فصل: فَصْلٌ: أَوَّلُ مَنْ أَضَافَ الضَّيْفَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: حكمُ عابرِ السبيلِ:

(مَنْ مَرَّ بِثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ) بِبُسْتَانٍ (أَوْ) مَرَّ بِثَمَرٍ (سَاقِطٍ تَحْتَهُ) أَيْ الشَّجَرِ (لَا حَائِطَ عَلَيْهِ) أَيْ الشَّجَرِ (وَلَا نَاظِرَ) أَيْ حَافِظَ (وَلَوْ) كَانَ الْمَارُّ بِهِ (غَيْرَ مُسَافِرٍ وَلَا مُضْطَرٍّ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَجَّانًا وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ) إلَى أَكْلِهِ (وَلَوْ) أَكَلَهُ (مِنْ غُصُونِهِ مِنْ غَيْرِ رَمْيِهِ بِشَيْءٍ وَلَا ضَرْبِهِ وَلَا صُعُودِ شَجَرَةِ) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إذَا أَتَيْتَ حَائِطَ بُسْتَانٍ فَنَادِ يَا صَاحِبَ الْبُسْتَانِ فَإِنْ أَجَابَكَ وَإِلَّا فَكُلْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا وَفَعَلَهُ أَنَسٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ وَأَبُو بَرْزَةَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ رَمْيُهُ بِشَيْءٍ وَلَا ضَرْبُهُ بِهِ وَلَا صُعُودُ شَجَرٍ لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُ (وَاسْتَحَبَّ جُمْلَةٌ).
مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ (أَنْ يُنَادِيَ) الْمَارُّ (قَبْلَ الْأَكْلِ ثَلَاثًا يَا صَاحِبَ الْبُسْتَانِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا أَكَلَ لِلْخَبَرِ) السَّابِقِ (وَكَذَا يُنَادِي لِلْمَاشِيَةِ) إذَا أَرَادَ الشُّرْبَ مِنْ لَبَنِهَا.
(وَنَحْوِهَا) كَزَرْعٍ قَائِمٍ قِيَاسًا عَلَى الثَّمَرَةِ (وَلَا يَحْمِلُ) مِنْ الثَّمَرَةِ إذَا مَرَّ بِهَا وَلَوْ بِلَا حَائِطٍ وَلَا نَاطُورٍ لِقَوْلِ عُمَرَ: «يَأْكُلُ وَلَا يَتَّخِذُ خُبْنَةً» وَهِيَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَا يَحْمِلُهُ فِي حِضْنِهِ (وَلَا يَأْكُلُ مِنْ) ثَمَرٍ (مَجْمُوعٍ) وَ(مَجْنِيٍّ) لِإِحْرَازِهِ (وَلَا) يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِ (مَا وَرَاءَ حَائِطٍ) أَوْ عَلَيْهِ نَاطُورٌ لِأَنَّ إحْرَازَهُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شُحِّ صَاحِبِهِ.
(إلَّا لِضَرُورَةٍ) بِأَنْ يَكُونَ مُضْطَرًّا فَيَأْكُلُ لِلضَّرُورَةِ (مُلْتَزِمًا عِوَضَهُ) لِرَبِّهِ كَغَيْرِ الثَّمَرِ (وَكَثَمَرِ زَرْعٍ قَائِمٍ كَبُرٍّ يُؤْكَلُ فَرِيكًا عَادَةً) لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَكْلِهِ رَطْبًا أَشْبَهَ الثَّمَرَ (وَبَاقِلَّا وَحِمَّص أَخْضَرَيْنِ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ رَطْبًا عَادَةً) لِمَا سَبَقَ.
(وَلَبَنَ مَاشِيَةٍ إذَا لَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا فَهِيَ كَالثَّمَرَةِ) لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةٌ مَرْفُوعًا قَالَ:
«إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ أَوْ حَافِظٌ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ (بِخِلَافِ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ رَطْبًا فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ شَرْعًا وَعَادَةً.
(وَالْأَوْلَى فِي الثِّمَارِ وَغَيْرِهَا) كَالزَّرْعِ وَلَبَنِ الْمَاشِيَةِ (أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنٍ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
(وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ جُبْنِ الْمَجُوسِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلَوْ كَانَتْ إِنْفَحَتُهُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ وَكَذَا الدُّرُوزُ وَالتَّبَّانِيَّةُ وَالنُّصَيْرِيَّةُ) جِيلٌ مِنْ النَّاسِ يَتَزَوَّجُونَ مَحَارِمَهُمْ وَيَفْعَلُونَ كَثِيرًا مِنْ الْبِدَعِ، سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْجُبْنِ فَقَالَ: يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَقِيلَ لَهُ عَنْ الْجُبْنِ الَّذِي يَصْنَعُهُ الْمَجُوسُ فَقَالَ: مَا أَدْرِي وَذَكَرَ أَنَّ أَصَحَّ حَدِيثٍ فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجُبْنِ وَقِيلَ لَهُ يُعْمَلُ فِيهِ أَنَفْحَةُ الْمَيْتَةِ قَالَ: سَمُّوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا».
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَوْزَ وَالْبَيْضَ الَّذِي اُكْتُسِبَ مِنْ الْقِمَارِ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ) فَلَا يَمْلِكُونَهُ وَكَذَا كُلُّ مَا أُخِذَ بِالْقِمَارِ.

.فَصْلٌ: أَوَّلُ مَنْ أَضَافَ الضَّيْفَ:

أَوَّلُ مَنْ أَضَافَ الضَّيْفَ إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَ(يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ ضِيَافَةُ الْمُسْلِمِ الْمُسَافِرِ الْمُجْتَازِ إذَا نَزَلَ بِهِ فِي الْقُرَى) لِمَا رَوَى الْمِقْدَادُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَيْلَةُ الضَّيْفِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ مَحْرُومًا كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اقْتَضَاهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد:
«فَإِنْ لَمْ يُقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ» وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ:
«فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَلَهُمْ حَقُّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَ(لَا) تَجِبُ الضِّيَافَةُ فِي (الْأَمْصَارِ) لِأَنَّهُ يَكُونُ فِيهَا السُّوقُ وَالْمَسَاجِدُ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إلَى الضِّيَافَةِ بِخِلَافِ الْقُرَى فَإِنَّهُ يَبْعُدُ فِيهَا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فَوَجَبَتْ ضِيَافَةُ الْمُجْتَازِ إذَا نَزَلَ بِهَا وَإِيوَاؤُهُ لِوُجُوبِ حِفْظِ النَّاسِ (مَجَّانًا) فَلَا يَلْزَمُ الضَّيْفَ عِوَضُ الضِّيَافَةِ (يَوْمًا وَلَيْلَةً) لِمَا رَوَى أَبُو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ مَرْفُوعًا قَالَ:
«الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالضِّيَافَةُ (قَدْرُ كِفَايَتِهِ مَعَ أُدُمٍ وَفِي الْوَاضِحِ لِفَرَسِهِ تِبْنٌ لَا شَعِيرٌ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ وَجْهُ كَأُدُمِهِ وَأَوْجَبَ شَيْخُنَا الْمَعْرُوفَ عَادَةً قَالَ كَزَوْجَةٍ وَقَرِيبٍ وَرَقِيقٍ.
(وَلَا تَجِبُ) الضِّيَافَةُ (لِلذِّمِّيِّ إذَا اجْتَازَ بِالْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي وُجُوبِ الْإِكْرَامِ.
(فَإِنْ أَبَى) الْمَنْزُولُ بِهِ ضِيَافَةَ الْمُسْلِمِ (فَلِلضَّيْفِ طَلَبُهُ بِهِ) أَيْ بِنَحْوِ ضِيَافَتِهِ (عِنْد حَاكِمٍ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالزَّوْجَةِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى الضَّيْفِ أَنْ يُحَاكِمَهُ (جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ ضِيَافَتِهِ) الْوَاجِبَةِ (بِغَيْرِ إذْنِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَتُسَنُّ ضِيَافَتُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ (وَالْمُرَادُ يَوْمَانِ مَعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَهُوَ صَدَقَةٌ) لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ يَرْفَعُهُ قَالَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ قَالُوا وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ، يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُؤْثِمَهُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْف يُؤْثِمُهُ؟ قَالَ: يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَقْرِيهِ بِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إنْزَالُهُ) أَيْ الضَّيْفُ (فِي بَيْتِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ (إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ) الضَّيْفُ (مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا وَنَحْوَهُمَا يَبِيتُ فِيهِ وَلَا يَخَافُ مِنْهُ) ضَرَرًا فَيَلْزَمُهُ إنْزَالُهُ فِي بَيْتِهِ لِلضَّرُورَةِ (وَمَنْ قَدَّمَ لِضِيفَانِهِ طَعَامًا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ قَسْمُهُ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ) لَا تَمْلِيكٌ.
(وَيَجُوزُ لِلضَّيْفِ الشُّرْبُ مِنْ كُوزِ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَالِاتِّكَاءُ عَلَى وِسَادَةٍ) مَوْضُوعَةٍ لِذَلِكَ (وَقَضَاءُ حَاجَةٍ فِي مِرْحَاضِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ بِاللَّفْظِ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا (كَطَرْقِ بَابِهِ عَلَيْهِ وَطَرْقِ حَلْقَتِهِ) أَيْ الْبَابِ.
(قَالَ الشَّيْخُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَمَذْمُومٌ مُبْتَدِعٌ وَمَا نُقِلَ عَنْ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْبِطِّيخِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِكَيْفِيَّةِ أَكْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ كَذِبٌ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
وَفِي عُمْدَةِ الصَّفْوَةِ فِي حِلِّ الْقَهْوَةِ لِشَيْخِ شَيْخِنَا الْجَزِيرِيِّ نَقْلًا عَنْ تَارِيخِ الْمَقْرِيزِيِّ الْمُسَمَّى بِالْمُقَفَّى: أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَلِيٍّ الْحَسَنَ بْنَ عِيسَى بْنِ سِرَاجٍ النَّاسِخَ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُؤْكَلُ الْبِطِّيخُ فَقَطَعَ شِقَّةً وَأَكَلَهَا مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ إلَى نِصْفِهَا ثُمَّ حَوَّلَهَا إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَأَكَلَهَا حَتَّى فَرَغَتْ وَقَالَ: هَكَذَا يُؤْكَلُ الْبِطِّيخُ انْتَهَى وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ رُؤْيَا الْمَنَامِ لَا تَثْبُتُ بِهَا الْأَحْكَامُ وَلَكِنَّهُ اسْتِئْنَاسٌ.

.بَابُ الذَّكَاةِ:

قَالَ الزَّجَّاجُ الذَّكَاةُ تَمَامُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ الذَّكَاةُ فِي السِّنِّ وَهُوَ تَمَامُ السِّنِّ وَسُمِّيَ الذَّبْحُ ذَكَاةً لِأَنَّهُ إتْمَامُ الزُّهُوقِ وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} أَيْ أَدْرَكْتُمُوهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ فَأَتْمَمْتُمُوهُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الذَّبْحِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ جُرْحٍ سَابِقٍ أَوْ ابْتِدَاءً يُقَال: ذَكَّى الشَّاةَ وَنَحْوَهَا تَذْكِيَةً أَيْ ذَبَحَهَا وَالِاسْمُ الذَّكَاةُ فَالْمَذْبُوحُ ذَكِيٌّ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
(وَهِيَ) أَيْ الذَّكَاةُ شَرْعًا (ذَبْحُ) مَقْدُورٍ عَلَيْهِ (أَوْ نَحْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مُبَاحٌ أَكْلُهُ مِنْ حَيَوَانٍ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ لَا جَرَادَ وَنَحْوَهُ) كَالْجُنْدُبِ وَالدَّبَا بِوَزْنِ عَصَا الْجَرَادُ يَتَحَرَّكُ قَبْلَ أَنْ تَثْبُتَ أَجْنِحَتُهُ (بِقَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ) وَيَأْتِي بَيَانُهُمَا (أَوْ عَقْرٍ إذَا تَعَذَّرَ) قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ (فَلَا يُبَاحُ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ الصَّيْدِ وَالْأَنْعَامِ وَالطَّيْرِ إلَّا بِالذَّكَاةِ إنْ كَانَ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَهِيَ مَا زَهَقَتْ نَفْسُهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُبَاحٍ أَوْ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَمَا لَمْ يُذَكَّ فَهُوَ مَيْتَةٌ فَيَحْرُمُ لِذَلِكَ (إلَّا الْجَرَادُ وَشِبْهُهُ) كَالْجُنْدُبِ فَيَحِلُّ.
(وَلَوْ مَاتَ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ كَبْسٍ وَتَغْرِيقٍ فَأَمَّا السَّمَكُ وَشِبْهُهُ) مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ (مِمَّا لَا يَعِيش إلَّا فِي الْمَاءِ فَيُبَاحُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ سَوَاءٌ صَادَهُ إنْسَانٌ أَوْ نَبَذَهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ الْمَاءُ عَنْهُ) (أَوْ حُبِسَ فِي الْمَاءِ بِحَظِيرَةٍ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ ذَكَّاهُ أَوْ عَقَرَهُ فِي الْمَاءِ أَوْ خَارِجِهِ أَوْ طَفَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَاءِ لِعُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ.
(وَمَا كَانَ مَأْوَاهُ الْبَحْرَ وَهُوَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ كَكَلْبِ الْمَاءِ وَطَيْرِهِ وَسُلَحْفَاةٍ وَسَرَطَانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُبَحْ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَّا بِالتَّذْكِيَةِ) لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ أُلْحِقَ بِحَيَوَانِ الْبَرِّ احْتِيَاطًا قَالَ أَحْمَدُ كَلْبُ الْمَاءِ نَذْبَحُهُ وَلَا أَرَى بِالسُّلَحْفَاةِ بَأْسًا إذَا ذُبِحَ أَمَّا السُّلَحْفَاةُ الْبَرِّيَّةُ فَنَقَلَ الدَّمِيرِيُّ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَجَّحَ التَّحْرِيمَ لِأَنَّهَا خَبِيثَةٌ لِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْحَيَّاتِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ قَالَ: بِحِلِّهَا بَرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ بَحْرِيَّةً.
(وَذَكَاةُ السَّرَطَانِ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مَا يَمُوتُ بِهِ) بِأَنْ يُعْقَرَ فِي أَيْ مَوْضِعٍ كَانَ كَمُلْتَوَى عُنُقِهِ.
(وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ شَيَّ السَّمَكِ الْحَيِّ) لِأَنَّ لَهُ دَمًا وَلَا حَاجَةَ إلَى إلْقَائِهِ فِي النَّارِ لِإِمْكَانِ تَرْكِهِ حَتَّى يَمُوتَ بِسُرْعَةٍ وَلَمْ يَكْرَهْ أَكْلَ السَّمَكِ إذَا أُلْقِيَ فِي النَّارِ إنَّمَا كَرِهَ تَعْذِيبَهُ (لَا) شَيَّ (جَرَادٍ) حَيٍّ لِأَنَّهُ لَا دَمَ لَهُ وَلَا يَمُوتُ فِي الْحَالِ بَلْ يَبْقَى مُدَّةً.
وَفِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ «أَنَّ كَعْبًا كَانَ مُحْرِمًا فَمَرَّتْ بِهِ رِجْلُ جَرَادٍ فَنَسِيَ وَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ فَأَلْقَاهُمَا فِي النَّارِ وَشَوَاهُمَا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَلَمْ يُنْكِرْ عُمَرُ تَرْكَهُمَا فِي النَّارِ».
(وَيَحْرُمُ بَلْعُ السَّمَكِ حَيًّا) ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ يُكْرَهُ.
(وَيَجُوزُ أَكْلُ الْجَرَادِ بِمَا فِيهِ وَ) أَكْلُ (السَّمَكِ بِمَا فِيهِ بِأَنْ يُقْلَى) الْجَرَادُ أَوْ السَّمَكُ (أَوْ يُشْوَى وَيُؤْكَلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَقَّ جَوْفُهُ) وَيُخْرَجَ مَا فِيهِ لِعُمُومِ النَّصِّ فِي إبَاحَتِهِ وَكَدُودِ الْفَاكِهَةِ تَبَعًا.

.فَصْلٌ: ما يُشْتَرَطُ لِلذَّكَاةِ ذَبْحًا أَوْ نَحْرًا:

وَيُشْتَرَطُ لِلذَّكَاةِ ذَبْحًا كَانَتْ أَوْ نَحْرًا شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ (أَحَدُهَا أَهْلِيَّةُ الذَّابِحِ) وَالنَّاحِرِ أَوْ الْعَاقِرِ (وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا قَاصِدًا التَّذْكِيَةَ) لِأَنَّ التَّذْكِيَةَ أَمْرٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الدِّينُ فَيُعْتَبَرُ لَهُ الْعَقْلُ كَالْغُسْلِ فَتَصِحُّ ذَكَاةُ الْعَاقِلِ (وَلَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا) عَلَى ذَبْحِ مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا صَحِيحًا (أَوْ أَقْلَفَ وَتُكْرَهُ ذَبِيحَتُهُ) نَقَلَ حَنْبَلُ عَنْ الْأَقْلَفِ لَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا حَجَّ هِيَ مِنْ تَمَامِ الْإِسْلَامِ وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ لَا بَأْسَ قَالَ فِي الشَّرْحِ وَعَنْ أَحْمَدَ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْأَقْلَفِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالصَّحِيحُ إبَاحَتُهُ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ أَشْبَهَ سَائِرَ الْمُسْلِمِينَ.
(فَلَوْ وَقَعَتْ الْحَدِيدَةُ عَلَى حَلْقِ شَاةٍ فَذَبَحَتْهَا) لَمْ تُبَحْ (أَوْ ضَرَبَ إنْسَانًا بِسَيْفٍ فَقَطَعَ عُنُقَ شَاةٍ لَمْ تُبَحْ) الشَّاةُ لِعَدَمِ قَصْدِ التَّذْكِيَةِ.
(وَلَا تُعْتَبَرُ) لِصِحَّةِ الذَّكَاةِ (إرَادَةُ الْأَكْلِ) اكْتِفَاءً بِإِرَادَةِ التَّذْكِيَةِ (مُسْلِمًا كَانَ الذَّابِحُ أَوْ كِتَابِيًّا وَلَوْ حَرْبِيًّا أَوْ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ.
وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ لَا تَأْكُلُوا مِنْ الذَّبَائِحِ إلَّا مَا ذَبَحَ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ (ذَكَرًا) كَانَ الذَّابِحُ (أَوْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ عَبْدًا) وَلَوْ آبِقًا (وَلَوْ جُنُبًا وَحَائِضًا وَنُفَسَاءَ وَأَعْمَى عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَعَدَمِ الْمُخَصِّصِ (وَالْمُسْلِمُ بِالذَّبْحِ أَوْلَى مِنْ الْكِتَابِيِّ) لِكَمَالِهِ وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ.
(وَلَا تُبَاحُ ذَبِيحَةُ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كَافِرٌ غَيْرَ كِتَابِيٍّ) كَوَلَدِ مَجُوسِيَّةٍ مِنْ كِتَابِيٍّ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ (وَلَا) يُبَاحُ (صَيْدُهُ غَيْرُ سَمَكٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ وَالْجَرَادِ وَنَحْوِهِ لِحِلِّ مَيْتَتِهِ.
(وَلَا ذَكَاةُ مَجْنُونٍ وَسَكْرَانٍ وَطِفْلٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ) لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُمْ (وَتُبَاحُ) الذَّكَاةُ (مِنْ مُمَيِّزٍ وَلَوْ دُونَ عَشْرِ) سِنِينَ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا صَحِيحًا أَشْبَهَ الْبَالِغَ.
(وَلَا) تُبَاحُ (ذَكَاةُ مُرْتَدٍّ وَإِنْ كَانَتْ رِدَّتُهُ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا مَجُوسِيٍّ وَلَا وَثَنِيٍّ وَلَا زِنْدِيقٍ وَكَذَا الدُّرُوزُ وَالتَّيَامِنَةُ وَالنُّصَيْرِيَّةُ بِالشَّامِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} فَمَفْهُومُهُ تَحْرِيمُ طَعَامِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَإِنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ الْمَجُوسِ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ شِبْه الْكِتَابِ تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ لِدِمَائِهِمْ فَلَمَّا غُلِّبَ التَّحْرِيمُ فِي دِمَائِهِمْ وَجَبَ أَنْ يُغَلَّبَ عَدَمُ الْكِتَابِ فِي تَحْرِيمِ ذَبَائِحِهِمْ وَنِسَائِهِمْ احْتِيَاطًا لِلتَّحْرِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (وَيُؤْكَلُ مِنْ طَعَامِهِمْ) أَيْ الْمُرْتَدِّينَ وَالْمَجُوس وَالْوَثَنِيِّ وَالزِّنْدِيقِ وَالدُّرُوزِ وَالتَّيَامِنَةُ وَالنُّصَيْرِيَّةُ (غَيْرُ اللَّحْمِ وَالدَّسْمِ) أَيْ الشَّحْمِ وَالْكَوَارِعِ وَالرُّءُوسِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَجْزَاءِ الذَّبِيحَةِ لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ وَكُلُّ أَجْزَائِهَا مَيْتَةٌ.
(فَلَوْ ذَبَحَ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ) كَالْمَجُوسِيِّ (حَيَوَانًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَهُ حَيًّا) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ (وَ) إنْ كَانَ ذَبْحُهُ لِلْحَيَوَانِ (بِإِذْنِهِ) أَيْ إذْنِ مَالِكِهِ (لَا يَضْمَنُ) لِإِذْنِ رَبِّهِ فِي إتْلَافِهِ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي: الْآلَةُ وَهُوَ) أَيْ الذَّبْحُ بِآلَةٍ (أَنْ يَذْبَحَ بِآلَةٍ مُحَدَّدَةٍ تَقْطَعُ أَوْ تَخْرِقُ بِحَدِّهَا لَا) إنْ قَطَعَتْ أَوْ خَرَقَتْ (بِثِقَلِهَا مِنْ حَدِيدٍ كَانَتْ) الْآلَةُ (أَوْ) مِنْ (حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ عَظْمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا السِّنُّ وَالظُّفْرُ) فَلَا يَصِحُّ الذَّكَاةُ بِهِمَا (مُتَّصِلَيْنِ أَوْ مُنْفَصِلَيْنِ) لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوعًا «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ لَا تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أُرْسِلَ إلَيْهِ فَأَمَرَ مَنْ يَسْأَلُهُ وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَفِيهِ مِنْ الْفَوَائِدِ إبَاحَةُ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَالْأَمَةِ وَالْحَائِضِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ وَالذَّبْحُ بِالْحَجَرِ وَذَبْحُ مَا خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَحِلُّ مَا يَذْبَحُهُ غَيْرُ مَالِكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِبَاحَةُ ذَبِيحَةِ الْغَيْرِ عِنْدِ الْخَوْفِ عَلَيْهَا.
(فَإِنْ ذَبَحَ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ) بِآلَةٍ مِنْ (ذَهَبٍ وَنَحْوِهَا) كَفِضَّةٍ (حَلَّ) الْمَذْبُوحُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنْهَارُ الدَّمِ وَقَدْ وُجِدَ (وَيُبَاحُ الْمَغْصُوبُ لِرَبِّهِ وَلِغَيْرِهِ إذَا ذَبَحَهُ غَاصِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ أَنْ يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَهُوَ مَجْرَى النَّفَسِ قَالَ الشَّيْخُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ فَوْقَ الْغَلْصَمَةِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْفَانِي مِنْ الْحَلْقِ أَوْ) كَانَ الْقَطْعَ (دُونَهَا) أَيْ الْغَلْصَمَةِ (وَأَنْ يَقْطَعَ الْمَرِيءَ وَهُوَ الْبُلْعُومُ وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) قَالَ وَالنَّحْرُ فِي اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ لِمَنْ قَدَرَ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ.
وَرَوَى سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدَ بْنَ وَرْقَاءَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (فَإِنْ أَبَانَهُمَا) أَيْ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ (كَانَ أَكْمَلُ) لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبِنْهُمَا (صَحَّ) الذَّبْحُ وَحَلَّ الْمَذْبُوحُ قَوَّاهُ فِي الْفُرُوعِ (وَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ) لِأَنَّهُ قَطْعٌ فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ مَا لَا يَبْقَى الْحَيَوَانُ مَعَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ الْأَرْبَعَةَ (وَالْأَوْلَى قَطْعُهُمَا) أَيْ الْوَدَجَيْنِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إذَا أُهْرِيقَ الدَّمُ وَقُطِعَ الْوَدَجُ فَكُلْ» (وَلَا يَضُرُّهُ رَفْعُ يَدِهِ) قَبْلَ الْإِتْمَامِ.
(إذَا أَتَمَّ الذَّكَاةَ عَلَى الْفَوْرِ) وَاعْتُبِرَ فِي التَّرْغِيبِ قَطْعًا تَامًّا فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْحُلْقُومِ جِلْدُهُ وَلَمْ يَنْفُذْ الْقَطْعُ وَانْتَهَى الْحَيَوَانُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ثُمَّ قَطَعَ الْجِلْدَ لَمْ يَحِلَّ (وَمَحَلُّ الذَّكَاةِ الْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ وَهِيَ الْوَهْدَةُ الَّتِي بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَيَذْبَحُ فِي الْحَلْقِ وَيَنْحَرُ فِي اللَّبَّةِ) وَاخْتَصَّ الذَّبْحُ بِالْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ فَيَخْرُجُ بِالذَّبْحِ فِيهِ الدِّمَاءُ السَّيَّالَةُ وَيُسْرِعُ زُهُوقُ الرُّوحِ فَيَكُونُ أَطْيَبَ اللَّحْمِ وَأَخَفَّ عَلَى الْحَيَوَانِ.
(وَيُسَنّ أَنْ يَنْحَرَ الْبَعِيرُ وَيَذْبَحُ مَا سِوَاهُ)
«لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ الْبُدْنَ وَذَبَحَ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ بِيَدِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ عَكَسَ) بِأَنْ ذَبَحَ الْبَعِيرَ وَنَحَرَ غَيْرَهُ (أَجْزَأَهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ» وَقَالَتْ أَسْمَاءُ «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ» وَعَنْ عَائِشَةَ «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً وَاحِدَةً» (وَالنَّحْرُ أَنْ يَطْعَنَهُ بِمُحَدِّدٍ فِي لَبَّتِهِ) وَتَقَدَّمَتْ.
(فَإِنْ عَجَزَ) الْمُذَكِّي (عَنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مِثْل أَنْ يَنِدَّ الْبَعِيرُ أَوْ يَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَلَا يَقْدِرُ) الْمُذْكِي (عَلَى ذَبْحِهِ صَارَ كَالصَّيْدِ إذَا جَرَحَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَهُ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَدَّ بَعِيرٌ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ فَأَهْوَى إلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ كَذَا».
وَفِي لَفْظٍ «فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَمُوتَ) الْمَعْجُوزُ عَنْ ذَبْحِهِ (بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ الْجُرْحِ الَّذِي جُرِحَهُ (مِثْل أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ فَلَا يُبَاحُ) أَكْلُهُ (وَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ مُوحِيًا) لِحُصُولِ قَتْلِهِ بِمُبِيحٍ وَحَاظِرٍ فَيُغَلَّبُ جَانِبُ الْحَظْرِ (كَمَا لَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ) أَوْ ذَبَحَاهَا.
(وَإِنْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا وَلَوْ عَمْدًا فَأَتَتْ السِّكِّينُ عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِهَا) وَهِيَ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ (وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ أُكِلَتْ) لِأَنَّ الْجُرْحَ فِي الْقَفَا وَإِنْ كَانَ غَائِرًا تَبْقَى الْحَيَاة مَعَهُ كَأَكِيلَةِ السَّبُعِ إذَا ذُبِحَتْ وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ (وَيُعْلَمُ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ فِيهَا حَيَاة مُسْتَقِرَّةً (بِوُجُودِ الْحَرَكَةِ) بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فَهُوَ دَلِيلُ بَقَاءِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ قَبْلَهُ (فَإِنْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا وَشَكَّ) وَلَمْ يَعْلَمْ (هَلْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ أَوْ لَا نَظَرَ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ بَقَاءَ ذَلِكَ لِحِدَّةِ الْآلَةِ وَسُرْعَةِ الْقَطْعِ أُبِيحَ) أَكْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ) الْآلَةُ (كَالَّةً وَأَبْطَأَ قَطْعُهُ وَطَالَ تَعْذِيبُهُ) لِلْحَيَوَانِ (لَمْ يُبَحْ) أَكْلُهُ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي وُجُودِ مَا يُحِلُّهُ.
(وَلَوْ أَبَانَ الرَّأْسَ) مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ (بِالذَّبْحِ أَوْ بِسَيْفِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الذَّبِيحَةَ أُبِيحَتْ) مُطْلَقًا لِأَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِيمَنْ ضَرَبَ رَأْسَ ثَوْرٍ بِالسَّيْفِ تِلْكَ ذَكَاةٌ مُوحِيَةٌ وَأَفْتَى بِأَكْلِهَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا وَلِأَنَّ ذَلِكَ قَطْعٌ مَا لَا يَعِيش مَعَهُ فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ فَحَلَّتْ.
(وَكُلَّمَا وُجِدَ فِيهِ سَبَبُ الْمَوْتِ كَالْمُنْخَنِقَةِ وَهِيَ الَّتِي تُخْنَقُ فِي حَلْقِهَا وَالْمَوْقُوذَةِ وَهِيَ الَّتِي تُضْرَبُ حَتَّى تُشْرِفُ عَلَى الْمَوْتِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَهِيَ الْوَاقِعَةُ مِنْ عُلْوٍ وَالنَّطِيحَةِ وَهِيَ الَّتِي نَطَحَتْهَا دَابَّةٌ أُخْرَى وَأَكِيلَةِ السَّبُعِ وَهِيَ الَّتِي أَكَلَ السَّبُعُ بَعْضَهَا وَالْمَرِيضَةِ وَمَا صِيدَ بِشَبَكَةٍ أَوْ أُحْبُولَةٍ أَوْ فَخٍّ أَوْ أَنْقَذَهُ مِنْ مَهْلَكَةٍ فَذَكَّاهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يُمْكِن زِيَادَتُهَا عَلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ سَوَاءٌ انْتَهَتْ) الْمُنْخَنِقَةُ وَنَحْوُهَا.
(إلَى حَالٍ يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ مَعَهُ أَوْ يَعِيشُ حَلَّتْ) قَالَ الْإِمَامُ (إنْ تَحَرَّكَتْ) الذَّبِيحَةُ (بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ أَوْ مَوْضِعِ ذَنَبٍ أَيْ تَحْرِيكِهِ وَنَحْوِهِ) قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ قَوْلًا.
وَقَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَعِيشُ زَمَانًا يَكُونُ الْمَوْتُ بِالذَّبْحِ أَسْرَعَ مِنْهُ حَلَّتْ بِالذَّبْحِ.
وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ حَلَّ أَكْلُهُ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ تَحَرُّكِهِ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ أَوْ مَصْعِ ذَنَبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يُؤْكَلَ إلَّا مَعَ تَحَرُّكٍ وَلَوْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ أَوْ مَصْعِ ذَنَبٍ (وَسُئِلَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ عَنْ شَاةٍ مَرِيضَةٍ خَافُوا عَلَيْهَا الْمَوْتُ فَذَبَحُوهَا فَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ تَحَرَّكَتْ يَدُهَا أَوْ رِجْلُهَا أَوْ ذَنَبُهَا بِضَعْفٍ فَنَهَرَ الدَّمَ فَقَالَ) أَحْمَدُ (لَا بَأْسَ) قُلْت: مَفْهُومُ مَا وَقَعَ جَوَابًا لِسَائِلٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَا يَحْصُلُ غَرَضُهُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ حَيَاتِهَا) أَيْ الْمُنْخَنِقَةِ وَنَحْوِهَا (إلَّا مِثْلُ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لَمْ تُبَحْ) بِالذَّكَاةِ (لِأَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسُ لَمْ يُبَحْ) لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ.
(وَمَا قُطِعَ حُلْقُومُهُ أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ وَنَحْوُهُ فَ) هُوَ (فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ) لِأَنَّ وُجُودَ حَيَاتِهِ مِمَّا لَا يَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ كَعَدَمِهَا.
الشَّرْطُ (الرَّابِعُ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ عِنْد حَرَكَةِ يَدِهِ) بِالذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ أَوْ الْعَقْرِ (لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا) كَالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ إطْلَاقَ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا وَالْأَصْلُ فِي اعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَالْفِسْقُ الْحَرَامُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ذَبَحَ سَمَّى.
(وَتَجُوزُ) التَّسْمِيَةُ (بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى التَّسْمِيَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اللَّهِ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ وَالسَّلَامِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَفْظُهُ.
(وَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ مَعَهَا) أَيْ مَعَ التَّسْمِيَةِ (فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إذَا ذَبَحَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُهُ وَلَا خِلَافَ بِأَنَّ قَوْلَ بِسْمِ اللَّه يُجْزِئُهُ (وَلَا تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الذَّبِيحَةِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ وَلِأَنَّهَا لَا تُنَاسِبُ الْمَقَامَ كَزِيَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
(فَإِنْ كَانَ) الْمُذَكِّي (أَخْرَسَ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ إلَى السَّمَاءِ وَلَوْ أَشَارَ إشَارَةً تَدُلُّ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَعُلِمَ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ أَرَادَ التَّسْمِيَةَ (كَانَ) فِعْلُهُ (كَافِيًا) لِقِيَامِ إشَارَتِهِ مَقَامَ نُطْقِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ عَلَى إبَاحَةِ ذَبِيحَةِ الْأَخْرَسِ.
(فَإِنْ تَرَكَ) الْمُذَكِّي (التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا) مِنْهُ بِاعْتِبَارِهَا (لَمْ تُبَحْ) الذَّبِيحَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (وَ) إنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ (سَهْوًا) فَإِنَّهَا (تُبَاحُ) لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ» رَوَاهُ سَعِيدٌ.
(وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ التَّسْمِيَةِ عَلَى مَا يَذْبَحُهُ فَلَوْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ وَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَمْ تُبَحْ) الثَّانِيَةُ سَوَاءٌ أَرْسَلَ الْأُولَى أَوْ ذَبَحَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ (وَكَذَا لَوْ رَأَى قَطِيعًا فَسَمَّى وَأَخَذَ شَاةً) مِنْ الْقَطِيعِ (فَذَبَحَهَا بِالتَّسْمِيَةِ الْأُولَى) لَمْ تُبَحْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهَا بِالتَّسْمِيَةِ (وَلَوْ جَهِلَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ) فَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ كَمَا لَوْ أَكَلَ فِي الصَّوْمِ جَاهِلًا (وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَجَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ الشَّارِحُ (تَكُونُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَصَلَ بِالْكَلَامِ أَوْ لَا كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ) لِأَنَّ الْقَرِيبَ كَالْمُقَارِنِ (فَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا وَسَمَّى) اللَّهَ (ثُمَّ أَلْقَى السِّكِّينَ وَأَخَذَ سِكِّينًا أُخْرَى أَوْ رَدَّ سَلَامًا أَوْ كَلَّمَ إنْسَانًا أَوْ اسْتَقَى مَاءً ثُمَّ ذَبَحَ حَلَّ) إذَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ لِأَنَّهُ سَمَّى عَلَى تِلْكَ الشَّاةِ بِعَيْنِهَا.
(وَيَضْمَن أَجِيرٌ وَنَحْوُهُ) كَالْمُتَطَوِّعِ (تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَى رَبِّهَا كَمَا لَوْ قَتَلَهَا وَاخْتَارَ فِي النَّوَادِرِ لِغَيْرِ شَافِعِيٍّ يَعْنِي لِحِلِّهَا لَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ تَضْمِينُهُ النَّقْصَ إنْ حَلَّتْ وَعُلِمَ مِنْهُ إنْ تَرَكَهَا سَهْوًا لَا ضَمَانَ لِحِلِّهَا.
(وَإِنْ ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ بِاسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تُبَحْ) الذَّبِيحَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (وَإِذَا لَمْ يَعْلَم أَسَمَّى الذَّابِحُ أَمْ لَا أَوْ) لَمْ يَعْلَمْ (أَذَكَرَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ أَمْ لَا؟ ف) فَالذَّبِيحَةُ (حَلَالٌ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا؟ فَقَالَ سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَتَحْصُلُ ذَكَاةُ جَنِينٍ مَأْكُولٍ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ بَعْدَ ذَبْحِهَا بِذَكَاةِ أُمِّهِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا أَوْ مُتَحَرِّكًا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ) سَوَاءٌ (أَشْعَرَ) أَيْ نَبَتَ شَعْرُهُ (أَوْ لَمْ يُشْعِرْ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا قَالَ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَابْنِ مَاجَهْ مِثْله مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ الْجَنِينَ مُتَّصِلٌ بِأُمِّهِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا فَتَكُونُ ذَكَاتُهُ بِذَكَاتِهَا كَأَعْضَائِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَكَاةُ أُمِّهِ» فِيهِ الرَّفْع وَالنَّصْب فَمَنْ رَفَعَ جَعَلَهُ خَبَرًا لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ ذَكَاةُ أُمِّهِ لَا يَحْتَاجُ الْجَنِينُ إلَى ذَكَاةٍ لَكِنْ قَدَّرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ النَّصْبِ ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَةِ الرَّفْعِ الْمَشْهُورَةِ قُلْتُ وَكَذَا لَوْ قَدَّرَ بِذَكَاةِ أُمِّهِ (وَيُسْتَحَبُّ ذَبْحُهُ) أَيْ الْجَنِينِ (وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لِيَخْرُجَ الدَّمُ الَّذِي فِي جَوْفِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ الْجَنِينِ (حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يُبَحْ إلَّا بِذَبْحِهِ) أَوْ نَحْرِهِ لِأَنَّهُ نَفْسٌ أُخْرَى وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ بِحَيَاتِهِ وَلَا يُؤَثِّرُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ كَسَبُعٍ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ الْمُبَاحَةِ.
(وَلَوْ وَجَأَ) أَيْ ضَرَبَ (بَطْنَ أُمِّ جَنِينٍ مُسَمِّيًا فَأَصَابَ مَذْبَحَ الْجَنِينِ) الْمُبَاحِ (فَهُوَ مُذَكًّى وَالْأُمُّ مَيْتَةٌ) لِفَوَاتِ شَرْطِهَا وَهُوَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى قَطْعِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ نَادَّةً حَلَّا.