فصل: فَصْلٌ: حكم التولِّي مِن الْحَرْبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: حكم التولِّي مِن الْحَرْبِ:

وَيَحْرُمُ فِرَارُ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرَيْنِ وَيَحْرُمُ فِرَارُ (جَمَاعَةٍ مِنْ مِثْلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَمَا فَرَّ (وَيَلْزَمُهُمْ) أَيْ: الْمُسْلِمِينَ (الثَّبَاتُ وَإِنْ ظَنُّوا التَّلَفَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ}؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّ الْفِرَارَ مِنْ الْكَبَائِرِ (إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ}.
(وَمَعْنَى التَّحَرُّفِ) لِقِتَالٍ أَنْ يَنْحَازُوا إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ الْقِتَالُ فِيهِ أَمْكَنَ، (مِثْلُ أَنْ يَنْحَازُوا مِنْ ضِيقٍ إلَى سَعَةٍ، أَوْ مِنْ مَعْطَشَةٍ إلَى مَاءٍ أَوْ مِنْ نُزُولٍ إلَى عُلُوٍّ أَوْ مِنْ اسْتِقْبَالِ شَمْسٍ أَوْ رِيحٍ إلَى اسْتِدْبَارِهِمَا، أَوْ يَفِرُّوا بَيْنَ أَيْدِيهمْ لِيَنْقَضَّ صَفُّهُمْ، أَوْ تَنْفِرَ خَيْلُهُمْ مِنْ رِجَالَتِهِمْ، أَوْ لِيَجِدُوا فِيهِمْ فُرْصَةً أَوْ يَسْتَنِدُوا إلَى جَبَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ قَالَ عُمَرُ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ فَانْحَازُوا إلَيْهِ وَانْتَصَرُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ (أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ نَاصِرَةٍ تُقَاتِلُ مَعَهُمْ، وَلَوْ بَعُدَتْ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ}.
(قَالَ الْقَاضِي لَوْ كَانَتْ الْفِئَةُ بِخُرَاسَانَ وَالْفِئَةُ بِالْحِجَازِ لَجَازَ التَّحَيُّزُ إلَيْهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إنِّي فِئَةٌ لَكُمْ» وَكَانُوا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ مِنْهُ.
وَقَالَ عُمَرُ «إنَّا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَجُيُوشُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.
(وَإِنْ زَادُوا عَلَى مِثْلَيْهِمْ فَلَهُمْ الْفِرَارُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَتْ {إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، حِين فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ التَّخْفِيفُ، فَقَالَ {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} فَلَمَّا خَفَّفَ عَنْهُمْ مِنْ الْعَدَدِ، نَقَصَ مِنْ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خَفَّفَ مِنْ الْقَدْرِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ مَعَ أَدْنَى زِيَادَةٍ (وَهُوَ) أَيْ: الْفِرَارُ (أَوْلَى) مِنْ الثَّبَاتِ (إنْ ظَنُّوا التَّلَفَ بِتَرْكِهِ) أَيْ: الْفِرَارِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ اسْتِحْبَابَ الثَّبَاتِ لِلزَّائِدِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ (وَإِنْ ظَنُّوا الظَّفَرَ فَالثَّبَاتُ أَوْلَى) مِنْ الْفِرَارِ (بَلْ يُسْتَحَبُّ) الثَّبَاتُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ الْعَطَبَ (كَمَا لَوْ ظَنُّوا الْهَلَاكَ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْفِرَارِ وَالثَّبَاتِ (فَ) يُسْتَحَبُّ الثَّبَاتُ وَأَنْ (يُقَاتِلُوا، وَلَا يَسْتَأْسِرُوا قَالَ) الْإِمَامُ (: أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَسْتَأْسِرُوا وَقَالَ: يُقَاتِلُ أَحَبُّ إلَيَّ الْأَسْرُ شَدِيدٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ وَقَالَ: يُقَاتِلُ، وَلَوْ أَعْطَوْهُ الْأَمَانَ، قَدْ لَا يَفُوا، وَإِنْ اسْتَأْسَرُوا جَازَ).
قَالَ فِي الْبُلْغَةِ وَغَيْرِهَا: وَقَالَ عَمَّارٌ «مَنْ اسْتَأْسَرَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ» فَلِهَذَا قَالَ: الْآجُرِّيُّ: يَأْثَمُ، وَإِنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ (فَإِنْ جَاءَ الْعَدُوُّ بَلَدًا فَلِأَهْلِهِ التَّحَصُّنُ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا) أَيْ: أَهْلُ الْحِصْنِ (أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِمْ، لِيَلْحَقَهُمْ مَدَدٌ أَوْ قُوَّةٌ) وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَوَلِّيًا وَلَا فِرَارًا إنَّمَا التَّوَلِّي بَعْدَ اللِّقَاءِ (وَإِنْ لَقُوهُمْ خَارِجَ الْحِصْنِ فَلَهُمْ التَّحَيُّزُ إلَى الْحِصْنِ) لِيَلْحَقَهُمْ مَدَدٌ أَوْ قُوَّةٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ أَوْ التَّحَيُّزِ لِفِئَةٍ.
(وَإِنْ غُزُوا فَذَهَبَتْ دَوَابُّهُمْ) لِشُرُودٍ أَوْ قَتْلٍ (فَلَيْسَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الْفِرَارِ) إذْ الْقِتَالُ مُمْكِنٌ بِدُونِهَا (وَإِنْ تَحَيَّزُوا إلَى جَبَلٍ لِيُقَاتِلُوا فِيهِ رَجَّالَةً جَازَ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ (وَإِنْ فَرُّوا) أَيْ: الْمُسْلِمُونَ (قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ إنْ أَحْرَزَهَا غَيْرُهُمْ)؛ لِأَنَّ مِلْكَهَا لِمَنْ أَحْرَزَهَا.
(وَإِنْ قَالُوا) أَيْ: الْفَارُّونَ (إنَّهُمْ فَرُّوا مُتَحَرِّفِينَ لِلْقِتَالِ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ أَيْضًا)؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا الْوَاقِعَةَ حَالَ تَقَضِّي الْحَرْبِ، وَالِاعْتِبَارُ بِهِ كَمَا يَأْتِي (وَإِنْ أُلْقِيَ فِي مَرْكَبِهِمْ) أَيْ: الْمُسْلِمِينَ (نَارٌ فَاشْتَعَلَتْ، فَعَلُوا مَا يَرَوْنَ فِيهِ السَّلَامَةَ)؛ لِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ وَاجِبٌ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ فَهُنَا كَذَلِكَ (مِنْ الْمَقَامِ أَوْ الْوُقُوعِ فِي الْمَاءِ) لِيَتَخَلَّصُوا مِنْ النَّارِ (فَإِنْ شَكُّوا) فِي أَيِّهِمَا السَّلَامَةُ (فَعَلُوا مَا شَاءُوا)؛ لِأَنَّهُمْ اُبْتُلُوا بِأَمْرَيْنِ، وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (كَمَا لَوْ تَيَقَّنُوا الْهَلَاكَ فِيهِمَا، أَوْ ظَنُّوهُ ظَنًّا مُتَسَاوِيًا أَوْ ظَنُّوا السَّلَامَةَ) فِيهِمَا (ظَنًّا مُتَسَاوِيًا) قَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَ شَاءَ صَنَعَ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُمَا مَوْتَتَانِ فَاخْتَرْ أَيْسَرَهُمَا انْتَهَى وَهُمْ مُلْجِئُونَ إلَى الْإِلْقَاءِ، فَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ الْفِعْلُ بِوَجْهٍ، فَلَا يُقَالُ: أَلْقَوْا بِأَنْفُسِهِمْ إلَى التَّهْلُكَةِ.

.(فَصْلٌ): تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ:

(وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ وَهُوَ كَبْسُهُمْ لَيْلًا، وَقَتْلُهُمْ وَهُمْ غَارُّونَ) أَيْ: مَغْرُورُونَ.
(وَلَوْ قُتِلَ فِيهِ) أَيْ: فِي التَّبْيِيتِ (مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ امْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَغَيْرِهِمَا) كَمَجْنُونٍ وَشَيْخٍ فَانٍ، إذَا لَمْ يُقْصَدُوا لِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُسْأَلُ عَنْ دِيَارِ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ؟ فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَكَذَا قَتْلُهُمْ) أَيْ: الْكُفَّارِ (فِي مَطْمُورَةٍ إذَا لَمْ يَقْصِدْهُمْ) أَيْ: النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَنَحْوَهُمْ.
(وَ) يَجُوزُ أَيْضًا (رَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا وَنَصَبَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة؛ وَلِأَنَّ الرَّمْيَ بِهِ مُعْتَادٌ كَالسِّهَامِ، وَسَوَاءٌ مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا.
(وَ) يَجُوزُ (قَطْعُ الْمِيَاهِ عَنْهُمْ وَ) قَطْعُ (السَّابِلَةِ) عَنْهُمْ (وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَتْلَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ)؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّبْيِيتِ السَّابِقِ فِيهِ حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ إضْعَافُهُمْ وَإِرْهَابُهُمْ لِيُجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ.
(وَ) يَجُوزُ (الْإِغَارَةُ عَلَى عَلَّافِيهِمْ وَحَطَّابِيهِمْ وَنَحْوِهِ) أَيْ: نَحْوِ مَا ذُكِرَ مِمَّا فِيهِ إضْعَافٌ وَإِرْهَابٌ لَهُمْ.
(وَلَا يَجُوزُ إحْرَاقُ نَحْلِهِمْ) بِالْمُهْمَلَةِ (وَلَا تَغْرِيقُهُ) لِمَا رَوَى مَكْحُولٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى أَبَا هُرَيْرَةَ بِأَشْيَاءَ قَالَ «إذَا غَزَوْت، فَلَا تُحَرِّقْ نَحْلًا، وَلَا تُغْرِقْهُ» وَرَوَى مَالِكٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ نَحْوَهُ؛ وَلِأَنَّ قَتْلَهُ فَسَادٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} الْآيَةَ؛ وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذُو رُوحٍ فَلَمْ يَجُزْ إهْلَاكُهُ لِيَغِيظَهُمْ، كَنِسَائِهِمْ.
(وَيَجُوزُ أَخْذُ الْعَسَلِ وَأَكْلُهُ)؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ (وَ) يَجُوزُ (أَخْذُ شَهْدِهِ كُلِّهِ، بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُ لِلنَّحْلِ شَيْئًا فِيهِ)؛ لِأَنَّ الشَّهْدَ مِنْ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ، وَهَلَاكُ النَّحْلِ بِأَخْذِ جَمِيعِهِ يَحْصُلُ ضِمْنًا غَيْرُ مَقْصُودٍ فَأَشْبَهَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ فِي الْبَيَاتِ (وَالْأَوْلَى أَنْ يَتْرُكَ لَهُ) أَيْ: لِلنَّحْلِ (شَيْئًا) مِنْ الشَّهْدِ لِيَبْقَى بِهِ.
(وَلَا يَجُوزُ عَقْرُ دَوَابِّهِمْ، وَلَوْ شَاةً) لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ صَبْرًا وَقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فِي وَصِيَّتِهِ: «وَلَا تَعْقِرَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا دَابَّةً عَجْمَاءَ وَلَا شَاةً إلَّا لِمَأْكَلَةٍ» (أَوْ مِنْ دَوَابِّ قِتَالِهِمْ)، فَلَا يَجُوزُ عَقْرُهَا لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا حَالَ قِتَالِهِمْ)، فَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ،؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ إذْ قَتْلُ بَهَائِمِهِمْ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى قَتْلِهِمْ وَهَزِيمَتِهِمْ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (أَوْ لِأَكْلٍ يُحْتَاجُ إلَيْهِ) فَيُبَاحُ قَتْلُهَا لِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الصِّدِّيقِ «إلَّا لِمَأْكَلَةٍ»؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تُبِيحُ مَالَ الْمَعْصُومِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى.
(وَيُرَدُّ الْجِلْدُ فِي الْغَنِيمَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ، وَإِنْ لَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إلَى أَكْلِهِ وَكَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْقِتَالِ كَالْخَيْلِ، لَمْ يُبَحْ ذَبْحُهُ لِلْأَكْلِ (وَأَمَّا الَّذِي لَا يُرَادُ إلَّا لِلْأَكْلِ، كَالدَّجَاجِ وَالْحَمَامِ وَسَائِرِ الطُّيُورِ وَالصُّيُودِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّعَامِ) فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ.
(وَيَجُوزُ حَرْقُ شَجَرِهِمْ، وَزَرْعِهِمْ، وَقَطْعُهُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى إتْلَافِهِ لَوْ كَانَ) كَائِنٌ (لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِمْ) أَيْ: الْكُفَّارِ (إلَّا بِهِ) كَاَلَّذِي يَقْرُبُ مِنْ حُصُونِهِمْ، وَيَمْنَعُ مِنْ قِتَالِهِمْ، أَوْ يَسْتَتِرُونَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُحْتَاجُ إلَى قَطْعِهِ لِتَوْسِعَةِ الطَّرِيقِ (أَوْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ) أَيْ: حَرْقَ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَقَطْعَهُمَا (مِنَّا) أَيْ: مَعَاشِرِ الْمُسْلِمِينَ (فَيُفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ لِيَنْتَهُوا) عَنْهُ، وَيَنْزَجِرُوا.
(وَمَا تَضَرَّرَ الْمُسْلِمُونَ بِقَطْعِهِ) مِنْ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ (لِكَوْنِهِمْ يَنْتَفِعُونَ بِبَقَائِهِ لِعُلُوفَتِهِمْ، أَوْ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ، أَوْ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِهِ، أَوْ تَكُونُ الْعَادَةُ لَمْ تَجْرِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا) بِقَطْعِهِ (حَرُمَ قَطْعُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِنَا (وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا نَفْعَ لَهُمْ) بِهِ (سِوَى غَيْظِ الْكُفَّارِ وَالْإِضْرَارِ بِهِمْ، فَيَجُوزُ إتْلَافُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} الْآيَةَ وَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَّعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَة مُسْتَطِيرُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَكَذَا يَجُوزُ رَمْيُهُمْ) أَيْ: الْكُفَّارِ (بِالنَّارِ، وَالْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ فِي كِفَّاتِ الْمَجَانِيقِ، وَيَجُوزُ تَدْخِينُهُمْ فِي الْمَطَامِيرِ، وَفَتْحُ الْمَاءِ لِغَرَقِهِمْ، وَفَتْحُ حُصُونِهِمْ وَعَامِرِهِمْ) أَيْ: هَدْمِهَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّبْيِيتِ (فَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ تَحْرِيقُهُمْ) لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ» وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْمُرُ بِتَحْرِيقِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بِالنَّارِ وَفَعَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِأَمْرِهِ.
(وَيَجُوزُ إتْلَافُ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ) وَفِي الْمُنْتَهَى يَجِبُ (وَإِنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا وَوَرَقِهَا) أَيْ:، فَيَجُوزُ إتْلَافُهَا تَبَعًا.
(وَإِذَا ظُفِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِهِمْ) أَيْ: بِأَهْلِ الْحَرْبِ (حَرُمَ قَتْلُ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ أَرِقَّاءَ بِنَفْسِ السَّبْيِ، فَفِي قَتْلِهِمْ إتْلَافُ الْمَالِ فَإِنْ شُكَّ فِي بُلُوغِ الصَّبِيِّ عُوِّلَ عَلَى شَعْرِ الْعَانَةِ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ.
(وَخُنْثَى) لِاحْتِمَالٍ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً (وَرَاهِبٌ، وَلَوْ خَالَطَ النَّاسَ) لِقَوْلِ عُمَرَ «سَتَمُرُّونَ عَلَى قَوْمٍ فِي صَوَامِعَ لَهُمْ، احْتَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهَا، فَدَعُوهُمْ حَتَّى يَبْعَثَهُمْ اللَّهُ عَلَى ضَلَالِهِمْ».
(وَشَيْخٌ فَانٍ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ قَتْلِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَعْتَدُوا} بِقَوْلِهِ: «لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ»؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ أَشْبَهَ الْمَرْأَةَ وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ قَتْلِ الْمُقَاتِلَةِ الَّذِينَ فِيهِمْ قُوَّةٌ مَعَ أَنَّهُ عَامٌّ وَخَبَرُنَا خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ.
(وَزَمِنٌ وَأَعْمَى)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا نِكَايَةٌ فَأَشْبَهَا الشَّيْخَ الْفَانِيَ (وَفِي الْمُغْنِي) وَالشَّرْحِ (وَعَبْدٌ وَفَلَّاحٌ) لَا يُقَاتِلُ لِقَوْلِ عُمَرَ «اتَّقُوا اللَّهَ فِي الْفَلَّاحِينَ الَّذِينَ لَا يَنْصِبُونَ لَكُمْ الْحَرْبَ»؛ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوهُمْ حِينَ فَتَحُوا الْبِلَادَ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ، أَشْبَهُوا الشُّيُوخَ وَالرُّهْبَانَ.
وَفِي الْإِرْشَادِ: وَحَبْرٌ (لَا رَأْيَ لَهُمْ) فَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ ذَا رَأْيٍ- وَخَصَّهُ فِي الشَّرْحِ بِالرِّجَالِ- وَفِيهِ شَيْءٌ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ- جَازَ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ قُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ شَيْخٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، لِأَجْلِ اسْتِعَانَتِهِمْ بِرَأْيِهِ فَلَمْ يُنْكِرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَهُ؛ وَلِأَنَّ الرَّأْيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَعُونَةِ عَلَى الْحَرْبِ وَرُبَّمَا كَانَ أَبْلَغَ فِي الْقِتَالِ قَالَ الْمُتَنَبِّي: الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ هُوَ أَوَّلُ وَهِيَ الْمَحَلُّ الثَّانِي فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسِ مَرَّةً بَلَغَتْ مِنْ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ وَلَرُبَّمَا طَعَنَ الْفَتَى أَقْرَانَهُ بِالرَّأْيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الْفُرْسَانِ (إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا)، فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَتَلَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ امْرَأَةً أَلْقَتْ رَحًى عَلَى مَحْمُودِ بْنِ سَلَمَةَ».
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ هَذِهِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا نَازَعَتْنِي قَائِمَ سَيْفِي، فَسَكَتَ» (أَوْ يُحَرِّضُوا عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْقِتَالِ فَإِنْ حَرَّضَ أَحَدٌ مِنْهُمْ جَازَ قَتْلُهُ فَإِنَّ تَحْرِيضَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ أَبْلَغُ مِنْ مُبَاشَرَتِهِمْ الْقِتَالَ بِأَنْفُسِهِمْ.
(وَلَا يُقْتَلُ مَعْتُوهٌ) أَيْ: مُخْتَلُّ الْعَقْلِ (مِثْلُهُ لَا يُقَاتَلُ)؛ لِأَنَّهُ لَا نِكَايَةَ فِيهِ أَشْبَهَ الصَّبِيَّ (وَيَأْتِي مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبُلُوغُ) فِي الْحَجْرِ (وَيُقْتَلُ الْمَرِيضُ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا قَاتَلَ، كَالْإِجْهَازِ عَلَى الْجَرِيحِ)؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ حَيًّا ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَتَقْوِيَةً لِلْكُفَّارِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمَرِيضُ (مَأْيُوسًا مِنْ بُرْئِهِ فَكَزَمِنٍ) لِعَدَمِ النِّكَايَةِ بِقَتْلِهِ (فَإِنْ تَتَرَّسُوا) أَيْ: الْكُفَّارُ (بِهِمْ) أَيْ: بِالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ (جَازَ رَمْيُهُمْ)؛ لِأَنَّ كَفَّ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ حِينَئِذٍ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً أَوْ لَا.
(وَيَقْصِدُ) الرَّامِي لَهُمْ (الْمُقَاتِلَةَ)؛ لِأَنَّهُمْ الْمَقْصُودُونَ بِالذَّاتِ (وَلَوْ وَقَفَتْ امْرَأَةٌ فِي صَفٍّ الْكُفَّارِ أَوْ عَلَى حِصْنِهِمْ فَشَتَمَتْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ تَكَشَّفَتْ لَهُمْ جَازَ رَمْيُهَا وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا لِلْحَاجَةِ إلَى رَمْيِهَا) ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُ نَصِّ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ: خِلَافُهُ،، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ حُكْمَ غَيْرِهَا مِمَّنْ مَنَعْنَا قَتْلَهُ كَهِيَ (وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُمْ رَمْيُهَا إذَا كَانَتْ تَلْتَقِطُ لَهُمْ السِّهَامَ، أَوْ تَسْقِيهِمْ الْمَاءَ) كَاَلَّتِي تُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَالِ وَفِيهِ شَيْءٌ.
(وَإِنْ تَتَرَّسُوا) أَيْ: أَهْلُ الْحَرْبِ (بِمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ)؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ، مَعَ أَنَّ لَهُمْ مَنْدُوحَةً عَنْهُ (فَإِنْ رَمَاهُمْ فَأَصَابَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ) لِعُدْوَانِهِ (إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْنَا) مِنْ تَرْكِ رَمْيِهِمْ (فَقَطْ، فَيَرْمِيهِمْ) نَصَّ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ (وَيَقْصِدُ الْكُفَّارَ) بِالرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمَقْصُودُونَ بِالذَّاتِ فَلَوْ لَمْ يُخَفْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِالرَّمْيِ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} الْآيَةَ، قَالَ اللَّيْثُ: تَرْكُ فَتْحِ حِصْنٍ يُقْدَرُ عَلَى فَتْحِهِ أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.

.(فَصْلٌ): حُكْمُ مَنْ أَسَرَ أَسِيرًا:

(وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ)، فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ:؛ لِأَنَّ الْخِيرَةَ فِي أَمْرِ الْأَسِيرِ إلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ) الْأَسِيرُ (مِنْ الْمَسِيرِ مَعَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ إكْرَاهُهُ بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ يَهْرُبُ مِنْهُ أَوْ يَخَافُ هَرَبَهُ، أَوْ يَخَافُ مِنْهُ أَوْ يُقَاتِلُهُ، أَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَرِضَ مَعَهُ) أَوْ كَانَ جَرِيحًا فَلَهُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ حَيًّا ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَتَقْوِيَةٌ لِلْكُفَّارِ، وَكَجَرِيحِهِمْ إذَا لَمْ يَأْسِرْهُ (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ أَسِيرِ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ) لِيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ؛ لِأَنَّهُ افْتِيَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ (إلَّا أَنْ يَصِيرَ) الْأَسِيرُ (فِي حَالَةٍ يَجُوزُ فِيهَا قَتْلُهُ لِمَنْ أَسَرَهُ) بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْمَسِيرِ، وَلَا يُمْكِنُ إكْرَاهُهُ بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِهَرَبٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ (فَإِنْ قَتَلَ أَسِيرَهُ، أَوْ) قَتَلَ (أَسِيرَ غَيْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ فِي حَالَةٍ يَجُوزُ فِيهَا قَتْلُهُ وَكَانَ الْأَسِيرُ (الْمَقْتُولُ رَجُلًا فَقَدْ أَسَاءَ) الْقَاتِلُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ.
(وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْقَاتِلِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَسَرَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَابْنَهُ عَلِيًّا يَوْمَ بَدْرٍ فَرَآهُمَا بِلَالٌ فَاسْتَصْرَخَ الْأَنْصَارَ عَلَيْهِمَا، حَتَّى قَتَلُوهُمَا، وَلَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا؛ وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.
(وَإِنْ كَانَ) الْأَسِيرُ (صَغِيرًا أَوْ امْرَأَةً)، وَلَوْ رَاهِبَةً (عَاقَبَهُ) أَيْ: الْقَاتِلَ (الْأَمِيرُ) لِافْتِيَاتِهِ (وَغَرَّمَهُ قِيمَةَ غَنِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ) بِخِلَافِ الْحُرِّ الْمُقَاتِلِ.
(وَمَنْ أُسِرَ فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ)؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (فَإِنْ شَهِدَ لَهُ) أَيْ: لِلْأَسِيرِ رَجُلٌ.
(وَاحِدٌ وَحَلَفَ مَعَهُ، خَلَّى سَبِيلَهُ) فَيَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ كَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يَفْدِيَ أَوْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ فَإِنِّي سَمِعْته يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ فَقَبِلَ شَهَادَةَ عَبْدِ اللَّهِ وَحْدَهُ» قُلْت: هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كَهِلَالِ رَمَضَانَ فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ عَدْلٍ وَاحِدٍ إذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْخَبَرِ تَحْلِيفٌ.
(قَالَ جَمَاعَةٌ وَيَقْتُلُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ وَابْنَهُ وَنَحْوَهُمَا مِنْ ذَوِي الْقَرَابَةِ فِي الْمُعْتَرَكِ)؛ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَتَلَ أَبَاهُ فِي الْجِهَادِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الْآيَةَ.
(وَيُخَيَّرُ الْأَمِيرُ تَخْيِيرَ مَصْلَحَةٍ وَاجْتِهَادٍ) فِي الْأَصْلَحِ (لَا تَخْيِيرَ شَهْوَةٍ فِي الْأَسْرَى الْأَحْرَارِ الْمُقَاتِلِينَ وَالْجَاسُوسِ-، وَيَأْتِي- بَيْنَ قَتْلٍ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَتَلَ رِجَالَ قُرَيْظَةَ وَهُمْ بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ وَالسَّبْعِمِائَةِ» وَ«قَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَفِيهِ تَقُولُ أُخْتُهُ مَا كَانَ ضَرُّك لَوْ مَنَنْت فَرُبَّمَا مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمُغِيظُ الْمُحْنِقُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ سَمِعْته مَا قَتَلْته» (وَاسْتِرْقَاقٍ) لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْته يَقُولُ: هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ، وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا، قَالَ وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِالْجِزْيَةِ، فَبِالرِّقِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي صِغَارِهِمْ (وَمَنٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}؛ وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَّ عَلَى أَبِي عَزَّةَ الشَّاعِرِ، يَوْمَ بَدْرٍ وَعَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَعَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ».
(وَفِدَاءٍ بِمُسْلِمٍ) لِلْآيَةِ وَلِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (أَوْ) فِدَاءٍ (بِمَالٍ) لِلْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَادَى أَهْلَ بَدْرٍ بِالْمَالِ» (فَمَا فَعَلَهُ) الْأَمِيرُ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ تَعَيَّنَ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ.
(وَيَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ)؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ النَّظَرِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ مَا فِيهِ الْحَظُّ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ قَدْ تَكُونُ أَصْلَحَ فِي بَعْضِ الْأَسْرَى فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ نَخْوَةٌ وَنِكَايَةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ فَقَتْلُهُ أَصْلَحُ، وَمِنْهُمْ الضَّعِيفُ ذُو الْمَالِ الْكَثِيرِ فَفِدَاؤُهُ أَصْلَحُ وَمِنْهُمْ حَسَنُ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ يُرْجَى إسْلَامُهُ، فَالْمَنُّ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَمَنْ يُنْتَفَعُ بِخِدْمَتِهِ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ، اسْتِرْقَاقُهُ أَصْلَحُ (فَمَتَى رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي خَصْلَةٍ لَمْ يَجُزْ اخْتِيَارُ غَيْرِهَا) لِمَا سَبَقَ.
(وَمَتَى رَأَى قَتْلَهُ ضَرَبَ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} (وَلَا يَجُوزُ التَّمْثِيلُ بِهِ، وَلَا التَّعْذِيبُ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ «وَلَا تُعَذِّبُوا وَلَا تُمَثِّلُوا» (وَإِنْ تَرَدَّدَ رَأْيُهُ وَنَظَرُهُ) فِي الْأَسْرَى (فَالْقَتْلُ أَوْلَى) لِكِفَايَةِ الشَّرِّ.
(وَالْجَاسُوسُ الْمُسْلِمُ: يُعَاقَبُ، وَيَأْتِي) حُكْمُ الْجَاسُوسِ (الذِّمِّيِّ) فِي أَحْكَامِ الذِّمَّةِ.
(وَمَنْ اُسْتُرِقَّ مِنْهُمْ) أَيْ: الْكُفَّارِ (أَوْ فُدِيَ بِمَالٍ، كَالرَّقِيقِ وَالْمَالُ لِلْغَانِمِينَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَنِيمَةِ) عَلَى مَا يَأْتِي قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَالشَّرْحِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَسَمَ فِدَاءَ أُسَارَى بَدْرٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ».
(وَإِنْ سَأَلَ الْأُسَارَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) أَوْ الْمَجُوسِ (تَخْلِيَتَهُمْ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ لَمْ يَجُزْ) ذَلِكَ (فِي نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ)؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا أَرِقَّاءَ بِنَفْسِ السَّبْيِ.
(وَيَجُوزُ فِي الرِّجَالِ) وَلَا تَجِبُ إجَابَتُهُمْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ أَمَانٍ (وَلَا يَجُوزُ التَّخْيِيرُ الثَّابِتُ فِيهِمْ) بِمُجَرَّدِ بَذْلِ الْمَالِ قَبْلَ إجَابَتِهِمْ لِعَدَمِ لُزُومِهَا لِمَا سَبَقَ.
(وَلَا يُبْطِلُ الِاسْتِرْقَاقُ حَقًّا لِمُسْلِمٍ) قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
وَفِي الِانْتِصَارِ: لَا يُسْقِطُ حَقَّ قَوَدٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَفِي سُقُوطِ دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ لِضَعْفِهَا بِرِقِّهِ، كَذِمَّةِ مَرِيضٍ احْتِمَالَانِ.
وَفِي الْبُلْغَةِ: يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، إلَّا أَنْ يَغْنَمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ، فَيَقْضِيَ مِنْهُ دَيْنَهُ، فَيَكُونُ رِقُّهُ كَمَوْتِهِ وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ حُلُولُهُ بِرِقِّهِ وَإِنْ غَنِمَا مَعًا فَهُمَا لِلْغَانِمِ وَدَيْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ.
(وَالصِّبْيَانُ وَالْمَجَانِينُ مِنْ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِهِ وَالنِّسَاءُ وَمَنْ فِيهِ نَفْعٌ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ كَأَعْمَى، وَنَحْوِهِ: رَقِيقٌ بِنَفْسِ السَّبْيِ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ يَسْتَرِقُّهُمْ إذَا سَبَاهُمْ.
(وَيَضْمَنُهُمْ قَاتِلُهُمْ بَعْدَ السَّبْيِ) بِالْقِيمَةِ، وَتَكُونُ غَنِيمَةً وَ(لَا) يَضْمَنُهُمْ قَاتِلُهُمْ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ السَّبْيِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِيرُوا مَالًا (وَقِنُّ) أَهْلِ الْحَرْبِ (غَنِيمَةٌ)؛ لِأَنَّهُ مَالُ كُفَّارٍ، اسْتَوْلَى عَلَيْهِ، فَكَانَ لِلْغَانِمِينَ كَالْبَهِيمَةِ (وَلَهُ) أَيْ: الْأَمِيرِ (قَتْلُهُ) أَيْ: الْقِنِّ (لِمَصْلَحَةٍ) كَالْمُرْتَدِّ.
(وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ) وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ (غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَبَنِي تَغْلِبَ وَنَحْوِهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ أَشْبَهَ أَهْلَ الْكِتَابِ (وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ، فَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ كَغَيْرِهِ.
(وَإِنْ أَسْلَمُوا) أَيْ: الْأَسْرَى الْأَحْرَارُ الْمُقَاتِلُونَ (تَعَيَّنَ رِقُّهُمْ فِي الْحَالِ، وَزَالَ التَّخْيِيرُ) فِيهِمْ (وَصَارَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ النِّسَاءِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَحِلُّ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» وَهَذَا مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ أَسِيرٌ يَحْرُمُ قَتْلُهُ، فَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ فَصَارَ رَقِيقًا كَالْمَرْأَةِ.
(وَقِيلَ: يَحْرُمُ الْقَتْلُ وَيُخَيَّرُ) فِيهِمْ الْأَمِيرُ (بَيْنَ رِقٍّ، وَمَنٍّ، وَفِدَاءٍ، صَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ الشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ ا هـ؛ لِأَنَّهُ جَازَ ذَلِكَ فِي حَالِ كُفْرِهِ فَفِي إسْلَامِهِ أَوْلَى (فَيَجُوزُ الْفِدَاءُ لِيَخْلُصَ مِنْ الرِّقِّ) وَلَهُ أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ لِمَا سَبَقَ.
(وَيَحْرُمُ رَدُّهُ) أَيْ: الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ (إلَى الْكُفَّارِ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ) وَالشَّارِحُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ: الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ (مَنْ يَمْنَعُهُ) مِنْ الْكُفَّارِ (مِنْ عَشِيرَةٍ وَنَحْوِهَا)، فَلَا يُمْنَعُ رَدُّهُ لِأَمْنِهِ.
(وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ قَبْلَ أَسْرِهِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَهُوَ كَمُسْلِمٍ أَصْلِيٍّ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَصَّلْ فِي أَيْدِي الْغَانِمِينَ.
(وَمَتَى صَارَ لَنَا رَقِيقًا مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) وَخُنْثَى (وَبَالِغٍ وَصَغِيرٍ) مُمَيِّزٍ أَوْ دُونَهُ (حَرُمَ مُفَادَاتُهُ بِمَالٍ وَبَيْعُهُ لِكَافِرٍ ذِمِّيٍّ وَ) كَافِرٍ (غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرِ ذِمِّيٍّ كَمُسْتَأْمَنٍ وَمُعَاهَدٍ (وَلَمْ يَصِحَّ) بَيْعُهُ لَهُمْ قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَشْتَرُوا مِمَّا سَبَى الْمُسْلِمُونَ قَالَ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْهَى عَنْهُ أُمَرَاءَ الْأَمْصَارِ هَكَذَا حَكَى أَهْلُ الشَّامِ ا هـ وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِلْإِسْلَامِ الَّذِي يُظْهِرُ وُجُودَهُ إذَا بَقِيَ مُخَالِطًا لِلْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَقِيقًا لِكَافِرٍ.
(وَتَجُوزُ مُفَادَاتُهُ) أَيْ: الْمُسْتَرَقِّ مِنْهُمْ (بِمُسْلِمٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ لِتَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ (وَيُفْدَى الْأَسِيرُ الْمُسْلِمُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي فَيْئِهِمْ أَنْ يُفَادُوا أَسِيرَهُمْ وَيُؤَدُّوا عَنْ غَارِمِهِمْ»؛ وَلِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ أَهَمِّهَا.
(وَإِنْ تَعَذَّرَ) فِدَاؤُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَنْعٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَمِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِحَدِيثِ «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ».
(وَلَا يُرَدُّ) الْأَسِيرُ الْمُسْلِمُ (إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ بِحَالٍ)؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ لَهُمْ عَلَيْهِ.
(وَلَا يُفْدَى) الْأَسِيرُ (بِخَيْلٍ وَلَا سِلَاحٍ)؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَيْنَا (وَلَا بِمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ) لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا (بَلْ) يُفَادَى (بِثِيَابٍ وَنَحْوِهَا) مِنْ الْعُرُوضِ، وَالنُّقُودِ.
(وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ قَتْلُ مَنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِرِقِّهِ)؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ أَشَدُّ مِنْ الرِّقِّ وَفِيهِ إتْلَافُ الْغَنِيمَةِ عَلَى الْغَانِمِينَ وَكَمَا لَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِرِقِّ إنْسَانٍ لَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ بَعْدُ.
(وَلَا رِقُّ مَنْ حَكَمَ بِقَتْلِهِ) أَيْ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ رِقُّ مَنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِمَّنْ يُخَافُ مِنْ بَقَائِهِ النِّكَايَةُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَدُخُولُ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ (وَلَا رِقُّ وَلَا قَتْلُ مَنْ حَكَمَ بِفِدَائِهِ) أَيْ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَرِقَّ، وَلَا أَنْ يَقْتُلَ مَنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِفِدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَنْ حَكَمَ هُوَ بِفِدَائِهِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ وَالرِّقَّ أَشَدُّ مِنْ الْفِدَاءِ، وَيَكُونُ نَقْضًا لِلْحُكْمِ بَعْدَ لُزُومِهِ.
(وَلَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ (الْمَنُّ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ) أَيْ: مَنْ حَكَمَ بِقَتْلِهِ وَرِقِّهِ وَمُفَادَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَّ أَخَفُّ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَإِذَا رَآهُ الْإِمَامُ مَصْلَحَةً جَازَ لَهُ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَمُّ نَظَرًا، وَكَمَا لَوْ رَآهُ ابْتِدَاءً (وَلَهُ) أَيْ: لِلْإِمَامِ (قَبُولُ الْفِدَاءِ مِمَّنْ حَكَمَ) هُوَ أَوْ غَيْرُهُ (بِقَتْلِهِ أَوْ رِقِّهِ)؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْهُمَا؛ وَلِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بِرِضَا الْمَحْكُومِ لَهُ؛ وَلِأَنَّهُمَا حَقُّ الْإِمَامِ فَإِذَا رَضِيَ بِتَرْكِهِمَا إلَى غَيْرِهِمَا جَازَ.
(وَمَتَى حَكَمَ) إمَامٌ وَغَيْرُهُ (بِرِقٍّ أَوْ فِدَاءٍ ثُمَّ أَسْلَمَ) مَحْكُومٌ عَلَيْهِ (فَحُكْمُهُ بِحَالِهِ لَا يُنْقَضُ) لِوُقُوعِهِ لَازِمًا.
(وَلَوْ اشْتَرَاهُ) أَيْ: الْأَسِيرَ (أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَطْلَقَهُ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَهُ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا اشْتَرَاهُ) أَيْ: بِبَدَلِهِ، إنْ كَانَ دَفْعُهُ عَنْهُ (بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ) عَلَى الْأَسِيرِ (إذَا كَانَ) الْأَسِيرُ (حُرًّا أَذِنَ) الْأَسِيرُ (فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ «أَغَارَ أَهْلُ مَاهَ وَأَهْلُ جَلُولَاءَ عَلَى الْعَرَبِ فَأَصَابُوا سَبَايَا مِنْ سَبَايَا الْعَرَبِ فَكَتَبَ السَّائِبُ إلَى عُمَرَ فِي سَبَايَا الْمُسْلِمِينَ وَرَقِيقِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ، فَكَتَبَ عُمَرُ أَيُّمَا رَجُلٍ أَصَابَ رَقِيقَهُ وَمَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ فِي أَيْدِي التُّجَّارِ بَعْدَ مَا انْقَسَمَ، فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَأَيُّمَا حُرٍّ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ إلَيْهِمْ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى»؛ وَلِأَنَّ الْأَسِيرَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِدَاءُ نَفْسِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ حُكْمِ الْكُفَّارِ فَإِذَا أَنَابَ عَنْهُ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ أَدَّى عَنْهُ دَيْنًا وَاجِبًا عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي الْبَابِ بَعْدَهُ).
(وَمَنْ سُبِيَ مِنْ أَطْفَالِهِمْ) أَيْ: الْكُفَّارِ (أَوْ مُمَيَّزِيهِمْ مُنْفَرِدًا) عَنْ أَبَوَيْهِ فَمُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ انْقَطَعَتْ، فَيَصِيرُ تَابِعًا لِسَابِيهِ الْمُسْلِمِ فِي دَيْنِهِ (أَوْ) سُبِيَ (مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَمُسْلِمٌ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَجَعَلَ التَّبَعِيَّةَ لِأَبَوَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ انْقَطَعَتْ التَّبَعِيَّةُ، وَوَجَبَ بَقَاؤُهُ عَلَى حُكْمِ الْفِطْرَةِ قَالَ أَحْمَدُ الْفِطْرَةُ الَّتِي فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ مَعْنَى الْفِطْرَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ حِينَ أَخَذَهُمْ مِنْ صُلْبِ آدَمَ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ: أَلَسْت بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا بَلَى وَبِأَنَّ لَهُ صَانِعًا وَمُدَبِّرًا وَإِنْ عَبَدَ شَيْئًا غَيْرَهُ وَسَمَّاهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَرِثُهُ وَلَدُهُ الطِّفْلُ إجْمَاعًا.
(وَإِنْ كَانَ السَّابِي) لِغَيْرِ الْبَالِغِ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ (ذِمِّيًّا تَبِعَهُ) الْمَسْبِيُّ عَلَى دِينِهِ (كَ) مَسْبِيٍّ (مُسْلِمٍ) لِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لِأَبَوَيْهِ (وَإِنْ سُبِيَ) غَيْرُ الْبَالِغِ (مَعَ أَبَوَيْهِ فَهُوَ عَلَى دِينِهِمَا) لِبَقَاءِ التَّبَعِيَّةِ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ أَبُو حَمْلٍ أَوْ طِفْلٍ أَوْ مُمَيِّزٍ) فَمُسْلِمٌ (لَا) إنْ أَسْلَمَ (جَدٌّ وَجَدَّةٌ)، فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ السَّابِقِ (أَوْ) أَسْلَمَ (أَحَدُهُمَا) أَيْ: أَحَدِ أَبَوَيْ الْحَمْلِ أَوْ الطِّفْلِ أَوْ الْمُمَيِّزِ فَمُسْلِمٌ (أَوْ مَاتَا) أَيْ: أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ (أَوْ) مَاتَ (أَحَدُهُمَا فِي دَارِنَا أَوْ عُدِمَا) أَيْ: الْأَبَوَانِ (أَوْ) عُدِمَ (أَحَدُهُمَا بِلَا مَوْتٍ كَزِنَا ذِمِّيَّةٍ، وَلَوْ بِكَافِرٍ، أَوْ اشْتَبَهَ، وَلَوْ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ، فَمُسْلِمٌ فِي الْجَمِيعِ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ وَلَا يُقْرَعُ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَ، خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ وَلَدُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ.
(وَكَذَا إنْ بَلَغَ) وَلَدُ الْكَافِرِ (مَجْنُونًا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ) فِي الْحَالِ الَّذِي يُحْكَمُ فِيهِ بِإِسْلَامِ غَيْرِ الْبَالِغِ كَإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ مَوْتِهِ بِدَارِنَا، كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ: أَنَّهُ مُسْلِمٌ مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ قَوْلُهُمْ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْمَسْبِيَّ الْمَجْنُونَ رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ وَقَوْلُهُمْ فِي بَابِ الذِّمَّةِ: لَا تُؤْخَذُ مِنْ مَجْنُونٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(وَإِنْ بَلَغَ) مَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ مَوْتِهِ بِدَارِنَا (عَاقِلًا مُمْسِكًا عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ قُتِلَ قَاتِلُهُ)؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى: أَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا مُطْلَقًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَيَرِثُ مِمَّنْ جَعَلْنَاهُ مُسْلِمًا بِمَوْتِهِ حَتَّى، وَلَوْ تُصُوِّرَ مَوْتُهُمَا) أَيْ: أَبَوَيْهِ (مَعًا لَوَرِثَهُمَا) إذْ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ يَعْقُبُ الْمَوْتَ، فَحَالَ الْمَوْتِ كَانَ عَلَى دِينِ مُوَرِّثِهِ لَكِنْ الْحَمْلُ لَا يَرِثُ أَبَاهُ إذَا مَاتَ بِدَارِنَا كَمَا يَأْتِي فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ (وَإِنْ مَاتَا) أَيْ: أَبَوْا غَيْرِ الْبَالِغِ (بِدَارِ حَرْبٍ لَمْ يُجْعَلْ مُسْلِمًا بِذَلِكَ)؛ لِأَنَّهَا دَارُ كُفْرٍ لَا إسْلَامٍ.
(وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِاسْتِرْقَاقِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَوْ سَبَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ)؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مَعْنًى لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَهُ كَالْعِتْقِ.
(وَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (فِي الْقِسْمَةِ، وَ) لَا فِي (الْبَيْعِ) لِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ (وَإِنْ سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا) أَيْ: دُونَ زَوْجِهَا (انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَحَلَّتْ لِسَابِيهَا) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ: وَالْمُحْصَنَاتُ الْآيَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْمُرَادُ: تَحِلُّ لِسَابِيهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ.
(وَإِنْ سُبِيَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ) نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ.
(وَلَيْسَ بَيْعُ الزَّوْجَيْنِ الْقِنَّيْنِ وَ) بَيْعُ (أَحَدِهِمَا طَلَاقًا لِقِيَامِهِ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (مَقَامَ الْبَائِعِ) وَكَذَا هِبَتُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَنَحْوُهَا.