فصل: فَصْلٌ: الشَّرْطُ (السَّادِسُ) لِلسَّلَمِ (أَنْ يَقْبِضَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَوْ وَكِيلُهُ (رَأْسَ مَالِهِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: الشَّرْطُ الثَّالِثُ لِلسَّلَمِ أَنْ يَذْكُرَ قَدْرَهُ:

أَيْ الْمُسْلَمَ فِيهِ (بِالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ (وَ) أَنْ يَذْكُرَ قَدْرَهُ ب (الذَّرْعِ فِي الْمَذْرُوعِ وَالْعَدِّ فِي الْمَعْدُودِ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ عِوَضٌ غَائِبٌ فَيَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَاشْتَرَطَ مَعْرِفَةَ قَدْرِهِ كَالثَّمَنِ.
(فَإِنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيلٍ وَزْنًا أَوْ) أَسْلَمَ (فِي مَوْزُونٍ كَيْلًا لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ لِأَنَّهُ قَدَّرَهُ بِغَيْرِ مَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِهِ فَلَمْ يُجْزِئْ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَذْرُوعِ وَزْنًا وَبِالْعَكْسِ.
(وَعَنْهُ يَصِحُّ) نَقَلَهَا الْمَرْوَزِيُّ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ وَإِمْكَانُ تَسْلِيمِهِ مِنْ غَيْرِ تَنَازُعٍ، فَبِأَيِّ قَدْرٍ قَدَّرَهُ جَازَ (اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ الشَّارِحُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ.
(وَلَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي الْمَذْرُوعِ إلَّا بِالذَّرْعِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ وَنَحْوُهُ) كَالصَّنْجَةِ وَالذِّرَاعِ (مَعْلُومًا عِنْدَ الْعَامَّةِ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ عِنْدَ التَّلَفِ وَذَلِكَ مُخِلٌّ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي اُشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ لِأَجْلِهَا (فَإِنْ شَرَط مِكْيَالًا) بِعَيْنِهِ (أَوْ مِيزَانًا) بِعَيْنِهِ (أَوْ ذِرَاعًا بِعَيْنِهِ أَوْ صَنْجَةً بِعَيْنِهَا غَيْرَ مَعْلُومَاتٍ أَوْ أَسْلَمَ فِي مِثْلِ هَذَا الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ لِأَنَّهُ قَدْ يَهْلِكُ فَتَتَعَذَّرُ مَعْرِفَةُ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَهُوَ غَرَرٌ (لَكِنْ لَوْ عَيَّنَ مِكْيَالَ رَجُلٍ أَوْ مِيزَانَهُ أَوْ صَنْجَتَهُ أَوْ ذِرَاعَهُ صَحَّ) السَّلَمُ (وَلَمْ يَتَعَيَّنْ) فَلَهُ أَنْ يُسْلِمَ بِأَيْ مِكْيَالٍ أَوْ مِيزَانٍ أَوْ صَنْجَةٍ أَوْ ذِرَاعٍ لِعَدَمِ الْخُصُوصِيَّةِ.
وَمَا لَا يُمْكِنُ وَزْنُهُ بِمِيزَانٍ كَالْأَحْجَارِ الْكِبَارِ يُحَطُّ فِي سَفِينَةٍ وَيُنْظَرُ إلَى أَيْ مَوْضِعٍ تَغُوصُ ثُمَّ يُرْفَعُ وَيَحُطُّ مَكَانَهُ رَمْلٌ أَوْ أَحْجَارٌ صِغَارٌ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءُ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ بَلَغَهُ ثُمَّ يُوزَنُ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ زِنَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ (وَيُسْلِمُ فِي مَعْدُودٍ مُخْتَلِفٍ يَتَقَارَبُ غَيْرِ حَيَوَانٍ) كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ (عَدَدًا) لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ يَسِيرٌ وَلِهَذَا لَا تَكَادُ الْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بَيْنَ الْبَيْضَتَيْنِ وَالْجَوْزَتَيْنِ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ فَإِنَّهُ يَتَفَاوَتُ كَثِيرًا.
(وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ يُسْلِمُ فِي الْمَعْدُودِ الَّذِي لَا يَتَقَارَبُ، كَالْبِطِّيخِ وَالْفَوَاكِهِ الْمَعْدُودَةِ مِنْ الرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ (وَزْنًا) لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا وَيَتَبَايَنُ جِدًّا فَلَا يَنْضَبِطُ إلَّا بِالْوَزْنِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ السَّلَمِ فِي الْمَعْدُودِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ: مَحَلُّهُ (إنْ صَحَّ السَّلَمُ فِيهِ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا) فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

.فَصْلٌ: الشَّرْطُ (الرَّابِعُ) لِلسَّلَمِ (أَنْ يَشْتَرِطَ) (الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَجَلًا مَعْلُومًا):

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فَأَمَرَ بِالْأَجَلِ كَمَا أَمَرَ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ (لَهُ) أَيْ الْأَجَلِ (وَقَعَ فِي الثَّمَنِ عَادَةً كَالشَّهْرِ) لِأَنَّ الْأَجَلَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِيَتَحَقَّقَ الرِّفْقُ الَّذِي شُرِعَ مِنْ أَجْلِهِ السَّلَمُ فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْمُدَّةِ الَّتِي لَا وَقْعَ لَهَا فِي الثَّمَنِ (وَفِي الْكَافِي: أَوْ نِصْفِهِ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ النِّصْفِ.
وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَمَا قَارَبَ الشَّهْرَ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِمِثْلٍ بِالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ أَقَلُّهُ شَهْرٌ.
(فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ) أَيْ قَدْرِ الْأَجَلِ بِأَنْ قَالَ الْمُسْلِمُ: إلَى شَهْرٍ مَثَلًا فَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بَلْ شَهْرَيْنِ فَقَوْلُ مُسْلَمٍ إلَيْهِ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (مُضِيِّهِ) أَيْ الْأَجَلِ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (مَكَانِ التَّسْلِيمِ فَقَوْلُ مُسْلَمٍ إلَيْهِ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْأَجَلِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَةِ نَقْلِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُسْلِمُ وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ صِفَتِهِ، كَمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَدَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَوْلُ الْمُسْلِمِ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْقَبْضِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
(وَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي قَبْضِ الثَّمَنِ) الَّذِي وَقَعَ عَقْدُ الثَّمَنِ عَلَيْهِ (فَقَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْقَبْضِ (فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَبْضِ السَّلَمِ.
(وَقَالَ أَحَدُهُمَا كَانَ) الْقَبْضُ (فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقَالَ الْآخَرُ) بَلْ كَانَ الْقَبْضُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَذَاكَ يَدَّعِي الْفَسَادَ وَالظَّاهِرُ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ.
(فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمَا ادَّعَيَاهُ) أَيْ أَقَامَ مُدَّعِي الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ بَيِّنَةً بِهِ، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً بِضِدِّ ذَلِكَ (قُدِّمَتْ أَيْضًا بَيِّنَتُهُ) أَيْ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهَا مُثْبَتَةٌ وَتِلْكَ نَافِيَةٌ وَلِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ حَالًا) لَمْ يَصِحَّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(أَوْ) أَسْلَمَ (مُطْلَقًا) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ أَجَلًا (لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا أَنْ يَقَعَ) الْعَقْدُ (بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَيَصِحُّ حَالًا وَيَكُونُ بَيْعًا بِالصِّفَةِ وَتَقَدَّمَ) فِي الْبَيْعِ قَالَ الْقَاضِي وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ: إنْ كَانَ الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَصِحَّ إنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِهِ، أَوْ قَبْضِ ثَمَنِهِ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا وَقْعُ لَهُ فِي الثَّمَنِ (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ فِي شَيْءٍ) كَخَزٍّ وَلَحْمٍ وَدَقِيقٍ وَنَحْوِهَا، يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا مَعْلُومًا، فَيَصِحُّ السَّلَمُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ (فَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ) مِمَّا أَسْلَمَ فِيهِ لِيَأْخُذَ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا.
(وَتَعَذَّرَ قَبْضُ الْبَاقِي رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَجْعَلُ الْبَاقِيَ فَضْلًا عَلَى الْمَقْبُوضِ) لِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَاحِدٌ مُتَمَاثِلُ الْأَجْزَاءِ فَقَسَّطَ الثَّمَنَ عَلَى أَجْزَائِهِ بِالسَّوِيَّةِ كَمَا لَوْ اتَّحَدَ أَجَلُهُ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ إلَى أَجَلَيْنِ) كَبُرٍّ بَعْضُهُ إلَى رَجَبٍ وَبَعْضُهُ إلَى شَعْبَانَ جَازَ بِشَرْطِهِ الْآتِي لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ جَازَ إلَى أَجَلٍ جَازَ إلَى أَجَلَيْنِ وَآجَالٍ كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ (أَوْ) أَسْلَمَ (فِي جِنْسَيْنِ) كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ (إلَى أَجَلٍ) وَاحِدٍ (صَحَّ) السَّلَمُ كَالْبَيْعِ (إنْ بَيَّنَ قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ) وَثَمَنَهُ فِي الْأُولَى.
(وَ) بَيَّنَ (ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ) فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْأَجَلَ الْأَبْعَدَ لَهُ زِيَادَةٌ وَقْعَ عَلَى الْأَقْرَبِ فَمَا يُقَابِلهُ أَقَلَّ مِمَّا يُقَابِلُ الْآخَرَ فَاعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ قِسْطِهِ وَثَمَنِهِ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ لِلثَّمَنِ الْآخَرِ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يُبَيِّنْ قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ وَثَمَنِهِ فَيَصِحُّ السَّلَمُ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَإِنْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ كَبُرٍّ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ حَتَّى يُبَيِّنَ حِصَّةَ كُلِّ جِنْسٍ (مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ) كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
(وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ (فَإِنْ أَسْلَمَ) مُطْلَقًا أَوْ إلَى حَصَادٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ بَاعَ أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ مُطْلَقًا أَوْ إلَى حَصَادٍ أَوْ جُذَاذٍ وَنَحْوِهَا) مِنْ كُلِّ مَا يَخْتَلِفُ، كَنُزُولِ الْمَطَرِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ (لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَالْعَقْدُ فِي السَّلَمِ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْأَجَلُ الْمَعْلُومُ لِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
(وَلَا) يَصِحُّ (الشَّرْطُ فِي الْبَيْعِ وَالْخِيَارِ) لِلْجَهَالَةِ (وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا أَوْ إلَى الْحَصَادِ وَنَحْوِهِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ حَالًا وَفِيمَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ مُطْلَقًا أَوْ إلَى الْحَصَادِ وَنَحْوِهِ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ) مُفَصَّلًا.
(وَإِنْ قَالَ) أَسْلَمْتُ فِي كَذَا (إلَى شَهْرِ كَذَا) أَيْ رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ، (أَوْ) قَالَ (مَحِلُّهُ شَهْرُ كَذَا أَوْ) قَالَ مَحَلُّهُ (فِيهِ) أَيْ فِي شَهْرِ كَذَا (صَحَّ) لِأَنَّهُ أَجَلٌ مَعْلُومٌ (وَحَلَّ بِأَوَّلِهِ) كَمَا لَوْ عَلَّقَ عَلَيْهِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُسْلِمُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ (تُؤَدِّيهِ) أَيْ: السَّلَمَ (فِيهِ) أَيْ: فِي شَهْرِ كَذَا (لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ كُلَّهُ ظَرْفًا فَاحْتَمَلَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ فَلَمْ يَكُنْ أَجَلًا مَعْلُومًا.
(وَ) إنْ قَالَ: أَسْلَمْتُ فِي كَذَا (إلَى أَوَّلِهِ) أَيْ: إلَى أَوَّلِ شَهْرِ كَذَا (أَوْ) إلَى (آخِرِهِ يَحِلُّ) فِي الْأُولَى (بِأَوَّلِ جُزْءٍ) مِنْ الشَّهْرِ (وَ) فِي الثَّانِيَةِ (آخِرِهِ) أَيْ: آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ (فَإِنْ قَالَ:) أَسْلَمْتُ فِي كَذَا (إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، كَانَ إلَى انْقِضَائِهَا) فَإِنْ كَانَتْ مُبْهَمَةً، فَابْتِدَاؤُهَا حِينَ تَلَفَّظَ بِهَا وَإِنْ قَالَ: إلَى شَهْرٍ انْصَرَفَ إلَى الْهِلَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَثْنَائِهِ، فَإِنَّهُ يَكْمُلُ بِالْعَدَدِ (وَيَنْصَرِفُ) إطْلَاقُ الشَّهْرِ (إلَى الْأَشْهُرِ الْهِلَالِيَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ}.
(وَ) يَصِحُّ السَّلَمُ (إلَى شَهْرٍ رُومِيٍّ كَشُبَاطَ وَنَحْوِهِ) مِثْلِ كَانُونَ الْأَوَّلِ، أَوْ الثَّانِي (أَوْ) إلَى (عِيدٍ لَهُمْ) أَيْ: لِلرُّومِ (لَمْ يَخْتَلِفْ كَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَعْرِفهُ الْمُسْلِمُونَ يَصِحُّ إنْ عَرَفَاهُ) أَيْ: الْمُتَعَاقِدَانِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَشْبَهَ عِيدَ الْمُسْلِمِينَ (وَإِلَّا) بِأَنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ الْعِيدُ الْمَشْرُوطُ (فَلَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (كَالسَّعَانِينِ، وَعِيدِ الْفَطِيرِ) وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا يَجْهَلُهُ الْمُسْلِمُونَ غَالِبًا وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيهِ.
وَالسَّعَانِينُ بِسِينٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَتَيْنِ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ عِيدُ النَّصَارَى قَبْلَ عِيدِهِمْ الْكَبِيرِ بِأُسْبُوعٍ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَقُولهُ الْعَوَامُّ وَمِثْلُهُمْ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَذَلِكَ خَطَأٌ.
(وَ) إنْ شَرَطَهُ (إلَى الْعِيدِ، أَوْ) إلَى (رَبِيعٍ أَوْ) إلَى (جُمَادَى، أَوْ) إلَى (النَّفْرِ) مِنْ مِنًى وَنَحْوِهَا (مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ شَيْئَانِ) كَالنَّحْرِ (لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ حَتَّى يُعَيِّنَ أَحَدَهُمَا لِلْجَهَالَةِ.
(وَ) إنْ شَرَطَهُ (إلَى عِيدِ الْفِطْرِ، أَوْ) إلَى عِيدِ (النَّحْرِ، أَوْ) إلَى (يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ عَاشُورَاءَ أَوْ نَحْوِهَا) كَالنَّفْرِ الْأَوَّلِ، أَوْ الثَّانِي، وَهُمَا ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَثَالِثُهَا، فَالنَّفْرُ الْأَوَّلُ لِمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، وَالنَّفْرُ الثَّانِي لِمَنْ تَأَخَّرَ (صَحَّ) السَّلَمُ لِأَنَّهُ أَجَلٌ مَعْلُومٌ (وَمِثْلُهُ) أَيْ: مِثْلُ السَّلَمِ (الْإِجَارَةُ) فِيمَا ذُكِرَ مِمَّا يَصِحُّ أَوْ يَبْطُلُ.
(وَإِنْ جَاءَهُ) أَيْ: جَاءَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُسْلِمَ (بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي مَحَلِّهِ) أَيْ: وَقْتِ حُلُولِ أَجَلِهِ (لَزِمَهُ) أَيْ: الْمُسْلَمَ (قَبْضُهُ، كَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وَلَوْ تَضَرَّرَ بِقَبْضِهِ) لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ.
(وَإِنْ أَحْضَرَهُ بَعْدَ مَحَلِّ الْوُجُوبِ، فَكَمَا لَوْ أَحْضَرَ الْمَبِيعَ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا) مِنْ الْمَجْلِسِ فَيَلْزَمهُ قَبْضُهُ وَلَوْ تَضَرَّرَ.
(وَإِنْ أَحْضَرَهُ) أَيْ: الْمُسْلَمَ فِيهِ (قَبْلَ مَحَلِّهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ: فِي قَبْضِهِ (ضَرَرٌ) لِكَوْنِهِ أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ (مِمَّا يَتَغَيَّرُ كَالْفَاكِهَةِ الَّتِي يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا) مِنْ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَنَحْوِهِمَا (أَوْ كَانَ) الْمُسْلَمُ فِيهِ (قَدِيمُهُ دُونَ حَدِيثِهِ كَالْحُبُوبِ أَوْ كَانَ) الْمُسْلَمُ فِيهِ (حَيَوَانًا، أَوْ مَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إلَى مُؤْنَةٍ كَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِ أَوْ كَانَ الْوَقْتُ مَخُوفًا فَيَخْشَى) الْمُسْلَمُ عَلَى مَا يَقْبِضُهُ (لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْلَمَ قَبُولُهُ) أَيْ: قَبُولُ السَّلَمِ قَبْلَ مَحَلِّهِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ فِيهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَبْضِهِ) أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ (ضَرَرٌ وَلَا يَتَغَيَّرُ) أَيْ: يَخْتَلِفُ قَدِيمُهُ وَحَدِيثُهُ (كَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَنَحْوِهَا لَزِمَهُ قَبْضُهُ) لِأَنَّ الْغَرَضَ حَاصِلٌ، مَعَ زِيَادَةِ تَعْجِيلِ الْمَنْفَعَةِ فَجَرَى مَجْرَى زِيَادَةِ الصِّفَةِ.
(وَحَيْثُ قُلْنَا: يَلْزَمهُ الْقَبْضُ) لِكَوْنِهِ بَعْدَ مَحَلِّهِ، أَوْ عِنْدَهُ، أَوْ قَبْلَهُ وَلَا ضَرَرَ وَأَتَاهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى صِفَتِهِ (وَامْتَنَعَ) الْمُسْلَمُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ قَبْضِهِ (قِيلَ) أَيْ: قَالَ (لَهُ) الْحَاكِمُ (إمَّا أَنْ تَقْبِضَ حَقَّكَ وَإِمَّا أَنْ تُبْرِئَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى) الْأَمْرَيْنِ (رَفَعَ) الْمُسْلِمُ إلَيْهِ (الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَقَبَضَهُ) أَيْ: الْمُسْلَمَ فِيهِ (لَهُ وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِيهِ) أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمَقْبُوضِ مِنْهُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ بِوِلَايَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْرِئَ قُلْتُ: وَقِيَاسُهُ لَوْ غَابَ الْمُسْلِمُ (وَكَذَا) أَيْ: وَكَدَيْنِ السَّلَمِ (كُلُّ دَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ إذَا أَتَى) صَاحِبُهُ (بِهِ) يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ حَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَإِنْ أَتَى بِهِ عِنْدَ مَحَلِّهِ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ مُطْلَقًا (وَيَأْتِي إذَا عَجَّلَ الْكِتَابَةَ قَبْلَ مَحَلِّهَا) أَيْ: حُلُولِهَا فِي بَابِ الْكِتَابَةِ.
(لَكِنْ لَوْ أَرَادَ) إنْسَانٌ (قَضَاءَ دَيْنٍ عَنْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ رَبُّ الدَّيْنِ، أَوْ أَعْسَرَ زَوْجٌ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ فَبَذَلَهَا أَجْنَبِيٌّ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يُعْسِرْ وَبَذَلَهَا أَجْنَبِيٌّ (فَلَمْ تَقْبَلْ) الزَّوْجَةُ (لَمْ يُجْبَرَا) أَيْ: رَبُّ الدَّيْنِ وَالزَّوْجَةُ عَلَى الْقَبُولِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ: لِمَا فِيهِ مِنْ تَحَمُّلِ مِنَّةِ الدَّافِعِ وَتَمْلِكُ الزَّوْجَةُ حِينَئِذٍ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: فَبَذَلَهَا أَجْنَبِيٌّ أَنَّهُ لَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ وَبَذَلَهَا قَرِيبُهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، كَوَالِدِهِ وَوَلَدِهِ، وَأَخِيهِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْقَبُولُ وَأُجْبِرَتْ عَلَيْهِ وَلَا فَسْخَ لَهَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ) مَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الدَّيْنِ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ بَذَلَ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ (وَكِيلًا) عَنْ الْمَدِينِ أَوْ الزَّوْجِ فَيُجْبَرَانِ عَلَى الْقَبُولِ مِنْهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مُوَكِّلِهِ (كَتَمْلِيكِهِ) أَيْ: تَمْلِيكِ الْأَجْنَبِيِّ (لِلزَّوْجِ أَوْ الْمَدْيُونِ) مَا يُنْفِقُهُ أَوْ يَفِي بِهِ دَيْنُهُ، إذَا قَبَضَاهُ وَوَفَّيَا بِهِ مَا عَلَيْهِمَا أُجْبِرَتْ الزَّوْجَةُ وَرَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُولِ مِنْهُ لِعَدَمِ الْمِنَّةِ عَلَيْهِمَا إذَنْ.
(وَلَيْسَ) يَلْزَمُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (لِلْمُسْلِمِ إلَّا أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ) الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا فَإِذَا آتَاهُ بِهِ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ أَعْلَى مِنْهُ لِأَنَّهُ آتَاهُ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ.
(وَ) يَجِبُ (عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَنْ يُسْلِمَ الْحُبُوبَ) الْمُسْلَمَ فِيهَا (نَقِيَّةً) أَيْ: خَالِصَةً (مِنْ التِّبْنِ وَ) مِنْ (الْعُقَدِ وَ) مِنْ (غَيْرِ جِنْسِهَا) كَتُرَابٍ وَزَوَانٍ فِي الْبُرِّ (فَإِنْ كَانَ فِيهَا تُرَابٌ وَنَحْوُهُ) كَزَوَانٍ (يَأْخُذُ وَضْعًا مِنْ الْمِكْيَالِ لَمْ يَجُزْ) لَهُ تَسْلِيمُهَا كَذَلِكَ وَلَا يُجْبَرُ الْمُسْلَمُ عَلَى قَبُولِهَا كَذَلِكَ (وَإِنْ كَانَ) التُّرَابُ أَوْ نَحْوُهُ (يَسِيرًا لَا يُؤَثِّرُ لَزِمَهُ) أَيْ: الْمُسْلَمَ (أَخْذُهُ) لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُسْلَمَ (أَخْذُ التَّمْرِ) الْمُسْلَمِ فِيهِ (وَنَحْوِهِ) كَالزَّبِيبِ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا السَّلَمُ (إلَّا جَافًّا) جَفَافُهُ الْمُعْتَادُ (وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَنَاهَى جَفَافُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُسْلَمَ (أَنْ يَقْبَلَ مَعِيبًا) لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ (فَإِنْ قَبَضَهُ) أَيْ: الْمُسْلَمَ فِيهِ (فَوَجَدَهُ مَعِيبًا فَلَهُ) إمْسَاكُهُ مَعَ الْأَرْشِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَهُ رَدُّهُ وَ(الْمُطَالَبَةُ بِالْبَدَلِ) سَلِيمًا (كَالْمَبِيعِ) غَيْرِ الْمُعَيَّنِ.

.(فَصْلٌ): الشَّرْطُ (الْخَامِسُ) لِلسَّلَمِ (أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَ الْوُجُودِ فِي مَحَلِّهِ):

بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ: وَقْتِ حُلُولِهِ غَالِبًا لِوُجُوبِ تَسْلِيمِهِ إذَنْ (سَوَاءٌ كَانَ) الْمُسْلَمُ فِيهِ (مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ أَوْ مَعْدُومًا) كَالسَّلَمِ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ زَمَنَ الشِّتَاءِ إلَى الصَّيْفِ.
(فَإِنْ كَانَ) الْمُسْلَمُ فِيهِ (لَا يُوجَدُ فِيهِ) أَيْ: فِي وَقْتِ حُلُولِهِ (أَوْ لَا يُوجَدُ) فِيهِ (إلَّا نَادِرًا كَالسَّلَمِ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ إلَى غَيْرِ وَقْتِهِ لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ غَالِبًا عِنْدَ وُجُوبِهِ أَشْبَهَ بَيْعَ الْآبِقِ وَأَوْلَى.
(وَإِنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ) أَسْلَمَ فِي (ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ بَدَا صَلَاحُهُ أَوْ لَا أَوْ) أَسْلَمَ (فِي زَرْعِهِ) أَيْ: زَرْعِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ (اسْتَحْصَدَ) أَيْ: طَلَبَ الْحَصَادَ بِأَنْ اشْتَدَّ حَبُّهُ (أَوْ لَا أَوْ) أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةٍ أَوْ زَرْعِ (قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ) أَسْلَمَ (فِي نِتَاجِ فَحْلِ فُلَانٍ أَوْ غَنَمِهِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ وَلِمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ أَسْلَفَ إلَيْهِ يَهُودِيٌّ فِي تَمْرِ حَائِطٍ بَنِي فُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا فِي حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ فَلَا وَلَكِنْ كَيْلٌ مُسَمًّى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الْمَنْعُ مِنْهُ كَالْإِجْمَاعِ لِاحْتِمَالِ الْجَائِحَةِ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ إلَى مَحِلٍّ) أَيْ: وَقْتٍ (يُوجَدُ فِيهِ عَامًا، فَانْقَطَعَ وَتَعَذَّرَ حُصُولُهُ، أَوْ) حُصُولُ (بَعْضِهِ إمَّا لِغَيْبَةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ) وَقْتَ وُجُوبِهِ (أَوْ) (لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ حَتَّى عَدَمَ الْمُسْلَمُ فِيهِ أَوْ لَمْ تُحْمَلْ الثِّمَارُ تِلْكَ السَّنَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ خُيِّرَ) الْمُسْلَمُ (بَيْنَ صَبْرٍ) إلَى أَنْ يُوجَدَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَيَأْخُذهُ.
(وَ) بَيْنَ (فَسْخٍ فِي الْكُلِّ) الْمُتَعَذِّرِ (أَوْ الْبَعْضِ الْمُتَعَذِّرِ وَيَرْجِعُ بِرَأْسِ مَالِ) مَا فَسَخَ فِيهِ، كُلًّا كَانَ أَوْ بَعْضًا إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَوْجُودًا (أَوْ عِوَضُهُ إنْ كَانَ مَعْدُومًا) لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ، وَعِوَضُهُ مِثْلُ مِثْلِيٍّ وَقِيمَةُ مُتَقَوِّمٍ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ بَقَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَزِمَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ تَحْصِيلُهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَلَوْ شَقَّ كَبَقِيَّةِ الدُّيُونِ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ إلَى ذِمِّيٍّ فِي خَمْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا رَجَعَ الْمُسْلِمُ) أَيْ: صَاحِبُ السَّلَمِ (فَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ) الَّذِي دَفَعَهُ إنْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ عِوَضَهُ إنْ عُدِمَ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ الْأَوَّلُ فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَسْلَمَ الْآخَرُ فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِيفَاءُ.

.فَصْلٌ: الشَّرْطُ (السَّادِسُ) لِلسَّلَمِ (أَنْ يَقْبِضَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَوْ وَكِيلُهُ (رَأْسَ مَالِهِ):

أَيْ: السَّلَمِ (فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) قَبْلَ التَّفَرُّقِ اسْتَنْبَطَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ» أَيْ: فَلِيُعْطِ: قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ اسْمُ السَّلَفِ فِيهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا أَسْلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ مَنْ أَسْلَفَهُ انْتَهَى وَحَذَرًا أَنْ يَصِيرَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ (أَوْ مَا فِي مَعْنَى الْقَبْضِ كَمَا لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ) أَيْ: الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (أَمَانَةٌ أَوْ عَيْنٌ مَغْصُوبَةٌ) وَنَحْوُهَا فَجَعَلَهَا رَبُّهَا رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَبْضِ.
وَ(لَا) يَصِحُّ عَقْدُ السَّلَمِ (بِمَا فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ: الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَجْعَلهُ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ النَّهْيِ وَتَقَدَّمَ (فَإِنْ قَبَضَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (الْبَعْضَ) مِنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ (ثُمَّ افْتَرَقَا) قَبْلَ قَبْضِ الْبَاقِي صَحَّ فِيمَا قَبَضَ بِقِسْطِهِ وَ(بَطَلَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ) لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي الصَّرْفِ) لَكِنْ لَوْ تَعَاقَدَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ طَعَامٍ مَثَلًا وَشَرَطَ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مِنْهَا خَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ وَلَوْ قُلْنَا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ فَضْلًا عَلَى الْمُؤَجَّلِ (فَيَقْتَضِي كَوْنَهُ) أَيْ: رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (مَعْلُومَ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ) كَالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَأَخَّرُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَا يُؤْمَنُ انْفِسَاخُهُ، فَوَجَبَ مَعْرِفَةُ رَأْسِ مَالِهِ لِيَرُدَّ بَدَلَهُ كَالْقَرْضِ (ف) عَلَى هَذَا (لَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (بِصُبْرَةٍ) مُشَاهَدَةٍ لَا يَعْلَمَا قَدْرَهَا.
(وَلَا) يَصِحُّ السَّلَمُ (بِمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِصِفَةٍ كَجَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ فَعَلَا) أَيْ: عَقَدَاهُ بِذَلِكَ (فَبَاطِلٌ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ (وَيُرْجَعُ) أَيْ: يُرَدُّ الْمَقْبُوضُ إذَنْ (إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا (فَقِيمَتُهُ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، كَصُبْرَةٍ مِنْ نَحْوِ حُبُوبٍ.
(فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهَا) أَيْ: فِي قِيمَةِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْبَاطِلِ أَوْ فِي قَدْرِ الصُّبْرَةِ الْمَجْعُولَةِ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ (فَقَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عِلْمُ قَدْرِ الْقِيمَةِ أَوْ الصُّبْرَةِ، بِأَنْ قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ: لَا أَعْلَمُ قَدْرَ ذَلِكَ (فَقِيمَةُ مُسْلَمٍ فِيهِ مُؤَجَّلًا) إلَى الْأَجَلِ الَّذِي عَيَّنَّاهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْأَشْيَاءِ أَنْ تُبَاعَ بِقِيمَتِهَا.
(وَلَوْ قَبَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ افْتَرَقَا فَوَجَدَهُ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (مَعِيبًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) كَالنُّحَاسِ فِي الْفِضَّةِ وَالْمَسِّ فِي الذَّهَبِ (أَوْ ظَهَرَ) رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ الْمُعَيَّنِ (مُسْتَحَقًّا بِغَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ) كَمَا لَوْ ظَهَرَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ كَذَلِكَ.
(وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ) أَيْ: جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ كَالسَّوَادِ فِي الْفِضَّةِ وَالْوُضُوحِ فِي الذَّهَبِ (فَلَهُ) أَيْ: الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (إمْسَاكُهُ وَأَخْذُ أَرْشِ عَيْبِهِ، أَوْ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ) هَكَذَا فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ مَتَى رَدَّهُ بَطَلَ الْعَقْدُ، كَمَا فِي الْمُغْنِي لِوُقُوعِهِ عَلَى عَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ ذَكَرْتُ كَلَامَ الْمُسْتَوْعِبِ فِي الْحَاشِيَةِ.
(وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى مَالٍ فِي الذِّمَّةِ) وَقَبَضَهُ ثُمَّ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ مِنْ جِنْسِهِ (فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِبَدَلِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ بَطَلَ الْعَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْإِنْصَافِ.
(وَإِنْ تَفَرَّقَا) عَنْ الْمَجْلِسِ بَعْدَ قَبْضِهِ (ثُمَّ عَلِمَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (عَيْبَهُ فَرَدَّهُ لَمْ يَبْطُلْ) السَّلَمُ (إنْ قَبَضَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (الْبَدَلَ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ) إقَامَةً لِمَجْلِسِ الرَّدِّ مَقَامَ مَجْلِسِ الْعَقْدِ.
(وَإِنْ تَفَرَّقَا عَنْ مَجْلِسِ الرَّدِّ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلِ بَطَلَ) السَّلَمُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرُ جِنْسِهِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ أَخْذِ بَدَلِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ (وَإِنْ وَجَدَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (بَعْضَ الثَّمَنِ رَدِيئًا فَرَدَّهُ فَفِي الْمَرْدُودِ مَا ذَكَرنَا مِنْ التَّفْصِيلِ) الْمَذْكُورِ.