُّرُوطِ وَأَمَّا الصِّيغَةُ فَذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَهُ) أَيْ: لِلْبَيْعِ (صُورَتَانِ يَنْعَقِدُ) أَيْ: يُوجَدُ عَقْدُهُ (بِهِمَا) أَيْ: بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (إحْدَاهُمَا الصِّيغَةُ الْقَوْلِيَّةُ، وَهِيَ) أَيْ: الصِّيغَةُ الْقَوْلِيَّةُ (غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي لَفْظٍ بِعَيْنِهِ) كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ (بَلْ) هِيَ (كُلُّ مَا أَدَّى مَعْنَى الْبَيْعِ)؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَخُصَّهُ بِصِيغَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَتَنَاوَلَ كُلَّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ (فَمِنْهَا) أَيْ: مِنْ الصِّيغَةِ الْقَوْلِيَّةِ (الْإِيجَابُ) وَهُوَ مَا يَصْدُرُ (مِنْ بَائِعٍ فَيَقُولُ) الْبَائِعُ (بِعْتُكَ) كَذَا (أَوْ مَلَّكْتُكَ) هَذَا.
(وَنَحْوُهُمَا كَوَلَّيْتُكَ، أَوْ شَرِكْتُكَ فِيهِ أَوْ وَهَبْتُكَهُ) بِكَذَا (وَنَحْوَهُ) كَأَعْطَيْتُكَ.
(وَ) مِنْهَا (الْقَبُولُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَحَكَى فِي اللُّبَابِ الضَّمَّ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الْإِيجَابِ وَيَأْتِي حُكْمُ مَا لَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَالْقَبُولُ مَا يَصْدُرُ مِنْ مُشْتَرٍ (بِأَيِّ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى الرِّضَا) بِالْبَيْعِ (فَيَقُولُ) الْمُشْتَرِي (ابْتَعْتُ، أَوْ قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ: مَعْنَى مَا ذُكِرَ (كَتَمَلَّكْتُهُ أَوْ اشْتَرَيْتُهُ أَوْ أَخَذْتُهُ وَنَحْوَهُ) كَاسْتَبْدَلْتُهُ.
(وَيُشْتَرَطُ) لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ.
(أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ فِي الْقَدْرِ) فَلَوْ خَالَفَ، كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ بِعَشْرَةٍ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِثَمَانِيَةٍ لَمْ يَنْعَقِد.
(وَ) أَنْ يَكُونَ عَلَى وَفِقْهِ أَيْضًا فِي (النَّقْدِ وَصِفَتِهِ، وَالْحُلُولِ وَالْأَجَلِ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ) دِرْهَمٍ فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ (صَحِيحَةٍ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ وَنَحْوَهُ) كَاشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ نِصْفُهَا صَحِيحٌ وَنِصْفُهَا مُكَسَّرٌ، أَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ حَالَّةٍ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ، أَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى رَجَبٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي إلَى شَعْبَانَ (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ لِلْإِيجَابِ لَا قَبُولٌ لَهُ.
(وَلَوْ قَالَ) الْبَائِعُ: (بِعْتُكَ) كَذَا (بِكَذَا فَقَالَ) الْمُشْتَرِي: (أَنَا آخُذُهُ بِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ: لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ بِأَخْذِهِ (فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي) لِمَنْ قَالَ لَهُ: بِعْتُكَ كَذَا بِكَذَا (أَخَذْتُهُ مِنْك أَوْ) أَخَذْتُهُ (بِذَلِكَ صَحَّ) الْبَيْعُ، لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.
(وَلَا يَنْعَقِدُ) الْبَيْعُ (بِلَفْظِ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ) فِي بَابِ السَّلَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ: لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَفْظِ السَّلَمِ ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَقِيلَ يَصِحُّ بِلَفْظِ السَّلَمَ، قَالَهُ الْقَاضِي: قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ (فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ صَحَّ) الْبَيْعُ إنْ كَانَ الْقَبُولُ (بِلَفْظِ أَمْرٍ أَوْ) كَانَ بِلَفْظِ (مَاضٍ مُجَرَّدٍ عَنْ اسْتِفْهَامٍ وَنَحْوِهِ) كَتَمَنَّ وَتَرَجَّ وَيَأْتِي مِثَالُهُ فِي كَلَامِهِ (وَمَعَهُ) أَيْ: مَعَ الِاسْتِفْهَامِ وَنَحْوِهِ (أَلَا) بِعْتنِي (أَوْ مُضَارِعًا مِثْل: أَتَبِيعُنِي) وَكَذَا لَوْ تَجَرَّدَ عَنْ الِاسْتِفْهَامِ،؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَبُولٍ وَلَا اسْتِدْعَاءٍ (فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي) كَذَا (بِكَذَا) فَقَالَ: بِعْتُكَهُ صَحَّ، وَهَذَا مِثَالُ الْأَمْرِ.
(أَوْ) قَالَ (اشْتَرَيْتُ مِنْك) هَذَا (بِكَذَا فَقَالَ) الْبَائِعُ (بِعْتُكَ وَنَحْوَهُ) مِمَّا تَقَدَّمَ صَحَّ الْبَيْعُ، (أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْنِي بِكَذَا أَوْ اشْتَرَيْتُ مِنْك بِكَذَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهِ، أَوْ هُوَ مُبَارَكٌ عَلَيْك أَوْ) قَالَ (إنَّ اللَّهَ قَدْ بَاعَكَ) صَحَّ الْبَيْعُ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْمَقْصُودِ (أَوْ قَالَ) الْمُشْتَرِي (أَعْطِنِيهِ بِكَذَا فَقَالَ) الْبَائِعُ: (أَعْطَيْتُكَ أَوْ أَعْطَيْتُ صَحَّ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرِهِ بِكَذَا، أَوْ ابْتَعْهُ بِكَذَا فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ أَوْ ابْتَعْتُهُ لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ (حَتَّى يَقُولَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ (بِعْتُكَ أَوْ مَلَّكْتُكَ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ) قَالَ فِي النُّكَتِ: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَتَقَدُّمِ الطَّلَبِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْبَذْلِ.
(وَلَوْ قَالَ) الْبَائِعُ (بِعْتُكَ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ الْمُشْتَرِي: (قَبِلْتُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ) الْبَيْعُ (وَيَأْتِي) فِي الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ (وَإِنْ تَرَاخَى أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ) أَيْ: الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ أَوْ عَكْسُهُ (صَحَّ) الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا وَلَمْ يُلْغَ (مَا دَامَا) أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ (فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا)؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْقَبْضِ فِيهِ لِمَا يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُمَا، أَوْ تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا (فَلَا) يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعْرَاضٌ عَنْ الْعَقْدِ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَا بِالرَّدِّ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمُشْتَرِي (غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ فَكَاتَبَهُ) الْبَائِعُ (أَوْ رَاسَلَهُ: إنِّي بِعْتُك) دَارِي بِكَذَا (أَوْ) إنِّي (بِعْتُ فُلَانًا) وَنَسَبَهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ (دَارِي بِكَذَا فَلَمَّا بَلَغَهُ) أَيْ: الْمُشْتَرِيَ (الْخَبَرُ) قَبِلَ الْبَيْعَ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ التَّرَاخِيَ مَعَ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي لَا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْ الْإِيجَابِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا، وَمَا إذَا كَانَ غَائِبًا وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ أَبِي طَالِبٍ فِي النِّكَاحِ، قَالَ فِي رَجُلٍ يَمْشِي إلَيْهِ قَوْمٌ، فَقَالُوا: زَوِّجْ فُلَانًا فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُهُ عَلَى أَلْفٍ فَرَجَعُوا إلَى الزَّوْجِ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: قَدْ قَبِلْت، هَلْ يَكُونُ هَذَا نِكَاحًا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الشَّيْخُ التَّقِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْعَاقِدُ الْآخَرُ حَاضِرًا اُعْتُبِرَ قَبُولُهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا جَازَ تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْمَجْلِسِ كَمَا قُلْنَا فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ انْتَهَى وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِي الْقَبُولِ أَنْ يَكُونَ عَقِبَ الْإِيجَابِ، ثُمَّ ذَكَرُوا حُكْمَ التَّرَاخِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ وَحَكَّمُوا رِوَايَةَ أَبِي طَالِبٍ فِي النِّكَاحِ مُقَابِلَةً لِمَا قَدَّمُوهُ.
(وَ) الصُّورَةُ (الثَّانِيَةُ) لِعَقْدِ الْبَيْعِ (الدَّلَالَةُ الْحَالِيَّةُ وَهِيَ الْمُعَاطَاةُ تَصِحُّ) فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِهَا (فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ) نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتِعْمَالُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي بَيْعِهِمْ وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ لَنُقِلَ نَقْلًا شَائِعًا، وَلَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُخْفِ حُكْمَهُ وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَبِيَاعَاتِهِمْ عَلَى الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ بِهَا فِي الْيَسِيرِ خَاصَّةً وَهُوَ رِوَايَةٌ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَمِنْ صُوَرِ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ (وَنَحْوِهِ) قَوْلُ الْمُشْتَرِي (أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ خُبْزًا فَيُعْطِيهِ) الْبَائِعُ (مَا يُرْضِيهِ) وَهُوَ سَاكِتٌ (أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ) لِلْمُشْتَرِي (خُذْ هَذَا بِدِرْهَمٍ فَيَأْخُذُهُ) وَهُوَ سَاكِتٌ.
(وَمِنْهَا) أَيْ: الْمُعَاطَاةِ (لَوْ سَلَّمَهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ فَيَقُولُ) الْبَائِعُ: (خُذْهَا) فَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ سَاكِتٌ، (أَوْ) يَقُولُ الْبَائِعُ: (هِيَ لَك أَوْ) يَقُولُ (أَعْطَيْتُكَهَا) فَيَأْخُذُهَا (أَوْ يَقُولُ) الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ (كَيْفَ تَبِيعُ الْخُبْزَ؟ فَيَقُولُ) الْبَائِعُ: (كَذَا بِدِرْهَمٍ فَيَقُولُ) الْمُشْتَرِي: (خُذْ دِرْهَمًا أَوْ وَزْنَهُ) وَمِنْ الْمُعَاطَاةِ أَيْضًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ وَضَعَ ثَمَنَهُ) أَيْ: الْقَدْرِ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ ثَمَنُهُ (عَادَةً) كَقِطَعِ الْحَلْوَى، وَحُزَمِ الْبَقْلِ (وَأَخَذَهُ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ حَاضِرًا (وَ) يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِنَحْوِ (ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى بَيْعٍ وَشِرَاءٍ) فِي الْعَادَةِ.
(وَيُعْتَبَرُ فِي) صِحَّةِ بَيْعِ (الْمُعَاطَاةِ مُعَاقَبَةُ الْقَبْضِ) لِلطَّالِبِ فِي نَحْوِ: خُذْ هَذَا بِدِرْهَمٍ (أَوْ) مُعَاقَبَةُ (الْإِقْبَاضِ لِلطَّلَبِ) فِي نَحْوِ: أَعْطِنِي بِهَذَا خُبْزًا (لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ عَدَمُ التَّأْخِيرِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّفْظِيِّ) أَيْ: إذَا اُعْتُبِرَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ الْمَجْلِسِ، أَوْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا (فَ) اعْتِبَارُ عَدَمِ التَّأْخِيرِ (فِي الْمُعَاطَاةِ أَوْلَى) نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ قُنْدُسٍ، وَالْعَطْفُ بِالْفَاءِ فِي نَحْوِ: فَيُعْطِيهِ، وَمَا بَعْدَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِي الْمُعَاطَاةِ مُبْطِلٌ وَلَوْ كَانَ بِالْمَجْلِسِ، لَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ لِضَعْفِهَا عَنْ الصِّيغَةِ الْقَوْلِيَّةِ (وَكَذَا هِبَةٌ، وَهَدِيَّةٌ، وَصَدَقَةٌ) فَتَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي الْمَعْنَى، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتِعْمَالُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فَتَجْهِيزُ بِنْتِهِ) أَوْ غَيْرِهَا.
قَالَ الشَّيْخُ التَّقِيُّ: تَجْهِيزُ الْمَرْأَةِ (بِجِهَازٍ إلَى بَيْتِ زَوْجٍ تَمْلِيكٌ) لَهَا (وَلَا بَأْسَ بِذَوْقِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الشِّرَاءِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ لَا أَدْرِي إلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ فَلِذَا قَالَ: (مَعَ الْإِذْنِ) وَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، لَكِنْ قَدَّمَ الْأُولَى فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُبْدِعِ، وَالْإِنْصَافِ، وَغَيْرِهَا.

.شروط الْبَيْعِ:

(وَشُرُوطُ الْبَيْعِ سَبْعَةٌ):

.(أَحَدُهَا التَّرَاضِي بِهِ مِنْهُمَا):

أَيْ: مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ اخْتِيَارًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَلِحَدِيثِ «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ (مَا لَمْ يَكُنْ بَيْعَ تَلْجِئَةٍ وَأَمَانَةٍ، بِأَنْ يُظْهِرَا بَيْعًا لَمْ يُرِيدَاهُ بَاطِنًا بَلْ) أَظْهَرَاهُ (خَوْفًا مِنْ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ) كَخَوْفِ ضَيَاعِهِ، أَوْ نَهْبِهِ وَدَفْعًا لَهُ (فَ) الْبَيْعُ إذْن (بَاطِلٌ) حَيْثُ تَوَاطَآ عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَقُولَا فِي الْعَقْدِ: تَبَايَعْنَا هَذَا تَلْجِئَةً) لِدَلَالَةِ الْحَال عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ بَيْعُ الْأَمَانَةِ) هُوَ (الَّذِي مَضْمُونُهُ اتِّفَاقُهُمَا) أَيْ: اتِّفَاقُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ جَاءَ بِالثَّمَنِ، أَعَادَ إلَيْهِ) الْمُشْتَرِي (مِلْكَ ذَلِكَ يَنْتَفِعُ بِهِ) أَيْ: بِالْمِلْكِ الْمَبِيعِ (الْمُشْتَرِي بِالْإِجَارَةِ وَالسُّكْنَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَرُكُوبِ مَا يَرْكَبُهُ، أَوْ حَلْبِهِ (وَهُوَ) أَيْ: الْبَيْعُ إذَنْ (عَقْدٌ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ وَمَقْصُودُهُمَا: إنَّمَا هُوَ الرِّبَا بِإِعْطَاءِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ، وَمَنْفَعَةُ الدَّارِ) أَوْ نَحْوُهَا (هِيَ الرِّبْحُ) فَهُوَ فِي الْمَعْنَى قَرْضٌ بِعِوَضٍ.
(وَالْوَاجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ، وَأَنْ يَرُدَّ) الْبَائِعُ إلَى (الْمُشْتَرِي مَا قَبَضَهُ مِنْهُ لِكَيْ يُحْسَبَ لَهُ) أَيْ: الْبَائِعُ (مِنْهُ مَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَالِ الَّذِي سَمَّوْهُ أُجْرَةً) وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي سَكَنَ حُسِبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَتَحْصُلُ الْمُقَاصَّةُ بِقَدْرِهِ، وَيُرَدُّ الْفَضْلُ.
(وَكَذَا) أَيْ: كَبَيْعِ التَّلْجِئَةِ (بَيْعُ الْهَازِلِ) فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُرَدْ حَقِيقَتُهُ (وَيُقْبَلُ مِنْهُ أَيْ: مِنْ الْبَائِعِ: أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ تَلْجِئَةً أَوْ هَزْلًا (بِقَرِينَةٍ) دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ (مَعَ يَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ: بَاعَ إنْسَانٌ مَالَهُ (خَوْفًا مِنْ ظَالِمٍ أَوْ خَافَ) إنْسَانٌ (ضَيْعَتَهُ، أَوْ نَهْبَهُ، أَوْ سَرِقَتَهُ، أَوْ غَصْبَهُ) فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ تَوَاطُؤٍ) مَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ تَلْجِئَةٌ وَأَمَانَةٌ (صَحَّ بَيْعُهُ)؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكٍ بِلَا حَقٍّ فَطَلَبَهُ فَجَحَدَهُ) إيَّاهُ حَتَّى يَبِيعَهُ لَهُ (أَوْ مَنَعَهُ إيَّاهُ حَتَّى يَبِيعَهُ) لَهُ فَبَاعَهُ (عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهَذَا مُكْرَهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ إلَيْهِ.
(فَإِنْ كَانَ) أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ (أَوْ) كَانَ (أَحَدُهُمَا مُكْرَهًا لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا أَنْ يُكْرَهَ بِحَقٍّ كَاَلَّذِي يُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ) أَوْ عَلَى شِرَاءِ مَا يُوَفِّي مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ (فَيَصِحُّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَصَحَّ، كَإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ) إنْسَانٌ (عَلَى وَزْنِ مَالٍ فَبَاعَ مِلْكَهُ) فِي ذَلِكَ (صَحَّ) الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ (وَكُرِهَ الشِّرَاءُ) مِنْهُ (وَهُوَ بَيْعُ الْمُضْطَرِّينَ) قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لِبَيْعِهِ بِدُونِ ثَمَنِهِ أَيْ: ثَمَنِ مِثْلِهِ.
(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: اشْتَرِنِي مِنْ زَيْدٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ فَاشْتَرَاهُ) الْمَقُولُ لَهُ (فَبَانَ حُرًّا لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ: الْقَائِلَ (الْعُهْدَةُ) أَيْ عُهْدَةُ الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ (حَضَرَ الْبَائِعُ، أَوْ غَابَ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَدَ مِنْهُ الْإِقْرَارَ، دُونَ الضَّمَانِ (كَقَوْلِهِ) أَيْ: كَقَوْلِ إنْسَانٍ لِآخَرَ: (اشْتَرِ مِنْهُ عَبْدَهُ هَذَا) فَاشْتَرَاهُ، فَتَبَيَّنَ حُرًّا فَلَا تَلْزَمُ الْقَائِلَ الْعُهْدَةُ.
(وَيُؤَدَّبُ، هُوَ وَبَائِعُهُ) لِمَا صَدَرَ مِنْهُمَا مِنْ التَّغْرِيرِ (وَيَرُدُّ) كُلٌّ مِنْهُمَا (مَا أَخَذَهُ)؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ الْإِمَامِ رِوَايَةٌ (يُؤْخَذُ الْبَائِعُ وَالْمُقِرُّ بِالثَّمَنِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ غَابَ أُخِذَ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ (وَيَتَوَجَّهُ هَذَا فِي كُلِّ غَارٍّ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.
(وَلَوْ كَانَ الْغَارُّ أُنْثَى) فَقَالَتْ لِآخَرَ: اشْتَرِنِي مِنْ هَذَا فَإِنِّي أَمَتُهُ، فَاشْتَرَاهَا وَوَطِئَهَا (حُدَّتْ دُونَهُ) وَلَا مَهْرَ (لَهَا؛ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ) وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ لِلشُّبْهَةِ.
(وَلَوْ أَقَرَّ) شَخْصٌ لِآخَرَ (أَنَّهُ عَبْدُهُ فَرَهَنَهُ فَكَبَيْعٍ) فَلَا تَلْزَمُ الْعُهْدَةُ الْقَائِلَ: حَضَرَ الرَّاهِنُ، أَوْ غَابَ عَلَى الْمُخْتَارِ.

.فَصْلٌ: الشَّرْطُ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ:

(أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ) مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ (جَائِزَ التَّصَرُّفِ وَهُوَ) الْحُرُّ (الْبَالِغُ الرَّشِيدِ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ وَنَائِمٍ وَمُبَرْسَمٍ وَسَفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الرِّضَا فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ رَشِيدٍ كَالْإِقْرَارِ (إلَّا الصَّغِيرَ الْمُمَيِّزَ وَالسَّفِيهَ فَيَصِحُّ، تَصَرُّفُهُمَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا وَلَوْ فِي الْكَثِيرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} أَيْ: اخْتَبِرُوهُمْ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِتَفْوِيضِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إلَيْهِمْ (وَحَرُمَ عَلَى الْوَلِيِّ لَهُمَا) أَيْ: لِلْمُمَيِّزِ وَالسَّفِيهِ فِي التَّصَرُّفِ (لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضَاعَةِ.
(وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الْمُمَيِّزِ وَالسَّفِيهِ (قَبُولُ هِبَةٍ) وَنَحْوِهَا (وَوَصِيَّةٍ بِلَا إذْنِ) وَلِيٍّ كَالْبَيْعِ (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ الشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ (صِحَّتَهُ) أَيْ (صِحَّةَ) قَبُولِ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ (مِنْ مُمَيِّزٍ) بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ (كَعَبْدٍ) أَيْ: كَمَا يَصِحُّ فِي الْعَبْدِ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ نَصًّا وَيَكُونَانِ لِسَيِّدِهِ.
(وَيَصِحُّ تَصَرُّفُ صَغِيرٍ، وَلَوْ دُونَ تَمْيِيزٍ) فِي يَسِيرٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ اشْتَرَى مِنْ صَبِيٍّ عُصْفُورًا فَأَرْسَلَهُ» ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى.
(وَ) يَصِحُّ أَيْضًا تَصَرُّفُ (رَقِيقٍ وَسَفِيهٍ بِغَيْرِ إذْنِ) وَلِيٍّ وَسَيِّدٍ (فِي) شَيْءٍ (يَسِيرٍ) كَبَاقَةِ الْبَقْلِ وَالْكِبْرِيتِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الْحَجْرِ خَوْفُ ضَيَاعِ الْمَالِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْيَسِيرِ (وَشِرَاءُ رَقِيقٍ) بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ (فِي ذِمَّتِهِ) لَا يَصِحُّ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ وَكَذَا شِرَاؤُهُ بِعَيْنِ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ،؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ (وَاقْتِرَاضُهُ) أَيْ اقْتِرَاضُ الرَّقِيقِ مَالًا (لَا يَصِحُّ كَسَفِيهٍ) بِجَامِعِ الْحَجْرِ (وَتُقْبَلُ مِنْ مُمَيِّزٍ) حُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَدُونَهُ (هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ بِهَا وَ) يُقْبَلُ مِنْهُ أَيْضًا (إذْنُهُ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا) عَمَلًا بِالْعُرْفِ.
(قَالَ الْقَاضِي) فِي جَامِعِهِ (وَمِنْ كَافِرٍ وَفَاسِقٍ) وَذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ إجْمَاعًا.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ يُقْبَلُ مِنْهُ (إذَا ظُنَّ صِدْقُهُ) بِقَرِينَةٍ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ.

.فَصْلٌ: الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مَالًا:

لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْمَالِ، إذْ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ (وَهُوَ) أَيْ: الْمَالُ شَرْعًا: (مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ أَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ضَرُورَةٍ) فَخَرَجَ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ أَصْلًا كَالْحَشَرَاتِ وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِلْحَاجَةِ كَالْكَلْبِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَيْتَةِ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ وَخَمْرٍ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا كَغَيْرِهِ: أَنَّ النَّفْعَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي حَدِّ الْبَيْعِ صِحَّتَهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُنَا: كَوْنُ الْمَبِيعِ مَالًا أَوْ نَفْعًا مُبَاحًا مُطْلَقًا أَوْ يُعَرَّفُ الْمَالُ بِمَا يَعُمُّ الْأَعْيَانَ وَالْمَنَافِعَ (فَيَجُوزُ بَيْعُ بَغْلٍ وَحِمَارٍ وَعَقَارٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَمَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَمَلْبُوسٍ وَمَرْكُوبٍ وَدَقِيقٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ ذَلِكَ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَقِيَاسًا، لِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ النَّصُّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا وَرَدَ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (دُودِ قَزٍّ وَبَزْرِهِ) قَبْلَ أَنْ يَدِبَّ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ يَخْرُجُ مِنْهُ الْحَرِيرُ الَّذِي هُوَ أَفْخَرُ الْمَلَابِسِ، بِخِلَافِ الْحَشَرَاتِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (مَا يُصَادُ عَلَيْهِ كَبُومَةٍ) يَجْعَلُهَا (شَبَاشًا) وَهُوَ طَائِرٌ تُخَاطُ عَيْنَاهُ وَيُرْبَطُ لِيَنْزِلَ عَلَيْهِ الطَّيْرُ فَيُصَادُ.
(وَيُكْرَهُ فِعْلُ ذَلِكَ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهَا (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (دِيدَانٍ لِصَيْدِ سَمَكٍ وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (عَلَقٍ لِمَصِّ دَمٍ وَ).
يَصِحُّ (بَيْعُ طَيْرٍ لِقَصْدِ صَوْتِهِ كَبُلْبُلٍ وَهَزَارٍ)؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا (وَ) كَذَا (بَبَّغَاءٌ وَهِيَ الدُّرَّةُ وَ) كَذَا (نَحْوُهَا) كَقُمْرِيٍّ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (نَحْلٍ مُنْفَرِدًا عَنْ كُوَّارَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهِ شَرَابٌ فِيهِ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ فَهُوَ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ خَارِجًا عَنْ كُوَّارَتِهِ مَعَهَا (بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ) وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ لِلْغَرَرِ (وَفِيهَا) أَيْ: وَيَصِحُّ بَيْعُ نَحْلٍ فِي كُوَّارَتِهِ (مَعَهَا) إذَا شُوهِدَ دَاخِلًا إلَيْهَا.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ النَّحْلِ فِي كُوَّارَتِهِ (بِدُونِهَا إذَا شُوهِدَ دَاخِلًا إلَيْهَا) أَيْ: إلَى كُوَّارَتِهِ هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: (فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِفَتْحِ رَأْسِهَا) أَيْ: الْكُوَّارَةِ (وَمُشَاهَدَتِهِ) أَيْ: النَّحْلِ: يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُشَاهَدَتُهُ دَاخِلًا إلَيْهَا، بَلْ يَكْفِي رُؤْيَتُهُ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ قَالَ (وَخَفَاءُ بَعْضِهِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ) أَيْ صِحَّةَ الْبَيْعِ (كَالصُّبْرَةِ) لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِهَا اسْتِتَارُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا) أَيْ: الْكُوَّارَةِ (بِمَا فِيهَا مِنْ عَسَلٍ وَنَحْلٍ) لِلْجَهَالَةِ (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ مَا كَانَ مَسْتُورًا) مِنْ النَّحْلِ (بِأَقْرَاصِهِ) لِلْجَهَالَةِ.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ هِرٍّ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ لَهَا حَبَسَتْهَا» وَالْأَصْلُ فِي اللَّامِ الْمِلْكُ وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يُبَاحُ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ مُطْلَقًا أَشْبَهَ الْبَغْلَ (وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اخْتَارَهُ فِي الْهَدْيِ وَالْفَائِقِ وَصَحَّحَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ السِّنَّوْرِ فَقَالَ زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ».
وَفِي لَفْظٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ مِنْهَا، أَوْ مَا لَا نَفْعَ مِنْهَا.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ فِيلٍ)؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ أَشْبَهَ الْبَغْلَ (وَ) يَجُوزُ بَيْعُ (سِبَاعِ بَهَائِمَ) كَالْفَهْدِ.
(وَ) بَيْعُ (جَوَارِحِ طَيْرٍ) كَصَقْرٍ وَبَازٍ (يَصْلُحَانِ) أَيْ: السِّبَاعُ وَالْجَوَارِحُ (لِصَيْدٍ) بِأَنْ تَكُونَ (مُعَلَّمَةً أَوْ تَقْبَلَهُ) أَيْ: التَّعْلِيمَ؛ لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا مُبَاحًا (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (وَلَدِهِ) أَيْ: وَلَدِ ذَكَرٍ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (فَرْخِهِ) أَيْ: فَرْخِ طَيْرِ الصَّيْدِ (وَبَيْضِهِ لِاسْتِفْرَاخِهِ)؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْمَالِ أَشْبَهَتْ الْجَحْشَ الصَّغِيرَ فَإِنْ اشْتَرَى الْبَيْضَ الْمَذْكُورَ لِنَحْوِ أَكَلٍ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ إبَاحَتِهِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (قِرْدٍ لِحِفْظٍ)؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ وَ(لَا) يَصِحُّ بَيْعُ قِرْدٍ (لِلَّعِبِ وَكَرِهَ أَحْمَدُ بَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ) قَالَ أَكْرَهُ بَيْعَ الْقِرْدِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَاقَةِ بِهِ وَاللَّعِبِ فَأَمَّا بَيْعُهُ لِحِفْظِ الْمَتَاعِ وَالدُّكَّانِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّقْرِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ قِنٍّ (مُرْتَدٍّ) وَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ،؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَخَشْيَةُ هَلَاكِهِ لَا تَمْنَعُ بَيْعَهُ كَالْمَرِيضِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ قِنٍّ (جَانٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَا دُونَهَا) سَوَاءٌ (أَوْجَبَتْ) الْجِنَايَةُ (الْقِصَاصَ أَوْ لَا)؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَقٌّ ثَبَتَ بِغَيْرِ رِضَا سَيِّدِهِ فَلَمْ يُمْنَعْ بَيْعُهُ كَالدَّيْنِ (وَلِجَاهِلٍ) بِالرِّدَّةِ أَوْ الْجِنَايَةِ حَالَ الشِّرَاءِ (الْخِيَارُ) بَيْنَ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ كَالْعَيْبِ (وَيَأْتِي آخِرَ خِيَارِ الْعَيْبِ).
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (مَرِيضٍ وَلَوْ مَأْيُوسًا مِنْهُ)؛ لِأَنَّ خَشْيَةَ هَلَاكِهِ لَا تَمْنَعُ بَيْعَهُ (وَلِجَاهِلٍ) بِمَرَضِهِ حَالَ الشِّرَاءِ (الْخِيَارُ) بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عَيْبٌ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ قِنٍّ (قَاتَلَ فِي مُحَارَبَةٍ مُتَحَتِّمٍ قَتْلُهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ إلَى قَتْلِهِ، وَيُعْتِقُهُ فَيَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِهِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ قِنٍّ (مُتَحَتَّمٍ قَتْلُهُ بِكُفْرٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: وَمُرْتَدٍّ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (أَمَةٍ لِمَنْ بِهِ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ كَجُذَامٍ وَبَرَصٍ)؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُرَادُ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ (وَهَلْ لَهَا) أَيْ: لِلْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ لِمَنْ بِهِ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ (مَنْعَهُ مِنْ وَطْئِهَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَوْلَاهُمَا لَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ) لِمِلْكِهِ لَهَا وَلِمَنَافِعِهِ (وَبِهِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ، حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْعِمَادِ فِي كِتَابِ التِّبْيَانِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْحَيَوَانِ).
(وَ) يَصِحُّ (بَيْعُ لَبَنِ آدَمِيَّةٍ وَلَوْ) كَانَتْ (حُرَّةً) أَيْ: الْمُنْفَصِلِ مِنْهَا،؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ كَلَبَنِ الشَّاةِ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ فِي إجَارَةِ الظِّئْرِ فَيَضْمَنُهُ مُتْلِفُهُ.
(وَيُكْرَهُ) لِلْمَرْأَةِ بَيْعُ لَبَنِهَا نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَ) لَا يَصِحُّ (بَيْعُ لَبَنِ رَجُلٍ) فَلَا يُضْمَنُ بِإِتْلَافٍ.
(وَلَا) بَيْعُ (خَمْرٍ وَلَوْ كَانَا) أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ (ذِمِّيَّيْنِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (لَا) بَيْعُ وَلَوْ مُبَاحَ الِاقْتِنَاءِ (كَلْبِ صَيْدٍ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَمَنْ قَتَلَهُ) أَيْ: الْكَلْبَ (وَهُوَ مُعَلَّمُ) الصَّيْدِ.
وَالْمُرَادُ مَنْ قَتَلَ كَلْبًا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ، كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (أَسَاءَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ لَا يُمْلَكُ) وَلَا قِيمَةَ لَهُ وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ غَيْرِ أَسْوَدَ بَهِيمٍ وَعَقُورٍ، وَلَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ.
(وَيَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ) أَيْ الْكَلْبِ (كَ) مَا يَحْرُمُ اقْتِنَاءُ (خِنْزِيرٍ) وَلَوْ لِحِفْظِ الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا (إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ وَصَيْدٍ، وَحَرْثٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِلْمَاشِيَةِ وَالصَّيْدِ وَالْحَرْثِ (إنْ لَمْ يَكُنْ أَسْوَدَ بَهِيمًا أَوْ عَقُورًا وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ) بَيَانُ ذَلِكَ وَتَعْلِيلُهُ.
(وَيَجُوزُ تَرْبِيَةُ الْجَرْوِ الصَّغِيرِ لِأَجْلِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ: لِوَاحِدٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَالصَّيْدِ وَالْحَرْثِ،؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ مَا يُبَاحُ.
(وَمَنْ اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ ثُمَّ تَرَكَ الصَّيْدَ مُدَّةً وَهُوَ يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَيْهِ لَمْ يَحْرُمْ اقْتِنَاؤُهُ فِي مُدَّةِ تَرْكِهِ) الصَّيْدَ.
(وَكَذَا) مَنْ اقْتَنَى كَلْبَ زَرْعٍ (لَوْ حَصَدَ الزَّرْعَ أُبِيحَ اقْتِنَاؤُهُ حَتَّى يَزْرَعَ زَرْعًا آخَرَ وَكَذَا لَوْ هَلَكَتْ مَاشِيَةٌ) اقْتَنَى لَهَا كَلْبًا (أَوْ بَاعَهَا وَهُوَ يُرِيدُ شِرَاءَ غَيْرِهَا فَلَهُ إمْسَاكُ كَلْبِهَا لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِي الَّتِي يَشْتَرِيهَا)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
(وَمَنْ مَاتَ وَفِي يَدِهِ كَلْبٌ) يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ (فَوَرَثَتُهُ أَحَقُّ بِهِ) كَسَائِرِ الِاخْتِصَاصَاتِ (وَيَجُوزُ إهْدَاءُ الْكَلْبِ الْمُبَاحِ وَالْإِثَابَةُ عَلَيْهِ) لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ) قِنٍّ (مَنْذُورٍ عِتْقُهُ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: نَذْرٌ تَبَرَّرَ)؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ وَجَبَ بِالنَّذْرِ، فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِبَيْعِهِ، كَالْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ وَاحْتَرَزَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ عَنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ لِإِجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ.
(وَلَا) بَيْعُ (تِرْيَاقٍ يَقَعُ فِيهِ لُحُومُ الْحَيَّاتِ)؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ فَخَلَا مِنْ نَفْعٍ مُبَاحٍ وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ، وَلَا بِسُمِّ الْأَفَاعِي وَيَصِحُّ بَيْعُ التِّرْيَاقِ الْخَالِي مِنْ لُحُومِ الْحَيَّاتِ وَمِنْ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ كَسَائِرِ الْمَعَاجِينِ الْخَالِيَةِ مِنْ مُحَرَّمٍ (وَلَا) بَيْعُ (سُمُومٍ قَاتِلَةٍ كَسُمِّ الْأَفَاعِي) لِخُلُوِّهَا مِنْ نَفْعٍ مُبَاحٍ (فَأَمَّا السُّمُّ مِنْ الْحَشَائِشِ وَالنَّبَاتِ فَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ كَانَ يَقْتُلُ قَلِيلُهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ اُنْتُفِعَ بِهِ وَأَمْكَنَ التَّدَاوِي بِيَسِيرِهِ كَالسَّقَمُونْيَا وَنَحْوِهَا، جَازَ بَيْعُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ الْمُبَاحِ.
(وَيَحْرُمُ بَيْعُ مُصْحَفٍ وَلَوْ فِي دَيْنٍ) قَالَ أَحْمَدُ لَا نَعْلَمُ فِي بَيْعِ الْمُصْحَفِ رُخْصَةً قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «وَدَدْتُ أَنَّ الْأَيْدِي تُقْطَعُ فِي بَيْعِهَا» وَلِأَنَّ تَعْظِيمَهُ وَاجِبٌ وَفِي بَيْعِهِ ابْتِذَالٌ لَهُ وَتَرْكٌ لِتَعْظِيمِهِ.
(وَلَا يَصِحُّ) بَيْعُ الْمُصْحَفِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْإِنْصَافِ: أَنَّهُ الْمَذْهَبُ.
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَلَا يَصِحُّ لِكَافِرٍ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَمُقْتَضَاهُ: صِحَّتُهُ لِلْمُسْلِمِ مَعَ الْحُرْمَةِ (كَ) مَا لَا يَصِحُّ (بَيْعُهُ لِكَافِرٍ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِدَامَةِ مِلْكِهِ فَمُنِعَ مِنْ ابْتِدَائِهِ (فَإِنْ مَلَكَهُ) الْكَافِرُ (بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ (أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ يَدِهِ عَنْهُ) خَشْيَةَ امْتِهَانِهِ.
(وَكَذَا) أَيْ كَبَيْعِ الْمُصْحَفِ (إجَارَتُهُ وَرَهْنُهُ) فَيَحْرُمَانِ وَلَا يَصِحَّانِ (وَيَلْزَمُ بَذْلُهُ) أَيْ: الْمُصْحَفِ (لِمَنْ احْتَاجَ إلَى الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْ مُصْحَفًا غَيْرَهُ) لِلضَّرُورَةِ (وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ بِلَا إذْنِ) مَالِكِهِ.
(وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ)؛ لِأَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَى رَبِّهِ (وَلَا يُكْرَهُ شِرَاؤُهُ) أَيْ: شِرَاءُ الْمُصْحَفِ (؛ لِأَنَّهُ اسْتِنْقَاذٌ) لَهُ كَشِرَاءِ الْأَسِيرِ.
(وَلَا) يُكْرَهُ (إبْدَالُهُ) أَيْ إبْدَالِ الْمُصْحَفِ (لِمُسْلِمٍ بِمُصْحَفٍ آخَرَ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرَّغْبَةِ عَنْهُ وَلَا عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِهِ بِعِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ، بِخِلَافِ أَخْذِ ثَمَنِهِ (وَلَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ) أَيْ: الْمُصْحَفِ وَلَوْ فِي دَيْنٍ (لَمْ يُبَعْ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَجُوزُ نَسْخُهُ) أَيْ: الْمُصْحَفِ (بِأُجْرَةٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ (وَلَا يُقْطَعُ) سَارِقٌ (بِسَرِقَتِهِ) أَيْ: الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ.
(وَيَجُوزُ وَقْفُهُ) أَيْ: الْمُصْحَفِ (وَهِبَتُهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِيَاضَ فِي ذَلِكَ عَنْهُ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُ أَحْكَامِهِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ) فَلَمْ نُطِلْ بِإِعَادَتِهَا.
وَيَجُوزُ بَيْعُ كُتُبِ الْعِلْمِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا تُبَاعُ (وَيَصِحُّ شِرَاءُ كُتُبِ زَنْدَقَةٍ لِيُتْلِفَهَا، لَا) شِرَاءُ خَمْرٍ لِيُرِيقَهَا (؛ لِأَنَّ فِي الْكُتُبِ مَالِيَّةُ الْوَرَقِ) وَتَعُودُ وَرَقًا مُنْتَفَعًا بِهِ بِالْمُعَالَجَةِ.
(قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَبْطُلُ بِآلَةِ اللَّهْوِ، وَسَقَطَ حُكْمُ مَالِيَّةِ الْخَشَبِ).
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ آلَةِ لَهْوٍ كَمِزْمَارٍ وَطُنْبُورٍ وَمِنْهَا النَّرْدُ وَالشِّطْرَنْجُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (حَشَرَاتٍ) كَخَنَافِسَ (سِوَى مَا تَقَدَّمَ) مِنْ دُودِ الْقَزِّ وَدِيدَانٍ يُصَادُ بِهَا وَالْحَشَرَاتُ (كَفَأْرٍ وَحَيَّاتٍ وَعَقَارِبَ وَنَحْوِهَا) كَصَرَاصِرَ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَيْتَةٍ وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَوْ لِمُضْطَرٍّ) لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا سَمَكًا وَجَرَادًا وَنَحْوَهُمَا) كَجُنْدُبٍ لِحِلِّ أَكْلِهَا (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (دَمٍ وَخِنْزِيرٍ وَصَنَمٍ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (سِبَاعِ بَهَائِمَ) لَا تَصْلُحُ لِصَيْدٍ (وَ) لَا (جَوَارِحِ طَيْرٍ لَا تَصْلُحُ لِصَيْدٍ، كَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ وَسَبُعٍ وَغُرَابٍ) لَا يُؤْكَلُ (وَحِدَأَةٍ وَنِسْرٍ وَعَقْعَقٍ وَنَحْوِهَا)؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا كَالْحَشَرَاتِ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (سِرْجِينٍ) أَيْ زِبْلٍ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ: سِرْقِينٌ (نَجِسٍ) بِخِلَافِ الطَّاهِرِ مِنْهُ كَرَوَثِ الْحَمَامِ وَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ.
(وَ) لَا يَصِحُّ بَيْعُ (أَدْهَانٍ نَجِسَةِ الْعَيْنِ مِنْ شُحُومِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِهَا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» (وَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا) أَيْ: بِالْأَدْهَانِ النَّجِسَةِ الْعَيْنِ (بِاسْتِصْبَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَتُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَتَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ: لَا بَلْ هُوَ حَرَامٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ) نَحْوِ (نِصْفٍ مُعَيَّنٍ مِنْ إنَاءٍ وَسَيْفٍ وَنَحْوِهِمَا) مِنْ كُلِّ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لَوْ كُسِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ مُفْرَدًا إلَّا بِإِتْلَافِهِ، وَإِخْرَاجِهِ عَنْ الْمَالِيَّة، بِخِلَافِ بَيْعِ جُزْءٍ مِنْهُ مُشَاعًا (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ أَدْهَانٍ مُتَنَجِّسَةٍ) كَزَيْتٍ لَاقَى نَجَاسَةً.
(وَلَوْ) بِيعَ (لِكَافِرٍ) يُعْلَمُ حَالُهُ (لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مُخْتَصَرًا (وَيَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهَا) أَيْ: بِالْأَدْهَانِ الْمُتَنَجِّسَةِ (فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَعَدَّى نَجَاسَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا مِنْ غَيْرِ ضُرٍّ وَاسْتِعْمَالُهَا عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَعَدَّى بِأَنْ تُجْعَلَ فِي إبْرِيقٍ وَيُصَبُّ مِنْهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَلَا يُمَسَّ، أَوْ يُدْعَ عَلَى أُسِّ الْجَرَّةِ الَّتِي فِيهَا الدُّهْنُ سِرَاجًا مَثْقُوبًا وَيُطَيِّنُهُ عَلَى رَأْسِ إنَاءِ الدُّهْنِ وَكُلَّمَا نَقَصَ دُهْنُ السِّرَاجِ صُبَّ فِيهِ مَاءٌ بِحَيْثُ يَرْفَعُ الدُّهْنَ فَيَمْلَأُ السِّرَاجَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَهَذَا الْقَيْدُ قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَنَقَلَهُ طَائِفَةٌ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ شَرْطًا فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهَا فِيهِ مُطْلَقًا.
(وَ) يَجُوزُ (أَنْ تُدْفَعَ) الْأَدْهَانُ الْمُتَنَجِّسَةُ (إلَى كَافِرٍ فِي فِكَاكِ مُسْلِمٍ وَيُعْلَمُ بِنَجَاسَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا حَقِيقَةً) بَلْ افْتِدَاءً (وَإِنْ اجْتَمَعَ مِنْ دُخَانِهِ) أَيْ: الدُّهْنِ الْمُتَنَجِّسِ (شَيْءٌ فَهُوَ نَجِسٌ) كَغُبَارِهَا وَبُخَارِهَا وَتَقَدَّمَ (فَإِنْ عَلَقَ) دُخَانُ النَّجَاسَةِ (بِشَيْءٍ) طَاهِرٍ (عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ) وَهُوَ مَا لَا تَظْهَرُ صِفَتُهُ لِلْمَشَقَّةِ وَتَقَدَّمَ.
(وَيَصِحُّ بَيْعُ نَجِسٍ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَثَوْبٍ وَنَحْوِهِ) كَإِنَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ تَطْهِيرِهِ.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ إذَا خُلِعَتْ) عَنْهَا (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحُرِّ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَكَرَ مِنْهُمْ رَجُلًا بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَلَا) بَيْعُ (مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ كَالْمُبَاحَاتِ) مِنْ نَحْوِ كَلَأٍ وَمَاءٍ وَمَعْدِنٍ (قَبْلَ حِيَازَتِهَا وَتَمَلُّكِهَا) لِفَقْدِ الشَّرْطِ الرَّابِعِ.
(وَلَوْ بَاعَ أَمَةً حَامِلًا بِحُرٍّ قَبْلَ وَضْعِهِ صَحَّ) الْبَيْعُ (فِيهَا) لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَجَهَالَةُ الْحَمْلِ لَا تَضُرُّ وَقَدْ يُسْتَثْنَى بِالشَّرْعِ مَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بِاللَّفْظِ كَبَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ يَصِحُّ وَمَنْفَعَةُ الْبُضْعِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالشَّرْعِ وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا بِاللَّفْظِ.