فصل: فَصْلٌ: حكم مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا هُوَ سَاكِنُهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: في الاسم الْعُرْفِيِّ:

وَالْعُرْفِيُّ مَا اشْتَهَرَ مَجَازُهُ حَتَّى عَلَى حَقِيقَتِهِ أَيْ اللُّغَوِيَّةِ (بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ يَكُونُ مَجَازًا لُغَةً سُمِّيَ عُرْفِيًّا لِاسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ لَهُ فِي غَيْرِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً فِي مَعْنًى ثُمَّ يَغْلِبُ عَلَى مَعْنًى آخَرَ عُرْفِيٍّ (كَالرَّاوِيَةِ وَهِيَ فِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِلْمَزَادَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْقِيَاسُ كَسْرُهَا وَهِيَ شَطْرُ الرَّاوِيَةِ وَالْجَمْعُ مَزَايِد قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ (وَفِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا يَسْتَقِي عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ) قَالَهُ فِي الشَّرْحِ فِي مَوْضِعٍ.
وَفِي الشَّرْحِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَالْمُبْدِعِ وَنَصَرَهُ الْمُنْتَهَى وَغَيْرهَا: لِلْجَمَلِ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ (وَالظَّعِينَةُ فِي الْعُرْفِ الْمَرْأَةُ وَفِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِلنَّاقَةِ الَّتِي يُظْعَنُ) أَيْ يُرْتَحَلُ (عَلَيْهَا وَالدَّابَّةُ فِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ.
وَفِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا دَبَّ وَدَرَجَ وَالْعَذِرَةُ وَالْغَائِطُ فِي الْعُرْفِ الْفَضْلَةُ الْمُسْتَقْذَرَة وَفِي الْحَقِيقَة الْعَذِرَةُ فِنَاءُ الدَّارِ) وَمِنْهُ قَوْلُ عَلِيٍّ «مَا لَكُمْ لَا تُنَقُّونَ عَذْرَاتِكُمْ» يُرِيدُ أَفْنِيَتَكُمْ (وَالْغَائِطُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ فَهَذَا) الْمَذْكُورُ (وَأَمْثَالُهُ تَنْصَرِفُ يَمِينُ الْحَالِف إلَى مَجَازِهِ) لِأَنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْحَالِفَ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ فَصَارَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ (دُونَ حَقِيقَتِهِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ مَهْجُورَةً وَلَا يَعْرِفُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ.
(فَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَةٍ تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِجِمَاعِهَا) لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اللَّفْظُ فِي الْعُرْفِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ فَشَمَّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ وَالْيَاسَمِينَ وَلَوْ يَابِسًا حَنِثَ) لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الرَّيْحَانِ حَقِيقَةً.
وَقَالَ الْقَاضِي: تَخْتَصُّ يَمِينُهُ بِالرَّيْحَانِ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى عُرْفًا وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ (وَلَا يَشُمُّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ فَشَمَّ دُهْنَهُمَا أَوْ شَمَّ مَاءَ الْوَرْدِ حَنِثَ) لِأَنَّ الشَّمَّ إنَّمَا هُوَ لِلرَّائِحَةِ دُونَ الذَّاتِ وَرَائِحَةُ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ مَوْجُودَةٌ فِي دُهْنِهِمَا وَرَائِحَةُ الْوَرْدِ مَوْجُودَةٌ فِي مَاءِ الْوَرْدِ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَشُمُّ طِيبًا فَشَمَّ نَبْتًا رِيحُهُ طَيِّبٌ) كَمَرْزَجُوشٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الطِّيبِ فِي الْإِحْرَامِ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الطِّيبِ وَ(لَا) يَحْنَثُ إنْ شَمَّ (فَاكِهَةً) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الطِّيبِ (وَلَا يَأْكُلُ رَأْسًا حَنِثَ بِأَكْلِ كُلّ رَأْسِ حَيَوَانٍ مِنْ الْإِبِلِ) وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (وَالصُّيُودِ وَيَأْكُلُ رُءُوسَ طُيُورٍ وَ) رُءُوسَ (سَمَكٍ وَجَرَادٍ) لِعُمُومِ الِاسْمِ فِيهِ حَقِيقَةً وَعُرْفًا (وَلَا يَأْكُلُ بَيْضًا حَنِثَ بِأَكْلِ كُلِّ بَيْضٍ يُزَايِلُ) أَيْ يُفَارِقُ (بَائِضَهُ، كَثُرَ وُجُودُهُ كَبَيْضِ الدَّجَاجِ أَوْ قَلَّ كَبَيْضِ النَّعَامِ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَيْضِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ) عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَنَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافه، وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَعِنْدَ الْقَاضِي يَحْنَثُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ لِعُمُومِ الِاسْمِ فِيهِ حَقِيقَةً وَعُرْفًا وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ.
وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى.
(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ مَاءً مِلْحًا أَوْ مَاءً نَجِسًا) حَنِثَ لِأَنَّهُ مَاءٌ (أَوْ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَأَكَلَ خُبْزَ الْأُرْزِ أَوْ الذُّرَةَ أَوْ غَيْرهمَا) كَخُبْزِ الدُّخْنِ (فِي مَكَان يُعْتَادُ أَكْلُهُ) فِيهِ (أَوَّلًا حَنِثَ) لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ.
(وَلَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ مَسْجِدًا أَوْ الْكَعْبَةَ أَوْ بَيْتَ رَحَا أَوْ) دَخَلَ (حَمَّامًا أَوْ بَيْتَ شَعْرٍ أَوْ) بَيْتَ (أُدْمٍ) أَيْ جِلْدٍ (أَوْ) دَخَلَ (خَيْمَةً حَنِثَ حَضَرِيًّا كَانَ الْحَالِفُ أَوْ بَدَوِيًّا) لِأَنَّهَا بُيُوتٌ حَقِيقَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} وَقَوْلُهُ:
{إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} الْآيَة- وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَإِذَا كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْتًا وَفِي عُرْفِ الشَّارِعِ حَنِثَ بِدُخُولِهِ وَأَمَّا بَيْتُ الشَّعْرِ وَالْأَدَمِ فَلِأَنَّ اسْمَ الْبَيْتِ يَقَعُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} الْآيَة- وَالْخَيْمَةُ كَذَلِكَ وَ(لَا) يَحْنَثُ (إنْ دَخَلَ دِهْلِيزَ الدَّارِ أَوْ صُفَّتَهَا الَّتِي تَكُونُ وَرَاءَ الْبَابِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى بَيْتًا.
(وَ) لَوْ حَلَفَ (لَا يَرْكَبُ فَرَكِبَ سَفِينَةً حَنِثَ) لِأَنَّهُ رُكُوبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَبُوا فِيهَا} {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ}.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ وَلَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ) أَوْ سَبَّحَ اللَّهَ (أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعُرْفِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ:
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ.
وَقَالَ تَعَالَى:
{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} فَأَمَرَهُ بِالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ مَعَ قَطْعِ الْكَلَامِ عَنْهُ (وَحَقِيقَةُ الذِّكْرِ مَا نَطَقَ بِهِ فَتُحْمَلُ يَمِينُهُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مَا لَا يَنْطِقُ بِهِ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ.
(قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ فَسَمِعَ الْقُرْآنَ حَنِثَ إجْمَاعًا وَإِنْ اُسْتُؤْذِنَ عَلَيْهِ فَقَالَ: اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمَنِينَ يَقْصِدُ الْقُرْآنَ لِيُنَبِّهَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ مَعَ قَصْدِهِ الْقُرْآنَ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْآنَ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ إذَنْ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ أَوْ) مِائَةَ (عَصَا أَوْ) حَلَفَ (لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ أَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ فَجَمَعَهَا) أَيْ الْمِائَةَ (فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً لَمْ يَبَرَّ) لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ فِي الْعُرْفِ وَلِأَنَّ السَّوْطَ أَوْ الْعَصَا فِي قَوْلِهِ مِائَةَ سَوْطٍ أَوْ عَصًا آلَةٌ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَصْدَرِ وَانْتَصَبَتْ انْتِصَابَهُ فَصَارَ مَعْنَاهُ لَأَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا فَلَا يَبَرُّ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَأَجَابَ فِي الشَّرْحِ عَنْ قِصَّةِ أَيُّوبَ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَوْ كَانَ عَامًّا لَمَا خُصَّ بِالْمِنَّةِ عَلَيْهِ وَعَنْ الْمَرِيضِ الْمَجْلُودِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي الْحَدِّ الَّذِي وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ فَلَأَنْ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْيَمِينِ (أَوْلَى وَيَبَرُّ بِمِائَةِ ضَرْبَةٍ مُؤْلِمَةٍ) لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ يَمِينِهِ (وَإِنْ قَالَ) لَيَضْرِبَنَّهُ (بِمِائَةِ سَوْطٍ) فَجَمَعَهَا وَضَرَبَهُ بِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً (بَرَّ) لِأَنَّهُ ضَرَبَهُ بِمِائَةِ سَوْطٍ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ) أَوْ غَيْرَهَا (فَخَنَقَهَا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا أَوْ عَضَّهَا تَأْلِيمًا لَا تَلَذُّذًا حَنِثَ) لِأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ الضَّرْبِ التَّأْلِيمُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ (وَلَوْ لَمْ يَنْوِ) أَنْ لَا يُؤْلِمَهَا فِي (يَمِينِهِ) هَذِهِ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ خَنَقَهَا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا أَوْ عَضَّهَا تَأْلِيمًا (بَرَّ) لِحُصُولِ مَقْصُودِ الضَّرْبِ بِهِ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ شَيْئًا فَأَكَلَهُ مُسْتَهْلَكًا فِي غَيْرِهِ مِثْلَ أَنْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَأَكَلَ زُبْدًا) لَا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُ اللَّبَنِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ لَا يَظْهَرُ مَعَهُ فِيهِ أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ بَيْضًا فَأَكَلَ نَاطِفًا أَوْ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا فَأَكَلَ اللَّحْمَ الْأَحْمَرَ أَوْ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْمُسْتَهْلَكَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْمُسْتَهْلَكِ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمُسْتَهْلَكَ فِي الشَّيْءِ يَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْحَالِفِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ حَلَفَ لِمَعْنًى فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) فِيمَا أَكَلَهُ (حَنِثَ) كَمَا لَوْ أَكَلَهُ مُنْفَرِدًا (وَلَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَشَرِبَهُ أَوْ لَا يَشْرَبُهُ) أَيْ السَّوِيقَ (فَأَكَلَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ الْحَالِفَ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ يُقْصَدُ بِهِ فِي الْعُرْفِ اجْتِنَابُ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِالْكُلِّيَّةِ فَحُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَى ذَلِكَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى:
{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ تَحْرِيمَ شُرْبِهَا وَلَوْ قَالَ طَبِيبٌ لِمَرِيضٍ لَا تَأْكُلْ الْعَسَلَ كَانَ نَاهِيًا لَهُ عَنْ شُرْبِهِ وَبِالْعَكْسِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ فَمَصَّ قَصَبَ السُّكَّرِ أَوْ) مَصَّ (الرُّمَّانَ وَنَحْوَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ لَا يُسَمَّى أَكْلًا وَلَا شُرْبًا (وَكَذَا) لَوْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا فَتَرَكَهُ فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَ وَابْتَلَعَهُ) لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْلًا حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرُّمَّانِ.
(وَ) لَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ (لَا يَطْعَمُهُ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَمَصِّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} وَلِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ طُعْمٌ (وَإِنْ ذَاقَهُ وَلَمْ يَبْلَعْهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّائِمَ لَا يُفْطِرُ بِهِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَذُوقُهُ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ لِأَنَّهُ ذَوْقٌ وَزِيَادَةٌ) قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَفِيمَنْ لَا ذَوْقَ لَهُ نَظَرٌ (وَكَذَلِكَ إنْ مَضَغَهُ وَرَمَى بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ ذَاقَهُ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ مِنْ الْكُوزِ فَصَبَّ مِنْهُ فِي إنَاءٍ وَشَرِبَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ (وَعَكْسُهُ) لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ (إنْ اغْتَرَفَ بِإِنَاءٍ مِنْ النَّهْرِ أَوْ الْبِئْرِ) وَشَرِبَ مِنْهُ حَنِثَ لِأَنَّ الشُّرْبَ مِنْهُمَا عُرْفًا كَذَلِكَ.
(وَ) لَوْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ حَنِثَ بِالثَّمَرَةِ فَقَطْ وَلَوْ لَقَطَهَا مِنْ تَحْتِهَا) وَأَكَلَهَا لِأَنَّهَا مِنْ الشَّجَرَةِ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْوَرَقِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ هِيَ الْمُتَبَادِرَةُ إلَى الذِّهْنِ.
(وَ) لَوْ حَلَفَ (لِيَأْكُلَنَّ أَكْلَةً بِالْفَتْحِ) أَيْ فَتْحِ الْهَمْزَةِ (لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَأْكُلَ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ أَكْلَةً) وَهِيَ الْمَرَّةُ مِنْ الْأَكْلِ (وَالْأُكْلَةُ بِالضَّمِّ اللُّقْمَةُ وَ) مِنْهُ حَدِيثُ «فَلْيُنَاوِلْهُ فِي يَدِهِ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ».
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَطَهَّرُ وَلَا يَتَطَيَّبُ فَاسْتَدَامَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ اسْمُ الْفِعْلِ عَلَى مُسْتَدِيمِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يُقَالُ تَزَوَّجْتُ شَهْرًا وَلَا تَطَيَّبْتُ شَهْرًا وَإِنَّمَا يُقَالُ مُنْذُ شَهْرٍ وَلَمْ يُنَزِّلْ الشَّارِعُ اسْتِدَامَةَ التَّزْوِيجِ وَالطِّيبِ مَنْزِلَةَ ابْتِدَائِهِ فِي تَحْرِيمِهِ فِي الْإِحْرَامِ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَرْكَبُ وَهُوَ رَاكِبٌ وَلَا يَلْبَسُ وَهُوَ لَابِسٌ وَلَا يَلْبَس مِنْ غَزْلِهَا وَعَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ أَوْ) حَلَفَ (لَا يَقُومُ وَلَا يَقْعُدُ وَلَا يَسْتَتِرُ وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ) أَيْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ دَاخِلَهَا فَأَقَامَ فِيهَا أَوْ) حَلَفَ (لَا يُضَاجِعُهَا عَلَى فِرَاشٍ وَهُمَا مُتَضَاجِعَانِ فَاسْتَدَامَ أَوْ ضَاجَعَتْهُ وَدَامَ حَنِثَ) لِأَنَّ الْمُسْتَدِيمَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ: رَكِبَ شَهْرًا وَلَبِسَ شَهْرًا وَنَحْوَهُ وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ الِاسْتِدَامَةُ هُنَا فِي الْإِحْرَامِ حَيْثُ حَرَّمَ لِبْسَ الْمَخِيطِ فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ بِاسْتِدَامَتِهِ كَمَا لَوْ أَوْجَبَهَا فِي ابْتِدَائِهِ (وَكَذَا) لَوْ حَلَفَ (لَا يَطَؤُهَا) فَدَامَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يُمْسِكُ) شَيْئًا فَدَامَ (أَوْ لَا يُشَارِكُهُ فَدَامَ) عَلَى ذَلِكَ فَيَحْنَثُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ فُلَانٌ عَلَيْهِ فَأَقَامَ) الْحَالِفُ (مَعَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَقَامِ كَابْتِدَائِهِ فِي التَّحْرِيمِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَكَذَا هُنَا (مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْحَالِفِ (نِيَّةٌ) أَوْ لِلْيَمِينِ سَبَبٌ فَيُعْمَلُ بِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى.

.فَصْلٌ: حكم مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا هُوَ سَاكِنُهَا:

(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا هُوَ سَاكِنُهَا أَوْ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَهُوَ مُسَاكِنُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ فِي الْحَالِ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ مَعَ إمْكَانِهِ حَنِثَ) لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ السُّكْنَى سُكْنَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ سَكَنَ الدَّارَ شَهْرًا (إلَّا أَنْ يُقِيم لِنَقْلِ مَتَاعِهِ) وَأَهْلِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ وَإِنْ تَرَدَّدَ إلَى الدَّارِ لِنَقْلِ الْمَتَاعِ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ لَمْ يَحْنَثْ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِسُكْنَى (أَوْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْخُرُوجَ فَيُقِيمُ إلَى أَنْ يُمْكِنَهُ الْخُرُوجُ) لِأَنَّهُ أَقَامَ لِدَفْعِ الضَّرَر وَإِزَالَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا، فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ النَّهْي وَيَكُونُ خُرُوجُهُ (بِحَسَبِ الْعَادَةِ) لَا لَيْلًا (فَلَوْ كَانَ ذَا مَتَاعٍ كَثِيرٍ فَنَقَلَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا عَلَى الْعَادَةِ بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُ النَّقْلَ الْمُعْتَادَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ.
(وَإِنْ أَقَامَ عَلَى) ذَلِكَ (أَيَّامًا) لِلْحَاجَةِ (وَلَا يَلْزَمُهُ جَمْعُ دَوَابِّ الْبَلَدِ لِنَقْلِهِ وَلَا) يَلْزَمُهُ أَيْضًا (النَّقْلُ وَقْتَ الِاسْتِرَاحَةِ عِنْدَ التَّعَبِ وَلَا أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُعْتَادِ (وَإِنْ خَرَجَ دُونَ مَتَاعِهِ) الْمَقْصُودِ (وَأَهْلِهِ) مَعَ إمْكَانِ نَقْلِهِمْ (حَنِثَ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ) وَلِهَذَا يُقَالُ: فُلَانٌ سَاكِنٌ فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ (إلَّا أَنْ يُودِعَ مَتَاعَهُ أَوْ يُعِيرَهُ أَوْ يَزُولَ مُلْكُهُ عَنْهُ أَوْ تَأْبَى امْرَأَتُهُ الْخُرُوجَ مَعَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ إكْرَاهُهَا أَوْ كَانَ لَهُ عَائِلَةٌ فَامْتَنَعُوا وَلَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُهُمْ فَيَخْرُجُ وَحْدَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ وَإِبَاءَ امْرَأَتِهِ الْخُرُوجَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُمَا حِنْثٌ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْمُقَامِ لَمْ يَحْنَثْ) مَا دَامَ الْإِكْرَاهُ فَإِذَا زَالَ بَادَرَ بِالْخُرُوجِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَكَذَا إنْ كَانَ) الْحَلِفُ (فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فِي وَقْتٍ لَا يَجِدُ مَنْزِلًا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ أَوْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْزِلِ) الَّذِي يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ (أَبْوَابٌ مُغْلَقَةٌ لَا يُمْكِنهُ فَتْحُهَا أَوْ خَوْفٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ فَأَقَامَ فِي طَلَبِ النُّقْلَةِ أَوْ) أَقَامَ فِي (انْتِظَارِ زَوَالِ الْمَانِعِ أَوْ خَرَجَ طَالِبًا النُّقْلَةَ فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ لَا يَجِدُ مَسْكَنًا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ لِتَعَذُّرِ الْكِرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ بَهَائِمَ يَنْقُلُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ النُّقْلَةُ بِدُونِهَا) أَيْ الْبَهَائِمِ (فَأَقَامَ نَاوِيًا لِلنُّقْلَةِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَقَامَ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ) لِأَنَّ إقَامَتَهُ عَنْ اخْتِيَارٍ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ النُّقْلَةِ كَالْمُقِيمِ لِلْإِكْرَاهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ النُّقْلَةُ بِحَمَّالِينَ بِلَا بَهَائِمَ وَأَقَامَ حَنِثَ وَأَنَّهُ إنْ أَقَامَ غَيْرَ نَاوٍ لِلنُّقْلَةِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا حَنِثَ.
وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ (قَالَ الشَّيْخُ: وَالزِّيَارَةُ لَيْسَتْ سُكْنَى اتِّفَاقًا) فَلَوْ تَرَدَّدَ لِلدَّارِ الَّتِي حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا زَائِرًا لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا (وَالسَّفَرُ الْقَصِيرُ سَفَرٌ) يَبَرُّ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَيُسَافِرَنَّ، وَيَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبُ يَمِينٍ نَقَلَ الْأَثْرَمُ أَقَلَّ زَمَنٍ يَكُونُ سَفَرًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فَانْتَقَلَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَحْنَثْ) لِانْقِطَاعِ الْمُسَاكَنَةِ (وَإِنْ بَنَيَا بَيْنَهُمَا حَاجِزًا وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا فِي الْمُسَاكَنَةِ حَنِثَ لِأَنَّهُمَا بِتَشَاغُلِهِمَا بِبِنَاءِ الْحَاجِزِ قَدْ تَسَاكَنَا قَبْلَ وُجُودِهِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَتَانِ كُلُّ حُجْرَةٍ تَخْتَصُّ بِبَابِهَا وَمَرَافِقِهَا فَسَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (حُجْرَةً لَمْ يَحْنَثْ) حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَلَا سَبَبَ كَمَا فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَاكِنٌ فِي حُجْرَتِهِ فَلَا يَكُونُ مُسَاكِنًا لِغَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ سَكَنَا فِي دَارَيْنِ مُتَجَاوِرَتَيْنِ وَالْحُجْرَةُ الْبَيْتُ وَكُلُّ بِنَاءٍ مَحُوطٍ عَلَيْهِ وَالْجَمْعُ حُجَرٌ وَحُجُرَاتٌ كَغُرَفٍ وَغُرُفَاتٍ.
(وَإِنْ كَانَا فِي حُجْرَةِ دَارٍ وَاحِدَةٍ حَالَةَ الْيَمِينِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا وَقَسَمَاهَا حُجْرَتَيْنِ وَفَتَحَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ الْبَيْتَيْنِ (بَابًا وَبَيْنَهُمَا حَاجِزٌ ثُمَّ سَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حُجْرَةٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَسَاكِنَيْنِ (وَإِنْ سَكَنَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتٍ ذِي بَابٍ وَغَلَقٍ رَجَعَ إلَى نِيَّتِهِ بِيَمِينِهِ) أَيْ الْحَالِفِ لَا يُسَاكِنُ (أَوْ إلَى سَبَبِهَا) أَيْ الْيَمِينِ (وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرَائِنُ أَحْوَالِهِ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ فِيهِ) لِأَنَّ النِّيَّةَ وَسَبَبَ الْيَمِينِ يُقَدَّمَانِ عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ) أَيْ النِّيَّةُ وَسَبَبُ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا (حَنِثَ) لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسَاكِنًا لَهُ.
تَتِمَّةٌ:
قَالَ فِي الْفُنُونِ: فِيمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْتِ عَلَيَّ الْبَيْتَ وَلَا كُنْتِ لِي زَوْجَةً إنْ لَمْ تَكْتُبِي لِي نِصْفَ مَالِكِ فَكَتَبَتْ لَهُ بَعْدَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِاسْتِدَامَةِ الْمُقَامِ، فَكَذَا اسْتِدَامَةُ الزَّوْجِيَّةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا سَاكَنْتُ فُلَانًا فِي هَذِهِ الدَّارِ وَهُمَا غَيْرُ مُتَسَاكِنَيْنِ) قُلْتُ: أَوْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ (فَبَنَيَا بَيْنَهُمَا حَائِطًا وَفَتَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابًا لِنَفْسِهِ وَسَكَنَاهَا) بَعْدَ ذَلِكَ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُعَدَّ مُسَاكِنًا لَهُ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَخَرَجَ وَحْدَهُ دُونَ أَهْلِهِ بَرَّ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْخُرُوجِ لَمْ يُعَارِضْهَا مُعَارِضٌ فَوَجَبَ حُصُولُ الْبِرِّ لِحُصُولِ الْحَقِيقَةِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَخْرُجَنَّ) مِنْ هَذِهِ الدَّارِ (أَوْ لَيَدْخُلَنَّ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَ دُونَ أَهْلِهِ لَمْ يَبَرَّ) لِأَنَّ الدَّارَ يَخْرُجُ مِنْهَا صَاحِبُهَا كُلَّ يَوْمٍ عَادَةً فَظَاهِرُ حَالِهِ إرَادَةُ خُرُوجِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ بِخِلَافِ الْبَلَدِ (كَحَلِفِهِ لَا يَسْكُنُهَا) أَيْ الدَّارَ (أَوْ لَا يَأْوِيهَا أَوْ لَا يَنْزِلُهَا) فَلَا يَبَرُّ إلَّا إذَا خَرَجَ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَخْرُجَنَّ) مِنْ الْبَلَدِ (أَوْ لَيَرْحَلَنَّ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ لَيَرْحَلَنَّ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ فَفَعَلَ فَلَهُ الْعَوْدُ) إلَيْهَا (إنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ وَلَا سَبَبٌ) لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى الْخُرُوجِ وَقَدْ وُجِدَ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ وَكَقَوْلِهِ: إنْ خَرَجْتُ فَلَكَ دِرْهَمٌ اسْتَحَقَّ بِخُرُوجٍ أَوَّل ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.

.فَصْلٌ: حكم مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا:

(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَحُمِلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَأُدْخِلَهَا وَأَمْكَنَهُ الِامْتِنَاعُ فَلَمْ يَمْتَنِعْ حَنِثَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الدُّخُولُ (بِضَرْبٍ وَنَحْوِهِ) كَأَخْذِ مَالٍ يَضُرُّهُ أَوْ تَهْدِيدٍ بِقَتْلٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَدَخَلَ لَمْ يَحْنَثْ) لِحَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (وَيَحْنَثُ بِالِاسْتِدَامَةِ بَعْدَ) زَوَالِ (الْإِكْرَاهِ) لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الدُّخُولِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَائِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ مُخْتَارًا، وَمَتَى دَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ حَنِثَ سَوَاءٌ كَانَ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا أَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَاءٍ فَجَرَّهُ إلَيْهَا أَوْ سَبَحَ فِيهِ فَدَخَلَهَا، وَسَوَاءٌ دَخَلَ مِنْ بَابِهَا أَوْ تَسَوَّرَ حَائِطَهَا أَوْ دَخَلَ مِنْ طَاقَةٍ فِيهَا أَوْ ثَقَبَ حَائِطِهَا وَدَخَلَ مِنْ ظَهْرِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُهُ فَخَدَمَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ قَصَدَ اجْتِنَابَ خِدْمَتِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ (وَلَوْ كَانَ الْخَادِمُ عَبْدَهُ) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا خَدَمَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ كَعَبْدِ غَيْرِهِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَشْرَبَنَّ هَذَا الْمَاءَ غَدًا) فَتَلِفَ قَبْلَهُ (أَوْ) حَلَفَ (لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ غَدًا فَتَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ) أَيْ الْحَالِفِ (قَبْلَ الْغَدِ أَوْ) تَلِفَ (فِيهِ) أَيْ فِي الْغَدِ (وَلَوْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهِ) حَنِثَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَحُجَّنَّ الْعَامَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَجِّ لِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِمَعْنًى فِي الْمَجْلِسِ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ ضَرْبَهُ لِصِغَرِهِ أَوْ تَرَكَ الْحَالِفُ الْحَجَّ لِصُعُوبَةِ الطَّرِيقِ (أَوْ) حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ هَذَا الْمَاءَ أَوْ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ وَ(أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَقْتٍ فَتَلِفَ قَبْلَ فِعْلِهِ حَنِثَ حَالَ تَلَفِهِ) لِلْيَأْسِ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ الْغَدِ أَوْ جُنَّ فَلَمْ يُفِقْ إلَّا بَعْد خُرُوجِ الْغَدِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ الْغَدُ وَالْحَالِفُ قَدْ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ حِنْثُهُ بِخِلَافِ مَوْتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (وَإِنْ ضَرَبَهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْغَدِ لَمْ يَبَرَّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَصَامَ يَوْمَ الْخَمِيسِ (أَوْ) ضَرَبَهُ (فِيهِ ضَرَبًا لَا يُؤْلِمُهُ) لَمْ يَبَرَّ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الضَّرْبِ (أَوْ) ضَرَبَ فِي الْغَدِ (بَعْدَ مَوْتِ الْغُلَامِ) لَمْ يَبَرَّ لِعَدَمِ الْإِحْسَاسِ (أَوْ أَفَاقَ الْحَالِفُ مِنْ جُنُونِهِ فِي الْغَدِ وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا، أَوْ مَاتَ فِيهِ) أَيْ فِي الْغَدِ حَنِثَ لِوُجُودِ جُزْءٍ هُوَ فِيهِ مُكَلَّفٌ فَيَصِحُّ لِشِبْهِ الْحِنْثِ إلَيْهِ فِيهِ.
(أَوْ هَرَبَ الْغُلَامُ أَوْ مَرِضَ هُوَ) أَيْ الْغُلَامُ (أَوْ الْحَالِفُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَرْبِهِ) فِي الْغَدِ (حَنِثَ) أَيْ الْحَالِفُ لِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَضْرِبْهُ لِصِغَرِهِ (وَإِنْ جُنَّ الْغُلَامُ وَضَرَبَهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْغَدِ (بَرَّ) لِأَنَّهُ لَا يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ (وَإِنْ ضَرَبَهُ فِي الْغَدِ أَوْ خَنَقَهُ أَوْ نَتْفَ شَعْرَهُ أَوْ عَصَرَ سَاقَهُ بِحَيْثُ يُؤْلِمُهُ بَرَّ) لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الضَّرْبِ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ وَلِذَلِكَ يَحْنَثُ بِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ هَذَا الْغُلَامَ الْيَوْمَ أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَمَاتَ الْغُلَامَ أَوْ تَلِفَ الرَّغِيفُ أَوْ مَاتَ الْحَالِفُ) قَبْلَ فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ (حَنِثَ) الْحَالِفُ فِي آخَرِ حَيَاةِ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا وَعِنْدَ تَلَفِ الرَّغِيفِ لِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (وَلَا يَكْفُلُ بِمَالٍ فَكَفَلَ بِبَدَنٍ وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ) إنْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَكْفُلْ مَالًا وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَرَاءَةَ حَنِثَ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ مَا عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ.
(وَإِنْ حَلَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لَيَقْضِيَنَّهُ) أَيْ رَبَّ الْحَقِّ (حَقَّهُ فَأَبْرَأَهُ) رَبُّ الْحَقِّ (أَوْ أَخَذَ عَنْهُ عِوَضًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْقَضَاءِ حُصُولُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَقِّ وَقَدْ وُجِدَ (وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَقِّ فَقَضَى) الْحَالِفُ (وَرَثَتَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ قَضَاءَ وَرَثَتِهِ يَقُومُ مَقَامَ قَضَائِهِ فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، فَكَذَا فِي يَمِينِهِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا أَبْرَأَهُ الْيَوْمَ أَوْ) أَبْرَأَهُ (قَبْلَ مُضِيِّهِ أَوْ مَاتَ رَبُّهُ فَقَضَاهُ) الْحَالِفُ (لِوَرَثَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ) لِمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ) حَلَفَ (لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ أَوْ مَعَ رَأْسِهِ أَوْ إلَى رَأْسِهِ أَوْ) إلَى (اسْتِهْلَالِهِ أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ مَعَ رَأْسِهِ فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ بَرَّ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَقْتُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ هُوَ آخِرُهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ عِنْدَ الْغُرُوبِ بَلْ بَعْدَهُ (فَلَا) بَرَّ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيَحْنَثُ إذَا تَأَخَّرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ مَعَ إمْكَانِهِ (وَلَوْ شَرَعَ) الْحَالِفُ (فِي عَدِّهِ أَوْ كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ ذَرْعِهِ فَتَأَخَّرَ الْقَضَاءُ) لِكَثْرَتِهِ (لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَشَرَعَ فِي أَكْلِهِ فِيهِ وَتَأَخَّرَ الْفَرَاغُ لِكَثْرَتِهِ) وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا تُعْتَبَرُ الْمُقَارَنَةُ فَيَكْفِي حَالُ الْغُرُوبِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ (لَا أَخَذْتَ حَقَّكَ مِنِّي فَأُكْرِهَ) الْحَالِفُ (عَلَى دَفْعِهِ) لِغَرِيمِهِ فَأَخَذَهُ حَنِثَ (أَوْ أَخَذَهُ) أَيْ الْحَقَّ (حَاكِمٌ فَدَفَعَهُ إلَى غَرِيمِهِ فَأَخَذَهُ) الْغَرِيمُ (حَنِثَ) الْحَالِفُ لِأَنَّ غَرِيمَهُ أَخَذَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَقَدْ وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَا بِفِعْلِهِ اخْتِيَارًا (كَ) مَا لَوْ حَلَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَى رَبِّهِ (لَا تَأْخُذُ حَقَّكَ عَلِيَّ) فَأُكْرِهَ الْحَالِفُ عَلَى الدَّفْعِ لَهُ أَوْ أَخَذَهُ حَاكِمٌ فَدَفَعَهُ إلَى غَرِيمِهِ حَنِثَ الْحَالِفُ لِمَا سَبَقَ وَ(لَا) يَحْنَثُ الْحَالِفُ (إنْ أُكْرِهَ قَابِضُهُ) عَلَى قَبْضِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (وَلَا إنْ وَضَعَهُ الْحَالِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ الْغَرِيمِ (أَوْ فِي حِجْرِهِ فَلَمْ يَأْخُذهُ الْغَرِيمُ) فَلَا حِنْثَ عَلَى الْحَالِفِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَخْذٍ (لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مِثْلَ هَذَا مَالٌ وَلَا صَيْدٌ) فِي إحْرَامٍ أَوْ حَرَمٍ (وَيَحْنَثُ) الْحَالِفُ (لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا أُعْطِيكَ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ إذْ هُوَ) أَيْ الْإِعْطَاءُ (تَمْكِينٌ وَتَسْلِيمٌ بِحَقٍّ فَهُوَ كَتَسْلِيمِ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَأُجْرَةٍ وَزَكَاةٍ) فَإِنْ أَخَذَهُ حَاكِمٌ وَأَعْطَاهُ لِلْغَرِيمِ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ لَا يُعْطِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِعْطَاءٍ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا أُفَارِقَكَ حَتَّى أَسْتَوْفِي حَقِّي مِنْكَ فَفَارَقَهُ) الْحَالِفُ (مُخْتَارًا أَبْرَأَهُ مِنْ الْحَقِّ أَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَوْ أَذِنَ الْحَالِفُ) لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْمُفَارَقَةِ (أَوْ فَارَقَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ) الْحَالِفِ (أَوْ هَرَبَ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنهُ مُلَازَمَتُهُ وَالْمَشْي مَعَهُ) حَنِثَ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِاخْتِيَارِهِ (أَوْ أَحَالَهُ الْغَرِيمُ بِحَقِّهِ) فَفَارَقَهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ حَقَّهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ بَرَّ فَوَجْهَانِ (أَوْ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِفِرَاقِهِ) فَفَارَقَهُ (أَوْ) لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ (كَمَنْ فَارَقَهُ لِعِلْمِهِ بِوُجُوبِ مُفَارَقَتِهِ) حَنِثَ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقَّهُ (إلَّا أَنْ يَهْرُبَ) الْمَدِينُ (مِنْهُ) أَيْ الْحَالِفِ (بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ) فَلَا يَحْنَثُ كَمَا لَوْ فَارَقَهُ مُكْرَهًا (أَوْ قَضَاهُ عَنْ حَقِّهِ عَرْضًا ثُمَّ فَارَقَهُ) لِأَنَّهُ قَضَاهُ حَقَّهُ (كَ) مَا لَوْ حَلَفَ (لَا فَارَقْتُكَ تَبْرَأُ مِنْ حَقِّي أَوْ) لَا فَارَقْتُكَ (وَلِي قِبَلَكَ حَقٌّ) وَأَعْطَاهُ عَنْهُ عِوَضًا ثُمَّ فَارَقَهُ فَلَا حِنْثَ وَجْهًا وَاحِدًا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ فِي الثَّانِيَةِ.
(وَإِنْ قَضَاهُ) الْمَدِينُ (قَدْرَ حَقِّهِ فَارَقَهُ ظَنًّا أَنَّهُ قَدْ وَفَّاهُ فَخَرَجَ رَدِيئًا أَوْ مُسْتَحَقًّا فَكَنَاسٍ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فَيَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ لَا فِي يَمِينٍ بِاَللَّهِ وَنَذْرٍ (وَفِعْلٍ وَكِيلٍ كَهُوَ) أَيْ كَفِعْلٍ مُوَكَّلٍ (فَلَوْ وَكَّلَ) الْحَالِفُ لَا فَارَقْتُكَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْكَ (فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَفَارَقَهُ الْمُوَكَّلُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْوَكِيلِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ (وَإِنْ فَارَقَهُ) الْحَالِفُ (مُكْرَهًا بِمَخُوفٍ كَإِلْجَاءٍ بِسَبِيلٍ وَنَحْوِهِ أَوْ تَهْدِيدٍ بِضَرْبٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَحْنَثْ) لِلْخَبَرِ وَالْمَعْنَى.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا فَارَقْتَنِي) حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْكَ وَنَحْوَهُ (فَفَارَقَهُ الْغَرِيمُ أَوْ الْحَالِفُ طَوْعًا حَنِثَ) لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ لَا حَصَلَ مِنَّا فُرْقَةٌ وَقَدْ حَصَلَتْ وَ(لَا) يَحْنَثُ إنْ فَارَقَهُ (كَرْهًا) سَوَاءٌ كَانَ الْمُكْرَهُ الْحَالِفَ أَوْ الْغَرِيمُ لِمَا سَبَقَ.
(وَ) لَوْ حَلَفَ (لَا افْتَرَقْنَا) حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي (فَهَرَبَ) الْغَرِيمُ (حَنِثَ) الْحَالِفُ لِوُجُودِ الْفُرْقَةِ وَ(لَا) يَحْنَثُ (إنْ أُكْرِهَا) قُلْتُ أَوْ أَحَدُهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَحَلَفَ رَبُّهُ (لَا فَارَقْتُك حَتَّى أُوَفِّيك حَقَّكَ فَأَبْرَأَهُ الْغَرِيمُ مِنْهُ فَكَمُكْرَهٍ) فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ لِأَنَّ فَوَاتَ الْبِرِّ مِنْهُ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ.
(وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا) مِنْ وَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَنَحْوِهَا وَحَلَفَ لَا يُفَارِقهُ حَتَّى يُوَفِّيَهَا لَهُ (فَوَهَبَهَا لَهُ الْغَرِيمُ) أَيْ مَالِكُهَا (فَقَبِلَهَا) الْحَالِفُ (حَنِثَ) لِأَنَّ الْبِرَّ فَاتَهُ بِاخْتِيَارِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْقَبُولِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ (وَإِنْ قَبَضَهَا) أَيْ رَبُّهَا (مِنْهُ) أَيْ الْحَالِفِ (ثُمَّ وَهَبَهَا إيَّاهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّاهُ حَقَّهُ وَالْهِبَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُنَافِيهِ (وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا أُفَارِقُكَ وَلَك فِي قِبَلِي حَقٌّ لَمْ يَحْنَثْ إذَا أَبْرَأَهُ) رَبُّ الدَّيْنِ مِنْهُ (أَوْ وَهَبَ) رَبُّ الْعَيْنِ (الْعَيْنَ لَهُ أَوْ أَحَالَهُ) الْمَدِينُ بِدَيْنِهِ قُلْتُ وَكَذَا لَوْ أَحَالَ عَلَيْهِ رَبُّ الدَّيْنِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ رَبَّ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ (وَقَدْرُ الْفُرْقَةِ مَا عَدَّهُ النَّاسُ فِرَاقًا كَفُرْقَةٍ) تُبْطِلُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ فِي (الْبَيْعِ) لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارًا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ (وَمَا نَوَاهُ) الْحَالِفُ (بِيَمِينِهِ) مِمَّا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَاهُ (وَكَذَا مَا اقْتَضَاهُ سَبَبُ الْيَمِينِ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَقَدَّمَ مَالَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْبَابِ فِي) كِتَابِ (الطَّلَاقِ) فَالْحُكْمُ هُنَا وَهُنَاكَ وَاحِدٌ مَا عَدَا مَا يُنَبَّهُ عَنْهُ.